الموضوع: عهدي أنا
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-07-20, 08:01 PM   #8

وداد ألبوران

? العضوٌ??? » 474563
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 87
?  نُقآطِيْ » وداد ألبوران is on a distinguished road
افتراضي الفصل الثالث من عهدي انا

الفصل الثالث
انهى صلاة العشاء و ظل واقفا على باب المسجد ينتظر سيده ، الحقيقة انه ليس سيده فقط بل صديقه ومنقذه ايضا فلولاه لكان قد خسر حياته وليس ذراعه فقط
اطل براسه مرة اخرى ليراه اخر الخارجين من المسجد، سار بجانبه في طريقهما الى الخان الذي يفترض ان يقضيا ليلتهما به وقال عابد قاطعا الصمت الذي طال
-سيدي شاهين ما لأمر منذ الصباح وانت شارد كأن هناك ما يقلقك
بقي على سكوته الى ان وصلا ، رفع راسه الى السماء ثم نظر الى عابد ليقول بنبرة حازمة
-اذهب الى باحة الخان واحضر العربة وانا ساحضر امتعتنا من الغرفة ، سنعود للقرية
-الان!!!!!
- نعم الان
اراد عابد ان ينبهه الى حالة الجو التي تنبئ بقدوم عاصفة يستحيل معها السفر لكنه ابتلع تنبيهه عندما هدر صوت شاهين يأمره ان يتحرك
الكابوس الذي رآه بليلة الامس جعله متوترا طيلة اليوم و غصة بحلقه لا تفارقه ، رفع راسه الى السماء التي تلبدت بالسحب لتسقط اولى قطرات المطر على وجهه ودعا الله من كل قلبه ان يحفظ زوجته .... جورية .

انطلقت العربة تشق ظلام الليلة ، عابد يمسك بأسنانه لجام الحصان البني العربي الاصيل و يده اليمنى تمسك السوط و شاهين ممسكا بقوة بعصاه الآبنوسية ويتمتم بالدعاء .. مع غزارة الامطار اصبح من الصعب عليه ان يتحكم بالعربة خاصة بذراعه المبتورة ، افاق شاهين من شروده وانتبه الى صراع عابد لذلك نزع عنه عباءته السوداء بسرعة و استلم اللجام والسوط عنه و تولى قيادة العربة ، كانا قد اقتربا من مشارف القرية عندما ضربت الصاعقة قرب حوافر الحصان ليجن جنونه وتنتابه حالة من الهيستيرية و كاد ان يوقع العربة وراكبيها اسفل الجسر المنهار بفعل العاصفة لولا ان قفز شاهين من العربة بسرعة و بشجاعة حاول تهدئة الحصان لكنه لم يستطع ولم يكن امامه سوى حل وثاقه عن العربة ليركض بعيدا
-هل انت بخير يا عابد
كان صدره ينزل ويهبط وهو مازال متشبثا بالعربة عندما قال
-الحمدلله الحمدلله
القى نظرة اخرى على الجسر وقال بغضب
-تبا كيف سنمر الى الجانب الاخر
وقفا يلتفتا يمنة ويسرة علهما يجدا احدا قد يساعدهما و في تلك اللحظة ظهر قطاع الطرق على ظهور احصنتهم ملثمين و يحملون السيوف
وبعد ان التفوا حولهما التفاف الخاتم حول الاصبع تحدث زعيمهم بصوت آمر
-اتركا ما تحملا من اموال و اركعا على الارض
لم تهتز شعرة منه بل بقي واقفا كل ما يشغل باله كيف يصل الى زوجته في حين اقترب عابد من سيده وهو على الاستعداد التام لافتدائه بحياته لو اقتضى الامر
قال احدهم والذي من كان يبدو من صوته الفتي و هيئته اليافعة بالكاد تجاوز مرحلة الطفولة :
-الم تسمعا امر الزعيم ام انكما اصمين ، هيا اركعا
رد عابد :
-السيد شاهين العدناني لا يركع الا لله لا لشرذمة من اللصوص
انفعل احد رجال الزعيم الملثمين و ترجل من حصانه باندفاع نحوه قائلا
-جنيت على نفسك
وقبل ان يهوي بسيفه على عنق عابد تلقت يد شاهين معصمه تعتصره بقوة
افاق الزعيم من صدمته لسماع الاسم ، ترجل عن حصانه هو الاخر ووقف بينهما ليقول باحترام
-معذرة منك ايها السيد
واستدار الى رجاله يأمرهم بالتراجع وعاد ليقول له بنفس نبرة الاحترام
-يمكنك المرور
لم يتوقف كثيرا عند التغير المفاجئ لموقف قاطع الطريق هذا بل اعاد نظره الى القنطرة والى عربته عديمة النفع دون حصانه وقال بصوت يحمل الكثير من قلة الحيلة
-كما ترى نحن عالقان
ترجل الزعيم من على حصانه
-حصاني تحت امرك يمكنك ان تسلك طريق البئر القديم ، انها سالكة
استغرب شاهين هذه المرة كثيرا من هذا اللص الذي تحول الى طوق نجاة له ولم يكن حاله مختلفا عن حال باقي الرجال المصدومين مما يفعل زعيمهم الذي قال
-هيا يبدوا انك مستعجل لا تضع الوقت
-لكن..؟
-ام انك لا تتقن ركوب الاحصنة
ليتدخل عابد معترضا
-سيدي شاهين امهر من امتطى حصانا بقرية العدنانيين بل بالقرى كلها
-هيا يا سيد شاهين اذهب بأمان الله
امتطى الحصان ومد يده لعابد ليركب خلفه وقال
-شكرا لك وسأعمل على ان ارد لك حصانك ودينك
-حصاني هدية لك و الدين مردود
وضرب على الحصان لينطلق بسرعة مع تفاقم عجب شاهين هاتفا
-مع السلامة يا حاج.

عم الصمت ولم يعد يسمع سوى صوت زخات المطر و صوت حوافر الحصان تدب في الارض دبا
-اخي
-اياك ان تكرر ما فعلت يا مصطفى
-كيف تسمح له بالذهب هكذا وفوق ذلك تمنحه حصانك الذي لا تسمح لاحد بلمسه
-لنعد ادراجنا
-ليس قبل ان اعرف من هذا الرجل
امتطى الزعيم حصان احد رجاله وقال دون ان يلتفت اليه
-قلت لنعد ادراجنا .

************************************************** ********

مع اول خيوط الفجر وصل الى منزله ، منزل كبير بطابقين يحيط به سور حديدي عالي ، ما ان تبين حضرمي حارس البوابة ملامح القادمين حتى اسرع بفتح البابين الكبيرين قائلا بترحيب

-اهلا بعودتك يا سيدي
ركض بسرعة الى الداخل بينما ترجل عابد عن ظهر الحصان و سال باهتمام
مشيرا الى الاضواء المنبعثة من المنزل
-ماذا يجري يا حضرمي
اجابه والقلق ينضح من كلماته
-السيدة جورية حالتها سيئة منذ الامس
ثم هز راسه بأسف و سحب الحصان الى الاسطبل دون كلام

كان شاهين يتوجه الى غرفته عندما سمع صراخها الذي هز قلبه و قلب كيانه و قبل ان يفتح الباب اصطدم بفريحة التي تفاجأت برؤيته
-حمدلله على سلامتك يا سيدي
-كان القلق باديا عليه عندنا سألها
-ما بها جويرية يا فريحة
-يبدوا انها ولادة مبكرة
اشتدت قبضته حتى جرحت اظافره باطن كفه و سألها و الخوف بدأ يتسلل اليه ، خوف عليها و خوف من ان يفقدها
-ك..كيف...كيف وضعها؟
-الولادة متعسرة جدا و السيدة متعبة للغاية
ازداد خوفه مع كل كلمة كانت تنطق بها و سألها مرة اخرى
هل خولة بالداخل مع القابلة؟
اجابت بتردد وتخوف من ردة فعله عندما يعرف الوضع ؛
-الحقيقة اننا عندما ارسلنا الى القابلة وجدناها بالقرية المجاورة منذ البارحة تولد ابنة زعيمها
قال صائحا
-ماذا تقولين يا فتاة ومن يولد جورية ؟
ارتعبت لتجيب هامسة
- السيدة خولة و تساعدها اختي سعاد
ان كان الخوف هو ما استولى عليه فور دخوله فالان مايعصف بقلبه هو الذعر والعجز ، نعم هو الحاج شاهين العدناني عاجز عن مساعدة حبيبته ونور عيونه، ولايملك الان الا ان يطرق باب الرحيم اللطيف ويتضرع اليه ان يرأف بحاله وحال زوجته.
دخل الى الغرفة المجاورة صلى صلاة الفجر وجلس يتلو كتاب الله بعد ذلك.
هذه المرة الخامسة التي يتعرض لهذا الموقف ، المرة الخامسة التي يعيش بها هذا الذعر ، المرات الاربع السابقة كانت تفقد جنينها بالشهر الثاني او الثالث دون سبب يذكر لكن هذه المرة وصلت للشهر السابع الامل زاد بقلبه لكن بنفس الوقت الخطر زاد ايضا ، كان كل يوم يرى شحوبها ووهنها يزداد يوما تلو الاخر ولولا التزامه مع التجار لما سافر وتركها .
مرت ساعتان ومازال يسمع صوت صرخات جورية الواهنة ، لم يتحمل اكثر ، دس مسبحته بجيبه ودلف خارج الغرفة .
في اللحظة التي سمع فيها اول صرخة للمولود تبشر بقدوم حياة جديدة تزهر المنزل الذي طالما اشتاق لطفل، رفع راسه الى السماء يحمد الله ويشكره على عطيته تلتها صرخة خولة التي كسرت قلبه وانبأته انه خسر زوجته وحب حياته.
اغمض عينيه بألم لتنساب دموعه بصمت و يقول بصوت مكتوم
-اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها.
والقلب الذي كان يرفرف منذ ثانية واحدة من الفرح اصبح يعتصر من الالم، سار الى غرفته يجر قدميه جرا وبيدين مرتعشتين فتح الباب ليقع بصره على زوجته الممددة على السرير و الغطاء يغطي وجهها الذي طالما كانت نظرة واحدة اليه تضيء حياته.
كانت سعاد الخادمة تنتحب بينما خولة تحمل المولودة وتبكي بصمت ، قال بصوت يحمل الكثير من الالم
-صبي ام فتاة
غالبت دموعها واجابت
-فتاة يا اخي
ارتكاني بمفردي معهما
وضعت الطفلة بمهدها و ربتت على كتف اخاها وانحنت تقبله وقالت
-رحمها الله واعانك على فراقها
انسحبت الى الخارج و خلفها سعاد الخادمة وما ان اقفلت الباب وتركته بمفرده مع زوجته وطفلته حتى اطلق صرخة قهر لم يستطع ان يكبحها، ازاح الغطاء عن وجهها وقبل جبينها وقال :
-كنت لي الزوجة والحبيبة والام طيلة التسع سنوات الماضية والان دونك انا ارمل ووحيد وللمرة الثانية يتيم
وضع راسه على صدرها واجهش بالبكاء مسترسلا
-مثلما حافظت على وعدي لك وانت حية سأحافظ عليه بعد وفاتك (اعاد الغطاء على وجهها مرة اخرى وهو يقول)
-وداعا يا من سكنت القلب ، رحمك الله و الحقني بك مسلما .
التفت الى الرضيعة وظل يتأملها للحظات قبل ان يحملها قبل راسها و اذن بأذنها اليمنى واقام الصلاة بأذنها اليسرى ثم وضعها برفق في مهدها يهزها برفق ويحدثها كأنه تفهمه
-انت منذ هذه اللحظة دنياي وعالمي وسندي ورفيقتي وعصاي التي اتكئ عليها
صمت قليلا محاولا ان يهدئ نفسه واضاف
-سامحيني... سامحيني يا ابنتي لكن ما باليد حيلة اعرف انني ساظلمك بما سافعل لكن ظلمي لك سيكون اهون من الظلم الذي ستفرضه عليك هذه القرية
نامت الصغيرة على صوت والدها ، دثرها بالغطاء وخرج لينفذ ما عقد العزم عليه .
وجد سعاد وفريحة واقفتين امام الغرفة ومعالم الحزن تكسو ملامحهما فالجميع يعرف مقدار الحب الذي يكنه لزوجته و فقدانها صدمة بالتأكيد ستقصم ظهره و اكثر من يدرك هذا جيدا اخته خولة فهي تعيش معهم من ست سنوات بعد وفاة زوجها و كانت شاهدة على قصة الحب الكبيرة منذ بدايتهما
قال هامسا
-اين خولة؟
اشارت سعاد الى الغرفة
-دخلت تصلي
اخذ نفسا عميقا و قال
فريحة نادي زوجك حضرمي و عابد و انتظروني جميعا بالديوان وانت سعاد الحقي بهم انت وخولة عندما تنهي صلاتها
واستدار ليعود الى غرفته .
وقف حضرمي زوج فريحة ما ان رأى السيد شاهين يدلف الى الديوان
-البقاء لله يا سيدي
وقال عابد والذي يكون زوج سعاد
-رحم الله السيدة جورية وجعل مثواها الجنة .
قال الحاج بعد ان تنهد بعمق
-امين يا رب العالمين (جلس على الاريكة قرب خولة التي كانت قلقة على اخيها وفي نفس الوقت تنتظر ما سيقول )
-منذ سنوات وانتم تعملون هنا في هذا المنزل و الله يشهد اني اعتبركم جزءا من عائلتي ولكم مكانة في قلبي وفي قلب خولة اختي وجورية رحمها الله
قال حضرمي
-ونحن ايضا يا سيدي وحده الله يعلم كم نقدركم ونحترمك ونبادلكم نفس القدر من المحبة وربما اكثر
-اعرف هذا يا حضرمي لذلك سأستأمنكم على سر وانا واثق من قدرتكم على الحفاظ عليه
هذه المرة كان عابد من تحدث
-بحياتنا يا سيدي وسنصونه ولو على قطع رقابنا.
صمت مطولا لكنه حسم قراره وقال بلهجة حازمة
-جورية زوجتي رحمها الله انجبت ولدا و اسميته عهد
قالت خولة معارضة
-ماذا تقول يا شاهين هل اثر عليك حزنك على زوجتك
اما فريحة فقالت بحزن
-ليكن الله بعونك يا حاج اعرف ان الصدمة ليست هينة عليك
في حين قالت سعاد
-عوضك الله بابنتك وجعلها..
قاطعهم صارخا
اصمتوا جميعا، انا لم اجن يا خولة ولم اصبح خرفا ستفهمون فيما بعد لكن منذ الان على الجميع ان يعلم ان المولود ولد و اسمه عهد
قال عابد
-امرك يا سيدي انت دائما تعرف الصالح ونحن معك في اي شيء تقول
وقال حضرمي مؤكدا
-سيعلم كل من في القرية ان السيد شاهين رزق بالولد المنتظر .
تابع بنفس الحزم
-ستعاملونه معاملة تليق بابن شاهين وحفيد الشيخ ذو الفقار وريثي الوحيد وانت يا فريحة سترضعين عهد مع ابنك وضاح منذ اليوم اصبحا اخوين
-هذا شرف لنا يا سيدي
رفع سبابته وبنبرة لم يعهدوها منه اضاف بتهديد:
-ما دار هنا سيبقى بيننا و اذا خرجت كلمة واحدة خارجنا نحن الستة قسما بالله ان تروا وجها اخر لي لن تتخيلوا بطشه يوما
ابتلعت سعاد ريقها بينما قال عابد
-حفظنا لسرك سيكون لحبنا لك و تقديرنا لهذه العائلة التي لها جميل و دين بعنق كل واحد منا وليس خوفا من بطشك
-انا واثق من هذا
ساد صمت طويل والجميع يتبادلون النظرات فيما بينهم الى ان قطع الصمت صوت شاهين:

-حضرمي تعالى معي لنجهز مراسم الدفن وانت يا عابد اذهب الى امام المسجد ليشيع الخبر
قالت خولة بلهجة حادة
-شاهين اريد ان اتحدث معك
قال وهو يغادر
-سنتحدث لكن ليس الآن
و قبل ان يصل الى الباب همس لها وهو يوليها ظهره
-لا تسمحي لأحد برؤية عهد سوى فريحة لترضعه ....

*********
بالمنزل الصغير المجاور لمنزل السيد شاهين جلس حضرمي وعابد وزجته سعاد على طاولة العشاء التي لم يلمسها احد ، قالت سعاد
-لا استطيع التوقف عن التفكير بالجنون الذي طلبه منا السيد شاهين
نظرا اليها بنظرات غاضبة في حين قال عابد وهو يمسك بذراعها بقوة
-قسما بالله لو تفوهت بحرف عن هذا الموضوع من قريب او من بعيد فستكونين محرمة علي ما حييت
قالت بلهفة وخوف
-انا اتحدث معكم انتم فقط
شدد ضغطه وهو يقول
-ولا حتى بينك و بين نفسك (نهض مغادرا ) سأذهب الى الاسطبل
نهض حضرمي وقال
-انتظرني سأذهب معك
اما سعاد فبقيت مكانها تلعن لسانها الذي يجلب لها المصائب
***********



التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 06-07-20 الساعة 05:02 PM
وداد ألبوران غير متواجد حالياً