عرض مشاركة واحدة
قديم 01-06-20, 10:57 PM   #3554

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل السابع والثلاثون

أرَقٌ عَلى أرَقٍ وَمِثْلي يَأرَقُ وَجَوًى يَزيدُ وَعَبْرَةٌ تَتَرَقْرَقُ جُهْدُ الصّبابَةِ أنْ تكونَ كما أُرَى عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وقَلْبٌ يَخْفِقُ مَا لاحَ بَرْقٌ أوْ تَرَنّمَ طائِرٌ إلّا انْثَنَيْتُ وَلي فُؤادٌ شَيّقُ جَرّبْتُ مِنْ نَارِ الهَوَى ما تَنطَفي نَارُ الغَضَا وَتَكِلُّ عَمّا يُحْرِقُ

" المتنبى"


من لحظة لأخرى كانت تعود لتهديده ووعيده بإنزال أقصى الوبال فوق رأسه ليس من جانب أخيها "هالك عضلات" فقط ولكنها تجرأت أن تهدده بإخبار أبيه هو....
"أنا لست فتاة صغيرة.. لتلعب معي تلك المسرحية السخيفة"
قالت بغضب خاتمة تهديد أخر.. ثم عادت لتجلس في منتصف المقعد الخلفي من السيارة مكتفة ذراعيها ومحتضنة عكازها بينهما دون أن تحاول طيه ... نظر إليها نزار من خلال المرآة وعلى شفتيه ابتسامة هادئة وكأنه لم يتأثر بقنوط ملامحها ولا بغضبها المكبوت..
الآن يستطيع أن يتأمل ملامحها بحرية تامة عن قرب دون الخوف من كشفه أو مراقبة أحدهم له, بالطبع هو لاحظ نضج ملامحها من قبل.. ولكنه لم يدقق في التفاصيل الصغيرة التي أصبحت تشكل ما هي عليه.. فمها المعقود الصغير كخاتم ألماس مصقول ودقيق الصنع حدده الآن خطين مائلين زاداه فتنة وإن كانا يخبراه عن سر البؤس الذي تعايشت معه... وجنتيها الشهيتين والتي يتذكر احمرارهما الدائم قبل سنوات قد زال عنهما لونهما تمامًا وكأن سر الحياة الذي كان يضخ في أوردتها مسبباً لها ملامح عرائس الباربي تلك خفت تماماً وانتهى... بينما عينيها الواسعتين المحددتين بشكل هندسي يشبه أجساد السمك ما زالتا على حالهما.. رموش كثيفة, عينان فريدتان في رسمهما, وينعكس لونهما كبحرين عميقين بزرقة صافية ولمعة مطفئة لطالما حيرته إذ أنه دائماً ما كان يعتقد أن العميان لا يمتلكون حديث الأعين أو أطياف ساحرة تسرق القلب رامية إياه في قاع بحر ليس له أول من آخر هو....
كان يغرق بهما وما زال.. ولكنه لم يرد أن يتعلم فن العوم يوماً ويترك شاطئها..
أوقف السيارة أخيراً في مكان ما ثم أسند ساعده على الكرسي الآخر والتفت إلى الوراء مقترباً منها بجذعه ثم قال وهو يعقد حاجبيه بتفكر.. فظ: "هل وزنك زاد عن آخر مرة ربما خمسة كيلوات؟! لا.. أعتقد أنهم ست أو ربما عشرة؟!"
انتفضت شيماء من تصريحه الفظ المباغت وقفزت في مكانها بالفعل بصدمة وذهول.. لم يقلا عن رغبتها الشديدة المتنامية في قتله ثم صرخت أخيراً بعنف: "أيها النذل عديم التمييز والفهم.. لا أنت مصاب بتأخر ذهني مؤكد مكانك مشفى للمجانين وليس إطلاقك دون قيد بين البشر"
بدا على نزار عدم التأثر وهو يقول بفتور "ما مشكلتكن مع الإقرار بهذا ..إنها الحقيقة هل يجب عليّ الكذب لإرضائكِ؟!"
قالت بنفاذ صبر "لأنك أخرق.. إنها قوانين بشرية منذ نزول آدم للأرض يا سيادة المتر.. إن المرأة لا تسأل عن سنها أو وزنها"
قال نزار بهدوء "هذا يعد تلاعب بالأدلة والبراهين ويؤدي بالطبع لتشتيت الادعاء والدفاع والقاضي أيضاً ومن الممكن أن يخرب بيوت أو ينهي حياة إنسان... هناك حقائق يجب أن تبقى واضحة وصريحة ...مثل أن عمرك الآن تخطى الثلاثة وعشرون وأصبح زواجك ضرورة قبل أن تدخلي مرحلة الخطر!"
فغرت فمها بذهول وهي ترفع كلا حاجبيها باستنكار وعدم فهم للحقيقة وملاحقة كل تلك الأشياء الغير مترابطة والتي يتفوه بها ثم سألت بتوجس "مرحلة الخطر؟!"
حرك نزار ذراعه ثم اعتدل وهو يفتح الثلاجة الصغيرة بين المقاعد وأخرج منها شيء ما سمعت هي صوته وحاولت تتبعه لتفهم على ماذا ينوي بينما هو يقول "بالطبع, فبعد عام أو اثنان من الأن ستكونين في نظر المجتمع المتخلف مجرد عانس.. لم تجدي ذكر واحد ينظر إليكِ ويرغب في وصالكِ"
لم تصل إليها محاولة مداعبته بل زمت شفتيها بقنوط ثم قالت بقسوة "لا يحتاج أحد للحكم عليّ يا نزار, فالكل يعلم بالحقيقة أنه لن ينظر لي أحد إلا راغب في اسم العائلة أو المال الذي ورثته.. غير هذان السببان لن يرغب رجل في الزواج من عمياء.. معاقة!"
لم يأتها الرد على الفور غير أنها سمعت أنفاسه الحادة تعلو بصورة مخيفة, من الطبيعي أن تذعر منه في حالتها ولكن ليس هي ...ليست شيماء الراوي التي تخفض رأسها في مواجهته أو تهابه حتى وإن كان يتفوق عليها برؤية البصر والتفوق الجسدي وبالطبع اصطحابها لمكان نائي مجهول بالنسبة لها حتى قال أخيراً باختصار بنبرة وضع كل هدوئه فيها... نبرة أتتها أشبه بصفعة شتاء باردة: "أنا أرغب في تلك المعاقة.."
كيانها استعر بداخلها وروحها تمردت حتى كادت أن تصرخ وهي تقول: "أعدني إلى بيتي.. وحل عنيّ.. إنساني لوجه الله.. قديماً أخبرتك إياها وها أنا أكررها لا أريدك.. لا أرغبك ولم أحبك أبداً.. أنت كنت مجرد غلطة وتهور مني دفع كلانا ثمنه غالياً"
شعرت بهبوطه من السيارة من خلال بابه الذي أغلق بعنف.. ثم شرع في فتح الباب ناحيتها وجلس جانبها وأنفاسه التي شابهت اللهب كانت تصل إليها كذبذبات خطر جعلتها تتراجع قليلا للخلف منكمشة بخوف من تهديد جسدي أو عنف يبديه تجاهها ثم دون مقدمات كانت تتحرك سريعاً فاتحة الباب الآخر ناوية الهرب.. بالطبع لم يمنحها ثوان قبل أن يثبط محاولتها تلك ثم يمسك عصاها مبعدها عنها ويشرع في إمساك كلتا يديها في قبضة واحدة: "إن لم تبتعد سأصرخ!"
قال نزار بغيظ: "لقد حسبت حساب لهذا..."
فتحت فمها ناوية الصراخ مباشرة ولكنه كان اتخذ خطوة أخرى جعلت كل جسدها يهتز وعينيها يتوسعان وكأنهما سيقفزان من محجريها إذ أنه في لحظة واحدة كان يغلق فمها بشيء له ملمس القطن الخشن برائحة مسكية زكمت أنفها بسحر تعرفه!!
غمغمت بحروف مكتومة لم يهتم لها إذ أنه على الفور كان يربط كلا معصميها بشريط لاصق أحرق بشرتها وتساءلت هل جن نزار بالفعل.. هل هذه عملية اختطاف فخ وشرك انتقامي وقعت فيه وساعدته سَبنتي مقدمة إياها إليه بمنتهى السهولة... لا من المستحيل أن تفعل.. مؤكد نزار خدعها!!
كانت تنتفض الآن وكلها ينكمش برعب بينما تحاول البحث عن مرمى وجهه بدقة من خلال أنفاسه.. ولكنه ابتعد محافظاً على المسافة بينهما وهو يقول "الآن نستطيع التحدث كما البشر دون السماع لمهاتراتكِ المزعجة"
"رباه, لقد جن بحق!" همست داخلها والشيء الوحيد الذي استطاعت أن تبديه هي همهمة معترضة أخرى ومحاولات لمقاومته بيديها طارت كلها عبثاً..
مرت دقائق أخرى بينما ينظر إليها مشفقاً وشارداً محاول أن يتفادى ضرباتها حتى هبطت تمامًا وأحنت كتفيها بإحباط.. وأطرقت رأسها بقهر.. أما عينيها كانتا حكاية أخرى من الألم والكسر..
"لا أسعى لذلك يا شيماء.. ولكن أنتِ يجب أن تسمعيني وأعدكِ بعدها إن لم تقتنعي.... اممم!"
صمت مفكراً قبل أن تحس به يهبط من جانبها ملتف حول السيارة وشعرت به يعود يمسك مرفقيها وهو يقول "آسف يا عصفورة كدت أن أعدك بالابتعاد إن لم تتقبليني.. ولكن هذا أمر أكبر من طاقتي وصعب على نفسي الوفاء به"
كان تتراجع أكثر منكمشة رافضة التقدم معه.. ولكنه أصر وهو يشدها برفق ثم قال "لن أُؤذيكِ.. ثقي بي"
محدود العقل أي ثقة تلك وهو يأخذها لمكان مجهول في جنح الليل ومقيدة.. هل ينوي نزار الاعتداء عليها ليضعها أمام الأمر الواقع؟!
توسعت عينيها برهبة وهي ترفع وجهها نحوه كالطلقة ثم همهمت بصرخات مكتومة مقاومة إياه مره أخرى...
نفخ بنفاذ صبر وهو يقول "المقاومة لن تجني منها إلا ألم لكِ وزيادة لوقت معاناتكِ.. استسلمي!"
هزت رأسها رافضة بعنف ليتطاير معها شعرها في كل مكان بحدة حتى طال وجهه شاعر بذلك الحرير كسياط لاسعة وممتعة.. همس دون صوت "الحياة مع العصفورة لن تكون مملة؛ فإتضح الآن أن بها جانب وحشي مثير سأعمل جيداً على إخراجه لا ترويضه!!"
قال بخفوت "إن لم تمشي معي بالذوق سأكون مجبر على حملكِ... وليتكِ تفعلين فأنا أتوق بكل شوق وجنون لضمكِ بين ذراعي وعلى قلبي"
توقفت فجأة عن مقاومتها ثم رفعت له عينيها البائستين دون خجل تمنحه عبر نورهما المطفأ رسالة واضحة لا تقبل التأويل "أنت تستغل عجزي... قاتلاً أي ذرة محبة حفظت لك داخل قلبي"
لم يرد على رسالتها بل أمسكها بيد قوية وقادها لمكان منفاها..
*********

زفر مراد نفساً حانقاً من أنفه بينما يجر حقيبتين كبيرتين بيديه وأخرى أكبر حجماً مخصصة للأطفال يعلقها على كتفه... ثم قال متهكماً وهو يمشي وراء ممدوح في الممر المغطى بالحديد والصفيح الفضي الذي يربط ما بين الطائرة وصالة الوصول "لا داعي لتتعب نفسك والله يا جناب المهندس سأعتني بنفسي بكل الحقائب وابنتك"
رمقه ممدوح شذراً من وراء كتفه ثم قال ببساطة "حسناً..."
برقت عينا مراد بغضب أكبر وسبه في سره ألف مرة ثم قال "لديه قدمان يستطيع استخدامهما.. وجلالة الملك يستطيع مساعدة عامل الأجرة البسيط الذي أرهقه هو وابنته"
تقدمه ممدوح بعدم اهتمام ورفع صغيرته على كتفيه ساند ظهرها بكلا كفيه بحماية وهو يقول ببرود "ولماذا أفعل.. إن كنتَ ستأخذ أجرتك كاملة فعليك أن تؤدي عملك وأنتَ صامت وممتن أيضاً"
قال مراد بتعب "والله أنا أوشكت على كرهك وأختك وعائلتك المختلة كلها"
مالت أمل تسند ذقنها على رأس أبيها ثم أمسكت بوجنتي أبيها وهي تسأله بمنتهى الوداعة "عمي الجديد هذا يزعجك كثيراً، هل تريد مني فتح رأسه انتقاماً لك؟!"
توسعت عينا مراد بذهول من الفتاة التي لم تقل عن أبيها جنوناً عندما قال بفخر "لا مولي, أنا قادر على فعل هذا به قريباً, أدخركِ أنتِ لشيء أهم يليق بقدراتكِ"
خرجت من ذلك الممر أخيراً إلى صالة واسعة خاصة بالوافدين عندما قال مراد من وراء ظهره بتعجب "والله إنها إبنتك من صلبك, كنت لأستطيع معرفة هذا من مجرد أن تفتح هذا الفم الصغير القاصف دون أن يكون لي علم مسبق"
نظر إليه ممدوح شذراً مرة أخرى ثم قال ببرود "أنت أصريت على أن نأخذ الحقائب معنا لأعلى لتوفير الوقت، فلا تتذمر الآن ودعني مع إبنتي قليلاً إن تكرمت فأنت أزعجتنا كفاية على متن الطائرة"
"نعم دوحا.. هو مزعج.. أصاب رأس أمل بالصداع"
نظر إليها مراد بلسان متلجم وانعقد حاجبيه قبل أن يرتفع أحدهما بذهول أكبر ثم قال "صداع.. وهل من مثلكِ يملك رأس ليصاب بالصداع؟! "
قالت بزهو: "أملك رأس أكبر من رأسك مع هذه الضمادات"
ردد مراد بذهول "هل هذا اللسان الوقح لطفلة؟! إن ابنتك سليطة"
رفع ممدوح عينيه ينظر إلى وجهها المطل عليه من أعلى يلمح جذله ثم قال بفخر وغرور "أعلم وهذا أجمل شيء فيها.. فتاتي المجنونة الصارمة"
مط مراد شفتيه للأمام موافقاً ثم توجه يسحب أحد العربات وهو يضع حمله عليها ثم قال "ما جمع إلا ما وفق.. العرق غلاب بصحيح، على كل حال أنت لا تملك أي صفة جيدة لتورثها لابنتك, سبحان الله على التطابق!"
أخرج مراد جوازات السفر وتصريح التنقل الخاص بأمل مختوم بشعار الولايات المتحدة ثم قال "اتبعني، لقد جعلت أحدهم يتحدث مع البعض هنا ليسهل أمر مرورنا دون انتظار"
قال ممدوح بتفكه دون أن يبعد نظره عن ابنته التي أخرج لها علبة عصائر وناولها إياها غير مبالي بالنقاط الصغيرة التي أوقعتها على رأسه ووجه "ألا يكفي ميزة رجال الأعمال.. أنت أصبحت تتمتع كثيراً بعلاقاتك السلطوية"
هز مراد كتفيه بعدم اهتمام ثم قال "ربما هي غير عادلة ولكن إن كانت متوفرة ولم أستخدمها سأصبح أكبر الحمقى خاصة مع وجود ابنتك المؤدبة جميلة اللسان"
قالت أمل سريعاً بفمها الممتلئ "هل يزعجك دوحا، اتركني لأعضه؟!"
ربت ممدوح على ظهرها وهو يقول بفخر "حفظكِ الله يا قلب دوحا, اترككِ لأمور أهم"
منح مراد جوازات السفر لأحد الأشخاص لإنجازها ثم عاد يقف أمام كليهما وهو ينظر إليهما بتعجب حانق ومتحسر على نفسه..
إنه مهندس مراد العطار من أكبر عائلات الصعيد وأيضاً من أهم مهندسي الديكور التي تهتز له رجال بشوارب يقف عليها الصقر تبيع وتشتريه فتاة لا تتجاوز حتى طول كف يده!!
"عجبت لك يا زمن!! هل قالوا أن البنت شبيهة أمها أبداً والله بل هي سر أبيها الأخرق الذي يتفاخر بها كأنه حقق معجزة لم يفعلها رجل قبله قط بإنجابها..."
لم تمر دقائق حتى أتى ذلك الشخص يسلمه أوراقهم كاملة فقال مراد بهدوء قاطع ذلك العرض الأبوي المبهر وضحكات أمل التي لن ينكر أنها تنعشه, فالفتاة تدخل القلب دون إنذار
"هيا أختك تنتظر في الخارج منذ ساعات وتكاد تجن لرؤيتكما"
ثم تقدم مراد أمامهما بينما سمع ممدوح أمل تسأل بفضول "هل لك أخت بابا؟!"
قال ممدوح بهدوء موضحاً "نعم وهي عمتكِ, لقد أخبرتكِ عنها.. ألا تذكرين؟!"
هزت رأسها بنفي بسيط قبل أن تقول بصوت طفولي شابه الحزن "لقد اشتقت لأختي فرح وماما"
اضطربت عضلة في قلبه وانمحت ابتسامته وهو يقول بخفوت "لم تمر ساعات على وداعهم يا أمل.. بهذه السرعة صغيرتي؟!"
قالت ببساطة حزينة "ماما لم تتركني أبداً من قبل"
أغلق عينيه لبرهة متوقف في مكانه ثم سأل بصوت أجش "ماما مرح أليس كذلك؟!"
أومأت بموافقة استشعرها من ذقنها الذي يستريح على رأسه فسأل بقتامة "وماذا عن ماما لورين؟!"
أجابت بعفوية "سأفتقدها بعد ثلاث.. هكذا"
مدت إليه خمس أصابع فابتسم مرغماً فأكملت ببهوت "لورين كانت تكبي وقالت أنا لا أتركها ولكن هي فعلت كثيراً من قبل"
أنزلها ممدوح من على كتفيه وأخذها على صدره ثم نظر لوجها الصغير بحنان جارح وقال "هي تحب أمل جداً كما يحبها دوحا وماما مرح"
هتفت "وبابا أيوب!"
أومأ موافقاً ثم قال "بالطبع الجميع يحب العفريتة مولي.. ولكن دعينا من الجميع لورين كانت مشغولة"
هدرت ببساطة "أعلم هي طبيبة"
اهتزت عضلة جانب فكه ثم قال بشرود "أنتِ ستشاقين لها بعد ثلاثة لذا دعينا نكتشف كم من الوقت ستطيق هي فراقكِ قبل أن يصرخ قلب أمومتها مطالب بكِ.. لتثبت إن كانت تستحقكِ أم لا!"
نظرت إليه بعينيها الواسعتين دون فهم، ولكنها منحته مكافأة فورية عبر إحاطتها رقبته بذراعيها الصغيرين ثم أراحت رأسها على كتف أبيها...
لم تتمالك إسراء نفسها عندما لاح طيف أخيها الحامل لابنته من البعيد فلم تفكر مرتين وهي تتخطى الحاجز الحديدي لتصبح عنده، متجنبة مراد تماماً الذي فتح ذراعيه في دعوى شوق لضمها...
"يا عائلة بلا مشاعر أو إحساس!"
تمتم بحنق بينما لفتت نظره سريعاً جميلته ذات العشر أعوام التي رمت نفسها بقوة ثم قالت "دعك منها، لقد أصابها هوس للقاء ابنة خالي.. اشتقت إليك بابا"
قبّل مراد رأسها ووجنتيها ثم قال بحنان "وأنا افتقدكِ يا ميرا.. أين أخوتكِ؟"
قالت بهدوء "بقوا في المنزل, أنا أصريت على أن أستقبلك كالعادة بنفسي"
وضع مراد ذراعه حول كتفيها مقربها منه بينما تابع بعينيه جسد زوجته الذي تكور كله تحت أحد ذراعي أخيها وبكت...
"متى أصبحت إسراء هانم عاطفية لهذا الحد؟!" سألت ميرا بمشاغبة..
قال مراد بفتور "أتوسل إليكِ حاولي التحدث بما يليق بسنكِ حالياً، يكفينا المصيبة الجديدة ابنة خالكِ.."
ضحكت ميرا وهي تستطيل على أقدامها محاولة كشف وجه الفتاة بفضول...
بينما كانت إسراء تضم أخيها وابنته بقوة متقبلة ضمه هو الآخر لها وهي تقول بحرارة "يا قلب أختك يا روحها أنت.. حمداً لله على سلامتك وسلامتها.. حمداً لله.. حمداً لله "
قال ممدوح بجدية شديدة "أصبحتِ أم بشعة تشبه الدجاج الذي يحيط انتاجه من البيض ويرفض الوقوف من فوقه بحماية حتى يفقس.. صراحة هذا ممل.. أنا أريد إسراء القديمة الباردة.."
رفعت وجهها مجفلة ثم دون تردد ضربته على رأسه وهي تقول بحدة "والله ما عديم الإحساس إلا أنت.. هكذا تقابل مشاعر أختك القلقة عليك؟!"
قال بسخرية وهو يرفع يده ممسد رأسه "لقد كنتِ تحدثيني ثلاث مرات في البيوت كأي كرسي علاج يصيب الإنسان بالضجر والزهد!"
عبست إسراء قليلاً ثم قالت "طول عمرك بارد يا قلب أختك, ما الذي يصدمني.. أعطني الفتاة ربما فيها أمل عنك!"
توسعت عينا إسراء بتعجب بينما تراقبه يتراجع عنها خطوات ثم قال بتوتر وهو يضمها إليه أكثر "تستطيعين التعرف عليها من هنا, هي لا تحب أن يحملها الغرباء"
رددت إسراء باستياء "غرباء؟!"
التفتت إلى زوجها أخيراً والذي تقدم ساحبها من أمام ممدوح ثم قال بهدوء "يعني أنها لا تعرفك بعد"
"أعرفها بابا قال بأنها عمتي.." رفعت أمل رأسها تنظر إليها كالطلقة ودون تردد كانت تفتح إليها ذراعيها ولكن ممدوح وأد محاولتها تلك وهو يقول بتوتر "تستطيع التعرف عليكِ وأنتِ مع بابا.. يا أمل"
نظرة واحدة لوجه مراد كانت كافية جداً لتفهم أن أخيها ما زال يعاني من صدمة وشك فقدانها، فآثرت الصبر وهي تقترب من الصغيرة تأخذ وجهها بين يديها وهي تقول بحنان "مرحباً يا قلب العمة، اشتقت إليكِ دون أن أراكِ, سعيدة بلقائكِ يا أمل"
منحتها أمل أجمل ابتسامة مما دفع إسراء لأن تدمع عينيها ثم احتضنتها وهي بين ذراعي أبيها وقالت "لديه حق أنتِ تملكين عينا أمي يا مولي، محبتك تزرع في القلب والله.. تزرع في القلب كالجذر يا ابنة أخي"
أوقفها مراد وفصلها عنهم آخذها بين ذراعه ثم طبع قبلة فوق حجابها الذي لم تخلعه منذ أن ارتدته قبل سنوات وهما ذاهبين لمسقط رأسه ثم قال مداعباً "إسراء يوما بعد يوماً تأخذ أسلوب جدتي فلا تتعجب الحاجة نعيمة لها أثر السحر والعلاج على كل نفس"
تحرك جمعهم.. مراد محتضن زوجته تحت ذراعه دون تردد أو خجل أو اهتمام لكل من يرى أو يهمهم بشيء.. بينما تأخرت ميرا لتسير بجوار خالها تنظر لأمل بفضول وانبهار ثم قالت وهي تمسك غيمة شعرها الأسود "واو ابنتك تمتلك ملامح قياسية ونادرة يا خالي"
ضيق ممدوح ما بين عينيه ثم قال بفتور "ماذا تعنين يا مدللة والدكِ؟!"
ضحكت ثم قالت وهي تداعب الفتاة من فوق كتفه "سمراء بعينين ملونتين وشعر أسود ساحر، هل تمزح؟!"
قال ببساطة "تشبه عمتها.. والدتك نفسها سمراء"
قالت سريعاً "خمرية.. والدتي خمرية.. ولا مولي لا تشبهها"
صمت لبرهة قبل أن ينكسر في عينيه شيء وهو يقول بشرود خافت "والدتها.. هي تملك جمالاً قياسي أعتقد أنها ورثته عنها"
"في المجمل أحببتها"
التفت إليها ممدوح ينظر إليها متأملاً وكأنه لأول مرة يراها, يشعر بها ويلاحظ هذا الكم من الحلا والجمال الذي كان دوماً يلاحقه دون أن يهتم هو ويراها.. ليس لجفاء منه ولكن كما قال مراد مرة لغرقه الشخصي في دوامته وسواده...
قال أخيرا برقة مترددة "وأنتِ أيضاً طفلة جميلة يا ميرا "
ضحكت ضحكة بسيطة خجلة ثم قالت "شكرًا.."
"أنتِ.. على الرحب..!"
توقفت إسراء متسمرة مكانها بينما قلبها يضرب داخلها بذعر وهي تردد "ما الذي يفعله هنا.. هل أنت من أبلغته بقدوم أخي.. بالله عليك هو فيه ما يكفيه"
هز مراد رأسه بحيرة وهو يراقب خارج باب المطار السيارة السوداء الفارهة التي يقف أمامها حارس خاص يحمي ظهر سيده.. والذي وقف هناك بهدوء شديد ورزانة وبأس أشد ينتظر الوافدين..
"ربما يصادف استقباله لأحد...!"
"عمي إيهاب.. مؤكد اليوم هو يوم حظي أنتَ وأبي في ساعة واحدة"
فتح إيهاب ذراعه على الفور والذي إندفعت إليه ميرا متجاوزة خالها ووالديها وحتى الهواء... لفت ذراعيها حول خصره دون تردد ثم رفعت رأسها وهي تستقبل قبلته التي استقرت على جبهتها ثم أحد وجنتيها وهو يقول برقة "وأنا سعيد أنكِ هنا, لقد أفتقدتكِ مؤخراً كما التوأمين"
كورت شفتيها وهي تقول بتبرم "غير صحيح فمنذ ظهور هذا الأخ الجديد المدعو إياب وهما لا يهتمان بغيره وماما بدور"
ابتسم إيهاب ثم قال بجدية "غير صحيح، ربما انتمائهم لماما بدور واقتراب أعمارهم من الفتى الصغير هو ما يجذبهم حالياً ولكنكِ ستبقين الأخت الكبرى والمفضلة عند الجميع"
التفت ميرا ضاحكة غير منتبهة للتوتر الذي ملأ الأجواء بين الكبار ثم قالت بعفوية "لكم أحب هذا العم والله وأعشقه، على الأقل ليس مثل خالي متبلد المشاعر!"
"ميرا!!" نهرتها إسراء بشدة
فهمست ميرا بتواطؤ "صدقني خالي هذا أبله المشاعر ولكنه مسكين يستحق العطف أشفق عليه والله.. هل رأيت ابنته؟!"
أفلتها إيهاب بهدوء ثم قال "أتيت من أجلها على وجه خاص"
تواجه مراد وإيهاب في تلك اللحظة والذي تعمد عدم النظر لوجه إسراء الغاضب وعينيها القاتمتين وهي تقول من بين أسنانها "يكفيه ما ناله، سأبعده عنكَ كما ترغب، فقط اتركه لحال سبيله.. لقد دفع فاتورته كاملة"
نظر إيهاب لمراد نظرة بألف معنى ثم قال بهدوء شديد صارم "هناك أخطاء لا تمحى ولا يوجد أي سبيل للتكفير عنها يصعب تخطيها أو الغفران فيها.. وإن كان يمكن لمن يملك القوة أن يتعايش معها بعد زمن"
قالت بحدة "ماذا تريد ألا يكفي إلى هذا الحد.. هل ترغب في طرده من بلده أيضاً؟!"
قال إيهاب بصوت قوي كحد سيف باتر "خذ زوجتك وابنتك من فضلك يا مراد, لديّ كلمتين مع ابن عمي"
دون كلام كان مراد يزج إسراء أمامه برفق ثم توقف لبرهة يضع يده على كتف إيهاب يشد عليه بقوة ثم قال بخفوت "ترفق....!!"
لم ينطق غيرها قبل أن ينصرف مع زوجته وابنته تارك الساحة أخيراً لكلا الرجلين يتواجهان...
ظل ممدوح لأكثر من دقيقة ينظر إليه بتعب، بعجز خالي الوفاض يضم ابنته إليه بقوة وكأنه يتشبث فيها حامي نفسه من كل أشباح ظلمته وحاميها من أي يد غادرة كانت أو رحيمة قد تطالها وتبعدها عنه..
اقترب إيهاب منه بهدوء ثم مد يديه نحو الطفلة ملاحظ توتر أبيها الجلل، ولكنه لم يمنحه أي اهتمام وهو يتفحصها بنظرة غريبة، فرفعت وجهها إليه ثم قالت بشقاوة "هل أنت عم جديد أيضاً؟!"
قال إيهاب بهدوء "شيء كهذا.. وأنتِ أمل؟!"
قالت عابسة "بل مولي، دوحا يفضله"
ابتسم بتكلف قبل أن يقول "طالما يفضله فهو يليق بكِ.. ولكن الأهم هل هو يستحقكِ يا صغيرة؟!"
ضيقت عينيها بعدم فهم ثم رفعت إبهامها تضعه داخل فمها تمتصه كالعادة وأراحت رأسها على كتف والدها محاوطة رقبته بذراعها الأخرى..
أغلق ممدوح عينيه بقوة قبل أن يستدير نحوه مبعدها عن مرمى وجع طفلته ثم قال بصوت خافت شابه الارتجاف "أنا آسف.. ربما لن تعالج شيء ولن تمحيه أبداً حتى وإن قدمت لك رقبتي تكفيرًا.. إلا أنني أفهمك الآن أشعر بنارك التي تحرقك.. وإن كان الثمن الذي دفعته عبرها غالي جداً.. ليتك قتلتني قبل أن أراها بين أيديهم"
أخذ إيهاب نفس طويل ثم أطرق بوجع نحو الأرض واضع كلا ذراعيه خلف ظهره وبدا أنه يفكر في حل مشكلة عويصة شديدة التعقيد.. متذكر رسائل ممدوح العديدة توسله الصفح، محاولاته المستمرة للحديث معه، انهياره وهو يخبره أنه تلقى الصفعتين لا المفاجأتين اللتين أخبره عنهما بأبشع الطرق وأذلها انكسار ولكنه لم يجب, لم يحاول أن يرد عليه بكلمة واحدة تطفئ لهيبه، هو بشر وليس ملاك ومن يلومه.. وما قدومه اليوم إلا محاولة أخيرة منه ليرى بعينيه ضحية عمه حسين الجديدة وليس ضحية ممدوح كما يعتقد.. ضحايا خلفها ضعف رجل خائن وغبي، رجل ضحى بهم جميعاً واضعهم في سلاسل من وجع لا ينتهى...
رفع إيهاب رأسه أخيرا, بينما يعقد كلا كفيه في بعضهم خلف ظهره ثم قال بهدوء "لا يا ممدوح الحمد لله أني لم أضرك بشيء، فابنتك تحتاجك لتقطع آخر خيط ملعون من معاناة أسرتنا التي لا تنتهي.. فإن مت أنتَ من سيهتم بابنتك؟!"
يده كانت تتقبض بشدة على ظهر ابنته بينما عيناه تشتعلان بقسوة قاتمة وهو يقول بقهر "لقد دفعت وحدها ثمن جرمي، الله عاقبني فيها، أنا وحدي لعنتها"
نظر إيهاب لدقيقة كاملة نحو رأس الفتاة التي ما زال يحيطها ضمادة طبية ولجانب رأسها المحلوق بوضوح محدث عن المعاناة التي عاشتها المسكينة في سنها الصغير هذا... ثم قال بصوت خافت مشتد "ربنا الحكم العدل لا يجور تبارك وتعالى على أحد من خلقه، "وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ".. أي أنه تقدس في علاه لا يأخذ شخص بذنب اخر!"
ملامحه كانت حزينة شديدة التعب وهو يقول بارهاق نفسي وعاطفي "بلا يا إيهاب لقد دفعت أمل ذنبك وذنب مر...."
اشتعلت عينا إيهاب بالغضب الشديد بينما بدا جسده في التوتر والتحفز وهو يقول "أظن بأننا أجرينا صفقة وأنا لن أتهاون في أي جزء منها، اسمها لا ينطقه لسانك"
عقد ممدوح حاجبيه بشدة ثم قال قاصفاً "لن أنجسه بذكره، بل هو يحرقني.. تباً لماذا أتيت وأنتَ من رفضت إجابة كل اتصالاتي؟!"
لم تهدأ أي من انفعالاته وهو يرمق الصغيرة المستكينة على ذراع والدها ثم قال "أتيت لأمل زيدان.. ولأخبرك آخر نصيحة وجهاً لوجه يا ابن عمي الصغير..."
صمت لبرهة بينما نطقه بالصغير لم تكن تحببية من أي نوع بلا كانت أشبه بصفعة مؤذية ذكرته بمدى خسته بمدى جرحه له.. ومدى صغره في حضرته مهما حاول أن ينهض ويرمم انكساراته!!
أكمل إيهاب وهو يتقدم منه خطوة ثم مد يده يداعب الصغيرة وهو يقول "الماضي مهما ندمنا عليه تفنينا في إذلال أنفسنا في محاولات التكفير.. لن يتغير ولن يمحو آثامه كما أخبرتك قبلاً هناك أخطاء لا تُمحى.. ابنتك عبر أزمتها الصغيرة تلك لم تدفع ثمن أفعالك كما تعتقد"
قاطعة بحدة "بل فعلت, لقد رأيت أيدهم عليها.. لقد كانت على أدنى شعرة من اغتيال جسدها وروحها.. هل تصدق طفلة لم تكمل أعوامها الثلاث والنصف تتعرض لهذا.. الله لن يغفر لي أبداً ذنبها سيظل يلاحقني أبد العمر.."
لم يفقد إيهاب صلابته وهو يقول بهدوء "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ أن اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.... صدق الله العظيم... تحتاج لإيمان أكثر بربك يا ممدوح هو لا يرد سائل ولا مستغفر تائب, نحن البشر قد نفعل لا نغفر ولا نسامح لن أنكر لكن الله رحمته واسعة.. اخلع من رأسك أي أفكار سوداوية لتستطيع أن تتعايش مع ذنوبك الماضية وتربي صغيرتك في بيئة صحية، لا والد مضطرب يعيش على ملاحقة الماضي وخوف من أن يطارده منتقم فيه منها.. أنت الآخر نلت كفايتك وحان الوقت أن تلاحق استقرار وسعادة تستحقها إن كنت تغيرت بحق، ندمك وحده وإحساسك الشديد ورغبتك في التكفير تمنحك هذا الحق"
قال ممدوح بصوت أجش "هل ستغفر لي يوما يا إيهاب؟!"
تجنبه إيهاب وهو يقول بهدوء "ما حدث لابنتك لم يسعدني كما اعتقدت بقلة عقل وأرسلتها في يوم الحادث.. بل دمرني والله وحزنت عليها.. هل اعتقدت بقلة عقل أني سأشمت بك وإبنتك؟!"
قال ممدوح بظلمة "لم أعنيها هكذا بل أردت إخبارك أن الله يمهل ولا يهمل وأخذ لك حقك مني"
أومأ إيهاب مطرق بوجهه قليلاً ثم قال دون ود "حق زوجتي لن تكفر عنه طفلة ولا أحد غيرك.. بل لأكون واضح لا شيء بل العالم قد تفعله أو تقوله قد يكفر عن الماضي.. لذا خلاصة القول انتبه لصغيرتك وأرح تلك الأفكار عن رأسك..."
التفت على الفور دون كلمة إضافية فأتاه صوت ممدوح من خلف ظهره يهتف بحرقة "هل غفرت يا أيهاب... هل ستغفر لي يوماً؟!"
لم يلتفت له إيهاب بل قال بهدوء شديد متجنب بشكل تام أن يمنحه إجابة "هل تستحق ابنتك يا ممدوح؟!"
أسقط بيده وشعر بنار تنهش صدره يدرك أنه لن يمنحه إجابة سؤاله المعلق أبداً "نعم أستحقها، سأثبت للجميع أني أستحق قبس النور الذي منحته لي أمل"
التفت إليه إيهاب بطريقة بطيئة ولكن متكلفة شديدة المعنى تخلق في القلب رهبة ثم قال بصرامة "إذاً حفظها الله لك ورعاها وثبت خطاك.. أحسن تربيتها.."
قال ممدوح ملح بتوسل "إيهاب لا أريد إلا كلمة تمنحني أي أمل حتى وإن كانت بعد أعوام..!"
رد إيهاب بفتور متذكر معاناة رآها أمام عينيه لامرأة عزيزة على قلبه "إن ملكت أي فرصة لإعادة والدة الفتاة لتربياها سويًا، فافعل لا أم مهما كانت أخطائها ومشاكلها معك تستحق الحرمان من ضناها"
ارتعش فك ممدوح دون أن يرد..
قال إيهاب بصوت خالي من المشاعر "إن أردت الإصلاح فتنزه عن تكرار أخطاء والدك التي دمرتك, لا تحرم الفتاة من أمها.. وليكن هذا اللقاء الأخير بيننا ونهاية القول.. وداعاً يا صغير"
ثم دون كلمة إضافية كان يتقدم محتل مقعده وإلتف ذلك الحارس وجلس جانب سائقه وانطلقوا على الفور دون أن يحاول النظر إليه مرة أخرى بينما هو بقي ثابت في مكانه ينظر في إثره ببؤس متمني إن كان منحه كلمة تخفف بعض من حموله..
"بابا..."
رفع ممدوح ينظر لوجهها المتعب فهمست بهدوء وهي تقول بهمس ناعس "أحببت عمي هذا، يده على رأس أمل حلوة.."
ابتسم ممدوح ببؤس شديد ثم قال "وكيف لم أتوقع هذا, يبدو أن له سحر خاص على جنسكن..."
"أريد أن أنام في غرفتك كما الأمس" قالت عابسة
تقدم ممدوح نحو سيارة مراد وهو يقول "أنتِ ليس لكِ اختيار في الأساس غيرها يا أمل بابا"
*********

يتبع الان


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس