عرض مشاركة واحدة
قديم 23-06-20, 03:15 AM   #8

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة السادسة

وضعت يدها في سعادة فوق بطنها قائلة:
- احزر أنتَ.
اعتدل في جلسته واتسعت عيناه في توتر وهو ينقلهما من بطنها إلى وجهها قائلًا:
- ماذا تقصدين؟
- ألم تفهم بعد؟
- هل أنتِ حامل؟
تهلل وجهها قائلة:
- نعم حبيبي.. أنا لم أصدق في بداية الأمر ولكن الطبيب أكد لي.. أنا في غاية الشوق لرؤيته.. لستُ أدري كيف سأحتمل تسعة أشهر كاملة حتى يولد وأحمله بين يدي.. أتمنى من الله أن يكون نسخة منكَ وأنا واثقة من هذا لأنني لا أرى سواك في الكون كله.
كان يتأملها في ذهول صامتًا فعادت تهتف به:
- أنتَ أيضًا مثلي.. لا تصدق الأمر.
أشعل سيجارة وراح ينفث دخانها في تجهم فجلست بجواره هامسة:
- حسام.. ألستَ سعيدًا؟
ابتلع ريقه دون أن ينظر إليها قبل أن يقول في حسم اعتادته منه لكنها كرهته هذه المرة:
- تخلصي من هذا الطفل.
- ماذا؟!
- لسنا في حاجة إلى أطفال.
- هل أنتَ جاد؟! محال أن تكون جادًا.. أيها المهرج أنتـ......
- سالي أنا لا أمزح.
ارتعدت شفتاها في صدمة دون أن تقوى على الرد بينما أردف:
- أحد الأسباب الرئيسية في إقلاعي عن الزواج هو عدم رغبتي في وجود أطفال.
- لكنكَ تعلم أنني أريد أطفالًا.. أريدهم بشدة.
- الأطفال هم نقطة الضعف الأقوى في عملي.
- إذاً تخَلَّ أنتَ عن عملك.. أنا لن أتخلى عن طفلي.
- كفاكِ جِدالًا لا جدوى منه.. سوف أذهب غدًا لرؤية أبي.. عندما أعود أرجو أن نكون قد انتهينا من هذا الكابوس.
- كابوس.. كيف أمكنكَ أن تقول عنه هذا؟
- سالي...!!
- أنا لن أطيعك هذه المرة.. أبدًا.. سآتي معكَ إلى والدك.. سأخبره بالأمر وأنا واثقة أنه لن يفكر مثلك.. سوف يعلن زواجنا على الملء و.......
أمسك ذراعها في قسوة وقاطعها قائلًا:
- زواجنا..! أنتِ إذًا لستِ بالبراءة التي ظننتها.. أنتِ ماكرة خبيثة.. دبرتِ لكل شيء منذ البداية.
- دبرتُ..!! أنا منذ عرفتك وأنا أسير خلفك معصوبة العينين.
- لن أصدق حرفًا واحدًا مما تقولينه بعد الآن.
تركها تبكي حظها التعس وغادر الشقة ولكنه ما لبث أن عاد بعد قليل وألقى ببعض الأدوية أمامها قائلًا:
- تناولي هذا.. الجرعة موجودة في النشرة.
هزت رأسها في عناد وهي تغمغم:
- كلا.
- كلا... !
- لن أتنازل عن طفلي ولو قتلتني.
تأوهت ألمًا عندما أمسك شعرها بقسوة صارخًا:
- سالي.. هناك وجه آخر لا أحب أن أظهره لكِ.. إلا إن كنتِ أنتِ تريدين رؤيته.
أزاحها بعنف قبل أن يعود وفي يده كوب من الماء ليرغمها على تناول الدواء لكنها قاومت بشراسة.. بادلها جنونها وراح يصفعها بقوة ويكيل اللكمات إلى بطنها حتى أشفق عليها ولكنها لم تشفق على نفسها.. فصرخ غاضبًا:
- هذا الطفل غير شرعي.. تخلصي منه أولًا وبعدها نتحدث في أمرنا.. سأتركك حرة.. افعلي ما تشائين.. إن أردتِ.. تزوجي وأنجبي أطفالًا بعدد ما شئتِ.. وأنا سوف أساعدك.
تأملته غير مصدقة.. أهذا هو حبيبها الذي ضحت بكل شيء من أجله..؟ يقتل طفله ويزوجها من آخر.. أي جنون يتحدث به..؟ هزت رأسها مستنكرة.
- سالي.. أخشى أن أقتلك.

ظلت صامتة مما زاده جنونًا فراح يتحرك في الغرفة كالوحش الهائج دون أن يرفع عينيه عن وجهها المنهك.. هجم عليها من جديد وأمسك شعرها قائلًا:
- والآن اخبريني.. كيف سنتخلص من هذه المصيبة..؟ لا تصمتي كالأموات.
- أعدك بأنني سأذهب.. لن تراني مرة أخرى ولكن أترك لي الطفل.
- ماذا؟
- سأعتبره هدية منكَ.. علمتُ الآن أنني لا أمثل لكَ شيئًا على الإطلاق ولكنكَ كنتَ كل شيء لي.. اتركه لي ذكرى منكَ.
- كُفي عن ضعفكِ المصطنع هذا.. أنتِ متآمرة صغيرة.. وكأنني أراكِ للمرة الأولى أيتها المخادعة..!
نظرت إليه في عتاب فتابع:
- لماذا لم تتخذي وسيلة لمنع حدوث هذا الحمل...؟ عرفتُ قبلكِ نساءً كثيرات لم تتجرأ أية منهن وتفعل ما فعلته أنتِ.. أنتِ أكثرهن جرأة وخبثًا.. لكنني لستُ صيدًا سهلًا يا صغيرتي.
أغمضت عينيها وسدت أذنيها في ألم.. كيف خدعها لهذا الحد..؟ كيف صدقت زيفًا بهذا المقدار..؟
لمعت عيناه فجأة وجذبها إلى غرفة النوم قائلًا:
- هيا.. بدّلي ملابسك.
- لماذا.. أين سنذهب؟
- ستعرفين بعد قليل.
- حسام ......
- أسرعي.
استسلمت كعادتها حتى توقف أمام إحدى العيادات الخاصة.. تعلقت به في أمل أخير.. نعم أنه لا يمزح.. هو لا يريد هذا الطفل.. لكنها تريده بشدة وكأنها لن تنجب بعده.. بداخلها يقين لا تدري مصدره بأنه سيكون طفلها الوحيد.. هاجس يأمرها أن تتشبث به بكل قوتها لأنها إن فقدته لن تنجب غيره.
انحنت وقبلت يده في توسل قائلة:
- حسام.. بالله عليكَ أترك لي الطفل.
- هذا الطفل سيكون وصمة عار للجميع.. لماذا تتشبثين به هكذا..؟!
- إنه طفلي وأنا أحبه.
- وهو سيكرهك بقدر هذا الحب عندما يكبر بلا أب ويدرك كيف أتيت به.
هل حقًا ما يقول..؟ شعرت بإحباط شديد فتبعته بلا وعي.. استسلمت تائهة للطبيبة التي أدخلتها إحدى الغرف لإجهاضها.. ولكن من المحال أن يكون صادقًا.. كيف يقابل طفلها كل هذا الحب الذي تشعر به نحوه بالكره لها..؟!
خرجت الطبيبة بعد فترة من غرفة العمليات.. سألها في لهفة:
- هل هي بخير..؟
- نعم.. اطمئن.
- هل يمكن أن أراها..؟
- فقط انتظر قليلًا حتى يتلاشى مفعول المخدر.
عاد بها إلى مسكنه من جديد وكأن شيئًا لم يكن.. وكأنه لم يقتل للتو طفله.. بقيت صامتة شاردة غير عابئة بمحاولاته المستميتة لاسترضائها.
- حبيبتي.. أعلم أنني كنتُ قاسيًا معكِ.. لكنكِ تصرفتِ بحماقة شديدة.
لم تتحرك عندما قبل رأسها وأردف:
- وما حاجتنا للأطفال.. ظننتُ أنني كل شيء لكِ كما أنكِ كل شيء لي.. في المستقبل أرجو أن تكوني أكثر حرصًا.
في المستقبل..! وهل يتخيل أنها قد تعاشره مرة أخرى..؟ يا له من مختل.. كيف أمكنه مجرد التفكير في أن هذا قد يحدث..؟!
راح يقبل كفيها في اعتذار مُقَنَّعٍ هامسًا:
- أحبك يا سالي.. أقسم بأنكِ حبي الأول والأخير.
أمازال يتحدث عن الحب.. عن أي حب يتحدث..؟ وأية حمقاء سوف تصدقه بعد الآن؟!
- سأذهب غدًا لرؤية أبي.. لن أتغيب عنكِ طويلًا.. لولا قلقه بشأني بعد المهمة الأخيرة ما ذهبتُ وتركتك أبدًا.. أخشى أن تفاجئه إحدى نوبات القلب بسببي.. سأعود بعد غد وإن أمكن في مساء الغد.. لن أتأخر عليكِ.
قبل رأسها ووجنتيها.. ضمها إلى صدره وراح يربت على ظهرها مُرددًا كل العبارات التي كانت يومًا تهيم شوقًا لسماعها.. لكنها بدت كالموتى بين ذراعيه.. جُثة هامدة بلا مشاعر حتى هتف ساخطًا:
- سالي.. لا تصمتي هكذا.. بالله قولي شيئًا.
تأملته بمرارة قبل أن تغمغم في نبرة ظلت تطارده طويلًا فيما بعد:
- لن أغفر لك.
عاد في مساء اليوم التالي يناديها في لهفة لكنها لم تجب.. فوق فراشهما تركت تلك الورقة اللعينة.. بقلب مُرتعد راح يقرأ حروفًا قليلة لكنها تقطر موتًا.. سطرًا واحدًا عذبه عمرًا طويلًا:
- بعد أن عرفت أن ما بيننا لم يكن حبًا.. فأنا في حاجة ماسة إلى ثمنه الآن.
فتح الخزانة والأدراج.. لم تأخذ معها شيئًا من ملابسها الكثيرة التي أهداها لها.. رسائل العشق التي تبادلاها معًا ممزقة وملقاة أرضًا.. صورهما أيضًا.. اكتفت بالنقود والقطع الذهبية.. كان واضحًا أنها كفرت به وبالحب معًا.. كيف لم يفهمها رغم وجودها بين ضلوعه.
أيعقل أن يكون فقدها للأبد..؟ لن تعود... لن تغفر له.




























أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس