عرض مشاركة واحدة
قديم 25-05-20, 03:18 PM   #41

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي



.. الفصل الثالث والثلاثون ..

.
.

[ التوجه نحو المجهول ]

.
.

تنهد بعمق وصداع قوي داهم رأسه ، نزل من على ظهر برق بقفزة واحدة عندما سمع جدول ماء بالقرب منهم يجري ، توجه نحوه ليرتمي بجسده على أعتاب النهر الجاري والذي زينته الأسماك الملونة والطحالب الخضراء ، نزع معطفه الأسود ورماه على الأرض بكل إهمال ، أخذ يغترف من مياهها الكثير يسكبه على رأسه ويرميه على وجهه يرتجي الصمود ، فدخوله إلى الحدود الجنوبية من جديد أمر يكاد يفتك بروحه قبل جسده ، أرض لم تطأ قدماه إياها منذ ما يقارب العشر سنوات وبعد أحداث تلك الليلة المنكوبة والتي كانت أخر ليلة يقضيها مع فارس وسيف ، أحداث لم يستطع نسيانها مهما حاول فهي حفرت في ذاكرته ونقشت في صدره وهزت جميع أركان كيانه بكل عنف ، تخللت أنامله الطويلة خصلات شعره المشبع بالمياه كل ما يريده الآن أن لا يفكر في شيء فقط ينجز مهمته ويخرج بسلام ، وكم يتمنى أن ينتهي قبل حلول الظلام من المفاوضة مع سيدهم ، رفع رأسه لتلتقي عينيه بحصانه برق عندما انحنى برأسه ليعبث بخصلات شعر وسام وكأنه يواسيه ويخبره بأنه معه وبجانبه ، ابتسم بخفة وأخذت أنامله تداعب وجه برق وخصلاته السوداء في حركات كم يعشقها برق من فارسه ، سحب معطفه وامتطى برق فعليه أن يحقق رغبة والده وألا يستسلم لذكريات ماضيه بل يجب عليه أن يدوس على قلبه وألمه قليلا لينتهي من هذه المهمة المنهكة للروح ، ضرب بقدمه ليسرع برق الذي سرعان ما استجاب لرغبته وسابق الريح قاطعا تلك المسافات الطويلة والمنقطعة والخالية من أي مخلوق في مدة تجاوزت قرابة الأربع ساعات ليصل إلى الحدود أخيرا ، استوقفه حرس الحدود وقال أحدهم بخشونة :
- توقف من أنت ولماذا أنت هنا ..؟!
رمقه وسام ببرود وقال :
- أريد مقابلة السيد رأفت ..
ضحك ساخرا وقال :
- وبصفتك من يا هذا ..!!
حينها اخرج وسام اللفافة المطوية من جيب معطفه والتي أعطاه إياها والده سابقا لهذا الموقف ، مدها له وقال ببرود :
- بصفتي مرسول من الإمبراطور عامر ..
التقطها سريعا وفتحها لتتنقل عينيه بين سطورها المكتوبة لتستقر أخيرا عند الختم الإمبراطوري الخاص بعائلة الإمبراطور عامر الحاكمة والتي استطاع رائد الحصول عليه وبصعوبة ، اتسعت عيناه بصدمة وانحنى له باحترام وقال بارتباك :
- أ..أعتذر منك سيدي يمكنك الدخول ..
وفسحوا له الطريق كل من كان يقف أمامه ، ابتسم وسام متهكما وقال ببرود وهو يجتازهم :
- لست سيدك أنا وسام فقط ..
دخل ونوبة الصداع تكاد تفتك برأسه فحتى الهواء داخل أراضي الحدود الجنوبية تكاد تخنقه ، نبضاته تزداد شيئا فشيئا معلنة عن مدى الألم الذي يجتاح صدره من ذكرى الماضي ، أسرع الخطى كي لا يفقد وعيه في أي لحظة فهو لم يعد متأكدا من صموده أكثر ، وبعد دقائق توقف أمام القصر الضخم والمحاط بأعداد هائلة من الحرس ، أفسحوا له الطريق ليعبر ووجّهه أحدهم إلى أن دخل إلى قاعة كبيرة زُينت بالنقوش الذهبية والصور الضخمة وكل ما يدل على الفخامة والرقي ، ظهر له من الباب المقابل له رجل عجوز بشوش الوجه بحلته البهية والذي قال مبتسما :
- أهلا أهلا بالضيف ..
انحنى وسام بخفة احتراما ولم ينطق بكلمة ، فابتسم السيد رأفت وجلس على عرشه يرمقه بعينيه المتفحصة ، قال بعد صمت :
- إذا لنرى من لدينا اليوم فاليوم يبدو لي يوم الزيارات العالمي ..
وختم جملته بضحكة كست معالم وجهه في حين كان يرمقه وسام ببرود وجمود فهاهو الذئب سيكشر عن أنيابه فقال يضع أصابعه على ذقنه مفكرا :
- مرسول الإمبراطور عامر إذا !! وأحد جنود معسكر البلدة ، وسام كريم أبن إمبراطورية البراكين كم هذا غريب ..!!
الصمت المطبق كان الرد الوحيد من وسام الذي سيطر على ملامحه البرود والجمود فقال متسائلا :
- إذا ما الذي جئت لأجله ..؟!
قال باختصار وببرود وكأن الذي أمامه ليس بزعيم الحدود الجنوبية بأكملها :
- التفاوض معك ..
قال يرفع حاجبه باستغراب :
- عجبا !! التفاوض معي أنا وفي ماذا ..؟!!
قال وسام وعلامات اللامبالاة ارتسمت على ملامحه الوسيمة :
- في أن تنظم إلى الإمبراطور عامر طبعا ..
صمت السيد رأفت لبرهة فهذا الشخص أمامه يمتلك من الثقة والقوة ما يفوق تصوراته فحتى أسلوبه في الكلام لم يحاول أن يظهر فيه أي احترام ولباقة إذ أنه يبدو واثق من نفسه وبقدراته ، قال متسائلا :
- ولماذا اختار جندي من جنوده ليقوم بالتفاوض معي ..؟!!
رد وسام مباشرة ودون اكتراث :
- هذا السؤال توجهه له وليس لي ..
صمت لبرهة فوسام فاجأه برده السريع والصريح فقال يحاول استدراجه بالأسئلة:
- أليس غريبا أن يرسل الإمبراطور عامر ابن إمبراطورية البراكين ،، أليس كذلك .. !!
قال وسام بعد أن هز رأسه بخفة وابتسامة تهكمية ارتسمت على شفتيه :
- الثقة لا تعترف بهذه السخافات على ما أعتقد ..
ضيق السيد رأفت عينيه فهذا الشخص المدعو وسام لم يقابل مثله من قبل قوي وواثق وغير مكترث لم يقف أحد قبله أمامه بهذا الصمود وهذه الصراحة والثقة إذا لا بد من استفزازه قليلا ، قال يرمقه بنظراته :
- أين تصنف فعلتك هذه !! فأبناء شعبك سيعدونها خيانة أما الإمبراطورية الخضراء سيعدونها مجازفة وخدمة كبيرة لأجلهم ..
رفع كتفيه بدون اكتراث وقال ببرود :
- لا أعير التقسيم أي اهتمام ولا كلام الآخرين ..
قال السيد رأفت نافيا ويبدو بأن وسام نجح في إشعال نار الغضب داخله :
- هذا ليس بالمنطق فكلام الآخرين جارح في كثير من الأحيان والشخص العاقل يحسب ألف حساب لتصرفاته كي لا يقع بين ألسن الناس..
قال وسام وكأنه يستمتع بسكب الزيت على النار :
- مادام مقتنعا بما يقوم به فلا بأس ببعض الثرثرة من أفواه بعض المعتوهين ..
هز رأسه إيجابا وقال بعد أن ارتفعت زاوية فمه بابتسامة إعجاب :
- تعجبني ثقتك ..
ارتسم الجمود على وجهه وسام وقال ببرود :
- إذا هل أعتبر هذا الإطراء كموافقة على ما جئت لأجله ..
قهقه عاليا لأسلوبه الغريب وتصرفاته الأغرب وقال بضحكة تكسو معالم وجهه التي خط الزمن عليها تجاعيده :
- ليس بعد ، لا تكن متسرعا فلن تحصل على ما تريد بسهولة فهناك جلسة طويلة بيني وبينك بما أنك اخترت مصطلح تفاوض ، سأسألك عن الكثير فلا معلومات كافية لدي عنك يا ابن إمبراطورية البراكين وشروط يجب عليك أن تطلع عليها بعد أن أصل إلى مرادي لكن بعد أن أعطيك حقك في الضيافة..
زفر وسام بكره إذ أن هذا العجوز سيصيبه بالجنون فالصداع لا يكاد يبرح رأسه منذ دخل هذه المنطقة ، فهز رأسه نافيا وقال قاطعا أي محاولة للسيد رأفت بأن ينسحب من هذا الاستجواب وليس المفاوضة :
- إذا فلتسألني الآن عن كل ما تريده وإذا اتفقنا لك ما تريد من حسن ضيافة واستقبال ..
قالها ليتخلص منه في أسرع وقت ويخرج من هذا المكان الخانق ليس ليحتفل معهم ويشاركهم الطعام لكن السيد رأفت يبدو مصرا على استفزازه والبقاء معه مدة أطول يأخذ أكثر مما يعطي وكان ذلك واضحا عندما قال :
- هل أنت واثق كل هذه الثقة بأنني سأقبل عرضك ..؟!!
قال وسام يكتم غيضه منه ويرسم البرود واللامبالاة على ملامحه :
- لم أعرف عنك إلا رجل حكيم يهمه مصلحة قومه ..
أطلق حينها صوتا يدل على تفهمه للأمر وقال بعد أن اعتدل في جلسته فيبدو بأنه بات مستمتعا باللعب بأعصاب وسام :
- إذا لماذا تريد مني أن انضم إلى الإمبراطور عامر أو لماذا هو يريدني أن انظم إليه إن صح القول ..؟!!
قال وسام بكل صراحة فهذا العجوز يبدو بأنه لن يعجبه غيرها عله يقتنع سريعا ويعفيه من هذه المهمة المتعبة له :
- لن أكذب عليك فأنتم تمثلون قوة كبيرة ودعم لن يحصلوا عليه ولو ضموا عشرات المناطق غيركم ..
قال مباشرة :
- وما المقابل ..؟!!
رفع كتفيه بخفة وقال بلا مبالاة :
- تكونون في حماه فالإمبراطور عامر سيضمن لكم الاستقرار ..
رفع كفه لمستوى وجهه ومد ثلاث أصابع وضم الآخرين وقال :
- إذا شروطي ثلاث الصدق والتضحية والوفاء ..
صمت وسام يفكر بعمق في شروطه هذه فهي رغم بساطتها إلا أنها تحمل الكثير في طياتها فأكمل قائلا :
- لقد صدقت في الأولى وأخبرتنا عن سبب رغبتك في أن ننظم إلى الإمبراطور عامر لكن يبقى سؤال واحد يطرح نفسه لماذا تضحي لأجلهم ولأجل الإمبراطور عامر كل هذه التضحية التي لن يتضرر أحد سواك فيها فأنا لم يغب علي الأمر بأنها رغبتك أنت من أن ننظم إليه أكثر من كونه رغبة الإمبراطور عامر فلو كان الإمبراطور عامر من أرسلك لكان أرسل ابنه الأمير طارق فهو أولى بهذه المهمة وأحق ولكان أرسل ما لا يقل عن الثلاث عربات الممتلئة بالمال والطعام والخدم والحرس ، أليس كذلك يا ابن كريم ..؟!!
وشدد على أخر ما قال وكأنه يتعمد تذكيره بكونه ابن إمبراطورية البراكين المشتهرين بالخداع والكذب وحبهم للسيطرة والتملك ، فتنهد حينها وسام بقلة حيلة لم يخلو من الحنق أيضا فهذا العجوز يبدو بأنه أذكى وأخطر مما توقع ويعرف جيدا نقاط ضعفه لكنه لن يسمح له باستغلالها ولن يجدي الكذب الآن معه بل سيعقد الأمور أكثر كما أنه هو شخصيا يفضل قول الحقيقة عن قول الأكاذيب لكنه يكره بل يمقت أن يبرر أسبابه وأفكاره للغير فما هو مقتنع به سيقوم بفعله وانتهى ببساطة لكن لا بأس فالأمر هذه المرة يستحق الصبر ، قال ببرود :
- تعرف أنني أكره أن أوضح أسبابي لأيا كان لكن لأكون صادقا معك فهذه رغبة شخص لن أرفض له أي طلب وإن لم تقتنع بإجابتي هذه فأنا أعتذر منك يا سيد فلا أملك سواها ولن أقول غيرها ..
ابتسم حينها السيد رأفت بصدق فهذا الرجل أمامه يقول الحقيقة بالرغم من كون هذه الحقيقة صدمته وبوده أن يعرف هوية هذا الشخص لكن لا بأس فهو حصل على ما يريد وهو الصدق وهو قد صدق معه إذا لا عذر له بالتعمق في التفاصيل ، ورغم ذلك لم يستطع منع نفسه التي سيطر عليها الفضول حين قال :
- إذا هل أعتبر الشخص الذي أرسلك والذي كانت هذه رغبته بأن اختياره خاطئ لأنه أرسل شخصا يكره أهم مقومات التفاوض وهي الكلام والتبرير والشرح وطول الحديث بالأخذ والعطاء ..!!
فأراد أن ينهي وسام هذا الحديث الذي لا فائدة منه سوى استخراج المعلومات منه باستجوابه ويسد هذا المنحنى الذي مال له حديثهم فقال بجمود :
- كل واحد له رأيه الخاص والمهم هو النتيجة الأخيرة وليس كيفية الوصول لها فكلٌ له أسلوبه الخاص ..
فعلم السيد رأفت بأن وسام أذكى مما يتصور وقد فهم مغزاه بأن يتوقف عن الحديث فيما لا يعنيه ، فتح إصبعه الثاني وقال :
- إذا الشرط الثاني التضحية وهو أن تضحي بشيء لأجلنا بما أنها رغبتك في الحقيقة وليست رغبة الإمبراطور عامر فأنا مستعد بأن أعلن وفائي لك أنت وأنت تأمر قومي بما تشاء ..
قال وسام وقد ظهرت بعض الحدة في نبرته الموسيقية الباردة :
- ليس هذا اتفاقنا فأنا أريد أن تنظموا إليه ليس إليّ فأنا مجرد جندي عادي ..
فسيطر البرود على السيد رأفت حين قال :
- سنفعل ما تطلب منا أنت فقط وإن كان الانضمام لأي كان ومتى ما أردت ذلك فنحن تحت أمرك ..
قال وسام وقد اكتست ملامحه الضيق كما نبرته :
- لن يتحكم أحد بكم يا سيد رأفت فمكانتكم لن تقل بل ستظلون كما أنتم ولن يستنقص أياً كان من منزلتكم بين الإمبراطوريات كلها وستظل من يحكم قومك تأمرهم وتنهاهم كما كنتم لكن في ظل حمى الإمبراطور عامر ..
ابتسم بفخر وقال وقد ظهر على ملامحه إعجاب شديد لم تخفيه تجاعيد السنين :
- كم تعجبني شهامتك أيها الشاب ..
ولم يتلقى أي رد منه وكما توقع فوسام يبدو له ليس من النوع الذي يحب الإطراء والمديح وهذا ما فهمه من الدقائق التي جمعتهم معا ، أخذ يفكر في المرحلة الثانية فيجب عليه أن يعرف نقطة ضعف وسام لكي يحاول استغلالها كما استغل نقطة ضعف الإمبراطور جاسم والذي لم يضحي لأجلهم بها بل اختفى من أمامه كالسراب ، لكن لا معلومات لديه عن وسام قد تفيده ، قال بعد تفكير :
- إذا التضحية التي ستضحي بها لأجلنا قد تكون في أن .. أممم بصراحة بما أني لا أعرف عنك الكثير ولن استطيع أن أطلب الشيء الكبير الذي يضمن لي بأنك ستكون خير عون وخير من سنسلمه أمر المنطقة بالكامل فأنت شخص يلفه الغموض ولا معلومات لدي إلا عن والدك الذي كان يعد من أحد الخونة ..
صر وسام على أسنانه بغيض فعند ذكر والده يقف كل شيء فقال بجمود مخيف سيطر عليه :
- لن نقلّب الماضي ، كما أني لن أسمح لأي شخص بالإساءة إلى والدي وأيا كان ، حتى ولو كان والدي أكبر مجرم عرفه التاريخ ..
وكان ذلك تهديد صريح له بأن يتوقف ولا يتجاوز حدوده فقال محاولا أن يبرر موقفه :
- أنا أعلم ذلك جيدا فلا أحد له الحق في محاسبة شخص بريء على أفعال شخص آخر كما أنه ماض وانتهى ..
وكما يبدو بأن ما قال لم يرق لوسام الذي لازالت ملامحه جامدة جمود الأموات ونبرته التي احتدت أكثر حين قال بنفاذ صبر :
- إذا أخبرني أي تضحية تريدها مني ..!!
فقال السيد رأفت محاولا أن يغير مجرى الحديث قليلا ويهدأ الجو المشحون بعد أن أسند رأسه على راحة يده :
- إذا أخبرني عن نفسك أكثر وبعضا من ماضيك لأعرف أي تضحية قد تضحيها لأجلنا ..
- أتيت للتفاوض معك على ما أعتقد لا إخبارك بقصة حياتي ..
قالها مباشرة وبحدة أخافته وقد لمعت عيناه بشرر الغضب المتقد بداخله لتعكس حقدا دفين لم تمحه السنين ، ولم يفهم السيد رأفت لماذا كل هذا الغضب حين ذكر قصته وماضيه فتجاهله حينها وقال مستفزا له وكأنه يتسلى به :
- هل أنت مستعد لأي شيء !! قد أطلب منك المستحيل ..
رمقه بحدة من أسلوبه الفض وقال ببرود صقيعي :
- قل يا سيد فأنا لا أملك الكثير لأضحي به لأجلك ..
فعادت ضحكات السيد رأفت للارتفاع مجددا في آخر رد فعل قد يتوقعه هو من نفسه ، وكم يستغرب نفسه فصراحة وسام معه والذي يبدو يجبر نفسه على الكلام لطبيعته الهادئة والكتومة وليس تكبرا على ما يعتقد تجعله ما يضحك كثيرا فقال بضحكة :
- صريح وتعجبني صراحتك وبما أنك أعجبتني بكل ما فيك فأنا أريد أن أزوجك من فتيات منطقتنا لنوطد العلاقة بيننا فأنا لا أريدها علاقة رسمية فقط بل عائلية أيضا وحسب معلوماتي أنك لازلت أعزب ..
لتشل وسام الصدمة العنيفة حينها وتمنعه من كل شيء حتى الحركة ويتوقف كل شيء حوله وكل عرق ينبض فيه مما سمع لتسلبه الصدمة فرحته بحصوله على موافقة السيد رأفت أخيرا على الانضمام للإمبراطور عامر والفرحة التي كما يبدو ماتت في مهدها والتي كانت تتشكل في كونه أحد الذين نالوا من السيد رأفت الذي عُرف بغرابة أفكاره وأنه صعب المراس وحاد الذكاء بل ووقف أمامه وحصل على ما يريد لكنه عُرف أيضا بأنه يصيبك في مقتل بشروطه الغريبة والقاسية وبشكل من الأشكال نجح في إصابة وسام في مقتل ولكن ليس في شروطه وأوامره وطلباته كما يفعلها مع الجميع بل في مكافآته وهداياه وعطاياه ليخصه هو فقط بذلك ، فقال وسام بعد أن رسم ملامح الجمود بكل حرفيه وإتقان يخفي انفعالاته الداخلية التي تكاد تنفجر داخل صدره لتخرج من سجنها :
- أشكرك لكني لا أحب أن أربط نفسي بعلاقات لست أضمن نفسي بأني سأستمر فيها ..
فاستشعر حينها السيد رأفت واستطاع أن يقرأ بحدة ذكائه ودهائه مدى عدم رغبة وسام في الأمر لكنه ورغم ذكائه واكتشاف نصف الحقيقة إلا أنه أخطأ في استنتاجه الثاني إذ أنه ربط الموضوع في دماغه بأنه جندي حر يعيش في الإمبراطورية الخضراء والزواج قد يربطه ويعرقل حريته لاسيما كونه من جنود معسكر البلدة والتي يعتبر كل من فيها أحرار ويبدو بأنه السبب الأساسي لرفضه ولو عرف الحقيقة التي يخفيها لبكى من فظاعة ما قاله ، فتح وسام فمه وأراد أن يخبره بكل بساطة وبلا مبالاة بأنه سيرتبط بأخرى وينتهي الأمر لكنه للمرة الثانية يصاب في مقتل ويلجمه السيد رأفت عن الكلام حين قال مستغلا الفرصة بعناد شديد :
- إذا سأعتبرها التضحية التي ستضحيها لأجلنا وانتهى ..
وانتهى !! وانتهى حقا !! إذا لا مجال للتفاهم معه فقد انتهى كما قال سحقا له ولأفكاره كيف فسر هذا الداهية الأمر هكذا والمصيبة أنه أصاب الحقيقة عينها فقال وسام بنفاذ صبر :
- ما الذي غير رأيك أيها السيد الحكيم هكذا بسرعة ..!!
قال بنشوة انتصار وكأنه وجد ضالته أخيرا بل وأخيرا اقتنص فرصة ليجبر وسام على فعل شيء لأجلهم ويرى مدى التضحية التي سيضحيها :
- أنا مصر على ذلك لنعقد صفقتنا ونتم تفاوضنا ولن تعود من حيث أتيت إلى وعروسك معك وبما أني ليس لدي أبناء فمساعدي وذراعي اليمنى السيد مازن لديه البنات فسيزوجك إحداهن فهو لن يمانع أبدا ..
ونظر للذي يقف بجانبه وقال له :
- أليس كذلك يا مازن ..
لينتبه حينها وسام وجود شخص أخر معهم والذي يبدو بأنه شهد كل الحديث بينهما ولم يلحظ وجوده إلا الآن ، قال مازن بتوتر شديد وجبينه بدأ بالتعرق :
- ب..بالطبع سيدي لك م..ما تريد ..
فعاد ينظر إلى وسام بتحد وقال :
- إلا إن كان سينفض هذا التفاوض بدون أي نتيجة وتعود من حيث أتيت صفر اليدين وكأن شيء لم يحدث ..
النظرات الحادة والقاتلة كانت الرد الأمثل له ولأفعاله البغيضة ، كيف يقلب الطاولة ناحيته بهذه السرعة وبكل خفة !! كيف تحول وضعه من المنتصر إلى المهزوم في معركة التفاوض اللعينة هذه وفي لحظة واحدة !! ما أسلوب الأطفال والضعفاء الذي يستخدمه هذا !! حقا إنه يجبر نفسه على ألا يقتله بيديه وينهي حياته للأبد ليعلم مع من يتحدث حينها ، لكنه لا يمكنه الرفض الآن بعد أن قطع شوطا كبيرا إلى أن وصل إلى هذه المرحلة فلقد نال إعجاب السيد رأفت الذي لا يعجبه العجب إذا ما الذي عليه فعله هل يستجيب له أم ينسحب ؟! يجب عليه أن يقرر بسرعة ، قاطع أفكاره المتصارعة قول السيد رأفت والذي ظهر الهدوء في نبرته حين قال :
- سأعطيك مهله لتفكر بروية فأنا حقا لا أريد أن أخسرك بسبب شيء يفترض به أنه يسعدك لا أن يزعجك وترفضه ..
فرفع يده في إشارة للخدم حوله وقال أمرا :
- جهزوا لضيفنا ما يليق به من طعام وغيرها فعلينا أن نكرمه الآن ..







نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..




روح الوسن .. غير متواجد حالياً