عرض مشاركة واحدة
قديم 23-06-20, 03:11 AM   #7

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة الخامسة

في صباح اليوم التالي كانت تنتظره تائهة.. لماذا تعاملها الأيام بهذه القسوة.. تذكرت والديها ساخطة.. فهما السبب في معاناتها المستمرة.. لماذا أنجباها ثم تركاها وحيدة في عالم لا يرحم؟ ترى كيف ستنتهي قصتها مع حسام..؟!
داخلها يقين بأن النهاية لن ترضيها أبدًا.
ها هي سيارته الفارهة قد ظهرت أخيرًا.. ألقى عليها تحية الصباح مُبتسمًا قبل أن يفتح لها باب السيارة لتجلس بجواره.. ابتسامتها الباهتة وصوتها الواهن أخبراه كم تعاني..! لكنه لم يعلق.
توقف بعد فترة أمام إحدى البنايات الشاهقة في منطقة راقية.. أهنا توجد الشقة التي استأجرها لوضع أغراضه؟!
حمل حقيبتها الصغيرة بيد بينما أمسك ذراعها باليد الأخرى وقادها إلى إحدى الشقق بالطابق الرابع.. كانت شقة متوسطة المساحة حجرتين و"ريسبشن" بالإضافة إلى المطبخ والحمام.. تأملت أثاثها البسيط الذي لا يتلاءم مع ما ينفقه حد التبذير أحيانًا.. لم تكن ترتقي لذوقه الذي تعرفه.. خمنت أنه استأجرها بالأثاث الموجود بها.. شقة مفروشة؟!
- سالي.. لماذا أنتِ صامتة؟
ابتسمت في توتر قائلة:
- لا شيء.. لا شيء أبدًا.
- اطمئني يا حبيبتي.
تراجعت في فزع عندما هم بوضع يديه على كتفها مما جعله يتراجع ساخطًا:
- سالي أنا لن أؤذيكِ.. كفاكِ رعبًا مني.
أمسك يدها يقودها إلى المطبخ.. فتح الثلاجة قائلًا:
- لقد أحضرت لكِ بعض المشتريات حتى تعتادي المنطقة.. سأتركك الآن.. إنها شقتك تصرفي بحريتك كاملة.
- وأنتَ؟
- سأذهب إلى عملي.. وبعدها سأذهب مع عاصم.
- ألن تأتي إلى هنا؟
- إذا احتجت شيئًا من أغراضي.. سأتصل بكِ تليفونيًا قبل أن آتي.
ودعها بضغطة عنيفة على يدها وكأنه يعاقبها لظنها السييء به.. تأوهت في ألم قبل أن تغلق الباب خلفه بنظرة ساخطة.
مرت الأيام هادئة.. الجامعة والعمل يستهلكان معظم وقتها.. الوقت القليل الذي تمضيه وحدها في المساء بعد عودتها بالكاد يكفي لاسترجاع دروسها.. امتحاناتها الأسبوع المقبل.
حسام كان وفيًا بوعده فلم يحاول إزعاجها أبدًا.. نادرًا ما كان يأتي إلى الشقة ليأخذ بعض الأغراض التي يحتاجها أو ليبدل ملابسه.. كان يتصل بها قبل أن يأتي ويتأكد أنها ليست موجودة حتى لا يضايقها.
مضت الأيام سريعًا.. ها هي قد أنهت السنة الثانية لها بتفوق.. لابد أن جدتها التي تراقبها من العالم الآخر سعيدة الآن لأجلها.. عامان فقط وتضع أقدامها على بداية الطريق.. سوف تبحث عن عمل مناسب يليق بتعليمها الجامعي.. ستذهب لتعيش في مسكن جدتها.. ولكن ماذا عن حسام؟
- مبروك يا حبيبتي.. نجحتِ بتفوق.
- الفضل يعود لك.. لولا اهتمامك ما كان هذا التفوق.
- أنتِ فتاة مجتهدة وسوف تحققين كل ما ترغبين.
شردت في كلماته.. أتراه حقًا لا يعلم ما ترغب فيه.. أم أنه يتجاهل عن عمد؟!
حسام... هو نقطة ضعفها الوحيدة في هذه الدنيا.. دائمًا ما كانت جدتها تخبرها بأنها فتاة قوية.. زملاؤها أيضًا أخبروها بالأمر ذاته.. لطالما كانت قادرة على تحمل المسئولية بطريقة تحسد عليها.. لكنها معه عاجزة لا تدري ماذا تفعل.. تتركه يقودها وكأنها طفلة صغيرة.
- سالي.. اليوم أيضًا شاردة.. بماذا تفكرين؟
- أنا...
- يا الله.. ماذا بكِ؟
- حسام.. لقد أثقلت عليكَ كثيرًا.. سلبتك مسكنك و........
- صِدقًا يا سالي إن لم تكفي عن حديثك هذا ستتعرضين للضرب.
- ولكن إلى مـ........
- قلتُ اصمتي.. دعينا اليوم نحتفل بكِ.
تنهدت صامتة.. هكذا هو دائمًا عندما تحدثه بالأمر.. لكن ما هي النهاية..؟ ربما خبرتها في الحياة قليلة لكنها تعلم أن لكل شيء ثمن.. فما هو الثمن الذي يريده منها..؟ إلى متى سيظل يحبها من أجل الحب وحده..؟ متى سيطلب الثمن؟
أخذها إلى السينما.. شاهدا فيلمًا رومانسيًا رائعًا كم تتمنى أن تنتهي قصتهما معًا بمثل هذه النهاية السعيدة.. صحبها بعدها إلى فندق فخم تناولا فيه عشاءً فاخرًا وبعد كل هذا سألها عن هديتها..!
- ماذا؟ هدية أيضًا.. بعد كل هذا..؟!
- سوف تختارين هديتك.. أم أختارها أنا؟
- حسام.. هذا كثير جدًا.. كيف يمكنني رد جميلك؟
- لقد أصبحتِ ثقيلة الظل.
- حسام...
- هل طالبتكِ بشيء؟
- ومتى سوف تطلب؟
- ماذا تظنينني سوف أطلب؟
- لا أدري.
صرخت حتى التفت الناس إليها عندما ضغط كفها الصغير في كفه حتى شعرت به يتمزق هامسًا بضيق:
- ربما يرغمك هذا على الصمت.
اشترى لها جينز وتي شيرت.. ثوبًا أيضًا وحذاءً جذاب عالي الكعب.. كل ما يفعله يزيدها عجزًا.. أصبح الثمن باهظًا جدًا.
كان الوقت قد تأخر عندما أوصلها إلى المسكن.. قالت في أسف:
- سوف ينزعج عاصم عندما تداهمه في مثل هذا الوقت.
- لا عليكِ.. معي مفتاح الشقة لن أوقظه.
تأملته بنظرة غريبة أثارت ريبته قبل أن تهمس مودعة:
- حسنًا.. طابت ليلتك.
قبل كفها وفتح لها باب السيارة قائلًا:
- طابت ليلتك.. هيا.. أضيئي المصباح حالما تصلين حتى اطمئن.

وضعت الهدايا التي أحضرها فوق الأريكة.. ستتركها هنا.. لن تأخذها معها.. نعم عليها أن ترحل الآن.. كل يوم يمضى يقيدها إليه أكثر.. ما إن تتسلل أولى خيوط النهار حتى تتسلل معها من حياته للأبد.. ستكتب له خطابًا تشكره فيه على كل ما فعله من أجلها.. سوف تعتذر عن إزعاجها المستمر له.. بقصد كان أو بدون قصد...
هل يجب أن تخبره بأنه الحب الأول والأخير..؟
من المستحيل أن تعشق بعده أبدًا.. كما من المستحيل أن تحيا هكذا العمر كله.. ستعود إلى منزل جدتها.. سوف تجد عملًا هناك وتعيش وحدها.. ولمَ لا وقد اعتادت الوحدة..؟ سوف تتحمل المواصلات من هناك إلى الجامعة.. مرة واحدة في الاسبوع تكفي ولن تكلفها الكثير من الجهد أو المال.
أحضرت قلمًا وورقة بيضاء.. اختلطت حروفها بدموعها المنهمرة.. وكيف لا وهي تودع حب العمر كله.. حبيب لن يتكرر..؟
- سالي.. هل أنتِ بخير؟
- حسام....
- مضى أكثر من نصف ساعة ولم تضيئي مصباح غرفة نومك.. ماذا بكِ؟
ابتلعت ريقها قبل أن تغمغم في ارتباك:
- آسفة.. لقد سهوت.
- ماذا تكتبين؟
حاولت إخفاء الورقة قائلة:
- لا شيء.
- دعيني أرى هذا اللاشيء.
جذب الورقة من يدها عنوة.. قرأها في عبوس قبل أن يهتف ساخطًا:
- هكذا إذًا.. منذ الصباح وأنا أعلم أنكِ تخفين شيئًا عني.
أشاحت بوجهها عنه فأردف ثائرًا:
- كنتُ على يقين بأنكِ تدبرين لشيء ما.. لكنني لم أتخيل أبدًا أن تتركيني بهذه السهولة..
- حسام.. أرجوك لا تزِد الأمر صعوبة.
- أنا لا أستطيع العيش بدونك.
- أنتَ لن تتزوجني.
- لقد أخبرتك بمخاوفي.. لماذا لا تفهمين؟
- ليتك أنتَ تفهم بأنني لا أستطيع أن أحيا هكذا للأبد.
- هل ضايقتك في شيء..؟ أحاول جاهدًا أن أعمل لراحتك.
- هذا ما يضايقني.. إلى متى ستفعل ذلك دون مقابل؟
- أنا لم أطلب منك شيئًا.. كفاك وهمًا.
- اتركني أرحل.
- كفاك جنونًا.
- سوف أرحل عاجلًا أم آجلًا.. وكل يوم نمضيه معًا يزيد من عذاب الرحيل.. اتركني أذهب اليوم أفضل من الغد.
- ماذا تقولين..؟ أنا لن أتركك.. ولن تتركينى.
راحت تنتحب في هيستيريا فلم تشعر بنفسها بين ذراعيه ولا بقبلاته الملتهبة التي دمرت ما تبقى لها من إرادة.. حملها إلى غرفتها بلا مقاومة ولم يغادر تلك الليلة.
ها هي قد دفعت الثمن الذي حاولت أن تتجنبه طويلًا....
تركت عملها في المكتبة كما طلب منها.. تقبلت هداياه التي غمرها بها بصدر رحب.. تنزهت معه بلا خجل.. شاركته حياته كاملة بلا وخزة ضمير.. لن تُعلق حياتها على ورقة يكتبها مأذون.. الله وحده شاهد على حبها الكبير له.. فلتحيا يومها وليذهب الغد إلى الجحيم.. مجنون هوالعاقل في زمن مجنون.
لكنها كانت مُخطئة.. مُراهِقة حمقاء عاشقة.. أغمضت عينيها وتركت معشوقها يقودها حيثما شاء.. وحينما فتحتهما أخيرًا.. وجدت نفسها على حافة الهاوية.
- حسام حبيبى.. أخيرًا عُدت.
احتضنها بشوق بالغ وغمرها بقبلاته قائلًا:
- كانت مهمة صعبة للغاية ولكنها تمت بنجاح.. أشد ما فيها قسوة أنها حرمتني منكِ كل هذا الوقت.
- عندي لكَ مفاجأة سأخبرك بها بعد الغداء.
- ولمَ ليس الآن؟
- كلا.. بعد الغداء.
تناولا طعامهما في سعادة.. ما أجمل أن يكونا معًا.. فهو عشقها الذي لم ولن ينتهي أبدًا.. ثمرة الحب التي تنبض الآن بين أحشائها سوف تزيدهما قربًا وتوحدًا.. ستجمعهما معًا إلى الأبد.. سوف تغير هواجسه المجنونة.. ستخلصه من خوف لا مبرر له وتعلمه أن يترك كل شيء بيد الله.. حبيبها المجنون.. هل كونها ليست زوجته سيمنع المجرمين من الانتقام منها لو شاء الله ذلك..؟
- والآن حبيبتي وقد انتهينا من الطعام.. هاتي ما عندك كلي آذان صاغية.



أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس