عرض مشاركة واحدة
قديم 09-07-20, 12:30 AM   #127

شمس علاء**

? العضوٌ??? » 448047
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 357
?  نُقآطِيْ » شمس علاء** is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السابع..
======
جالسة على سريرها، تداعب خصلات شعرها بشرودٍ وكأنها تحيا عالما آخراً...عالم متنقل بين الخوف والألم، الفرحة والبؤس...تناقضات كثيرة تشعر بها بعدما أمضى سليم في أوامره...كل يومٍ يأخذها في أحضانه برفق....يداعب خصلات شعرها وكأنه يحتضن طفلة صغيرة....يبتسم لها ابتسامة هادئة لا تصل إلى عينيه....وآه من عينيه الفضيتين...عيناه تحولتا منذ فعلتها الأخيرة إلى صورة غريبة وكأنهما ازدادا قتامة....وقسوة..و...وألم يخالطه الحسرة!
هكذا لاحظت لا تعلم هل هذه حقيقة أم أنها تتوهم....معاملته الرفيقة لها تجعلها تشعر بهدهده لذيذة تقلب كيانها رأساً على عقبٍ.....لن تكذب...هي لا زالت تشعر بالنفور والكره تجاهه....هذا حقها....لكن لماذا تشعر بشعاع من فرحة غريبة بدأ يلوح لها على استحياء....لماذا تشعر بأرتياح غريب وهي معه.....
ثانية؟!
كيف؟!....كيف تشعر بالارتياح نحوه ممتزج بالكره والنفور....؟!
ببساطة..هي لا تحب السلب بالإكراه....وسليم مارس كل طرقه في الانتهاك....وأخرها ليلة أمس..
زفرت نفساً ساخناً وتوردت وجنتاها....فارتفعت أناملها ببطء متردد....تريد أن تلمس شفتيها....وكأنها تحيّ ذكرى أمس....

كانت تتحرك في الغرفة بمللٍ....تبحث على اللا شيء....فقط تريد شغل نفسها عن نظراته المتفحصة لها والجريئة...ونظراته الجريئة تصيبها بالغثيان...والنفور....لا تعلم كيف يتمالك نفسه وهو يحتضنها برفق بينما يتشنج جسده بأكمله......تشنج غريب وكأنه يمنع نفسه بقوة...
زمت شفنيها بتبرم...ثم حكت شعرها بمللٍ..فرمقها سليم بنظرة مشتعلة....والتوت شفتاه بشبه أبتسامة لم تدم كثيراً وهو يراها تقبض على شفتيها بقوة وكأنها تفرغ غضبها بتلك الحركة....انخفضت عيناه تلقائيا إلى شفتيها...وازدرد ريقه ببطء غريب...الرغبة في تقبيل هاتان الشفتان المثيرتان تتفاقم بداخله....كل يومٍ تنام بين أحضانه يختطف قبلات صغيرة لكنها لا ترضيه بالمرة......تلاقت أعينهما في حوارٍ غريب متناقض المشاعر...ما بين الشوق والرغبة....ما بين النفور و الكره...و....وشعورها الغريب....بشيء أغرب...
-تعالي يا مليكة...
قالها سليم على حين غرة منها بصوت أجش، فزمت مليكة شفتيها المرتعشتين، واسبلت جفنيها كي تتمكن من السيطرة على نفسها قبل أن تصرخ به طالبةً بالرحمة و الخلاص منه.....وحين طال وقوفها مكانها ترتجف....زفر سليم بكبتٍ...وتفصد جبينه بالعرق....لينتصب واقفاً وتحركت قدماه نحوها وضربات قلبه تزداد جنوناً...بينما التقطت أذناها صوت خطواته تقترب...فزمت شفتيها بقوة وأغمضت عينيها....تحاول وبشتى الطرق إبعاد خوفها منه...رغم شعورها بالارتياح له إلا أنها تشعر به ضئيلاً، ضئيل جدا أمام خوفها....وقف سليم أمامها يطالعها من مقدمة رأسها حتى أخمص قدميها، ظلا على وقفتهما هو يرمقها بنظرات صريحة..وهي تشعر بالوجل....إلى أن شهقت بقوة فزعاً من إمساكه المفاجئ بخصرها....فرفعت عينيها الذاهلتين ونظرت إلى عينيه الدافئتين في هذه اللحظة....حاولت التحدث أكثر من مرة لكن تلك الابتسامة الغريبة التي داعبت شفتاه جعلتها غير قادرة على التفوه بشيء..لكن هو هتف بصوت أجش :
-لم أحصل على قبلتي هذا الصباح، تأخرك عليّ يحتاج عقاباً شهياً من وجهة نظري...لذلك...
صمت فجأة ونظر له بعينين عابثتين....فعقدت جاجبيها بتساؤل، وانفرجت شفتاها تهمّ بالتحدث لكنه التهم حروفها بين شفتيه بقوة جنونية...جعلت الخوف يسيطر عليها كلياً...شفتاه كانتا ثائرتين بدرجة غريبة..
ولمساته تزداد جرأة، جرأة أصابتها بالغثيان والنفور....أغمضت عينيها بقهر.....وحاولت دفعه بكفيها لكنه لم يتأثر بل دفعها إلى الجدار خلفها بعنفٍ محكتراً شفتيها بين شفتيه الثائرتين، ثم أبتعد عنها قليلا دون أن يترك خصرها وأنفاسه اللاهثة تختلط مع صوت أنفاسها وكأنهما خرجا من سباقٍ شاق للتو...سباق شعر به بطعم الشهد...شهد زاد من ضربات قلبه فشعر وكأنها نقوس يتردد صداه بقوة مزعجة... بينما هي تشعر بأنه سباق مُنتهك وقاهر....سباق زادها نفوراً إتجاهه....و...و ارتياح بغيض يشبه النشاز بين مشاعرها المنطلقة نحوه دون أدنى رحمه.....عقلها يأمرها بصب غضبها عليه وعلى فعلته الوقحة وليست أول مرة بل لثاني مرة.....وقلبها يأمرها بالابتعاد من أمامه...لكنها امتثلت لعقلها وهتفت بصوت صلب....رغم ارتعاد جسدها واحمرار وجهها:
-أنتَ وقح، وما فعلته جعلني أشعر بنفوري نحوك يتزايد أكثر وأكثر...لديك موهبة عالية في انتهاك ما لا يحق لكَ!!!...

صوت طرقه قوية بعض الشيء على باب غرفتها أخرجها من شرودها عنوة، فزفرت مليكة بقوة، وازدردت ريقها دون أن تشعر بتورد وجنتاها تفاعلاً مع ذكرى أمس...ازداد الطرق على الباب، فرفعت رأسها وهتفت بصوت متحشرج :
-من؟!
سمعت صوت الخادمة تقول بتهذيب :
-أنا رجاء يا سيدتي....جئتُ كي أخبرك بأن صديقتك ريهام قد وصلت!
عقدت مليكة حاجبيها باستغراب شديد...وابعدت كفها عن شعرها....
صديقتها ريهام بالخارج؟!....ألم يمنعها سليم من رؤية أصدقائها....فكيف أتت ريهام إلى هنا...عند هذا الخاطر....هتفت مليكة بصوت عالٍ :
-ماذا قولتِ...ريهام جاءت لتراني؟!
-نعم سيدتي.... وهي تقف بجواري الآن!
قفزت مليكة من مكانها وأسرعت الخطى نحو باب غرفتها بابتسامة صغيرة حقيقية، فتحت الباب بسرعة، فوجدت صديقتها تقف بجوار رجاء مشبكةً كفيها بخجلٍ....جحظت عينا مليكة مبهوتةً ثمx هتفت بأنفعال :
-ريهاااام؟!....ياللهي كم اشتقت لكِ
ثم هجمت عليها تعانقها بقوة أجفلت ريهام، فتأوهت ضاربةً إياها في ظهرها :
-مهلا يا مليكة...ما كل هذا العنف يا امرأة..هل أخبرك أحد أنني أصبحتُx قوية البدن ...
ابتسمت مليكة بخفوت، ثم ابتعدت عنها وجذبتها من مرفقها إلى الداخل، أغلقت باب الغرفة بعدما صرفت الخادمة واتجها إلى الأريكة..ليجلسا عليها....
ظلا صامتين كل منهما ترمق الأخرى بنظرات غريبة...ريهام تفرك أصابعها بتوتر..ومليكة تعض على شفتيها حتى كادت تدميها...وحين طال الصمت بينهما....تنحنحت مليكة كي تجلي حلقها وهتفت بتوجس:
-لِمَ كل هذا الارتباك يا ريهام؟!
رمشت ريهام بعينيها البنيتين عدة مرات، وانفرجت شفتاها تحاول الحديث لكنها تخشى العواقب...وهذا ما لاحظته مليكة..فهتفت بهدوء وهي تربت على ذراع ريهام الرفيع:
-قولي ما تريدين قوله ولا تخشي أحد...
ازدردت ريهام ريقها بصعوبة، ثم مسحت جبينها وكأنها تمسح عرقها الغير متواجد من الأساس...لتبتسم ابتسامة مرتبكة قبل أن تهتف :
-بصراحة....منذ وطأت قدماي قصر الأميرية...شعرت برهبة جعلتني على وشكِ البكاء....قصر الأميرية رهبة لا يستطيع أحد التغلب عليها!

التوت شفتا مليكة بشبه ابتسامة ساخرة...ثم هتفت بتشدق كاذب :
-نعم نعم اعرف...رهبة تشعرين بها في كل مكانٍ هنا حتىx أشخاص هذا القصر....لكن ثانية...
صمتت لبرهة....وضاقت عيناها وهي ترمق ريهام بنظرات متوجسة...فعقدت ريهام حاجبيها بتساؤل سبق هتاف مليكة بشكٍ :
-سؤال يدور بعقلي الآن...كيف سمح لكِ سليم المجيء إلى هنا...ولا أقصد إهانة والله!
نظرت ريهام لها وقد زاداد ارتباكها أكثر مما جعل القلق يتزايد بداخلها.....وحين قررت ريهام الحديث..همست بصوت خفيض :
-سيد سليم نفسه هو من بعث ليّ رسوله كي آتِ لكِ وأجلس معكِ قليلا...
جحظت عينا مليكة مشدوهةً، وسقط فكها حتى كاد يعانق أرض الغرفة، سليم هو من بعث رسوله إلى ريهام كي تأتِ وتجلس معها...بعد ما ألقته من سمومٍ قاتلة عليه ليلة أمس!
هل أصابه الجنون أم أنه يخطط لشيء ما كي يكسرها كلياً....هنا صفق لها عقلها بطريقة مسرحية مستحسناً تفكريها....فمن وجهة نظر عقلها..سليم شخصٌ يتفنن في كسرها وانتهاك ما لا يحق له؟!
وللمرة الثانية تعترف بها لكن هذه المرة داخلياً....أما المرة الأولى فكان عقابها عنيف بعض الشيء
-مليكة....أين ذهبتِ...؟!
قالتها ريهام عاقدةً حاجبيها بتوجس من شرودها....فنظرت مليكة لها بعينين التمعتا ببريق غريب، لكنها هتفت بصوت هادئ :
-أنا معكِ...فقط شردت في شيء ما!
هزت ريهام رأسها بلا معنى، ثم عضت على زاوية شفتيها بقوة وارتبكت ملامحها بشكلٍ ملحوظ، فعلمت مليكة بأنها ستتفوه بشيء لن يعجبها، وبالفعل حين تحدثت ريهام انتابها شعوراً غريباً :
-مليكة، أنا أعلم أنكِ تزوجتِ قسراً من السيد سليم....وأنا أشعر بكم القهر الذي تشعرين به في هذا البيت.....تشعرين بالانتهاك....تشعرين وكأنك دمية يتلاعب بها سيد سليم وجدك..لذلك...
صمتت لبرهة، ورمقت مليكة بنظرات مختلسة من تحت جفنيها كي ترى رد فعلها....لكن البرود الذي اعترى ملامح وجه مليكة...جعلها تتوجس قليلا خوفاً وقلقاً، لكنها استعادة رباطة جأشها وهتفت بجدية :
-لذلك أنا على إستعداد تام لتهريبك من هنا....ولو وافقتِ سأعمل جاهدة لتخليصك من كل هذا العذاب...!
ارتفعت شفتاها للحظة لكنها عادت وزمتهما بقوة كي تتحكم في انفعالاتها...انفعالات مضطربة ما بين الفرحة والقلق....انفعالات غير محسوبة بالمرة، ظلت ساكنة لا تبدي أي ردٍ فعل، فتجرأت ريهام ورفعت عينيها لها ثم هتفت بتساؤل متوجس :
-لماذا صمتِ يا مليكة....هل تفوهت بشيء ما لم ينل إعجابك...هل كان عرضي صعباً لهذه الدرجة؟!
هزت مليكة رأسها برفضٍ، وقد خبا انفعالها خلف قناع بارد صلب يشبه قناع سليم....ترمق ريهام بنظرات غير مفهومة، ثم لم تلبث أن هتفت ببطء :
-عرضك مغرٍ بشكل آثار حماسي...لكن أنا أرفضه؟!
شهقت ريهام شهقة مكتومة، ورمقت مليكة بعينين جحظتا صدمةً بحديثها...تطالعها بنظرة غريبة وكأن ما تفوهت مليكة به ما هو إلا جنونٌ...
تابعت مليكة حديثها لكن بنبرة حزينة وقد تهدل كتفاها وكأنها تحمل هماً أثقل كاهلها :
-أرفضه لأنك لا تفهمين......هروبي من هنا يعني ثورة سليم عليّ...هروبي من هنا يعتبر ضرباً من الخيال...لن أهرب يا ريهام.....
عقدت ريهام حاجبيها بعدم فهم، ثم هتفت :
-لا أفهم...ترفضين الهروب من جدك وحفيده....ترفضين الخلاص من كل هذا....أنا لدي القدرة على مساعدتك...
أومأت مايكة برأسها، ثم اطرقتها وهتفت بصوت متحشرج :
-حتى لو لديكِ القدرة على مساعدتي....لن أهرب....لأن...لأن سليم يحميني من جدي...رغم تصرفاته الفظة معي إلا أنه يحميني منه....وهروبي منه يعني منح سالم الفرصة للقصاص منا ومن سليم شخصياً.....
ازداد انعقاد حاجبا ريهام بعدم فهم، لكنها لعقت شفتيها وهتفت :
-كما شأتِ....لكن عرضي لا يزال قائما...حين تقررين الهروب سأساعدك بكل ما أوتيت به من قوة وعزم...
رفعت مليكة رأسها ونظرت إلى ريهام بعينين التمعتا ببريق الحماس....تريد الهروب...كل كيانها يدفعها للهروب...التحرر من تسلط سليم وظلم سالم....تتمنى الهروب من كل هذا وتنعم بحياة جديدة...بشخصٍ يقدرها وليس شخصاً يبثها الخوف والرهبة..وينتزع منها ما تمتلكه عنوة....تريد الانطلاق كعصفور سجين حصل على حريته...تريد وتريد وتريد..لكن ما باليد حيلة....سليم لن يتركها أبداً...هي تعلم أنه متمسك بها بشكلٍ آثار فضولها..لكنها وببساطة لا تريده في حياتها رغم حنانه البادي عليه...ونظراته الغريبة التي يخصها بها هي فقط....عقلها غافلٌ عن كل هذا يطلب التحرير والخلاص منه، لَيتها تهرب...لَيتها تهرب بعيداً عنه قبل أن ينتزع روحها و...وقلبها المراهق...هي تعرف أن قلبها في طريق الإنحراف نحوه...إلا أنها تحكم اللجام حوله...تكبله بأوامر من عقلها السام...فهل ستقوى على التحكم به أم أنه سيضرب أوامر عقلها عرض الحائط؟!
-مليكة...ما هذا الصوت...هل يتشاجر زوجك مع أحد؟!
اجفلت مليكة على صوت ريهام المتوتر، فهزت رأسها بعدم فهم وهتفت :
-أي صوت هذا...أنا لا..
بُتِرت عبارتها عندما التقطت أذناها صوت عالٍ آتٍ من الطابق السفلي.....صوت جعلها تنتفض مكانها رعباً....لكنها تمالكت نفسها بقوة تستحق الإعجاب...ثم قفزت واقفة وهمّت بالخروج....فأمسكتها ريهام من مرفقها وهتفت بخوفٍ حقيقي :
-إلى أين ستذهبين يا مجنونة؟!
لم ترد مليكة عليها بل سحبت وشاح كبير ووضعته على شعرها بأهمال، ثم جذبت ذراعها من ريهام واتجهت إلى الباب بخطوات سريعة تزامناً مع هتافها بشجاعة :
-سأذهب إليه...ألم تسمعي صوت صراخه بالأسفل؟!
======
جالساً في غرفته يحدق بالسقف بشرود...جسده ساكن كجثة هامدة وعيناه زائغتان تعكرا بغمامة من الألم...حلقه يتحرك بصعوبة يحارب غصة مسننة تكاد تشطر حلقه نصفين....قلبه يئن وجعا وألماً من جرح بات نكأه مؤلم لدرجة الصراخ...جرح عميق سيظل يحارب كي يشفيه...
وأمام عينيه عادت ذكرى ما حدث بينه وبين مروج تتحرك ببطء متلذذة بألمه وآنات قلبه...ذكرى بغيضة ومؤلمة...ذكوى بشعار "عديم النسب"...لقب اكتسبه بحكم يُتمه....لقب لم ولن يحبه طوال حياته..لقب يراه كسكين حاده تمزق كل قطعه في كيانه....لقب يجعله يشعر بالإهانة رغم فخامة مكانته الآن....لأنه ببساطة سيظل يعاني طوال حياته...
صوت صرير باب غرفته أخرجه من شروده عنوة، فزفر مالك بسخط من ذاك المتطفل والذي هو أبنه حمزة بالتأكيد.....
شعر بجسد صغير يستلقى بجواره، ثم بكف رغم صغرها إلا أنها صفعت وجهه بقوة جعلته يصرخ بغضب معتدلاً بجسده :
-ما قلة الأدب هذه؟!....تصفع والدك!
زم حمزة شفتيه مستاءاً، ثم هز كتفيه بعدم أهتمام وهتف :
-ما بالك مشتد اليوم يا "مالك" كنت أمزح معك يا رجل؟!
شهق مالك بقوة وجحظت عيناه مشدوهاً، مالك ويا رجل لقد تعدى حمزة حدوده ويجب تأديبه، لذلك في لحظة هجم مالك عليه فصار شعر حمزة بين قبضة مالك، وذقنه بين كفه تزامناً مع صراخه الغاضب :
-أنتَ تتعدى حدودك يا ولد...أنا والدك وليس "مالك" أحترم نفسك وإلا سأقتلع شعرك الذي تتبهى به بنوعمته ولونه فتصبح أصلع....لا تقترب مني هذه الأيام كي لا ترى ما يجعلك تبلل بنطالك من الخوف...فهمت أم أقحم كلامي في رأس الفارغ هذا؟...
فغر حمزة فمه ببلاهة، وجحظت عيناه الزرقاوان بقوة مبهوتاً، جسده يرتعش وشفته تتحرك بخوف بينما مالك كان يشتعل غضباً....عيناه برقتان....وعروقه بارزة بشكلٍ جعل حمزة يرمش مرتين ويبتلع ريقه بخوفٍ حقيقي فقد بدا مالك شخصاً آخراً غير مالك الهادئ الحنون، لا يعلم بحقيقة غضبه....غضبه كان سببه ما حدث بينه وبين مروج، فجاء حمزة في الوقت الخطأ وأشعل فتيل غضبه....
سحب مالك نفساً عميقاً وترك شعر حمزة بعدما لاحظ الذعر في عينيه اللتين بدائتا في ذرف دموعهما خوفاً وذعراً من تصرفه، فرفع مالك أصابعه وتخلل بهم خصلات شعره بعنف، ثم هتف بصوت متعب وهو يربت على وجنة حمزة الباردة كالصقيع :
-لا تبكِ....لا تبكِ يا حمزة...لم أقصد أخافتك...!
زم حمزة شفتيه بقوة، ثم مسح وجهه بظاهر كفه بشيء من العنف، لكن دموعه سقطت مرة أخرى وبشكل غزير مما جعل مالك يتأوه بصوت خفيض ثم جذب عنق حمزة واحتضنه بقوة تزامناً مع همسه الأسف :
-أنا آسف....لم أقصد أخافتك....أنا...أنا فقط أشعر بالغضب ليس منكَ بل من شخصٍ لم أتوقع منه إهانتي!
وسط دموع حمزة الغزيرة عقد حاجبيه بعدم فهم، لكنه رفع ذراعه وربت على ظهر والده قائلا بصوت مذنب :
-لا يا أبي أنا من أخطأت في التمادي معكَ....بصراحة أعشق استفزازك...أنا آسف...

التوت شفتا مالك في شبه ابتسامة، ثم أبعد حمزة قليلا كي يتمكن من النظر إليه، فوجد وجهه شديد الاحمرار وشفتيه ترتشعا بشكلٍ ملحوظ، ليتنهد مالك بتعب، ثم رفع كفيه ومسح دموع حمزة برفق، وعيناه ترمقانه باسف حقيقي، لكنه هتف بصوت عادي :
-لماذا أتيت إلى غرفتي في هذا الوقت؟!...أليس هذا موعد نومك؟!

رمش حمزة بعينيه المبللتين مرتين، ثم رفع إصبعه وحك رأسه مفكراً، فرمقه مالك بعينين ضاقتا تفحصاً ومللاً، إلى أن هتف حمزة وهو يمد كفه في جيب منامته وأخرج هاتف مالك، نظر مالك إلى هتف بعدم فهم، فانفرجت شفتا حمزة وهتف بصوت شبه باكٍ :
-خذ هاتفك يا أبي...صوت رنينه كاد يصم أذناي....رنين متواصل بشكلٍ استفزني!

رفع مالك حاجبيه بتوجس، ثم جذب الهاتف من بين قبضتي ابنه، وعبثت أنامله بحثاً عن رقم المتصل، وحين وقعت عيناه على رقم المتصل، تصلبت أصابعه على شاشة الهاتف، وغارت عيناه بينما اختلج فكه عدة مرات مما وشى بقرب انفجاره، لكنه وبكل هدوء يحسد عليه هتف مداعباً وجنة حمزة بأنامل مرتعشة :
-هلا ذهبت إلى غرفتك الآن يا حمزة...وسآتِ إليكَ كي أنام بين ذراعيك!...من فضلك!
لعق حمزة شفتيه، ثم أومأ برأسه وأخفض ساقيه ليلامس الأرض، وبعدها هرول خارجاً من الغرفة وأغلق الباب خلفه بهدوء...فزفر مالك بارتباك، وأغمض عينيه بتعب، ليهمس بصوتٍ واهٍ :
-كفى كفى ألماً لم أعد أتحمل كل هذا، قلبي يحتضر وروحي تنزف، لن أتحمل!
صوت رنين هاتفه جعله يفتح عينيه ببطء مترقب، يدعو الله بتضرع بأمنية باتت شغله الشاغل، رمق رقم المتصل بعينين باردتين، وقد شحب وجهه حتى كاد يحاكي وجوه الموتى، أصبعه يتحرك بتردد، يريد إغلاق الهاتف، لكنه عاند رغبته وفتح الهاتف بملامح ممتعضة، ثم وضعه على أذنه، وهتف بفتور :
-خير....ماذا تريدين مني؟!...ألم تيأسي بعد؟!

زفرت بصوتٍ عالٍ، وهتفت بأنفعال :
-لا لم أيأس بعد يا مالك....طلبت منكَ أن آتِ إليك كي أرى الأولاد!
مالت شفتا مالك بابتسامة ساخرة، ثم هتف هازئا :
-وقولتُ لكِ أيضا لن يحدث هذا سوى على جثتي!!!...فهل أخبرك أحد بخبر موتي ؟!
كزت على أسنانها بقوة، ثم هتفت بصوت حاد مشتد :
-لَيتك تموت يا مالك....أتمناها من كل قلبي.... أريد رؤية رؤى وحمزة يا مالك...لا يحق لكَ منعي من رؤيتهما؟!...
عض مالك على زواية شفتيه بغضب، ثم هتف بصوت مرتفع صارم :
-بل لا يحق لكِ أنتِ يا عديمة الأخلاق و الأدب طلب رؤيتهما، لا يحق لكِ فكرة "الطلب" من الأساس...لأنك ببساطة لا تستحقين هذا....لن أسمح لكِ برؤيتهما!
-أذًا سأبذل قصارى جهدي كي أنتزعهما منكَ عنوة.....لن تبرد ناري منكَ إلا وهما بين ذراعي!

قالتها بصوت شرس غاضب، مما جعل مالك يضحك ضحكة شرسة بصوت عالٍ أجفلها، فأبعدت الهاتف عن أذنها حتى أنتهى من ابتسامته الفظة، لتسمع هتافه بصوت رغم خفوته إلا أنه كان حاد كنصل خنجر :
-أي نار تلك يا أستاذة....من أين لكِ بكل هذه البجاحة، ألا تمتلكين ذرة حياء...لكن أنا أقدر "تربيتك"..فلن أحملك أي خطأ....
صمت لبرهة يلتقط أنفاسه، بينما كانت هي تعض مفاصل أصابعها بقوة حتى كاد تسحقهم....منتظرة استرسال حديثه الذي أتى بارداً حد الشعور بالقشعريرة :
-لن تريهما أبدا أبدا....عيناكِ الوقحتان تلك لن تراهم أبدا...فأنتِ لا تستحقين!!!
جحظت عيناها مبهوتةً، ثم انفرجت شفتاها تهمّ بصب سيل كلماتها اللاذعة، لكن صوت صفير أخترق أذنيها كناية عن غلقه الخط في وجهها، جعلها تصرخ بوحشية ضاربةً الهاتف في الحائط أمامها، فتهشم إلى قطع مُبعثرة وسقط أرضاً لا حول له ولا قوة!

أما مالك...فقد نطق بعدة كلمات مبهمة غاضبة، ثم ألقى بالهاتف على السرير بقوة، صدره يعلو يهبط بعنف، أنفاسه لاهثة وكأنه خرج من سباق شاق للتو، عيناه متقدتان كجمرتين مشتعلتين، يجزم من يراه في هذه الحالة أنه قادرٌ على الإزهاق بروح أي شخص يقف أمامه....
سحب نفساً عميقاً، ثم حدث نفسه قائلا :
-لا بأس....لن تقوى على البحث كثيراً....سيسقط قناع المثالية ويبقى قناع الخداع والاحتيال!!
======
يتبع....


شمس علاء** غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس