عرض مشاركة واحدة
قديم 28-07-20, 12:00 AM   #43

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة 24
ألقت نظرة أخرى إلى نفسها في المرآة.. ماذا حدث لها..؟ كم مرة حدثت نفسها بأنها ستكون المرة الأخيرة التي تتفحصها فيها وأنها سوف تغادر بعدها ولكنها لم تفعل بعد..؟ كانت قد ارتدت ثوبًا أحمر اللون من قطعتين مُطعمًا باللون الكحلي في الياقة والأكمام.. ومزيدًا من الرفاهية التي بدت تدمنها.. ارتدت حذاءً أحمر اللون كانت قد اشترته منذ يومين.. أطلقت شعرها طليقًا.. أصبح رائعًا بعد أن هذبه لها مصفف الشعر في تسريحة حديثة زادتها إشراقة ونعومة.
زينت وجهها بالقليل من مساحيق التجميل.. لم تعد تعرف نفسها في المرآة.. صارت تعشقها.. أخذت نفسًا عميقًا وأسرعت تغادر الغرفة قبل أن تعود إلى المرآة من جديد.. لابد أن تلحق بهم في وجبة الغداء.
كانوا في انتظارها حول المائدة.. بادرها حماها قبل أن يرد تحيتها قائلًا:
- سالي.. كم مرة أخبرتك أن موعد الطعام مقدس؟
- آسفة.. لم أنتبه للوقت.
تأملها قائلًا:
- حسنًا.. اجلسي لا داعي لإضاعة المزيد من الوقت.
شرع حسام في تناول طعامه دون أن ينظر إليها.. أحقًا لم يرها..؟ ألم يلحظ ثوبها الجديد وتسريحتها الأنيقة..؟ ألم يلحظ حذاءها الأحمر..؟ ألم يلحظ كم بدت جميلة..؟ أهى حقًا جميلة..؟!
ما إن وضع الرجل الملعقة في فمه حتى صاح ساخطًا وهو يزيح طعامه جانبًا:
- دلال.. دلال.. خذي هذا الطعام من أمامي.
هتفت سالي مُحذرة:
- سيدي.. أنتَ مازلتَ في فترة نقاهة وتحتاج إلى طعام خفيف خالٍ من الدهون.
- هذا الطعام لا يصلح للاستهلاك الأدمي.
مد حسام ملعقته يتناول بعضًا من طبق والده.. كسى وجهه التقزز قبل أن يبتلعه مُرغمًا وهو يرى نظرات والده قد تركزت فوق وجهه.
ابتسم والده فى تهكم قائلًا:
- ما رأيك يا ولدي.. معي الحق أليس كذلك؟
تصنع ابتسامة قائلًا:
- تحمّل قليلًا يا أبي حتى تتحسن صحتك.
- من السهل أن تقدما لي النصيحة ما دمتما لن تتناولا منه.
أخذت سالي الملعقة وراحت تصب لنفسها صحنًا من طعامه قائلة:
- أنا سوف أشاركك إياه.
- أحقًا؟
- نعم.
وضعت في فمها ملعقة تلو الأخرى متصنعة ابتسامة لإقناعه بأن يفعل مثلها لكنها ما لبثت أن شعرت برغبة مُلحة في التقيؤ.. وما إن رفعت نظرها حتى وجدت ثلاثتهم يحدقون فيها وكأنهم ينتظرون ما سوف يصيبها بعد قليل.. شعرت بالحرج عندما انفجروا ضاحكين حتى الصغير الذي تمادى في الضحك طويلًا.. غمغمت ساخطة:
- حسنًا يا سيدي.. دعكَ من تناول الخضار.
أحضرت طبقًا نظيفًا وضعت به بعضًا من قطع الدجاج ووضعت بآخر بعضًا من السلطة الخضراء وقدمتهما إليه قائلة:
- يمكنك تناول هذا الآن.. ومن الغد سوف أعد لكَ طعامك بنفسي.
نظر إليها في تمرد فأردفت:
- أعدك بأنكَ سوف تستمتع به عندما أعده أنا لك.. دكتور شريف كان يحبه ويطلبه مني يومًا بعد آخر.
صاح حسام ساخطًا:
- هل كنتِ تعملين ممرضة أم خادمة؟
- تعلم جيدًا ما كان يمثله دكتور شريف بالنسبة لي.
- كلا.. أنا لا أعلم شيئًا.. أخبريني أنتِ ما الذي كان يمثله لكِ سيادة الطبيب؟
- شريف كان خطيبي.
- هل لمجرد أنه وضع خاتمًا في إصبعك صرتِ مسئولة عن طعامه وشرابه.. ماذا كنتِ تقدمين له أيضًا عندما كان يضحي ويصعد إلى الكوكب الذي كنتِ تقطنين فيه..؟ كيف كنتِ ترفهين عنه؟
- كلماتك لا تستحق التعليق.
- صمتك يعني أنني محق.. من كنتِ تظنينني الأسبوع الماضي؟
تخضب وجهها احمرارًا وهي تنظر إليه في غضب بينما هتف والده مستنكرًا:
- حسام.. كفى.. تخشيان على صحتي من بعض الدهون والأملاح بينما تحرقان أعصابي كلما اجتمعتما معًا.
- عذرًا يا أبي.. لكنها أستاذة في حرق الأعصاب.
صاحت غاضبة:
- شريف كان رجــ........
- حذار أن تذكري اسمه أمامي مرة أخرى.
غمغم والده بصبر نافد وهو يقدم له صحنه ويشير لأحد الأواني أمامه:
- ضع بعضًا منه هنا.
صاحت سالي محذرة:
- هذا خطير جدًا على صحتك.. أنتَ رجل ناضج فكف عن التصرف كالأطفال.
- كُفي أنتِ عن التدخل في شئوني.. وحذار أن تتحدثي معي بهذه الطريقة مرة أخرى.
- أنا لا أتدخل في شئونك.. أنا أقوم بعملي.
- وأنا لستُ في حاجة إليكِ بعد الآن.
أسرعت تغادر المائدة بضيق.. ليس هناك ما يجبرها على تحمل هذين المتسلطين.. نظر حسام إلى والده قائلًا:
- ربما عليكَ أن تنتبه أكثر لصحتك وتلتزم بتوجيهات الطبيب.
- اطمئن يا ولدي.. لقد صرتُ بخير.
تحولت أنظارهما إليها عندما عادت بعد قليل وقدمت مظروفًا إلى الرجل الذي غمغم في دهشة:
- ما هذا؟
- راتبك الضخم الذي منحتني إياه.. بما أنكَ لستَ في حاجة لي فأنا أيضًا لستُ في حاجة له.
- ألم تنفقيه بعد؟
- ولن أنفقه.
- من أين لكِ إذًا بثمن الملابس الجديدة ومصفف الشعر و.......؟
- كنت أعمل بجد لأربعة أعوام كاملة.. معي ما يكفي من النقود؟
- عجبًا.. مظهرك لم يكن يدل على ذلك.
- كنتُ أدخر النقود من أجل تعليم شريف.
رفعت رأسها في كبرياء وتابعت:
- ربما لم أنفق كثيرًا فيما مضى لأنني لم أكن في وسط عريق كهذا كل ما يهمه مني مظهري فقط.
تأملها الرجل مليًا قبل أن يعيد المظروف إليها قائلًا:
- احتفظي بنقودك.
- لن آخذ أجرًا لا أستحقه.
التفت إلى حسام الذي كان يتابع حديثهما صامتًا وقال:
- من أين أتيتَ بهذه الفتاة؟
حدق حسام في عيني والده.. ها هي النظرة التي انتظرها طويلًا تطل من عينيه الآن.. والده معجب بها.. نالت سالي القبول من ملك القصر في أقل من شهرين.. لكن ربما عليه ألا يفرح كثيرًا بهذا.. فهي لم تعد تحبه.. بل ربما كانت مُغرمة برجل آخر يداعب أحلامها من بعيد.
أيقظه من شروده صوت والده الذي قال موجهًا حديثه إليها:
- حسنًا يا طبيبتي العنيدة.. اتركيني اليوم حُرًا وغدًا سوف أجرب طعامك.
- ولكن...
- بالله كفى مجادلة.. هذا آخر ما عندي.
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تهز رأسها مُستسلمة.. نظر حسام إلى ساعته ووجه حديثه إلى الصغير قائلًا:
- أسرع حبيبي قبل أن يداهمنا الوقت.
سألته بدهشة:
- أين ستذهب؟
التفت ينظر إليها فحولت عينيها سريعًا إلى الطفل الذي صاح في مرح:
- سوف أذهب مع بابا في نزهة.
- إلى أين؟
- إلى أين بابا؟
قال في لامبالاة:
- دكتورة سلمى قدمت لنا دعوة لحضور السيرك القومي.
تاملته في اشمئزاز وهتفت بعصبية:
- اذهب أنتَ إن شئت.. ابني لن يذهب إلى أي مكان.
تطلع إليها ساخرًا قبل أن يوجه حديثه إلى الطفل:
- هيا بنا حبيبي.
صاح والده:
- من حق زوجتك أن تغار عليكَ.. خذها معك.
صاحت سالي مستنكرة:
- أغار.. وممن أغار..؟! كل ما في الأمر هو أنني لا أحب هذه المرأة.
غمغم الرجل:
- معكِ حق.. أنا أيضًا لا أحبها.. ولكن...
نظر حسام إلى والده وهتف مستنكرًا:
- أبي...
- عليها أن تعرف الآن أنكَ رجل متزوج وتحترم ذلك.
- سلمى إنسانة مُهذبة ورقيقة.. لم تتمكن بالأمس من حضور حفل ميلادي.. لهذا قررت أن تحتفل بي على طريقتها الخاصة.
- مهذبة ورقيقة..! مازلت عند رأيي فيها.. حمدًا لله أن سالي ظهرت في الوقت المناسب.
زفر حسام وهو يودعهما في طريقه إليها.. السخط الذي ظهر جليًا فوق ملامحها زاده إصرارًا على عقابها بشكل جديد.. فربما خضعت هذه المرة وكفت عن عصيانه وإثارته.
عاد والده يستوقفه قائلًا:
- انتظر حتى يكمل طفلك طعامه.
قال وهو ينظر إلى سالي في شماتة:
- سلمى في انتظارنا.. سوف نطلب وجبة سريعة في طريقنا إلى السيرك.
رغم الضيق الذي احتواها فقد نظرت سالي إلى حميها في امتنان.. يبدو أن الرجل ليس سيئًا كما كانت تظن.. قبّلها الطفل قبل أن يلحق بوالده مسرعًا.. شعرت ببعض القلق.. هل يمكن أن تؤذيه هذه الأفعى؟ ربما ما كان يجب أن تتركه يذهب.
جلست تشاهد التلفاز مع حميها.. كانت شاردة.. أفكارها هناك.. مزيج من الغيرة والغضب والخوف.. لم تعد تحتمل.. نهضت فجأة فنظر إليها الرجل في دهشة قائلًا:
- ماذا حدث؟
- سوف أذهب لأعيد الثوب الذي استأجرته أمس.
- أي ثوب؟
- ثوب السهرة.
- أستأجرتِه.. هل جننتِ.. كيف تفعلين شيئًا كهذا..؟!
- وما حاجتي للاحتفاظ به؟
- أنتِ زوجة حسام بك منصور.. ماذا يقول الناس عنا؟
- اطمئن يا سيدي.. لم أخبر أحدًا أنني زوجة صاحب السمو.
- كفى سخرية.. كُفي أيضًا عن مناداتي سيدي وكأنكِ تعملين عندي.
- أنا حقًا أعمل عندك.. ألستُ ممرضتك؟
- لكنكِ أيضًا زوجة ولدي الوحيد.. وأرجو أن تتفهمي هذا وأن تتصرفي بناءً عليه.
كان واضحًا أن صبره قد بدأ ينفد فلم تشأ أن تجادله كثيرًا.. قالت بهدوء:
- وبماذا تريدني أن أناديك؟
- نادني أبي كما يفعل حسام.
اتسعت عيناها وهي تطلع فى وجهه قائلة:
- لا أتذكر يومًا ناديت فيه أحدًا بهذه الكلمة.
تأملها الرجل في إشفاق قائلًا:
- لا بأس.. كم من الكلمات يصعب نطقها للمرة الأولى.. ولكنك سوف تعتادينها مع التكرار.
تطلعت إليه في دهشة قبل أن تبتسم مُرغمة.. يبدو أن الرجل يمتلك قلبًا كبيرًا رغم قناع القسوة الذي يُغلّفه.. وكيف لا؟ ألم يضحي بسعادته وراحته من أجل ولده الوحيد؟
- أمازلتِ مترددة..؟ لماذا تفكرين كثيرًا؟
- حسنًا يا... أبي.. اسمح لي بالذهاب الآن حتى لا يتأخر الوقت.
أسرعت إلى حجرتها لتعود بعد قليل وهي تحمل شنطة كبيرة وضعت بها الثوب.. في طريقها للبوابة وجدت نفسها تسأله بلا وعي:
- هل تريد شيئًا من الخارج؟
ابتسم قائلًا:
- أريد سلامتك يا ابنتي العزيزة.. خذي السيارة.
- أنا لا أجيد القيادة.
- السائق معكِ.
- سوف آخذ الأتوبيس.
نظر إليها ساخطًا فأردفت بسرعة.
- أخشى أن يفتضح أمري يا صاحب السمو.. اطمئن سأعود سريعًا بقدر استطاعتي.
*****


أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس