الموضوع: عهدي أنا
عرض مشاركة واحدة
قديم 30-07-20, 12:31 AM   #67

وداد ألبوران

? العضوٌ??? » 474563
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 87
?  نُقآطِيْ » وداد ألبوران is on a distinguished road
افتراضي الفصل الحادي عشر من عهدي انا

الله اكبر الله اكبر الله اكبر لا الاه الا الله الله اكبر الله الله اكبر ولله الحمد
الله اكبر كبير والحمدلله كثيرا وسبحان الله العظيم بكرة واصيلا

الفصل الحادي عشر



استقبال حافل تلقاه صخر و شاهين بقرية القيسيين فالأول شيخهم وحامي حمى قريتهم والثاني مازالت ذكرى صنيعه حينما اجتاحهم الوباء الذي كاد يبيدهم عن بكرة ابيهم لولا ان سخره الله لإنقاذهم راسخة في اذهانهم.
ولولا الحرس الذين فضوا احتشاد الناس امام المنزل لما استطاعوا دخوله حتى المغيب
وبمنزل الشيخ الكبير لم يقل الاستقبال حفاوة وقد اعدت الموائد و ذبحت الذبائح اكراما لزائرهم السيد شاهين و مرافقه عابد
رحب الشيخ صخر وهو يفتح بابي المجلس على مصراعيه
-تفضلوا يا سادة حللتم اهلا و وطأتم سهلا
ثم اردف حمزة الاخ الاوسط لصخر موجها كلامه لشاهين وهو يقدم له بنفسه شراب التمر البارد
-زيارتك هذه اسعدتنا بالغ السعادة يا سيد شاهين
-بارك الله بكم يا حمزة
بعد انتهاء الوليمة التي اعدت على شرفه طلب رؤية عروة الا ان صخر مانع ممانعة طفيفة
-ليس قبل ان ترتاح من عناء الطريق اولا
-لا راحة لي قبل ان ارى عروة وافحصه
اشار صخر لحمزة بهزة من راسه فاقترب منه خافضا اذنه ليسمع همس اخيه الاكبر
-ابقى مع الضيوف ريثما اخبر امي
استأذن وخرج الى مخدع اخيه ولسانه لا يكف عن الدعاء ان يجعل الله الشفاء على يد شاهين
وكما توقع كانت امه تحتضن صغيرها و آخر العنقود الذي لم يتحاوز الخامسة عشر و عيناها لم ولن تجف طالما صغيرها في هذه الحال ممدد على السرير بلا حول ولا قوة ، بعدما كانت ضحكته تبعث الامل والبهجة في الدار ومن فيها . وحالها لم يختلف كثيرا عن حال اخوته اللاتي تركن بيوت ازواجهن لمواساة شقيقهن الصغير
تجمعت النساء حول صخر عندما دلف الى المخدع تملأ اللهفة والتخوف اعينهن وكانت اول من سألته امه
-عدت يا بني اخيرا !!! اخبرني ما ذا قال الطبيب ؟ هل هناك علاج لاخيك ؟
ضمها صخر اليه بحنو وعيناه تحطان على اخيه النائم او ربما متظاهر بالنوم كما اصبح يفعل مؤخرا وقال بصوت مليء بالتفاؤل قصد ان يسمعه اياه
-السيد شاهين جاء معي ليفحص اخي بنفسه وباذن الله سيستعيد بطلنا صحته وبصره
رفعت امه كفيها بتضرع الى الله
عادت بجسدها المكتنز وقامتها القصيرة لابنها تقبل جبينه وتبثه جرعة من الامل يحتاجها
-هل سمعت يا حبيبي، الطبيب شاهين اتى بنفسه ، انه الافضل بين جميع الحكماء .
لم تتلقى منه اجابة وقد لازمه الصمت منذ فقدانه لبصره ليقول صخر لأخواته
-هيا خذوا امي الى مخدعها ، لا نريد ان ينتظر الطبيب اكثر

**********
عند مفترق الطرق اشارت عهد بحركة من يدها لم من معها بالتوقف ، بعدها ترجل الحضرمي عن حصانه وجلس القرفصاء يدقق النظر بالطريقين ثم التفت الى عهد و يده تضلل عنه اشعة الشمس
-اثار عجلات العربات بالطريق الايمن جديدة و عمق انغراسها في التراب يؤكد انها محملة بثقل كبير
-اذن فهي اثار قافلتنا
عاود اعتلاء حصانه مرددا
-انا متأكد من انها هي
-هل سنستطيع ادراكهم يا ابي
كان هذا تساؤل وضاح ليرد والده
-العربات كثيرة وثقيلة وستبطئ تقدمهم وحتما سندركهم
ارادت عهد ان تترأس الجمع لكن الحضرمي نهاها
-ابقى خلفي يا عهد فانا ادرى بهذه المنطقة منك
لم تجد بدا من معارضته فامتثلت لأمر و انطلقت بحصانها خلفه هي والباقين
انطلقوا بسرعة الريح وبعد امتار قليلة وجدوا عمالهم ممددين على الارض بجروح متفاوتة الخطورة ومن ضمنهم سعيد الذي كان قد لحق بالصوص وعلى ما يبدوا قد كشفوا امره، تفقدهم وضاح وعهد بعجالة وامرت وهم يستعدون لاستئناف بحثهم
-حسان خد رجلين معك وانقلوا الجرحى الى الحكيم اسحاق بسرعة
-لكن عددنا سيصبح قليلا اذا بهذا الشكل
نظرت عهد للحضرمي تبغي رايه بعد ملحوظة وضاح المهمة الا انه ايدها في امرها
-لا نستطيع تركهم ونمضي يجب ان نسعفهم بأسرع وقت ، هيا يا رجال نفذوا ما طلبته عهد ، هيا حسان نفذ بسرعة .

اخيرا وجدوهم على مقربة من الجبل الكبير وهي منطقة شديدة الخطورة بتضاريسهم المتشعبة واشجارها المتشابكة و حيواناتها الخطيرة ناهيك عن قطاع الطرق واللصوص الذين تعج بهم
صاحت عهد بغراب الذي يترأس عصابته
-ايها اللص الحقير
سحب لجام حصانه واستدار بعينين تقدحان شرر وباستهانة بعدما عاين بنظرة سريعة عددهم القليل
-من انت ايها الصغير طويل اللسان
-انا صاحب هذه الحمولة التي سرقتها
قهقه غراب عاليا
-لا تقل انك تريدني ان اعيدها
ارتفع جانبي فمها بما يشبه الابتسامة
بل جئت استردها بالسيف
مط شفتيه بسخرية و فرقع اصبعيه
-اذن ارني ما لديك
استلت سيفها وهجمت ومن معها عليهم وقد اظهرت ان سنوات تدريبها لم تذهب سدى وانها مقاتلة من الطراز الاول، تناور وتضرب وتلوح بسيفها بخفة كأنه لا يزن شيئا وعيناها على غراب الذي يتابع القتال على صهوة حصانه ، تقسم بداخلها ان تمحو تلك الابتسامة الكريهة عن وجهه البشع، اما الحضرمي فسنوات عمره الخمسين لم تزده الا خبرة وقوة فبضربة واحدة كان يطيح برجلين ويرسلهما في رحلة مستعجلة الى الجحيم ، ولم يكن وضاح الا شبلا من ظهر اسد ، ابن ابيه قولا وفعلا ، صفعة من يده القوية تسقط اقواهم عن حصانه ويغرز سيفه بعدها بسهولة في جوفه ، وبعدما كانت المعركة تسير لصالحهم ، فجأة قلبت الموازين عندما ظهرا عدد كبير من اولئك الملثمين وكأن الارض انشقت واخرجتهم ليجدوا انفسهم محاصرين ومحاطين بأكثر من ثلاثين ملثما .
اما رجلي المنذر فقد توارى كل منهما في مكان يسمح لهما برؤية الكل و خاصة عهد التي صوبا سهميهما نحوها منتظرين الفرصة السانحة للإطلاق ويبدوا ان قطاع الطرق سيوفرون عليهما عناء هذه المهمة.
****************


ابلغتها الخادمة ان شقيقتها الصغرى جاءت لرؤيتها ، فنهضت بسرعة تمسح يديها من العجين و خرجت للفناء لمقابلتها .
منتفخة العينين و بانف محمر ، ترغم نفسها على الضحك في وجه الصغيرة الزهرة التي تريها قطتها الجديدة عندما سمعت وقع خطوات ردينة ، رفعت رأسها و ركضت اليها تلقي نفسها بين ذراعيها
-سأموت يا ردينة سأموت
شهقة عالية رافقها طبطبة على ظهر امينة وهي تردد
-ابعد الله الشى عنك يا حبيبة قلبي ، لا تقولي هذا الكلام مجددا
-الموت اهون علي من الزواج بذلك الهرم
ابعدتها عنها قليلا وهتفت بها بلوم
-الم اخبرك اني سأتصرف ، الا تثقين بي يا امينة
اجابت بانهزامية شديدة
-وماذا بوسعك ان تفعلي يا اختي
امسكت بمعصمها وسحبتها خلفها
تعالي نتحدث بمخدعي وسأخبرك ماذا فعلت لعل الضحكة تعود لتزين محياك الجميل
وكالعادة تسللت جليلة خلفهما لتتجسس عليهما
اشرق وجهها واختفت العبرات من عينيها سائلة بفرحة
-عهد ابن السيد شاهين ؟؟؟؟ احلفي بالله انك تقولين الصدق
امسكت من يدها تجلسها مرة اخرى على السرير
-اقسم لك لقد اخبرني عقاب انه سيفاتحه بخصوصك وبشكل يحفظ كرامتك و ان شاء سيتقدم لخطبتك بعد ان يعود السيد شاهين من سفره
: بعدم تصديق والفرحة تقفز من كلماتها
-عهد انا لا أصدق ان عهد سيتقدم لخطبتي ، انا سأصبح زوجة لعهد العدناني ، اشعر ان قلبي سيتوقف من شدة السعادة
-واين سيجد من هي بجمالك و طيبة قلبك و ادبك وخلقك عليه ان يحمد ربه انك ستكونين من نصيبه
-بل انا من تحمد ربها ان شابا كعهد سيكون زوجي بدل ذلك العجوز المتصابي طلحة
من خلف الباب اقسمت جليلة ان تجعل هذه الزيجة لا تتم مهما كلفها الامر

******************
فتحت لها سندس الباب وادخلتها بترحاب كبير فرغم صداقتهما طويلة الامد لكنها نادرا ما تزورها في منزلها، وصلهم صوت الحاجة حليمة من الداخل
-من يا سندس
بصوت عال
-انها ميسم يا امي
ادخلتها الى البهو الفسيح حيث تجلس والدتها تدير حجر الرحى ليسحق حبات القمح
-اراك بمفردك ، هل فكت سعاد حصارها عنك اخيرا
بصوت مختنق خافت
-خرجت دون ان اخبر احد
مسحت على ظهرها فيما نهضت المرأة تستقبل صديقة ابنتها
-اهلا بالغالية ابنة الغالين
لاحظت انتفاخ عينيها وتساءلت بحنان امومي فطري
-ما به وجهك الجميل يا ابنتي قد كدره الهم
ابتلعت غصتها وارتعش ذقنها مودنا بدموعها التي اوشكت على النزول
رددت المرأة بجزع
بسم الله عليك يا ابنتي ، بسم الله عليك ، لابد ان عبن حاسد قد اصابتك
برجاء طلبت سندس من والدتها
-بالله عليك ارقيها يا امي عل يدك تكون فيها الشفاء
-بالطبع سارقيها ، تعالي يا ميسم
عاودت الجلوس في مكانها واجلستها الى جانبها و جعلتها تتكأ على ركبتها ووضعت يدها على جبينها و بدأت تقرأ عليها من الآيات والاذكار بخشوع وصوتها الذي يتسلل الى اعماق القلب و يمسح عليه كالبلسم وكلما قرات الحاجة حليمة كلما زادت تساقطت دموع ميسن وكلما شعرت بالراحة
بعدما انتهت السيدة الطيبة طلبت من سندس ان تحضر لصديقتها بعض الحليب بالزعفران واستغلت غياب ابنتها لتقول ببصيرة نافذة
-لا تفكري كثيرا يا ميسم ، ولا تمسكيها من حيث ثقلت
ارادت ان تستقيم لكنها منعتها واستمرت في المسح على رأسها لتهمس ميسم متسائلة
-ماءا تقصدين يا خالتي
-اقصد ما فهمتيه يا بنيتي وخذيها مني نصيحة، اختاري اهون الامور حتى لا تهوني
لو لم تكن تعرف سندس حق المعرفة وتعرف مدى كتمانها للسر لظنت انها حكت لوالدتها ، لكنها تعرف مدى وفاء صديقتها وتعرف ايضا ان الحاجة حليمة امرأة فاضلة وذات كرامات تتحدث عنها كل نساء القرية ، وقررت ان تاخذ بنصيحتها.
عندما اوصلتها سندس الى الباب فاجأتها
-لقد قررت ان اقبل براشد اذا ما تقدم لخطبتي
سعدت سندس بهذا القرار
-عين الصواب يا صديقتي ، راشد شاب طيب وخلوق وسيسعدك
اطرقت براسها رغم اقتناعها بما قالت لكن للقلب راي اخر ، ربتت على كتفها صديقتها الوحيدة وقد تفهمتها
-انسيه يا ميسم، حبك له لن تجني من ورائه سوى الالم ، انسيه
***********
يقال ان الكثرة تغلب الشجاعة وشجاعتهم مهما عظمت فهي لن تكون كافية لهزم هذا العدد الكبير من هؤلاء المجرمين ،
تشدق غراب بغرور عندما احكم رجاله حصار عهد ومن معها واصبحوا كالفئران بالمصيدة
-اراك ابتلعت لسانك ايها الفتى المغرور
تبادلت النظرات مع الحضرمي وعهد اللذان شكلا درعا حولها مستعدان للموت ولا تمس شعرة منها
واسترسل متابعا
-غلطتك انك دخلت عرين الاسود وانت مجرد جرو صغير لا زال يتعلم النباح
ثم اعطى الامر لرجاله
-تخلصوا منهم بسرعة فقد طالت هذه المهزلة
كانوا كالضباع يلتف عدد كبير منهم حول كل واحد على حدى بشكل صعب معه على الحضرمي وابنه حماية عهد التي هاجمها ثلاثة دفعة واحدة وفي الوقت الذي ظنت فيه انها هالكة لا محالة ، انطلق سهمين اصاب اثنين من مهاجميها احدهم في منتصف الجبهة والاخر انغرز في قلبه واستغلت ذهول الثالث ودون تفكير طعنته بسيفها في بطنه .
لم تتوقع ان تفرح لرؤية صقر وعقاب لهذه الدرجة لكن رؤيتهما يطلقان وابلا من السهام دون توقف وبشكل سريع ودقيق على قطاع الطرق كانت اجمل منظر قد تراه في حياتها
استغلت ومن معها حالة التشتت التي اصابت اللصوص واعادوا ترتيب صفوفهم واستئناف هجومهم وبعدما اسقط عقاب وصقر عددا كبيرا منهم انضما لعهد ومن معها في القتال بالسيوف .
كان عقاب ذكيا كفاية ليوقن ان صقر لن يتأخر عن مساعدته ، ليس شهامة ونخوة لكن ليرى نظرة الفخر في عيني عمه عندما يعود ويعلم انه قد ساهم في انقاذ بضائعه و ربما ابنه الوحيد والسبب الاخر ان وجوده معه سيغنيه عن الاستعانة بحرس ابيه اما هو فكان يشعر بحالة غريبة من النشوى كلما طعن واحدا وكان يتعمد الا يقتله وانما يحدث به اصابة بليغة او تشوها بوجهه او رقبته و ضحكة مجنونة تعلو ثغره في حين كان عقاب يغطي ظهر عهد و يقضي على كل من يقترب منها و في غفلة منه منح الحارس الذي ارسله المنذر الفرصة ليطلق سهمه ولولا لطف الله ويقظة الحضرمي الذي دفعها بعيدا ووضاح الذي استل خنجره المزروع بحزام خصره وقذف به بدقة وبراعة شقت عنق الخفير لكان السهم استقر في قلبها
-هل انت بخير ؟
استقامت عهد وعيناها على السهم المغروز بجذع الشجرة بدلا عنها
-انا بخير يا عمي ، شكرا لك
لم يطق غراب ان يبقى مكتوف اليدين هكذا ورجاله اوشكوا على ان يسحقوا على ايد هؤلاء القرويين البؤساء ، لدا انضم لرجاله مقدما لهم دعما كانوا في امس الحاجة له ويحسب لغراب انه مقاتل لا يستهان به ذو قوة وبأس شديدين و تدخله احدث فرقا كبيرا اضافة الى مجموعة جديدة من الملثمين انضمت اليهم
هتف صقر وقد اصابه الحنق فكلما اسقط واحدا ظهرا اثنين
-ماهذا ؟ انهم كالجراد لا يتوقفون على التكاثر
رددت عهد وهي تنحني لتتفادى طعنة
-هل تعبت يا ابن العم ام انك خائف
ضحك صقر باستمتاع وهو يسدد رأسية لأنف هذا المقبل عليه
-وهل يخاف الصقر من الدجاج يا صغيري
صاح بهما عقاب
-هل هذا وقت الحديث ، انتما الاثنان
لكن لم يكن صياح عقاب ما اخرسهم وانما الجيش الذي حضر و التف حولهم كما يلتف الخاتم حول الأصبع ليهمس وضاح برهبة
-انها نهايتنا
*********************
دلف شاهين يلحق به عابد حاملا لحقيبته الى مخدع عروة ومعهما صخر وحمزة وقد اخذ فكرة شاملة عن الحالة النفسية المتردية له من اخويه ، اقترب من سريره قائلا بنبرته الهادئة الباعثة على الطمأنينة
-كيف حالك يا بني ؟
اختلاجة في فك عروة ابلغته انه مستيقظ وانه قد سمعه، جلس الى جانبه متسائلا
-هل عرفتني يا عروة
هز رأسه في استجابة وان كانت ضعيفة الا انها كانت مشجعة لشاهين ليسترسل
-اريد ان اسمعها منك
ساد السكون لدقائق قبل ان يهمس عروة بخفوت شديد
-انت الطبيب شاهين
كانت اول مرة يسمع الاخوان صوت اخيهما من شهور و اه كم اشتاقا لهذا الصوت
ضحك شاهين ممازحا اياه
-الحقيقة اني لست طبيبا وانما تاجر
ثم انحنى عليه كانه يخبره سرا
-لكن لا تقلق فالجميع يقولون انني ماهر جدا في الطبابة
شعر شاهين بالشفقة عليه عندما رأى عبراته تتساقط من خلف القطعة القماشية السوداء التي يضعها على عينيه و قد كانت كالنار تشوي قلب صخر رغم ثباته و صلابته فالله يعلم كم ان روحه تتمزق فعروة ليس مجرد اخ صغير بالنسبة له بل ابنه الذي رباه بنفسه وتولى مسؤوليته بعد وفاة والدهم الشيخ أسد القيسي وعمره سنة واحدة
اراد معانقته لكن يد شاهين اوقفته وحرك رأسه بصمت برفض ، لا يريد شاهين لعروة ان يشعر باسى الاخرين عليه وحزنهم لمصابه واشعارهم اياه انها نهاية العالم .
وسال عروة ويده تمتد على تلك القماشة السوداء التي يرفض ازالتها عن عينيه مهما حصل
-هل تسمح لي يا عروة برفعها
وضع عروة يده على يد شاهين هامسا برهبة
-هل سأبصر من جديد ؟
رد بحزم
-هذا يعتمد على مدى استعدادك لمساعدتي
-انا مستعد لأفعل اي شيء لارى نور الشمس مرة اخرى
وبثقة وحزم اكد له
-سيحدث باذن الله
ازاح القماش و تفحص حرارة جبينه اولا وقام بفحص عينيه وسأله وقد لاحظ شيئا غريبا
--هل ما تراه سواد في سواد ام انك ترى لونا اخر
-لا ليس سوادا وانما ستارة بلون الدماء تغشي عيني كلما فتحتهما
فكر بعمق وبدا له ان الحمى لا علاقة لها بمصابه ، اشار لعابد ان يعطيه حقيبته ، فتحها واخرج منها قارورة صغيرة بسائل ازرق داكن وقال له
-سأقطر لك قطرة من سائل ستحرقك قليلا لكن تحمل

ضم قبضتيه وحرك راسه لشاهين ان يمضي فيما يفعل اسقط قطرتين في كل عين ثم اردف
-ساحرك يدي امامك اخبرني اذا احسست بظل مهما كان بسيطا
حرك شاهين يده ببطء ثم بسرعة ثم ببطء
-ها يا عروة هل لمحت اي شيء
اجاب باختناق
-لا شيء على الاطلاق يا سيدي
ربت على كتفه بدعم
-لا بأس لا تقلق، عابد ناولني تلك الشمعة
اسرع عابد بمد الشمعة الموضوعة على المنضدة له
اخذ الشمعة المشتعلة و قرب لهيبها امام عينيه بشكل لايؤذيه و حركها بنفس الطريقة ليهتف بحماس رغم غصة البكاء
-ارى ظلا يا سيدي الطبيب ارى ظلا ، اقسم اني اراه
امسك بيده يقول و ثقته بانه قادر على علاجه تضاعفت
-سترى يا صغيري ، ستفتح عينيك من جديد
دنا حمزة ولم يعد يستطيع تمالك اعصابه
-هل هذا صحيح يا سيدي؟
-نعم صحيح
ثم وقف واعاد الشمعة لمكانها وطلب محادثتهما خارج الغرفة وامر عابد بوضع كمادات باردة لعروة
وقف مكتفا يديه خلف ظهره وتحدث بصوت خفيض
-مصاب عروة ليس له علاقة بالحمى وهذا سبب فشل الحكماء الذين فحصوه في علاجه
تبادل الاخوان نظرات مستغربة ليستوضح منه صخر
-اذا لم تكن الحمى فماذا يكون ؟
اخذ نفسا عميقا قبل ان يشرح ما وصل اليه تشخيصه
-هناك نوع من انواع الفطر السام تناوله بكميات قليلة وعلى فترات طويلة يسبب بداية حمى شديدة ووهن في الجسد وصولا ال الموت ى العمى وربما ...الموت
صعق حمزة و صخر مما سمعا فيما تابع شاهين
-المشكلة ان هذا الفطر لا ينمو في مناطقنا اي ان
سبقه صخر في استنتاج وأصابعه تتخلل لحيته بتفكير
-اي ان تسميم اخي كان مقصودا
-بالضبط
ثار حمزة وصاح
-من هذا الذي يجرؤ على تسميم اخي ، اقسم ان اقتله بيدي هاتين
امسكه صخر من مقدمة ملابسه كازا على اسنانه
-اصمت واهدأ يا حمزة ، لا نريد لاحد ان يسمع
ضرب قبضته بالحائط واغلق فمه مرغما فيما تحدث محاولا التمتع بأكبر قدر من الهدوء
-المهم الان هل يوجد علاج او ترياق لهذا السم
طمأنه قائلا
-معرفة اصل الداء هو نصف الدواء وطالما عرفنا سبب العلة علاجها سهل باذن الله
شكره صخر بامتنان عظيم و اخبره انه سيؤمن له كل ما سيحتاجه لتركيب الترياق ولو كان في جوف السبع
ولما دلف شاهين ثانية لغرفة عروة همس الشيخ صخر لاخيه حمزة
-يجب ان نجد من فعلها باسرع ما يمكن
بتصميم تحدث حمزة
-سنجده يا اخي حتى لو اختبأ في بطن امه
***************

-الزعيم ؟!!!
خرجت الكلمة مصعوقة من شفتي غراب وهو يرى الزعيم واقفا بشموخ على حصانه وعيناه تطلقان سهام الغضب عليه ، نعم لقد اخطأ و قد ظن ان خطأه سيغفر اذا ما جاء محملا بهذه الغنيمة العظيمة ، لكن الغنيمة اصبحت مغموسة بالعلقم فأصحابها لحقوا بهم و قتلوا رجالا كثرا من صفهم و قد تطير رقبته عقابا لهذا الخطأ الجسيم
تجاهل الزعيم غراب و ترجل عن حصانه امرا رجاله بعلو صوته اخفضوا سيوفكم وتراجعوا في الحال
امتثل الجميع بمن فيهم غراب لأوامر الزعيم تحت نظرات عهد ورفاقها المدهوشة وقد زادت دهشتهم عندما وقف امامها واماط لثامه عن وجهه وقال بتقرير اكثر منه سؤال
-انت عهد ابن السبد شاهين اليس كذلك ؟
وقف الحضرمي حائلا بينهما مجيبا اياه بقوة
-نعم هو عهد ، ماذا تريد منه ؟
ابعدته برفق و ربتت على ذراعه ثم سألت الزعيم
-هل تعرفني ايها الرجل
طبعا يعرفها جيدا فكم مرة راها عندما كان يأتي للقرية متنكرا لشراء مستلزماتهم ، لم يد على سؤالها وانما قال
-لقد ارتكب رجالي غلطة كن متأكدا انهم سيدفعون ثمنها وانا مستعد الى اي ترضية تطلبها
تدلى فك وضاح الم يكونوا قبل قليلا على شفا حفرة من القبر والان يعتذر منهم هذا الزعيم
اما صقر فقد اطلق ضحكة عالية
-هذه اول مرة ارى لصا ذو اخلاق عالية ، انا فخور بك يا زعيم اللصوص
لكزه اخوه في جانبه ليسكته كي يسمع رد عهد الذي لم يطل انتظاره
-لا نريد منكم اي ترضية ايها الرجل ، كل ما نريده ان نعود بسلام و مع رزقنا الى قريتنا دون ان تتعرضوا لنا ويكفي ان احدا من رجالنا لم يقتل .
-لك هذا ، ولك كلمتي ان لا يمسك اذى من اي من رجالي لا انت ولا من معك وبضاعتكم هاهي امامكم تفحصوها ان كان شيء ناقص بها
اشارت لوضاح ان يتفقد محتويات العربة لكنه كان مزال على ذهوله ليتولى والده هذه المهمة
-كل شيء كما هو
قالت عهد
-كما سمعت ايها الزعيم ، بضاعتنا كاملة وسنذهب بها بسلام كما وعدتنا
-وانا لا اعود في وعدي ، رافقتكم السلامة
ثم استدار عائدا لحصانه لكن قبل ذلك يهمس في اذن غراب بنبرة حبست انفاسه
-حساب عسير ينتظرك ايها الغراب
**********
شيعوه بأنظارهم حتى اختفى هو عصابته والدهشة ترتسم على وجه كل منهم ، مالذي دفع زعيم قطاع الطرق ليفعل ما فعل ويقول ما قال ولا احد توصل لاجابة
اعتلى صقر حصانه بعد ان ارتأى ان لا فائدة من بقائه فقد قام بما عليه وانتهى
-انا ساعود للقرية يا عقاب ، هل ستأتي معي
-انتظر يا صقر سنعود كلنا سويا
تدخلت عهد في الحوار قائلة بامتنان
-انا اشكركما جزيل الشكر يا عقاب وانت يا صقر على مساندتكما فلولا وجودكما الله وحده يعلم ما كان سيحدث
انتفخت اوداج صقر وابتهج بما قاله الصغير عهد، اخيرا اصبحت له واحدة عليه، لم يفهم ما حدث في اللحظة الموالية ، ثانية واحدة كانت كل مايلزم لتردي عهد مقتلولة اذا كان عقاب لم يلمح ذلك الملثم وهو يطلق السهم باتجاهها
رمى بجسده عليها ليصيبه بكتفه
وسقط بجانبها عقاب وصرخ في وقت واحد صقر و حضرمي بجزع كل باسم من يهمه
-اخي !!!!!
-عهد!!!!
هتفت عهد وهي تتفقد عقاب
-انت بخير عقاب
جاهد بالم ينزع رأس السهم من كتفه وصاح بصقر
-انا بخير ، الحق به يا صقر بسرعة
القى نظرة على الجرح الذي يبدوا انه ليس خطيرا لحسن الحظ وانطلق خلف ذلك الوغد .
ذلك الكاذب الحقير، كيف وثقنا بوعد لص وغد
كان هذا وضاح الذي يعض اصابعه غيظا وغضبا ظنا منه ان من اطلق ذلك السهم هو احد رجاله .
الا ان عقاب كان ذا بعد نظر ثاقب وبيقين قال
-ليس هو يا وضاح ، انه شخص اخر انا واثق
وافقته عهد الراي
-وانا اظن ذلك ايضا ، لو كان الزعيم يريد قتلنا لأجهز رجاله علينا بغمضة عين ، مالذي سيجبره على الضرب اسفل الحزام
بعصبية
-اذن من فعلها يا عهد ، من يكون غريمنا
التفتت عهد الى الحضرمي الساكت بشرود
-اراك صامتا يا عماه
-افكر ان مطلق السهم الاول والثاني تابعان لنفس الشخص
وقد خمن هويته لكنه احتفظ بها لنفسه حتى يعود السيد شاهين و و بداخله يعاهد نفسه الا تغيب عهد عن ناظريه مهما حصل
-لنعد للقرية و بعدها لها مدبر حكيم ، عقاب يحتاج ان نسعفه قبل اي شيء
***********
لم يستغرق وقتا طويلا للامساك بذلك الفأر ، فمن الواضح انه جاهل بهذه المنطقة ، انقض عليه كالصقر واسقطه عن حصانه ارضا و اماط اللثام عن وجهه ليصدم عند رؤية وجه الرجل الذي يعتبر من الحراس المقربين لوالده
-هارون !!!!
هتف الرجل بخوف
-انا عبد مأمور يا سيد صقر
جذبه من تلابيبه ليقف والصقه بجذع شجرة واستل سيفه واضعا اياه على رقبته
-من امرك بقتل اخي ايها الكلب الخائن
اتسعت عيناه رعبا و اسرع يوضح بهلع
-لا لا لم يكن السيد عقاب هو المقصود
قرب نصل السيف من عنقه اكثر
-اذن من ؟
ازدرد الرجل لعابه متمتما
-عهد ، الشيخ منذر امرني انا وجساس ان نقتل عهد
اتسعت عيناه بصدمة ، هو يدري ان والده يكره عمه لكن ان يصل به الحقد بان يقدم على هذه الفعلة ، فعلا لا يصدق.
اظلمت عيناه و اسود وجهه واحنى رأسه على هارون وابتسم ابتسامته التي تجمد الدماء في قلوب من يراها
-لكنك اخطأت هدفك وكدت تقتل اخي وهذا خطأ لا يغتفر يا هارون
وبدم بارد وبطء قاتل مرر السيف على عنقه ذابحا اياه بمنتهى البساطة ولم تهزه حتى الدماء التي انفجرت في وجهه وملابسه
****************

- منذ الصباح وهي تتجول بالسوق ضاربة بقرار الشيخ الذي منعهم من دخول القرية حتى يبدأ المهرجان عرض الحائط دون ان تلمح اثره ، مرت على جميع الدكاكين التي علمت انها تخصه لكنه لا يوجد ، ترى اين اختفى ، قالت رفيقتها التي كانت قلقة من ان يتعرف عليهم الحرس فهذه الجلابيب لا تخفي انهم غجر
- -لنعد الى المخيم يا نيران ، اخشى ان نقع في ورطة اذا ما رآنا الخفر
تجاهلت ثرثرة رفيقتها وعزمت ان تدخل دكان السجاد وتسأل عنه ولايهم ما يحدث بعدها
-انتظريني هنا سأعود في الحال
تقدمت من عرفان الذي يتآكلها القلق على عهد والقت السلام عليه
-السلام عليكم يا عم
رد تحيتها بغير اهتمام وعيناه على الباب ينتظر من يأتيه بخبر ، لم تلقي بالا لقلة ذوقه فهم الغجر قد اعتادوا على هذه المعاملة وسالته
-اين اجد السيد عهد من فضلك
القى عليها نظرة من راسها الى اخمص قدميها وسالها
-وفيما تريدين عهد يا فتاة
مطت شفتيها بانزعاح
-اريده في موضوع خاص
قبل ان يرد دخل العامل الذي ارسله ليتقصى الاخبار فنسي امر هذه المزعجة ونض يساله متلهفا
-هل عاد عهد ومن معه
-ليس بعد يا عم عرفان وحتى السيدة خولة تكاد تجن من قلقها عليه وعلى من معه
-ما به عهد ؟ ماذا حصل له؟
صاحت بها نيران ممسكة بذراع العامل الذي اجاب رغم استغرابه منها ومن حالتها
-لقد لحق بقطاع الطرق ليستعيد البضاعة التي سرقوها منذ الظهيرة ولم يعودوا الى الان
سقط قلبها في قدميها ، لا يمكن ان يحدث له مكروه لا يمكن
وخرجت تركض من الدكان و العبرات تغرق خديها .
*************
سار صقر عبر حديقة منزلهم باتجاه مجلس والده يقسم بالله ان يجعل ليلته هذه سوداء بسواد جناح الغراب
-صقر ، يا صقر
تسمر في مكانه عند سماعه لهذا الصوت الذي يرفض ان يترك ذاكرته ، عاد الصوت ينادي مجددا باسمه
-يا صقر ، ياااا صقر
اغمض عينيه بشدة و سد د اذنيه بكلتا يديه نافضا راسه

-ابتعدي عني ، دعيني وشأني
عندما فتح عينيه وجد امانة امامه تحمل خنجره بيدها و عنقها المشقوق يقطر دما وتبتسم له
تلاحق انفاسه وارتج جسده وصاح بها
-تبا لك تلاحقينني حتى في اليقظة
وكما ظهرت فجأة اختفت فجأة
دب الرعب في قلب المنذر عندما دخل عليه صقر بثياب ملوثة بالدماء ووجه شاحب كشحوب الموتى حتى انه لم يقوى على الوقوف وبالكاد خرج سؤاله المتعثر من فمه
-اين كنت ...و..ما هذه الدماء ؟
نظرة قاسية سددها لوالده قبل ان ينهار على الكرسي المجاور له ساد بعدها سكون قاتل لم يجرؤ المنذر على شقه حتى نطق صقر اخيرا
-الحفرة التي اردت ان توقع بها شاهين كانت من نصيبك يا...ابي
ازدرد لعابه وضربات قلبه تعلو وسأل بضعف رافضا ان يكون مقصد صقر هو ما فهمه .
-ماذا؟
بكل حقد السنين و بكل الغل الذي طال حبسه في صدره نفث الكلمات كما تنفث الافعى سمها
-من ارسلتهم لقتل عهد قتلو عقابك يا شيخ ....
خر على ركبيته وقد عجزتا عن حمله وجف حلقه
-اب..ابني، لا ، عقاب
اطلق ضحكة خالية من المرحة تنضح جنونا
-عقاب بخير مجرد جرح بسيط ، لا تخف
استند المنذر على كرسيه ليقف وهو يهز راسه برفض ، وعدم تصديق
-انت مجنون ، لعمري انك مجنون ومعتوه
استمر صقر بالضحك
-معك حق ان مجنون ومنذ زمن طوييييل
صاح به و يده تقبض على ذراعه
-كيف هان عليك اخوك ان تقول عنه انه مات
نفض يده منه وضغط على كل حرف
-كما هان عليك اخوك لتحاول قتل ابنه
-انت من ارسلتهم ، انت يا ابي
جملة عقاب المصدومة الذي دخل مستندا على عباس سحبت الدماء من وجه المنذر ولكنها كانت كالموسيقى في اذن صقر .


في انتظار اراءكم وتعليقاتكم واتمنى يكون الفصل عند حسن ظنكم وابغي اشكر البنات اللي دائما يشجعوني بتعليقاتهم الجميلة شكرا لكم


وداد ألبوران غير متواجد حالياً