عرض مشاركة واحدة
قديم 18-06-20, 03:06 AM   #4

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي وعاد ينبض من جديد

الحلقة الثانية

- سماح... أمل... تهاني... عزة... وهذه هي رفيقتنا الجديدة في الشقة "سالي".
هكذا قدمتها "إيمان" إلى رفيقاتها في السكن الجديد وقدمتهن إليها.. كانت صحبة جيدة بغض النظر عن بعض النزاعات الخفيفة التي تنشأ بينهن من حين لآخر.
سالي أتت من إحدى ضواحي الجيزة لتحقق حلم جدتها الكبير وتلتحق بقسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة.. جدتها لأمها والتي تولت تربيتها بعد انفصال والديها منذ زمن بعيد.. هي من ترسل لها نفقاتها الخاصة من معاشها القليل.. حاولت سالي إقناعها بالعدول عن فكرة الجامعة والاكتفاء بمعهد عامين فقط حتى تعمل وتساعدها في تكاليف المعيشة لكنها رفضت بشدة وناشدتها أن تلتحق بالجامعة وازدادت إصرارًا بعد أن حصلت سالي على المجموع الذي يؤهلها لذلك في الثانوية العامة.
انتهى عامها الأول بسلام.. ومع بداية العام الدراسي الثاني بدأت مشاكلها في الظهور.. مرضت جدتها واضطرت لترك دراستها مؤقتا والاعتناء بها حتى تستعيد صحتها.. لكن الأمر تطور للأسوأ ورحلت عنها للأبد.. يومها تهدّم كل شيء.. فقدت ملجأها الوحيد.. واكتفى والداها بعد تقديم واجب العزاء بمعسول الكلمات دون أن يجرؤ أيٌّ منهما على عرض المساعدة خشية من أن تستغلها بالفعل.. عليها أن تبدأ بالعمل.. لا سبيل لإكمال دراستها الآن.. ستذهب لإحضار أشيائها وتودع رفيقاتها.
- سالي ماذا تقولين؟
- لا مفر من ذلك.. لابد أن أترك الجامعة وأبحث عن عمل.
- حسنًا.. عندي فكرة أتمنى أن توافقك.
- ما هي؟
- ما رأيك في أن تعملي معنا بالمطعم؟
- ماذا؟
- وما المشكلة.. فنحن جميعًا نعمل هناك.. هل تجدين في سلوكنا ما يدعو للخجل؟
- أبدًا.. ولكن...
- ولكن ماذا؟
- ربما لا أجد في نفسي الجرأة لعمل كهذا.
- هذه ليست مشكلة.. سوف تعتادين العمل بمرور الوقت.
صمتت سالي مفكرة ثم قالت بعد فترة بصوت يشوبه التردد:
- وماذا عن صاحب المطعم.. هل سيوافق على توظيفي عنده؟
- ولمَ لا..؟ فأنتِ فتاة جميلة ومهذبة.. كل ما ينقصك هو إظهار بعض القوة والشجاعة.
عضت سالي على شفتيها صامتة فأردفت زميلتها مشجعة:
- ما قولك..؟ هل نحدثه بشأنك؟
تنقلت عيناها بينهن.. كُنَّ في لهفة لمعرفة رأيها في العرض.. هل سترضى بالعمل نادلة معهن في المطعم.. تستطيع عندئذ إكمال دراستها الجامعية وتحقيق حلم جدتها الغالية.. يا إلهي كم تفتقدها..!
- سالي.. لم تحددي موقفك بعد؟!
- حسنًا.. سأنتظر رد السيد سعيد صاحب المطعم.
*****

لم يكن العمل شاقًا أو مخيفًا كما كانت تعتقد.. السيد سعيد لطيفًا معها ربما أكثر من المعتاد.. لكنها تستطيع أن تضع حدًا لحديثه كلما لزم الأمر.
اشتهرت بين رواد مطعم العندليب الأسمر بابتسامتها المشرقة ومشيتها الرشيقة التي تشبه بها عارضات الأزياء.. برغم أيامها القليلة في العمل إلا أن الكثير من رجال الأعمال الذين يتناولون طعام الغداء وربما العشاء أحيانًا في ذلك المطعم.. تعلقوا بها وكانوا يطلبونها بالاسم حتى أن بعض رفيقاتها شعرن بالغيرة منها ولكن كان البقشيش الكبير الذي كانت تحصله يوميًا وتقتسمه معهن بلا أدنى طمع منها أجبرهن على احترامها بل وحبها أيضًا.

مضت الأحداث بلا مشاكل لم يعكر صفوها سوى ظهور هذا الثلاثي المزعج الذي دأب على اعتراض طريقها بألفاظ تخدش الحياء ونظرات تعريها بطريقة تربكها بل تطاول الأمر أحيانًا إلى لمسات تفقدها صوابها وتسلبها الهدوء والابتسامة التي عهدها رواد المطعم بها.
وقعت في حيرة من أمرها.. هل تخبر السيد سعيد بأمر ثلاثتهم..؟ هل سيصدقها..؟ وإن صدقها هل سيقبل بخسارة زبائنه من أجلها..؟ خاصة وأن هؤلاء الثلاثة ينفقون ببذح ملحوظ.. ماذا لو طردها من العمل..؟ ماذا ستفعل حينها؟ لقد استقرت أمورها أخيرًا.. للمرة الأولى في حياتها تشعر بفائض من المال يمكنها من شراء ما تريده من مستلزماتها البسيطة دون خوف من عجز مادي.
استشارت رفيقاتها في الأمر فنصحوها بالتأني قليلًا.. فالسيد سعيد رغم رقته ولطفه معهن.. فهو جشع يعبد المال ويقينًا لن تكون النتيجة لصالحها.
اتفقن أخيرًا على أن تعمل هي في الفترة الصباحية.. قد يمنعها ذلك من حضور معظم المحاضرات ولكنه سيخلصها من هؤلاء السفلة الذين يعترضونها.
وما كادت تتنفس الصعداء حتى ظهروا مجددًا في الفترة الصباحية بعد أن سألوا السيد سعيد عنها فأخبرهم بأمرها.. كادت تجن ماذا تفعل وأين تذهب لتتخلص من إزعاجهم..؟!

أشار أحدهم إليها بابتسامته الاستفزازية.. تجاهلته واستمرت في خدمة الرواد الآخرين وكأنها لم تره.. عاد يناديها بصوت مرتفع وطريقة حميمية بغيضة أشعرتها بالخجل خاصة عندما تنقلت نظرات الجالسين بينهما.. اتجهت إليه وصاحت غاضبة:
- بأي حق تناديني هكذا وأنتَ لا تعرفني؟
- ومن قال إنني لا أعرفك؟
أزاحت يده عندما حاول ملامستها بينما أردف في عبث:
- ألسنا نتقابل هنا كل يوم منذ أكثر من شهر مضى؟
- نتقابل..!
- نعم أيتها المستبدة التي حاولت الهرب مني ولكن قلبي دليلي.
زفرت بضيق قائلة:
- حسنًا.. والآن ماذا تريد؟
همت بتدوين ما يريده لكنه عاد يهمس بوقاحة:
- نريدك أن تأتي معنا إلى السينما.
- آسفة.. أنا لا أذهب إلى السينما.
أجابها زميله الذي كان يتفحصها بعيون ناعسة:
- لماذا.. هناك فيلم رومانسي رائع وستكتمل روعته وأنتِ معنا.
أكمل ثالثهما بنفس النظرة الوقحة:
- ولكن عليكِ أن ترتدي شيئًا قصيرًا يظهر جمال ساقيكِ.
أردف وهو يمس فخديها بوقاحة:
- هذا المقاس سيكون مناسبًا جدًا.

شهقت بفزع وسقط ما بيدها أرضًا.. ترقرقت الدموع في عينيها وهي ترى نظرات الجالسين التي توجهت نحوها مستنكرة.. بينما انطلقت حناجر ثلاثتهم في ضحك محموم توقف فجأة عندما تقدم أحد رواد المطعم وراح يكيل لهم الصفعات واللكمات حتى سال دمهم قبل أن يُخرج من سترته قيودًا حديدية ويقيدهم بها.. ساقهم أمامه بعدها كالخراف خارج المطعم فاقترب منه السيد سعيد على عجل هامسًا في توسل:
- حسام بك.. يمكننا أن نسوي الأمر هنا لا داعي للشـ.......
أجابه الآخر في لهجة باردة قبل أن يكمل طريقه:
- اخرس أنتَ.. لكَ معي حساب آخر.. إن كنت لا تستطيع أن تحمي العمالة عندك في هذا المطعم فلا يحق لك افتتاحه.. هل تفهمني؟
نظر السيد سعيد إليه في ذعر دون أن يحاول اعتراض طريقه.. حانت منه التفاتة إلى سالي.. لابد أنه سيطردها الآن ولن ينتظر للمساء.. تعجبت حين هتف ساخطًا:
- أكملي عملك.. هيا.
في المساء كانت في شوق لمعرفة المزيد عن هذا الذي لم يفارق مخيلتها طوال فترة عملها.
- اسمه حسام منصور.. ضابط شرطة بالقسم المجاور للمطعم.
- لكنني لم أره من قبل.
- إنه يختفي ويعاود الظهور فجأة كالأشباح.
- لا تتحدثي عنه هكذا.
ضحكت رفيقتها قائلة:
- معكِ حق تدافعين عنه.. لقد خلصك من هذا الثلاثي المزعج.
تنهدت سالى حالمة فهمست صديقتها مُحذرة:
- استيقظي يا صغيرتي.. طريقك مسدود مسدود مسدود.
زجرتها قائلة:
- لماذا تقولين ذلك؟
- كلنا حاولنا من قبل.. لم ينجح معه شيء.. فهو مُتحجر القلب والوجه أيضًا.
حدقت سالي في وجهها مستنكرة فأردفت:
- لم نره يضحك ولو مرة واحدة مُذ عرفناه.. كلماته قليلة وكأنه يعد حروفها قبل أن ينطق بها.. اسألي من شئتِ عنه وسوف يخبركِ بما أقوله وأكثر.

لكن سالي بقيت في عالمها.. فليقولوا ما شاءوا عنه.. ستظل تراه بعيون أخرى.. عيون لا ترى فيه إلا فارسًا رفع عنها ظلمًا لم يرفعه كثيرون يتبسمون في وجهها كلما رأوها.
في صباح اليوم التالي رأته جالسًا في نفس المكان وعلى نفس الطاولة حيث كان يجلس أمس.. تذكرته الآن.. كان قد طلب فنجانًا من القهوة وكادت تسكبه فوق ملابسه من شدة توترها وانزعاجها لوجود هؤلاء الملاعين الثلاثة.. كيف يتحدثون عن قسوته المتناهية وهو قد بدا مُتفهمًا صبورًا معها..؟!
اقتربت منه وعلى شفتيها ابتسامة حلوة قائلة:
- صباح الخير يا سيدي.
أجابها باقتضاب:
- صباح النور.
- أشكرك على ما فعلته لأجلي أمس.
- لأجلك..!
ابتلعت ريقها وهزت رأسها في ارتباك بينما أردف بنفس النبرة الجافة:
- لقد قمت بواجبي يا آنسة.
هل هو حقًا متحجر القلب والوجه كما أخبروها عنه..؟ هل ينبغي أن ينتهي الحديث بينهما على هذا النحو؟ بعد سُهدها الليل كله.. محال.
عادت تسأله بفضول:
- ماذا فعلتَ بهم؟
- أعدك ألا ترينهم مرة أخرى ولو مصادفة.
أذهلتها ثقته بنفسه وهذا اليقين الذي يتحدث به فغمغمت شاردة:
- إلى هذا الحد..؟!
ظلت تحملق بوجهه فتابع بخشونة أيقظتها من أحلامها الوردية:
- إلا إذا كنتِ تريدين غير ذلك بالطبع.
هتفت مستنكرة:
- أنا...؟!
خيل إليها أنه يبتسم حينما أردفت بجدية:
- ماذا أقدم لكَ يا سيدي؟
توالى مجيئه إلى المقهى لتناول وجبة الغداء.. لماذا تشعر بأنه يعاملها بطريقة مختلفة عن الفتيات الأخريات.. هل هي تتوهم هذا؟ تكاد تقسم أنه ابتسم لها ذلك اليوم.. إحدى رفيقاتها أخبرتها ذات مرة أن هناك شيء مُختلف فيه.. ربما ازداد وسامة وجاذبية أيضًا.
أصبحت ابتسامته تلقائية وهو يلقي عليها تحيته كل صباح.. ابتسامة تعلن لها عن شروق الشمس وبدء يوم جديد.. وحياة جديدة أيضًا.. نظراته إليها نور أضاء عالمها.. كل من غَنَّى يتحدث عنهما.. حتى الطيور المغردة.. كلمات العشق والغزل كتبت من أجلهما فقط.. عملها أيضًا أصبح له مذاق آخر.. وكأنه موعد غرامي معه.. صارت تنتظره وتشتاقه بلوعة شوقها إليه.
ترى أيعقل أن يكون هذا هو الحب الذي يتحدثون عنه والذي تجاهلته طويلًا وظنت أنه خرافة لا وجود لها في الحقيقة..؟
كساحر بّدَّلَ عالمها بكامله.. أعلنته حبيبًا.. توجته ملكًا على قلبها..













أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس