عرض مشاركة واحدة
قديم 19-06-20, 07:14 AM   #5

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي

الحلقة الثالثة:

- أنا لن أتزوج أبدًا..
تحولت انفراجة شفتيها إلى ابتسامة بلهاء.. لا كلمات تعبر عن مدى صدمتها.. لماذا يتقرب اليها إذًا.. ماذا يريد منها.. ماذا يظن فيها..؟!
أمسكت القلم بأصابع حاولت أن تجعلها ثابتة وهي تغمغم:
- ماذا تريد أن تتناول اليوم يا سيدي؟
تأملها صامتًا حتى كادت تبكي ضعفًا وقهرًا فأسرعت تغادر الطاولة إلى زائر آخر.. حاولت أن تنشغل عنه بانهماكها في العمل.. تجنبت النظر إلى طاولته.. لكنها حين نظرت إليها أخيرًا كان قد غادرها.
لا تدري كيف عادت إلى مسكنها.. حمدت الله على أن رفيقتها بالغرفة لديها دوام ليلي.. لن يزعجها أحد.. فهي بحاجة ماسة لأن تكون بمفردها.
في الصباح ما إن رأتها رفيقاتها حتى هتفن في فزع:
- يا إلهي ماذا حدث لكِ؟
- ماذا بي؟
- ألم تري وجهك في المرآة؟
أسرعت إلى الحمام وما إن رأت عينيها المتورمتين ووجهها المنتفخ حتى شهقت في تأثر واندفعت دموعها من جديد.
- سالي.. ماذا بكِ؟
- عندي وعكة.. أحشائي تؤلمني بشدة.. لست أدري كيف سأذهب للعمل؟
- فليذهب العمل للجحيم.. المهم الآن هو صحتك.. ماذا أكلتِ أمس؟
- ربما كان شيئًا فاسدًا أو مكشوفًا.. لا أتذكر.
- هل تشعرين بالحاجة للطبيب..؟
- سأذهب للصيدلي بعد قليل.. ليس معي نقود لإجراء كشف طبي.. ويكفي الأيام التي سأتغيب فيها عن العمل.
- لا عليكِ.. يمكننا مساعدتك في بعض النفقات.
- أشكركن.. لا أحب أن أثقل على أحد.
- سالي....
- كل ما أرجوه منكن.. هو أن تعتذرن للسيد سعيد نيابة عني.. أحتاج إلى بعض الوقت حتى استعيد قدرتي على العمل من جديد.
حين عادت إيمان من العمل نقلت لها تمنيات كل من سأل عنها بالشفاء.. كانوا كُثرًا.. لكنه لم يكن منهم.. كذلك فعلت تهاني ولم يكن أيضًا منهم.. لم يتخلَ عن غطرسته ليسأل عنها.. بل تخلى عنها هي وتغيب عن المجيء للمطعم ما تبقى من الأسبوع.. كيف خُدعت لهذا الحد..؟ يا لها من حمقاء بلا عقل..!
أخيرًا عادت للعمل.. ليست في رغد من العيش يسمح لها بالتدليل.. بلا نقود.. لا جامعة ولا مسكن ولا مأكل أيضًا.. لكنها الآن أفضل حالًا وأكمل عقلًا.. سوف تتجنب هذا الضابط المخادع.. فهي لم تعد تعشقه بعد حديثه المهين معها.. بل تكرهه أيضًا.
لا تقصد أن تبحث عنه في كل الوجوه من حولها.. نظراتها إلى طاولته المفضلة من وقت لآخر جاءت مصادفة.. لهفتها كلما نادى أحدهم ماهي إلا شوقًا للعمل بعد غياب أسبوع كامل عنه.. لكنها كاذبة...
ما إن وقعت عيناها على بريق ابتسامته.. حتى اعترفت بأنها كاذبة.. وأيقنت بأنه لن يغادر حياتها بنفس السهولة التي دخلها بها ... بل ربما لن يغادرها أبدًا..
حاولت أن تتجاهله وأرسلت إحدى رفيقاتها لتلبي احتياجاته.. لكنها عادت تخبرها أنه يريدها بالاسم دون سواها فلم تجد مفرًا.. اتجهت نحوه بخطواتها الرشيقة ورأسها مرفوع لأعلى في محاولة لإعلاء كرامتها التي أهدرها.
حاولت تجاهل نظراته الفاحصة قائلة:
- أمرك يا سيدي.
- حمد لله على سلامتك.
- أشكرك.. ماذا يمكنني أن أقدم لك؟
- أريد التحدث معك.
- هذا مكان عمل .
- حددي المكان الذي يناسبك.
- ليس لدي وقت.
- ماذا ستفعلين غدًا؟
- محاضراتي حتى الرابعة وعملي هنا يبدأ في السادسة.. بالكاد أبدل ملابسي وأتناول طعامي.. على أية حال ليس بيننا ما نتحدث بشأنه.
قال بعد صمت ليس بالقليل:
- أحضري لي كوبًا من الشاي وبعض الشطائر.
مضت تلبي ما طلبه منها.. يا الله.. بهذه السهولة تخلى عنها..؟! فهو ليس كما أخبروها عنه.. قالوا لا يتنازل عما يريده أبدًا.. ربما هي لا تعني له الكثير.. ومن قال أنه يريدها.. من هي حتى تستحق اهتمامه وسعيه من أجلها..؟
غادر بعد قليل.. لم يحاول إزعاجها مرة أخرى.. لم يطلب لقاء آخر في موعد آخر.. لم يسألها عن يوم عطلتها.. لفظها أسرع مما تخيلت.
*****

هتفت سالي ساخطة وهي تلعن السائق المتهور الذي كاد أن يصدمها.. ماذا لو صدمها بالفعل..؟ سوف يقلب حياتها رأسًا على عقب.. ولكن ماذا يعني هذا لشخص مثله يقود مثل هذه السيارة الفارهة..؟ كيف يشعر باحتياجات الآخرين من البشر..؟ هذا إن شعر بوجود أمثالها من الأساس..؟
تراجعت بحدة عندما فتح لها الباب.. فتحت فمها لتزيده سبابًا.. ولكن الكلمات توقفت فجأة عندما عرفته.. حاولت إكمال طريقها غير عابئة به ولكنه قال في نبرة حاسمة:
- من الأفضل أن تصعدي إلى السيارة بنفسك.
تلفتت حولها.. فهي أمام الجامعة والطريق مزدحم جدًا.. ماذا يمكنه أن يفعل إذا لم تطعه؟
ابتسم وقد قرأ أفكارها:
- اصعدي يا سالي.
- ماذا تريد مني؟
- سأخبرك.. ولكن هيا يا سيدتي المهمة فليس لدينا وقت نهدره.
صعدت بجواره على مضض وهي تغمغم:
- إلى أين تأخذني؟
- اطمئني.. مهنتي تمنعني من اختطافك.
- أخشى أنها تمنع زملاءك من القبض عليك.
اتسعت ابتسامته قائلًا:
- لديك أفكار سيئة عن ضباط الشرطة.
- ليس جميعهم.
قهقه قائلًا:
- لا تقصدينني أنا بالطبع.
توقف بعد قليل أمام أحد المطاعم المُطلة على النيل.. أنزلها من السيارة وقادها إلى الداخل في رقة.. يا له من حلم وردي كثيرًا ما راودها في اليقظة قبل المنام.. أجلسها حول طاولة جميلة تزينها الزهور وراح يتأملها مليًا قبل أن يهمس وكأنه يخشى أن يوقظها من حلمها الذي تجلى عنيفًا فوق ملامحها:
- ماذا أطلب لكِ؟
انتفضت قائلة:
- ماذا تريد مني؟
هز رأسه في حيرة قائلًا:
- لست أدري.. حقًا لست أدري.
- هل أتيت بي إلى هنا.. وبهذه الطريقة البوليسية لتقول لي ذلك؟
ارتعدت عندما احتضن كفيها بين كفيه قائلًا:
- أريدك معي.
- قلت إنكَ لن تتزوج أبدًا.
- الزواج نقطة ضعف.. ومهنتي أوجدت لي أعداءً كثرًا.
- ماذا تعني؟
- سوف تتعرضين لمخاطر لا حصر لها لو تزوجتك.. سينتقم منكِ أعدائي في حال عجزوا عن الوصول إليَ.
- أنا مُستعدة للمغامرة.
- وأنا مستحيل أن أغامر بحياتك.. لقد وجدتك بعد أن ظننت أن لا وجود لكِ.
- وكيف تريدني أن أكون معكَ إذا لم أكن زوجتك؟
- أريدك حبيبة.
- سيدي.. أنا أقدم أطعمة.. مشروبات.. أشياء من هذا القبيل.. لكنني أبدًا لا أقدم نفسي لأحد.
تأملته في حدة وأردفت:
- أنا لستُ بائعة للهوى.
- فهمتني خطأ.. أنا لا أبحث عن الجنس.. أنا فقط أريد الحب.
هزت رأسها بعصبية واستنكار قائلة:
- الحب.. عن أي حب تتحدث..؟ عُذرًا.. طلبك ليس عندي.
- لماذا؟ هل الحب من المُحرمات؟
- مفهومك عن الحب من المُحرمات.. الحب عندي.. زواج وأطفال وبيت يضمني.. أحتاج إلى أسرة أكثر من حاجتي للحب.
ابتسم مُتهكمًا.. أخرج علبة مُذهبة يضع فيها سجائره.. ولاعته أيضًا ذهبية.. هو من عالم وهي من عالم آخر.. يعقد معها الآن صفقة.. ترى كم سيدفع ثمنًا لها..؟
كلما تمنعت سيعرض ثمنًا أكبر.. ثراؤه لا يعنيها.. لكن عليه أن يصمت.. كلماته هي ما يكسرها ويفتت عزيمتها.
- حبيبتي...
- حبيبتك..! كُف عن حديثك هذا.. بالله لا تتخذ من وحدتي وضعفي قوة لك.
- لماذا تتحدثين هكذا؟
- وكيف تريدني أن أتحدث.. أنتَ تقودني للجنون..؟!
- أنا لا أريد منكِ أكثر من شمس ابتسامتك وبراءة العشق في نظراتك.
حملقت بوجهه غير مصدقة.. أيُعقل ما يتفوه به بثبات وكأنه أمر طبيعي..؟ على أية حال ما يطلبه منها ليس لها خيار فيه حتى الآن.. فهي تعشقه شاءت أم أبت.. أو هكذا تظن.. نظراتها وابتسامتها له لا يد لها فيها.. حواسها تحركها مشيئته.. لكن يبقى البُعد عنه أكثر أمنًا.
- أمازلتِ خائفة مني؟
- أترك يدي.
ابتسم وهو يضغطهما بطريقة زادتها إرباكًا.. تخضب وجهها خجلًا وغضبًا وشدت يديها بعنف قبل أن تردد ساخطة:
- كيف تريدني أن أصدقك؟ هل تصدق أنتَ ما تقوله؟
- تناولي طعامك.. الوقت يداهمنا.
- لا رغبة لي.
- إنه أفضل من الطعام الذي تقدمونه في العندليب الأسمر.
- لماذا تأتي عندنا إذًا؟
- كيما أراكِ.
حدقت بوجهه قبل أن تبتسم في عصبية مريرة.. آخر ما كانت تتوقعه هو أن يكون مُختل العقل.. ولكن كل ما عليها فعله الآن هو أن تكون حذرة.. سوف يملَّها بمرور الوقت.. هي أيضًا سوف تتخلص تدريجيًا من هذا الشعور العجيب الذي تملكها نحوه.
لا بأس فهذه قصتها الأولى مع الحب وعليها أن تخرج منها بأقل الخسائر الممكنة.. حسنًا.. لتوهمه الآن بأنها وافقت على طلبه حتى لا تثير جنونه.. أخبروها أنه حين يثور يصبح عنيفًا مدمرًا.
*****




أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس