عرض مشاركة واحدة
قديم 23-07-20, 08:54 PM   #41

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي



الحلقة 22

ألقت سالي بالسرنجة في سلة المهملات وهي تبتسم لحميها قائلة:
- حمدًا لله على سلامتك يا سيدي.. أخبرني دكتور مصطفى بأننا لسنا في حاجة إلى تكرار الجرعة مرة أخرى.. صحتك أصبحت جيدة الآن.
- شكرًا لكِ.. افتحي درج المكتب الأعلى.. سوف تجدي مظروفًا.. أحضريه.
نفذت ما طلبه منها وقدمت له المظروف ولكنه أعاده إليها قائلًا:
- إنه لكِ.
- ما هذا؟
- افتحيه.
نظرت إليه في تردد قبل أن تفتح المظروف.. وجدت به مبلغًا كبيرًا من المال.. عادت تنظر إليه في تساؤل.. قال في هدوء:
- إنه راتبك.
- ماذا؟
- لقد تعبتِ كثيرًا معي في الفترة السابقة.
- سيدي أنا لم أفعل ذلك انتظارًا للنقود.. إنه واجبي.. أنا لستُ غريبة عنكم.. أنا.. أنا...
- أنتِ ماذا؟
صمتت بعد أن أدركت ما يريد سماعه.. لو أخبرته بأنها زوجة ولده سوف يطالبها بطاعته.. سيكون عليها الاستسلام للأمر الواقع إذًا وانتظار مصيرها الذي سوف يحدده كلاهما.. رفعت رأسها لأعلى قائلة:
- لكن هذا المبلغ كبير جدًا.
- الممرضة المقيمة تتقاضى راتبًا كبيرًا.
- ولكن ليس لهذا الحد.
- هل عملتِ ممرضة مقيمة من قبل؟
- كلا.. دكتور شريف كان يعترض على ذلك.
تطلع إليها مليًا قبل أن يقول:
- اسمعيني جيدًا.. حسام سوف يكمل ثلاثة وثلاثين عامًا في الأسبوع المقبل.. سوف نقيم حفلًا كبيرًا بهذه المناسبة.. وسوف تكون فرصة مناسبة لتقديمك أنتِ ونور للأهل والأصدقاء.
- ولذلك قدمت لي هذا المبلغ؟
- أريدك أن تنفقيه بأكمله.. وإن احتجت المزيد اطلبي مني.
تلاقت عيونهما فتابع قائلًا:
- حسام هو ولدي الوحيد الذي أفنيت عمري كله من أجله.. لقد توفيت والدته أثناء ولادته.. لم أتزوج بعدها ليس إكرامًا لها فقط.. بل حتى أضمن له السعادة التي قد تحرمه منها زوجة أخرى.. أو حتى تقاسمه فيها.
صمت قليلًا ليتركها تستوعب ما يقوله قبل أن يكمل:
- أريدك أن تظهري في الحفل بصورة لائقة أمام الجميع.
حاولت أن تعيد إليه المظروف قائلة:
- اطمئن يا سيدي.. معي ما يكفي من نقود.. أعدك بأنني سوف أشــ.........
قاطعها الرجل في حسم:
- كان يمكنني أن أشتري لكِ ما أراه مناسبًا.. ما أريدك أن ترتديه.. لكنني خشيت أن ترفضي كما فعلتِ سابقًا مع حسام.
- سيدي...
- مادمتِ تتعاملين معنا بطريقة رسمية.. هذا راتبك.. اشتري به ما يناسبك.
ضغط على حروفه قبل أن يكمل وهو يشير بإصبعه مُحذرًا:
- شرط أن يناسبنا نحن أيضًا.
حاولت الاعتراض فهي ليست في حاجة إلى نقوده.. تستطيع أن تظهر بالصورة المناسبة دون الخضوع لغطرسته.. أخيرًا قرر أن ينهي المحادثة بينهما.. وضع يده فوق صدره قائلًا:
- تذكري أنني مازلتُ في فترة نقاهة.. ولا أريد أن أعود إلى الغيبوبة من جديد فكُفي عن مجادلتي.
هزت رأسها في استسلام قائلة:
- اطمئن .. سأفعل ما تريده.
جلست فوق فراشها تتطلع في حيرة إلى المظروف الذي يحتوي على مبلغ من المال يقارب ما كانت تكسبه في عام كامل رغم الراتب الكبير الذي كان يقدمه لها دكتور شريف.. كانت على يقين بأن ما قدمته من رعاية صحية له أثناء مرضه لا يستحق كل هذا المبلغ ولكن...
ربما عليها أن تنتظر حتى تتحسن حالته تمامًا ويتخطى هذه المرحلة الحرجة.. يومها سوف تخبره أن لا حاجة لها لنقوده.. سوف تلقنه هو أيضًا درسًا يجعله يتخلى عن غطرسته كلما تحدث معها.
تحسنت حالة الرجل كثيرًا في الأيام التالية مما أتاح لها الفرصة للخروج من المنزل والقيام بما تريده من التسوق.. ظلت تنتقل بين نوافذ المحال تبحث عن غايتها.. أخيرًا تعلقت عيناها بثوب نحاسي رائع.. أنه هو.. هو ما بحثت عنه طويلًا.. حذاؤه أيضًا كان قد وضع أسفله مع حقيبة للسهرة مُرصعة بالألماس بنفس اللون والرونق.. تأففت في فزع عندما لاحظت الورقة الصغيرة التي توضح الثمن الباهظ لكل قطعة على حدة.. يا الله.. هذا كثير جدًا..!
أكثر مما رصدته للإنفاق رغم محاولاتها المستمرة منذ أمس الأول لإقناع نفسها بضرورة التضحية بقدر كبير من مدخراتها للظهور بالمظهر المناسب.. شعرت بخيبة أمل قوية.. إذا استمرت في الإنفاق بهذه الطريقة لإرضاء حسام وعائلته وأصدقائه سوف تخسر كل مدخراتها في زمن قياسي.. وسيكون عليها أن تبدأ من الصفر عندما تتركه.
تألقت عيناها فجأة.. لماذا لا تذهب إلى المناطق الأقل رُقيًا.. هذه المنطقة أسعارها مرتفعة جدًا.. سوف تذهب للتسوق من حيث اعتادت.. هناك الأسعار في متناول يدها والجودة لا تختلف كثيرًا.
أسرعت تستقل الأتوبيس إلى هناك وقد عاودها الأمل في إيجاد ما يناسبهم وما يناسبها هي أيضًا.
تنقلت من محل لآخر من دون جدوى.. فساتين السهرة هنا مختلفة.. حاولت أن تجرب بعضها رغم عدم اقتناعها.. تخيلت حسام ووالده ونظرات الاستنكار والذهول تملأ أعينهما.. ربما يقتلها حسام.. أو ربما يسقط حموها صريعًا هذه المرة.
أسرعت تخلع الفستان عنها وتعتذر للبائعة بأنه لا يناسبها.. لم تنجح محاولات البائعة المستميتة في إقناعها بشرائه.. لا مفر من المغامرة.. سوف تتمادى في التضحية هذه المرة.. سوف تشتري الثوب النحاسي والحذاء فقط.. ليست في حاجة ماسة إلى حقيبة السهرة.. السهرة في منزلها لذا قد يمكنها الاستغناء عنها.
استيقظت مبكرة في اليوم التالي وذهبت إلى مكتب البريد.. عليها سحب مبلغ كبير آخر من مدخراتها.. أخرجت دفتر توفيرها بأصابع مرتعدة.. تنفست الصعداء حين وصلت للشباك وطلبت سحب المبلغ بصوت ثابت.
وصلت إلى المحل المنشود.. سوف تشتري هذا الثوب مهما بدا باهظًا.. بل سوف تشتري الحذاء أيضًا.. تعجبت حين وجدت المحل مُغلقًا.. نظرت إلى ساعة يدها.. مازال الوقت باكرًا.. سوف يفتح بعد قليل.. ليس جيدًا أن تبقى هكذا أمامه حتى يفتح أبوابه.. سوف تتمشى قليلًا وتشاهد نوافذ المحلات المجاورة.
ها هو فستانها المنشود معروض في نافذة أخرى.. تأملته في فخر وقد بدأت تتناسى ثمنه الباهظ.. استقبلتها البائعة بابتسامة واسعة وهي تشير إليها بالدخول:
- تفضلي يا سيدتي.. أنتِ أول عميلة لنا اليوم.. لذا سوف نقدم لكِ خصومات رائعة.
بادلتها سالي ابتسامتها وهي تدخل إلى المحل.. أشارت إلى مبتغاها قائلة:
- أريد أن أجرب هذا الثوب.
- لك ذوق رفيع يا سيدتي.. إنه أحدث ما وصل إلينا.
ما إن ارتدته حتى أطلقت البائعة صفيرًا طويلًا قائلة:
- أكثر من رائع.. وكأنه صمم خصيصًا لأجلك.
- حسنًا.. كم سوف يكلفني هذا الثوب؟
- شراء أم إيجار؟
- إيجار؟!
- نعم نحن نبيع ونؤجر أيضًا فساتين الزفاف والسهرة.. اختاري ما شئت.
تمكنت بصعوبة من التحكم في مشاعر الفرح التي اعترتها.. فهي ليست في حاجة إلى الاحتفاظ به.. سوف تستأجره فقط.. يا له من حظ سعيد.. يتيح لها الفرصة لإرضاء نفسها وميزانيتها والآخرين أيضًا.. أسرعت تقول:
- سوف استأجره.
- في هذه الحالة سوف يكلفك ربع ثمنه فقط.
- ربع الثمن وأنا سوف أرتديه مرة واحدة.. أليس هذا كثير؟
- إنه جديد يا سيدتي.. سوف تكونين أول من ترتديه.. هذا الثوب يقتصر على سيدات المجتمع الراقي فقط وهؤلاء ينفقن ببذخ حتى يظهرن بأبهى صورة .. ويفرحن كثيرًا عندما يجدن عرضًا كهذا.. أنتِ سعيدة الحظ.. سوف ترتدين الأحدث "موضة" وستكونين أول من ترتديه أيضًا.
هزت سالي رأسها باستسلام قائلة:
- أنتِ ماهرة جدًا في عملك.
- أشكرك يا سيدتي.. سوف تحتاجين لمصفف شعر.. أليس كذلك؟
- نعم.. أكيد.
- هل أنتِ ذاهبة إلى سهرة خاصة أم إلى حفل زفاف؟
- حفل عيد ميلاد.
- سوف أدلك إلى مصفف الشعر الذي نتعامل معه.. أخبريه فقط أنكِ من جهتي وهو سوف يهتم بكِ.. متى الحفل؟
- بعد غد.
- حسنًا.. يمكنك أن تأتي غدًا لتأخذي الثوب.
*****
سلمتها الفتاة الثوب وأرشدتها إلى مصفف الشعر الذي تعمل لديه صديقتها قائلة:
- أخبري عفاف صديقتي بأنكِ من جهتي.. سوف تعتني بكِ.. وسوف تقدم لكِ خصمًا جيدًا أيضًا.
في طريقها للعودة توقفت أمام نافذة كبيرة لعرض العطور.. ها هو عطره المفضل.. لازالت تتذكره جيدًا.. لم يغيره بعد.. لقد رأته في حمام حجرته أثناء وجودها فيها.. هل هي مُجبرة على شراء هدية له.. بالطبع كلا.. ولكن.. كيف ستقدمها له؟ هل سيقبلها منها..؟ لقد ألقت بما أحضره لها في أكياس القمامة.. ربما يفعل مثلها.
ها هو اليوم الذي انتظرته طويلًا.. ربما ليس حبًا فيه بقدر ما كان رغبة في التخلص منه.. لكم ترجو من الله أن ينتهى هذا الحفل بلا إزعاج.. لقد بذلت قصارى جهدها حتى الآن.. استأجرت فستانًا باهظ الثمن.. اضطرت لشراء الحذاء أيضًا.. ذهبت لمصفف الشعر الذي أخذ منها مبلغًا كبيرًا كادت تسقط مغشيًا عليها عندما سمعت مقداره.
طرقات على بابها أيقظتها.. حماها يشغله أمر هذا الحفل جدًا.. ها هو قد أرسل لها مجددًا حتى تستعد.. عادت تشعر بالرهبة والتوتر وهي تقول للطارق:
- ادخل.
دخلت سعاد تحمل علبة كبيرة من الكرتون.. وما لبث أن تبعها حسام.. كان يحمل شنطة من الكرتون الفاخر تحمل شعار أحد المحلات العريقة وشنطة أصغر حجمًا في يده الأخرى.. وضعت الفتاة ما تحمله جانبًا وغادرت الغرفة.
ابتسم حسام وهو ينظر إليها قائلًا:
- اليوم عيد ميلادي إن كنتِ مازلتِ تتذكرينه.
- كل عام وأنتَ بخير.
- هل أحضرتِ لي هدية؟
نظرت إليه في تردد قبل أن تفتح أحد الأدراج لتخرج منه علبة مزينة قدمتها إليه قائلة:
- شيء بسيط لمجرد المشاركة.
ابتسم وهو يتناولها منها قائلًا:
- ستكون أجمل لو قدمتها بطريقة أخرى.
- ماذا تعني؟
تراجعت للخلف عندما فضحت عيناه ما يعنيه.. فاتسعت ابتسامته قائلًا:
- لستُ مُتعجلًا.. سأنتظرك حتى آخر العمر.
- لماذا أتيتَ إلى حجرتي؟
نظر إليها مليًا ثم ضغط على حروفه قائلًا في رجاء:
- سالي.. هديتك لي هي أن تقبلي هديتي لكِ.
- ماذا تعني؟
انحنى يفتح العلبة الكبيرة التي وضعتها سعاد فوق السرير.. كان ثوبًا رائعًا للسهرة.. قدمه لها قائلًا:
- أريدك أن ترتدي هذا الثوب.



أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس