عرض مشاركة واحدة
قديم 28-05-20, 08:08 PM   #75

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي

البدايات لجديدة
الفصل السادس والعشرون

وصل أمير الى مكتب والده بالشركة .. كان لا يزال يفكر في رغد .. يسيطر على قلبه ويحزنه شعور ان قلبها مشغول بسواه .. هو في الغالب أيمن .. فالجميع قد لاحظ ما لاحظه من تغيرها المفاجئ عند سماع خبر عملية أيمن .. حاول ان يستسلم لاستنتاجه ويصرف النظر نحو الارتباط بها .. ولكنه لم يستطع .. ولم يكن بيده أو يستطيع ان يفعل .. كانت مشاعره تجاهها قد وصلت به الى حد بعيد .. ربما بسبب الساعات الطويلة التى كان يقضيها وحيدا فى الجيش يفكر فيها .. كما نه كان لديه بصيص من الأمل يدفعه دفعا في ان يفكر بها ..

قابل بعض اصدقاؤه الذين يعملون بشركة والده فالقى عليهم التحية وتبادل بعض الأحاديث الخفيفة ثم توجه الى مكتب خالد .. لم تكن السكرتيرة موجودة بمكتبها .. فانتظر خارجا دقيقتين قبل أن تخرج فتاة من مكتب والده ..يقابلها بالشركة لآول مرة .. فما أن رأته الا وابتسمت له قائلة : أستاذ أمير .. صح ..؟؟!!
ابتسم أمير ابتسامة باهتة ورد عليها : مظبوط ..
ردت بنفس الابتسامة المشرقة : أنا سارة .. سكرتيرة الباشمهندس خالد الجديدة .. الباشمهندس لسة مبلغنى انك على وصول .. ممكن تتفضل تدخله .. هو في انتظارك ..
أمير : تمام يا ........
سارة بنظرة عتاب صغيرة : سارة يا أستاذ أمير .. سارة .. تحب أؤمر لك بايه تشربه .. ؟
أمير : شكرا .. في الغالب مش حطول ..
سارة : على راحتك ..

انتاب أمير شيء من الفضول فسال سارة : هو يا ترى مدام جميلة سابت الشركة ولا ......
قاطعته سارة بابتسامة لطيفة : لا ابدا .. مدام جميلة في إجازة وضع .. أنا هنا بصفة مؤقتة لغاية ما ترجع من اجازتها .. على فكرة .. أنا بنت اختها .. وكنت شغالة في الرسيبشن .. أنا متعينة هنا من تلات شهور .. أنا خريجة تجارة انجلش الدفعة اللى فاتت ..
أمير بتعجب : غريبة بس ازاى ما اتقابلناش قبل كده .. انتى تقريبا خريجة الدفعة اللى بعدى ..
سارة : لا مش غريبة ولا حاجة .. أنا تجارة عين شمس .. واتنقلت اسكندرية بعد ....... سكتت قليلا وقد كسا الحزن وجهها ... ثم اردفت بعد وفاة مامى ..
أمير : أنا آسف .. البقية في حياتك ..
سارة : ميرسى يا أمير .. ثم جلست على مكتبها والحزن يكسوا وجهها تنظر في الأوراق
مكث أمير ينظر اليها للحظات قليلة .. فلم ترفع عينيها من على أوراقها ومازالت لمسة الحزن تكسو وجهها .. فاستدار وطرق باب مكتب والده الذى دعاه للدخول ..
أمير : صباح الخير يا بابا ..
خالد : اهلا يا حبيبى تعالى .. مواعيدك تمام .. الظاهر اننا حنستريح مع بعض في الشغل ..
أمير وقد عقد حاجبيه مستغربا لما تفوه به خالد : مش فاهم .. حضرتك تقصد انى حشتغل معاك في الشركة هنا ..
خالد : طيب انت لك رأى تانى ..
أمير : ابدا .. بس ..
قاطعه خالد وقد با على وجهه الضيق : بس ايه يا أمير .. لو لك رأى تانى أنا مش حقف فى طريق المستقبل اللى انت رسمته لنفسك .. بس أنا صعبان على الشركة ان محدش من ولادى يمسكها من بعدى ويضيع كل اللى عملته ..أنا يا بنى كبرت .. والله أعلم بالأعمار ..
أمير بلهفة وخوف : ربنا يديك طول العمر يا حبيبى .. من فضلك بلاش الكلام ده ..
خالد بتروى : اسمعنى كويس يا أمير .. أنا يابنى تعبت على ما قدرت اعمل شركة من الصفر في بداية حياتى .. وشقيت لغاية ماخليت لها اسم كبير ومحترم في سوق المقاولات اللى المنافسة فيه شرسة جدا .. وكنت أتمنى ان اخوك اشرف وانت تيجوا وتساعدوتى في الشركة وتفهموا كل كبيرة وصغيرة فيها علشان تقدروا تحافظوا عليها وتزودوها كمان .. بس للأسف زى ما انت عارف أشرف رفض الفكرة وفضل شغل البنوك .. فيا ترى انت كمان حتفضل انك تشتغل بعيد عن الشركة أو في مجال غير مجال المقاولات ؟.. انت عارف انى مقدرش اجبر حد فيكم واخليه يعمل حاجة ضد رغبته .. بس انت متصور لو انت كمان اشتغلت بعيد عن شركة ابوك الشركة دى حيكون مصيرها ايه بعد ما ييجى الأجل ..
أمير : ارجوك يا والدى بلاش .......
قاطعه خالد : يا بنى دى سنة الحياة .. ومين فينا حيخلد فيها ..
أمير : أنا بصراحة مفكرتش قبل كده في الموضوع ده .. كنت مستنى أخلص فترة الجيش الأول .... سكت للحظة شاردا فيها ثم اردف .. بس ليه لا .. ثم ابتسم وقال : أنا معاك يا والدى .. وشوف حضرتك لو تحب أنا ممكن كل إجازة آجى الشركة وابتدى اتعرف على الشغل ..
خالد ببشاشة وجه سعيدا بموافقة أمير للعمل معه : تمام يا بطل .. انت بقى من دلوقتى تسيبلى نفسك وفيه برنامج وجدول تدريب حنبتديه من النهاردة لانك لازم تعرف كل كبيرة وصغيرة في الشركة في تخصصك كخريج تجارة أو في مجال هندسة الانشاءات .. ثم أكمل وهو يضحك : ومتقلقش مش حطلب منك تكون مهندس .. بس على الأقل تعرف اساسيات في الشغل الهندسى من الجهة التجارية وتعرف تتعامل مع المهندس والملاحظين والمقاولين .. وحتى العمال والصنايعية .. وتشوف وتعرف طبيعة وفنيات كل واحد منهم على الطبيعة ..
أمير بتعجب : الظاهر ان الموضوع كبير ومش ساهل ..
خالد وهو يتحرك ليصل اليه ويربت على كتفه : الموضوع كبير أيوة .. بس في نفس الوقت ساهل لو ركزت فيه وركزت في البرنامج التنفيذي اللى أنا جهزتهولك .. سكت للحظات ثم قال له .. فيه موضوع تانى كنت حابب اكلمك فيه .. بس الأول أنا عايزك تاخد جولة في الشركة تتعرف على الموظفين والأقسام لغاية وقت الغدا .. وأنا كمان أكون خلصت شوية شغل عندى .. ونخرج نتغد اسوا ونتكلم .. بس طبعا لو انت فاضى ومش مرتبط بمواعيد أو حاجة عايز تعملها ..
أمير : حتى لو ورايا حاجة .. أنا تحت أمرك يا خلود ..
خالد بجد : ولد .. انت أصبحت دلوقتى موظف هنا .. يعنى من دلوقتى مفيش لا بابا ولا خلود .. هنا باشمهندس خالد وبس ..
أمير مبتسما بحماس : أمرك ياوالدى .. أقصد يا باشمهندس ..
خالد مبتسما : طيب انت دلوقت حتروح مع سارة حتلف معاك على الأقسام علشان تتعرف على الموظفين وطبيعة شغل كل واحد فيهم ..ثم رفع سماعة التليفون وقال: سارة .. تعالى من فضلك ..

دخلت سارة مبتسمة ابتسامة بسيطة وهى تقول : اؤمرنى يا باشمهندس ..
خالد : سارة .. من فضلك انتى حتاخدى أمير وتمرى بيه على كل الأقسام بحيث يتعرف على الناس اللى شغالة هناك وياخد فكرة بسيطة عن شغل كل واحد وتخصصه .. على فكرة أمير حيشتغل معانا بصفة مؤقتة لغاية ما تنتهى فترة تجنيده .. وبعدين حيشتغل معانا بصفة دائمة .. ثم مد اليها يده بأوراق كانت فوق مكتبه واردف : يا ريت يا سارة تعملى نسختين من الأوراق دى .. ده برنامج وجدول التدريب بتاع أمير .. نسخة حتبقى معاه ونسخة معاكى وترجعى لى الأصل .. أنا عايزك تتابعى البرنامج بتاعه خطوة بخطوة .. ومعلش يا ستى حنتعبك شوية .. يعنى تقدرى تقولى كده انك حتشتغلى بروحين .. واحدة معايا والتانية مع الاستاذ أمير ..

ابتسمت سارة وقد اسعدتها الفكرة : تمام يا باشمهندس .. ان شاء الله حتابع بدقة .. ثم نظرت الى أمير وهى تبتسم : تحب نتحرك دلوقتى يا أستاذ امير ولا بعد شوية ؟
أمير وقد كان شاردا فيما فاجئه بيه خالد : هه .. لا .. ممكن نبتدى دلوقتى .. أنا جاهز .. ياللا بينا ..
أصطحبت سارة أمير ومروا سويا على الأقسام جميعها فقابل أمير كل من تواجد على مكتبه من مهندسين وفنيين ومحاسبين واداريين وقانونيين وتسويق و ....... حتى انه تقابل مع السعاة وعمال البوفيه الذين اختصهم بالمزاح والضحك ..

كانت سارة تنظر اليه في اعجاب بشخصيته المميزة وهو يتعامل مع الجميع بأدب واحترام وخفة ظل كان من شأنها أن تذيب الجليد بين صاحب الشركة والعاملين بها .. فكان يتكلم مع من هو اكبر منه بأدب واحترام موقرا إياه .. ويتكلم مع من هم في عمره بخفة ظل ومزاح بسيط .. ومع من هم دونه في المستوى بتواضع شديد ؟؟ ولكن العامل المشترك في معاملته مع الجميع أنه كان طوال الوقت مبتسما ويسأل أسئلة في صميم تخصص كل واحد .. فيستمع الى الرد ويدون ملاحظات في اجندة طلبها من سارة قبل ان يبدأ جولته ..

انتهت الجولة التي أخذت حوالى ساعتين .. فقالت له سارة .. اعتقد انك دلوقتى محتاج لمج نسكافيه بعد الكلام الكتير اللى سمعته من الكم الهايل ده من الزملا ..
أمير وقد أحس باجهاد بسيط : بصراحة نفسى جدا في النسكافيه ..
سارة : على فكرة أنا محترفة عمل نسكافيه .. ايه رأيك نروح البوفيه سوا وحتشرب من ايدى احسن مج نسكافيه حتشربه في حياتك ..
أمير : حنشوف .. ياللا بينا ..

ذهبا الى البوفيه سويا .. وكان البوفيه يفتح على تراس كبير يطل على حديقة صغيرة للمبنى .. به طاولات رخامية دائرية بسيطة لتناول الوجبات وشرب المشروبات .. وكل ركن من اركان التراس يحتوى على أواع نادرة وجميلة من النباتات والزهور الزاهية ..

اتجه أمير الى التراس مباشرة متكاءا على احدى الطاولات في حين ترك سارة لعمل النسكافيه .. كان خلال تلك اللحظات قد عاود التفكير في رغد بعد أن كان قد غابت عن فكره طوال تواجده مع والده يحدثه عن شغله معه وطوالل الجولة التي قضاها مع سارة في مقابلة الموظفين ..
لم يقاطعه من تفكيره سوى سارة التي دخلت الى التراس .. تنادى عليه مرتين ليفيق من شروده فتسأله .. هل يحب النسكافيه باللبن او بلاك .. وكمية السكر اللى بيحبها على النسكافيه ..
رد عليها أمير : احنا اتفقنا انى حشرب النسكافيه التحفة اللى انتى بتعمليه .. أنا حشربه زى ما انتى بتعمليه لنفسك ونشوف ..

احست سارة بسعادة بالغة بما قاله لها .. فاسرعت بهمة تنهى مج النسكافيه الذى بالفعل تحترف عمله .. ثم دخلت له به بعد دقائق معدودة وهى مبتسمة : اتفضل يا سيدى دوق وقولى رأيك ..

رشف أمير رشفة من مج النسكافيه ثم امتعض بوجهه كناية عن عدم رضاه عن النسكافيه .. فاضطربت سارة واتسعت عيناها غير مصدقة و احست بغصة في حلقها وبدا قلبها يدق بسرعة .. فابتسم أمير فجأة وهو ينظر اليها والى تعبيراتها ثم ضحك عاليا وهو يقول : عرفت اخدعك .. صح ..
وضعت سارة يدها على قلبها وبدأت في الابتسام وهى تقول .. انت ممثل بارع .. خليتنى اصدق انه فعلا معجبكش أو انى حطيت ملح مثلا بدل السكر .. فعلا خضتنى ..
ضحك أمير وهو يقول : دخلت عليكى الحركة .. بس بصراحة فعلا النسكافيه تحفة .. انتى عملتيه ازاى ..
سارة وهى تتدلل : لا بقى دى سر المهنة .. وكمان مش حقولك علشان الخضة اللى خضيتهالى ..
أمير : انتى حرة .. انتى اللى جبتيه لنفسك .. كل ما آجى هنا حتعمليه بنفسك .. لكن لو قلتيلى الطريقة حريحك وحعمله انا ..
سارة وهى تخرج له لسانها لتغيظه كالأطفال : برضه مش حقولك .. وانا راضية انى اعملهولك بنفسى كل مرة ..

ضحكا الأثنان وأخذا يتبادلان المزاح تارة والجد تارة أخرى حتى مرت حوالى ساعة لم يقاطعهم بعدها سوى الساعى الذى طلب من سارة أن تذهب الى المهندس خالد هي وأمير ..

عاد أمير خلال هذه الساعة الى نسيان رغد حيث علم الكثير عن سارة وحياتها .. فوالد سارة يعمل فى المحاماة ولكنه قد انفصل عن والدتها منذ سنوات قبل وفاتها .. وكانت سارة تقيم مع والدتها بعد أن قضت فترة مع ابيها وزوجته التي تزوجها بعد الانفصال عن البيها ولم تسترح في معاملة زوجة ابيها لها والتي كان لديها ولد في مثل عمرها من زوجها الأول الذى توفى وترك لها ثروة كبيرة .. وكان من الواضح ان تلك الثروة كانت السبب الأوحد في طلاق أمها من ابيها حتى يتزوج هذه الزوجة الثرية.. لذا طلبت من والدها ان يسمح لها بان تعيش مع أمها .. وقد كان .. ولما توفت والدتها إثر اصابتها بورم في المخ ذهبت الى الإسكندرية وتركت القاهرة لتعيش مع خالتها التي كانت تحبها كثيرا هي وزوجها وابنة خالتها التي هي بمثابة اخت صغيرة لها .. وبالطبع لم يمانع ابيها ان تقيم مع خالتها ..

دخلت سارة وأمير الى مكتب خالد الذى بادر بسؤال أمير : ايه يا بطل .. يا ترى الجولة عجبتك ؟
أمير : تمام يا باشمهندس .. فعلا كان مهم جدا انى ابتدى بالجولة دى لانها وفرت عليى مسافات كبيرة بينى وبين الزملا ..
خالد مبتسما : ما شاء الله .. باشمهندس .. وزملا .. الظاهر انى مش حتعب معاك يا أستاذ أمير وحتفهم الشغل بسرعة .. وتريحنى شوية من المسؤليات ..
أمير : ان شاء اللى يا والدى .. أقصد يا باشمهندس .. أكون عند حسن ظنك ..

ضحك خالد وسارة من خلف أمير وهى تدارى ضحكتها بيدها .. ثم قال خالد : الظاهر انى حسدتك ولا ايه .. سكت لبرهة ثم قال : اسمعى يا سارة .. أنا خارج أنا وامير نتغد اسوا .. وانت لو فيه حاجة مهمة .. احنا في المطعم اللى متعودين ساعات نعمل اجتماعتنا فيه .. انتى مجتيش فيه معانا قبل كده .. علشان كده لو فيه حاجة مهمة عايزة تتمضى ضرورى ابقى خللى عم جابر يوصلك للمطعم علشان امضيها لك هناك .. عموما المطعم مش بعيد .. هو في الشارع اللى بعد شارعنا على طول .. بس خللى بالك أنا مش حقعد هناك اكتر من ساعة .. لانى بعد كده حروح مع أمير اريح شوية لأنى عندى ميعاد مع صديق على العشا ..
سارة : تمام يا باشمهندس ..
خالد : آه .. على فكرة يا ريت تشوفى مع أمير جدول التدريب بتا بكرة ويا ريت تجهزيله عربية بسواق علشان يروح معاه الموقع اللى موجود في البرنامج بكرة ..
سارة : أمرك يا باشمهندس ..
استدار اليها أمير وقال : على فكرة انتى ممكن تسجلى رقم تليفونى .. علشان نعرف نتواصل في موضوع البرنامج يا آنسة سارة ..
سارة : أوكى .. رن عليه .. أنا رقمى *********
سجل أمير رقمها على تليفون ثم طلبها فاصبح لديهم ارقام بعضهما البعض ..

خرج خالد من باب مكتبه يتبعه أمير الذى مر بسارة ثم استدار لها ليحيها بيده قائلا بصوت خفيض .. باى باى يا آنسة سارة ..

اشارت له سارة بيديها وهى تقول باى باى يا أمير .. ثم رددت في نفسها وهى تغمض عينيها و تنتابها رعشة لذيذة : باى باى يا أميرى ......

وصلا خالد وأمير الى المطعم بعد دقائق من السير سويا .. رحب به العاملين بالمطعم .. فهو زبون دائم لديهم .. مرت عشرون دقيقة قبل أن يصل الجرسون بالغداء .. كانا خلالها يتحدثان فبدأ خالد : طمنى عليك يا أمير .. أنا حاسس ان فيك حاجة متغيرة .. مش أنا وبس .. ماما كمان حاسة ان فيك حاجة متغيرة ..
أمير : ياه للدرجة دى أنا باين على ..
خالد : يعنى انت فعلا فيه حاجة مغيراك .. ياترى ممكن اعرف انت فيك ايه ؟

أمير وهو يحاول أن يتحول بنظره عن عيون ابيه المصوبة نحوه مخافة أن يقرأ ما بداخله من لوعة وحرمان وشوق لمن يحب : أنا بخير .. مفيش حاجة .. كل الموضوع انى كنت مشغول بالتفكير في المستقبل .. بس أعتقد ان الموضوع اتحسم النهاردة مع حضرتك ..
خالد : يعنى انت متأكد ان مفيش حاجة تانية شغلاك ؟ .. سكت قليلا ثم اردف .. حب مثلا ؟؟!!

أمير وقد ظهر الاضطراب على وجهه : حب .. حب ايه يا والدى .. انا لسة بدرى على في المواضيع دى .. انا لسة فيه ادامى جيش اخلصه وبعدين لازم اثبت نفسى في الشغل واتمكن منه ..
خالد : كلام عظيم .. بس ايه دخل ده في ده .. ؟ بمعنى الجيش والشغل حاجة وان قلبك يدق ويميل لحد حاجة تانية خالص ..

أمير وقد كسا الحزن والهم وجهه: الظاهر ان من هنا ورايح مش حيبقى فيه بالنسبة لى الا الشغل وبس .. اما الحب ده فمعتقدش انى ليه فيه نصيب ..
خالد : ليه بتقول كده يا أمير .. أمال ازاى حتتجوز يا بنى ..
أمير بيأس : اتجوز !! مفتكرش انى ممكن اتجوز .. وحتى لو في يوم من الأيام حسيت انى ليه رغبة في الجواز .. أهى البنات كتير .. أو اخلى امى تشوف لى واحدة .. لانهم تقريبا كلهم في نظرى واحد ..
خالد : ايه اليأس اللى انت بتتكلم بيه بالنسبة للحب والجواز ده يا أمير.. أنا بقيت دلوقتى متأكد انك بتمر بأزمة عاطفيه هي اللى مغيراك بالشكل ده ..

سكت أمير ولم يعقب واشاح بوجهه مرة أخرى عن مرمى نظرات والده ولكن هذه المرة خانته دموع عينيه فهربت واحدة منهم تجرى فوق احد خديه ليلاحظها خالد فيتألم لولده وكأنها سهم أصابت قلبه .. فوضع يده على كف أمير بحنان الأب وهو يقول : أتكلم .. أتكلم يا امير يا حبيبى وقوللى ايه اللى مضايقك ومخليك تبكى بالشكل ده ..

ابتسم أمير ابتسامة سخرية من نفسه ومسح دموع عينيه فقال بعد لحظات من التردد : أنت معاك حق يا والدى .. أنا فعلا بمر بظروف صعبة .. عمرى ما مريت بيها قبل كده .. أنا ... أنا فعلا بحب .. وكنت سعيد بشعور الحب اللى ملا قلبى .. وكنت على وشك انى اصارحها بحبى لها .. بس للأسف اكتشفت بالصدفة ان قلبها مش ليه .. قلبها مع واحد تانى .. ومن ساعتها وانا حاسس ان قلبى بيتعصر عصر بين ضلوعى ..
خالد بلهفة : يا حبيبى يا أمير .. كبرت للدرجة دى .. !!

ساد الصمت بينهم للحظات طويلة .. لم يجد خالد كلمات تهون على ابنه ما يمر به .. فبدأ خالد بالكلام : مين هي يا أمير وازاى عرفت انها بتحب واحد تانى ؟ ويا ترى انت متأكد من ظنك ده .. ولا هو يقين ..؟

تكلم أمير بعد لحظات من التفكير : مين هي .. مش مهم .. لانى مش حابب أقول هي مين .. ويا اريت متزعلش من صراحتى دى ..
خالد : لا طبعا يا حبيبى مش زعلان بالمرة .. ومن حقك انك تحتفظ لنفسك بأسمها ومحدش غيرك يعرف هي مين ..
أمير : أما ازاى عرفت .. تصرفتها ورد فعلها لما عرفت ان الشخص ده بيمر بأزمة في حياته .. أما ان كان اللى انا اتوصلت له ظن ام يقين .. فهو ظن يكاد يكون يقين .. من الآخر .. أنا شبه متأكد انها بتحب الشخص ده .. انتهى الأمر يا بابا ..

ساد الصمت مرة أخرى ثم عاود أمير الكلام : تعرف يا بابا أنا ايه اللى مضايقنى في الوقت الحالي ..؟
خالد : ايه يا حبيبى اللى مضايقك .. ؟
أمير : انى فاضل لى في الجيش شهرين .. حاسس ان الشهرين دول همه العذاب بعينه لأن معظم الوقت هناك بنكون فاضيين مفيش ورانا حاجة نعملها .. والفراغ ده قاتل بالنسبة لى لأنه الشيء الوحيد اللى بيخلينى أفكر فيها .. صمت لحظة ثم قال : تعرف أنا النهاردة في الشغل تقريبا مكنتش بفكر فيها طول ما أنا مشغول بحاجة بعملها .. فعلا .. صدق اللى قال ان الشغل ده هو العلاج لمشاكل كتير .. بيخليك تنسى كل مشاكلك وهمومك .. تنهد ثم أردف .. نفسى أغمض عينى وافتحها الاقى فترة التجنيد دى خلصت ..
خالد : كله بيخلص يا أمير .. صدقنى الفترة اللى بتمر بيها دى أنا مريت بيها في يوم من الأيام .. وكل شيء مر وانتهى .. واكتشفت ان فيه حاجات كتير مكنتش فاهمها في الحياة .. اكتشفت أن الحب اللى بنعيشه في شبابنا وبنسميه الحب الأول صحيح له إحساس لذيذ ومؤلم فى نفس الوقت .. ممكن يعيش معاك طول العمر خصوصا لو اتحرمت منه .. بس صدقنى الكلام ده مش حقيقى .. الحقيقة اننا بنحبس نفسنا جوة الحب ده علشان الاحاسيس الجميلة اللى عشناها فيه مش أكتر .. بس فيه نوع تانى من الحب يمكن مبيكونش بحلاوة الحب الأول .. بس بيكون اقوى وارسخ وأقوى .. سكت للحظات طويلة يفكر ثم بدأ يقص عليه قصته معى سلمى وأمينة بتفصيلها حتى التي لم يستطع أن يذكرها لأمينة .. ثم قال لأمير : أنا مش بحكى لك الحكاية دى علشان أبرر لك اللى انت سمعته زى ما ماما سمعته بخصوص سلمى لأن الوحيدة اللى لها حق التفسير أو التبرير هي أمينة وبس .. بس انت يا أمير ابنى وأولى الناس بخبرتى وتجاربى اللى مريت بيها في الحياة سوا كان في الحب أو الشغل .. واللى عاجبنى فيك انك اكتشفت ببساطة ان علاجك في الشغل .. أما بخصوص فترة التجنيد اللى باقية والفراغ اللى حيتعبك في التفكير في حبك الضائع .. فخلى الموضوع ده حافز انك تبدع في شغلك .. يعنى انت بعد فترة الكام يوم تدريب قبل ما ترجع للوحدة بتاعتك حتكون لميت جزء كبير من المعلومات عن الشغل .. فممكن تقضى وقت فراغك تفكر في طرق لتطوير الشغل والتسويق .. هو انت برضه مش دارس تسويق في الكلية ..

سكت خالد بعد أن انهى حكايته ولكن ظل أمير يفكر في كلام والده .. يتساءل هي من الممكن أن ينسى حبه لرغد في يوم من الأيام .. هو يتمنى ذلك وفى نفس الوقت يخشى أن يحدث .. فربما كان هناك امل في يوم من الأيام أن تشعر بحبه وتبادله إياه فيكون قد حظى بالسعادة التي ينشدها معها .. ولكنه في نفس الوقت تحمس لفكرة تطوير العمل بالشركة فقرر أن يبذل قصارى جهده في أيام التدريب القادمة حتى يجمع اكبر قدر من المعلومات عن الشركة والشركات المنافسة .. وفكر فى أن يتعرف أيضا على أفضل شركة فى مجال المقاولات ويحاول تطبيق اساليبها حتى تكون شركتهم هى الرائدة بين جميع الشركات ..

بعد دقائق من حديثهما جاء الجرسون بالطعام ووضعه امامهما فم يلبثا أن يبدأن في تناول الطعام حتى فوجئ كليهما بسارة تقترب من الطاولة وهى تقول في خجل : أنا آسفة يا باشمهندس .. بس بصراحة فيه أوراق مهمة محتاجة امضة حضرتك ..
خالد : أنا كنت عارف انكم مش حتسيبونى اتهنى بغدايا كالعادة .. هاتى يا ستى الأوراق خلينا نشوف ايه المهم والمستعجل فيها ..

ناولته سارة الأوراق يتفحصها وظلت هي واقفة تنظر الى أمير خلسة .. وعندما انهى امضاء بعض الأوراق .. ناولها خالد إياها وهو يقول .. ادينى مضيتهالك يا ست سارة .. مع انها كانت مش مستعجلة أوى وكان ممكن تستنى لبكرة ..

أحست سارة بالخجل من تعليق خالد وخشيت أن يفهم هو وأمير المغزى من اقتحامها خلوتهما بحجة امضاء الأوراق .. فلمت الأوراق بسرعة وهمت ان تمشى ولكنها فوجئت بأمير يقول لها .. اتفضلى اتغدى معانا يا آنسة سارة ؟

تسمرت سارة مكانها تنظر اليه ثم تنظر الى والده الذى ابتسم وهو يقول .. صحيح با سارة تعالى اتغدى معانا .. انتى النهاردة تعبتى مع أمير وحابب أنه يضيفك .. أقصد يرد الجميل .. اتفضلى اقعدى .. فقام أمير من مكانه وباعد الكرسى القريب منها ليجلسها ولكنها بادرت في تسرع .. لا لا .. مفيش داعى .. أنا مش جعانة .. شكرا شكرا .. واستدارت لتمشى .. ولكن خالد قال لها بعتاب : يعنى حتكسفى أمير بعد ما قام لك علشان يقعدك بالحركة الشيك دى ..

نظرت سارة في خجل واضطراب .. هي كل ما تمنته ان ترى امير مرة أخرى وحسب .. لكن ان تجلس معهم وتتناول الغذاء .. فهذا الذى لم تفكر به أبدا .. ولكنها في النهاية اضطرت الى أن تجلس حتى تتجنب احراج أمير الذى ظل واقف ممسكا بظهر الكرسى لتجلس عليه ..

نادى خالد على الجرسون وطلب منه أن يسأل سارة عن طلبها للغداء .. فامسكت سارة المنيو ولكنها لم تتصفحها .. وقالت للجرسون من فضلك .. أنا حاخد زى الأستاذ أمير ..
نظر اليها أمير بطرف عينيه مبتسما .. ولكن خالد لم ينتبه الى طلبها هذا ..

أنهى خالد غداؤه بسرعة .. فقد كان في عجلة من أمره حتى يذهب الى البيت يستريح قليلا قبل ميعاده مع أمجد .. فقال : بقول لكم ايه .. انا حستاذن لأنى وراية مقابلة المسا .. خلصوا انتم غداكم براحتكم .. أنا ححاسب قبل ما أمشى يا أمير .. السلام عليكم ..
تركهم خالد ليأتى الجرسون بطلب سارة بعد دقائق قليلة .. كان أمير فيها صامتا لا يتكلم .. يتناول طعامه في بطئ وهدوء وشرود .. لم يقاطع شروده سوى وصول الجرسون ..

بدأت سارة في تناول الطعام وهى تنظرمن لحظة لأخرى الى أمير الذى كان في واد آخر يفكر في وعد وكلام خالد عن الحب الأول .. فبادرت سارة بالكلام : هو صاحب الحركة الشيك من شوية راح فين .. ممكن تشفهولى يا أستاذ أمير أحسن أنا مش بعرف اقعد مع حد ساكته ..
ابتسم أمير لكلامها فرد عليها : ولا أنا والله يا سارة .. بس قلت يمكن بتحبى تاكلى في هدوء .. علشان كده محبتش ازعجك ..
سارة : يعنى عايز تفهمنى انى انا اللى ازعجتك ..
ارتبك أمير .. فلاحظت سارة ارتباكه وقالت : يا عم أنا بهزر معاك .. مالك اتخضيت كده ..

ضحك الإثنان وبدا في الكلام الذى أخذهما لمدة ساعة كاملة الى حين أن رن تليفون سارة .. فنظرت الى رقم الطالب وقالت : يا خبر أنا نسيت .. المهندس فهيم طلب منى رسومات المشروع الجديد .. سورى يا أمير أنا لازم امشى دلوقتى فورا .. اشوفك بكرة .. باى ..
جرت سارة الى الخارج في حين كان أمير ينظر اليها في تعجب ....

--------------------------------------------------------------------

رجع خالد الى منزله بعد تناول الغداء مع أمير .. قابلته أمينة بترحيب ولكنه ليس كالترحيب الذى تعوده منها سنوات عمره معها .. كان يشعر بذلك ويفتقد الى جزء كبير من حنانها الذى كانت تغمره به وكأنه طفلها المدلل لدرجة انه كان أحيانا يمل هذا التدليل .. لكنه الآن يشتاق اليه بشدة .. أو بمعنى آخر الآن علم قيمته وأهميته في حياته .. بل وأصبح يدمنه .. ولكنه كان يعذرها ولا يلومها .. على أمل أن تذيب الأيام هذا الاطار الجليدى الذى تغلفت به عاطفتها ناحيته بسبب قلبه الذى شاركتها فيه سلمى لسنوات طوال .. أو ربما كانت سلمى هي المتربعة بعرشه لتترك لها عقل حبيب عمرها يتعامل مع حبها ...

سألته أمينة وهو يتجه الى حجرته .. هل تحضر له الغداء .. فأجابها وهو يخلع سترته : أنا اتغديت مع أمير يا أمينة .. كان حريصا على أن لا يناديها بكلمة "حبيبتى" حتى لا يثير حنقها .. هو يعلم أن تلك الكلمة تضايقها كثيرا ..
أمينة : طيب .. عرفت ايه اللى مغيره ؟
خالد : مستقبله ياستى .. هو مشغول بيفكر حيعمل ايه بعد التجنيد .. بس أنا حاسس ان فيه أسباب تانية .. لكن للأسف مقدرتش أعرفها منه .. عموما أنا اتفقت معاه انه يبدأ تدريب في الشركة معايا لغاية ماتنتهى قترة تجنيده وبعدها يستلم الشغل في الشركة ..
أمينة : طيب وهو ايه رايه في الموضوع ده ؟
خالد : اعتقد انه مبسوط ومرحب بالشغل في الشركة .. والنهاردة كان أول يوم له في البرنامج التدريبى اللى انا الىلى جهزتهزله .. متقلقيش عليه يا أمينة .. حتى لو فيه حاجة تانية شاغلاه أو مضايقاه الشغل كفيل انه ينسيه اى مشاكل عنده ..
أمينة بلوم : يعنى مقولتليش قبل كده على موضوع الشغل بتاعه معاك .. أو انك كنت مرتب له برنامج تدريب ..
خالد : أعذرينى يا أمينة .. الظروف اللى مرينا بيها الفترة اللى فاتت وعدم رغبتك في الكلام معايا كان عامل لى ربكة في حياتى ونسيت أتكلم معاكى في الموضوع ده .. عموما .. انتى ايه رأيك في انه يبدأ شغله معايا من دلوقتى ..؟
أمينة : والله أنا شايفة انها فرصة كويسة بالنسبة له .. ربنا يقدم له اللى فيه الخير ..
خالد : آمين .. أنا محتاج أريح شوية .. على فكرة .. أنا خارج اقابل أمجد على العشا ..
خرجت أمينة وتركت خالد لينام قبل أن يذهب الى مقابلة أمجد ..

مرت حوالى ساعتين استيقظ بعدهما خالد فتناول كوب من الشاي قبل أن يرتدى ملابسه ثم خرج لمقابلة أمجد وكانا قد اتفقا على أن يتقابلا في النادى كما تعودا أن يلتقيا سويا منذ بداية عملهما ..
حضر أمجد قبل وصول خالد بقليل ..كان جالسا بأحدى صالات النادى يحتسى فنجان من القهوة وشاردا لدرجة انه لم يشعر بوصول صديقه الا بعد أن جلس على احدى الكراسى بجواره للحظات طويلة وهو لا يشعر به .. وعندما تنبه الى وجود خالد ابتسم ابتسامة باهتة وهو يقول : خالد .. !! انت وصلت امتى ..؟

خالد مبتسما : مش مهم وصلت امتى .. المهم ايه السرحان ده كله ..
أمجد وهو يبعد بعينيه عن مرمى بصر خالد حتى لا يقرا ما بهما من هم وحزن شديدين : لا أبدا مش سرحان ولا حاجة .. المهم .. طمنى عليك .. يا ترى أمورك مع أمينة تمام ؟
خالد بفخر : أيوة يا سيدى احنا بخير .. متغيرش الموضوع ..
أمجد : صدقنى .. مفيش موضوه ولا حاجة ..

خالد : شوف بقى يا أمجد .. بحكم صداقة العمر اللى بينا .. أنا جاى النهاردة ومصمم انى اسمعك .. أنا عارف ان طول عمرك وانت مبتحبش تحكى لحد عن حيانك أو مشاكلك .. وانت اللى بتسمعنا كلنا .. وساعات كتير بتحل لنا مشاكلنا .. وبتريحنا كمان .. بس اسمح لى .. النهاردة احنا حنعكس الأدوار .. ومش حنمشى من هنا الا وانت حاكى لى الضيق والحزن اللى شايفه في عنيك .. واللى كتير كنت بشوفه قبل كده .. بس كنت بحترم رغبتك في عدم الكلام .. بس احنا يا أمجد بعد العشرة الطويلة اللى بينا بقينا اكتر من الأهل .. يعنى حقك عليا انى اسمعك واشاركك همومك .. ولو انت بتعتبر ان اللى بينا مايسمحش لى انى اعرف اللى تاعبك وأحاول اقف جنبك .. قلهالى ببساطة واوعدك انى مش حفتح معاك الكلام ده مرة تانية ..

أطرق أمجد براسه الى الأرض وسكت قليلا ثما قال بنبرة حزينة : اللى بينا يا خالد يسمح لك انك تتكلم معايا في أي موضوع يخصنى .. ومفيش بينا خطوط حمرا أبدا يا صاحبى .. بس أنا اللى بلاقى صعوبة في انى أتكلم عن أي حاجة في حياتى .. ويمكن مبحبش اشيل حد همى .. أو احس في عنيه نظرة شفقة نحيتى ..
خالد : هم وشفقة ايه يا أمجد اللى بتتكلم عنهم .. مفيش بين الصحاب الكلام ده .. احكى لى يا أمجد عن اللى تاعبك بالشكل اللى أنا شايفه دلوقتى .. احكى لى .. وحتى لو مقدرتش اساعدك يبقى كفاية انك تحس بشوية راحة وانت بتفضفض عن اللى تاعبك يا صاحبى ...
سكت أمجد طويلا حتى كاد خالد أن ييأس من أن ينطق بكلمة ولكنه تكلم أخيرا وقال بتردد : تفتكر يا خالد انا ليه متجوزتش لحد دلوقتى ؟
رد خالد وقد توقع أن يكون سبب هم صديقه أمر عاطفى : واحد بشخصيتك وحساسيتك ومشاعرك الجميلة اللى عارفينها كلنا لازم يكون ورا عدم جوازه حب كبير مقدرش يوصل لصاحبة النصيب في الحب ده ..

نظر له أمجد نظرة اعجاب لفراسة صاحبه وتعجب في نفس الوقت من نفسه .. يتساءل في داخله .. الهذه الدرجة يعلم من هم قريبون منه بأنه محموم بحب لم يستطع ان يناله طوال هذه السنين ؟؟!!! .. ثم ابتسم ابتسامة تنم عن اعجابه باجابة صديقه فقال مهموما بتريث: هو كده بالظبط يا صاحبى .. أنا اللى حب ولا طالشى ..
خالد : ويا ترى ده حب من طرف واحد ولا الظروف اللى منعت ارتباطكم ؟
أمجد بتنهيدة : عمره ما كان من طرف واحد .. أنا ونفين حبينا بعض من أيام الجامعة .. ولسه بنحب بعض لغاية دلوقتى .. لكن حبنا عمره ما شفع ولا حيشفع لنا عند اللى حكم على قلوبنا انها تتحرم من القرب من بعضها ونتجوز .. سكت قليلا وقد كسا الحزن ملامحه .. ثم اردف قائلا وكأنه يحمل هموم الدنيا فوق كاهله : أنا من طايفة وهى من طايفة تانية يا خالد .. والطايفتين مش مسموح لهم الجواز من بعض ..

نظر اليه خالد في وجوم لا يدرى ماذا يقول له .. هل يحاول أن يطرح عليه حلول أو اقتراحات ..؟ كيف وهو ليس على دراية كافية بمعتقدات كل طائفة أو تعاليمها .. هل يواسيه ..؟ لا يظن .. فهو لا يريد أن يشعره بالشفقة على حاله .. هل يطلب منه محاولة النسيان ومحاولة الارتياط بما يناسبه من طائفته ..؟ .. وهل هذا ممكن بعد كل هذا الحب الذى عاش في معبده راهبا كل هذه السنين ..
لم يتمكن خالد أن يقول شيئا .. حتى سمع أمجد يقول : تعرف يا خالد .. لما اتخرجت واشتغلت .. فاتحتها في موضوع ارتباطنا وحاولت الاقى معاها حلول لمشكلة الطوائف .. بس لللأسف كل الطرق كانت مسدودة وحسينا ان الحل الوحيد هو اننا نهرب لبلد يكون بيسمح بالجواز المدنى .. بس للأسف الحل ده مكنش مناسب لا ليها ولا ليه .. حسينا اننا حننقطع من عائلاتنا ونتقلع من جذورنا .. ونسبب لهم مشاكل كبيرة .. وكمان انت عارف ان أمى في الوقت ده وقبل ما تتوفى مكنش ليها غيرى يراعيها .. حتى مكنتش اقدر افاتحها في موضوع زى ده وأقول لها انى حتجوز واحدة من طايفة غير طايفتى .. وكمان نيفين .. أهلها مش ممكن يوافقوا على حاجة زى دى أبدا وممكن الموضوع يوصل عندهم للدم .. المشكلة كانت كبيرة وعشنا سنين محتارين فى حلها .. لغاية أهلها ما أجبروها على الجواز من واحد قريبها .. عاشت حياتها معاه وانجبت منه .. لكن كانت دايما بتكتب لى انها عايشة معاه جسد مش اكتر .. بتحاول تتقى ربنا فيه .. لكن روحها وقلبها لسه معايا .. كنت ومازلت بتعذب كل ما اقرأ أو أتذكر كلماتها دى .. أو أسرح بخيالى واتخيلها وهى فى احضان راجل تانى .. حاولت انى انساها .. لكنى مقدرتش .. حاولت انى ارتبط بأى واحدة مناسبة على أساس ان الجواز شيء والحب شيء تانى .. وأعيش مع اللى حتجوزها زى ما هى عاشت مع جوزها .. اعيش بجسدى .. ويفضل قلبى مع نفين .. وآهو اللى في القلب محدش حيشعر بيه الا انا .. بس برضه للأسف مقدرتش .. وكل اللى حاولت انى ارتبط بيهم فشلت علاقتى معاهم في المراحل الأولى من معرفتهم .. مرت السنين وشلت فكرة الارتباط من دماغى .. وحسيت انى افضل لى انى أعيش زى ما انا عايش .. وبدأت آخد على حياتى دى وارضى بيها .. لكن من شهور قليلة عرفت ان جوزها اتوفى .. والجرح اللى اتقفل من سنين رجع خبر انها حرة من جديد يفتحه من تانى .. ولقيتنى بدور في نفس الدايرة من جديد .. سكت لحظات ثم تنهد وهو يقول .. عرفت يا صاحبى أنا مشكلتى كبيرة اد ايه ..

نظر اليه خالد وهو يعلم مدى قسوة وصعوبة ما يمر به صديقه منذ سنوات طويلة .. تذكر كم يحب أمجد نيفين .. وكيف لا وهو مازال يحلم بها ويناجيها في أحلامه واثناء نومه ..

تكلم خالد ليقول له شيئا يخفف عنه ما يمر به .. : أنا عارف ومقدر كل اللى انت مريت وبتمر بيه يا أمجد وحاسس اد ايه انت اتعذبت في حبك لأنى ببساطة مريت بشكل أو بآخر بنفس المشكلة.. وان اختلفت أسباب الحرمان .. بس ببساطة يا صديقى انا وانت واللى زينا ما اخدناش بنصيحة الحكمة القائلة " لا تجعل شجرة واحدة تحجب عنك بقية الغابة " .. واعذرنى يا أمجد لو الكلام اللى حقولهولك ده ممكن يزعلك .. احنا للأسف بنسيب نفسنا وهوانا هما اللى يقودونا .. مش حقولك للوهم .. لا .. حكون رحيم شوية وأسميه اننا بنمشى عكس التيار .. وبنصر نفضل مقربين جدا بمشاعرنا للشجرة اللى اختارها لنا قلبنا .. وبنفضل باصين عليها هي وبس .. وبالتالي مبنشوفش باقى الغابة ومميزاتها وجمالها والنعم اللى ممكن تكون فيها واللى انعم علينا بيها ربنا واحنا مش واخدين بالنا منها .. صدقنى يا أمجد .. هو ده الحرمان بعينه ..

سكت خالد قليلا وهو مطرق رأسه الى الأرض يفكر .. هل يروى له ما مر به طوال السنين السابقة حتى أفاق على نعمة كادت تضيع من بين يديه .. هو يخاف أن يعلم أمجد بفطنته عمن يتكلم .. فيظن به سوء تجاه علاقته بزوجة صديقهم الراحل .. ولكنه في النهاية قرر ان يتكلم .. فربما في كلامه حلا يساعد صديقه الذى يحبه ويرجو له الخير .. فقال : تعرف يا أمجد .. أنا برضه حبيت قبل جوازى من أمينة .. واللى حبيتها اتجوزت غيرى والسبب كان غبائى .. وده شيء كان بيزيد من عذابى طول السنين لأنى أنا اللى ضيعتها من ايدى .. عشت مع امينة في البداية بجسدى فقط .. ومع الوقت شارك جسدى نصف قلبى من روعة معاملة أمينة وتفانيها في حبى وحب بيتها وأولادها .. لكنى برضه كنت عايش في محراب الحب الأول بتعذب لوحدى .. وفى يوم ما عرفت أمينة ان قلبى مكنش ليها طول السنين اللى فاتت ومرت بأزمتها الصحية بسبب اللى عرفته .. ولما حسيت انى ممكن افقدها .. عرفت أد إيه هي مهمة بالنسبة لى ..وحسيت أد إيه أنا كنت بحبها ومن غير ما ادرى .. وصدقنى الحب الأول تلاشى واتمحى من حياتى وشعورى .. وحل محله حب أمينة اللى بتمنى انها تغفر لى ذنبى في حقها وتعود الأمور من ناحيتها زى ما كانت في الأول ..

كان أمجد يستمع اليه ويؤمن بكل كلمة قالها .. فهو كثيرا ما قال لنفسه كلام شبيه بهذا حتى يخرج نفسه من ورطة العشق الذى أفسد عليه حياته ومتطلباته كبشر .. ولكن ربما كان في حاجة الى أن يسمع تلك الكلمات من صوت آخر غير الصوتين اللذين بداخله يتصارعان .. فاحداهما كان للعقل يطلب منه انهاء هذه المهزلة ويقنعه أن الحياة لا يجب ان نحياها هكذا في محراب الحرمان .. والآخر كان للقلب يجذبه الى هذا المحراب بحجج واهية .. ولكنه في النهاية وفي كل مرة كان يستجيب لسلطان وأمر القلب .. أما اليوم .. وفى تلك اللحظات فهناك من يسانده الى ان يستجيب الى كلمت خالد وصوت عقله .. لقد مرت السنون وهو وحيد ليس له حتى ولد يرعاه في كبره أو يرث تلك الثروة التي جناها .. فان مات قبل أن يرى لنفسه ولدا فسوف ينتهى ذكره من الدنيا بمجرد وفاته .. نعم ان الحب شيء جميل وهام في حياتنا .. ولكن هناك أمورا أخرى يمكن أن تحدث ونحققها بدونه ولا تقل أهمية عن الحب الذى ربما يحدث ويأتي مع مرور الأيام والعشرة الطيبة ..
أما بالنسبة لنفين حب عمره .. فحبهما هو الحب المحرم .. وكان يجب عليه أن يعلم ويؤمن بذلك منذ زمن ويتجه بحياته لشاطئ آخر يرسو عليه حتى وان ظل يحبها .. فهذا شيء ليس بيده ..

كان صوت العقل في تلك اللحظات يقول لأمجد : نيفين تزوجت منذ سنوات تحت ضغط أهلها ومن هم حولها وضغط العادات والتقاليد بالرغم انها قد اجلت هذا الزواج كثيرا حتى تزوجت عند عمر الثلاثون .. وهذا عمر كبير لبنات الصعيد .. عاشت حياتها بالرغم من حبه الذى يجرى في دمائها الى الآن كما تقول له دائما في خطاباتهما والمكالمات التليفونية التي بينهما بين الحين والآخر .. هي عاشت حياتها وانجبت وأصبح لديها أولاد هم سلوتها في الحياة .. أما هو فقد وقفت حياته كبشر عند زمن معين ولم تتقدم خطوة واحدة .. والنتيجة .. لا أولاد ولا رفيق في الحياة .. وقد حرم نفسه من نعمة ومتعة الزواج والانجاب .. ظل صوت العقل يتردد بداخله .. اليوم هو نهاية تلك القصة وان ظل حبه لنيفين بين ضلوعه .. اليوم هو يوم القرار والبداية الجديدة يا أمجد ..

نظر أمجد الى خالد بعد شرود دام دقيقتين ثم ابتسم وربت على كف خالد الذى كان مرتاحا فوق الطاولة وقال : شكرا يا خالد .. حقيقى شكرا يا صاحبى .. أنا حاسس انى جعان جدا .. هو بالحق .. انتى اللى عازمنى ولا أنا اللى عازمك ؟؟
ضحك الأثنان ونادى أمجد الجرسون لطلب وجبات العشاء .....
----------------------------------------------------------------


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس