عرض مشاركة واحدة
قديم 26-06-20, 04:49 PM   #10

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة الثامنة

كان طفلها في شهره الثالث عندما حدثها دكتور شريف عن هذه الشقة التي اقتنعت بها أخيرًا بالرغم من كونه هو نفسه لا يبدو مقتنعًا بها.
- الشقة في الدور الثامن.. ولا يوجد مصعد كهربي في البناية.. صغيرة جدًا.. عرضها مالك الxxxx بمبلغ بخس لأنه لا يجد من يسكنها.
- لكنكَ تقول إنها قريبة من العيادة.. وهذا أمر جيد.
- نعم المساكن في هذه المنطقة باهظة الثمن لذا فهذه الشقة تقريبًا هدية مجانية.
- وأنا قبلتُ الهدية.
أشار بإصبعه محذرًا:
- ولكن الأمر سيكون شاقًا.. خاصة وأنتِ تحملين طفلًا.
- اطمئن يا سيدي.. متى يمكنني رؤية مسكني الجديد؟
- هناك أمر آخر.
- ما هو؟
- سوف تتحملين سداد قيمة الأثاث أيضًا.
تجولت سالي سعيدة في مسكنها الجديد.. شقة صغيرة بها غرفة واحدة للنوم وصالة كبيرة نوعًا ما ومطبخ وحمام.. آخر طابق في البناية يحيطها سطح كبير يطل على منظر رائع للمدينة.. الأثاث لم يكن سيئًا أبدًا.. هو أيضًا اعتبرته هدية مجانية.. غرفة نوم كاملة القطع ومائدة صغيرة حولها عدد من الكراسي لتناول الطعام.. هناك طقم للجلوس بحالة جيدة وتلفاز لا شك سيحتاجه صغيرها لاحقًا.. المطبخ كان ثروة بالنسبة لها احتوى كل ما تحتاجه بل وأكثر.. الحمام ربما كان صغيرًا لكن هذا لا يهم.
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تلتفت إلى دكتور شريف الذي كان لايزال يلتقط أنفاسه من صعود السلم قائلة:
- سوف أستأجرها.
- كنت أعلم أنها ستعجبك برغم هذا الدرج اللعين.
- لم تقل لي كيف عثرت عليها..؟
- مريضة عندي.. كانت لوالديها قبل أن ينتقلا لمسكن آخر.. في الطابق الأرضي.
ضحكت وقد فهمت مغزى كلماته.. مازال يحذرها قبل أن تتورط فيها.. إنه لا يدري أن هذه الشقة بالنسبة لها كانت حلمًا.. لو يعلم كم عانت حتى ماضيها القريب..!
- سالي أين ذهبتِ.. أراك شاردة؟
- الشقة رائعة.. الأثاث بحالة ممتازة.. كما قلت إنها هدية مجانية من الله.
مرت أيامها هادئة لا يقلقها سوى دفتر بريدها الذي أصبح شبه خاوٍ.. كانت تضع طفلها بجوارها في عربة صغيرة حتى تنتهي من عملها بالعيادة.. حرصت على نظافته وإطعامه بانتظام كما نصحها دكتور شريف.. هو أيضًا كان يهتم بالطفل ويفحصه من حين لآخر موفرًا له ما يحتاجه لصحة جيدة.. والصغير كان هادئًا صبورًا وكأنه يقدر ما تفعله والدته من أجله فلم يشأ أن يكون عبئًا إضافيًا فوق أعبائها الكثيرة.
لم تصدق عينيها عندما ابتسم لها بعد أيام قليلة من ولادته.. أسرعت تخبر دكتور شريف الذي ضحك وقتها وهو يتأملها قائلًا:
- وكيف لا يبتسم من كانت له أم رائعة مثلك؟
توالت ابتساماته وضحكاته المجلجلة لها وحدها قبل أن يمنحها لدكتور شريف الذي بات مُغرمًا به كوالدته تمامًا حتى أنه كان يضحي من حين لآخر ويصعد الدرج الطويل حاملًا كل ما لذ وطاب للطفل الجميل الذي شعر بأنه مسئول عنه.
وصل دكتور شريف لتناول الغداء معهما كعادته كل عطلة أسبوعية.. استقبلته سالي بابتسامة مرِحة في محاولة للتخفيف عنه وهي تلاحظ سخطه والعرق المتصبب من وجهه المنهك.. لكنه ما كاد يدلف إلى الداخل حتى غمغم بضيق:
- ما هذا؟
فوق الجدار المواجه للباب مباشرة علقت صورة كبيرة جعلته ينسى عذاب الدرج وينتابه عذاب من نوع آخر.. عاد يردف بعد حين:
- أهذا هو..؟
- نعم.
- أنا لا أفهمك.. أمازلت مغـ....
- كلا.. محال بعد كل ما فعله بي.
- لماذا إذًا؟
- من أجل شريف الصغير ليس أكثر.. أريد أن يعرف الجميع أن له أب وأن لي زوج ولم أحمل به سفاحًا.. أريده أن ينمو طبيعيًا بلا عقد.. لقد بدأ يسألني عن والده.. فرح كثيرًا عندما صنعت له هذا الإطار الكبير.. دكتور شريف هل تتفهم موقفي..؟
بدا وكأنه في عالم آخر عندما تنهد في تهكم قائلًا:
- المُراهقة والضابط الوسيم.
- دكتور شريف.. أرجوك.
هز رأسه ببعض الأسى:
- أنا أقدر موقفك.. دائمًا أقدر موقفك.
تعجبت لكمّ الحزن البادي فوق قسماته والعصبية التي يتحدث بها كلما وقعت عيناه على الإطار الذي وضعت فيه صورة حبيبها السابق.. بدا وكأنه يسترق النظر إليه خلسة.. راودتها فكرة مجنونة.. ترى أيعقل أن يغار عليها..؟ هل وقع دكتور شريف في غرامها؟!
هزت رأسها بعنف وكأنها تطرد أفكارها خارجها.. خيالها بلا شك هو ما يصور لها ذلك.. اللعنة على هذا الخيال.. كل ما حدث لها من كوارث كان لكونها صدقته يومًا.. لكن لماذا فقد الدكتور شريف اتزانه..؟ ما سبب هذه العصبية التي طغت على سلوكه مؤخرًا؟
جاء إلى العيادة مبكرًا عن عادته.. حمل مُكعبًا كبيرًا من الشيكولاتة قدمه إلى شريف الصغير الذي نظر إلى والدته قبل أن يتناولها منه ويقبله شاكرًا.. قدم لها هي أيضًا مكعبًا مثله:
- أعلم أنكِ تعشقينها.
- أشكرك.. أما يكفي اهتمامك بطفلي..؟
- أنتما عزيزان جدًا إلى قلبي.
أزعجتها النبرة التي تحدث بها.. نظراته تحمل كلمات عجز عن نطقها.. تصنعت ابتسامة وهي تهتف بانفعال:
- مازال الوقت مبكرًا جدًا.. لم يأتِ أحد بعد.
- لقد جئتُ من أجلكِ أنتِ.
غمغمت في ارتباك:
- من أجلي أنا..؟
- سالي.. أريدك أن تكملي تعليمك.. ما رأيك؟
تهللت قسماتها قائلة:
- لقد فكرت في هذا الأمر ولكنني لا أعرف من أين أبدأ.
- لماذا لم تطلبي مساعدتي؟
أحنت رأسها قائلة:
- شعرت بالخجل.. لقد تحملت ما يكفي من أجلنا.. أخشى أن يصيبك الملل منا.
- أخبرتك مِرارًا ألا تتحدثي هكذا.
*****
- شريف حبيبي.. أين أنـ.......؟

ابتلعت حروفها جزِعة.. كان صغيرها قد أحضر كرسيًا صعد فوقه وراح يتأمل صورة والده بدقة وكأنه يحفر معالمها في ذاكرته.. الشبه بينهما يثير القلق.. تشجعت وتقدمت لتحمله قائلة:
- حبيبي ماذا تفعل؟ احترس قد تسقط أرضًا.
- ماما.. متى سيأتي بابا..؟
- عندما ينتهي من عمله يا حبيبي.
- ومتى سينتهي من عمله؟
احتضنته صامتة.. ترقرقت بعينيها دموع تحجرت منذ زمن.. يومًا ما عليها أن تخبره بأن والده مفقود.. ربما مات شهيدًا وهو يدافع عن أمن الوطن.. لكن ليس الآن.
دق جرس الباب فأسرع الصغير ليفتحه لكنه عاد إليها متذمرًا:
- أنتِ تغلقينه بالمفتاح ثانية.
- لأننى أخبرتك مِرارًا ألا تفتح للغرباء.
- إنه العم شريف.
- كيف عرفت؟
- لا يأتي لزيارتنا سواه.
أسرعت تفتح الباب وهي تشير إليه مُحذرة:
- وماذا لو كان لصًا؟
دخل دكتور شريف يحمل علبة كبيرة مُزينة وضعها على المائدة قبل أن يلتقط الطفل الذي تعلق به وهو ينظر إلى والدته في عناد قائلًا:
- أخبرتك أنه العم شريف.
- يجب أن تكون حذرًا.
سأل شريف وهو يتأملهما في دهشة:
- ماذا حدث..؟ لماذا تتعاركان؟
أجابه الطفل بلهجة المنتصر:
- قلتُ لها إنك العم شريف وهي لم تصدقني.. قالت أنكَ لص.
- ماذا؟
- شريف..!
- هل هذا التحذير لي أم للصغير..؟
ضحكت مستنكرة.. تأملها في حنان قائلًا:
- هيا.. سوف نحتفل الآن بنجاح ماما في الامتحانات.
أسرع الطفل بالقفز في الهواء كالبهلوان الصغير وهو يتقدم من العلبة وقد علم ما بداخلها ولكن والدته أوقفته قائلة:
- انتظر حتى نتناول الغداء أولًا.
- بطني صغيرة.. سأملأها من التورتة.
ضحك دكتور شريف بينما كتمت سالي ابتسامتها قائلة:
- لابد أن تتناول البروتين حتى تكبر عضلاتك وتصبح قويًا.. وقتها لن أغلق الباب بالمفتاح.
صمت الطفل قليلًا وكأنه يفكر بالأمر قبل أن تنفرج أساريره ويستسلم.
في وقت متأخر من اليوم ذاته.. ابتسمت لها المريضة الأخيرة مودعة حين استدعاها دكتور شريف:
- هل هناك حالات أخرى؟
- كلا.. كانت هذه آخر حالة اليوم.
هز رأسه بارتياح قبل أن ينظر إليها قائلًا:
- سالي أريدكِ في أمر هام.
نظرت إليه في تساؤل.. صمت قليلًا قبل أن يردف:
- سالي.. أتقبلين بي زوجًا؟
حدقت به في صدمة تعجب لها.. كانت تعلم أنه يهتم لأمرها بشكل مبالغ فيه.. خيالها أخبرها مِرارًا بأنه يعشقها.. ولكن.. هل تخشى أن تخسره للأبد..؟ فهي لم تخبره بالحقيقة كاملة.. كيف ستتزوجه ما لم تخبره بها..؟ وهل سيتقبل الأمر؟
- سالي ماذا بكِ؟
- أنتَ لم تعرفني جيدًا بعد.
- من قال هذا..؟ أنا أعرفك منذ سنوات.. صدقًا.. لم أرَ في حياتي امرأة مثلك.
أحنت رأسها وقالت بصوت أقرب للهمس:
- ولكن.. ابني...
- ألديكِ شك في حبي له؟ فهو ابني أنا أيضًا.
- أنتَ تعلم كيف أتى.. كيف حملت به.
- موضوع الزواج العرفي.. أهذا هو ما يقلقك؟
رفع وجهها إليه وابتسم في حنان قائلًا:
- سالي.. لقد فكرتُ طويلًا قبل أن أحدثك في الأمر.. أنا مقتنع تمامًا بك كزوجة لسـ......
قاطعته قائلة:
- لم يكن هناك زواج ولا حتى زواج عرفي.
- ماذا...؟
صمت قليلًا قبل أن يغمغم في ارتباك:
- أخبرتك سابقًا أن لا فرق عندي بين الزواج العرفي والـ.........
قطع عبارته توترًا.. فقالت بائسة:
- لماذا لم تستطع أن تكمل كلماتك؟
- سالي.. اسمعيني جيدًا.. منذ عملنا معًا وأنا مُعجب بكِ كثيرًا.. برغم صغر سنك فأنتِ أكثر من رأيت شجاعة وصبرًا وقدرة على تحمل المسئولية.. ربما أخطأتِ في الماضي.. لكنني لا ألومك أبدًا.. فقد كنتِ مُراهقة وحيدة لم تجد من ينصحها ويساندها.
تأمل رأسها المُنكس خجلًا وأردف في عداء:
- إن كان هناك من يستحق العقاب فهو ذلك الضابط المنعدم الضمير والأخلاق.. كان ناضجًا ويعمل في مهنة تستوجب منه الحفاظ على سلامة المواطنين وأمنهم.. لا أن يغرر بفتاة صغيرة مثلك.. مثله من يستحق الشنق.
ظلت صامتة.. رفع ذقنها لتواجهه ونظر في عينيها قائلًا:
- والآن.. هل تقبلين بي زوجًا؟
- إن كنتَ لازلت مُقتنعًا بي زوجة لك.
- غاية الاقتناع.
وضع خاتم الخطبة الأنيق في إصبعها.. توالت نزهاتهما معًا بصحبة الصغير الذي أعلن عن سعادته بالتخلص من صعود الدرج الطويل كل يوم والذهاب للعيش في منزل دكتور شريف الكبير ذو الحديقة الواسعة.. دكتور شريف وعده بأن يضع له فيها أرجوحة جميلة حتى يلهو بها.
سافرا معه لزيارة والدته في القاهرة.. ضحك دكتور شريف وهو يتأمل سالي التي أصرت على ارتداء نظارة داكنة ضخمة طوال الرحلة وإن كان قد أزعجه توترها الدائم و تفحصها المستمر لوجوه المسافرين حتى وصلوا أخيرًا إلى المنزل المنشود.
رحبت بهما والدته كثيرًا.. لم تعلق على وجود الطفل بالسلب أو الإيجاب.. كان لديها فكرة مُسبقة بأنها مُطلقة منذ فترة بسبب خلافاتها المستمرة مع زوجها.. لعنة الله على الزواج المبكر.. هكذا كان تعليقها على حديث ابنها الطبيب الذي تعشقه وتقدره.. كانت تثق في رجاحة عقله واتزانه وتتمنى من الله دائمًا أن يوفقه إلى الزوجة الصالحة وأن يرزقه أطفالًا يسعدون قلبه وقلبها حتى تطمئن عليه كما اطمأنت على أخته الوحيدة من قبل.








التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 26-06-20 الساعة 05:05 PM
أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس