عرض مشاركة واحدة
قديم 19-06-20, 07:16 AM   #6

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي

الحلقة الرابعة:

الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن عادة.. فبدلًا من أن تتخلص من حبه كما وعدت نفسها.. تعمقت وتعمقت فيه حتى غرقت تمامًا وأصبح من المحال نجاتها منه.. مضت أيامها التالية كالحلم.. الدقائق القليلة التي يمضيها في المطعم ما بين غداء وعشاء كانت عالم يكفيها أن تحيا لأجله.. حتى غيرته التي بدأت تطل عنيفة لتنتقدها بلا رحمة.. باتت تعشقها بقدر ما تشقيها وتجلب لها المتاعب.. أجبرها أن تقسو على بعض الرواد ولا تبتسم لهم.. وأن تتجنب آخرين.. حتى مشيتها.. طلب منها أن تكون أكثر جدية.
عطلاتها غدا لها لون آخر.. ما بين المحاضرات أو في نهاية اليوم.. حتى أمسياتها بعد العمل الشاق لم تسلم من التفكير فيه.. أحلامها لم يرحمها.. يا الله فهي تعشقه حد الرعب.. نعم.. ماذا لو اختفى هو أيضًا..؟ ماذا لو خسرته..؟ ربما تموت أو تجن.
كانت ابتسامتها تلقائية وهي تقدم فنجان من القهوة لأحد رجال الأعمال.. ربما تمادى الرجل قليلًا في حديثه.. فهي تسمع ولا تصغى.. فليقل ما يشاء.. هذا عملها وعليها أن تتحلى بالصبر دائمًا وتتظاهر بالسعادة والتأثر لما تسمعه من كلمات وما لا تسمعه أيضًا.
أشار لها حسام فأسرعت تلبي نداءه.. لكنه كان كالبركان الثائر.
- أمرك حسام بك.
- من هذا الرجل؟
- أي رجل.. فهم كثر؟
- معك حق.. ما عدتُ أستطيع العد.
- حسام.. هل تشعر بالغيرة؟
- أحدهم يكرر على مسامعك كلمات من الغزل.. وآخر عيناه تنهش في جسدك.. وثالث يمسك يدك بطريقة تثير الجنون.. ماذا تريدينني أن أفعل؟ ما عدتُ أركز في عملي.. أفكاري كلها هنا.. هل تفهمين خطورة ما أعانيه.. أنا أتعامل مع مجرمين..؟!
- حبيبي ماذا تريدني أن أفعل..؟ إنه عملي.
- لابد أن تتركي هذا العمل.
- ماذا؟ وكيف أعيش بعدها؟
- سأدفع لكِ راتبك أضعافًا.
- أنتَ تهذي.
- هكذا..؟! يبدو أنني أخطأت الاختيار.
تركها ومضى.. كادت تسقط مُغشيًا عليها.. ابتسمت في هيستيريا.. هل سيتركها حقًا..؟! أنهت عملها بصبر نافد وعادت لمنزلها.. عالمها خاوٍ كما كان منذ شهور قليلة.. لكن أفكارها مزدحمة بطريقة بشعة.. دائمًا كانت تقنع نفسها بأنها تحلم وأن وجوده غير حقيقي أبدًا.. وكيف يُعقل أن يعشق رجل مثله بلهاء مثلها.. حاولت أن تعيش هذه الخديعة.. إنه حلم لا وجود له.. لكنها لم تنم تلك الليلة.
عشرة أيام من الجحيم.. اختفى .. ربما ذهابه الآن أفضل لذا ستبقى صامدة.. لن تحزن.. ولمَ الحزن وهى تعلم منذ البداية أنه ليس لها..؟ ألم يكن رحيله بلا خسائر هو ما أرادته..؟ لكن من قال إنه رحل بلا خسائر؟ أين قلبها إذًا؟ وماذا عن دعواتها التي لم تنقطع يومًا وهي تطلب من الله أن يكون لها؟
ربما هذه الدعوات هي سبب تعاستها الآن.. هي ما زرع في قلبها أملًا خادعًا كالخنجر المسموم.. كثيرًا ما كانت تسير بجوار القسم الذي يعمل به عامدة.. كم تشتاق طيفه مصادفة.. هل انتقل إلى مكان آخر.. إنه دائم التنقل كما قيل عنه.. هل تذهب إلى القسم لتسأل عنه.. ولم لا؟
- صباح الخير يا سيدي.
- صباح النور.. كيف أستطيع مساعدتك؟
- أريد أن أسأل عن شخص ما.
- هل هو هارب أم محبوس احتياطيًا على ذمة التحقيق؟
- كلا.. إنه زميل لك.
- ماذا؟
- يُدعى حسام منصور.
تأملها عاصم صامتًا وهو يجاهد لإخفاء ابتسامته:
- حسنًا.. ماذا عنه؟
- أخبرني أنه يعمل هنا.. هل هو موجود..؟
- كلا.
- لكنه يعمل هنا.. أليس كذلك؟
- من أخبرك انه ضابط وأنه يعمل هنا؟
- هو.. هن.. رفيقاتي في المطعم.. أتقصد أنه كان يخدعني كل هذا الوقت؟!
ضحك عاصم قائلًا:
- أنتِ سالي؟
تنفست الصعداء وهزت رأسها موافقة.. فأردف عاصم قائلًا:
- أنا عاصم صديق حسام.. حدثني عنك كثيرًا.. أهلًا بكِ.
- أهلًا بك يا سيدي.. ماذا قال لك عني؟
- قال أنكِ فتاة مجتهدة.. ومرحة وجميلة.. وأنكم تقدمون وجبات لذيذة.. لذا أفكر جديًا في زيارتكم.
- أشكرك.. ومرحبًا بك في أي وقت تشاء.. أين هو؟
- من؟
- حسام.. حسام بك.
- ليس موجودًا الآن.. بماذا أساعدك؟ هل أساء أحدهم إليكِ؟
- كلا.. أنا.. نحن في المطعم.. هو متغيب منذ فترة فشعرنا بالقلق من أجله.. نخشى أن يكون قد حدث له مكروه.
- كلا هو بخير اطمئني.. أقصد اطمئنوا.
احمرت وجنتاها خجلًا.. يبدو أن صديقه هذا يعرف أكثر مما يصرح به.. ودّعته وأسرعت تغادر القسم بأقدام ترتجف اضطرابًا وهي لا تصدق ما تفعله.. أين حياؤها الذي لطالما اتسمت به..؟
لو علمت جدتها لكانت ماتت حسرة من أفعالها الشنيعة.
كانت السابعة مساءً عندما أبصرته يتجه إلى طاولته المفضلة.. ربيع ينادي قلبها الذابل حزنًا.. شمس أطلت بعد ليل طويل.. حبيب طل فجأة في غربة لا تنتهي.
تنقلت بين الموائد تنتظر إشارته بلا جدوى.. أشار لإحدى رفيقاتها وطلب فنجانًا من القهوة.. حسنًا.. فليفعل ما يشاء إلا أن يختفي.. يكفيها أن تراه فهي تحيا بأنفاسه.. كانت تتلصص النظر إليه حين لمحت إشارته إليها.. اتجهت إليه في تمهل وأمسكت بالقلم والنوتة الصغيرة قائلة:
- أمرك يا سيدي.
- ما الذي فعلته هذا الصباح؟
احمر وجهها خجلًا.. لقد أخبره عاصم إذًا.. أمن أجل هذا أتى الآن..؟ حتى يوبخها..؟!
كان يحدق في وجهها ساخطًا فغمغمت:
- كنتُ قلقة بشأنك.
- حذار أن تفعلي هذا مجددًا.
- حسنًا.. هل هناك أوامر أخرى؟
- نعم.
حدقت في وجهه بمزيج من الحب والشوق والرجاء فتابع:
- اليوم هو الأخير لكِ في العمل هنا.
- حسام أرجوك.
- هذا أمر.
- أعدك بأنني سأبحث عن عمل آخر ... أمهلني بعض الوقت فقط .
- كلا.. أنا.. أو عملك هنا.
- أنتَ ظالم ومستبد.
نظر إليها صامتًا ينتظر ردها.. تنهدت قائلة:
- حسنًا.. أدعو الله أن أجد عملًا قبل أن ينتهي ما معي من نقود.
- وجدتُ لكِ عملًا آخر أيتها المجنونة العنيدة.
- حقًا.. أين؟
- سأخبرك غدًا عندما نلتقي.
تأمل البريق في عينيها قائلًا:
- اشتقت إليكِ كثيرًا.
- كاذب.. لقد اختفيتَ حتى لا تراني مصادفة.
- كنتُ في مهمة.. وكنتُ غاضبًا.
- حمد لله على سلامتك.. من المهمة ومن الغضب أيضًا.
كانت وظيفتها الجديدة في مكتبة كبيرة يملكها رجل مُسن على خلق طيب.. عملها الجديد أتاح لها وقتًا أطول للمذاكرة وانتظامًا للدراسة.. وهذا ما قالته لرفيقاتها وربِّ عملها حين سألوها عن سبب تركها للعمل في المطعم.. كان أكثرهم ضيقًا هو السيد سعيد الذي حاول أن يثنيها بكل الطرق عن تركه وعندما فشل في ذلك هددها بدفع غرامة واحتجاز ما تبقى لها من أجر الأسبوع ولولا تدخل حسام في الأمر ما انتهى لصالحها.
*****


- هل أنتِ سعيدة في عملك الجديد؟
- نعم.. يتيح لي فرصة أكبر للاهتمام بدراستي.. لقد راجعت معظم المواد الدراسية وأصبحت مُستعدة للامتحان تقريبًا.
- جيد.. أتمنى لكِ التوفيق دائمًا.
- أشكرك.
- هل ضايقك هذا الرجل من جديد؟
- أي رجل تقصد؟
- سالي.. لا تتحدثي بهذه الطريقة وكأنكِ تعرفين جمعًا من الرجال.
ضحكت في عذوبة قائلة:
- حقًا لستُ أدري عمن تتحدث؟
- أتحدث عن صاحب المطعم.
- السيد سعيد؟
لمعت عيناه بصبر نافد فأردفت:
- لا تقلق من جهته.. لقد أصبح لطيفًا جدًا معي.
- ماذا تعني؟
- كان يزورنا بالأمس القريب.. مُحملًا بالفاكهة والحلويات.
- ولماذا يزوركن؟
- لقد اعتاد ذلك مُذ تركتُ المطعم.. لكنه لم يحاول إزعاجي أبدًا.
- ما هو الإزعاج من وجهة نظرك؟
- حسام.. ماذا بك؟
- ماذا بي..؟! بأي حق يدخل هذا الرجل إلى مسكن مجموعة من الفتيات يَعِشْنَ بمفردهن؟
ابتسمت في ارتباك قائلة:
- إنه ليس غريبًا عنا فهو....
- فهو ماذا؟
- إنه رب عملنا.. وإن كان سابقًا بالنسبة لي.. كما أنه مالك الxxxx أيضًا.
- وهل هذا يعطيه الحق لزيارتكن..؟ وفي هذا الوقت المتأخر..؟!
- فقط يطمئن علينا قبل أن يصعد إلى شقته.
- أهو يسكن معكن في نفس الxxxx أيضًا؟
- نعم.
- رائع.. هذا ما كان ينقصني.
كان حسام على يقين بأن هذا الرجل لا ينظر لها نظرات عابرة.. كثيرًا ما شعر بالضيق من نظراته المتفحصة إليها.. كان سببًا رئيسيًا لجعلها تترك العمل لديه.. والآن يذهب إليها في مسكنها.. أتراه يفكر في الزواج للمرة الثالثة..؟
تذكر حديثها عن الوحدة التي تعيش فيها ورغبتها الشديدة في تكوين أسرة.. السيد سعيد يعلم بالطبع هذا الأمر وربما يحاول استغلاله.
- حسام.. بماذا تفكر؟
نفث دخان سيجارته ببطء قبل أن يأمرها في حسم:
- عليكِ البحث عن مسكن آخر.
ضحكت بعصبية قائلة:
- ماذا..؟ ومن أين لي بمسكن آخر..؟ راتبي كله لا يكفي.. ولا تقل لي بأنكَ سوف تتكفل بالأمر.
تفحصها صامتًا فتابعت:
- حسام.. أنا أشاركك حتى الآن هذه القصة المجنونة التي لا أعرف لها نهاية.. لكن بالله لا تحملني فوق طاقتي.
- أتسمين قصة حبنا.. القصة المجنونة؟
- ألديك تسمية أفضل لها؟
- القصة الخالدة.
ابتسمت ساخرة فتابع:
- أتنكرين أن معظم قصص الحب التي خلدها التاريخ لم يكن الزواج نهاية لها.
- أنا لا أريد أن يخلدني التاريخ.
ابتسم قائلًا:
- حسنًا أيتها الترابية.. لدي مسكن لكِ.
نظرت إليه بارتياب فأردف:
- ستكونين بمفردك.. ولن أتكلف أية نقود إضافية.
- أحقًا..! وأين هذه الشقة المعجزة؟
- شقتي.
هتفت في عصبية:
- ها قد اكتملت القصة المجنونة بنهاية أكثر جنونًا.
- اسمعيني جيدًا قبل أن تسخري من حديثي.
- ماذا تريدني أن أسمع؟ ماذا تظن بي..؟ ماذا أقول لكَ؟ كيف أقنعكَ بأنني لست سيئة كما تتوهم؟
- أنا أعرف من أنتِ جيدًا.. لو كنتِ رخيصة ما فعلتُ كل هذا من أجلك.. ما كنتُ اهتممت بكِ من الأساس.. حذار أن تتحدثي هكذا مرة أخرى.
حدقت في وجهه بتمعن.. لكم تتمنى أن يكون صادقًا ولكن كيف..؟!
أمسك يديها برقة وقبلهما قائلًا:
- أعدك بأن لا أضايقك أبدًا.. لن تشعري بوجودي على الإطلاق.. أنا معظم الوقت في مهام خارجية أو وردية ليلية.. أيام عطلتي أمضيها مع أبي.. يمكنني المبيت عند عاصم إذا دعت الحاجة فهو أيضًا غير متزوج.
- عُذرًا.. ولكن إذا كنتَ لا تحتاج إلى هذه الشقة فلماذا استأجرتها من الأساس؟
- نوع من الاستقلال.. ربما لأضع فيها أغراضي.
- تستأجر شقة خصيصًا لوضع أغراضك..!!
ابتسم صامتًا.. ترى ماذا تحمل لها الأيام معه..؟ هل هو صادق بالفعل أم أنه مخادع لا يصيبه الملل..؟ وماذا لو رفضت عرضه هذا؟
لم تشأ أن تخبره.. هي أيضًا تشعر بالريبة من تصرفات السيد سعيد الصبيانية.. كثيرًا ما حاولت التظاهر بالنوم خلال زيارته لهن.. لكن رفيقاتها كن يوقظنها مرغمة.. كان واضحًا أنه يأتي خصيصًا من أجلها.. لكم شعرت بالخوف والقلق من نظراته المتوحشة إليها ووقفت عاجزة عن غلق باب حجرة لا تملكها بمفردها..!
- سالي.. أين ذهبتِ..؟ بالله يا حبيبتي لا تفكري كثيرًا.
- حسام.. أنا..
- لا تقلقي.. أنا لن أزعجك أبدًا.. كل ما أريده هو أن تكوني بخير.. إذا شعرتِ بأي خطر من جهتي يمكنكِ العودة من حيث أتيتِ.













أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس