عرض مشاركة واحدة
قديم 30-07-20, 02:25 AM   #48

أماني عطا الله

? العضوٌ??? » 472399
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » أماني عطا الله is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة 27

سلمت ورقة الإجابة وخرجت على عجل.. نظرة أخرى إلى ساعتها أخبرتها بأنها استغرقت وقتًا أطول هذه المرة.. كان الامتحان أطول من المعتاد.. إنها الامتحانات الأخيرة بالنسبة لها وربما أرادت بعض الدقة والإنجاز لذا تطلب الأمر منها مزيدًا من الحرص.. عليها أن تلحق بـ شريف قبل أن يأتي حسام.. مازال أمامها ساعة كاملة قبل أن يأتي لاصطحابها كما أخبرته بموعد انتهاء الامتحان صباح اليوم.
ترى ماذا سيفعل شريف عندما يعلم بوجود حسام معها..؟ كيف ستقنعه هذه المرة أيضًا بأنها كانت مُجبرة؟
وصلت لبوابة الخروج من الجامعة.. ها هو ينتظرها كعادته.. تستطيع أن ترى ابتسامته الدافئة من مكانها.. فتح باب السيارة وترجل منها استعدادًا لاستقبالها.. يبدو فى غاية الشوق إليها كما هي في غاية الشوق إليه.
- حبيبتي.. تأخرتِ نصف الساعة.
التفتت في فزع لتجد حسام أمامها.. ما الذي أتى به الآن..؟ يبدو أنه كان ينتظرها بعد منتصف الوقت كما يفعل شريف.. هتفت في حدة:
- ما الذي أتى بك الآن؟
- يا الله.. ما هذا الاستقبال الجاحد..؟ كلما صنعتُ بكِ معروفًا ازددتِ سخطًا.. كان لابد أن تشكريني لأنني أهتم لأجلك.
- الساعة الآن الحادية عشر.. أخبرتك أن تأتي في الثانية عشر.
- أهذا جزائي لأنني أشفقت عليكِ من أشعة الشمس الحارقة؟
- كنتُ أحتاج لمراجعة بعض الإجابات مع زملائي في الصف.
- خارج أسوار الجامعة؟!
- ما الذي تريد قوله؟
تصنع ابتسامة باردة لم تنجح في إخفاء الضيق الذي تسرب إلى صوته:
- هل تنتظرين أحدًا أم يمكننا الذهاب الآن؟
غمغمت في إحباط:
- دعنا نذهب.
لم تلحظ في ذروة انفعالاتها أنه تتبع نظراتها اليائسة وهي تتطلع لتلك السيارة البيضاء الصغيرة التي توقفت على الجانب الآخر من الرصيف.. ولا النظرة الغاضبة التي طلت من عينيه وهو يتطلع بدوره إلى قائدها الأكثر إحباطًا منها.
استوقف إحدى سيارات الأجرة.. جلست بجواره في ضيق دون أن تلحظ أنه متبادل..توقفت السيارة امام أحد المطاعم.. ترجلت منها على مضض وتبعته إلى الداخل.
قال في نبرة جافة:
- سوف نتناول وجبة سريعة.
- أنا لستُ جائعة.
- أنا جائع.
جلس يتناول طعامه في صمت بينما لم تمس طبقها.. كانت شاردة.. ترى ماذا يفعل شريف الآن..؟ هل سيكون في انتظارها غدًا ..؟ لابد أن تجد طريقة للاتصال به على الأقل للاعتذار له ومواساته.. كان يبدو حزينًا جدًا وهو يراهما معًا.
ابتلع طعامه دون أن يعرف ما الذي يدخل جوفه.. لماذا هي حزينة وشاردة..؟ أتراها تعشق ذلك الطبيب حقًا..؟ ولكن ماذا عنه هو.. زوجها ووالد طفلها..؟ لقد أحبته يومًا وسلمته نفسها دون قيد أو شرط.. أيعقل أنه أصبح لا يمثل شيئًا لها الآن..؟ نظراتها الممتلئة شوقًا وحسرة وهي تتطلع لذلك الطبيب تحرقه حرقًا.. ماذا الذي يجب عليه أن يفعله..؟ وأيهما يختار.. كبرياءه أم حبه..؟
تنهد قائلًا:
- تناولي طعامك.
لم تجبه.. كانت شاردة في عالم آخر.. زاده شرودها غضبًا.. انتفضت عندما ضرب المائدة بقبضته وهتفت ساخطة:
- ما هذا الجنون؟
- معكِ حق.. جنون.. ما أفعله وما سوف أفعله جنون.
- ماذا تعني؟
- هيا لنذهب.
*****
لم يتوقف عن السباب فوق كل درجة كعادته كلما اضطر لاعتلاء السلم حتى شقتها بسطح الxxxx.. الذي تعجبت له هو شعورها بالإجهاد والسخط.. يبدو أنها أدمنت الثراء وعليها أن تتعافى منه قبل أن تزداد حالتها سوءًا وتضطر لتقديم تنازلات لا ترغب فيها.
- أخبرتك أن ننزل في الفندق بدلًا من هذا العذاب.. ولكن كيف تكونين أنتِ ما لم تعصيني؟
- أنا لم أجبرك على البقاء معي.. بل لم أجبرك على المجيء معي منذ البداية.
أشار بإصبعه محذرًا:
- سالي.. أنا حتى الآن لا أريد أن أتسبب لكِ في توتر أو أضغط على أعصابك حتى تمر امتحاناتك بسلام.. ولكن حذار.. صبرى قد بدأ ينفد.
تأملته في لامبالاة وهي تدخل إلى الحجرة الوحيدة بالمسكن وتغلق بابها قائلة:
- هل تسمح لي بتبديل ملابس؟
توجه إلى الشرفة وأمسك رأسه في ألم.. الصداع كاد أن يفتك به.. من أين له بكوب من القهوة الآن..؟ فنجان صغير لن يجدي نفعًا.. شعر بأنفاسها خلفه فاستدار إليها.. بداخله كلمات لا حصر لها لكنه لم يقل شيئًا.. سوف ينتظر أيام قليلة لا مفر منها حتى تنهي امتحاناتها.
سألها في دهشة:
- لم تبدلي ملابسك بعد؟!
- أنا جائعة.
- الآن..؟!
- اطمئن.. سوف أنزل أنا لأحضر طعامًا لنفسي.
تفحصها في غضب.. كان يعلم أفكارها.. لا شك أنها تريد الاتصال بذلك الطبيب.. هل تفتقده إلى هذا الحد..؟
قال ساخطًا:
- حسنًا يا سالي.. اهتمي أنتِ بدروسك وسأذهب أنا لأحضر لكِ طعامًا.
- لا أريد أن أتعبك.
- أحقًا..؟
- دعني أذهب أنا وأتحمل نتيجة عصياني لك.

عض على شفتيه غيظًا.. شعرت من نظراته أنه ربما يلقي بها من الشرفة فأسرعت تبتعد عنها بينما تقدم هو منها في غضب.. ولكنه ما لبث إن غادر ليحضر لها الطعام.

*****
وقفت سالي أمام بوابة الجامعة تتلفت حولها في دهشة.. نظرت في ساعة يدها.. إنه نفس موعد الأمس تقريبًا.. لكن لا أحد ينتظرها.. شريف غاضب إذًا.. ولكن ماذا عن حسام..؟ هل قرر أن يلتزم بموعده اليوم ويأتي في الثانية عشر كما طلبت منه..؟ كيف ستقضى ساعة كاملة في هذا الطقس الشديد الحرارة..؟
عليها أن تبحث عن تليفون قريب وتعتذر لـ شريف عما حدث أمس.. لابد أن تراه قبل أن تغادر إلى القاهرة.. لكم تخشى أن يسرقها الوقت وتضطر إلى الرحيل بدون رؤيته..!
- حبيبتي.
- شريف.
هتفت باسمه في لهفة عندما وجدته أمامها فجأة.. بادلته ابتسامته الحانية الممتلئة شوقًا بمثلها وهي تجاهد لتتحكم في انفعالاتها قائلة:
- كنتُ في طريقي لمحادثتك تليفونيًا.. ظننتكَ لن تأتي خاصة عندما لم أجد سيارتك.
- لقد تركتها على بُعد بضعة أمتار.. تعالي.
تبعته إلى حيث ركن سيارته.. جلست بجواره وطال الصمت بينهما حتى قطعه أخيرًا عندما همس دون أن يرفع عينيه عنها:
- تغيرتِ كثيرًا يا سالي.. لولا كونكِ محفورة في عيني وذاكرتي.. ربما ما كنتُ عرفتك.
ابتسمت في دلال قائلة:
- أتمنى أن يكون للأفضل.
قال وعيناه تسبق كلماته إعجابًا:
- بالطبع.. ملابسك.. تسريحتك.. بريق عينيكِ.. كل ما فيكِ يأسرني يا حبيبتي.
- ظننتكَ لا تهتم لهذه المظاهر.
- أعشق جوهرك وذكاءك وحكمتك.. لكنني لا أنكر أن أنوثتك أيضًا تسحرني.
- هل تعلم..؟ أنتَ أيضًا تبدو مختلفًا.. لم تكن تتحدث معي بهذه الرومانسية من قبل.
ابتسم قائلًا:
- ربما لأنني لم أعد أحتمل أشواقى إليكِ.. متى سنعود سويًا من جديد؟
- لا أدري ماذا أفعل..؟ من أين أبدأ طريق الهروب منه والعودة إليك؟
- اطلبي الطلاق.
- سيأخذ مني نــ...... شريف الصغير.
- سوف نأخذه بالقانون.. شريف في سن الحضانة.. من حقك شرعًا أن يكون معكِ.
- هل تظن هذا؟
- نعم يا حبيبتي.. افعلي ما أقوله لكِ.. لا تخافي منه.
- ربما عليكَ أنتَ أيضًا أن تخاف مني.
التفت شريف إلى مصدر الصوت مُنزعجًا بينما سحبت سالي يدها من بين يديه في ذعر وهي ترى الشرر الذي يتطاير من عيني زوجها وهو يتأملهما مُستنكرًا.. انتقل بعضًا من رعبها إلى شريف الذي غمغم في تلعثم:
- حسام بك.. كنتُ أطمئن على الآنسة سالـ.......
- الآنسة سالي زوجتي؟!
قبل أن يجد شريف شيئًا يقوله كان حسام قد فتح باب السيارة وجذبه من سترته خارجها.. صاحت سالي في فزع وهي تغادر السيارة لتمسك بذراعه:
- لا شأن لكَ به.. اتركه.. كان يطمئن عليَ.. لولاه ما قُدر لي دخول الامتحانات.
صاح بها ساخطًا:
- كلمة أخرى منكِ.. وأحرمك أنا من دخولها للأبد.
اتسعت عيناها سخطًا بينما وجه حسام حديثه إلى شريف وهو مازال ممسكًا بياقة قميصه:
- أخبرتك من قبل ان تبتعد عنها.. وليس من عاداتي أن أكرر ما أقوله مرتين.. لكن إكرامًا لتضحياتك التي صدعت رأسي.. سأقولها لك مرة أخيرة.. ابتعد عن زوجتي.
شعر بالدهشة عندما أزاح شريف يديه من حول عنقه وهو يقول في هدوء:
- طلقها.
- ماذا..؟ بأي حق تتحدث معي هكذا؟
- ليس من الرجولة أن تتمسك بامرأة لا رغبة لها فيك.
التفت حسام إلى سالي في هيستيريا.. ترى ماذا أخبرته عن علاقتهما معًا.. وصفها بالآنسة سالي.. أهي زلة لسان غير مقصودة أم أنها سخرية واستهزاء من زيجة مازالت على الورق..؟ هل يسخر ذلك الطبيب من رجولته..؟
الويل لهما معًا.. أمسك كتفيه بعنف وراح يصدمه بسيارته مرات متتابعة حتى صرخت سالي وهي تتوسل له كي يتركه ولكنه تجاهلها صارخًا في غريمه:
- هي من أخبرتك بأنها تريد الطلاق؟
نظر شريف إلى سالي في إشفاق.. قد يحرمها هذا المتوحش من دخول الامتحانات بالفعل.. تهوره في دفاعه عن نفسه قد يدمر مستقبلها.. عليه أن ينتظر حتى تنهي امتحاناتها إذًا.. قال أخيرًا في نبرة المنهزم:
- هي ليست في حاجة للشكوى منكَ حتى أشعر بأوجاعها.. أنا من رأيتك وأنتَ تأخذها عنوة من القسم.. انتهزت فرصة تعلق الطفل بك لترغمها على الزواج منك.
- هل لديك أقوال أخرى؟
- كلا.. القول الذي يمكنه أن ينهي كل تعاستها عندك أنتَ.
- إن رأيتك معها مرة أخرى.. تذكر حينها أنني حذرتك.
أزاحه بعنف قبل أن يدفعها بعنف مماثل للسير أمامه.. حانت منها التفاتة إلى الخلف حيث كان شريف يراقبها في يأس وهو يهندم ملابسه.
- قسمًا بالله يا سالي.. إن التفتِ خلفك مرة أخرى سأعود وأهشم رأسه ولن أعفو عنه ولو بكيتما دمًا أنتما الاثنان.
صرخت به في صبر نافد:
- من تظن ذاتك..؟ نحن لسنا في غابة.. يوجد قانون يحاسب المتوحشين أمثالك.
- نعم يوجد قانون.. لهذا بعد أن أهشم رأسه وأتأكد بأنه لم يعد صالحًا لأي شيء.. سأذهب لقسم الشرطة وأحرر له محضرًا أتهمه فيه بمحاولة اختطافك بعد أن رفضتِ الزواج منه وتزوجتِ مني أنا.
- لكنك كاذب.
- اثبتي أنتِ هذا يا زوجتي العزيزة.
- يالك من مستبد معدوم الضمير..!
- اكتشفت اليوم فقط بقايا من ضمير.. لولاها ما تركته واقفًا على قدميه.
- شريف لا يستحق منكَ كل هذا.
- دفاعك المستمر عنه سيكون سببًا في ضياع مستقبله.
ابتلعت ريقها وهي تحدق فيه صامتة.. إذا نفذ تهديده فربما يتسبب في غلق عيادة شريف وتشويه سمعته.. عليها ألا تكون سببًا في هدم مستقبل من كان سببًا في بناء مستقبلها.
توقف أمام سيارة حمراء صغيرة تشبه سيارات السباق.. فتح بابها ودفعها للداخل دفعًا قبل أن يجلس بجوارها خلف عجلة القيادة وينطلق بسرعة أفزعتها.
أوقف السيارة أمام أحد الفنادق الكبيرة.. ترجل ودعاها للخروج منها.. غمغت دون أن تغادرها:
- لا رغبة لي في تناول الطعام الآن.. ولا الجلوس في أي مكان.. جسدي منهك وأريد أن أذهب للمنزل.
- سوف نقضي ما تبقى لنا في هذا الفندق.
- مستحيل.
- المستحيل هو الصعود اليومي للفضاء الذي تسكنينه.. اخرجي من السيارة.
- وماذا عن كتبي و محاضـ.....
- سوف أذهب وأحضرها لكِ.
- كلا.. لن أشعر بالحرية هنا.. لن أتمكن من المذاكرة والاستيعاب الجيد وأنا حبيسة غرفة في فندق.
- سالي.. سوف نمكث هنا أو نعود غدًا إلى القاهرة.
- أنتَ تريد أن تحطم مستقبلي إذًا؟!
- الخيار لكِ.
انهمرت دموعها كالشلالات فجأة.. مشاعر الإحباط التي اعترتها كانت أكبر من أن تتحملها.. عاد ليجلس بجوارها وهو يهتف ساخطًا:
- ما هذه التصرفات الطفولية؟ إن كنتِ تظنين أن هذا سوف يثنـ.....
ألقت بنفسها فوق صدره وازدادت نحيبًا قبل أن تغمغم بأنفاس متقطعة:
- بالله يا حسام.. كُف عن قسوتك معي.. لم أعد أحتمل.
- قسوة.. عن أية قسوة تتحدثين..؟! أنا أقتل نفسي كل دقيقة حتى لا أضطر لقتلك.. ما فعلتِه اليوم يستحق القتل.. أكاد أجن.. كيف تفشين أسرارنا لآخر.. ومهما قلتِ للدفاع عنه.. فهو غريب عنا.
- أنا لم أخبره شيئًا يخصك.
- ألم تخبريه برغبتك في الطلاق مني؟
- هذا ليس سرًا.. هو ثالثنا في نفس الخندق.. هو خطيبي ومن حقه أن.....
- هو ليس بخطيبك الآن.. أنتِ زوجتي.. و ليس من حقه أن يعرف شيئًا عنا.
رفع وجهها إليه وسألها محدقًا في عينيها:
- ألم تخبريه بأن زواجنا مازال حبرًا على الورق حتى الآن؟
- كلا.. مُحال.. أنا لا أجرؤ على الخوض معه في أحاديث كهذه أبدًا.
تأملها في دهشة وعدم تصديق:
- أحقًا..؟ فيما كنتما تتحدثان إذًا قبل أن آتي؟ بل طيلة الأربع سنوات الماضية؟!
- حياتي الماضية لا شأن لكَ بها.
- ها هي أظافرك قد برزت من جديد.
عادت تستعطفه قائلة:
- عد بي إلى منزلي.. أستحلفك بوالدك وطفلك وكل عزيز لديك.
تأملها طويلًا.. كانت نظراته أقل حِدة رغم أن الضيق مازال يغلّفها.. همس أخيرًا:
- إن لم تشعري بالراحة هنا أعدك بأن نعود إلى منزلك.. وإن كنتِ لم تسألي نفسك بعد كيف أبيتُ ليلتي فوق هذه الأريكة الصغيرة؟
لاحظت للمرة الأولى الهالات السوداء التي أحاطت بعينيه.. أدركت أنه لم يذق للنوم طعمًا منذ أتى إلى هنا.. شعرت بالشفقة نحوه.. ولكن ماذا كانت ستفعل له وليس في منزلها سوى سرير واحد..؟
فتح لها باب السيارة قائلًا:
- انزلي يا سالي.
- دعنا نحضر أغراضنا أولًا من المنزل.
- ليس الآن.. أنا في حاجة ماسة إلى النوم.. أكاد أفقد الوعي من شدة الإجهاد.
- يمكنكَ النوم في فراشي إن شئت.
برقت عيناه وهو يتطلع إليها فأردفت بسرعة:
- أنا لن أنام الآن.. سوف أراجع بعض المحاضرات.
لا يعرف ما الذي أغراه بطاعتها..؟ وجد نفسه بلا وعي يقود السيارة نحو منزلها.. ربما رغبته في غزو سنواتها الماضية و مشاركتها فِراشًا لطالما اضطجعت عليه وحيدة.. ترى كيف أمضت حياتها بعيدة عنه..؟
هي أيضًا شعرت بالدهشة عندما لم يقاومها.. ما الذي يفكر فيه..؟ إن كان يظن بأنه قادر على خداعها فهو مخطئ.. غمغمت في توتر محاولة التخلص من أفكارها:
- هل هذه سيارة عاصم؟
- كلا.. لقد استأجرتها طوال مدة إقامتنا هنا.
في طريقه اشترى بعض الأطعمة والسجائر والمشروبات الخفيفة حتى لا يضطر إلى نزول الدرج وصعوده مرة أخرى.. عجبًا.. لم يشعر بالإجهاد هذه المرة.. لم يسب ويلعن مع كل درجة يصعدها.. أصابها حماسه بمزيد من الفزع وعادت تتساءل ماذا يتوقع منها.. ربما كان من الأفضل قبول عرضه والبقاء في الفندق.
- سوف أبدل ملابسي سريعًا ثم أترك لكَ الغرفة.
هز رأسه مُتفهمًا.. جلس على الأريكة ينتظرها.. ابتسم لمشاعره الصبيانية.. ما الذي يجعله سعيدًا لمجرد نومه على فراشها شبه البالي هذا..؟
تطلع لكل ما حوله بعيون جديدة.. كلها صفحات مازال يجهلها عنها.. عليه أن يقرأها بل ويعيشها أيضًا معها.. تضاءلت رغبته في حجز الفندق.. سوف يستعيد سنواته الأربع من الزمن.
خرجت ونظرت إليه صامتة.. كانت مُرتبكة وكأنه اليوم الأول لهما خلف الأبواب المغلقة.. نهض وابتسم قائلًا:
- هل يمكنني النوم الآن؟
- ألن تتناول طعامك أولًا؟
هز رأسه وهو يتوجه بخطوات سريعة إلى حجرتها قائلًا:
- حاجتي للنوم تخطت كل الحاجات الأخرى.
ارتدى منامته واستلقى مبتسمًا فوق الفراش.. لم يكن مُريحًا كفِراشه ربما.. لكن رائحتها كانت تعبئه.. أخذ نفسًا عميقًا.. قريبًا ستكون بين ذراعيه فوق هذا الفراش.. كاد يرغمها الليلة على معاشرته في الفندق لولا اعترافها بعدم إخبار ذلك الطبيب بأمر زواجهما العذري هذا.
مازالت حبيبته الخجولة التي لم تتفتح إلا له وحده.. سينتظرها حتى تأتيه طواعية.. لن يحترم رجولته إن أجبرها على معاشرته.. إنما كان سيفعل ذلك دفاعًا عن النفس عندما شعر بالإهانة منهما.
*****
تأوهت سالي عندما سقطت أرضًا من فوق الأريكة التي استلقت عليها حينما شعرت بالنعاس يداعب أجفانها فلم تعد تفهم شيئًا مما تقرأه.. نظرت إلى ساعتها.. لقد تخطت الثانية عشر مساءً.. أمازال نائمًا كل هذا الوقت..؟!
اتجهت نحو مطبخها.. كل شيء على حالته لم يتغير منذ وضعته هنا.. إذًا فهو لم يتناول طعامًا منذ الصباح.. بل ربما منذ أمس.. تتذكر أنه بقى شاردًا طوال الوقت بعد عودتهما من الجامعة.. لم يتناول شيئًا عدا تلك الشطائر في المطعم.. أيعقل أن يكون قد ذهب في غيبوبة وليس نائمًا كما تظن..؟
أخبرها أنه يكاد يفقد وعيه.. تسارعت نبضاتها بقلق وهي تتطلع إلى غرفتها الوحيدة التي يرقد داخلها.
طرقت بابها من دون جدوى.. فتحته وأضاءت المصباح لتجده مُضطجعًا فوق السرير.. هل هو نائم بالفعل..؟ اقتربت وهتفت باسمه مِرارًا لكنه لم يجبها.. كان العرق يتصبب من وجهه.. مسحته بيد ترتعد خوفًا.. شهقت حينما أمسك بها لكنه قبلها وتركها دون أن يفتح عينيه.
- حسام.. حسام.. حسام..
فتح عينيه ببطء يتطلع إليها قبل أن يغمضهما مجددًا.. أمسكت بمعصمه لتقيس نبضه.. كان ضعيفًا بالفعل.. جلست بجواره وراحت تمسح شعره ووجهه بعيون باكية.
أحضرت زجاجة من العطر.. أغرقت يدها به ووضعتها أسفل أنفه.. أشاح برأسه أخيرًا وفتح عينيه.. استند على ذراعيه لينهض جالسًا وهو يغمغم:
- ماذا يحدث؟
- هل أنتَ بخير؟
- نعم.
أمسك بجبهته وراح يضغطها قائلًا:
- الصداع يكاد يقتلني.. أحتاج إلى كوب من القهوة.
نهرته قائلة:
- منذ أمس وأنتَ تتناول أكواب القهوة من دون طعام.. كادت أن تقضي عليكَ.
- هل تهتمين لأمري؟
- لا أريدك أن تموت في منزلي.
نظر إليها مُعاتبًا فأردفت.
- هل أحضر لكَ الطعام هنا أم أضعه فوق المائدة بالخارج؟
- لا رغبة لي في تناول الطعام.. كل ما أحتاجه هو قليل من القهوة.
- سأحضر لكَ الطعام أولًا.
- انتظري.. لستُ عاجزًا للحد الذي يجعلني أتناول طعامي في الفراش.
- حسنًا.. سأضعه فوق المائدة.
عادت بعد قليل لتجده لايزال مُستلقيًا كما تركته.. فهتفت في سخط ممزوج بالقلق:
- لماذا لم تغادر الفراش.. ألم تقل إنكَ بخير؟
- أشعر بدوار.. تعالي لتساعديني على النهوض.
- أنتَ تتدلل.
- ولمَ لا؟ منذ زمن لم أتدلل عليكِ.
- حسام.. لا داعي لهذا الحديث.
- سوف أكمل نومي إذًا.
أسرعت تسحب الغطاء الذي تلفح به وتجذب ذراعه في صبر نافد.. قاومها فسقطت فوقه.. هتفت ساخطة وهي تنهض:
- أنتَ لستَ في حاجة لمساعدتي.. انهض لتتناول طعامك.. أنا الآن في حاجة إلى سريري.. الساعة قاربت الواحدة صباحًا.
- ألديكِ امتحان غدًا؟
- كلا.. لكنني في حاجة إلى النوم.
أمسك بيدها قائلًا:
- تعالي إذًا.
قبل أن تفهم ما يعنيه كان قد جذبها لتسقط بين ذراعيه.. حاولت مقاومته لكنه كان قد تمكن منها.. أنفاسه الملتهبة وقبلاته الحارة ألهبت شفتيها وعنقها.. ذابت مقاومتها أمام رغبته المجنونة فيها.. همست في محاولات يائسة.
- حسام.. ليس الآن.. أنتَ مُنهك وأنا مشغولة بامتحاناتي.. هذا الأمر لا يأتي هكذا.. لابد أن نتحدث أولًا.. هناك حسابات مُعلقة يجب أن نسويها.. انتظر.. حسام.. أرجوك....
- صدقًا حبيبتي كنتُ سأنتظر.. ولكنني الآن لا أستطيع.


*****











أماني عطا الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس