لا تكن كباقي البشر * مميزة * لا تكن كباقي البشر
------------------
كانت هُناكَ زهرةٌ عبيرَها عَطِرْ
يُقَبِّلُ بِتِلاتَها الورديةَ الندى و المطر
يتمـايلُ عودُها معَ الهواءِ يُمنَةً و يُسرَةً
فيُرسِلُ عبرَ الهواءِ عبيرَها
كرسالةِ حُبٍ لكلِّ قلبٍ بهِ الوجَع مُستَتِر
كانت زهرةٌ رقيقةٌ
لَم تَبخَلْ على أَحَدٍ بعِطرِها أو برقَّتِها
أو حنانِ ملمسِها أو بشَكلِها المُزدَهِر
و ذاتَ صباحٍ قبَّلَت الشمسُ جِذعَها و قبَّلَ الندى خدَّها
فازدادَ حُمرَةً و جمالاً ككُلِّ يومٍ و ازدَهر
و مِن مكانِها بينَ الورودِ رأت أحدَ البَشَر
يَسيرُ و على وجهِهِ إمارات الضَّجَر
ثم اقتَرَب أكثَرَ مِن موضِعِها و توقَّفَ هنيهَةً يتأمَّلُ
و يستنشِقُ عِطرَها و عِطرِ صديقاتِها الزهرات العَطِر
اقترب بيدِهِ نحو ورقاتها الوردية هي تحديدًا
و تلمَّس نعومتها و ابتسم ..
شَعَرت بملمَسِ يديه الرقيقة بحنانِه المشتعِل
هل للزهورِ أن تـُحِب ؟
لَم تسمعْ يومًا أنَّ زهرةً من صديقاتِها قد أحبَّت إنسيًا
و لكنها تشعُرُ أنَّها تُحِب
تُحِبُ لمسَتَه الهادئة و حنانَه الظاهريّ
و اهتمامَه بألا يقطِفُ شيئًا من وَرَقِها
كما يفعَلُ باقي البَشَر
اهتمامَه بها وحدها دونًا عن باقي الزهر
ظلَّت تُراقِبُ تحرُكاتِ الأنسيّ الحنون
و جاءَ بجانِبِها و جلَس
و أخَذَ يتحدَّثُ إليها و كأنَّها تفهمَه..
عن أحزانِهِ التي تَقُضُ مضجَعَهُ و بقلبِهِ تستَعِر
حزَنت الزهرةُ لأجلِهِ كيفَ لها أن تُخَفِفَ عنهُ ذلكَ الوجعَ الذي تراكَمَ فوقَ قلبِهِ و اختَمَر ؟
لم تفعلْ شيئًا لهُ غيرَ أنَّها منَحتهُ مَزيدًا من عطرِها
و سمحَت أنْ تلمِسَ يديهِ ورقاتِها الناعِمة فشعرَت لو أنَّها كانت فتاة لكانت تورَّدَ خدَها و التهَب
مِن إثرِ لمساتِه الحنون و حديثِهِ العذب
و رقَّتِهِ التي تنهَمِر
غادَرهَا هذا اليومُ و جاءَها ثانيه
فشَعَرت أنَّهَا فَرِحة و كأنَّها كانت تنتَظِر
عودَتَه لها بحديثٍ مُستَمِر
و استَمرَّ اليومُ وراءَ اليومِ
يأتي و يُسقيها بعذبِ اهتمامِه و كلامِه الجميلِ حينًا أو شكواهُ مِن وجعِ الزمانِ.. كيفَ عليهِ مُنهمِر
كم وَثَقَت بهذا الإنسيّ
و شَعَرت أنَّه مُختَلف عن سائرِ البشَر
لن يخذلَها و يكسَرَ جِذعَها بقَطفِها مِن بينِ صديقاتِها ..مِن بينِ أعشابِها و الخُضَر
-بقلم/فايزة(لوزة)العشري
و جاءَها يومًا كانت سعيدةً بمرآهُ و على وجههِ البُشْر
يا ليتَها تنطِقُ لتُعَبِرَ له كيفَ تُحِبُه
و لَكِنَّها زهرةً خَجِلة..لا قُدرة لها على الكلامِ
أو نظمِ الشعرِ أو نُصحِه بقولِ العِبَر
اقَترَبَ منها و جلَس و ظلَّ يتحدَّثُ كما يفعَلُ دائمًا
و لكنَّهُ هذه المرة تحدَّث بأنَّه لا يُريدُ فراقَها
-قائلاً:
و ما المشكلة إذا قطفتُها و راعيتُها في بيئَتي و بيتي المليئ بالزهر
فأنتِ تختلفين عنْ كُلِّ الزهر
لا أعرفُ ما يُميزك تحديدًا لا أعرفُ ما هو السر
حدَّثها هكذا و لم تنطِقْ بشيئٍ و هل ينطِقُ الزهر ..
و لكن صعَقَها الخَبر
ماذا يقولُ يا تُرى ؟ هل يُنشِدُ تَعويذةَ سِحرٍ سوداء لا قُدرةَ لها على فهمِ ما يجرى و ما يَمُر
أَيُريدُ كسرَ ثقَتِها بعدما ظنَّت أنَّه ليس كباقي البَشَر
فَكَّر بأنانيةٍ فقط لأنَّهُ يُريدُ أنْ يحصلَ عليها كزهرةٍ رائعةٍ مميزةٍ عن باقي الزهر !
و امتدَّت يدَهُ لتقطِفَها
باللهِ لا تفعل
لا تجعلـُني أكرَهُ كلَّ البَشر
و أكُفُّ عن منحِ الرحيقِ و السعادةِ و العِطر
و لا أمنحُكَ أنتَ إلا تُعسًا
بعدما تقطِفُني من تربتي و أجِفُ و أذبُلُ
بعدما افترقت عن أهلي من الورود
ياليتَكَ تسمَعُني
و لكن هذا قولُ نفسي
فليس لديكَ قُدرةً على فهمِ حديثِ الزهر
و اقترَبت يده التي كانت حنونة ذاتَ يومٍ
و حاوَلَت شدَّ عودَ الزهرة
و لكن شوكة من أشواكِها جرَحَت أصبَعِه
و مالَ عودُها في حزنٍ على يَدِه فسقَطت قَطرَةُ
قطرة ندى من ورَقِها على جرحِه و موضِعِ الضَرر
فوقفَ يتأمَلُ قطرة الندى التي تسرَبت على جرحِهِ
بلُطفٍ و شَعَر
أنَّه كادَ يقتلُها ..أهكذا يكونُ الجزاء على رقَّتِها معَه
فحتى بآخرِ لحظة عندما حاولَ قطفَهاx جَرحتهُ بأشواكِها و في نفسِ اللحظةِ داوتهُ بندى أوراقِها
و كأنَّها تبكي على يديه بدمعٍ مُنهَمِر
فاقتَرَبَ منها و استنشَقَ عبيرَها و ذرَف دموعَه العذبة فوقَ ورقاتِها و كأنَّه يطلُبُ الصفحَ منها أنَّهُ لن يكسر عودَها أبدًا و لن يمدَّ يدَهُ إليها بِشَر
فامتصَّت الزهرة دموعَه
و جاءَ النسيمُ مواسيًا
فأمالها على خدِّهِ و كأنَّها تُقبِّلَهُ
قُبلَةَ شُكر
بالفعلِ لم يَخِبْ ظنِّي
ولم تَكُن أنت كباقي البَشَر
- بقلم / فايزة(لوزة) العشري
من مجموعة خواطر زهرة برية
التعديل الأخير تم بواسطة رانو قنديل ; 10-07-20 الساعة 02:45 PM |