عرض مشاركة واحدة
قديم 23-07-20, 08:57 PM   #42

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة 23

نظرت إليه ساخطة.. لماذا يعاملانها وكأنها طفلة لا حول لها ولا قوة.. لماذا لا يثقون فيها ولا في اختياراتها..؟
هذا الثوب رائع بالفعل.. ولكن الثوب الذي اختارته لنفسها رائع أيضًا بل ربما كان أفضل من هذا.
أخرج من الشنطة التي كان يحملها حذاءً وحقيبة للسهرة.. قدم لها أيضًا طاقمًا فاخرًا من الألماس.. يبدو أنه حقيقي.. نظرت إليه في مزيج من الانبهار والرهبة.. على أية حال لقد استأجرت لنفسها واحدًا نصحها به مصفف الشعر.. أبهرها أيضًا برغم كونه غير حقيقى بل تقليد.
- شكرًا لك حسام بك.. لكنني تدبرت أمري.
- أريدك أن ترتدي ما أحضرته لكِ هذه المرة.
نظر إليها في رجاء وأردف:
- من أجلي.. أخبرتك أن هذا سيكون هديتك لي.
تطلعت إليه صامتة.. لم تعجبه هديتها إذًا.. ربما كانت أبسط مما تخيلت.. لم يهتم ويسألها عنها.. لم يحاول حتى فتحها ليعرف ما هي.. وماذا كان ينتظر منها أكثر من ذلك؟ ليحمد الله.. لو عاملته بالمثل فهو يستحق الشنق جزاء ما فعله بها؟!
ماذا يتوقع منها الآن وهو يتوسل هكذا..؟ هل في كل مرة يقول لها من أجلي وهو ينظر إليها بهذه الطريقة سيكون عليها طاعته والاستسلام له..؟!
- سالي.. بالله عليكِ.. لا أريد مشاكل هذه الليلة.. أبي لم يتعاف تمامًا بعد.
ظلت صامتة.. ظن أن صمتها إذعان له وخضوع لما طلبه منها.. قبّل كفها واستدار مُنصرفًا لكنه ما لبث أن التفت إليها قائلًا:
- كوني جاهزة في تمام السابعة مساءً.. سأنتظرك في حجرتي.. أفضل أن نكون معًا وهم يروننا للمرة الأولى.
تخطت xxxxب الساعة السابعة والنصف.. نهض حسام عن كرسيه الهزاز.. ملجأه كلما كان مُتوترًا.. ذرع الغرفة ذهابًا وإيابًا عدة مرات.. أين سالي؟ لماذا لم تظهر بعد..؟
لم يكن من عاداتها الجلوس طويلًا أمام المرآة.. ربما كان اليوم مميزًا لها.. ابتسم في حنين.. اليوم ستكون عروسه وحبيبته.. سيتجسد حلمًا لطالما داعب مخيلته.
نهض مُسرعًا عندما سمع طرقات على بابه.. دخل عبده بعدها ليخبره أن الضيوف في انتظاره.. هز رأسه متفهمًا.. انصرف الرجل وعاد ينظر إلى ساعته من جديد.. سوف يذهب إليها.. لابد من أن تتعجل فهو لن يقابلهم وحيدًا.
طرق بابها مِرارًا ولكن أحدًا لم يجب.. فتح الباب واتسعت عيناه في صدمة أقرب للفزع.. العلبة الكرتون في مكانها كما تركها صباحًا.. أسرع يكشف غطاءها ليتأكد من كونها ليست فارغة.. نعم الثوب مازال بداخلها.. الحذاء وحقيبة السهرة وطقم الألماس أيضًا.. لم ترتدِ شيئًا مما أحضره لها.. ضربت بكل توسلاته عرض الحائط.
أمسك العلب في ضيق وطوحها أرضًا.. كم هو في شوق لتحطيم رأسها الآن..؟ كيف استطاعت أن تفعل به ذلك؟ إلى متى ستصر على إحراجه أمام الجميع؟!
لماذا صمتت عندما طلب منها أن يقابلا الحضور معًا.. كان يظن أنها تفهمت الوضع واستسلمت له.. لكنه كان مُخطئًا.. هل أخطأ أيضًا في تفسير استسلامها لقبلاته وتجاوبها معه منذ أيام قليلة.. لماذا تركته يُقبّلها..؟ من كانت تظنه وهي تبثه أشواقًا لا تقل أبدًا عن شوقه إليها..؟ هل كانت تظنه ذلك الطبيب..؟ هل كان يقبلها بهذه الطريقة؟ وكيف سمحت له؟
الشيء الأكيد له الآن هو كونها لا تحبه.. لو كانت تحبه ما تفننت في عصيانه هكذا.. ما تحدته كل الوقت.. ما حطمت أحلام وآمال خطط لها وتمنى أن يحققها الليلة.. كان ينتظر بصبر بالغ أن ينهي كل الخلافات بينهما.
ألقى بنفسه يائسًا فوق الفراش.. أخرج سيجارة وراح يدخنها بعصبية.. بداخله بركان من الغضب.. كيف جعلته يكره يوم مولده..؟ فقد رغبته في رؤية الجميع.. لو لم يكن الحفل قد أقيم خصيصًا من أجله.. لو الأمر بيده.. ليته يستطيع الاعتذار والاختفاء في حجرته حتى يتغلب على ما يجتاحه من جنون ولوعة.
أخرج سيجارة أخرى آملًا أن ينفث مع دخانها بعضًا من إحباطه وسخطه.. ربما الثالثة.. الرابعة.. نهض أخيرًا يدفع نفسه دفعًا ليلحق بالحضور.
- أين حسام؟
هتف والده بهذه العبارة وهو ينظر إلى سالي ساخطًا.
قالت دون أن تنظر إليه:
- ربما لم ينته من ارتداء ملابسه بعد.
- كيف يتأخر هكذا وهو يعلم أن الجميع في انتظاره؟
- ها هو ذا قادم.
كان ينزل الدرج مُتمهلًا وعلى شفتيه ابتسامة واسعة استقبل بها أهله وأصدقاءه الذين تجمعوا حوله في سعادة وهم يقدمون له التهنئة.
تقدم من والده الذي احتضنه وقبله في حرارة قائلًا:
- كل عام وأنتَ بخير يا ولدي.
- وأنتَ بخير يا أبي.. أطال الله لي في عمرك.
حانت منه نظرة عابرة إليها لم تلمح فيها سوى الغضب الذي حاول جاهدًا إخفاءه.. لم يلق عليها تحيته.. لم يعلق على فستانها وتسريحتها.. حتى والده الذي لطالما ظل صامتًا مقتضبًا في حديثه معها أثنى كثيرًا على أناقتها للمرة الأولى مُذ رأته.. أشاحت بوجهها عنه صامتة.
- سنة حلوة بابا.
انحنى حسام يلتقط صغيره الذي ارتدى حلة بيضاء صُممت خصيصًا من أجله وزين عنقه بربطة عنق قرمزية جميلة.
- تعالَ حبيبي أقدمك للحضور.
- حسام.. وماذا عن زوجتك؟
هتف والده بتلك العبارة مستنكرًا.. فأجابه دون أن ينظر إليها:
- تستطيع الاعتناء بنفسها.. هي ليست طفلة.
- ماذا بكَ يا ولدي.. ماذا حدث؟
شهقت عندما أمسك كفها فجأة وجرها إلى منتصف الردهة صائحًا كالسكارى:
- والآن أعزائي.. أشكركم جميعًا على حضوركم حفل ميلادى.. وبهذه المناسبة أحب أن أقدم لكم زوجتي الجميلة "سالي" كنتُ أخيفها عنكم خوفًا من الحسد.. ألا تتفقون معي..؟!
كان يتحدث ويتحرك بطريقة مسرحية بدت للآخرين نوعًا من الكوميديا والمرح لكنها وحدها شعرت فيها بالسخرية والتهكم.
- والآن يسعدني أن أفتتح الرقص برقصة معها تعبيرًا عن حبي وامتناني.
انحنى أمامها قائلًا:
- هل تسمحين لي يا سيدتي.
استسلمت له على مضض تشاركه هذه المسرحية الهزلية السخيفة.. ظل صامت الفم والوجه عدا بسمة بلهاء بدت وكأنها حُفرت فوق وجهه على يد نحات ماهر.. لم يُكلف نفسه عناء النظر إليها وهو يراقصها حتى توفقت الموسيقى وصفق الحضور.
جذبها مرة أخرى ليعيدها من حيث أخذها بجوار والده وكأنها دمية ملَّ اللعب بها أو طفلة خشى أن يفقدها وسط الزحام.. عاد بعدها إلى ضيوفه.. يشارك الرجال في الضحك والشراب ويراقص النساء واحدة تلو الأخرى غير عابئ بوجودها.
أدركت أن الضابط الوسيم كان حُلمًا لمعظم فتيات العائلة العريقة.. وربما مازال كذلك لبعضهن حتى الآن.. هل يُعقل أنه فضلها عليهن جميعًا..؟
تطلعت شاردة إلى ملابسهن الفاخرة وشعرهن المصبوغ بكل الألوان.. الحُلي الثمين يتلألأ فوق أذرعهن وصدورهن شبه العارية.. شعرت وكأنها عادت إلى عصر الأميرات.. وكأنها سندريلا الفقيرة بينهن.
ابتسمت مُستنكرة عندما نظرت إلى ساعة يدها دون وعي منها.. هل ستعود إلى ملابسها المهلهلة وشعرها المبعثر إذا لم تنصرف قبل الثانية عشر..؟! من الجيد أنها تركت ساعة يدها الرخيصة فى حجرتها واكتفت بالأسورة المرصعة بالماسات.. حمدت الله على عدم تهورها واختيارها لملابس متواضعة دون المستوى.. كانت محقة عندما أصرت على هذا الثوب.. وكان والده على حق في تحذيره الذي بلغ حد التوبيخ حتى تهتم بمظهرها في هذا الحفل.
تنهدت بعمق وهي تتطلع لإحداهن.. كانت أكثرهن خلاعة.. تراقصه بهيام ودلال.. تهمس من حين لآخر في أذنيه لتلصق شفتيها بوجنته وكأنها تقبله.. وهو يبدو سعيدًا بما تفعله..!
لم تلحظ أن والده كان يتابع نظراتها ووجهها الملتهب بدهشة بالغة.. كان يظنها تعشق ذلك الطبيب ولكنه اكتشف الآن أنها متيمة بولده.. لماذا تعصاه إذًا..؟ لماذا تحول حياته إلى جحيم وصراع دائم؟ تبًا للنساء يجمعن كل المشاعر المتناقضة معًا.
تنبهت من شرودها عندما أقبلت الفتاة نحوها.. ترى ماذا تريد منها..؟ لكنها لم تكن تقصدها هي بل توجهت إلى حميها قائلة في ميوعة زادتها اشمئزازًا منها:
- عمي.. قُل لـ حسام أن يذهب ويرتدي زيه الميري.
ضحك الرجل قائلًا:
- لماذا ألا تعجبك سترته هذه..؟ إنها رائعة.
- أعلم أنه رائع في كل الأحوال.. ولكنه بـ بدلة الضابط له سحر آخر فوق سحره.
أشار الرجل للساقي كي يأتي له بـ حسام الذي كان قد انشغل بالرقص مع فتاة أخرى لا تقل عنها هيامًا به.
أقبل حسام بابتسامته الواسعة والفتاة الأخرى تتأبط ذراعه وكأنها أبت أن تتركه لغيرها.. وما إن سمعت بأمر بدلة الضابط حتى تحولت لطفلة هي الأخرى وراحت تصفق بيديها وتتوسل إليه أن يرتديها من أجلها هي أيضًا.
كادت تُجن.. ما هذه التفاهة التي يتشاغلن بها ويتعاركن من أجلها.. كُنَّ كالدمي ليس في مظهرهن فقط.. بل في فراغ عقولهن أيضًا.
اقتنع أخيرًا بعد إلحاح شديد من الفتيات تارة ومن والده تارة أخرى وذهب إلى حجرته ليعود بعد قليل مُرتديًا بدلة الضابط وما إن وقعت أبصارهن عليه حتى انطلقت صيحاتهن المقيتة وبدأن في وصلة جديدة من الرقص والهرج أشد جنونًا من سابقتها.
أشاحت بوجهها هربًا من نظراته التي أصابتها أخيرًا فقابلت نظرات والده التي تسمرت فوق وجهها من الجهة الأخرى.. ما هذا الذي يحدث لها..؟
صاحت بعصبية لم تستطع التحكم فيها:
- سيدي.. سوف أذهب إلى حجرتي.
- مازال الوقت مبكرًا جدًا.
- أشعر بأنني متعبة.. لا أستطيع الاستمرار أكثر من هذا.
- وهل هروبك هو الحل؟
- ماذا؟
- ذهابك الآن يسمى هروبًا.
ارتجفت شفتاها قائلة:
- يعجبك إذًا ما يفعله ولدك؟
- أنا أعرف ولدي جيدًا.. حسام لا يتصرف بهذه الطريقة ما لم يكن غاضبًا.. ماذا فعلتِ له؟
- أنا... لماذا تحملني دائمًا أسباب تهوره وجنونه؟
- لأنني لم أعرف امرأة أخرى تفعل به ما تفعلينه أنتِ.
- بالله يا سيدي.. أنا لستُ في حالة تسمح لي بتحمل المزيد.
- هل تجيدين الرقص؟
نظرت إليه في تساؤل فتابع بلا اهتمام:
- تعالي لنرقص معًا.
اتسعت عيناها دهشة وما لبثت أن ابتسمت في عصبية قائلة:
- هل أنتَ جاد؟
- نعم.. هيا.
- كم كأسًا شربتَ حتى الآن؟
- إذا تفوهت بكلمة أخرى سوف أتخلى عن مساعدتك.
شعرت بنشوة غير مألوفة عندما أخذها إلى حيث يرقصون وراح يراقصها في مرح.. تحولت أنظار الحضور إليهما وتعالت صيحاتهم وضحكاتهم.. حتى حسام توقف عن الرقص وظل يحدق فيهما بابتسامة كبيرة.. تبدو حقيقية هذه المرة.. وجدت نفسها تضحك في هيستيريا لم تستطع التحكم فيها.. تخلصت فجأة من إحباطها الذي كاد أن يقتلها.. لا تدري كم من الوقت مضى حتى عاد بها إلى الأريكة من جديد وقد شعر بالإنهاك والتعب.
همس قائلًا:
- هل أنتِ أفضل الآن؟
ابتسمت في امتنان قائلة:
- نعم.. أشكرك.
- جيد.. سوف أذهب للنوم.. لقد سهرتُ طويلًا.
- أنا أيضًا سوف أذهب.
- كلا.. عليكِ البقاء للنهاية.. من المفترض أنكِ سيدة الحفل.
- هل ترى ذلك؟
- نعم.
أشار إلى حسام والفتيات اللواتي التففن حوله كما يلتف النمل حول قطعة من السكر وأردف قائلًا:
- لا تعطيهن الضوء الأخضر للعبور إليه.
تركها ليذهب إلى حجرته ولكنه وجدها تتبعه فاستدار إليها وهتف ساخطًا:
- عنادك هذه المرة سوف يضرك أنتِ أكثر من غيرك.
- هناك دواء قبل النوم يجب أن تتناوله.
- حسنًا.. سوف أتناوله.
- سوف أتأكد بنفسي.
حدق فيها فتابعت وهي تسبقه إلى الغرفة:
- على الأقل من أجل الراتب الضخم الذي منحتني إياه.
عادت بعد قليل إلى الحفل.. كانت إحداهن قد التصقت به وسكنت تمامًا وهو يراقصها وكأنها نامت بل ربما ماتت فوق صدره.. لم تفكر كثيرًا.. بل ربما لم تفكر أبدًا.. وجدت نفسها تقترب منهما وتتصنع ابتسامة قبل أن تزيحها عنه قائلة:
- عُذرًا.. لم أعد أحتمل أشواقي إليه أكثر من هذا.
تأملها في دهشة وهي تلقي بنفسها فوق صدره بدلًا منها.. أطلق تنهيدة طويلة كادت تزيحها بعيدًا عنه لولا ذراعاه اللتان التفتا حولها وهو يغمغم ساخطًا:
- إلى متى يجب أن أغفر لكِ؟
- حتى تُكفر عن كل ذنوبك في حقي.
- ذنوبي أنا..!
ابتسم مُرغمًا عندما راحت تحصي عدد الفتيات اللواتي تجمعن حوله طوال الوقت قائلة:
- عشرات الذنوب في ليلة واحدة.. فماذا عن أربعة أعوام مضت؟
- سالي...
- نعم.
- إلى متى سوف تتجاهلين ما أريده منكِ..؟ لماذا لم ترتدي ما أحضرته لكِ؟
- ألا يعجبك ثوبي هذا؟
- لا تتهربي من سؤالي بسؤال آخر.
- ضيوفك يتطلعون إلينا في فضول.. ربما من الأفضل أن نكُف عن جدالنا ونركز في الرقص فقط.
- يالكِ من مستبدة.. كيف أصبحتِ هكذا؟
- إنها الحياة يا سيدي.
- أمازلت تحبينني؟
- كلا.
أزاحها قليلًا ليتطلع في وجهها قائلًا:
- لماذا ترقصين معي إذًا؟
- لأنني بطلة المسرحية الهزلية التي تمثلها.
تراخت يديه حولها وهو يغمغم ساخطًا:
- اذهبي الآن يا سالي قبل أن أقدم على فعل سوف يؤلمك أمام الجميع.
- مُحال أن تفعل هذا.
- وما الذي يمنعني؟
- كرامتك يا زوجي العزيز.



أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس