عرض مشاركة واحدة
قديم 14-08-20, 10:35 PM   #43

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني والعشرون
......
يقال أن نهاية درب الحيرة نقطة
والنقطة إما فراقًا يُميت الحب أو قربًا يُحييه
مهلًا
ماذا عن رعونة العاشقين ؟
هل إن كانت النقطة فراقًا يموت الحبُ حقًا في قلوب مُريديه ؟!
عجبًا لقوم اعتنقوا الحب وانتهجوا الفراق زعمًا بأنه يشفي الجروح..
بعدما أدخلها نديم المنزل وانتابه الجزع لحالتها الغريبة تلك ، سألها ماذا حل بها فهزت ليلى رأسها مرارًا دون وعي
أجلسها على الأريكة ودلف إلى المطبخ ، أحضر كوب ماء وعاد إليها وساعدها كي تحتسيه ، احتست منه قطرات ومن ثم شهقت بعنف ..
أعطاها الوقت لتهدأ ثم سألها بتوجس
ـ مالك ياليلى في إيه ، أنتِ زعلانة عشان حذيفة أول مرة يسافر ويسيبك وأنتو متجوزين ؟
التفتت إليه بحدة والذعر يجتاحها من أن يكون على علم بكل ما يحدث
ـ عرفت منين إن حذيفة سافر ؟
خالف ظنها حين قال بهدوء
ـ هو كلمني إمبارح وقالي إن عنده شغل برة وطلب مني أجي أخدك بيت بابا لحد مايرجع .
تنفست الصعداء وتنهدت ترفرف بأهدابها فيما سمعته يسألها بريبة
ـ إيه إللي حصل وقلب حالك كدة .
حاولت قدر المستطاع أن تبدو طبيعية حين أجابته بخجل
ـ عشان أول مرة يسافر .
ابتسم وتصنّع أنه يصدقها ، ربت على كتفها بحنو وشاكسها
ـ مش عارف بتحبي فيه إيه ، ده مفيهوش ميزة يابنتي .
انطلى عليها مزاحه وابتسمت بارتجاف قائلة
ـ متتكلمش على جوزي كدة .
قهقه وهز رأسه وكأنه فقد فيها الأمل ، مطّ شفتيه وقال
ـ يلا ياليلى حضّري شنطتك عشان أنا كمان عندي شغل .
رعشة باردة اجتاحتها وسلمت بالأمر الواقع سريعًا ، في موقف كهذا كانت لترفض لكن الآن ليس لديها خيار آخر ، تعلم أنهم لن يتركوها بالمنزل وحدها ، نهضت تقطع على نفسها ذلك الشعور بالفقد وتتجاهل تعلقها ، هي ذات قلب غض يتعلق بالأماكن وهذا ليس كأي مكان
هو عرين فارس الأحلام ..
وحتى لا تبكي ويُفتضح أمرها تجاهلت ذكرياتهما القريبة فيها ، ارتدت ملابسها في عجالة وأخذت ملابسًا قليلةً في حقيبة ورحلت بصحبة نديم الذي كان يرمقها من حين لآخر بغموض .
أقلّها إلى منزل عائلتهما وعلى باب المنزل سلمها لأمها ودفعها برفق للداخل ، والأم توجست من زيارة ليلى المفاجئة ورأت نديم خلف ليلى يكز على أسنانه قبل أن يتصنع الهدوء
ـ جوزها سافر كام يوم وقال لي أخد بالي منها لحد ما يرجع .
نظرت إليها أمها بريبة فوجدتها تتهرب بعينيها منها وتبتسم بارتجاف ، احتضنتها وجذبتها للداخل وقالت لنديم
ـ ادخل يانديم .
لوح لها بكفه مشيرًا لها بطرف خفي نحو ليلى التي كانت توليه ظهرها ففهمت الأم مقصده ..
تركهما نديم ورحل وقد استشف من هيئة ليلى التي وجدها بها في منزلها أن الأمر خلفه كارثة ، حذيفة لن يتركها بتلك البساطة ويسافر في رحلة عمل بعد أيام قليلة من الزفاف ..
وهي بعدما دلفت حاولت إتقان دورها لكن عينا أمها الذكيان لم تغفلا عنها لكنها تركتها لبعض الوقت ..
تناولت طعامها بصعوبة وذهبت لتسترح في غرفتها ، وما إن دلفت وأغلقت الباب حتى اندفعت نحو فراشه وانهارت كل سدودها وغابت في نوبة بكاء ، الفراق الذي أصرت عليه أحرق قلبها ولم يمر يوم واحد حتى ، والحقيقة أن قربه يكوي وبعده يقتل
بعد بكائها المرير غابت في نوم عميق ،وكان نومًا هاربًا كعادتها .
..........
وعن حذيفة فقد وصل إلى ألمانيا بسلام ، استقبله يونس في مطار برلين وأوصله إلى شقته الخاصة ، وفي الطريق سأله عن حاله وسبب مجيئه المريب ذاك فأجابه حذيفة برتابة
ـ شوية أكشن كدة .
ضحك يونس بخفوت قبل أن يؤكد
ـ حقها بصراحة .
لم يجادله حذيفة والتحف بصمت كئيب ، فقال يونس
ـ سألوني أنتَ جاي ليه بعد جوازك بأسبوعين ؟
زفر حذيفة بغضب قبل أن يستفهم
ـ مين إللي سألك ؟
وتذكرمكالمة أبيه له قبل أن تقلع الطائرة ومحاولته فهم سبب سفره المفاجئ وحذيفة طمأنه أن الأمور بخير وسفره من أجل العمل فقط وبالطبع عبد العزيز لم يصدق حرفًا فتحجج حذيفة أن الطائرة على وشك الإقلاع وأنهى المكالمة ..
قطع شروده صوت يونس وهو يقول
ـ العيلة في مصر وحتى هنا في الشغل.
كز حذيفة على أسنانه وسأله بترقب
ـ وقلت لهم إيه ؟
راقب يونس ملامح حذيفة المغلقة وقال بهدوء
ـ قلت لهم إن أنا إللي طلبت منك تيجي تظبط معايا حاجات مهمة في الشغل .
مط حذيفة شفتيه بتعبير ساخر
ـ وصدقوك ؟
ضحك يونس بانطلاق قبل أن يرفع حاجبيه ويهز رأسه نفيًا
ـ في الشغل أه صدقوا ، لكن في مصرلا طبعًا .
كانا قد وصلا الشقة ، فتحها حذيفة ودلفا تباعًا ، وضع يونس الحقيبة التي كان يحملها وودعه ورحل .
وهو جلس على الأريكة لبعض الوقت توجهت أفكاره نحو ليلى ، لقد أبعدته بنفسها وعنه فهو لم يعد يقبل بأنصاف الحلول وإن أطالت ذلك الفراق اللعين سينهيه هو وما بعد ذلك سيكون إجبارًا .
.....
في المساء استيقظت ليلى على صوت طرقات خافتة على باب غرفتها ، نهضت وتطلعت حولها ترمش بأهدابها في محاولة للاستفاقة الكاملة ، استفاقت لكن لازمها ثقل في القلب وألم في الرأس ، نزلت من فوق فراشها وتحركت نحوالباب ببطء ، فتحته فوجدت أمها تتطلع إليها بحنق
ـ أنوار وحمزة برة .
ارتدت ليلى للخلف بخفة وازدردت لعابها بريبة أخذت وقتها لتهدأ وأومأت بتفهم
ـ دقايق بس وجاية ورا حضرتك .
بدّلت ثيابها وصففت خصلاتها بعدما غسلت وجهها بماء فاتر وخرجت إليهم ، حيتهم ببشاشة مصطنعة وجلست قبالتهم في صالة المنزل ،
سألتها السيدة أنوار دون مواربة
ـ خير ياليلى حصل إيه ؟
تنفست ليلى ببطء وبللت شفتيها بطارف لسانها
ـ خير ياطنط مفيش حاجة .
وجد حمزة نفسه بين جلسة نسائية فنهض بهدوء
ـ هنزل اتمشى تحت شوية يا ماما .
أومأت له فودعهم وخرج من المنزل ، فيما نهضت أنوار وجلست بجانب ليلى تربت على كتفها فأجفلت لتبتسم لها أنوار بود
ـ حصل إيه عشان يسافر بسرعة كدة ؟
هزت ليلى رأسها بنفي فيما قالت بخفوت
ـ محصلش حاجة إحنا بخير .
تنهدت أنوار قائلة
ـ مش عايزة أتدخل في حياتكم بس عايزة أطمن عليكم .
رفعت ليلى عينيها ومن بين أجفانها التمعت عبرة أبية وبصوت مبحوح قالت
ـ أنا كويسة .
تنفست بعدها بعمق مغمضة عينيها
ـ وهو كويس .

نظرت السيدة أنوار نحو السيدة ليلى بشك فبادلتها الأخرى ذات النظرة بصمت ..
عادت أنوار تربت على كتف ليلى مجددًا واحترمت خصوصيتها التي تصر على الحفاظ عليها ،
ابتسمت لها بهدوء وغلبتها حكمتها
ـ ظروفكم كانت مكركبة وأكيد لسة مأثرة عليكم بس بلاش بُعد .
أومأت لها ليلى بتفهم فنقلت أنوار دفة الحديث بسلاسة إلى موضوعات شتى حتى لا تزعجها بتدخلها في حياتها الخاصة ..
.......
على الجانب الآخروتحديدًا في شقة باردة في إحدى ضواحي برلين كان حذيفة يجلس بتراخي على فراشه ، منذ أن وصل والنوم قد خاصم أجفانه ، جرب العبث في هاتفه ، التدخين طويلًا ، القهوة ، أخبار العالم على التلفاز ، فيلم وثائقي عن طاغية نازي ، جرب كل شيء وفجوة الفراغ بداخله كانت تتسع تدريجيًا
تركيزه مُنصبًا عليها ومهما حاول تشويشه يعود إليها مرة أخرى هاتف يونس وبعد أن رد الآخر قال له حذيفة بنزق
ـ أنا عايز آكل.
ضحك يونس بخشونة
ـ أبعت لك مُصعب يطبخ لك .
تأفف حذيفة بنزق
ـ بعرف أطبخ بس عايز أخرج .
وافقه يونس الرأي بهدوء
ـ كنت هكلمك أصلًا عشان نتعشى برة .
......
وعلى العشاء كان حذيفة يلوك الطعام بلا شهية ويونس جالسًا قبالته يراقبه ويعلم أن الأمر ليس بسيطًا فسأله
ـ المشكلة كبيرة قوي ياحذيفة ؟
وحذيفة ترك الشوكة ونظر إليه وشعور الخواء بدى جليًا على وجهه ، كان يشعر بالانفصال عن نفسه وأن روحه منقوصة يحيا فقط بديناميكية ..
تنهد قبل أن يقول بتأكيد
ـ هي محتاجة تاخد هدنة من غيري .
تفهم يونس وأومأ بعقلانية
ـ اصبر عليها ياحذيفة في النهاية هترجعوا لبعض .
أسند حذيفة مرفقيه على الطاولة أمامه وتنفس بعمق
ـ أكيد لازم أصبر ولو المشاكل طولت أكتر هصبر برده وعارف إننا هنرجع بس عايزها ترتاح بقى .
لوح يونس بكفه يسرد بفطنة
ـ الوقت بيشفي الجروح مهما كانت صعبة .
هز حذيفة رأسه مؤكدًا وابتسم بلا إحساس
ـ ادعي لها يا يونس .
اتسعت ابتسامة يونس فيما قال بتأكيد
ـ هدعي لكم مع بعض ، ربنا يسعدكم وتخلفو لنا عبد العزيز صغير .
كز حذيفة على أسنانه قبل أن يزجره بعينيه
ـ لا شكرًا متتعبش نفسك .
انطلقت ضحكات يونس المستمتعة
ـ المقارنة مش عادلة هو ديمًا بيعمل الصح وأنتَ عكاك
ابتسم حذيفة ببساطة
ـ بطلت أقارن من زمان عبد العزيز لا ينافسه أحد .
...............
في البعد نرى الأمور بوضوح
تتكشف لدينا حقائق كانت مشوشة
في البعد نعرف قيمة القرب
استيقظت ليلى في اليوم التالي مبكرة ، جلست تتناول فطورها الخفيف في الشرفة التي حافظت عليها أمها خلال الأسبوعين الماضيين رُغم الشتاء القارص ..
جلست تتأمل شرفة حذيفة المغلقة وحولها سكون الصباح ، في الأمس القريب كان يقف أمامها يحدثها بالإشارة وكانت وقتها سعيدة رُغم تشوشها ، واليوم أبعدته بنفسها وسكن روحها الفراغ ، تذكرت جملة بسيطة في حروفها قوية في معناها
ـ بتونسي قلبي يا ليلى ـ
وهو أيضًا كان يؤنس قلبها بوجوده ولن تنكر .
رفعت هاتفها من على الطاولة أمامها وسجلت له رسالة بصوت حنون وكان ذلك أول تواصل
ـ حبيبي .. اوعى تنسى إني بحبك .
وعلى الطرف الآخر كان يسمعها بقلبه قبل أن يرد مثلها
ـ في حاجات مبتغيبش عن بالي .
ابتسمت بغصة حينما سمعت صوته الأجش هي تعلم أن حبهما هو الثابت الوحيد حتى لو كان كل العالم مُتغيرًا
........
بعد يومين كانت جالسة في غرفتها شاردة في نقطة وهمية لا ترسم ، لا تعبث في هاتفها ولا تتحدث ، كل شيء فاقد لرونقه ومذاقه..
فبعد رسالتها ورده لم يتواصلا أبدًا ، وكانت تعلم أنه لن يضغط عليها ، لكن شعور الافتقاد يحرقها ، دق الباب بطرقات هادئة فاستقامت تفتحه ، فتحته ووجدت أمها تقف أمامها ، أفسحت لها الطريق ودلفت السيدة ليلى وجلست على الأريكة مُشكبة يديها ببساطة فدلفت ليلى بدورها وجلست بجانبها بصمت فبادرت السيدة ليلى بحزم
ـ أنا سامعة .
أطرقت ليلى وتنهدت بتعب
ـ مش عايزة أحكي ، معنديش حاجة أحكيها
فكت الأم أناملها من بعضهما وهدرت بصوت مرتفع
ـ هتحكي .
أجفلت ليلى وتراجعت للخلف قليلًا ونظرت إلى أمها بوجلٍ فيما قالت الأم
ـ كان زمان حكاية مش عايزة أحكي دي ، لكن دلوقت راجعة بعد أسبوعين جواز بعد ما جوزك ساب البلد كلها وسافروبتقولي مش هتحكي ؟.
ترقرقت العبرات في عيني ليلى فيما توسلت
ـ أرجوكِ ياماما مش عايزة أتكلم .
والأم صاحت فيها بقوة
ـ أرجوكِ أنتِ كفاية بقى وانطقي .
تحررت الدموع من عقالها وأغرقت وجنتيها
ـ أبتدي منين ؟
تنهدت أمها بعمق ونظرت إليها بجدية
ـ من أول ما وافقتي على الفرح .
اتسعت عينا ليلى وسألتها بريبة
ـ وإللي قبل كدة .
رفعت السيدة ليلى أحد حاجبيها وواجهتها بالحقيقة
ـ طالما وافقتي تلبسي الفستان إللي جابهولك يبقى اللي قبله المفروض انتهى .
قاطعتها ليلى ودموعها لم تتوقف
ـ وافقت عشانه ، عشان ميزعلش .
ردت أمها بقوة
ـ وبعدين ؟
أطرقت ليلى بقلب متألم
ـ وبعدين ...
لم تستطع المواصلة فصمتت بعجز ، لتقترب أمها قليلًا وتمسك بكفها تسألها بحنو
ـ إيه هي مشكلتك ياليلى ، عيونك مطفية ليه وأنتِ عروسة بقالك أيام بس .
زاد نحيب ليلى فيما قالت بغصة
ـ مشكلتي إنه كان متجوز قبلي .
تركت الأم كف ابنتها وشهقت بدهشة
ـ نعم ؟!
رفعت ليلى عينيها المحمرتين إليها
ـ إنه مكنش عفوي .
شهقت أمها مجددًا ، ليلى تتعامل مع زوجها بطفولية ، مازلت تسكن عالمها الوردي رُغم أنه يحاول جاهدًا أن يحافظ على ماتبقى من ذلك العالم ولا يشوهه تمامًا ، لكنها لابد أن تواجه الواقع فهتفت بحدة
ـ عفوي !!
وقبضت على ذراع ابنتها بغضب
ـ كنتِ عارفة أنه اتجوز اتنين قبل ما تروحي له بيته ولا لاء ؟
تعمدت الأم القسوة ، تعمدت صدمتها هكذا لترفع ليلى عينيها بذعر وترفرف بأهدابها وأنفاسها تتلاحق بلهاث ، لحظة صمت مشحونة مرت قبل أن تقطعها ليلى باعتراف متألم
ـ كنت عارفة .
أومأت أمها بمعرفة ومن ثم ألقت قنبلتها
ـ داريتي عننا إنه قالك تعالي قضي معايا يومين ولا محصلش !
وشهقة ليلى كانت عنيفة ، ارتدت للخلف بذعر وقبضت بكفيها على الأريكة ، توقفت أنفاسها لحظات قبل أن تسأل بتحشرج
ـ عرفتي إزاي ؟
ضيقت الأم عينيها وسألتها
ـ حد غيركم يعرف ؟
من بين تقطع أنفاسها همست ليلى بذهول
ـ أمل .
أشاحت الأم بوجهها وأكدت
ـ صاحبتك مش هتقول لأي حد الكلام ده
اتسعت عينا ليلى ذعرًا وقالت بلا تصديق
ـ حذيفة !
وبذات الذعر سألتها فيما أمسكت كفها
ـ بابا ونديم يعرفو؟
وراحت تهذر بتلعثم
ـ هو مكنش يقصد أبدًا ، هو كان عايزني أمشي وبيخوفني .
كانت ضائعة وخائفة لا تريد فراقه الأبدي وانتابها الهلع لتلك الفكرة فعادت تترجى أمها ببكاء حار
ـ أنا بحبه ومش هسيبه حتى لو عرفتوا كلكم .
ضيقت الأم عينيها وسألتها بعقلانية
ـ يعني عارفة سبب كلامه ده ومع ذلك لسة بتفكري فيه وشايفة أنك واحدة زي إللي قبلك ؟.
وانتابها السخط أكثر
ـ بعد كل إللي عمله وبيعمله لسة بتفكري بالطريقة دي ؟ .
ارتجفت شفتي ليلى فعضت السفلى بقهر
ـ مبيفكرش غير في موضوع واحد بس .
استنكرت السيدة ليلى التي فهمت مقصد ابنتها
ـ لا راجعي نفسك كويس ، جوزك كان بيراعي ظروفك وعايز يرضيكِ وعشان رضاكِ سابك براحتك وأنتو تحت سقف واحد .
رفعت ليلى عينيها إلى أمها بتوجس فأكدت لها نظرة الأم أنها تفهم الوضع بينها وبين حذيفة جيدًا
انتابها الخجل فأطرقت بصمت قطعته أمها بهدوء
ـ لازم تنضجي ياليلى ، جوزك كان متجوز قبلك ومش عفوي دي حقيقة اعرفيها بس متخليهاش تقف حاجز بينكم .
مدت كفها تربت على كتف ليلى بحنو
ـ وبالنسة للموضوع اللي قصدتيه فكل الرجالة بتفكر كدة .
وضحكت بسخرية
ـ احمدي ربنا إنه صبر عليكِ .
سعلت ليلى وتضرجت وجنتاها بالحمرة فحاولت تغيير دفة الحديث حين سألت أمها بريبة
ـ نديم وبابا يعرفوا حاجة ؟
ابتسمت أمها بمكر
ـ حاجة إيه ، كلامه ولا عمايلك .
كزت ليلى على أسنانها قائلة بحنق
ـ كلامه .
تنهدت الأم بتثاقل
ـ لا حكي لي أنا بس ، أنتِ قلتِ له إنك محكتيش لبابا عشان مش عايزة تكسريه أكتر .
ازدردت ليلى لعابها بغصة وأومأت فأردفت الأم
ـ كان عايز يحكي لحد مننا ذنبه كله فحكي لي قبل زيارة أهله عشان يحدد الفرح وكلامك خلاه ميقولش لبابا وكمان خاف يحكي له وهو يرفض جوازكم .
أومأت ليلى بتفهم فاستغلت الأم تفهمها ذاك ونصحتها
ـ كلمي جوزك وصلّحي أمورك معاه .
تنهدت ليلى بعمق ووضحت ما تشعربه
ـ أنا محتاجة بُعد ياماما ، محتاجة أختاره وأنا مش مربوطة عايزة أحس بحريتي
رفعت الأم حاجبيها وواجهتها بعدم رضا
ـ بعد كل محاولاته دي ولسة بتقولي اختيار !
زفرت ليلى قبل أن ترفع عينيها إلى السقف تغالب عبرة
ـ هو عارف إني هختاره عشان كدة وافق يمشي .
مطت أمها شفتيها بلا رضا ونصحتها
ـ بتضيعي أحلى أيام حياتكم بالبعد ده
وهزت رأسها تؤكد
ـ وهتندمي على إللي ضيعتيه .
........
بعد عدة أيام زارهم نديم ومعه أروى ولي لي الصغيرة التي ما تركتها ليلى لحظة ، ظلت تحملها وتقبل وجنتيها وأناملها الصغيرة طوال الوقت ، تتحجج بها وتبتعد عنهم في غرفتها ، والكل بلا استثناء كان يلاحظ انطفاء وهج عينيها وأنها تجبر نفسها على الابتسام ، والجميع أيضًا قد عاصر افتقادها له فيما مضى ويشعرون بها ، لكن تلك المرة لا تبكي على الأقل أمامهم ، تتقوقع داخل قشرة صلدة وتنزوي بداخلها ..
طرق نديم باب غرفتها ففتحته له بابتسامة متكلفة وأفسحت له الطريق ليدلف ، نظر إلى لي لي الصغيرة فوق فراش حذيفة الذي كان واضحًا من بعثرته أن ليلى كانت تجلس عليه بجانب الصغيرة ، هز رأسه بخفة قبل أن يلتفت نحوها ويسألها
ـ عاملة إيه يا ليلى .
أجابته بخفوت مستحي
ـ الحمد لله بخير .
لوى شفتيه بقصد التذمر وعاد يسأل
ـ حذيفة عامل إيه ؟
اهتز جسدها بشكل طفيف قبل أن تقول بتلعثم
ـ بخير .
أومأ بتفهم قبل أن يبتسم بهدوء
ـ تعالي ناخد سيلفي مع لي لي .
ابتسمت له برقة ودون رد خطت خطوتين وحملت الطفلة واقتربت منه ..
وهو أخرج هاتفه من جيب سترته ورفعه لأعلى ومال قليلًا برأسه نحوها ، كانت ملامحها منطفئة ووجهها شاحب فالتفت إليها قبل أن يلتقط الصورة وتصنع الحنق
ـ دة شكل عروسة صاحبي سرقها مني ؟
أسبلت أهدابها بابتسامة رقيقة فمازحها
ـ لو مضحكتيش هسرقك منه تاني .
رفعت عينيها الذابلتين إليه وضحكت بخفوت فضحك بدوره ، وضع الهاتف على الفراش ، رفع كفيه وقرص وجنيتها فتأوهت ضاحكة وقبل أن تبتعد عن مرمى يده كان قد أحاط كتفها بذراع والتقط الهاتف بيده الأخرى ورفع الهاتف مجددًا بدى على وجنتيها احمرار طفيف جعلها تبدو وكأنها نضرة فيما قال وهو ينظر إلى الهاتف ويراها
ـ اضحكي !
اتسعت ابتسامتها فبدت سعيدة وهو رفع أحد حاجبيه بمكر ومن ثم التقط الصورة .
ابتسم بنصر وانحنى يقبل وجنتها ووجنة الصغيرة التي تحملها ثم تركها خلفه ورحل ، وبعد أن أغلق الباب ضغط زر إرسال وكان ذلك بمثابة إلقاء حجر في بحيرة راكدة أشعل في دواماتها ثورة .
والثورة أتت ليلى بعد ذلك بلحظة فقد أرسل لها حذيفة الصورة التي أرسلها له نديم في التو وكان تحتها علامة استفهام ، اتسعت عيناها في هلع وأغضبها مافعله نديم ، كادت تندفع للخارج وتصرخ فيه فصدمها اتصال حذيفة الذي أرجف أناملها التي قبضت على الهاتف ، لم تكن أناملها فقط المرتجفة بل قلبها أيضًا قد فعل بديناميكية فتحت الخط ورفعته إلى أذنها بلهاث فسمعته يهدر بقوة
ـ أنتِ معندكيش إحساس .
شقهت بعمق فلم يعيرها إهتمامًا وهددها قبل أن تدافع حتى
ـ لو المهزلة دي ماانتهتش هتجوز غيرك .
جرحها تهديده ومس من جروحها القديمة العمق فصاحت فيه بغل
ـ اشتقت ل جواز المتعة ؟
وهو على الطرف الآخر صمت ، رفرفت أهدابه بلا استيعاب قبل أن يقول بقسوة
ـ أيوة اشتقت!
سمع ثورة أنفاسها وشعر مثلها بالهواء يكاد يختفي وتضيق رئتيه ، وقسوته في لحظة تلاشت ، دون مقدمات ودون أسباب غير أن الحب أحمق قال
ـ اشتقت لحبيبتي .
وأردف بصوت أجش
ـ اشتقت لك ياغبية .
وهي هشة كريشة رقيقة كزهرة جوري ساحرة كضي القمر ، تحبه ولا ترى غيره ، صوتها الواهن مس قلبه
ـ حذيفة.
رد عليها بهدوء
ـ نعم .
تنهدت قبل أن تترجاه يتفهم
ـ هو اتعمد يضحكني عشان يبعتلك الصورة .
قبل أن يرد عليها سمعت الصغيرة تبكي بصوت خفيض فتحججت بها لتهرب
ـ هروح أشوف لي لي ، بتعيط ..
سمعت صوته المشحون عبرالهاتف
ـ روحي .
أغلقت في عجالة وهربت منه بالفعل .
...........
وعنده كان قلبه قد أوشك على التضخم من فرط الاشتياق ، الأيام تمر وصبره ينفذ وما بيده حيلة للأسف ، ارتكن إلى ظهر مقعده وتنهد بقوة ، انتابه ندم طفيف لأنه نفّذ طلبها وابتعد ، راوضته نفسه أن يعود ويفرض وجوده لكنه عاد يقر لنفسه أنها مازالت تحتاج التفكير دون ضغوط ، وهو سيصبر قليلًا بعد
..........
في المساء ملّت ليلى من جلستها في غرفتها فقررت أن تنخرط في أي أعمال قد تُنسيها ما يشغل تفكيرها ولا يترك عقلها لحظة ، ذهبت نحو المطبخ لتعد بعد الفطائر لكنها تسمرت على بابه حينما وصلتها همهمات خافتة وما رأته أجبر عينيها أن تصلا إلى أقصى اتساع ..
كان نديم يقبض بكفه على خصر أروى بخشونة وهي تتدلل وقبل أن يكمل اقترابه ويلتقط شفتيها كانت ليلى قد أطلقت ساقيها للريح وعادت هرولةً نحو غرفتها تنهت ، فتحت الباب ودلفت وأغلقته فورًا مرتكنة بظهرها إليه والمشهد يتكرر في عقلها بشكل مريع ، أغمضت عينيها علها تتخلص منه ،
تنفست بعمق وفتحتهما ببطء ، سافر خيالها إلى حذيفة ورُغمًا عنها قارنت وضعها معه ووضع أروى مع نديم ودار حديث أمها في الخلفية فأزعجها ما فعلت حقًا ، ولم يمر دقائق إلا وكانت أروى تطرق الباب وتفتحه فتجفل ليلى من هيئتها شبه المشعثة
ابتسمت أروى بخفر قبل أن تسأل ليلى برقة
ـ لي لي صاحية ؟
توترت حدقتي ليلى ولم يسعفها لسانها فنظرت نحو الطفلة الغافية لتنظر نحوها أروى بدورها ،
وكانت ليلى قد لاحظت الاحمرار الطفيف الذي انتاب شفتي زوجة أخيها فاحترقت وجنتاها خجلًا واستدارت نحو خزانتها متعمدة التجاهل فسمعت أروى التي قبّلت ابنتها تطلب منها بلباقة
ـ لو صحيت الببرونة جاهزة في المطبخ ممكن تديها لها ؟ .
التفتت ليلى نحوها وأومأت موافقة دون حرف فخرجت أروى على استحياء وأغلقت الباب خلفها
بعدما خرجت أروى تحسست ليلى وجنتيها حرجًا وعادت تفكر في حذيفة ومعضلتها معه مجددًا ، قد رأت بعينيها شغف أخيها بزوجته رُغم أنهما لا يفترقان وعلى الجانب الآخر هي لا تنفك عن اتهام زوجها بأنه لا يفكر إلا بغريزته والحقيقة الجلية أمامها الآن هي أن حذيفة لم يطلب الكثير ، بل طلب قرب زوجته الذي هو حق أصيل له في الأساس ، وأيضًا كان طوال الوقت يعاملها كحبيبة ولا يضغط عليها أبدًا
أغمضت عينيها فانحدرت من عينيها عبرة ساخنة وعاندت نفسها مجددًا ، بأنها مازالت تحتاج لبعض الوقت
يومان آخران ورن جرس الباب ففتحته السيدة ليلى وكان نديم مجددًا لكن تلك المرة معه يونس ابن عم حذيفة الذي قابلوه من قبل مع العائلة ويعرفونه ، كان يونس يحمل في يده حقيبة وضعها بجانب الباب ما إن دلف ، دعا نديم أخته لتقابل الضيف فارتدت ثيابًا محتشمة وخرجت على استحياء ، ألقت التحية وجلست فنظر إليها يونس دون تفحص ، سألها عن حالها ومازحها
ـ آسف طبعًا إني جيت من غير ميعاد بس هو قالي لازم أطمنه عليكِ .
أطرقت بخجل وعانقت دقاتها عنان السماء لوعةً على فراقه ، لاحظ يونس والموجودون ترددها فأجاب سؤالها غير المنطوق بحذر
ـ بيقولك هو بخير .
وكانت تعلم أنه مثلها ليس بخيرٍ ، استشعرت أيضًا أنه يرسل إليها مرارة ما يشعر به .
لم تطل زيارة يونس كثيرًا وذهب سريعًا
بعد أن أشار إلى الحقيبة وقال لها أن حذيفة قد أرسلها إليها
وبعد رحيله أدخل نديم الحقيبة إلى غرفة ليلى التي ماعادت تسيطر على وجيب دقاتها ، دلفت إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها وبنفاذ صبر راحت تفتح الحقيبة وتتلمس عبقه فيها
فتحتها وأول ما وقعت عيناها عليه كان ظرف أبيض التقطته بسرعة و تشممته مغمضة العينين فدغدغ حواسها بقايا عطرة
فتحت الظرف وتناولت منه الرسالة تقرأها بعينين تغالبان وخزالعبرات..
ليلاي
اشتقت إليكِ بستاني الأخضر
ذُبت لوعة في فراقك مولاتي
دعيني أعود أرجوكِ
لم أعد أخاف حبيبتي ولن أخذلك مجددًا
دعينا نعود سويًا
أقسم أني لن أقترب أبدًا
ولا أعدك بالوفاء بالقسم لأنني ما إن أرى طيف العسل الرائق في عينيكِ
سأحنث ..
لكن لن أُخرب لحظات قربنا
لقد أحببتك وحدك ولم يمس قلبي غيرك حبيبتي
أنتِ حبي الأول والوحيد ليلاي
لا أريد ولا أرتضي سواكِ
بتُ أحلم بنا دومًا
بك غافية بين ذراعي وتحملين طفلنا
لقد سكنت أمنياتك أحلامي
أنا وأنتِ.. بيت وأولاد ومزروعات ..

أنهت الرسالة بأنفاس ضائعة وقلب ملتاع ، ودموعها أغرقت وجنتيها دون إرادة ،
طوتها بيدها ونظرت إلى ما تحتويه الحقيبة فوجد ثوبًا كريميًا ، التقطته فكان قصيرًا وعاري الأكتاف رفعته كي تراه جيدًا فانزلقت منه قصاصة ورق ابتسمت بشجن و نظرت إليها فوجدته قد خط عليها بيده
ـ ارتديه لي في بيتنا على أضواء الشموع .
احتضنت الثوب وتخيلت نفسها ترتديه وداعب خيالها نظرة الشغف في عينيه ما إن يراها .
كانت الحقيبة تحتوى على علبة صغيرة في الأسفل ، فتحتها بأنامل مرتجفة ككيانها كله ووجدت بها غلالة بلون أرزق وأيضًا سقطت منها قصاصة خط عليها
ـ ارتديه ما إن نطفئ الشموع .
وقتها ضحكت من قلبها تغالب وجعه ولم تقوَ على مقاومة سريان عبراتها الذي لم ينقطع ، تركت كل شيء ونهضت تلتقط هاتفتها وتسجل له رسالة بصوت متقطع من بين شهقاتها
ـ حبيبي أنا آسفة ، سامحني يا حذيفة ، آسفة عشان وجعت قلبك وعشان بعدتك عني ، أنا غبية بس موجوعة ، شوية بس ، شوية كمان ، أنا هبقى كويسة وهنرجع تاني ، وهيبقى عندنا بيبي والله ، بس اصبر شوية كمان ، أنا بحبك قوي ، ومش عايشة وأنتَ بعيد عني ، أنا بحاول أبقى قوية عشان لما نرجع منفترقش أبدًا.
كان يسمع رسالتها والدماء في عروقه تغلي ، أهكذا تقابل توسله !
لقد أطاحت بكرامته مجددًا وهو لن يمررها تلك المرة كما فعل في السابق ، أغلق هاتفه دون أن يرد عليها وكان في أوج غضبه منها ، لقد تمادت كثيرًا في دلالها
منحها الحب وفسرته كغريزة وأصرت على البعد ولم تعطه الفرصة الكاملة ليغير معتقداتها الخاطئة
يعلم أنها مُحقة بعض الشيء لكن ليس لتلك الدرجة هي تغالي في ردة فعلها ولم يعد يحتمل ..
...................
في اليوم التالي حدثتها أمل عبر الهاتف وطلبت أن تزورها مع عزة بعدما عرفتا بسفر حذيفة ، فاقترحت ليلى أن تكون تلك الزيارة في منزلها ، لقد اشتاقت دفء منزلهما كما اشتاقته هوأيضًا..
تحددت الزيارة بعد ذلك بيوم وكانت في الصباح ترتقي درجتي سُلم منزلها وبجانبها خادمة أمها تحمل بعض الأغرض ، بحثت عن سلسلة مفاتيحها في الحقيبة بأنامل مرتجفة ووجدتها بالداخل ، قبضت عليها وابتلعت غصتها بصمت ومن ثم أخرجتها وفتحت الباب ، دلفت تلتهم عينيها تفاصيل المنزل وتتخيله في كل ركن ، خلعت حذائها وتلمست بقدميها الأرض الخشبية فارتجف جسدها ، ومن خلفها دلفت الخادمة وانطلقت إلى مهامها ..
وهي راحت تدور في أرجاء البيت والحنين يؤلم المضغة اللينة خلف ضلوعها ، دلفت إلى غرفة النوم الرئيسية التي شهدت انهيارها من قبل ، أغلقت الباب فور دخولها وتحركت ببطء نحو الفراش ، تمرغت فيه وأنين قلبها يشتد ، تحسست الوسادة بارتجاف أنامل وانفصال روح ، لوهلة كرهت نفسها وتساءلت لماذا فعلت كل هذا ؟
ماذا لو تجاهلت ألم قلبها وقتما رفضته وأهانت حبه ، شهقت بعنف ودموعها انحدرت وعادت تسأل ماذا لو لم تدفعه دفعًا نحو الفراق ؟..
ماذا لو كان هنا الآن !
ظلت تلعن ضعفها الذي يكبلها هكذا ، كفكفت دموعها بوهن وفي قرارة نفسها أيقنت أن السعادة اختيار وسعادتها في قربه فقط وأنها تقسو عليه وعلى نفسها بالبعد ، وكما قال من قبل هي تحتاج مساعدة نفسية ستسعى إليها علّ جروحها تندمل ..
بعد ساعتين كانت الخادمة قد نظفت المنزل وعطرته وشرعت في إعداد الطعام ..
وصلت عزة وأمل تحمل كندة ففتحت لهما ليلى الباب وابتسمت بعينين حزينتين فاحتضنتاها صديقتاها تباعًا ، دلف الجميع إلى الصالة الفسيحة المفروشة بذوق عصري وجلسن جميعًا ، غرقوا في الثرثرة لوقت طويل وعند الطعام تناولوه في المطبخ فلم تستطع كبت مشاعرها المشحونة أكثر ، كانت تبتلع الطعام بصعوبة وقلبها تتمرد دقاته كعادته ، لاحظت صديقتاها حالتها تلك وهي رأت في عينيهما التساؤل فتركت شوكتها وانهمرت دموعها ، لتقترب منها أمل وتهدهدها دون استفسار فعقبت عزة التي كانت تنظر إليهما بعدم رضا
ـ الهانم سابته يسافر البلد إللي كان متجوز فيها قبلها .
ردت عليها ليلى بصوت متحشرج تبرر
ـ هو سافر في شغل وهيرجع لي تاني .
سخرت عزة بصوت غاضب
ـ يعني مندمتيش وطفشتيه ؟
مسحت ليلى دموعها عن وجنتيها بحدة وانتابها التوتر وجلست أمل بجوارها بعدما سحبت مقعدًا
فقالت عزة تشكوها إلى أمل باستنكار
ـ صاحبتك لسة بتعيط بعد ما سلمته أعز ما تملك يا أمل ..
وأمل من نظرة واحدة إلى توتر ليلى عرفت نصف ماحدث ولم تُعقب ..
لن تتدخل في شيء يخص صديقتها وزوجها ، لكنها التفتت نحو عزة الحانقة وسألتها بغموض
ـ المفروض تعمل إيه ؟
تأففت عزة كعادتها
ـ طالما اتجوزته بإرادتها يبقى تحترم كلمتها
رفعت أمل حاجبًا مندهشًا قبل أن ترد
ـ أنتِ أكتر واحدة متناقضة قابلتها ياعزة ، في إيه بتكرهي حذيفة وفي إيه عايزة ليلى تحترم كلمتها ، المفروض تفرحي أنها معذباه ..
تنهدت عزة قبل أن تهز رأسها
ـ دي حاجة ودي حاجة ، مش بسامح إللي بيأذي بس إللي ياخد قرار يبقى قده من غير عياط ولا ندم .
رفعت ليلى رأسها لأعلى وشدت ظهرها بعنفوان قبل أن تقول
ـ مفيش بينا مشاكل ولا ندم ، كل الحكاية عنده شغل وهو وحشني بس .
مسدت أمل كتف ليلى مبتسمة فيما زفرت عزة واستقامت تسحب هاتفها من أمامها وتلوح لهما
ـ الوداع صديقتيّ لديّ موعد مهم .
اعتلت الدهشة وجهي ليلى وأمل فانطلقت ضحكات عزة المستمتعة
ـ عندي ميعاد مهم مالكم ياجماعة .
قالتها وأولتهم ظهرها فسألتها أمل بمزاح
ـ ميعاد مع مين ياترى ؟
التفتت نحوها عزة دون استدارة وقالت بصوت غريب
ـ القدر!
الكلمة رغم أنها كانت مازحة إلا أنها أسرت القشعريرة في أوصال أمل التي قالت باهتمام أمومي تغدق به على صديقتيها قبل ابنتها
ـ خدي بالك من نفسك ياعزة .
أومأت بطاعة وانصرفت ، والقدر نافذ لا مرد له إن حتى عانقت السموات أو اختبأت تحت طيات الأرض ..
بعد رحيل عزة التفتت أمل نحو ليلى المطرقة برأسها وعاتبتها بمزاح
ـ في عروسة في الدنيا بتاخد بنت صاحبتها في أول أيام فرحها تلعب بيها ؟
ابتسمت ليلى بخجل فاستمرت أمل تمازح
ـ أشرف كان قلقان وخايف إن حذيفة يرميها برة البيت .
ضحكت ليلى بخفوت وقالت
ـ حبيبي مش هيعمل كدة .
سألتها أمل دون مواربة
ـ ولما هو حبيبك بتبعديه عنك ليه .
وأمل لا تريد تفاصيل ، هي تريد توضيح الصورة أمام عيني ليلى ، ليلى التي تنهدت بهدوء
ـ غبية .
ابتسمت لها أمل قائلة
ـ لا مش غبية ، بس متسرعة شوية .
وقبل أن تعقب ليلى قالت أمل
ـ اتفقي واختلفي معاه بس وأنتو مع بعض .
وقتها شع من وجه ليلى نور جديد وقد حسمت قرارها قبل كلام أمل في الأساس لكن كلامها مريح حد أنه قد شجع ليلى لتبوح بشجاعة
ـ أنا قررت أرمي كل حاجة ورا ضهري وأعيش معاه سعيدة
ابتسمت لها أمل بابتهاج قائلة وهي تقرص وجنتها برقة
ـ تستحقي السعادة يالولو.
سألتها ليلى بحماس
ـ تيجي معايا البيوتي سينتر بكرة؟
زوت أمل ما بين حاجبيها فأكملت ليلى ويدها تمسد خصلاتها بحالمية
ـ هقص شعري .
أومأت أمل بموافقة ونهضت تودعها
ـ سلام دلوقت هاخد كندة من الجنينة وأمشي زمان أشرف مستنينا .
نهضت معها ليلى تودعها بعدما احتضنت الصغيرة وأشبعت وجنتيها تقبيلًا
.........
صباح جديد استيقظت فيه ليلى وقلبها يطرق باب السعادة ، نهضت من فراشها في بيت والدها بنشاط ، أخذت حمامها الدافئ وخرجت بخصلات ندية إلى الصالة تقبل وجنتي أمها الجالسة تتصفح جرائدها اليومية و التي اندهشت من إشراق وجه ابنتها وربتت على كتفها بحنان وسألتها
ـ خير يارب
ضحكت ليلى بعينين لامعتين وأجابتها
ـ هروح بيتي بكرة .
رفعت أمها أحد حاجبيها وسألتها بريبة
ـ وجوزك !
أطرقت ليلى بخجل وقالت برقة
ـ هيرجع لي .
هزت الأم رأسها ضاحكة
ـ يارب تعقلي بقى وتبطلي هبل العيال ده .
زمت ليلى شفتيها بنزق وتأففت
ـ أنا مش هبلة .
ضحكت أمها بجذل فلوحت لها ليلى مبتسمة وانطلقت نحو المطبخ كي تعد إفطارها قبل أن تحضر نفسها وتذهب إلى مركز التجميل مع صديقتها ، فقد عزمت أن تعود لحياتها ورونقها بقوة ، تهتم بنفسها كما السابق وتطلب من حذيفة أن يعود إليها وأن يعطيها هدنة صغيرة حتى تتأهل نفسيًا لحياتها الجديدة معه ..
.......................
وفي برلين كان صباح حذيفة مختلف من شأنه أن يهدم ما تخطط له ليلى في قرارة نفسها ، قد عاد لعمله في فرع مجموعتهم الاقتصادية في ألمانيا بجانب يونس قبل عدة أيام واستلم معه التحضير لشراكات جديدة ، وقد تم تحديد ذلك اليوم لبعض الاجتماعات المهمة و حضر الكثير من الشركاء ، ومن وسطهم كانت هناك واحدة بجانب والدها ، يعرفها جيدًا وتعرفه ، ابتسم بغموض وبادلته بسمته ما إن وقعت عيناه عليها ، لكنها مثله لا تخلط العمل بالأمور الشخصية وقد تم الاتفاق على العقود بسلاسة ، وبعد انتهاء الاجتماعات ذهب إلى مكتبه وجلس يراجع بعض البنود ، أبلغته المساعد عبر الهاتف أن إحدى الشركاء تريد مقابلته فرحب بذلك ، دقت الباب طرقتين ودلفت بخيلاء تبتسم بمكر بعدما أغلقت الباب ، تهادت نحوه بملابسها العملية التي تزيدها جاذبية وهو نهض يقابلها في منتصف الطريق ..
هل سأل أحدهم نفسه ذات يوم عن الفارق بين الورطة والكارثة ؟
الورطة هي أن يقابل ماضيه في أوج بعثرة حاضره ، وأن يكون ماضيه ذاك في حروف مختصرة اسمه جود عزام ، وجود هي أيقونة إغواء ، امرأة تحب ما تفعل وتفعله باتقان شديد ، النكد في قاموسها منعدم ، تهوى الدلال ومقبلة على الحياة ، جرعة سعادة تقف على قدمين ، بجانب فتنة جسدها فروحها فاتنة أيضًا ، وتعرف نقاط ضعفه وكيف تؤثر فيه
تعرفه أكثر مما يجب
والكارثة أنها هنا أمامه وتغويه ..
تغويه بعينيها ودلال خطواتها وزمة شفتيها المفتعلة..
لكنه لم يعد كما السابق ، لن يقارن
ولن يكيل العشق بالغريزة
كانت جود مُسكن جيد المفعول فيما مضى لكنه قد تعافى ولم يعد يحتاج من تسكن آلامه لكنها تظل جزء مهم من الماضي
وما لا يعرفه الكثيرون أنه قد تزوجها مرتين ، كانت أول امرأة في حياته وبعد زوال رونق العلاقة انفصلا وتزوج بعدها من إحدى زميلات الدراسة ولم يجد معها راحته التي وجدها مع جود فانفصل عنها بعد ثلاثة أشهر وعاد إلى جود مجددًا ، هي امرأة أصولها عربية وكيانها غربيّ لا تخلق حالة دراما وتعيشها ، بل تبحث عن سعادتها دون اعتبارات أخرى
كانت قد وصلت إليه وتقابلا
تعمدت صبغ نبرتها بالإغواء وقالت
ـ وحشتني يا حذيفة !
والجملة آخرها تنهيدة حارة
قهقه وارتدت رأسه إلى الخلف ومن ثم عاد ينظر إليها قائلًا بتأكيد
ـ أنا جيت لقضايا .
ابتسمت بدلال وتقدمت خطوة ، مدت يدها نحو صدره فارتد للخلف بحدة دون تعمد فأجفلت هي وشملته بنظرة متفحصة ، لم يعد كما هو ، لقد أصبح أكثر نحولًا أكثر نضجًا وجاذبية أطلق لحيته وشذبها
وهج عينيه اختلف !
بدى وكأنه رجل امرأة أخرى ..
وأكد لها بهدوء
ـ أنا اتجوزت من أقل من شهر.
ضحكت بلا تصديق وقالت بذهول
ـ أنتَ حبيت .
لم يخفَ عليها شتات نظراته وغصته بينما ابتلع لعابه بعسر فأمالت برأسها قليلًا
ـ حذيفة إللي أنا أعرفه مش هيسيب مراته بعد شهر ويسافر بلد تانية .
وأشارت إليه بسبابتها قائلة بمكر
ـ وإللي أعرفه عمره ما حب .
أحاطت ذقنها بسبابتها وإبهامها ونظرت إلى السقف وتساءلت
ـ مابالك لو حب!.
ضمت كفيها إلى بعضهما وقالت بشفقة مصطنعة
ـ أنتَ عامل مصيبة .
ضحك بخفوت وتخللت أنامله خصلاته قبل أن يرد
ـ تقريبًا كدة .
تقدمت نحوه ولم تهتم بإجفله رفعت يدها وتحسست بإبهامها شامتها بجانب شفتيها بإغواء مبتسمة ومن ثم حركت إبهامها على شفتيها ببطء فابتسم هو وأطرق قربت يدها منه ولطخت قميصه الأبيض قرب كتفه بحمرة شفتيها فقهقه ولم يعلق ولم يرفض ، أكملت هي نظم معزوفتها بالتقاط صورة لكتفه ذاك وتعمدت إظهار الشامة قرب عظمة الترقوة خاصته
وعنه فقد تركها تفعل ذلك ولم يقاطعها أو يعترض
الغاية تبرر الوسيلة
مبدأ ابتدعه أفَّاقون وبعض الرجال قد فعَّلوه
في حالات معينة ، تكون غايتهم امرأة ووسيلتهم امرأة أخرى ، وهو لم يكن إلا ليستغل وسيلته جيدا ،
لاسيما وإن كانت تلك الوسيلة قد منحته طلاقا ملحميًا فيما مضى
طلاقا بدأته بقبلة شغوف أتبعها هو ببعثرة فراش فأيقظته بعدما اختطفه منها الوسن لتعيد الكرة وتتولى هي الأمر ويتقبل برحابة صدر ..
وفي الصباح افترقا بتحضر بعدما غمزها ومنحته قبلة في الهواء قبل أن ترحل بخطوات واثقة ..
وها هي تقف أمامه اليوم ، ليست حاقدة ولا ناقمة ، يعلم نيتها جيدًا وممتن للصدفة التي جمعته بها اليوم ..
أشار إليها بلباقة أن تجلس فتقدمت إلى المقعد وجلست ، جلس قبالتها مبتسمًا بهدوء ورحب بها كصديقة رُغم كل شيء مازالت يسعده لقائها ..
....
قبيل الغروب كانت ليلى قد عادت من مركز التجميل والسعادة لا تسع قلبها ، دلفت إلى منزل عائلتها تحمل عدة أغرض بيدها وجدت أمها وأباها في الصالة فسألتهم عن رأيهم في هيئتها الجديدة فأبدوا إعجابهم بطلّتها ..
دلفت إلى غرفتها ونظرت إلى نفسها في المرأة وتحسست خصلاتها
التي أصبحت قصيرة جدًا لا تتعدى ذقنها وحافظت على امتزاج الشيكولا مع الكراميل وأضافت إليها تموج آسر..
درات حول نفسها ونظرت في المرأة مجددًا فابتسمت برقة
فكرت في حذيفة وماذا يفعل الآن ، وفكرت في أن تلتقط لنفسها صورة وتبعثها إليه
لكنها تراجعت ، سترتاح قليلًا وتحدثه
ستصرخ معترفة بحبها له وسعادتها بوجوده في حياتها
وتعترف بغبائها الذي أبعده
وستبثه عشقها غير منقوصًا
ستقول له أنها مستعدة لدفن الماضي
وإن آلمها قلبها ستتجاهل الألم
ستصنع معه السعادة كما يستحقان
وستعترف أنها تريد طفلة لها لون عينيه
وستطلب منه بعد كل ذلك أن يعود إليها ..
التقطت هاتفها من الحقيبة واستلقت على الفراش تتصفح مواقع التواصل الاجتماعى قليلًا
دلفت أحد البرامج المختص بالصور فجذبها بعض الصور تخصه مع شركاء عمل وقد تمت الإشارة إليه من قبل جود عزام ، رجفة طفيفة اجتاحت قلبها ترقبًا
فضولها قادها لتضغط على اسم جود فتظهر صفحتها الخاصة
وجدت منشورًا قبل المنشور المشار إليه فيه بلا إشارة وبلا تعليق ، مجرد صورة لكتف رجل ملطخ بحمرة شفاة ازداد ارتجاف خافقها مع كل تفصيلة تراها عيناها ، هو نفسه زوجها هي شامته الظاهرة من قميصه الأبيض المحلول أول زرين منه ونفس لون بشرته ، أصابها الخبال وأنفاسها ضاعت منها خوفًا ، لأول مرة تختبر مرارة خسارته بتلك الطريقة ، مسها الجنون وراحت تبحث عن صور جود القديمة فوجدت صور كثيرة قديمة
لكتفه وأخرى ليده تظهر ساعته
ثانية لخصلاته وكانت مشعثة
وغيرها لجود نفسها مستكينة بابتسامة فوق صدره
كل ذلك دون أن يظهر وجهه في أي صورة أو تذكر هويته
الاحتراق في تلك اللحظة كان تعبيرًا هادئًا مقارنة بشعور ليلى وهي تجد زوجها في حياة امرأة أخرى ،
لطمت وجهها بخفة وأنين قلبها فاق المدى ..
هي من أرسلته إليها مجددًا وذلك الوجع الذي ينهشها هي من تسببت فيه ،
عادت إلى الصورة الأولى تفتحها مجددًا
كان عليها تعليقات كثيرة بلغات مختلفة
أول تعليق كان كقذيفة دمرتها تمامًا
رجل جود المجهول !
كادت تصرخ وتكتب لهم بانفعال أنه رجلها هي ، تحشرج صوتها ورفعت يدها تمسد قلبها الذي غصّ وجعًا
وراحت تقرأ باقي التعليقات
هل عاد ؟
وبجانب ذلك التعليق كان هناك ملصق نار
كيف تركها وذهب من الأصل وبجانبه ملصق يفكر
ليتني مكانه
وتعليق آخر قد أخذ نصيب الأسد من الرد عليه
وكان كلمتين فقط
لقد تزوج !
وبجانبه ملصق يضحك بسماجة
وجود ردت عليه ببساطة
ديننا يسمح بأكثر من زوجة وذيّلته بملصق قلب أحمر
وجنّ جنون ليلى فراحت تبحث عن رقمه وقد فقدت السيطرة ، وهو على الجانب الآخر كان يسلتقي باسترخاء يحتسي قهوة ويشتم عبقها قبل أن يرتشف منها وفي يده هاتفه يراقب التعليقات عند جود ويتجعد حول عينيه بطيف بسمة
والذي انتظره قد أتاه سريعًا وتمثل في رنة هاتف منها شعر فيها بنفاذ صبرها ابتسم ساخرًا
التي توسلها وماطلت قد أشعلت امرأة أخرى غيرتها !
فتح الخط ورفع الهاتف إلى أذنه ووصله لهاثها وبعثرة مشاعرها كاملة
وهي في مكانها كانت تنتفض وقلبها يعلو بصدرها ويهبط
طاقة من نار سكنتها وطال صمتها الصاخب
فسمعته يهمس ببرود
ـ ليلى !
وهي اختنقت بأنفاسها ، الغيرة حركت بداخلها مارد من شأنه أن يحرقهما معًا سمعها تقول بصوت مكتوم كمدًا
ـ مين جود ؟
وهو نهض بخفة يتحرك في الصالة ولم يرد عليها فهدرت فيه بغير سيطرة
ـ مين جود دي يا حذيفة ؟
عزف على وتر حساس
ـ طليقتي .
صرحت فيه بنشيج
ـ أنت وطليقتك بتعملو إيه في نفس المكان ؟
رد عليها ببرود لم تستسيغه
ـ أنتِ السبب في وجودنا مع بعض يا لولو .
قالت بوهن
ـ حذيفة .
وصلتها خشونة أنفاسه وبدأ يفقد صبره فسمعها تهمس
ـ قلبي ..
وقت هو الذي هدر
ـ قلبك بيوجعك ؟
وازداد صراخه
ـ إمتى قلبك هيبطل يتوجع ، وأنا معاكِ قلتي ابعد عشان موجوعة ولم بعدت لسة قلبك بيوجعك !
انتاب صوتها قسوة وغل مما سمعته
ـ قلبي مكنش موجوع قبل أنتَ ما توجعه .
كان يسمعها وكل حرف ينطلق كسهم نافذ يستقر في عمق قلبه وينزف مجددًا
سألها بروح ضائعة
ـ هترتاحي لو انفصلنا .
انتفضت وسمع نشيجها يشتد
ـ ارجع لي يا حذيفة دلوقت ، ارجع لي وهكون ليك النهاردة .
صراخه صم أذنها
ـ مش بالبساطة دي هنرجع لبعض .
ولكم الحائط وقال بلا تفكير
ـ ومش عايزك ، مبقيتش عايزك يا ليلى
همست بضعف أوهن قلبه
ـ أنا بحبك
رفع رأسه إلى السقف وقال بصوت أبح
ـ مش عايزك تتنازلي وتوافقي بإللي رفضتيه عشان غيرانة من ست تانية ..
وقبل أن ترد كان قد أغلق الهاتف وغرقت هي في فراغ ...
......
بعد شهر

قضت معظم الشهر في نوم هارب وقضاه في أرق
كلاهما قد خفت من عينيه الوهج
كان حذيفة في شقته يُحدث يونس على الهاتف في أمور تخص العمل سأله الآخر عن حاله بغتتة فأجاب بآلية
ـ كويس .
وعاد يغرق في تفاصيل عمله رن جرس شقته فأنهى المكالمة ووضع الهاتف على الطاولة ، ذهب ببطء نحو الباب وفتحه بهدوء
تسمر
ارتج قلبه
اشرقت روحه
ترك الأرض وعاد للطفو
كل ذلك بوجه بارد
وجه يطالع معشوقته
نحيلة القد قصيرة الشعر
لامعة العين
تنظر إليه
بارتجاف شفتين
طال الصمت
فقالت برقة صوت
ـ تعرف دكتور نفسي كويس
من عمق بروده أومأ بإيجاب
وعاد الصمت
فاحتار القلب
همست بصدق
ـ أنا جيت لك عشانا إحنا ، مش عشان غيرانة مع إني غيرانة
تجعدت جوانب عينيه وظل فمه مطبقًا كما هو ، بحثت في عينيه عن بريق العشق
فنالت ومضة
وفي لحظة جذبها للداخل وأغلق الباب فسرى في أوصالها الدفء ، جذبها إليه فارتطمت بصدره وارتجفت وبلا مقدمات نزع حقيبتها ورماها بلا اكتراث ، فتح أزرار معطفها الثقيل فشهقت ولم يأبه ، خلعه عنها وألقاه أرضًا ، جذب كفها وسار في ممر داخلى ، وهي كانت خلفه تنهت ، وتتخيل ما قد يفعل ، تصلب جسدها وتسمرت فالتفت ينظر إليها ويرفع حاجبًا يسألها سؤلًا ضمنيًا هل ستتراجع؟!
وهي أطرقت ، تنهدت ، تجاهلت كل ما يعرقل سعادتها واقتربت نحوه ببطء خجول فضمها مبتسمًا ، ابتعد قليلًا وقبّل رأسها ، مال إلى أذنها وبأنفاس محترفة أذاب أوصالها
ـ وحشتيني .
ارتج جسدها فحملها وإليه استكانت
دلف غرفة نومه وبروية وضعها فوق فراشه ، ازدردت لعابها بعسر لكنها تلك المرة لن تجبن وتتراجع ، وهو احتضنها ودثرها ، أراح رأسه إلى كتفها ودفن أنفه بين طيات شعرها ، رفعت كف مرتعشة وفوق خصلاته الكثة ، ترددت فحسم قرارها هو وأجبرها بكفه أن تغوص بأناملها بين خصلاته ..
سمعته يئن بخفوت فهمّت أن تتحدث بتر كل حروفها بصوته الأجش
ـ تعبت يا ليلى سبيني أرتاح ..
حاوطته بذراعها الآخرومسدت ظهره بحنان فغط في نوم عميق ..
وكأنه كان يطلب ما خطه فاروق جويدة من قبل
هل تسمحن لمن أضاع العمر أسفارًا بأن يرتاح يومًا بين أحضان العشب ؟..
....................................
الختام

الخوف مرضٌ
ألا إنَّ الحب يشفي
ليس سهلًا أن نفارق
ألا إنَّ العشق يهدي
الخذلان عتمة
ألا إنَّ الوله نور
الوجع نار
ألا إنَّ في القلب زهرة
الحزن قاسٍ
ألا إنك أنتَ هنا ..
...........................
بعد الغفوة سقطت نجمة وسط العتمة فأضاءت الأرض بوهج الحب..
استقيظ بعد حين فوجدها غافية ، نومه كان مفعمًا بأحلامه وكانت هي بطلتها كلها ، احتضنها وراح يتشمم عبقها الشبيه بالعشب ، تأوه من فرط العشق ف استفاقت ترفرف بأهدابها وانكمشت إلى صدره ، حينما فتحت عينيها أبعدها عنه وصاح فيها
ـ إيه إللي جابك !
بعد الحالمية اتسعت عيناها وانتفضت خارج الفراش ترد له صياحه
ـ جاية لجوزي!
استقام بحدة ووقف أمامها على الأرض وقال بسخرية
ـ جوزك بأمارة إيه ؟
ارتمت في حضنه فضمها بقوة وهي عانقته ، بكل مافيها فعلت ..
تملصت منه وابتعدت تصرخ مجددًا وكان الغل حليفها
ـ بأمارة جود يابتاع جود .
رفع حاجبه وهددها مشيرًا إليها بسبابته
ـ أنتِ تخرسي خالص .
جذبها بحدة إليه وكرر عناقه ، مسد خصلاتها بحنان وهمس في أذنها
ـ وحشتيني ياقمري .
ارتجفت وشددت ذراعيها حول رقبته وأعادت له همسته
ـ وأنتَ كمان وحشتني قوي يا حبيبي .
أبعدها بحدة وكز على أسنانه غيظًا
ـ خرجتي من غير ما أعرف إزاي ؟
أولته ظهرها وتخصرت ترفع رأسها بعنفوان
ـ جيت مع عمو عزيز .
تجاهل فتنة جسدها والنظر إليها مطولًا
دار حولها وواجهها باستنكار
ـ كمان عبد العزيز !
أشار لصدره وحدثها بصوت مرتفع ورفع يده الأخرى لأعلى
ـ ما أنا مش موجود والأمن انفلت خالص .
ضحكت عاقدة الحاجبين وسألته بريبة
ـ أنا سمعت الجملة دي قبل كدة ؟
لوح بكلا كفيه في الهواء ودارت عيناه حولها بملل
ـ لا ما سمعتيهاش !
أشار إلى خصلاتها بصدمة
ـ وفين شعرك
رفعت كفها إلى رأسها وسألته بتوجس بعدما ازدردت لعابها
ـ شكلي وحش ؟
لانت عيناه واحتلهما العشق
ـ قمري .
أسبلت أهدابها وقلبها كمثل قلبه بالنبض فاض وارتج
تقدمت نصف خطوة وتقدم النصف الآخر، اقتنص قبلة سلام منح قلبها الطمأنينة ومنحت روحه بر أمان .
ابتعد ينهت وينظر في عينيها فتطلعت إليه بحب امتلك شغاف القلب
قال بصوت مبحوح
ـ تعالي نرجع بيتنا .
أومأت له بعدما التقطت أنفاسها
بعد عدة ساعات تركها مكرهًا وذهب يقابل أباه الذى زم شفتيه بعدم رضا ما إن رأه ، تهرب حذيفة بعينيه ورحب به بحفاوة انصرف الأب وتركه مع ابن عمه ، سلم أعماله إلى يونس مجددًا ومازحه الآخر
ـ محمد بيه العجمي بيسلم عليك وبيقولك شَغَّلنا
Stop watch.
قهقه حذيفة بمجون وقال بهزة رأس
ـ قوله تسع شهور بس وهيبقى عندكم توأم .
رفع يونس حاجبيه واستخف بمزاح
ـ مبناخدش غير كلام .
اشتدت قهقهة حذيفة
ـ هيبقى لافعل ولا كلام ؟!
أومأ يونس يوافقه وشاركه ضحكاته المتسلية .
وبعد يوم كامل كان قد عاد مع ليلى إلى القاهرة فتح باب المنزل بمفتاحها هي ودلف يحتضن كفها ، بعدما أغلق الباب سألها مبتسمًا
ـ مش هتهربي ؟
اكتنفها الخجل وتذكرت يوم عرسهما ، استندت بكفيها إلى صدره وعانقته بنظرة متولهة
ـ الدنيا كلها بتاعتك .
قبل جبينها فأغمضت عينيها وحملها إلى الداخل ..
في قرارة نفسه أخذ عهدًا ألا يقترب إلا وهي مستعدة ، يعلم أنها تحاول وأشعلت في قلبه فوق نيران الحب عشقًا بخطوتها نحوه ، لكنه لن يستغل ذلك ولن يجبرها مثقال ذرة ..
أدخلها غرفتها وأنزلها أرضًا ، قبّل رأسها وكفيها تباعًا
ـ بكرة ميعادك مع الدكتور .
فهمت من إدخاله لها الغرفة التي كانت تحتلها قبل سفره ومن حديثه عن الطبيب أنه لن يقترب أكثر حتى تتعافى وهي شكرت له صنيعه في نفسها لأنها
تخاف أن تخذله وتخذل نفسها مجددًا
..........
في اليوم التالي كان موعدها مع الطبيب وأمامه جلست
بكت وضحكت تحدثت عنه بحالمية تارة وبقهر أخرى
كانت تشكوه وتعدد صفاته الجيدة في ذات الوقت والطبيب لاحظ تناقضها فابتسم بوقاروسألها
ـ وعايزة إيه بعد كل ده .
رفعت كتفيها وقالت ببديهية وعينين لامعتين
ـ عايزة أعيش معاه سعيدة
وكان ذلك من أهم سطور السرد ..
تكررت لقاءاتها مع الطبيب وبعد كل جلسة كان حذيفة يقبل وجنتيها بعمق ويهمس لها
ـ هنبقى بخير مع بعض .
فتبتسم له وتومئ بحب
.....................
عاد إلى عمله وقد أتتها خادمة تهتم بأمور المنزل في غيابه وتعد الطعام وبالطبع ترحل قبل وصوله ..
وحتى إن غابت الخادمة كان يهتم هو بذلك ولا يرهقها وذات يوم ملت ، وجدت نفسها كطفلة مدللة لا تفعل شيئًا فقررت أن تتولى هي أمر تحضير الطعام
طلبت من الخادمة أن تترك لها المهمة ففعلت الأخرى ببساطة.
بعد الغروب بساعة كانت قد حضّرت الحساء واقترب اللحم من النضج وهي واقفة تقطع السلطة بهدوء ..
لم تكن جيدة في أمور المطبخ في الأصل لكنها استعانت ببعض مقاطع الطهو ،
وصل هو وصف سيارته بالخارج ، فتح باب المنزل فارتجفت من داخلها بخفة ، كزت على أسنانها ونظرت إلى ماترتديه ومن ثم أغمضت عينيها ..
لقد ارتدت ثيابها وتزينت متعمدة لكن تخيل اللحظة يختلف عن معايشتها ، في لحظة قررت التراجع وفي الأخرى كان هو أمامها متسع العينين ينظر إليها بجرأة..
الطقس بارد بالخارج وفي المنزل أكثر دفئًا لكنها قد بالغت بارتداء ثوب حافته لاتصل إلى ركبتيها وبلا أكمام لونه بني قاتم ملفوف حول خصره حزام نحاسي ، أنفاسه غابت ونسي التقاطها لكن عيناه ارتفعت إلى وجهها فأسرته الحمرة القانية فوق شفتيها المزمومتين خجلًا ، لاحظ تصلب جسدها وانقباض كفها فوق سكين التقطيع ففضل ألا يربكها أكثر ، تنحنح قبل أن يستند إلى الحائط مبتسمًا
ـ مساء الخير .
بللت شفتيها بطارف لسانها وردت بصوت خافت
ـ مساء النور ، غير هدومك وتعالى أنا عملت عشا .
اتسعت ابتسامته وتقدم نحوها ، ترك متعلقاته فوق الطاولة الرخامية ووصلها
حاوطها من الخلف فاقشعر بدنها وأغمضت عينيها ، همس بأنفاس مشتعلة قرب أذنها
ـ مش بردانة كدة .
تركت السكين وانكمشت قليلًاوخفت صوتها
ـ أيوة بردانة ، كنت هغير هدومي دلوقت .
أدارها وقبض على كتفيها برقة فنظرت إليه بتردد ، وهي مغوية أكثر مما يحتمل لذلك إن لم يمازحها سيلتهمها
سألها بمشاكسة
ـ جايبة الروج ده منين؟
ولم يكن في مصلحته ماقال ، فقد اشتد وهج خاطف في عينيها وهتفت بعدما كزت على أسنانها لحظة
ـ إسأل جود .
ترك كتفها ولوح بكفيه يهادنها ضاحكًا
ـ إحنا نرمي القميص الأبيض إللي عليه الروج .
لوت شفتيها كعجوز شمطاء فابتسم يراقب غيرتها بتسلية فقالت هي بنزق
ـ هنغسله ، القميص بتاعنا لكن جود مش بتاعتنا .
تقدم خطوة واحتضن وجنتيها بكفيه الدافئتين، نظر إلى عمق عينيها وقال بصوت أبح
ـ لولو هي إللي بتاعتنا .
وليل عينيه ساحر منحها شهاب خاطف
فرأي عينيها تلين وثغرها يبتسم برقة وبعثرت كل ثباته فسألها مشيرًا بعينيه إلى شفتيها
ـ الروج ده طعمه حلو ؟
ارتبكت وتلعثمت
ـ مباكلوش
زمت شفتيها وكانت كارثة أخرى فهمس بصوت أجش
ـ أنا باكله
أحاط كفها البارد بكف والأخرى استقرت على ظهرها قربها منه ، وسطر على شفتيها قصيدة شوق ..
كادت تختنق فأبعدته بضغطة واهنة على صدره ابتعد ورفع كفيه يمسد خصلاتها من الجانبين بعدما تنفس بعمق
ـ روحي البسي هدوم تقيلة عشان البرد .
نظرت إليه بتردد خجول ، إن اقترب أكثر لن ترفض وقرأها في عينيها لكنه في تلك اللحظة لن يغامر ولن يتحمل قلبه رفضًا جديدًا منها..
حينما طالت نظراتهما الصامتة أطرقت وتنهدت
ـ حاضر هغير هدومي وراجعة .
عادت إليه ، جلست بجانبه تلك المرة وليس مقابلة له
، وكان سعيدًا بقربها ورضاها ، ظل يمازحها ، يمتدح جمالها وشكرها أكثر من مرة على الطعام ، فأراحت كفها على جانب لحيته مبتسمة بحب
ـ كنت فرحانة وأنا بطبخ لك .
قبّل رأسها وراحة كفها
ـ مش عايز غير وجودك معايا .
وهي عاطفية تبكي من الحزن
من الفرح
وتبكي من الحب
تجمعت في عينيها عبرة أزاحها عن رموشها برفق
فقالت باهزاز صوت
ـ مش هنبعد تاني ياحذيفة .
اتسعت ابتسامته أكثر وبهزة رأس أكد
نقلت من طبقها قطعة لحم صغيرة إلى طبقه فعقد حاجبيه لتهمس برقة
ـ عشان أوحشك !
............................
تمنحه عشق
كعشب غض
وحفنة ورد
كلذة قبلة
وعبق الجنة
فينسى الدنيا بسكرة قرب ..
كانت السيدة ليلى قد دعتهما للغداء لديها بعد عودتهما من ألمانيا بسلام
مرت عدة أيام ارتاحا فيهن وحضرا إلى منزل عائلتها ليقضيا اليوم كله كما اشترطت أمها..
قابلهما الجميع بحفاوة وهي انشغلت مع أمها وأروى بالطهو
ونديم المتأخر قد حضر فدلف ووجد حذيفة في الصالة وحيدًا
حذيفة الذي نهض بتباطؤ متعمد يقابله في منتصف الطريق
والآخر ألقى تحية استقبلها حذيفة في قفصه الصدري وتفادى أخرى لكنه تأوه بصوت مرتفع متعمدًا ونظر نحو المطبخ فخرجت ليلى تهرول نحوه يكسو ملامحها الذعر ، وصلت تتفحص جسده بحنان كفيها وتسأله بلا وعي
ـ حبيبي إيه اللي حصلك .
وعينا الماكر تشفتا في صديقه الذي كز على أسنانه وهتف بغيظ
ـ زي القرد متخافيش عليه .
رفعت عينيها إلى أخيها ووبخته بغضب
ـ بتضايقه ليه يانديم؟
ونديم فغر فاهه فتقدمت هي ووقفت بينهما ومن خلفها ابتسم حذيفة فاحترق الآخر وارتفع صوته
ـ بتنسي بسرعة!
رفعت هي رأسها والتقطت نفسًا ومن ثم هتفت
ـ جوزي!
أولاهما نديم ظهره وذهب نحو غرفته متمتمًا
ـ ربنا يشفيكم

عندما اختفى طيف نديم اقترب منها حذيفة وانحنى قليلًا يهمس قرب أذنها فتطايرت خصلة من شعرها القصير
ـ شكرًا عشان أنقذتيني من أخوكِ المتوحش .
التفتت نحوه وهمست بلا صوت وابتسامة آسرة
ـ بحبك!
ابتعد خطوة وتنفس بتعثر قبل أن يتهرب منها ويتركها خلفه ويعود أدراجه
وهي ذهبت نحو المطبخ بابتسامة سعيدة وقد مر بعد ذلك وقت طويل تناولوا فيه الطعام وحان وقت القهوة ، اعتذر عن مشاركتهم إياها السيد مختار وذهب يرتاح قليلًا في غرفته ونديم ذهب مع أروى والصغيرة إلى غرفته هو الآخر
والسيدة ليلى انصرفت نحو المطبخ فطلبت هي من حذيفة أن ينضمّا إلى والدتها يحتسيان معها القهوة بينما تصنع الأم معجناتها فوافق مبتسمًا ،وقفت بجانبه و بادرت باحتضان كفه فرحب بأن شدد على يدها ونظر إلى عينيها بوله يأسرها وهي لها نظرة كنسيم الجنة يزيح الصيف ،ويعيش معها شتاءًا دافئًا كدفء القلب ..
تركت يده على باب المطبخ ودلفت فدلف بعدها وجد السيدة ليلى تجلس على مقعد وأمامها إناء فيه عجين تكوره وتضعه على صينية بجانبها ، ابتسمت له وأشارت إلى كرسيِّ مقابلًا لها على نفس الطاولة فدلف وجلس ، مطبخها مريح متراص تحت النافذة أعشاب عطرية خضراء أعجبته ..
قالت السيدة ليلى لابنتها
ـ اعملي قهوة ومتعمليش حساب أروى هي هتنام شوية .
أومأت ليلى وراحت تلتقط الأكواب
التفتت السيدة ليلى إلى حذيفة وقالت ببساطة
ـ أصل أروى حامل .
ضيقت عينيها تراقب رد فعله وليلى كانت تسترق النظر إليه مبتسمة بخجل
وهو كز على أسنانه تعثرت أنفاسه رفع أنامله يجذب خصلاته والأم ضحكت بخفوت وهو رأها متسلية وقد تم تحطيم مرماه فهدأ وقال بلا مبالاة ظاهرية
ـ Hiccup
مولود أول إمبارح وخلف قبلي ، أنا مش غيران من نديم .
تصنعت السيدة ليلى الصدمة وقالت
ـ مين قال إنك غيران منه أنتَ زي الفل .
رفع أحد حاجبيه معترضًا فابتسمت هي والتفتت نحو ليلى قائلة
ـ ريحة القهوة حلوة يا حبيبي ، هاتي لحذيفة وروحي لنديم إديله قهوته .
فعلت ليلى ما طلبته أمها ، ونبرة الأم اتشحت بالمكر
ـ أنا مبسوطة بيك قوي يا ابن أنوار .
ارتشف من قهوته وسألها بابتسامة واسعة
ـ خير إن شاء الله ، إيه إللي مفرحك كدة .
وهي ابتسمت بحلاوة
ـ بتعامل ليلى أحسن معاملة .
اطمأن لها ورفع الكوب إلى فمه فسمعها تردف
ـ ونعم الأخ!
سعل بقوة مصدومًا وارتج الفنجان في يده فتناثرت القهوة على الطاولة فيما هتف
ـ هي حصلت؟
كانت ليلى قد وصلت لتوها فاندفعت نحوه باهتمام
ـ مالك في إيه ، وقعت القهوة ليه ؟
وسحبت منشفة نظيفة تزيح عن يده آثار القهوة والأم عيناها الماكرين بابتسامة هازئة لا تفارقان عينيه فطمأن ليلى
ـ متخافيش مفيش حاجة .
نهضت السيدة ليلى وتركتهم في المطبخ وحدهما فتقدمت ليلى منه وهو جالس أحاطت جانب رقبته بأناملها الناعمة فتصلب جسده وسرقت لبه بابتسامتها الرقيقة فتصنع الحنق
ـ أخوكِ ماشاء الله مبيضيعش وقت .
فهمت مقصده وضمت رأسه إلى كتفها فاستكان ليسمعها تهمس
ـ هيبقى عندنا ولاد كتير .
اعتقل خصرها وجذبها ثم أجلسه على ساقه وتزين ثغره بابتسامة بلهاء
ـ والله يا آنسة لولو تكاثرت الأقاويل في المنطقة دهية ..
ضحكت بقوة فارتج جسدها وشاركها ضحكها بمرح شق قلبه بالسعادة
قال من بين ضحكاته
ـ تعالي نطمن على الجوري قبل ما طنط ليلى تيجي تقفشنا .
رفعت رأسها للسقف تفكر
ـ لو قفشتنا تفتكر هيعملو فينا إيه ؟
مط شفتيه ونظر للسقف مثلها
ـ أكيد مش هيجوزونا تاني!
أحاطت وجهه بكفيها ومسدت بأحد إبهاميها وجنته الخشنة وبعدها تنهدت
ـ تعال نطمن على الجوري .
وفي غرفتها عانقته بقوة وربتت على ظهره قبل أن تسحب كفه نحو فراشه ، سألها متوجسًا
ـ الجوري.
ابتسمت برقة
ـ الجو برد عايزة أنام شوية
وهو ابتعد كالملسوع
ـ لا مش هسمح لك تستغليني .
ضحكت بانطلاق وضربت كتفه بخفة
ـ عايزة احتواء ارحم هرموناتي .
تصنع التوسل وناوشها
ـ ارحمي أنتِ هرموناتي وسبيني في حالي ..

....................................

أواخر الشتاء لها رونق ممتع
يترك بصمته على القلوب
وبلسعات البرد والزخات يودع ..
وكان قد مر شهر على أول جلسة نفسية ، مازالت تحتاج أكثر لكنها قررت أن تحقق لها حلمًا ،
كانت في غرفتها تنظر من خلف الزجاج الشفاف إلى اكتمال القمر في عرشه ، أغلقت الستار واستدارت ذاهبة إلى غرفة النوم الرئيسية حيث يقبع ..
فتحت الباب ببطء ودلفت ، أغلقته خلفها فوجدت الظلام قد غيّم ، ضغطت على زر جانبي فاشتعلت إضاءة خافتة ، شعر بخطواتها المترددة والضوء الذي اشتعل فرفع رأسه ينظر ، وجدها تشبك كفيها ببعضهما وترتدي مئزرًا شتويًا ، اعتدل يجلس على فراشه وأزاح الغطاء قليلًا ، راقب تعثر خطواتها بتوجس ، اقتربت هي ووقفت بجانب الفراش مطرقة الرأس ، حاول كسر الصمت فمازحها
ـ حلو روب أمينة رزق ده .
لم تبتسم ورجفة خفيفة اجتاحت جسدها فلاحظ اهتزازها وعقد حاجبيه ، سمعها تهمس بخفوت
ـ الجو برد .
تقدم نحوها باهتمام وجذبها كفيها يفركهما برفق فجلست بجانبه ، حاول أن أن يسحب الغطاء عليها لكنه تصلب عندما اشتم عطرًا مثيرًا لم تستخدمه قبلًا ، رفع عينيه إليها بصدمة فهربت بعينيها وتجعد مابين حاجبيها مع زمة شفتيها الخجول، بدت وكأنها تبذل مجهودًا لتأتي إليه ..
تفحص هيئتها فوجد زينتها كاملة ، انحدرت عيناه قليلًا فظهر من فتحة المئزر قصاصة صغيرة مما ترتديه تحته ، تدلى فكه عندما تذكر لون الغلالة التي أهداها لها قبل الزواج في ليلة العيد .
ابتعد قليلًا ، تعثرت أنفاسه ، دارت عيناه حولها وعاد ينظر إليها رفع ذقنها بأنامله فنظرت إليه وقال
ـ مش عايزك تضغطي على نفسك .
سألته باختناق ورموشها ترفرف
ـ أمشي ؟
هز رأسه نفيًا وابتسم
ـ ماصدقت إنك جيتي .
وتنهد بعمق
ـ بس عايزك تكوني راضية .
انفرجت شفتيها قليلًا وقالت بصوت متهدج
ـ راضية .
والتاريخ بالطبع لن يغفل أنه في ليلة ممطرة قمرها مكتمل ، قد منحها العشق كما يجب
وهي بادلت العشق بالعشق والشغف بالاستجابة
وبعد حين كان ينظر إلى السقف يبتسم كأبله وهي بجانبه تدفن رأسها في الوسادة ..
مال برأسه قليلًا ينظر إليها وهددها
ـ لو بتعيطي هموتك !
رفعت رأسها قليلًا ونظرت إليه بعين واحدة
وهمست بصوت ضائع
ـ أنتَ ... أنتَ ...أنتَ .
قهقه وجذبها إلى صدره ، احتواها في ضمة حنونة هدهدت قلبها فدفنت وجهها في صدره ليهمس في أذنها
ـ أنتِ روحي .
اعتدل وألبسها المئزر ، حملها وتوجه نحو الحمام ، أدخلها وقال بابتسامة رضا
ـ هجيب لك لبس تقيل .
أومأت بخجل مُطرقة الرأس ، خرج وأغلق الباب ، استند عليه واتسعت ابتسامته ، كان سعيدًا منتشيًا وهي استندت لنفس الباب من الجهة الأخرى ، سألها باهتمام
ـ حاسة بندم ؟.
هزت رأسها نفيًا والعبرات مع هزتها تناثرت .
ظنت أنه يراها لكنه قلق من صمتها فنادها مترجيًا
ـ ليلى !
فتحت الباب فأجفل وراح ينظر إليها والخوف زحف إليه رويدًا ، ومن بين عبراتها ابتسمت برقة ففجرت الينابيع العذبة في أرض كانت قاحلة وصارت بفضل العشق جنة ،
وكللت هي البسمة الخجول بهزة نفي ..
تهللت أساريره وجذبها يقبل رأسها مرات متتالية ، أمسك يديها بين كفيه وقال يَعِدُها بصدق
ـ مش هوجع قلبك تاني أبدًا أبدًا أبدًا .
رفرفت أهدابها وزمت شفتيها ، لاحظ أنها عاجزة عن مجاراة حديثه فدفعها برفق لداخل الحمام وذهب يحضر ملابسها .
............
بعد عدة أيام كان قد حضّر لرحلة عسل وعندما قال لها وجهتهم اندهشت
ـ دُبيّ !
وهو قهقه بسعادة والتهم تفاصيل وجهها بعينيه
ـ عايز أطير ..
رفعت أحد حاجبيها تفكر فمسد وجنتها بإبهامه
ـ sky diving
شهقت بذعر وقبضت بكلا كفيها على ذراعه
ـ لا مش موافقة .
ضيق عينيه مبتسمًا
ـ مباخدش رأيك
تخصرت ورفعت طارف شفتها تهكمًا
ـ بقولك مش موافقة !
أولاها ظهره وتحرك متمتمًا بلا مبالاة
ـ خليكِ هنا !
صاحت فيه وهرولت خلفه
ـ هتروح شهر العسل لوحدك ؟
التفت إليها ، مطّ شفتيه وسألها
ـ مين قالك هبقى لوحدي ؟
شهقت بخوف مصطنع ورفعت كفيها تحتوي وجنتيها
ـ مع مين ؟
مال نحوها فمالت للخلف ، دعم ظهرها بكفه وابتسم بينما لم تفارق عيناه شفتيها وهمس بصوت أجش
ـ عايز رشوة وأقولك .
اتسعت عيناها وقبضت على مقدمة ثوبها متصنعة الذعر
ـ كله إلا قلبي .
هقهقه واهتزت من اهتزاز جسده فابتسمت بينما سألها بجدية
ـ ليه هو فين قلبك .
انتقلت إليها عدوى الجدية ورفعت سبابتها نحو صدره ومن ثم قالت تخطف من خافقه سيل دقاته
ـ قلبي هنا
نجحت في هدم ثباته ، فتأوه بخفوت
ـ هتموتيني .
اعتدلت وعانقته فاستسلم لأحضانها بصمت ، مسدت خصلاته من الخلف وهمست قرب أذنه
ـ أنتَ قلت مش هتوجع قلبي والكلمة دي مبحبهاش.
شدد احتضانها بعبث
ـ طيب بالراحة عليا عشان مبستحملش .
وضحك بخفوت فلكزته في خاصرته هاتفة باحتراق وجنتين
ـ معندكش أي أفكار مؤدبة خالص؟
هز رأسه ضاحكًا فتحررت منه بحدة وابتعدت تعقد ساعديها أمام صدرها ليقول بمجون
ـ دورت على أفكار مؤدبة ملقيتش .
....
سافرا إلى الرحلة وأعجبتها المدينة الصاخبة وأصابها جنون التسوق ، وجدته يعرف شوارعها وانتظرت إن أن عادوا إلى غرفتهما في الفندق وسألته بشك من جلستها بجانبه على الأريكة
ـ عملت كام شهر عسل هنا قبل كدة .
التفت نحوها فأجفلت من غضب عينيه فتح فمه ليرد عليها لكنه آثر الصمت فأطبق شفتيه
مد يده والتقط علبة تبغه والقداحة ، سحب واحدة وأشعلها ، نفث دخانها مرة وثانية وثالثة ومن ثم قال بهدوء
ـ أول شهر عسل أقضيه هنا .
أشعلت بيدها نيران غيرتها وهو ببروده زاد لهيبها فهتفت برعونة
ـ كنت بتقضيهم فين ؟
زاد غضبه فصاح بحدة
ـ آخر مرة هنتكلم في الموضوع ده ، ولما نرجع مصر هترجعي للجلسات تاني .
أخفضت رأسها وتنهدت
ـ غصب عني ياحذيفة ، استحملني وهبقى كويسة .
نظر إليها ورغمًا عنه زينت ثغره بسمة صغيرة ، أطفأ لفافة التبغ في المرمدة وأحاط كتفيها بذراعها وضحك بخفوت
ـ أنتِ مجنونة يالولو
هزت رأسها بتهكم وشاركته الضحك
ـ شوفوا مين إللي بيتكلم !
...............
قد غامر واعتلى السحاب في وضح النهار ، لطاما حلّق في مخيلته ليلًا تحت ضي القمر ولم يجرؤ على فعلها حقيقة في ضياء الشمس
لا يعلم السبب حقًا
لكن تجربة التحليق الفعلية كانت تستحق أن يغامر من أجلها
كان سعيدًا ومن كل شيء قد تحرر، ذراعيه وساقيه في الهواء لا يقاوم السقوط ولا تؤثر فيها جاذبية ، ترك نفسه تمامًا واستلم لأحضان الضباب
في لحظة فكر بالتأكيد روح حمزة تحلق كما يفعل بلا قيود الجسد وتلك كانت أول مرة يتذكر توأمه دون غصة في القلب ؛ بالطبع حمزة سعيد مثله ومن أجله
فقد وجد راحته أخيرًا بين أحضان ليلاه ..
عاد إلى الفندق بعد المغامرة فتح باب الجناح وأغلقه بهدوء بعد ان دلف تقدم نحووتجسدت أمام عينيه جنة الدنيا وآخر ورداتها ،
تساءل هل معقول أن تتلخص متعة الكون بين ذراعي امرأة ؟
وبالتحديد امرأته تلك التي تحتل الفراش أمامه وتختطفها غفوة
خلع حذائه وسترته وتركهم خلفه بإهمال وتقدم أكثر ، وصل الفراش وجثى على ركبتيه واستند بذراعيه فوق بعضهما عليه وأسند ذقنه فوقهما
نفث في وجهها ببطء فابتسمت واتسعت ابتسامته أكثر ، يعلم أنه في تلك اللحظة بالذات قد احتل أحلامها
نظر إليها بعمق وكل شيء خلف ظهره حتى الطفو
فقد تأكد أن الطفو حالة تليق برحّالة أما العشق واحة إن جرّب الطفو فيها تكون له وطنًا وديارًا ..
فرقت أجفانها وبين الوسن والصحو ابتسمت بحالمية وهمست
ـ اتأخرت .
اتبعت كلمتها برفع طارف الغطاء الخفيف فقهقه ونهض يجاورها ودغدغ حواسها بصوت عميق
ـ مش هتأخر تاني !
.............................
ومضة من الماضي إلى الحاضر فيها الزمان يُعاد ، تنسل فاتنة من حفل زفاف زينتها مخملية وثيابها راقية باحتشام ، خصلاتها مسدولة تخفي وشم فراشات ..
وجدت على باب القاعة غريبًا يدخن لفافة تبغ ويتحدث على الهاتف ، نظرت إلى ظهره بطيف غرام ، أسبلت أهدابها وتعلقت بثغرها بسمة ناعمة ، تركته خلفها ونزلت سُلم حجري وراحت تتهادى على الأرض بخطوات متمهلة غير متزنة تمامًا ، شعر بها فالتفت إليها كليًا وعيناه تفحصتها وبلا إرادة تبعها بالخطوات ..
إن توقفت توقف وأن سارت خلفها سار ، خطواتها المغناج بطبيعية غير متكلفة أسرته فسارع الخطوات
مال إليها قليلًا وخلف أذنها همس بصوت أجش
ـ مش خايفة من الشارع الضلمة ؟
توقفت ولم تلتفت لكنه استشعر في همستها ابتسامتها
ـ هتحميني من المتحرش؟
لفحها بأنفاس محترقة
ـ هحميكي وأتحرش أنا .
التفتت إليه ببسمة ناعمة وعيناها في سواد مقلتيه تغوص
ـ بخاف أطلع الأدوار العالية .
مال إليها وهمس أمام شفتيها
ـ هطلع معاكِ.
أرجعت رأسها للخلف وبرفعة حاجب سألته
ـ ولو وقعت ؟
وقتها زحفت يمناه ببطء مدروس تعتقل خصرها
ـ همسك إيدك أو أقع معاكِ.
تنهدت وهدلت أكتافها
ـ ولو أخويا جه ؟.
قربها من صدره بتملك خشن
ـ هقولك حبيبتي ومراتي .
شقت البسمة العاشقة ثغرها
ـ نقضي يومين ؟
قهقه وغازل بريق العسل في عينيها
ـ نقضي عمري كله .
كان يميلها للخلف وإليها يميل ، لكزته بسبابتها في صدره وقالت بتحذير
ـ إحنا في الشارع
أعدلها وأسندها لجذعه وتذمر
ـ كل مرة اغريني وبعدين قوليلي إحنا في الشارع ..

.................................................. .......


تمت
بقلم سمر حمدان ...انتظروني بداية من الاثنين القادم مع رواية طوق من جمر الجحيم بإذن الله دمتم بخير😍🥰


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس