عرض مشاركة واحدة
قديم 30-05-20, 01:42 AM   #44

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل السادس والثلاثون ..

.
.

[ فُرص الحياة ]

.
.

خرج يسير بخطوات متثاقلة في تلك الظلمة الحالكة بدون وجهة محددة فقط يريد أن يبتعد ، يبتعد قدر المستطاع من هذا الواقع الذي بدأ يؤلمه بشدة ويشد الخناق عليه ، يريد الخروج من كل هذه الأفكار والوساوس السوداء التي لم تبرح له رأسه بل هاجمته بكل قسوة وبدون أي رحمة ، ضائق صدره يشعر بجبال ثقال أخذت تستوطن قلبه المثقل بالأحزان ، وبالرغم من وسامة ملامحه إلا أنه بدا شاحب الوجه من قلة النوم والأكل ، تجمع بعض السواد أسفل عينيه التي اختفى بريقها لتصبح فارغة باهتة مليئة بالضياع فثلاث أيام متواصلة لم يعرف للنوم والراحة سبيل فيها ، يجر خطاه في تلك المساحات الشاسعة الموجودة أمام وخلف قصر السيد مازن الذي انتقل إليه والممتلئة بالأشجار الخضراء التي أخذت أوراقها تتراقص مع الهواء بانسجام ، والزهور بشتى أنواعها منتشرة حوله لتغطي المكان برائحتها الزكية يستنشق عبيرها كل من مر جوارها ، لم يهنأ بالنوم كالبقية بعد وجبة العشاء التي قدمها السيد مازن له ولم تحظر إلا زوجته معه بحجة أنه سيرى عروسه في اليوم التالي ، والتي لم يهتم ولا حتى بشكلها ولا اسمها ولا أي شيء حولها فلم يدفعه ولا حتى الفضول الغريزي لمعرفة مواصفات من سيرتبط بها ، فتلك تعد بالنسبة له مجرد سخافات لأنه لا يريدها من الأساس ولن يكذب على نفسه في ذلك ، فقد هجره بعدها النوم كما تهجر الطيور أعشاشها في بعض المواسم لتعلن مغادرتها لمنطقة أخرى ، أخذ يجوب المكان تحت ضوء القمر مع تلك النسمات الباردة الهادئة التي أخذت تحرك خصلات شعره بخفة بشكل جذاب ، وقف منتصبا على إحدى الصخور الضخام ممددا ذراعيه ليأخذ أكبر كمية هواء ويدخلها إلى صدره المثقل بالهموم علها تخفف عنه هذا الثقل الذي يشعر به ، وما لبث إلا القليل من لحظات الهدوء حتى ضيق عينيه بضجر بان على ملامحه عندما سمع صوت بكاء صامت تأن له القلوب ، شهقات صغيرة متتالية ، أنفاس متقطعة تكاد تموت قهرا وألما ، لم يشعر بنفسه بل أخذت قدميه تسير ببطء متوجهة نحو ذلك الأنين الموجوع ليقف أخيرا خلف شجرة ضخمة يحتمي خلفها من أنظار الغير ، أخرج رأسه ليرى صاحب ذلك النحيب الموجع ليرى ذلك الجسم الصغير الذي يجلس جلسة القرفصاء تخفي رأسها بين ركبتيها التي أخذت تضمها بقوة إلى صدرها تقبض على فستانها الرمادي الذي يصل أسفل ركبتيها بكل قوة بقبضتها الصغيرة ، شعرها ذو اللون الأسود الأرجواني القاني الجذاب الذي يميزها عن غيرها قد انسدل على ظهرها بكل عنفوان ليغطيه بالكامل ، أطرافها كلها ترتجف من كثرة البكاء ، منظرها لوحده يقطع القلب ويمزقه إلى أشلاء صغيرة ، في ذلك الجو الهادئ والجميل نسمات عليلة وتحت ضوء القمر كان كل ما حولهم يبتسم إلا هذان الشخصين أحدهما لم تتوقف دموعه عن الانهمار كالشلال والآخر جفت دموعه التي لم يعرفها إلا منذ زمن بعيد واحتبست داخل عينيه الباهتة لتسرق البريق والحياة منها ، وكل ما كان يدور في بال تلك الباكية حينها حسرات وآهات لا يسمعها أحد سواها مكبوتة في صدرها تكاد تقتلها ، فهذه هي نهايتها لقد تدمرت حياتها وتحطمت آمالها وتلاشت كل أحلامها ، فبعد أن ألقت عليها السيدة دلال أوامرها الصارمة وعلمت بخطتهم الخبيثة وهي إدعاء كونها ابنتهم ليزوجوها من الجندي المعدوم كما يزعمون انهارت وقد اغشي عليها من وقع الخبر لكنهم كالعادة لم يهتموا بها حتى لو ماتت بالعكس سيفرحون كثيرا بهكذا خبر ولا تعلم لماذا هذا الحقد الأسود اتجاهها فهي لم تفعل لهم أي شيء يستحق ذلك فهي خادمة لخدمهم لا حول لها ولا قوة ، شعرت بظل يقف أمامها لترفع رأسها ببطء شديد وإذا بعينيها الرماديتان الحمراوتان من كثر البكاء تتسع بصدمة مذعورة من الذي انتصب واقفا أمامها بطوله وضخامته ، كيف ؟! كيف لم تشعر به ؟! أكان يطير مع نسمات الليل ليسقط أمامها كورقة خريف غادرت غصنها وسقطت على الأرض بخفة أم ماذا يا ترى ؟! ، نظر وسام إلى وجهها الطفولي البريء متأملا تفاصيله ببرود وقليل من الشفقة على حالها ، فتاة لا تزال في الخامسة عشر من عمرها أو يقل هذا ما بدا له حينها ، في سن الزهور تبكي كل هذا البكاء وتحمل كل هذا الهم والألم الذي لا يزال باكرا على عمرها وكم تذكر نفسه حين كان بمثل عمرها وبعكسها تماما فلقد كان قاتل ومن أكبر المجرمين ، عينان واسعتان رمادية صافية كالزجاج انعكس ضوء القمر فيها لتضيء وتأسر كل من رآها تعكس كل ما في دواخلها بكل وضوح فلقد رأى كمية الألم والحزن والقهر الذي تشعر به بمجرد النظر إلى تلك العينين المرهقتين من البكاء ، دموعها لا تكاد تتوقف بشرتها بيضاء كبياض الثلج لكنها شاحبة الوجه فهي كما يبدو أيضا لم تنم ولم تكن تأكل كفاية ، وجنتيها متوردة من البكاء ، تتدلى غرتها على جبينها لتزيد من جمالها ، لم تكن سوى كأميرة حقيقية شديدة الجمال أو بالأحرى تكاد تكون هي الجمال بعينه ، جسمها الذي لا يكاد يتوقف من الارتعاش هزيل للغاية ، فتاة صغيرة لا تملك من أمرها شيء ومغلوب على أمرها بالكامل وحالتها صعبة للغاية ، ازدادت نبضات قلبها وتعالى صوت أنفاسها المخنوقة تنظر إليه برعب احتل كل جزء فيها ، تنهد بتعب من الاستنتاج الذي توصل إليه دماغه عن سبب وجودها هنا وسبب النحيب الموجع هذا ، فأخذ يرفع خصلات شعره البني من على جبينه بطريقة جذابة ودنى منها مستندا على ركبته جالسا أمامها ، ابتلعت ريقها بصعوبة وأخذت تسحب نفسها إلى الخلف إلى أن ألتصق جسمها الصغير بالشجرة التي خلفها حتى أنها كادت أن تتزحزح الشجرة عن مكانها من شدة الضغط عليها بجسمها ، قال وسام ببرود شديد وبنبرته الموسيقية التي يجيد عزفها بكل حرفيه والتي جعلت الخوف يدب في قلبها الصغير :
- إذا هاهي عروسي تجلس هنا ..
ماذا قال ؟! أقال عروسه للتو ؟! أيعني هذا بأن هذا الرجل الذي يقف أمامها هو الذي أرغموها على الزواج منه والذي ستنتقل للعيش معه بعد يوم أو يومين بالكثير والذي ستنتهي حياتها الوردية أو التي تمنت بأن تكون كذلك بمجرد توقيعها على العقد بالارتباط منه ؟! هذا لا يعقل ولا يصدق ، حدقت به برعب لم تستطع إخفائه من الظهور على ملامحها البريئة ليستشعر وسام ذلك بمجرد النظر إلى عينيها ويشعر بمدى الخوف والألم الذي في صدرها ، لقد أنصدم بحق عندما رآها هل سيزوجونه من طفلة !! طفلة .. وسام بشحمه ولحمه يتزوج من طفلة لم تبلغ سن الزواج حتى أي جرم يرتكبه في حقها أي قرار بشع اتخذه بالارتباط بفتاة حتى عمرها لم يسأل عنه كل همه كان أن يخلص والده من الحقير جاسم وينفذ مطلب والده الذي طلبه منه وتوسل إليه بأن يفعلها لأجله ، ألم يعاهد نفسه سابقا بأن لا يؤذي أحد بدون سبب وألا يرتكب المزيد من الجرائم ؟! لكن الأعمال التخريبية وتدمير حياة الآخرين لا بد من أنها لا تزال تسري في عروقه مجرى الدم ولا تكاد تغادره فهو في النهاية ابن إمبراطورية البراكين والذين اشتهروا بكونهم خونه ومجرمين ، اخفض رأسه قليلا ليستجمع قواه المبعثرة نعم لقد صدق توقعه إنها هي التي سيتزوجها من ملامحها المصدومة ومن دموعها المنهمرة ، كم تمنى بأن لا تكون هي على الأقل فتاة كبيرة بالغة سن الرشد تساعده قليلا على هذه المسرحية التي سيقدمها أمام الجميع وإذا حصل على ما يريده تركها في حال سبيلها فلن يؤذيها أبدا ولن يفكر بها كزوجة حقيقية على الإطلاق وليس بطفلة وكما يبدو بأنها لا تريد أيضا ومرغمة على فعل ذلك بالتأكيد ، فكيف لطفلة بالتفكير بهذا الأمر الذي حتى هو لم يكن يريد تقبل الفكرة كلها منذ البداية وهو الذي في سن الزواج فما باله بهذه الطفلة بذلك الموضوع ؟! لا بد من أنه ابعد من أن تتصوره في مخيلتها حتى ، نظر إليها مجددا وقال ببرود شديد محاولا أن يدخل القليل من الاطمئنان إلى قلبها المتألم بشرحه للذي يريد فعله معها :
- لا تقلقي يا فتاة هي ليست بالفترة الطويلة التي ستبقي فيها معي بل سأعيدك إلى حضن أهلك الدافئ بمجرد أن أنهي هذه الصفقة السخيفة وهذه المشكلة الغبية التي وقعت فيها من حيث لا أدري وصدقيني بأنني سأحرص كل الحرص على أن أنهي الأمر سريعا ..
بعد أن انتهى من كلامه الذي ظن أنه سيخفف عليها إلا أنه زاد الطين بله هب واقفا ليختفي من أمامها كلمح البصر ،
ذهول ، صمت ، حزن ، ألم ، تعب ، صدمة ، ارتباك ، رعشة وبرودة تسري في جميع جسمها هذه الأحاسيس التي كان ذلك القلب الصغير يحتملها كلها دفعة واحدة أليس هذا بالكثير عليها ؟! ألا يكفي ما مرت به في السابق ؟! ألا تتوقف هذه الدموع ؟! ألا تبتسم هذه الشفاه ولو قليلا ؟! إلى متى سيستمر هذا إلى متى ؟! ، أرجعت رأسها إلى الخلف مستنده على الشجرة تضم يديها بقوة إلى صدرها وأخذت تلك الدموع الحارقة مجراها في شق طريقها على وجنتيها المتوردتين ، ابتسمت ساخرة على حالها بعد كلمات وسام لها فهي الآن تعلم أنه تم خداعه ويظن بأن الأشخاص الذين عذبوها لسنين طوال وكانت تعمل عندهم كخادمة بائسة حقيرة لم يرحموها حتى في مرضها هم أهلها، يا لا السخرية لقد خدعوه حقا ، هل تجبر نفسها على التعايش مع وضعها وتعتبر هذا الزواج مجرد طريق لها للخروج من هنا وتعتبرها فرصة من فرص الحياة التي لا تعوض وتستغلها !! لكن لا فمجرد التفكير بأمر الزواج يكاد يصيبها بالجنون لكنه قد يكون مخرجها الوحيد حينها ، أخفضت رأسها لتدسه بين ركبتيها مجددا وأخذت تشهق بقوة عندما لم تستطع إقناع نفسها بذلك فهي تخرج من سجن لسجن آخر ومن نوع مختلف فها قد عرفت قدرها الآن عندهم فهي ليست إلا صفقة تبادل بينهم حتى أنهم لا يعتبرونها شخصا له أحاسيس ومشاعر نعم فهي ليست إلا صفقة رابحه للطرفين ، فالطرف الأول سيحظى بشرف إتباعه للإمبراطور عامر وأما الطرف الثاني لا تعرف الكثير عنه إلا أنه لن يخسر شيئا من هذا الزواج كما ظنت فهو رجل ما الذي سيضره ؟! بالتأكيد لا شيء فهو يستطيع استعمالها كيفما شاء وقتما شاء أينما شاء ، وسيتخلصون منها حال ما يقضون حوائجهم ويشبعون رغباتهم غير آبهين بها ، بمجرد وجود بديل لها سيرمونها ويتخلصون منها وفقط فهي كقطعة قماش بالية الكل يمسح بها ما شاء أن يواريه عن الجميع ومن ثم رميها في أقرب سلة نفايات ، لماذا لا يقدرون وجودها لماذا كل هذا التهكم والتجبر الكل يتحكم بها كما يريد أي حياة هذه متى سينتهي هذا الألم إلى متى سيستمر يا ترى !! .

*****

مدت ذراعيها صارخة بسعادة تطرد الكسل وتمد عضلاتها التي تقلصت بسبب انكماشها على نفسها لساعات طويلة متواصلة وسرعان ما انكبت على عملها من جديد ، وابتسامة واسعة تعلو شفتيها ولم تعد تعلم متى أخر مرة ابتسمت بكل سعادة كالآن ، قالت ناهره للتي تمد يدها لتجذب القطعة التي في يدها :
- ميمي ابتعدي كم مرة أقولها لك ..
قالت تمط شفتيها بحزن :
- لكن يا ماما أنا فقط أريد أن أتأكد من أنك انتهيتِ من فستاني ..
فمدت يدها تمسح على شعرها وقالت بابتسامة:
- ألم يعجبك الذي ترتادينه الآن ..
هزت رأسها نفيا وقالت :
- بلى ماما أعجبني وأحببته كثيرا لكني أحب أيضا الوردي الذي تخيطينه ..
قالت بنفس ابتسامتها العذبة :
- إذا لا تقاطعيني لكي أستطيع أن أنجزه بأسرع وقت لأجلك يا صغيرتي ..
هزت رأسها إيجابا وسعادة غامرة تتدفق في أوردة قلبها الصغير بينما عادت هالة تمرر القطع القماشية المقصوصة سلفا تحت الإبرة المثبتة في قطع حديدية متكونة في جهاز للخياطة ، كم تقدر اللحظات الجميلة التي هي فيها الآن ولا تريدها أن تنتهي أبدا ولو كان الأمر بيدها لأوقفت الزمن كله عند هذه اللحظات لتعيشها كل يوم ، فهي لا تستطيع وصف سعادتها الحقيقية بأي كلمات فأي الكلمات قد تساعدها الآن وهي تمارس حلم طفولتها وشبابها ، كم تعشق ما تصنع لذلك فهي تصنعه ليس بجمع القطع القماشية معا بالخيوط بل تخيط معهم حبها الشديد لما تصنع لكي يخرج في قطعة فنية واحدة مترابطة وجميلة ، وهذا هو حالها منذ أن أحضر لها وسام عربة كاملة مليئة باللفافات القماشية الرائعة بشتى الأحجام والأنواع والألوان واستطاعت أن تتعرف على نوعية الأقمشة وجودتها سريعا فهي من بضائع ذاك التاجر الصغير الذي لطالما كانت تبحث عنه ، ولا تعلم كيف أستطاع وسام أن يحظرها لها وكم باتت تشك بأنه هو والتاجر الصغير وجهان لعملة واحدة ، أرادت أن تشكره على صنيعه معها منذ قابلته ، وأرادت أن تتفاهم معه كيف ستشتري كل الأقمشة منه فهي لا تملك إلا القيل من المال لكنه وكالعادة لم يعطيها أي فرصة للكلام وتبادل أطراف الحديث معا فكما يبدو بأن كان مستعجلا ، مد بورقة صغيرة لها وقال بكل برود :
- إن جمعتي المال اذهبي للعنوان المكتوب وسلميها لصاحبها ..
وفقط غادر بل اختفى كما يختفي السراب عند الاقتراب منه ، وتركها مع كم كبير من الأسئلة تدور في رأسها ولم تجد أي جواب لها ، لماذا لم يطلب المال بل قال إن جمعته هل يعلم بأنها لا تملكه ؟! بالطبع يعلم ذلك لكن إلى أي وقت يمكنها أن تجمع المال فهو لم يحدد المدة المسموح لها بجمعه فيها أيضا بل ترك الوقت مفتوحا لها وكأن صاحبها الأساسي في غنا تام عن بضائعه ولا يحتاج المال ، والعنوان ماذا عنه ؟! نعم العنوان إذا لا بد من أنه شخص آخر بما أنه قال سلميها لصاحبها إذا التاجر الصغير هناك في ذاك الموقع الذي كتبه لها في الورقة ، هل يعقل أنه كتب لها موقع منزل التاجر الصغير نفسه أم أحد معارفه والذين قد يكونون يعملون عنده ؟! لكن ما شأنها بكل ذلك ، هزت رأسها لتطرد الأفكار والتساؤلات التي ستؤثر على عملها فكل ما عليها فعله الآن هو أن تجتهد وتجني المال لكي تعطيه لصاحبها ، وكم تستغرب من الثقة التي منحها وسام بأنها قادرة على جني المال لذلك يمكنها دفعه وإعادته لصاحبها ، كم تشكر ذلك الرجل الرائع فهو خرج لها من العدم ليحل كل مصائبها ومشاكلها الشائكة في يوم وليلة ، وكل ما عليها الآن بذل الجهد لتخيط كل تلك التصاميم التي رسمتها سابقا لتبدأ بالخطوة التي بعدها ، طرقات على باب منزلها ما جعلها تقطع عملها وتنهض لترى من بالباب ولكن كما يبدو أن ميمي المشاغبة التي قفزت قبلها بكل خفة فتحت الباب ، لتنبهر السيدة التي كانت تطرق الباب والتي تكاد تبلغ الأربعين من العمر من الفستان الذي كانت ترتديه ميمي فهو كان باللون الأزرق البحري وبتصميم راقي جدا ، وصلت هالة وقالت معتذرة :
- آسفة سيدتي هل يمكنني مساعدتك ..
قالت الأخرى بانبهار شديد :
- ما أروع فستان هذه الصغيرة ..!!
فابتسمت بخجل بينما ميمي أخذت تصرخ بسعادة وتشير لها قائلة ببراءة :
- ماما من خاطته لي والآن هي تخيط لي آخر وأكثر روعة ..
نظرت لهالة وقالت بدهشة :
- حقا يا آنسة أنتِ من خاطه ..
قالت هالة بتواضع تدس خصلات شعرها البني خلف أذنها بخجل :
- نعم سيدتي وهو .. أقصد أنني ...
وبترت جملتها عندما قالت لها بحماس شديد :
- بصراحة طرقت بابك لأسألك عن إن كنتِ تعرفين متجرا يبيع فساتين مميزة ويبدو بأني وجدتك أنتِ ، هل تخيطين لي ولبناتي فساتين !! أرجوك ..
نظرت هالة لها بعينين متسعتين بدهشة فهي لا تزال غير مستوعبة كيف جرت الأمور بهذه السرعة وأخذت هذا المنحنى وبهذه الطريقة ، فهي لم تستعد نفسيا ولا معنويا لهذه الخطوة التي انقطعت عنها لسنين وهي المواجهة وعرض التصاميم واستقبال الطلبات من الزبائن ، وكم شعرت بالخوف يتسلل إلى قلبها ، ماذا لو فشلت ؟! ماذا لو لم تنل رضاها ؟! ماذا إن طلبت منها شيئا لا يمكنها صنعه لصعوبته ؟! فمهاراتها أصبحت تراها بسيطة وتحتاج إلى تقويتها وتطويرها قبل أن تبدأ بالبيع للسيدات ويعود ذلك لانقطاعها عن الممارسة لسنوات ، قالت الأخرى عندما لم تتلقى أي رد من هالة :
- أرجوك آنستي فنحن مدعون إلى حفلة وأنا أريد منك أن تخيطي لي ولأختي ولبناتي ، أرجوك فلقد أعجبت بشدة بتصميمك لفستان هذه الصغيرة ..
قالت هالة والرهبة من المجازفة قد تملكتها :
- يمكنك الدخول سيدتي وسأسعى جهدي لكي ألبي رغباتك ولدي أيضا بعض الرسوم لتصاميم قد صممتها سابقا فلتختاري منها ما شئتِ ..
قالتها ولم تكن متأكدة هل ما فعلته صحيح أم خاطئ ، مجازفة قد تخسرها الكثير لكن هذه فرص الحياة عندما تأتينا في حين غفلة منا يجب علينا انتهازها والخوض فيها والمجازفة للمضي قدما وترك الخوف والتوتر والقلق جانبا فإن حسبنا حسابا لخوفنا وقارنّا مهاراتنا بمهارات الخبراء دائما فلن ننجز مثقال ذرة بل سنقف متفرجين على الآخرين من حولنا والذين يتقدمون وينجزون ، ونحن نحبس أنفسنا خلف قضبان الخوف من المجهول والمقارنات البشعة التي لا تعطي الإنسان أي شيء يذكر ولا أي شيء غير التحطيم وتوليد الحسرة بداخلنا والشعور بالعجز ، ولن نتطور ونتعلم إذا ما تركنا المعتقدات الباطلة والظنون الواهية فالإنسان يجب عليه المحاولة والاستمرار دائما بغض النظر عما سيجنيه ، ومن هنا كانت بدايتها الجديدة لحياة مختلفة فما أجمل البدايات المليئة بالمغامرات والتجديد فلن نتوقع نتائج مختلفة ومبهرة إذا كنا نسير على نفس الوتيرة وبنفس النسق في كل شيء ، يجب أن نغير الطريقة لتتغير النتائج وهذا ما كانت هالة مصرة علية وواثقة بأنها تستطيع إن هي فقط حاولت ولم تستسلم .











نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً