الموضوع: عهدي أنا
عرض مشاركة واحدة
قديم 16-08-20, 01:00 AM   #105

وداد ألبوران

? العضوٌ??? » 474563
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 87
?  نُقآطِيْ » وداد ألبوران is on a distinguished road
افتراضي الفصل الرابع عشر عهدي انا

اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعفو عنا
الفصل الرابع عشر
رغم انشغاله بمسح الارضية و تنظيف فوضى السكارى من حوله لم تكن عيناه تغفلان ولو لحظة عن صقر فهو منذ ان سمع ذلك الحقير غزوان يتوعده بالانتقام امام اصدقائه في مكان منزو امام الحانة وهو عقد العزم على تنبيهه ، ولكن كيف وهذا الصقر يفرط في الشرب بشكل لم يعد يستطيع معه حتى رفع رأسه، بدأ الزبائن بالمغادرة و اقترب موعد اغلاق الحانة عندما دنا حجاب من احدى الراقصات والتي يعتبرها صديقته الوحيدة وهمس لها بما سمعه الا انها نهرته بذات الهمس
-اياك يا حجاب ان تتدخل ، كلاهما ابني سادة ونحن مجرد رعاع بالنسبة لهم ، فلا تفعل ما يجر عليك نقمة احدهم كي لا تندم .
انفعل رافضا منطقها وتفكيرها
-لكنه تشاجر معه بسبب ودفاعا عني يا نجية
هي كانت حاضرة و رأت النية المبيتة في عيني صقر لاستفزاز غزوان وما حجاب الى ذريعة تذرع بها كي يجره الى معركة ضامن هو الفوز بها فأردفت باستهانة
-هل تصدق نفسك يا حجاب ، من هذا الذي تشاجر بسببك يا أبله ، بل قل اتخذك وسيلة لتصفية حسابه
مع انه لا ينكر انها محقة لكن كيف لا يتدخل، على الاقل ينبه الشخص الذي دافع عنه ، انه اول شخص يحميه و يذود عنه ويشعره انه انسان من لحم ودم وليس حيوانا نتنا كما يشعر منذ اول يوم دخل فيه هذه الحانة ، شعور يتعمق كلما تعرض لمضايقات و سباب روادها احيانا والتطاول بالضرب والصفع احيانا اخرى .
أيا كانت اسباب صقر فهو دافع عنه وهو قرر رد الدين وليكن ما يكن ، ولدا فمع مغادرة صقر وجد نفسه يلحق به دون ان يأبه لسيده ولا لأخذ اذنه حتى، كان صقر بالكاد يوازن نفسه فوق الحصان الذي يسير ببطء حتى لا يقع عن ظهره وعندما اقترب من منزله ترجل صقر عن حصانه ساحبا اياه خلفه ومازال لا يتوقف عن الدندنة بصوت مزعج.
حدث حجاب نفسه ان كلام غزوان كان مجرد تهديد فارغ ولن يجرؤ على التعرض له وهو عند اعتاب منزله فقرر العودة من حيث جاء وعقله يحثه على ضرورة تنبيه صقر في جميع الاحوال كي يأخذ حيطته وهذا ما سيفعله غدا صباحا
لحظات فقط هي كل ما احتاجه غزوان للهجوم على صقر واستغلال حالته اللا واعية ليطعنه ويفر بجلده دون ان ينتبه له احد ودون ان ينتبه هو لحجاب الذي ركض بسرعة لذلك الساقط ارضا يهزه بعصبية وخوف
-سيدي ، سيدي ارجوك افتح عينيك ، سيدي
فتح صقر عينيه لثوان قليلة ليهمس بانفاس متقطعة
-سا...ع..دني
ويغلق عينيه ثانية بشكل ارعب حجاب وقد ظنه فارق الحياة ، وضع سبابته المرتجفة اسفل انف صقر وحمد الله انه مازال يتنفس ، ثم بيدين مرتعشتين ضغط مكان الطعنة بقوة ادار عينيه في الجوار بحثا عن المساعدة وهو يصرخ
-النجدة...ساعدونا ....النجدة هل يسمعني احد
جاء بعض الحرس الذين كانوا في جولة ليلية تفقدية على اثر الضوضاء التي احدثها حجاب ليصرخ احدهم
-ماهذا الضجي..
لتتوقف جملته دون تكملة لما هالته رؤية صقر بتلك الحالة
-يا الهي انه السيد صقر
هتف بهم حجاب وهو مازال على وضعه يحاول ايقاف النزيف
-ساعدوني لنأخذه الى حكيم القرية قبل يصفى دمه
اسرع الحرس بحمل صقر على ظهر جواده وركضوا جميعا الى الحكيم بينما ذهب احدهم لإبلاغ الشيخ والسيد عقاب ، كان حجاب يرتجف خوفا وتوترا وزاد خوفه واسئلة الرجل الذي عرف انه اخو صقر تحاصره ، لقد وجد ان الاسلم له ان ينكر معرفته بالفاعل وهذا ما حصل رغم ضغط عقاب المتواصل عن هويته ، عن شكله ، لباسه او اي شيء يمكن ان يوصلهم اليه ، لكنه تمسك برده الوحيد
-الظلام كان دامسا ولم ارى احدا حتى ارتطمت بجسد السيد صقر ووجدته مدرجا بدمائه
ساعات مرت كالسنون على الجميع وقد امتلأت دار الحكيم بأقارب السيد صقر جميعا دون استثناء والعديد من السادة حتى خرج الحكيم يخبرهم انه بخير ويحتاج الى بعض العناية وان نجاته كانت اشبه بالمعجزة .
بعد اسبوعين تقريبا وجد صقر عنده بالحانة يشكره للمرة الاولى على انقاذه له فلولاه لكان في عداد الموتى و اقترح عليه ان يعمل لديه في منزله وهو حبذ هذا الاقتراح فأي مكان سيكون اهون من هذا المستنقع القذر ، وفي نفس اليوم انتشر خبر العثور على غزوان ابن السيد صائب مقتولا وجثته مرمية بالنهر
-هل اخبرك الحكيم عن كيفية استعمال هذا الدواء
انتشله سؤال صقر وهو يتفحص زجاجة الدواء من غوصه في الماضي ليجيبه
-ملعقة صغيرة مع كأس من الحليب الدافئ قبل النوم ولقد اكد على عدم تجاوز مقدار الملعقة الصغيرة كل ليلة
هز صقر رأسه وهو يأمل ان يكون بهذا الدواء الخلاص من كوابيسه واشباحه ثم امر حجاب بالعودة للمنزل
*******************
-ارى ان تركزي مع الشاب الآخر ..ماذا كان اسمه ، اه صقر ، نعم صقر ...ىانسي امر عهد فلن يأتيك منه سوى وجع القلب
كان هذا رد ثلجة على ما حكته لها اختها بعد افتراقهما امام دكان الاقمشة لتهتف نيران باستنكار
-ماذا صقر ، ذلك المغرور الذي ينظر للناس كالذباب واترك عهد الذي ينضح رقيا ورقة و دماثة خلق وحسن خلق
نقبت ثلجة بأصابعها في علبة الخيوط عن خيط اصفر تخيط به رتق الفستان الاصفر الذي في حجرها حتى وجدته ثم رفعت وجهها لاختها الصغيرة قائلة
-الم تقولي بعظمة لسانك انه طلب ان تعتبريه كأخ لك كما انه سيعتبرك كأخت له وهذا يعني ان اعجابك به قد وصله واراد وأده بطريقة لا تجرحك
اصابها شيء من الاحباط وهي تستعيد في ذهنها مادار بينها وبين عهد لكنها اردفت والامل يتراقص في عينيها
-وايضا اخبرتك انه وعدني بتلبيتي اذا احتجته ، لم يصدني يا ثلجة ولم يجرحني كما قلت وهذا جدد الامل في نفسي انني استطيع ان اجعله يحبني ، انا واثقة من هذا فقط احتاج بعض الوقت .
هزت ثلجة رأسها بغير رضا انها ترى بوضوح ان شقيقتها ستستفيق من حلمها الوردي هذا على كابوس اسود تماما كما تراها امامها لكنها عنيدة كعهدها بها لن تستمع لها مهما نصحتها ومهما نبهتها
-نيران حبيبتي ان ترفعين سقف احلامك عاليا جدا ، لنقل ان عهد هذا قد بادلك مشاعرك واحبك فعلا فكيف تتوقعين نهاية هذا الحلم ، ان قلت الزواج فأنت واهمة وغبية فمن مثله لا يتزوجون من هم مثلنا
صوت من خارج الخيمة تكرهه بل تكره الهواء الذي تتشاركه معه ينادي باسمها منعها من استرسال حديثها مع اختها فنهضت قائلة
-انه صلال سأب لأرى ماذا يريد
ثم خرجت من الخيمة ووقفت متخصرة امام المدعو صلال، شاب بالعقد الثالث بشعر طويل مائل للشقرة يضع حلقا ذهبيا باذنه اليمنى ويرتدي ملابس مزركشة كبقية الغجر ، تسأله واكلمات تخرج من بين اسنانها
-ماذا تريد ؟
مد يده ليبعد خصلة عن عينها لكنها ضربت يده بعنف قبل ان تصل اليها وصاحت
-ابعد يدك القذرة عني والا جعلتك تبحث عن رقعة لعينك الثانية
عض على شفته ويده تعلو لتصل للرقعة الجلدية السوداء التي تخفي عينه العوراء ثم همس بصوت لعوب
-ادفع عيني الثانية بطيب خاطر لما نلته وكانت عيني اليمنى ثمنا له
رعدة سرت في كيانها وهي تفهم ما يرمي اليه ، الحقير يشير الى اعتدائه عليها وسلبها اعز ما تملك اي فتاة ولو كانت غجرية وهي مازالت في الثانية عشر لم تتخطى بعد اعتاب الطفولة وحتى وهي قد سلبت منه عينه في المقابل وبخنجره الذي استلته في غفلة منه لكن هذا لم يشفي غليلها .
سيطرت على اهتزازها وسالته مرة اخرى وبنبرة اقسى ونفورها منه يبلغ حده فأجاب ونظراته تسرح دون لجام على كامل جسدها
-الزعيم يريدك في خيمته
تخطته وهي تضرب كتفه بقوة بكتفها متجهة الى خيمة الزعيم الذي اشار لها بالدخول عند ندائها
-طلبتني
رفع سبابته في وجهها محذرا
-نيران اياك ان تدخلي قرية العدنانيين ثانية قبل بدء المهرجان، انالا اريد أية مشاكل مع شيخها ولو طردونا في هذا الوقت من العام لن نجد اي مكان يأوينا
اجابته بهزة من رأسها ولسان حالها يقول ان كل الظروف تتحد ضدها لتبعدها عن عهد .
جلس على وسادة عريضة وتناول غليونه وقبل ات يشعله تابع بنبرة اقل حدة
-واريدك ان لا تتغيبي عن مشاركة البنات بعروضهم بالقرى المجاورة، لا تنسي انك نجمة الفرقة .
كتفت ذراعيها امامها وتساءلت بنفاذ صبر
-هل هناك امر اخر يا زعيم ؟
اخذ نفسا من غليونه و قال
-نفذي هذا فقط وسنكون شاكرين
*********************
جلس عاقد الحاجبين على طرف سريرهما المزدوج ينظر لها بغضب خفتت جذوته ودموعها التي تؤثر به تأبى ان تتوقف ولكنه لن يسامحها ، منذ الليلة الاولى خط لزوجتيه قواعد تسير عليها كل واحدة منهما ان ارادتا ان تهنآ بحياتهما الزوجية معه واول هذه القواعد هي ما يدور بمخدع الزوجية يجب ان يبقى بين جدرانه وردينة اخطأت عندما حكت لشقيقتها ما اسر لها به عن مفاتحته لعهد بشأنها .
-هل انتهيت ؟
مسحت عبراتها بكمي جلبابها بطفولية لا تتصنعها وهمست من بين شهقاتها
-ستقهر امينة عندما تعلم برفضه لها
ضرب كفا بكف ووقف ليحرك قدماه بأرجاء الغرفة ورغما عنه استأنف جولة التوبيخ مجددا
- ها قد رفعت الفتاة للسماء السابعة وستخسفين بها اسفل الارضين عندما تخبريها ، هذا من صنيع يدك فاحصدي ما زرعت.
عادت تدفن وجهها بين كفيها وتبكي بحزن على حال اختها ، لن تحتمل ان تنتهي مع عجوز كطلحة وهي كالوردة في ريعان الشباب ، زفر عقاب بهم ، غلطتها كبيرة حتى لو كانت بحسن النية وهو متأكد من هذا فهي زوجته و ادرى الناس بقلبها الطيب لذلك سيواسيها الان ويعاقبها لاحقا ، جلس الى جانبها على الوسادة العريضة ارضا وضمها اليه لترمي بين احضانه تستمد الدعم منه بقوة اوجعت كتفه المجروح لكنه لم يظهر المه وانما مسح على شعرها بحنو وصوته الدافئ يهمس
-شششش لا تبكي يا ردينة سنجد حلا
هتفت وهي مازالت مندسة بين ذراعيه
-كيف يا عقاب وعهد كما تقول متمسك برأيه
استمرت يده في المسح على رأسها متابعا بدفئه المختلط برجولته
-وهل عهد هو الشاب الوحيد بالقرية ، لا تحملي هما وعلى كل حال الزواج قسمة ومكتوب ولا هروب من المكتوب .
*****************
حتى وهي بين جدران غرفتها الاربعة بملابس نوم ذكورية لكن على الاقل فهي تحرر شعرها من سجن عمامته وتتخلص من الثوب الخانق الذي تلفه حول جذعها لتخفي مفاتنها ولو ان نحافتها المقبولة تساعدها في ذلك ، تنهدت بالم وأصابعها تداعب خصلة من شعرها بشرود
-ترى ماذا يظن عقاب بي الان ؟ وماذا سيفكر لقد قالها وانتهى انا خيبت ظنه .
طرقة على باب غرفتها لم تجد عناء في تخمين صاحبتها فعمتها هي الوحيدة التي تملك الحق في دخول صرحها الصغير ، المكان الوحيد على وجه الارض الذي تتصرف فيه على طبيعتها ولو كانت بشكل منقوص .
دخلت خولة واغلق الباب خلفها وجلست الى جانبها على السرير وخاطبتها بضمير المؤنث وذراعها تحيط بها كتفيها
-الا يفترض ان تكوني نائمة الان
اسندت رأسها على صدر عمتها قائلة
-انه الارق يا عمتي الذي يصبني كلما غاب والدي عن المنزل
تربت برتابة على ذراعها وهي تقول ببعض الدهشة
-ظننتك اعتدت على سفره الدائم
كم تحتاج والدها ليس فقط لتأخذ رأيه ومشورته في ما حدث وما سيحدث ولا كي يرأب الصدع الذي احدثته كذبتها بينها وبين عقاب بل لان وجوده وحده يقويها يجعلها لا تهاب الصعاب ولا تهاب المشاكل التي تتوالى على رأسها عادت تتنهد مرة اخرى وهي تردف
-بل اتظاهر بالاعتياد يا عمتي ، ارجو ان لا تطول رحلته هذه المرة .
بنبرة عتاب ولوم عقبت خولة
-اظنه لن يعجبه ما فعلته اليوم ، اقصد تهورك وملاحقتك لقطاع الطرق
انسلت من حضن عمتها وقالت بحزم
-لم اكن لأترك مجهود سنة من التعب والزرع والحصد يضيع وانا اشاهد يا عمتي وابي هو من علمني ان لا اترك حقي مهما حصل
جذبتها الى صدرها ثانية وهي تمط شفتيها بغير رضا
-اعرف رأسك الصوان فانت لن تعترفي بخطئك
عاندتها بالقول
-لست مخطئة يا عمة ولو تكرر الامر سأتصرف نفس التصرف .
لم تجد خولة ما ترد به فاختارت الصمت انها لا تستطيع ان تنسى ان عهدا فتاة ماذا لو حدث لها مكروه ، ماذا لو اكشتف احد امرها اثناء العراك ، قلق داىم تعيشه ويكبر كل يوم ولا تملك الا الدعاء ان يتلطف بهم الله
-عمتي
جاءت مترددة من فم عهد لتتساءل بعدها بنفس التردد
-هل قال لك عقاب شيئا بشأني عندما كنت عندهم
توقفت عن المسح على رأسها وردت على سؤالها بسؤال
-وماذا سيقول ، هل حدث شيء بينكما
فضلت عهد عدم اخبارها كي لا تكدرها فانكرت
-لا لم يحدث شيء
ثم تظاهرت بالتثاؤب
-انا بدأت انعس يا خولة
قبلت خولة جبينها ونهضت قائلة
-تصبحين على خير يا نور عين خولة
قلبها يعتصر الما على صغيرتها ، فمهما طال الزمن سيكشف هذا السر.

ولم تكن عهد وحدها من اصابها الارق بل وضاح و ميسم ايضا كلاهما رفض النوم طرق بابهما ، كلاهما يفكر بزيارة صقر اليوم وكل بطريقته.
ميسم كانت تشعر بسعادة مختلطة بربكة عظيمة شملت كل كيانها، مازالت لا تصدق ان رأته وكلمته بل وامتدحها ايضا ، لا ليس مديحا بل غزل صريح ، لقد غازلها وهذا يعني انه بات يراها ولم تعد ظلا خافتا لا يلتفت له ولكن ماذا بعد ؟ وهل هذا يغير حقيقة صقر ؟
فقد وجهها الفاتن ألقه عند هذا الخاطر وعادت خيوط الفرح تتلاشى من عينيها ، زيارة صقر هذه لا تغير شيئا من الوضع يا ميسم فلا تتمادي في احلام يقظتك ، نفخت على المصباح لتعم الظلمة وتمددت على سريرها لتحدث نفسها
-اين انت يا سندس لأفضي لك بما يعتمر قلبي .
اما وضاح فكلما اغمض عينيه تتراءى له ميسم وهي تقف ذائبة امام نظرات صقر الوقحة وحركاته الغير مقبولة ويشعر بالبراكين تتدفق بشرايينه، ومرارته ستنفجر ان لم يحدث عهد بهذا الشأن هي الوحيدة التي تفهمه وسيجد لديها اذن صاغية لما يؤرقه ولكن ليس الآن فلتنقشع هذه الغيمة السوداء التي تخيم عليهم اولا .
ومن ارق الناس وجعل النوم يجافيهم كان ينام قرير العين لأول مرة منذ سنوات وعلى ما يبدوا ان حجاب احسن صنعا بلجوئه لحكيم قرية جوما
***************

بعد بضعة ايام :
اطلق السهم الاول فاصاب اكبر جرة والسهم الثاني اصاب الاصغر منها واستعد لاطلاق السهم الثالث عندما هتف به مصطفى بعصبية فهو منذ الصباح لم يترك لعبة في السوق لم يجربها
-هل جئنا لنلعب يا رعد ام ماذا
ضيق رعد عينيه واطلق لتصيب اصغر الجرار وابعدها ويطلق بعدها صيحة انتصار قبل ان يلتفت لصديقه قائلا بتبرم
-لا لم نأتي لنلعب بل جئنا لتتبع عروض الغجر اينما وجدت
اخذ قطعة نقدية من صاحب خيمة الالعاب لأنه فاز بلعبة السهام وسار للخيمة الموالية وخلفه مصطفى مطرقا برأسه ، رعد معه حق لقد حاد عن هدفه واصبح يبحث عن تلك الغجرية في كل تجمع لفرق الغجر الراقصة وكلما رآها يبقى متسمرا متابعا لها حتى ينتهي العرض مهما امتدت ساعاته ، و يبدوا انه اصيب بسحرها
-مصطفى !!!!
هتاف صديقه الذي ينبيء ان خطبا ما حصل جعله يرفع رأسه اليه بسرعة
-ماذا
ابتلع رعد ريقه قائلا بوجل
-سهيل رآنا ، يجب ان نعود يا مصطفى يكفي ما قضيناه من ايام في العبث فحتما سيخبر الزعيم .
لقد كان رعد محقا فسهيل رجل اخيه المخلص وحارسه الامين ، لابد انه ارسله للقرية ليشتري مستلزماتهم وطالما رآهم فهو سيخبر اخاه دون تأخير
نطق مصطفى اخيرا وقد اخذ قراره فلا جدوى من البقاء
-حسنا عد الى الخان واجمع اغراضنا وانا سأذهب لحظيرة الخيول لجلب احصنتنا
تحرك رعد بسرعة كي ينفذ فارتطم بقوة بفتاة اسقطتها ارضا ليسرع بالاعتذار وهو يمد يده لها كي يساعدها
-انا اسف ، حقا اسف لم انتبه...
توقفت الحروف على شفتيه وفغر فاه وهو يرى امامه ست الحسن والجمال التي يسمع عنها من قصص الخالة ريحانة ، لقد فقد قلبه احدى دقاته ، لا والله فقدها كلها واكتفى بالتحقيق بها ببلاهة بينما هي توبخه على ارتطامه الموجع بها ويدها تمسد كوعها
-امينة هل انت بخير ؟
هتفت بها صديقتها التي كانت متوقفة مع خادمتها عند الصائغ
-انا بخير لكن كوعي يؤلمني
-دعيني ارى
تفحصتها ولحسن الحظ لم تكن سوى كدمة بسيطة وكل هذا ورعد مازال على تحديقه الابله بها
تجاهلته الاثنتين وتابعتا طريقهما وهو يهمس لنفس وابتسامة خرقاء على شفتيه
-امينة...امينتي .
******************
لا ينكر ان الدواء اتى اكله وساعده على النوم دون كوابيس بل ايضا لم يعد يرى شبح امانة منذ ان دأب على تناوله لكنه اصبح عنيا اكر من ذي قبل و عدوانيا بشكل غير مسبوق فلقد احدث جرحا غائر بظهر حصانه صوان بالسوط وهو ن كان يداريه ويرعاه كأنه اغلى ما لديه وليس هذا فقط بل عاود استدعاء عرفان صاحب دار البغاء ليجلب فتياته اليه ليمارس ساديته المريضة عليهن بقسوة ومجون اكثر .
وهاهو الان يسير بالقرية بحثا عن ضحية جديدة عندما لمح زيد وراشد امام ساحة خان والد هذا الاخير يراقبان باستمتاع مبارزة بالعصا بين اثنين من شباب القرية وتلقائيا عاد حديث زيد و عقاب عندما انفرد هذا الاخير بابن خاله بمخزن الدكان الكبير .
كان قد احضر دفعة من المال سلمها له احد التجار ليسلمها بدوره لاخيه و يسجلها بسجل الحسابات وعندما سال عنه اخبره العامل انه بالمخزن مع زيد فذهب اليهما لكنه توقف عندما سمع عقاب يقول
-اخبرني يا زيد الا يفكر راشد بان يحذو حذوك ويتزوج هو الاخر
رد عليه ممازحا
-انه ينتظر على احر من الجمر عودة والده ليحذو حذوي يا ابن عمتي .
مسح عقاب على لحيته وتشاغل بإخراج احدا لفافات الاثواب
-وهل هناك من تشغل باله ام انه سيترك السيد تمام يختاره
استغرب زيد من اسئلته فمنذ متى كان عقاب فضوليا هكذا لكنه اجابه لصراحة
-تشغل باله !! بل قل تأسر قلبه وتخلب لبه ، انه عاشق حتى النخاع
فكر عقاب ان راشد هو الاخر قلبه مشغول وهو بصعوبة اهتدى عقله اليه .
تساءل زيد
-افضي ما بجعبتك يا عقاب واخبرني لما هذه الاسئلة
هز رأسه وهو يخرج من المخزن
-لم اجد لديك ما يشجعني على افراغها يا زيد .
اختبأ صقر وخرج من الباب الاخر للدكان دون ان ينتبها لوجوده
عاد من افكاره و ترجل عن حصانه واقترب منهما بخيلاء ليوجه حديثه لزيد
-كيف حالك يا ابن خالي
رد زيد دون ان يزيح عيناه عن المبارزين
-بأفضل حال يا ابن عمتي
سقطت عصا احد المبارزين مما يعني خسارته بينما هلل الجميع للفائز ، تناول صقر عصاه وتقدم ليصبح وسط الحلقة وجها لوجه مع الفائز الذي ابتلع ريقه ووضع عصاه على الارض معلنا استسلامه قبل بدء المبارزة
قهقه صقر باستمتاع ووجه عصاه الى راشد وبنبرة مستفزة
-ما رأيك يا صديق الطفولة هل نتبارز ؟
تجاهله راشد وتوجه بحديثه لزيد
-سأعود للخان
اقترب منه صقر وهمس بفحيح كالافعى
-سمعت انك تريد الزواج لكني لا اظن ان هناك من ترضى بشاب كانت امه تناديه رشيدة في صغره خوفا من الحسد
انقض راشد على صقر والغضب مرتسم بوضوح على ملامحه
-ايها الوغد
مط صقر شفتيه بعبوس طفولي
-انا وغد ؟ سامحك الله
اعطني عصاك يا زيد
صاح بها راشد فلم يملك زيد سوى ان نفذ ما طلب لتبدأ المبارزة
كان صقر هادئا ، مستمتعا باستفزازه لراشد واكتفى فقط بالتصدي لضربات هذا الاخير الغاضبة الذي فقد صبره واعماه غضبه ليقول
-ارى ان اثار سوط والدك لم تفلح في جعلك تتعقل و تتخلى عن حقارتك
تفتت القناع الصخري الذي كان على وجه صقر ، وانفجر البركان عندما قال
-جنيت على نفسك
اندفع كالإعصار نحو راشد واعاد ونطحه برأسه انف راشد نطحة افقدته توازنه ليسقط على الارض وانهال عليه بالضرب
وسط ذهول الجميع كان زيد الوحيد الذي تحرك وحاول جذب ابن عمته عن صديقه لكنه لم يتزحزح
صاح به هادرا
-اتركه يا صقر سيموت بين يديك !!!
استمر صقر في تسديد اللكمات بوعي منفصل عن الواقع وكلما انفجرت الدماء بوجه غريمه كلما زادت رغبته بضربه اكثر رغبة قد تتحول لشهية للقتل
صاح زيد بالجميع
-ماذا تنتظرون ساعدوني
لم يجرأ احد على الاقتراب وحتى عمال الخان لم يستطيع الوقوف امام غضب الوحش من اجل رب عملهم واكتفوا بالمشاهدة
غاب راشد عن الوعي حينها فقط تركه صقر ووقف يمسح وجهه الذي يتصبب من العرق وبصق بقرف على راشد ثم غادر دون كلام.

***********************
-هل عاد سيدك عقاب ؟
بصوت خافت سالت جليلة خادتها التي اجابت بنفس الخفوت
-ليس بعد يا سيدتي والسيدة ردينة سالت عنك واخبرتها انك ترتاحين بمخدعك ولا تريدين ان يزعجك احد
بحثت بعينيها عن ضرتها قبل ان تعاود سؤال الخادمة
-واين هي الان ؟
اشارت بيدها الى المطبخ وهمست
-بالمطبخ تعد الغذاء سيدي العقاب والشيخ المنذر على وشك الوصول
امسكتها من ذراعها لتقربها اليها اكثر وهمست
-اياك ان تجعليها تخرج من المطبخ قبل ان اتي اليكم
-امرك سيدتي
تمتمت بها الخادمة واسرعت باتجاه المطبخ بينما صعدت جليلة متسلسلة الى مخدع ضرتها ، اقفلت الباب بحرص خلفها واخرجت الكيس الذي تخفيه تحت جلبابها ، اخرجت قارورة ماء رشت منها اسفل السرير وعلى عتبة الغرفة وزواياها ثم حجرين اخفت احدهما بالخزانة اسفل ملابس ردينة والاخر اسفل ملابس عقاب ثم اخذت لباسا داخليا يخص الاولى ولباسا داخليا يخص زوجها اخفتهما داخل نفس الكيس ثم غادرت الغرفة كما دخلت
دلفت الى مخدعها واحكمت اغلاق الباب المفتاح
جلست على الارض الرخامية واخرجت اللباسين ورشت عليهما ما تبقى من ماء بالقارورة ثم قامت بعقدهما معا عدة عقد وهي تنفث وتتمتم بعض العبارات غير المفهومة ثم غيرت جلبابها باخر منزلي واخفت اللباس تحته ونزلت الى الطابق الارضي ، دخلت الى المطبخ حيث ردينة منهمكة بالعمل هي والخادمتين رسمت ابتسامة مصطنعة وقالت بلطف زائف
-عزيزتي ردينة انا سانهي الغذاء اذهبي لرؤية زهرة
وقفت ردينة وقالت باهتمام حقيقي
-هل انت بخير يا جليلة ، اخبرتني سليمة انك متوعكة
بنفس الابتسامة الزائفة
-اصبحت افضل عزيزتي و سانهي الغذاء
تحت اصرارها الغريبة انسحبت ردينة من المطبخ بصحبة خادمتها وامرت جليلة خادمتها بإبلاغها اذا اراد احد الدخول وسارعت بإخراج اللباس ورميه بالكانون ليحترق بالكامل وتقول من بين اسنانه
-ها قد. فعلته بالضبط كما طلبت ام مسعود دون زيادة او نقصان فلنرى نتيجة سحرك يا عجوز
يجب ان تنتظر سبعة ايام ، سبعة ايام بلياليها وعقاب يصبح لها هي وحدها .
************************
مظهره يدل على هدوءه وثبات عندما ترجل عن حصانه امام البوابة الكبيرة لمنزل العائلة لكن داخله يغلي كمرجل ، عيناه اظلمتا بمزيج من القسوة والكره والحقد و..الضعف، ، بذرة الشر غرست فيه مع كل جلدة تلقاها وغذاها منذر بتجبره وقسوته يوما بعد يوم و ان الاوان ليحصد ما زرعت يداه
-اين الفأس ؟
نطقها من بين اسنانه بطريقة ارسلت الرعشة بجسد البستاني فاتح الذي هرول مسرعا بصع خطوات ليحضرها له ومدها له بيد مرتجفة
تناولها صقر وعاد الى النخلة التي شهدت كل ما عاناه بطفولته المشوهة وتجعل شعور الضعف والعجز يعتريه ، واليوم سيتخلص منها ، رمى عمامته على الارض والحقها بجلبابه وبدأ يضرب بكل قوته المقترنة بغضبه المكبوت جذع النخلة وكل ضربة تجسد امامه مشهدا من طفولته
ضربة....تقييده بالحبال ، ضربة...جلد بالسوط ، ضربة....امضاء ليالي الشتاء الباردة عاريا ومقيدا ، ضربة...حبسه لأيام دون طعام
زادت قوة ضرباته و زاد معها حنقه بدل ان يهدأ الى ان سقطت النخلة تحت انظاره وانظار الخدم المتوجسة منهم والمذعورة وجليلة واختها قمر المستهجنتين و ردينة القلقة التي اخذت البنات الى الفناء الخلفي خوفا من نوبة غضب عمهم.
وقف متخصرا مطرقا براسه يتصبب عرقا و صدره يعلو ويهبط بأنفاس هادرا.
جاءه نداء عباس وقال دون ان يلتفت
-ماذا تريد يا عم عباس ؟
دفعه بعصبية على صدره وقال بحنق
-ما هذا الذي فعلته ايها الاحمق ؟
نظر اليه وعلى وجهه ابتسامة جانبية ثم اعاد نظره الى النخلة وقال ببرود عكس ما يعتريه
-لا اظنها تشكل له فرقا .
-انا لا اتحدث عن النخلة اللعينة بل اتحدث عما فعلته براشد

قال وهو ينحني ليحمل عمامته وجلبابه مستعدا ليغادر
-على رسلك يا عم عباس بضعة ايام وسيعود كالقرد يقفز في انحاء القرية لا تقلق عليه
جذبه من مرفقه وقد طفح كيله
-انت لا تقدر حجم ما اقترفت يا صقر الامر ليس شجارا بين طفلين كالماضي بل بين رجلين احدهما ابن الشيخ والاخر ابن احد كبار السادة وعلاقته بوالدك متشعبة نظرا لتقربه من عمك
بنفاذ صبر صحب ذراعه
-انا لا علاقة لي بكل هذه الامور
امسك عباس بجانبي راسه وهمس
-يا بني انت لا تفهم ستتعرض للمثول امام المجلس العرفي
اجاب صقر باستخفاف
-فليعقدوا المجلس العرفي ان شاؤوا ، لا يهمني ، انا سأذهب الى منزلي وداعا
ربت عباس على كتفه وقال بمهادنة وهو يمد يده بمفتاح له
-انتظر يا بني ان كان لي خاطر لديك خذ مفتاح منزلي وابقى هناك حتى نرى ما ستؤول اليه الامور
تأفف بملل لكنه اخذ المفتاح منه اكراما لخاطر هذا الرجل الذي اعتبره كابن له .
****************************
وقف صخر يداه كالعادة خلف ظهره يراقب العمال وهم يبدؤون بتشييد الجسر الذي امر بإنشائه ، جسر سيوفر عناء ووقتا على اهالي قريته وسيريحهم من مشقة الالتفاف على النهر الكبير للوصول للقرى الاخرى لكن عقله كان مع اخيه ، الحمدلله تصبح عروة افضل حال وجسمه كما اخبرهم السيد شاهين بات نقيا من اي سم وقد بدأ المرحلة الثانية بالعلاج لكنه يأمل ان لا تكون مؤلمة له كسابقتها لكن ليس هذا فقط ما يشغله بل يشغله ذلك الخبيث أميد .
لقد علم انه لا يزود الحكيم بالأعشاب فقط بل يزود ايضا جميع العطارين وقبل ان يستدعيه كان عليه اولا ان يتعرف على هذا العطار الفارسي ودون ان يثير ريبته . واثناء جولته بالسوق مع حرسه والاطلاع على احوال التجار مر بدكانه وتبادل معه حوارا كان له كافيا ليسبر اغوار الرجل ويدرك اي داهية هو ، صخر من الفراسة ليعرف معدن من امامه ومعدن اميد صدء نتن حتى لو استدعاه لمجلسه فهو لن ينطق بشيء طالما لا يملك حجة عليه ولا يسيره سوى حدسه لدا قرر ان يجعل من يراقبه دون علمه وهو موقن ان من لجأ الى هذا العطار لابد ان يتردد عليه ولا بد انه قريب منهم
-اريد ان ينتهي بناءه قبل بدء مهرجان الخيول يا نمر
هز مسؤول البناء راسه وعيناه تتابعان عماله النشيطين
-ان شاء الله يا شيخ لكننا نحتاج المزيد من الاخشاب القوية
التفت صخر الى مرافقه آمرا اياه
-امن للريس نمر كل ما يحتاجه و بأسرع وقت
-امر الشيخ
صرفهما بكف يده عندما رأى الشخص المكلف بمراقبة اميد قادم اليه
-هل من جديد يا وميض
لم يعرف وميض كيف يبلغ شيخه بما رآه لكنه ملزم باخباره لذا قالها دفعة واحدة
-رأيت السيدة ضحكة ترتدي ملابس الخدم وتدخل دكان العطار وقد اغلق درفتي الدكان عليهما
اتسعت عيناه بصدمة وهمست شفتاه دون صوت
-ضحكة...
في انتظار تفاعلكم وتعليقاتكم دمتم في حفظ الله


وداد ألبوران غير متواجد حالياً