عرض مشاركة واحدة
قديم 26-06-20, 04:46 PM   #9

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة السابعة

- تفضلي يا سالي.
دلفت سالي إلى عيادة الدكتور شريف الذي أخبرها أنه في حاجة ماسة إلى ممرضة جديدة بعد أن تزوجت ممرضته السابقة وقررت ترك العمل.
همس في ترحاب:
- يمكنكِ أيضًا الإقامة هنا في العيادة حتى تجدي المسكن الملائم.
ترقرقت الدموع في عينيها هامسة:
- أشكرك يا سيدي.
- ولمَ الشكر؟! سيفيدني وجودك هنا أكثر مما سيفيدك أنتِ.
ابتسمت ابتسامة باهتة فأردف:
- بعض الأطفال مُزعجين.. لا يحلو لهم المجيء إلى الدنيا إلا بعد منتصف الليل.. أرجو ألا يكون طفلك واحدًا منهم.
همت أن تعلق بشيء ما قبل أن تعض على شفتيها وتمسك بطنها في ألم صارخة:
- سيدي.. أشعر بدوار ومغص شديد.. أخشى أنني أفقد الطفل.
- ماذا؟ دعيني أفحصك.
شعرت بتوتر وحرج شديد لكنها لم تجد مفرًا من الأمر.. تمددت ليفحصها بوجه تخضب احمرارًا ما بين خجل وألم.. لكنه بدا جادًا وملتزمًا قبل أن يتحدث قائلًا:
- يبدو أنكِ تعرضتِ لإجهاد شديد.. يوجد نزيف.
هتفت بفزع وتوسل:
- هل يعني هذا أنني فقدتُ الطفل؟
- كلا.. ليس بعد.. لكن هذا قد يحدث.
- بالله افعل شيئًا.
فتح خزانة أمامه وأخرج منها بعض الأدوية واستعد لحقنها حين عادت ترجوه واهنة:
- سيدي.. بالله عليكَ أنا أريد هذا الطفل.. أخبرتك كم عانيتُ من أجله.. لا تسلبني إياه.
تأملها في عتاب قائلًا:
- سالي.. أنا طبيب وقد أقسمتُ أن أحافظ على شرف المهنة التي أعتبرها رسالة مُقدسة.. لا تخافي.. سأبذل قصارى جهدي للإبقاء على طفلك بناء على رغبتك.

استيقظت بعد منتصف الليل.. تأملت ما حولها في قلق.. ما هذا المكان الغريب..؟ شهقت في ألم عندما تحركت بعصبية لتغادر الفراش.. تذكرت الآن.. أين ذهب هذا الطبيب..؟
ترى ما اسمه؟ شريف.. نعم دكتور شريف.

تجولت في المكان.. كان نائمًا في غرفة أخرى.. يا له من رجل..! شعرت بالطمأنينة لوجوده قربها.. عادت لفراشها من جديد فهي مازالت في حاجة إلى النوم ربما يختفي هذا الدوار المزعج.

- سالي.. استيقظي.. كيف حالك الآن؟
فتحت عينيها ببطء قبل أن تنهض على عجل لترد تحيته لكنه استوقفها قائلًا:
- ليس هكذا.. عليكِ أن تكوني أكثر اتزانًا ولا تعرضي نفسك للمزيد من الإجهاد.
ابتسمت قائلة:
- صباح الخير يا سيدي.. آسفة لكل ما سببته لكَ من إزعاج.
- عن أي إزعاج تتحدثين؟
- يكفي أنكَ أمضيتَ ليلتك هنا بعد عناء السفر من أجل غريبة مثلي.
- هل استيقظت ليلًا؟
- نعم.. لكنني خلدت للنوم من جديد.
- هل تشعرين بما أشعر به؟
نظرت إليه في دهشة وتساؤل فتابع مُبتسمًا:
- أنا جائع جدًا.
اتسعت ابتسامتها بينما أردف من جديد:
- سأذهب لأجد شيئًا نأكله.. لن أتغيب عنك طويلًا.
- حسنًا.. سوف أنظف العيادة حتى تعود.
التفت إليها مُحذرًا:
- كلا.. اتركي كل شيء كما هو.
- ولكنها تحتـ....
- لا عليكِ.. سأطلب من البواب وزوجته تنظيفها بعد الفطور.
- وما فائدتي إذًا؟
- سالي.. لست في حاجة لأكرر تحذيري لكِ.. حالتك حرجة.. حتى أنني أفكر جديًا في البحث عن ممرضة أخرى.
- ماذا..؟ أنتَ تعلم مدى حاجتي إلى هذه الوظيفة.
- لكنكِ مريضة وأخشى أن تسوء حالتك فتعودين لتلقي باللوم فوق رأسي.
- كلا.. لن أفعل.
عادت تنظر إليه في رجاء قبل أن تردف بسرعة:
- أنا مازلتُ صغيرة وقوية.. وأعدك بأنني لن أجهد نفسي.
توالت الأيام والشهور.. كانت سعيدة في عملها الجديد مع الدكتور شريف في عيادته.. خصص لها راتبًا كبيرًا.. منحها أيضًا البقشيش الضخم الذي يتركه بعض المرضى وعائلاتهم بعد الولادة أو مجرد الكشف.. شريف طبيب متميز.. مرضاه على درجة كبيرة من الثراء والرقي.. كثيرًا ما تمتلئ عيادته الكبيرة بالمرضى عن آخرها.. ورغم أن هذا يجهدها أحيانًا غير أنه يملأ حقيبتها بالنقود بعد غلق العيادة.. لديها الآن مبلغًا لا بأس به وضعته في دفتر التوفير الذي ساعدها دكتور شريف على فتحه في مكتب البريد القريب من العيادة.. سوف تستأجر مسكنًا عما قريب.. مسكنًا خاصًّا بها.. لم يعد الأمر مُستحيلًا كما كان في السابق.
ستحتاج أيضًا إلى مصروفات أخرى للطفل بعد شهور قليلة.. عليها أن تستمر في خطة التقشف التي وضعتها لنفسها وتحافظ على ما لديها من نقود حتى تحقق ما تريد.
استيقظت من شرودها ونهضت لتواجه دكتور شريف الذي همّ بالمغادرة:
- سأذهب الآن يا سالي.. إذا حدث أمر طارئ اتصلي بي فورًا.
- أمرك يا سيدي.. طابت ليلتك.
- طابت ليلتك.
اتجهت إلى الغرفة التي اعتادت النوم فيها.. أخرجت منامة كانت قد اشترتها مؤخرًا بعد أن شعرت بحاجتها المُلحة لها.. حمدت الله لعدم وجود حالات جراحية هذه الليلة.. فقد كان اليوم شاقًا بما يكفي.. ها قد بدأت تشعر بثقل جسدها الذي بدأ ينتفخ بشكل يزعجها ويعوق رشاقة لطالما تحلت بها.. تململت في فراشها.. شعرت بالخوف من جديد.
كلما اقترب موعد مجيء الطفل كلما ازدادت خوفًا وشوقًا لرؤيته.. ترى كيف سيكون..؟ هل سيشبهه..؟
نهضت من فراشها.. اتجهت إلى أشيائها القليلة التي تمتلكها والتي تضعها في خزانة صغيرة بأحد أركان الغرفة.. منحها دكتور شريف مفتاحًا لها.. أخرجت حقيبة يدها وفتحتها لكنها عادت تغلقها في ألم وتعود إلى فراشها تقاوم الأرق بجسدها المنهك حتى تغلب إنهاكها أخيرًا واستسلمت لسبات عميق.
استيقظت في وقت متأخر على غير عادتها.. اغتسلت وتناولت فطورًا سريعًا وبعض الأدوية التي أوصاها بها دكتور شريف لتلد طفلًا بصحة جيدة.. اتجهت إلى المطبخ لتنجز المهام التي اعتادتها حتى يحين موعد العمل في السادسة.
في العيادة الآن مطبخ يكفي لعمل ما تريده من الوجبات التي يعشقها دكتور شريف.. ألقت نظرة إلى ساعة يدها.. عليها أن تنتهي من إعداد وجبة الغذاء قبل أن يأتي من المشفى الذي يعمل به صباحًا.. لقد اعتاد أن يتناول طعام الغداء معها كل يوم قبل أن يعود إلى مسكنه القريب من العيادة لينال قسطًا من الراحة ويعاود الحضور إلى العيادة في السادسة لمتابعة مرضاه.. عمل روتيني مُزعج لكنها أتقنته.
- سلمت أناملك يا سالي.. كان الطعام رائعًا.
- صحة وعافية لك.
- يا الله.. كثيرًا ما أحببت العمل هنا في أسوان.. لكنني كنتُ أشعر بالغربة والحنين إلى الأسرة.. إلى هذا الجو الدافئ الذي تخلقينه الآن.. أنا ممتن لكِ كثيرًا.
- مهما فعلتُ لكَ يا سيدي لن أوفيك حقك.
ضحكت عندما غمغم ساخطًا:
- حمدًا لله أنني انتهيت من طعامي وإلا ما كنتُ أكملته بعد حديثك هذا.
بادل ضحكتها بابتسامة هادئة قبل أن ينهض:
- حسنًا.. أراكِ في المساء.
- ألن تشرب الشاي؟
- عندما أعود.. أنا الآن في حاجة إلى قليل من النوم.

*****
تأوهت سالي في ألم وفتحت عينيها ببطء.. طالعها وجه دكتور شريف بابتسامته الهادئة:
- حمدًا لله على سلامتك.. صبي جميل كوالدته.
ابتسمت في لهفة قائلة:
- أين هو؟
- سأحضره لكِ حالًا.
تبعته بعينيها في فضول حتى عاد بعد قليل بكومة من القماش تحوي طفلًا صغيرًا وضعه بين يديها وراح يتأملها في حنان بالغ وهي تتلقفه منه في حرص شديد وكأنها تحمل كنزًا غامرت كثيرًا لتصل إليه.. تفحصته طويلًا قبل أن ترفع عينيها إلى الطبيب في سعادة قائلة:
- أكاد لا أصدق ما يحدث.. إنه طفلي.
- تتحدثين وكأنكِ عجوز أنجبت بعد عقم طويل.
نظرت إليه مستنكرة.. كيف تخبره عن هاجسها المجنون الذي لا تعرف من أين أتى والذي يصرخ فيها دائمًا بأن هذا هو طفلها الوحيد ولن تنجب بعده؟
- لا تغضبي هكذا.. فهو طفل رائع ذو بنية قوية.
عادت تتأمل طفلها بسعادة هامسة:
- نعم.. إنه كذلك بالفعل.
- والآن.. أي الأسماء اخترتِ له؟
- إن لم يزعجك.. سوف أسميه شريف.
- ماذا؟
تأملته في فضول فتابع مُبتسمًا وهو يحمل الطفل عنها:
- هذا لا يزعجني أبدًا.. بل سيكون من دواعي سروري.. تعالَ إليَّ يا شريف.
في صباح اليوم التالي عندما حضر دكتور شريف للاطمئنان عليها وضعت على مكتبه مظروفًا صغيرًا قائلة:
- شكرًا لكَ يا سيدي.
- ما هذا؟
- إنها تكاليف عملية الولادة و....
فتح المظروف وما لبث أن نظر إليها مُتهكمًا فأسرعت تقول:
- إنها نفس القيمة التي أحصلها من السيدات الأخريات.. إن كنتَ تريد المزيد يمكنني تفهم الأمر فأنا أتلقى منكَ مميزات كثيرة لا توفرها لأي من مريضـ.....
- سالي.. هل أنتِ جادة؟
- ماذا تعني؟
- كيف تخيلتِ أنني قد أقبل منكِ نقودًا..؟!
- لدي ما يكفيني من النقود.. فأنا نفقاتي محدودة جدًا بالنسبة لدخلي من العمل هنا.
مد لها يده بالمظروف قائلًا في نبرة حاول أن يجعلها صارمة:
- خذي نقودك واذهبي الآن قبل أن أغضب.
- عُذرًا يا سيدي.. هذا الأمر غير قابل للنقاش.. إنها كرامة طفلي.
- كرامة طفلك..؟!
- نعم.. ستأخذ نقودك كاملة.. طفلي لا يقل أبدًا عن الأطفال الأثرياء الذين يولدون هنا كل يوم.
هز رأسه في عصبية وهو يغمغم:
- أنتِ أكثر من رأيتُ جنونًا حتى الآن.
- إن كنتَ تريد مساعدتي حقًا.. ابحث لي عن مسكن ملائم.




التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 26-06-20 الساعة 05:08 PM
أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس