عرض مشاركة واحدة
قديم 29-06-20, 11:29 PM   #4189

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل الاربعون

نحن أبطال أنقياء النفس عند البعض ...وسيّؤون أوغاد عند آخرين..

نحن الخير والشر حين يتصارعان... نحن الملاك والشيطان حينما يجتمعان...

نحن الأضداد والأقطاب التى يستحيل جمعها... وإن توحدت كنا الإنسان الذي خلق ليخطئ فيندم.. يصلح ويعود ليكسر...

نحن البشر خلقنا ناقصين لنسقط بعضنا يتوب وبعضنا يستمر مضلل ...





..........................

جلست فرح تطوي ركبتيها تحتها بينما رأسها كان كالعادة يستريح على كتف توأمها التي أخذت في تمشيط شعرها بأصابعها عيناها بلونهما العسلي المحدد بلون الزيتون كانتا في أشد حالتهما نواحاً وجذوة وهى تحدق في البعيد وكأنها تتذكر ما حافظة طويلاً على اخفائه ..

"لما أنتِ صامتة؟! قولي أي شيء يمنحني أمل أنها ستعود.."

من بين شفتيها العنيدتين تمتمت "لن تعود يا فرح، لقد عادت لجذورها أخيراً ولن تستبدلها بأي إغراء آخر"

همست فرح بحزن "لقد قالت أنها تفتقدكِ، أنا على ثقة أنهاستطالب برؤيتكِ قريباً"

غمغمت مرح بإيجاز "لن تفعل.. وهو لن يسمح بهذا"

قالت بإصرار "ولكنه وعد..."

قالت بخشونة "كما وعدت لورين بأنها لن تجعلني أفقدها, لذا تعاملي مع الأمر بنضج.. العالم لا يمنحنا كل أمانينا على طبق من فضة.. يفترض أن نكون نحن أعلم الناس بهذا"

ظلت فرح مستسلمة ليديها بصمت تزن كلماتها المقهورة في عقلها حتى قالت أخيرا بهدوء "لقد وعد أبي أنه سيعيدنا جميعاً قريباً إلى فلسطين، ووعده هذا يشمل أمل لذا إن حطمتِ الأمل في لورين عليكِ أن تثقي في أبي قليلاً"

قالت مرح ببرود "متى ستفهمين يا فرح أن وعد أبيك مجرد حلم مستحيل لداء نكسة طويل.. نكسة عانى منها الآلاف مثلنا.. ربما علاج قهرنا هذا وراء نكستنا لن يشفيه إلا دواء العودة..ولكنه عزيزتي دواء شحيح الأمل إذ أن جميع الأطباء تخلوا عنا "

قالت فرح ببهوت "لا نحتاج لأحد.. أبطالنا هناك هم من سيأتون لنا بنصر قريب"

ابتسمت مرح بهم وحزن شديد ثم همست "كم آمل أن يأتي هذا اليوم، ولكن مع تكالب كل الأوغاد علينا وتآمر من يطلق عليهم أشقائنا في العروبة، أعتقد أنه حلم مستحيل وطريق مظلم موحش يحتاج لسنين من إشعال الضوء فيه حتى نعبر للأمل"

"سنعود, لن أتنازل عن هذا الحلم سنعود لأرضنا وقريتنا ولبيت أجدادنا ليلتئم جرحنا مع عيسى صقرنا الجارح، هل ما زلتِ تذكرينه؟!"

لم ترد مرح بشيء, وماذا قد تقول أو تخبرها عندما صدقت وعد أبيها وآمنت بحلمه، وتبعته لهذا البلد الغريب ذو البيئة المختلفةعن كل شيء كبرت عليه.. كانت كل آمالها كبيرة، ولكن الآنوبعد مرور كل هذه الأعوام ولم يستطع أحد فيهم حتى العبور وراء الحاجز الناري المحاط بأسلاك عاتية من حقير مغتصب.. تجد أن كل أحلامها تموت دون أن تجد أمل واحد يحيها وكل عزيمتها تخبوا متسللاً إليها صوت باطل بأن لا تأمل يوماً بحصولها على حقها في عودة لجذور اشتاقت لها روحها المعذبة التي شردت دون حق وزرعت في تربة باطلة نفرتها من أراضيها...

عندما طال صمت مرح همست فرح بإصرار "ستعود أمل.. آمني بالحلم المستحيل ولا تتخلي عنه الآن.. هذا كل ما تبقى لنا يا مرح"

حركت مرح عينيها الموجوعة في أرجاء المنزل، تحدق في الألعاب المنثورة هنا وهناك, تتخيل ربيبتها تجري هنا تضحك وهناك تحبو في ذاك الزمن وتستند على هذا الحائط، تتعثر في ذلك الجانب بأول خطواتها لتنشر في أرجاء منزلهم الجديد بهجة لم يعرفونها وفرحة لم يخوضوا تجربتها, وترابط وتضامن فقدوه سنين طويلة عجاف، لم تشعر بدمعها الساخن الذي هبط على وجنة فرح يلهبها بحزنها حتى مدت فرح يدها تكفكف دمعها وهي تقول "المنزل أصبح كريهاً وكأننا عدنا لنفترق.. ما عاد فينا أحد قادر على النظر في وجه الآخر"

قالت مرح بصوت متحشرج "لقد أخذت معها كل شيء، ليت والدكِ ما فرط فيها.. لا أريد أن أصبح قاسية ...الا أني أشعر أنه عاد ليكرر أوجاعنا ويفرق شملنا"

خرج أيوب من غرفته يمسك سبحته بين أصابعه ينظر إليهما بوجع بلغ مداه ثم قال أخيراً بهدوء "أعدت الحق لأصحابه يا مرح، لقد استولينا على صغيرته كالسارقين لوقت طويل.."

قالت مرح باختناق "أمل لم تكن حقه، ولا حتى حق لورين.. إنهاابنتي أنا"

قال أيوب بقوة "لا ليست ابنتكِ، ليس لكِ فيها أكثر من رعايتكِ لها.. لا تكذبي الكذبة وتصدقينها يا مرح.. كذبة أطلقتها الغربان السود يوم أخذوكِ مني، قائلين أنكم أبناء أميركا وليس لي فيكم شيئاً"

هتفت ببغض "كيف تشبه الأمر؟!"

قال أيوب دون أن يفقد هدوءه "لأنه كذلك بالفعل, نحن تبعنا كذبة أختكِ أربعة أعوام وبنينا ملكيتنا للصغيرة على هذا الأساس، لنصدم بعدها بواقع مريع وموجع، الفتاة لم تكن لنا بالأصل إذ أن لها أب يريدها أكثر من حياته ذاتها.. أب سيمنحها ما عجزتُ عن أن أعطيه لكم حتى هذه اللحظة"

نظرت له مرح بعين ميتة وهي تقول "لن يمنحها أكثر مما أعطيناه لها"

أطرق أيوب برأسه وهو مستمر في تمرير سبحته عبر أنامله يستغفر الله ويطلب منه العفو جهراً وسراً حتى قال أخيراً بقهر لون حروفه "سيعطيها أكثر من حنان أبيها أيوب، وشيء أكبر من بيته الذي احتواها.. أمر أعظم من حب والدتها وخالاتها.. لقد زرعها في منزل أكبر ويحيطها بدفء أشمل وانتماء ليس له حدود.. سيعطيها وطن.. وطن حُرِمنا نحن منه تجبراً"

تغضنت ملامحها بحزن كبير وبأسى لا يحتمل ثم قالت بغصة تكورت في حلقها "وهل هذا ذنبنا يا أبي وهل لنا في موتنا اختيار؟!"

أغلق أيوب عينيه بقوة ثم قال بمرارة "لم يكن ذنبنا ولكنه قدر كتب علينا كما أهلنا.. ولأننا نعرف وجع النزوح وفقد الأرض سنقبل بكل ترحاب أن لا تتبع أمل مصيرنا المعتم"

ظلت مرح تنظر إليه لدقائق بوجع شديد حتى قالت أخيرا "فقط اشتقت إليها.. أريد أن أضمها إليّ.. فراقها صعب ومتعب للغاية يا أبي"

اقترب أيوب وجلس بجانبها ثم شدها تحت جناحه وهو يقبل رأسها بحنان ثم قال بخفوت "إنها تحدثكِ في اليوم أكثر من عشر مرات يا مرح!"

"لا يكفي... لا يكفي"

قال أيوب بصوت إخشن بالعاطفة "ولا يكفيني أيضاً, والله إنها تنافس محبتكن في قلبي.. إنها صغيرتي التي أقسمت أنأعوضها كل ما لم أستطع منحه لكم ولكن يا مرح هي اختارت جانب أبيها.. روح الصغيرة تفتقد شيء وتتوق لأمر كان أكبر من أن نمنحه لها نحن"

قالت بألم "لورين السبب.. هي من أصرت على أن تعلمها كل شيء عنه"

قال أيوب بهدوء مدرك أن ألم الفراق هو ما يدفعها لذلك الاتهام "لورين فعلت أمر صحيح واحد وسط كل تجبرها، هل كنتِ تريدين لابنة أختكِ أن تكبر وهي تجهل أبيها كاللقطاء؟!"

كفكفت مرح دمعها قبل أن تقول "لا أريد لها هذا بالطبع..."

قال أيوب "إذاً كفاكِ حزناً على الأطلال وابعدي عن تفكيركِ تلك الأفكار التشاؤمية.. ما زلت أحتاجكِ بجانبي.. أن أتعكز عليكِ يا مرح"

ابتسمت مرح بنوع من القنوط قبل أن ترفع عينيها تنظر إلىعينيه وهي تقول بخفوت "لماذا لا نعود لبلدنا ونختفي هناك ونرفض ببساطة الخروج منها يا أبي.. لقد تعبت الروح من التشتت؟!"

بهتت ملامح أيوب للحظة قبل أن يقول بقهر بلغ مداه "وهل تظنين أن المئات لم يفكروا مثلكِ.. الأمر مستحيل يا مرح فهؤلاء الشياطين معدومي الشرف والضمير لن يتركونا ببساطة.. لا أستطيع المجازفة بكن"

قالت بإصرار غافلة عن كل الحقائق المعتمة "نحن نقبل تلك المجازفة حتى وإن متنا برصاصهم كما كل الشهداء.. ستصبح قصتنا ذكرى تخلد في تاريخهم الأسود وتزيد من جذوة المقاومة كما أنه دليل آخر أمام المجتمع الدولي عن مدى حقارتهم وخستهم"

قال أيوب بتشدد "وهل تعتقدين أن دمائكِ هي من ستقيم المجتمع الدولي ضدهم والذي بالفعل يعرف فظاعاتهم وجرائمهم.. الأسبوع الماضي فقط قتلوا طفل لم يبلغ عامه الحادي عشر يمشي في الشارع بسلام بحت يبتاع لوالدته بعض البقالة..."

ارتجفت شفتاها كما بكت عيناها وصدرت عن فرح شهقة مكتومة وهي تهمس "لماذا؟ ما الذي فعله؟ هل قتلوه لمجرد رميهم بحجر؟!"

قال أيوب بمرارة تشق الحديد شقاً إن سمعها "لا .. بل لأن أحد الأوغاد تراهن مع جندي آخر أنه يستطيع أن يصيبه على بُعد أمتار بعيدة ودون تردد عزم ونفذ وكسب رهانه"

قالت مرح بروح قتالية مقاومة لا تحتاج لأن تكتسبها أو أن تربى عليها ولكن هي تولد معهم، تتواجد في دمائهم مهما تكالب عليهم الزمن أو الطغاة "سأموت إذاً وأنا أحمل سلاح مثل باقي أبطال المقاومة لن أجعل دمي يذهب هباءً"

ابتسم أيوب بشحوب رغم كل الوجع فخراً بأن أولاد أيوب لن تنضب روحهم القتالية أبداً ولم ينسيهم كل ما رأوه في بلاد الغرب قضيتهم التي ولدت معهم ثم قال بحكمة "ليس عليكِ حمل سلاح لتحاربي تحت علم بلادكِ.. فكل فرد منا يحارب القضية بطريقته ومن منظوره... المهم أن يبقى اسم فلسطين عالياً يتردد بصخبه وسط كل محفل دولي"

ما لم يكن يتوقعه أيوب إطلاقاً رداً على جملته العادية والحكيمة أن تقفز مرح من جانبه تنظر إليه بحقد وبغض بلغ مداه حتى كادت تحطم بنيرانها المعمية كل ما حولها.. ثم هتفت بسطوة "إياك وأن تردد هذه الجملة أمامي, هذه حجة الخونة الخانعين من ارتضوا بأن يحملوا جنسية العدو ويكبروا بينهم ويتطبعوا بهم"

عقد أيوب حاجبيه ينظر إليها بدهشة ثم قال "وماذا تعرفين أنتِ عنهم لتطلقي حكماً ظالماً كهذا.. إن كنتِ تقصدين عرب الثماني والأربعين فأنتِ مخطئة يا مرح بل هم بقوا علي عدائهم وولائهم لبلدهم رافضين أن يغادروا ديارهم بل وجدوهم هناك يقرون بما لا يقبل الشك حقاً في أراضينا وعروبتنا وأصولنا وامتلاكنا نحن لفلسطين وليس كما يحاول بعض الحقراء أنها أرض اليهود بتاريخ مزيف"

صرخت فيه باقتضاب "بل أعرف أكثر مما تعتقد أنتَ.. أعلم كم هم خسيسي النفس يتربصون بضحاياهم ويحيكون أكاذيبهمويقسمون الظهر بخيبة الأمل فيهم, محطمين قلب صبية اعتقدت فيهم ملاذاً تحتمي فيه من عدو يماثلهم حقارة!"

وقف أيوب ببطء يحدق فيها بحرص وتشكك ثم قال "عمّاتتحدثين؟ أعتقد أن الأمر أخذ معكِ منحنى آخر!"

توسعت عيناها برهبة واهتزت بعمق عنيف وكأنها أدركت ما تفوه به لسانها بمكنونات قلب محطم كانت قد أقسمت على مسحه حتى لا يبقى من أثره شيء ثم قالت وهي تهم بالهرب دون تردد "لا شيء.. أنا فقط أعتقد أني تأثرت بآراء بعض من أسمع لهم، أو أقرأ في كتاباتهم.. أنا متعبة.. تصبح على خير يا أبي"

ثم دون تأخير كانت تنصرف من أمامه تاركة عينيه كما تفكيره يحدق في أثرها وكأنه يبحث في جوانب مشكلة وكارثة عويصة ليس لها حل.. لورين محقة فمرح بالفعل أكثر بناته تعقيداً بما تحمله من أسرار دفينة ترفض بكل قوة البوح عنها متظاهرة بكل عاكس لما تخفيه بداخلها ..

********



تحركت عيناها الصلبتان على صور متحركة لابنتها تمررها ثانية بثانية.. تتأمل شغبها وشقاوتها حتى ينتهي وتعيده مرة أخرى تعقبها مرات وهي تحدق فيها دون أن يرف لها جفن، وإن كان قلبها يأن بنزيف داخلي لا ينضب أما كلمات مرح التي سمعتها منذ قليل كانت تذبحها من الوريد للوريد دون رأفة..

أسبوع مر الآن.. سبع أيام كاملة منذ أن نُزعت منها وهي تقف عاجزة غير قادرة على منعه من تفريقها عنها.. أسبوع كامل طويل ومعذب منذ آخر مرة رأتها عيناها الداميتان وهي تلوح لها بوداع غير مترددة، أو باكية بل إلتفت حول والدها بتشدد تحثه على الرحيل، تؤكد له بكل الطرق أنه أولى بها منها هي.. همست لورين وهي تتلمس صورتها على شاشة الهاتف "كيف استطعتِ بسنكِ الصغير هذا الانتقام مني يا أمل.. لقد صفعتني يا صغيرتي.. حطمتني كما لم يفعل أحد من قبلكِ.. أين لهفتكِ عليّ عندما كنت أُفارقكِ ليلة واحدة.. أين اتصالكِ المُلِح مطالبة بعودتي إليكِ سريعا.. لقد افتقدتكِ يا أمل، قلبي مقهور يا صغيرتي لفراقكِ.. كيف استطعتِ الابتعاد عن قلبي الملتاع؟!"

فغرت لورين شفتيها المرتعشتين تتحركان لتشكلان حروف اسمها بلوعة وهي تتذكر أن ابنتها لم تحاول أن تسأل عنها مرة واحدة أو تطلبها ولو لمرة واحدة منذ رحلت وكل وصالها يتمحور حول جدها وخالتيها، تسمعها بقلب مفطور تثرثر لمرح عن تفاصيل يومها مع أبيها، ثم تمنحها أشواقها وقبلاتها الصغيرة وبعدها تنصاع لوالدها وتغلق الهاتف دون أن تبدي أي نية للسؤال عنها.. أما هي كانت من الجبن حتى هذه اللحظة أن تتجرأ وتطلبها بنفسها.. همست بلوعة "هل تعاقبيني يا أمل على سنين اهمالكِ كما أنا عاقبت والدتي على تفريطها فينا وعودتهالأبي.. هل تعيدين الصفعة القاسمة العادلة لي؟!"

عيناها كانتا جامدتين واقفتين رافضة لأن تبدي أي ضعف يلهب صدرها بالفعل وكأنها تعاقب نفسها بقسوة مظلمة, ما زالت تكلفها الكثير وتستنزف منها ما لا طاقة لها به ولكنها هكذا شُكلت وهكذا وُجدت وهكذا علمتها الحياة والتجارب المرة بأبشعالطرق...

حركت يديها ببطء وكأنها تجبر نفسها على منحها الألم أكبر من أن تتحمل دواخلها على آخر صورة أرسلتها لها إسراء لصغيرتها داخل منزل عمتها، تبدو صغيرتها كما عادتها صلبة, قوية ولها سلطة تصيب القلب بنغزة مبهجة، تجلس وسط أبناء عمتها تأمرهم بشيء ما حول لعبة يتجمعون حولها وتحتضن تحت ابطها دب أسود بشع للحقيقة في لونه وتشكيله..

ابتسمت رغماً عنها وأخيراً غلب جفنيها المثقلين بالدموع لتهبط منهما دمعتين كالسعير المحترق جعلها تطلق آه خافتة موجعة وهي تنهى مرتجفة "النظرة للحياة لا تتغير مهما أصلحنا من أنفسنا.. تبقى مترسخة داخل أرواحنا العليلة.."

وضعت ساعدها علي وجهها تحجب عينيها بحرقة متذكرة صورة من بين الذكريات المحجوبة وراء حائط النسيان الوهن وهي ترتدي فستان زفاف مبهر تجلس على قدميه فوق مقعده المتحرك يدوران ببهجة وسعادة حقيقية ثم إذا به يدس في إصبعها خاتم من الألماس الأسود "أسود يا ممدوح... أسود ليلة عرسي؟!"

تذكرت إجابته التي عصفت بها, عينيه المتألقتين بسعادة, ضمه الدافئ لجسدها, صوته المفعم بعشق وكأنه لم يعرف نساء أبداً من قبلها.. بل هو بالفعل لم يعرف امرأة قبلها ولم يحب أحد مثلما فعل معها ولم يثق في بشر كما وثق فيها ولكنه بالنهاية ذبحها على مقصلة ضبابه وعلله..

"وكأنكِ لم تفعلي قبله؟!" همستها بغصة وباعتراف صادق رفضت لأعوام الإقرار به، ولكن كان لها مبرر وأهداف شديدة الإنسانية, لقد محنته فرصته كما وعدت, لقد أنصفته وأخرجته من ظلال رماها هو فيها ونجا بنفسه بل وعاد ليسلبها الشيء الوحيد والمكافأة التي استحقتها بعد كل ما نالته من قتامة روحه...

من قال أنها لم تحب ابنتها.. كيف تجرأ الجميع الآن على الإشارة إليها بإصبع الاتهام غير المنصف، لقد عشقت صغيرتها منذ أن كانت مجرد نطفة بين أحشائها.. لطالما تكلمت معها, وعدتها بالكثير وعاهدتها أنها ستكون صاحبتها الوحيدة التي ستعينها على حياتها القاسية ولكنها فشلت.. فشلت ليس لقسوة منها إنما هو الخوف من المجهول, الرعب من خيبة أمل قد تمنحها إياها، الذعر من ماضي لم يتركها تهنأ كما البشر.. لقد ارتعبت من أن تتعلق بها كما فعلت نسرين ثم تهملها.. لا.. اعترفي جزء منكِ كان كاره للطريقة التي أتت بها ابنتكِ.. جزء حاقد وضغينة لم تتخلصي منها كانت ترهبكِ كلما نظرتِ إلى عينيها وتذكرتِ عينيّ والدها الذي لم تحبي يوماً سواه..

"تباً.. تباً.. هذا كذب.. ها قد عاد بروحه البغيضة يسيطر على تفكيركِ.. أنتِ لم تحبي هذا الرجل أبداً بل كما وصف أوهمتِ نفسكِ بعشقه حتى تمنحيه ما عجزت ِعن منحه لأبيكِ في الماضي.."

ضغطت على عينيها بقوة تعتصرهما عصراً ثم هتفت شاهقة بغصة عنيفة "لماذا عدت, لقد كنتُ قد تخلصت من وشمك بداخلي، كنت سأكمل حياتي من بعد تجاوز ماضيكِ البغيض الذي خلفته بداخلي.. لماذا عدت وسلبتني آخر ما تبقى من لورين القديمة التي كانت تتلهف لحياة عادلة مستقرة مع ابنتها.. صغيرتي الحلوة وشديدة الذكاء.. ذكاء مكروه كان نقمة عاتية جرفتني وحطمتني, إرث شديد البغض ورثَته عنك وعني وليتها ما فعلت.. ليتني ما أخبرتها الحقيقة لليالٍ طويلة فور أن بدأت في إدراك محيطها.. ليتها كبرت على اعتقاد أن مرح أمها وجدها هو أبوها.. لماذا كنت من الغباء أن أُعرفها عنك وأذكرهامرار أنها ابنتي أنا وكأن معرفتها بأني أمها نفعت بشيء.. لقد نفرتني وأحبتك أنت دون أن تقدم لها شيء أو أي محبة.."

انتفضت لورين من مكانها وكلها يرتعش بضعف, لا ما عادت تقدر على التمسك بجمودها أكثر, ما بقي فيها طاقة للمقاومة.. تريد صغيرتها وتشتاق الروح لسماع اسمها متلعثم من فمها, يريد الفؤاد أن يسكن بوعد آخر تمنحه لها باشتياق وعوده حتى وإن كانت وعود خادعة..

ضغطت دون تردد على رقم عمتها تنظر للهاتف مرتعشة وكأنه سينفذ فيها حكم سيعيدها للحياة أو يئدها حية..

"مرحباً لورين, كيف حالكِ؟!"

ابتلعت لورين ريقها الجاف ثم قالت بصوت خشن إثر بكائها المكتوم "أريد أمل يا إسراء"

تنهدت إسراء بجفاء قبل أن تقول بنبرة باردة "وكيف سأمنحكِ تحديداً شيئاً لا أملكه.. لورين إن كنتِ لا تعلمين فممدوح رفع قضية منذ ثلاث أعوام وحارب طويلاً حتى يثبت للمحكمة أن تلك الوصاية كنت مجرد ظلم طاله وبالطبع أنا شهدت معه وببساطة تحرر من قيوده الخادعة و..."

قاطعتها لورين بيأس "لا أنتِ فهمتني خطأ.. أنا فقط أريد سماع صوتها... إنها... إنها تجافيني رافضة التواصل معي"

عقدت إسراء حاجبيها قبل أن تسأل بخفوت حريص "تجافيكِ؟!ابنتكِ التي لم تكمل أعوامها الأربع تخطط وتجافيكِ.. بالله عليكِ هل تسمعين نفسكِ؟!"

بدا صوتها متلعثم وبائس للغاية وهي تهمس "ربما هذا صحيح, ولكن ثقي بي أمل ربما أصغر من أن تفسر مشاعرها أوتتحدث عنها ولكن أفعالها تقول الكثير.. إنها تعاقبني لإهمالها.. ألم تردد لك مطلقاً بأنني مشغولة؟!"

قالت إسراء بتفكير "أمممم نعم، إنها تخبر الجميع وليس أنا فقط, دائماً ما تكرر أنكِ طبيبة ومشغولة لذا هي تحب والدتها مرح"

قالت بصوت أجش "بالضبط, أرأيتِ هذا ما أقصده.. لقد سلمت بأمر وجودها معي تحت رعاية والدي وأخواتي وبأنني من المستحيل أن أفقدها، اعتقدتُ بغباء أنها لن تحتاج لأن أخبرهامراراً كم أحبها ولا أستطيع البعد عنها أو فقدانها, لقد تغافلت عن مشاعرها، مصرة على أن أمنحها ما تحتاجه مني بطريقتي وفي حدود المعقول"

قالت إسراء سريعا بجفاء "لماذا لا أتعجب من هذا.. تلك ليست مرتكِ الأولى يا لورين.. ربما لو كنتِ اهتممتِ ولو قليلاً بشرح مشاعركِ للآخرين وأهدافكِ الحقيقية من وراء أفعالكِ الجنونية لكان تغير الكثير وما كنتِ حطمتِ كل إنسان أحبكِ واعتقد فيكِ طوق نجاته"

شعرت لورين بلكمة عنيفة تضرب معدتها، بخنجر تلم يوجه إليهابشكل مدروس وبعناية شديدة ولكنها قالت بصوت أجش قوي "ربما أنا من خُدعت في هذا الإنسان الذي تقصدينه وما فعلته كان الصحيح تماماً لكي أستيقظ من تلك الورطة التي أوقعت نفسي فيها"

قالت إسراء ببرود "لقد كان محقاً, أنتِ لا أمل منكِ أبداً, قصة وانتهت, نقطة وآخر السطر.. لذا سأخبركِ بكل عملية، ابنتكِ نائمة الآن.. تستطيعين الاتصال بها غداً في الصباح الباكر"

جوابها ضرب قلب لورين كطعنة سكين قبل أن تهتف بغضب "ما الذى تقولينه بالضبط.. أريد ابنتي.. لقد تعهد أخوكِ بأنيأستطيع الوصول إليها في أي وقت أريده!"

قالت إسراء بهدوء بارد "كما تعهدتِ أنتِ لي شخصياً بأنكِ لن تجرحيه ولن تغدرى.. وكما أخبرتنى بوضوح عندما سألتكِ عن احتمال حملكِ منه بعد هجركِ له بأنه لم يرغب في أطفال.. ثم أكتشف بعد كل هذا أنكِ كذبتِ أيضاً.. لورين بمصداقية أنتِ تذكريني بنموذج امرأة مضطربة ومكروهة..."

هتفت لورين صارخة "هل تعاقبيني يا إسراء.. هل تريدين تكرار ما فعله والدكِ الحقير مع والدتكِ؟!"

الآن قد نالت من إسراء بشكل واضح وطعنتها بوجع لم ينسى ولكنها تمسكت بهدوئها وهي تقول "أنا لا أُعاقبكِ.. ابنتكِتتواصل في أي وقت مع أختيكِ ووالدكِ وليس لدينا أي نية في إدخال أمل في صراعات محطمة ولكني أنا أُخبركِ يا طبيبة يا عاقلة أن الوقت غير مناسب لأدخل على أخي غرفته وأيقظ ابنتكِ ذات الثلاثة أعوام مسببة لها الجزع لأن والدتها المصون تمر فجأة بحالة عاطفية غير مفسرة بعد أسبوع كامل من فراقها لها وبناء على كل معطيات شخصيتكِ، وما تسرده عنكِ ابنتكِستعودين بعد إشباع حالتكِ العاطفية تلك لنسيانها وستوجعينها بأبشع الطرق"

فغرت لورين شفتيها بألم ثم همست "هذا غير عادل.. وظلم بيّن لي"

قالت إسراء بخبث "إذاً أثبتي العكس.. إمنحي نفسكِ وابنتكِ الثقة في أمومتكِ.. المكالمات الهاتفية لا تبث إلا مشاعر باردة جليدية، لا تفضح لهفة العينين ولا حرارة القلب المشتاق"

همست بتوتر "ماذا تعنين؟!"

قالت إسراء بضجر "بالله عليكِ أي طبيبة شديدة الذكاء أنتِ أمأن الغباء يصيب عواطفكِ فقط؟!"

صمتت لورين.. لا يجمع بينهما إلا أنفاس ملتاعة عبر الأسلاك الهوائية حتى قالت أخيراً محاولة استجماع المتبقي من عقلها المتدهور "إذاً خلاصة قولكِ بأنكِ لن تجعليني أحادث ابنتي الآن؟!"

امتعضت إسراء قبل أن تهمس بحسرة بطريقة الأخوات الحانقات الشهيرة ثم قالت "بالله ماذا أحب فيكِ أخي.. ولكن من ماذا أتعجب ومنذ متى قام المحروس باختيار أي شيء جيد في حياته البائسة كلها.. دائماً ما كانت اختياراته كما وجهه العكر؟!"

أطلقت لورين نفس مبهور عاجزة عن الرد بينما تسمع تأوه خافت من جانب إسراء وشتيمة حانقة من الواضح أنها موجهة لشخص ما جانبها والذي لم يكن إلا مراد الذي لكزها في خصرها محذرها أن تتمادى في تعذيب المرأة المقهورة على ابنتها..

حتى قالت إسراء أخيراً باقتضاب "في الصباح الباكر سأتصل بكِ يا لورين لتحدثيها صوت وصورة, أما الآن أنا بصدق آسفة من أجلكِ ولكن ممدوح يقيم حواجز كريهة حول الفتاة.. إن حاولت أن أقترب منها الآن قد يستيقظ وينقض عليّ محطماً وجهي"

"ولماذا قد يفعل هذا؟!"

قالت إسراء بقنوط "لم يقدر بعد على تخطي حادثها.. أعذريه.. أن يعرف بأن لديه ابنة وبنفس الوقت يواجه أسوأ شر كان في نفسه ينفذ فيه.. كلا الأمرين كانا قسمة وصدمة أكبر من استيعابه"

قالت لورين بألم "فقط أخبريها أن لولو تشتاق إليها, تبكي كل دقيقة لوعة على فراقها.. حديثها بأني أحرت لها الكثير من السيارات والشوكولاتة.. قبليها من أجلي وضميها بقوة نيابة عني.."

رقت إسراء وهي تقول برفق "سأفعل وستخبرينها أنتِ بنفسكِ عندما تحدثكِ"

عم صمت نسبي بينهما حتى قالت لورين أخيرا بنبرة غريبة "قد لا تستطيعي الوصول إليّ حينها يا إسراء إذ كما تقول أمل أناامرأة مشغولة.. مشغولة جداً في أمر تأخرت في محاربتي من أجله.."

لم تلتقط إسراء معاني جملتها تماماً بل أصابها اليأس وهي تقول ببرود "على راحتكِ.. وداعاً"

ثم أغلقت الهاتف بحنق وهي تستدير نحو زوجها الذي ينظر إليها رافعاً حاجبيه ببراءة مستفزة ثم قال "ممدوح محق.. دور الدجاجة الأم التي تحيط صغارها لا يليق بكِ"

قالت بحنق وهي تضع الهاتف جانباً "لماذا ضربتني؟!"

قال مدعياً البراءة "أنا؟!"

قالت بحنق وهي ترفع شعرها بين كفيها تربطه في دوائر صارمة تثير الغيظ "نعم, لقد تركت أثرها على فكرة"

قال مراد ببرود "ربما لأنكِ كنتِ قاسية وباردة للغاية وكأنكِ لا تشعرين بها.. بحق الله مهما كان غيظكِ منها إنها أم تعاني فراق ابنتها!"

قالت إسراء بمكر "بل هي عنيدة صلدة كما ذلك الغبي أخي, لذا القليل من التلاعب والتدخل الحريص لن يضر"

قال مراد بهدوء وهو يخلع نظاراته يضعهم جانب أحد المخططات التي كان يدرسها سريعاً "الأمر أكبر بينهما من أن يحله بعض الخبث الأنثوي.. بعض الحكايا إغلاقها أفضل لكلا الطرفين"

قالت إسراء "ولكنه ما زال يحبها"

قال مراد بهدوء "ولكنها أثبتت بما يقطع الشك أنها لم ولن تحبه.. فهل نجبرها على العودة إليه مستخدمين ورقة ابنتها.. بغض النظر عن أن هذا ظلم لها فهل تقبليها على أخيكِ أن يعيش مع امرأة مجبرة على تقبله من أجل ابنتها فقط؟!"

رفعت إسراء الغطاء ثم انزلقت تحته وهي تقول بلهجة عادية "اسمع يا مراد امرأة مثلي تفهم لورين جيداً, إذ أني أيضا كنت أملك من الغباء ما لم ينافسه أحد وأنا أُهرتل هنا وهناك مدعية كرهاً عظيماً لك, لم أحمله من الأساس بل اكتشفت بالنهاية أني عشقتك حد النخاع منذ أول يوم في زواجنا أو لأكن واقعية عبر أيام وشهور من عشرتي معك ولكن بالأخير كنت أحبك بقوة رغم إنكاري المستميت"

نظر إليها مراد بصمت شاعراً بإحساس أجوف قليلاً..

"آسفة, لم أكن أعلم أن ذكر الأمر ما زال يزعجك" همست إسراء بينما يدها تمتد تلتف على خصره في مباردة لتقارب معتاد بينهما..

وضع مراد كفه على ساعدها برقة ثم قال "هو مزعج بالفعل ولكننا تخطيناه منذ زمن, إنه فقط رد فعل طبيعي.. دعينا الآن في أخيكِ أكررها لكِ الأمر مختلف كلياً إذ ما بيننا كان أزمة ثقة يسهل حلها أما هؤلاء الاثنين ما بينهما كسرة كبيرة وجروح أكبر من أن يستطيعا أن يجعلوها تلتئم"

قالت إسراء بقنوط "ولكنه يحبها, أنا أعرف أخي هو لم يتخطى عشق لورين قط"

قال مراد بصراحة مطلقة "لورين لا تنفعه يا إسراء.. نحن رجال ونفهم بعضنا إذ أنها نالت من رجولته بكل تجبر وليس مرة أو اثنتان بل مراراً وليتها فعلتها سراً فيما بينهما.. ولكنها جاهرت بكسرها له... أخوكِ بالأصل مكسور وكان يعافر ليجبر نفسه فأتت هي وحطمت البقية"

قالت إسراء بأسى "ولكن هو لن يقدر على التقرب من غيرها.. ممدوح لديه عقدة يا مراد ولن يخاطر بأن يأتي بزوجة أب لابنته, كما أن أمل تستحق تلك التضحية"

قال مراد بهدوء "ممدوح يحتاج لامرأة هادئة تربت في بيئة حانية.. امرأة تمنحه دفء يحتاجه وتعطيه محبة غير مشروطة، تتفهم معاناته وتهبه الصلاح الذي يتوق إليه.. ولورين رغم إعجابي بها لا تصلح لكل هذا إذ أنها بالفعل ذات جراح وعقد يصعب علاجها, امرأة صلبة قوية تتعامل ببنية شديدة أمممم وبصراحة أشعر أنها باردة كجليد القطب الشمالي"

قالت إسراء بغيظ "تباً لك أنت وتفحصك وتفهمك لكل أصناف النساء"

ضربته على صدره بقسوة ثم انسحبت تمنحه ظهرها وهي تغلق الأضواء من زر جانبي رافضة الاستمرار في مناقشته..

ضحك مراد وهو ينحدر تحت الغطاء مندس فيها محاول مراضاتها وهو يقول "هل تغارين يا دجاجتي الشرسة؟!"

"نم يا مراد ودع الليلة تمر على خير بدل من أن أقم بفعل جنوني لن يعجبك!"

شد ربطتها المريعة فوق رأسها ثم قال ساخراً "منذ أن أشهرتِ ربطة النكد تلك وكنت أعلم أنها ليلة منحوسة"

"أنا نكدية؟!"

"هل تسمعين ما يناسب مزاجكِ فقط.. إذاً نعم أنتِ نكدية كما كل زوجة مصرية أصيلة يا نكد"

التفتت إليه بحدة بين الظلام ثم دبت على صدره بحنق وهي تزمجر "اسحبها حالاً أيها ال.. ال.. العجوز"

رفع طرف فمه مطلقا صوت طويل وقح استنكاري وهو يقول "نعم.. من العجوز هذا يا دجاجة؟!"

قالت ببرود "أنت ومناداة مريم لك بعمي خير دليل"

تمتم بغيظ "تلك المدللة الآفة ال.... ماذا أقول عنها بعد؟!"

رفعت حاجبيها في الظلام وهي تقول بخبث "أنت عجوز بالفعل, هي لم تكذب.. أممم يمكنك إثبات عكس هذا لي.. إن لم تنتبه فأنا ذكرت بأني أعشقك عدة مرات ولم تقبلني!"

التفت مراد بعيداً عنها تارك مساحة آمنة ثم قال "مع (قمطتكِ) تلك الله الغني.. لفظ عجوز أفضل من مواجهة وحش النكد فوق رأسكِ!"

اقتربت تدب على صدره بحنق جلل "أنت أصبحت مغيظ وتغيظني الآن وكأن الجري وراء أولادك طوال النهار لا يكفيني"

قال مراد ببرود وهو يبعد يديها عن صدره وكأنه يبعدها بالفعل كالدجاجة "لذا من الأفضل أن تنامى أنتِ و(قمطتكِ) تلك قبل أن آتي بالمقص وأُخلصكِ منها تماما"

كم أصبحت تعشق مناغشاته الثقيلة والوقت الذي يمنحه لها ثم حضنه الدافئ وتربيتته العطوفة التي تزيح عنها كل شقاء النهار والإرهاق غير الطبيعي بين صغارها..

اعتدلت إسراء مرة أخرى ثم خلعت قميص نومها القطني المريح ببطء شديد أمام عينيه المتلاعبة التي عدلها لتلاقي خبث عينيها ثم رفعت نفسها موازنة جسدها لتشرف عليه من علو وهي تقول بميوعة "أحضره إذاً.. لقد أصبح شعري طويل بالفعل ويزعجني.. ها أنا جاهزة.. لا تتردد.."

مد مراد ذراعيه سريعا ملتقط جسدها الذي ازداد وزنه بشكل يناسب إنجابها لثلاث مرات، ثم أجلسها فوقه وهو يقول ببطء "أرني إلى أين استطال.. لم أُلاحظ يا دجاجة"

ضحكت وهي تنظر إليه بعينين متلاعبتين ثم أشرفت عليه ببطء وهي تقول "ها هو.. أنظر كيف أصبح مزعج!"

لعق مراد شفتيه بلسانه بينما عيناه كانت تحدق في منطقة بعيدة تماماً عن رأسها ثم قال بصوت ساخن "رغم أن ولادة سيف مر عليها الكثير ولكنها تركت أثر مبهر في ص... أعني شعرك!"

ضحكت بدلال ثم قالت "آه بالطبع كما أثرت بي وحولتني لنكدية"

أصابعه تلاعبت على بشرة بطنها التي تغيرت بالطبع ونال منها ترهل بسيط إثر الحمل والولادة المتكررة ولكم يفخر هو بذلك الجزء بالذات ويعشق النظر إليه ولمسه "هل قلت أنا بأنكِ نكدية.. والله لا أحد نكد إلا أنا.. تعالي إليّ لأعتذر لكِ كما يليق بكِ"

دفن رأسه وشفتيه في المساحة العارمة بين كتفيها دافعها لضحكت بدلال أكثر هذه المرة وهي تشعر به يلفها لفاً بين جذعه وعشقه.. ثم همست أخيراً قبل أن تستسلم بوداعة لطوفان رجولته "موووورراد كم أحبك"

*********

يتبع الان


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس