الموضوع: عهدي أنا
عرض مشاركة واحدة
قديم 13-08-20, 01:22 AM   #103

وداد ألبوران

? العضوٌ??? » 474563
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 87
?  نُقآطِيْ » وداد ألبوران is on a distinguished road
افتراضي عهدي انا الفصل الثالث عشر

لا الاه الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
سامحوني يا بنات النت كان فاصل
على بركة الله الجزء الثاني من الفصل الثالث عشر

الجزء الثاني
مهما نظرت اليه لا تشبع عيناها من رؤياه ، اه يا صخر لو لم تجني علينا امك لما كنا نتعذب الان انا وانت وعروة ، هي من جنت علينا بقرارها الظالم .
تردد لنفسها هذا الكلام وتقنع نفسها وهي تراه متألما مهموما ككل يوم منذ مرض صغير العائلة ، فقد قلبها احدى دقاته عندما تلاقت عيناهما قبل ان يشيح صخر بسرعة طرفه عنها
-ماذا تفعلين هنا ؟؟؟
لم يكن هذا تساؤل صخر بل حمزة الذي هتف بها بعدم رضا لتواجد وزوجته بالمكان الذي يعتبر خلوة اخيه و بدون غطاء رأسها ، توترت ضحكة لكنها اخفت توترها خلف ابتسامة مصطنعة
-حمزة اخفتني !!
كرر سؤالها بخفوت هذه المرة لكنه لم يفقد حدته لترد
-كنت ابحث عنك وظننتك ستكون هنا ، فانا اردت ان استأذنك لزيارة اختي اليوم
-اجلي زيارتك ليوم اخر وارسلي احد الخدم اليها لتاتي هي اليك
ثم جذبها من ذراعها ليقربها اليه اكثر وهمس من بين اسنانه
-وإياك انا ارك خارج مخدعنا بدون غطاء رأسك ، هيا انصرفي من هنا
بقي ينظر في اثرها حتى اختفت عن نظره ثم تحرك في اتجاه اخيه قائلا
-الحكيم ابن منضور في انتظارك بالمجلس ، لقد احضرته بنفسي كما طلبت يا اخي
هز صخر رأسه وهم بالنهوض متسائلا
-هل اخبرته بسبب طلبي له
هتف حمزة بانفعال مكبوت كي لا يتجاوز حدوده مع اخيه ففي النهاية هو الشيخ
-وكيف سأخبره بما لا اعرفه يا اخي ولا افهمه ، هل تشك بابن منضور ؟
كتف يديه خلف ظهره مجيبا
-سنرى يا حمزة ، سنرى
كان الحكيم يقف متوترا رغما عنه فاستدعاء الشيخ له في هذا الوقت الباكر من الصباح و عن طريق حمزة بنفسه امر لا بشر بالخير
-السلام عليكم يا حكيم
قالها صخر بصوته الرخيم وهو يدلف الى المجلس وفي اثره حمزة المتجهم ، كم يكره ان يجهل ما يدور حوله وكم يكره تكتم اخيه
-وعليكم السلام يا شيخ
اشار له بيده الى المقعد المقابل له والمخصص للمشتكى عليهم
-تفضل بالجلوس يا حكيم لما لا تزال واقفا
فرك الحكيم يديه المتعرقتان وقد بلغ قلقه عنان السماء فالشيخ لا يفعل شيء مهما كان بسيطا عبثا واشارته لذلك الكرسي لا تنبئ بالخير لكنه لا يستطيع الا ان يجلس .
دون لف او دوران دخل صخر بصلب الموضوع
-السيد شاهين انت تعرفه اليس كذلك يا حكيم
-نعم يا شيخنا وهل بالبلاد كلها من لا يعرفه
تخلل شعيرات لحيته وتابع
-اذن فانت تعرف بمهارته وبراعته في الحكامة
-دون شك يا شيخ
-السيد شاهين يقول ان عروة اخي فقد بصره بسبب السم وليس الحمى كما سبق واشرت
ابتلع الحكيم ريقه وقد خمن ان سبب بلوته هذه خطأ تشخيصه فقال مدافعا
-لست الوحيد الذي قال انها حمى يا شيخي كما ان الاعراض كلها كانت تدل بوضوح على ان سيدي الصغير عروة ..
قاطعه صخر بصرامة
-انا لم احضرك الى هنا لكي احاسبك على تشخيصك الخاطئ بل من اجل ان احاسبك على ما هو اهم واخطر
صخر كما هو معروف بحلمه ورأفته لكنه ايضا معروف بقسوته مع المذنب فلا احد في القرية كلها صغيرا او كبيرا ينسى كيف اطار صقر برقاب عشرين رجلا من بينهم عمه الاكبر عندما ثبتت خيانتهم وضلوعهم في قتل الشيخ اسد ، لذلك فعقابه امر لا تتمناه حتى لعدوك لكنه لم يفعل ما يستحق العقاب عدا خطأ التشخيص والشيخ صخر يقول انه اخطر واهم ..ام انه يفكر ان...
-اراك صامتا يا حكيم
اخرجته جملة الشيخ من دوائر الافكار التي تلتف حول عنقه وتجعله يشعر بالاختناق ليعقب
هل تشك ان لي يد في مصاب السيد عروة -
اجابه ببساطة
-ومن غيرك يفهم والاعشاب الضارة والنباتات السامة بالقرية كلها يا حكيم ، ومع ذلك فلحد اللحظة انا لا اشك بك
-اقسم لك
اوقفه بحزم وهو ينتفض واقفا
-لا تقسم ، انا اريدك منك ان تجلس وتتذكر وتعتصر عقلك وتخبرني من جاء اليك وطلب فطرا يسمى فطر الناب
ردد بوجل
-فطر الناب
-نعم
جف حلقه ولم يعد قادرا حتى على بلع ريقه فهتف وقد تملك الذعر منه
انا حتى لم اره طوال سنوات عمري الخمسة والخمسين، لا تتعدى معرفتي به ما قرأته بكتب الطب عن انه نبات سام جدا ولا ينمو ببلادنا كلها ....حتى ..حتى شكله لا اعرفه الا كرسم بالكتب
اكتفى حمزة بالمراقبة بصمت في انتظار ما سيأمر به الشيخ واما هذا الاخير فقد كان يحلل في عقله كلام الحكيم و تصرفاته وايماءاته والحق يقال انها كلها تصب في خانة واحدة وهي ان الحكيم صادق ، وعدا هذا فالحكيم رجل معروف بسمعته الحسنة في القرية لكن هذا لم يمنعه ان يتابع تحقيقه
-من يزودك بالأدوية والاعشاب التي تستعملها في التداوي
رد بسرعة دون ابطاء
-بعضها اركبها وبعضها اشتريها من العطار أميد فهو دائم ما يمدني بأندر النباتات
التفت الى حمزة الذي يقف خلفه مكتفا ذراعيه امام صدره العريض
-هل تعرف أميد هذا يا حمزة
-نعم انه عطار فارسي استقر بقريتنا قبل ثلاث سنوات لقد جاء بنفسه اليك وطلب الاذن بفتح دكانه ، هل نسيت
طبعا سينسى فمشاغل القرية ومشاكلها اضافة الى هموم العائلة لا تجعله ينسى اميد هذا بل انه حتى نسي نفسه
-اسمع يا حكيم ستعود لدكانك ولن تاتي على ذكر ما دار هنا حتى بينك وبين نفسك ، هل فهمت
رد بلهفة وقد جاء الفرج
-فهمت يا شيخ اقسم اني فهمت
ثم غادر ليبقى صخر يمعن التفكير في خطوته القادمة
****************
بساحة السوق الواسعة يده تمسك لجام صوان ويده الاخرى ملتفة كحزام امين متين حول خصر زهرة كي يحميها من السقوط ، يتابع من عليائه باهتمام واستمتاع مقلومة نيران للخفر الذين يودون اقتيادها لسجن القرية ومحاولتها المستميتة للتملص من قبضتهم كنمرة شرسة وبعد ان خارت قواها واوشكت على الاستسلام هدر بصوته القوي الذي ارهب القرويين و جعل الفضوليين منهم ينفضون كالجرذان ليعودوا لأشغالهم لمتابعة المشهد
-ماذا يجري هنا ؟
تطوع كبير الخفر لرد
-امسكنا بهذه اللعينة تتجول بالقرية مخالفة قرار الشيخ وامسكنا معها هذه المسروقات
قال كلمته الاخيرة وهو يرفع لفائف الاثواب ليريها لصقر
صاحت بهم رغم تعبها الواضح من جراء مقاومتها
-لم اسرق شيئا ، تلك الاثواب اعطاني اياها التاجر ويمكنكم ان تسألوه
-اتركوها
امر صقر خرج حازما لا يحتمل المناقشة فامتثل الخفر ثم اردف
-والان اغربوا من هنا
اعتراض واه صدر عن كبيرهم ، اخرسه صقر قبل ان يكمله
-لكن يا سيدي
-قلت اغربوا ، لكن اولا أعيدوا لها اغراضها
فاضطر ان يعيد لها الاثواب وانسحب ومن معه صاغرين
دنت من صقر تمسح قطرات العرق المجتمعة على جبينها قائلة بامتنان
-شكرا لك ايها السيد
-اخبرتك ان اسمي صقر
-شكرا لك يا صقر لولاك لأخذوني الى السجن
رفع حاجبه قائلا بعنجهية
-الشكر بالكلام لا يكفي
تخصرت ولم تعجبها نبرته فهتفت
-وكيف تريدني ان اشكرك
بغموض لم يصلها اجابها
-لا تقلقي ، حتما سأجد طريقة لذلك
لم تعقب فقد انتبهت للطفلة التي معه فتساءلت وهي تشير بعينيها اليها
-اهي ابنتك ؟
مسح على راس زهرة مبعثرا خصلات شعرها الناعمة القصيرة
-بل ابنة اخي
٦بابتسامة عذبة سالتها وهي تمد يدها لمصافحتها
-ما اسمك يا جميلتي ؟
اجابها صقر بحزن على حال الصغيرة اخفاه بسرعة
-اسمها زهرة وهي لا تتحدث
تقوست شفتا نيران باسف ولم تعلق ، وعندما القى صقر نظرة على زهرة وجدها تحدق بانبهار في نيران، التي تختلف عن النساء التي اعتادت رؤيتهم ، كانت مختلفة بملابسها الفاقعة اللون وحليها المصنوعة من الخيوط واصداف البحر و شعرها المموج زينت بعض خصلاته بالعقيق الملون ، تفاصيلها كلها جعلت عيون صغيرة تتسع وتلمع بشكل جعل ضحكة عفوية تنطلق من صقر زادته وسامة على وسامته
-يبدو ان صغيرتي تملك ذوقا مشابها لذوق عمها
ابتسمت نيران هي الاخرى قائلة بإعجاب لم يفته
-تبدوا وسيما جدا عندما تضحك بتلقائية وتتخلى عن غرورك المزعج
انحنى عليها هامسا بالقرب من اذنها بعبث
-وابدوا اوسم اكثر عندما اتخلى عن ملابسي كلها
ثم استقام بسرعة يقهقه بصوت مرتفع وهو يرى حمرة الخجل تنضح من وجنتيها السمراوين لتصيح به وهي تستدير لتبتعد عنه
-ايها الوقح
هتف من بين قهقهاته
-هييييه نيران
نظرت له من فوق كتفها و خيوط الشمس تحول القهوة المرة الغامقة الى قهوة حلوة لونها الفاتح يسيل لعاب العطشان
-لو ضايقك الخفر ثانية قولي لهم اني من سمحت لك بالتجول في القرية .
ثم قبل خد زهرة ونظراته الصقرية لا تفارق نيران قبل ان يجذب لجام حصانه قائلا
-هيا يا زهرتي لنعد الى المنزل
اما نيران فبدل ان تعود لمخيم الغجر ، فضلت ان تتوجه لدكان السجاد علها تظفر برؤية عهد
***********

تراكمت اعمال اليومين الماضيين عليها وليس فقط حسابات دكان السجاد بل ايضا حسابات باقي الدكاكين تنتظرها لمراجعتها لذلك كان اول ما فعلته عند دخولها الدكان وبعد تهليل وترحيب العاملين وعلى رأسهم العم عرفان هو تسجيل البضائع التي وصلت في غيابها و عد المال لتسليمه للتجار عند مجيئهم
نادت عرفان وقد تذكرت اجور العمال
-عم عرفان هل دفعت يوميات يوم أمس للعاملين
-لا فمن جهة كنا مشغولين البال عليك ومن جهة اخرى اخذت معك مفتاح الدرج
ضربت جبهتها واعتذرت لتقصيرها غير المقصود فالعمال اناس على باب الله يوميتهم هي كل ما لديهم لاطعام ذويهم
-انا اسف حقا لقد نسيت على كل حال ابلغهم انني سأعطيهم اجر اليوم والأمس وفوقها تعويض مني
شكرها الرجل بامتنان وقبل ان يعود لمتابعة عمله رأى الغجرية تقف امام الدكان فهتف بصوت متذمر وهو يشير برأسه اليها
-تلك لفتاة اتت ثانية يبدوا انها لن تتوقف عن ازعاجنا حتى اطردها
وهم بالتوجه لفعل ذلك قبل ان توقفه عهد
-انا سأحدثها اذهب لعملك يا عمي
اغلقت السجل واشارت بيدها لنيران كي تدخل فدخلت السمراء بخطوات مرتبكة وحمرة الخجل تسري في خدودها ، هي نيران بباعها الطويل في التعامل مع الرجال و ثقتها بنفسها التي تبلغ عنان السماء امامهم ، تفقد وهجها وعنفوانها وتصبح كقطة وديعة امام هذا العهد ، قلبها ينبض بشدة ويداها ترتجف وهي تمد له صرة المال وتقول مبررة حضورها
-لقد احضرت لك المال الذي دفعته لذلك الضخم المرة السابقة
لم تأخذ منها عهد المال بل ابتسمت في وجهها و طلبت منها الجلوس
-تفضلي اولا يا نيران
ثم ضيقت عينيها واردفت باستغراب
-نيران اسم غريب اول مرة اسمعه لكني اشعر انه يليق بك
ارجعت خصلة متمردة خلف اذنها وبللت شفتيها
-هل اعتبر هذا دما او مدحا يا سيد عهد
-هو مدح بالتأكيد ، نادني عهد دون سيد ، الجميع هنا يناديني هكذا
ابتسمت دون تعليق تومئ برأسها وتفكر ماذا ستقول فالكلمات تاهت منها قبل ان تنتبه للصرة بين يديها فعاودت مدها
-انا شاكرة لك على معروفك ، هذا مالك
عهد ليست غبية كي لا تدرك ان الفتاة معجبة بها بل معجبة بالسيد عهد وخير دليل لهفتها عليها البارحة ، بريق عينيها كلما التقتها والان تعيد لها المال الذي معروف عن الغجر انهم لا يعيدوا ما دخل جيوبهم ولو انطبقت السماء مع الارض ، وعهد تحترم مشاعرها لكن يجب ان توقظها من هذا الوهم بشكل لا يجرحها فبذرة هذه الغجرية بذرة طيبة عكس قومها
-انا من يريد شكرك يا نيران ، قلقك علي بالأمس اثر بي وجعلني افكر انه لو كانت لي اخت لما قلقت علي بهذا الشكل
خفتت سعادتها بجلوسها معه لاول مرة وهي تسمعها يشبهها بأخته
-اختك!!
تابعت عهد متغاضية عن اللمعة التي اختفى بريقها بعينيها
-احتفظي بهذا المال واعتبريه هدية مني شرط ان لا تعودي للنشل مرة اخرى ، انت فتاة طيبة وشاعة ولا تليق بك هذه الاعمال
اطرقت رأسها شاعرة بالخزي رغم انها كانت تتوقع ادراكه لحقيقة انها نشلت ذلك الرجل لكن سماعه صراحة كان له وقع صعب عليها
-اعدك
ابتسمت لها عهد وقالت تعدها بالمقابل
-وكما اعتبرتك اختي اعتبريني اخا لك وكل ما احتجت لشيء اعدك بعون الله ان البيك
دخل وضاح بعينين متسعتين لرؤية عهد والغجرية يتحدثان بأريحية على مرأى العمال والزبائن فهتف بغلظة
-عهد اريدك في عمل مهم ومستعجل
وقفت نيران بحرج ويداها تقبضان بشدة على صرة المال تستمد منها الدعم وهمست
-انا سأستأذن كي لا اعطلكم ، شكرا لك مجددا يا عهد ، الى اللقاء
هتف بها وضاح بعد مغادرتها
-ماذا كانت تفعل هذه الفتاة هنا ؟
فتحت عهد السجل وعادت لتدوين حساباتها قائلة
-هذه الفتاة اخرجتني من ورطة عقاب وكنت اظن ان لا سبيل للخروج
جلس وضاح بالكرسي الذي كانت جالسة عليه نيران وسأله بفضول
-كيف ؟
مع كل كلمة كانت تحكيها عهد كان حاجبا وضاح يرتفعا وعيناه تتسع بصدمة وعندما انتهت هتف بها بصوت خفيض
-ايها الغبي خرجت من حفرة ووقعت بحفرة اوسع ، لماذا لم تخبره بما اتفقنا عليه
ردت بمنطقية
-لأنه كان سيجد لي فتاة اخرى وحينها بماذا سأتحجج
فرك جبهته قائلا بقلق
-لا ادري لكن لم تجد سوى تلك الغجرية يا عهد ؟
-هل ستتحدث كعقاب انت ايضا
-انه محق الصاقها بك سيسيئ لسمعتك وسمعة والدك
تنهيدة عميقة محملة بالهم والغم صدرت عنها
-منذ سفر والدي والمشاكل لا تتركني
-اعاده الله سالما
امنت على دعائه من كل قلبها ثم انكفت على دفترها تتابع حساباتها قبل ان تقول
-عد الى الارض ودعني انهي عملي ، سنتابع كلامنا مساء
تذكر طلب والده بملازمتها ودون اثارة شكها فقال وهو يتجه الى المخزن
-سأبقى هنا لأساعدك فلا يوجد ما اقوم به في الارض
كم ود ان يفضي بما سببته له زيارة صقر وردة فعل ميسم لكن ما فيها يكفيها ولا يريد ان يزيد عليها
*************
بعد ان بقيا بمفردهما بخ الحبيب سمه في اذن المنذر
-هل ستسكت لذلك الغر ابن شاهين على تطاوله في مجلسك يا شيخ
كان المنذر مشغول البال بما هو اهم من عهد وتطاوله فقال بشرود
-ليس وقته يا حبيب، ليس وقته
دنا الحبيب منه وجلس على الكرسي الملاصق له وسأله باهتمام
-ما بك يا منذر ؟
اخذ نفس عميقا وزفره ببطء محاولا اخراج ما يعتريه من خيفة معه
-لقد فقد افضل اثنين من رجالي وكدت افقد ابني البكر لو لا قدر الله اصابه ذلك السهم وكله
لمس منه ندما على ما اقدم عليه بين الحروف فعقب
-هل ستصرف النظر عن فكرة التخلص من عهد
طال صمت المنذر وطال تفكيره قبل ان يرد
-مؤقتا ، لا اريد اثارة شكوك عقاب بالوقت الحالي....
اهتز صوته وهو يضيف
-تخيل لو كان صقر قد اخبره الحقيقة ، لكانت القطيعة بيننا الى ابد الدهر .
-لكن صقر لم يخبره ، اظنه بدأ يغير طباعه و يصبح اكثر مهادنة ، حتى ان مشكله في القرية قلت بشكل كبير .
اسند كفيه على عصاه ووقف ينظر عبر النافذة واردف بهم
-المهادنة لا تعني تغير الطباع يا حبيب ، انه الان كالبركان الخامد ، قد يثور في اية لحظة
قال الحبيب مهونا الامر
-انت تبالغ يا شيخ وتهول الوضع
-اذن فانت لا تعرف صقر ، لكنه ابني وانا اعرفه كخطوط كف يدي
وحدث نفسه بما لم يصارح به الحبيب
-اجارنا الله من ثورة جنونك يا صقر
غير الحبيب مجرى الحديث وسأله
-الاراضي المحاذية للنهر اصبحت لنا ، فمتى سنبدأ ما اتفقنا عليه
-كي ننجح في مسعانا يجب ان نحصل عليها كلها ، وحتى الان هذا لم يتم، على اي ، ليمر مهرجان الخيول اولا وبعدها لكل حادث حديث
رأى صقر يلج عبر البوابة على حصانه مع حفيدته زهرة فنادى على الحارس الذي دخل قاىلا باحترام ورأسه منخفض
-نعم يا شيخ
-اذهب ونادي صقر ليأتي الى المجلس
-امرك
عندما خرج الحارس امر الحبيب ان يغادر وسيتابعان حديثهما في وقت لاحق فأي حوار يجري مع ابنه الاصغر يفضل ان يجريه على انفراد دون طرف ثالث .
انزل صقر زهرة من على الحصان تحمل في يديها كيسا كبيرا من الكعك وفي يدها الاخرى كعكة انهت نصفها ولطخت وجهها ويدها وجلبابه ايضا ، ردد مصطنعا العبوس
-لو ان غيرك فعل بي هذا لعلقته من اذنه بأعلى النخلة
عبست الصغيرة هي الاخرى رغما انها لم تفقه ما يقول فضحك واشعث شعرها مداعبا اياها
-صقر !!!
التفت لنداء اخيه الواقف عند مدخل الفناء فالتفت لالتفاتته وعندما رأت والدها ركضت نحوه وعلى وجهها البريء ابتسامة واسعة ، تلقفها عقاب حاملا اياها بذراع واحدة مداعبا اياها بحركات مدغدغة في رقبتها وبطنها اجبرت الابتسامة على التسلل الى ثغر الصقر وهمس بصوت ظن ان شقيقه لم يسمعه
-انت اب جيد يا عقاب
انزل هذا الاخير ابنته ارضا وعيناه على اخيه ثم نادى على الخادمة لتدخل زهرة الى المنزل وعندما بقي الاثنان بمفردهما اردف العقاب
-وانت ايضا ستصبح ابا جيدا يا صقر
تقوست شفته بسخرية ليتابع عقاب بصدق
-ما اراه في تعاملك مع زهرة يجعلني على يقين انك ستصبح ابا رائعا
ثم استدار على عقبيه امرا اياه
-تعالى يا صقر فبيننا حديث لم ينتهي
لحق به وهو مدرك لما يريد اخوه التطرق اليه ، وقبل ان يستهل الاكبر حديثه سمع صوت الحارس يطلب الاذن بالدخول فسمح له
-سيدي صقر الشيخ يطلبك الى مجلسه
ادار مقلتيه بسأم قبل يقول
-اخبره اني سآتي بعد قليل
ليردف متسائلا باهتمام صادق ويشتته عن موضوعه
-هل جرحك بخير ، هل اطلب الحكيم اسحاق ليتفحصه
-جرحي بخير وسيصبح افضل عندما تخبرني عن هوية من احدثه
جلس باسترخاء على الاريكة الخشبية ووضع مخدة صغيرة على حجره ليسند يديه عليها ثم ادعى الجهل
-وما ادراني بهويته يا اخي
تطلع عقاب اليه بتدقيق محاولا سبر اغواره
-لقد قلت انك قتلته ولا يعقل انك لم ترى وجهه
-بلى رأيته ، لكن رؤيتي لوجهه لا تعني اني تعرفت على هويته ، انه شخص غريب كانت تلك اول وآخر مرة اراه فيها
-هل انت متاكد ؟
قبل ان يجيب اسرع عقاب قائلا بما يشبه الرجاء
-صقر انا اعرف انه رغم كل عيوبك فانت لا تكذب ولا اتوقعك ستكذب علي هذه المرة
-طالما تعرف اني لا اكذب فصدقني انا لا اعرف الرجل ولو كنت اعرفه لأخبرتك
حدسه يخبره ان صقرا يخفي الحقيقة و نادرا ما يخطئ هذا الحدس اللعين اردف بمحاولة اخيرة لاستنباط الحقيقة .
-وما سمعتك تقوله لابي
هز كتفيه بلامبالاة
-علاقتي بالمنذر دائما بين شد وجذب و ما قلته بالأمس كان دوري في الشد
ثم نهض وهو يتابع بمزاح
-انت تعرف اني اعز ما علي ان اخرجه عن طوره فلا تشغل بالك بالترهات يا اخي
دعا بين جنبات نفسه ان يكذب الله ظنه وتكون فعلا ترهات كما قال صقر
*******
-طلبتني
هتف بها متكئا على باب مدخل المجلس بصوت مرتفع فغض المنذر الطرف عن قلة احترامه ليقول له
-تعالى يا صقر
سار بخطوات متثاقلة وجلس الى جانب والده الذي قال
-فعلت عين الصواب عندما لم تخبر عقاب بالحقيقة
اظلمت عيناه واسود وجهه ليقول من بين اسنانه
-لا تظن انني سكت من اجلك بل من اجل عقاب فقط
قرر المنذر مسايرته حتى لا يثير جنونه
-احب انك تهتم لمصلحة اخيك و يعجبني انك..
اوقف صقر كلامه الممل عندما وقف قائلا
-ابي فر هذه الديباجة المملة لأنها لا تزن عندي جناح بعوضة ، انا لم اخبر عقاب لمصلحته ولمصلحتي ايضا ، و ما حدث بالأمس دفنته مع الامس لكن هذا لا يعني اني سأتكتم عما يمكن ان يحدث مستقبلا
نفذ صبر المنذر وذهبت مسايرته ادراج الريح عندما اشتم رائحة تهديد من ولده فضرب الارض بعصاه هادرا
-هل تهددني يا ولد انسيت اني والدك و لي الحق بكسر رأسك اذا تطاولت
-هه...انت من نسيت انك والدي يا والدي اما مسر رأسي فقد جربت ذلك وما زاد رأسي الا صلابة وعنادا .
وتابع وهو يوليه ظهره
-بالإذن يا ... والدي
وذهب الى منزله وعندما وصل اخبره الحارس ان الخادم حجاب غير موجود
-اين ذهب ؟
-لم يخبرني يا سيدي ، لقد خرج بعد خروجك مباشرة وظننته ذهب ليقضي حاجة لك
استغرب صقر فهذه اول مرة يخرج حجاب دون ان يطلب اذنه لكنه لم يتوقف كثيرا عند الامر ، غير ملابسه التي لطختها زهرة ببقايا الكعك وقبل ان يغادر وجه امره للحارس
-انا ذاهب للأرض وعندما يعود حجاب اخبره ان يلحق بي الى هناك
******************
استأجرا غرفة بالخان متظاهرين انهما تاجرين من بلاد بعيدة والغاية من زيارة القرية اخذ فكرة عن البضائع والاسعار وبعد ان وضعا امتعتهما بها سأله
-ماذا سنفعل الان ، كيف سنعرف بسر الزعيم
قبل ان يجيب سمعا طرقا على الباب فهتف مصطفى
-تفضل
دخل خادم الخان يحمل صينية كبيرة عليها اطباق الطعام مرددا وهو يضعها على الطاولة
-الطعام الذي طلبته يا سيدي
استنشق مصطفى الرائحة الشهية بعمق وقد سال لعابه لها فأعطى الخادم بضع قطع نقدية كبقشيش وجلس الى الطاولة يشمر اكمامه قبل ان يجهز عليه رعد الذي بدأ بمسح الاطباق
شكره الخادم بامتنان كبير فنادرا ما يعطيه زبون هذا القدر وقبل ان يخرج سأله مصطفى مدعيا انشغاله بالطعام
-هل يعيش الغجر هنا معكم بالقرية ، فقد رأيت بعضا منهم اثناء مرورنا بالسوق
اجاب الخادم الزبون الكريم
-لا هم فقط يحضرون كل موسم جني الزيتون و يبقون حتى نهاية مهرجان الخيول وينصبون خيامهم عند مضارب القرية خلال هذه الفترة.
-وهل يقدمون عروضهم هنا ؟
توقف رعد عن الاكل مندهشا بأسئلة بصديقه فما شأنهم بالغجر و عروضهم بينما رد الخادم
-بداية نعم لكن قبل وقت قصير منعهم الشيخ من دخول القرية ولا ادري لماذا اما الان فهم يقيمونها بالقرى المجاورة كما سمعت
اعطاه مصطفى مزيدا من القطع النقدية جعلته يخرج من الغرفة راقصا فكما يبدوا سيكون هذا الثرثار مفيدا له
-هل للغجر علاقة بالزعيم يا مصطفى
وضع دجاجة بأكملها في صحنه هاتفا
-كل يا رعد ، اشبع بطنك كي تريح عقلك .
***************
جلس صقر تحت سقيفة جريد النخل يتابع الفلاحين يعملون بنشاط منقطع النظير خاصة في وجوده في الوقت الذي وقف امامه حجاب يتصبب عرقا وبأنفاس متلاحقة جعلت صقر يسأله رافعا حاجبه
-اين كنت ؟
جفف عرقه بكم جلبابه وقال من بين انفاسه التي اوشكت ان تنقطع
-كنت بقرية جوما
وقف صقر بطوله المهيب متسائلا
-وماذا كنت تفعل بقرية جوما يا حجاب ودون اذني
وقعت عينه على جرة الماء فاردف برجاء
-هل استطيع ان اشرب بعض الماء قبل ان اجيبك يا سيدي
اشار له بموافقته فالتقط الجرة يشرب منها بنهم
على عكس الخدم والفلاحين والعاملين كان يعامله معاملة جيدة ، لا يضربه ولا يهينه ونادرا ما يصرخ بوجهه حتى انه في بعض الاحيان عندما يكون ثملا يسر له بما يؤلم قلبه ويشغل باله وحجاب ايضا كان وفيا لصقر محبا له ومستعدا لان يفديه بحياته بكل الرضا
بعد ان ارتوى عطشه اجاب
-كنت عند حكيمهم ، اخبرته اني اعاني من الارق ومن صداع شديد يداهم رأسي كلما استيقظت فزعا من اثر الكوابيس فاعطاني هذا الدواء
رافق كلمته الاخيرة بإخراج زجاجة صغيرة من كم جلبابه ، ادرك صقر ان حجاب يصف حالته هو ، علته هو ومصابه هو وكان ممتنا كل الامتنان له وطبعا لم يظهره بل عقب
-هل ذهبت دون ركوبة لهذا تتصبب عرقا
اخفض راسه قائلا
-خفت لو اخبرتك ان تمنعني وانا ما عدت قادرا على احتمال عذابك كل ليلة يا سيدي وانا اتفرج
ربت على كتفه
-شكرا لك يا حجاب
كلمة شكر من صقر تعني له الكثير حقا ، هذه المرة الثانية التي يشكره بها ، فالمرة الاولى كانت منذ سنوات خمس ، كان حينها صقر قد سمع بحانة فتحت حديثا بإحدى القرى المجاورة بها راقصات جميلات واجود انواع الشراب وطبعا كان لابد لصقر باختبارها بنفسه ، كان حجاب خادما بهذه الحانة يمسح الارض و يغسل الاواني وينظف قذارات الزبائن .
عند دخوله للحانة رأى اكثر الوجوه التي يكرهها في حياته ، غزوان ابن صديق خاله ، لن ينسى الليالي التي قضاها مقيدا الى جذع النخلة بسببه ولن ينسى الضرب الذي تلقاه من والده ايضا بسببه والان جاءته الفرصة ليرد الله الصاع صاعين .

جلس صقر الى الطاولة المقابلة له يراقبه بتحفز ويتحين الفرصة لدق عنقه وقد جاءته الفرصة على طبق من ذهب عندما ضرب خادمة الحانة واسقطه على طاولته ورفع عصاه عليا وقبل ان ينهال بها على الخادم امسكها صقر في الهواء قائلا باستعلاء
-لماذا تضرب هذا المسكين ايها التافه
شعر بالحنق من تدخل غريمه اللدود ومن اهانته فانتزع عصاه من يده هاتفا
-لا تتدخل يا ابن المنذر
وهم بضرب الخادم ليخرج غيظه به لكن صقرا كان له بالمرصاد ثانية ليس رغبة في الدفاع عن حجاب بل رغبة في اذلاله فامسك عصاه بيد وبيد اخرى جذبه من تلابيبه
-ان كنت تريد ان تضرب فاضرب من هو في حجمك ام انك خائف
خلص نفسه بصعوبة من يد صقر ونظر الى اعين اصدقائه الذي جاؤوا معه والراقصات و مرتادي الحانة ، كان الجميع يتابعون بفضول المشهد ورغم ان المواجهة مع صقر ستكون صعبة عليه ، ابى غروره الا ان يواجهه فصاح بشجاعة مصطنعة
-انا لست خائفا منك او من سواك فارفع عصاك لنتواجه
نظر له باستهانة ورمى عصاه ارضا ممعنا في التقليل من شأنه و زيادة في اذلاله
-لست في حاجة لعصا لصرعك يا غزوان ام اناديك ابا الجرذان كما كنت اناديك في الصغر
تعالي ضحكات الجمع دفعت الدماء الساخنة لرأسه فهجم على الصقر بكل قوته لكن صقر تفاداها بخفة ومهارة و باغته بصفعة سمعت صوتها بأرجاء الحانة ، صفعة ستكون وصمة عار في حقه ان لم يرد عليها بصفعة اقوى منها
-ايها الوغد
هتف بها ورمى عصاه ارضا وانقض على صقر ليصفعه لكنه لم يكن له ندا فعاجله بصفعة اخرى ولوى يده التي تجرأ وحاول صفعه بها حتى كسرت قبل ان يسقطه ارضا وينهال عليه ركلا وبصقا
ليهتف بعدها بانتشاء طالبا ابريقا كبيرا من الشراب
-جميع طلبات الحاضرين على حسابي ايها الساقي
علت الصيحات و التهليل وشرب صقر ورقص حتى تعب من الرقص تلك الليلة بينما غزوان الذي اخرجه اصدقائه ونصحوه بان لا يعترض طريق صقر لانه ليس كفؤا له فكل ذرة من جسده كانت تنتفض غضبا ،طوال حياته لم يجرأ احد على رفع يده عليه ، لم يفعلها ليأتي هذا الكلب و يصفعه ويهينه امام مرأى العباد ، لن يمررها ولو بقي فيه عرق واحد ينبض ، سيقتله حتى لو قتل بعدها ، سيثأر لكرامته و يرد اعتباره حتى لو كانت نهايته .
تسلل في جوف الليل الى منزل صقر وظل مرابطا امامه حتى لمحه عائدا يترنح من اثر الثمالة يسحب حصانه الابيض و يغني بصوت مزعج مرتفع وبخطوات سريعة عديمة وبحركة مباغتة انقض على صقر من الخلف واخرج خنجره وقبل ان يستوعب الصقر ما ذا يجري كان ...قد غرز خنجره في جانبه بكل غل وبكل حقد مرة واثنتين حتى سقط الصقر مدرجا بدمائه ....


وداد ألبوران غير متواجد حالياً