عرض مشاركة واحدة
قديم 06-09-20, 11:16 PM   #295

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


منتصف الليل ...قرية الجبل الأسود


يتراءى لهما خياله الواقف بمحاذاة الاسطبل وقد انعكس عليه نور القمر ..تحث الخطى خلف أمها حاملة حقيبة جلدية متوسطة الحجم لملمت فيها حاجياتها ..

قلبها مقبوض وصدرها ضيق حرج مختنق بأنفاسه متوجسة خيفة مما ستقدم عليه طاعة لأمها لا غير فلو كان القرار عائدا إليها لما رضيت بحلول مبتورة جبانة كالفرار ..

يتأهب في وقفته حين تدنوان منه فتطرق جوري برأسها أرضا شاعرة بارتباك شديد صاحب نبضها الخافق بجنون ..

حتى و إن لفهم الظلام الدامس من كل جانب ..حتى وإن كان ضياء القمر شحيحا لا يكفي لإبراز معالم الوجوه بوضوح فإنها ستشعر بنفس القدر من التوتر والارتباك في حضرته ..

يكفي أن تستشعر بقلبها وجوده الطاغي ..أن تسمع هسيس أنفاسه لتسترجع ذكريات حية وكأنها كانت لتوّها ويقتحم ذاك اليوم الذي تعرت فيه كل مشاعرها خيالها بقوة مؤلمة لأعصابها ..

كان آخر لقاء بينهما فقد تعمدت تجنبه بكل الطرق على الرغم من الشوق الذي ينحر قلبها للقياه .. أيام عاشتها مع أطياف ذكريات الماضي ورغبة شديدة في صنع أخرى جديدة معه ..تحت مسمى آخر حيث يجمعهما رباط غير رباط الأخوة المزعومة ..كانت تعيش حالة ضياع عجيبة مدركة لكل الفوارق المؤلمة بينهما فتتساءل دوما كيف السبيل إليه..إلى قلبه ..إلى حياته ..

كانت قد غفلت في غمرة محاولاتها لفك غموض ما يحدث مع أمها أنها ستراه بعد طول بعاد تعمدته..بعد شوق مضن ..ستراه ..ويوصلها إلى ما يُفترَض أن يكون بر أمانها في العاصمة..بعيدا عن القرية ..بعيدا عنه ..ثم يتركها هناك وحيدة ترثي حالها ..و تبكي بصمت حبها المستحيل ..

تعيدها صفية إلى الواقع حين همست تتأكد بصوت مهزوز "لم تخبر زاهرة كما اتفقنا"

فيتسلل صوته الرخيم الذي يشي بتوتره رغم الهدوء الذي اصطبغت به كلماته "بالطبع لم أفعل ..قلت أني ذاهب ليلا كعادتي لأكون فجرا في سوق الماشية في المدينة ككل أسبوع لذا لم تشك بي أبدا "

توتر كان طبيعيا للغاية فما من أحد قد يخرج متسللا في جنح الليل ما لم يكن يتلافى أمرا ما ...أو شخصا ما ..

فتهمس بعصبية محرجة "اعذرني على الوضع الذي وضعتك فيه بني ..أنت أدرى بأمك ..قد تفضحني باندفاعها العاطفي "

فيضيف بذات الهدوء "نعم...نتوكل عل الله إذا ؟"

لا تحتمل ادعاء الثبات أكثر فترتمي في حضن أمها تمرغ وجهها في دفئها تهمس بصوت مكتوم أجش " تعالي معي أمي .."
فتبادلها صفية العناق للحظات ترتعد أوصالها وتجيبها فيما تبعدها عنها مرغمة " لا يمكنني أن أترك أخواتكِ خلفي ..ما سيحدث يستوجب بقائي هنا ..تحمّليني حبيبتي لبعض الوقت ..افعلي كل ما يطلب منك فذاك عين الصواب .. هيا بنيتي في أمان الله"

تفلتها بعد لحظات بصعوبة فتناديها جوري بخفوت عدة مرات بينما تراها تبتعد تجر أذيال المواجع تتجلد كي لا تستدير راكضة صوبها وتنفجر في بكاء هستيري في حضنها ..
تصم أذنيها عن نداءاتها الخفيضة تؤكد لنفسها أن هذا هو الصواب ..تعلم أن ابنتها قوية يمكنها أن تتحمل الكثير ..لا خوف عليها مع غسان و أخيها ..ما يهم الآن هو وصولها سالمة غانمة إلى العاصمة ثم بعدها تكون في كنفه ابن خالتها وتطير من بين يدي القذر عباس وليشرب من ماء البحر إن لم يعجبه الأمر ..ستكون حاضرة هنا تقف في وجهه وليفضحها إن أراد فلن تبالي ...

تركها تتبع طيف أمها تشبع بمرآها ولو من بعيد بقلب واجف ..لا يعلم تحديدا ماذا يحصل لتستنفر صفية هكذا و تعمد إلى (تهريبها) إلى العاصمة كما فهم من السرية التي اتبعتها إلا أنه لم يحب الأجواء الثقيلة المنفرة ..ما يشبه السماء المتلبدة التي تسبق قدوم العاصفة ..وكم أشعرته بالعجز أكثر حين جاءته متوسلة ..ودّ لو كان باستطاعته أن يخبرها أنه هنا ..مستعد ليفدي جوري بعمره مهما كان ما يحدق بها من خطر ..مستعد ليحميها ..ليخبئها بين ضلوعه تماما كما نجح وخبأها لسنوات طويلة بين جنبات قلبه المتولّه ..
لكنه مجرد عبد ضعيف بلا حول ولا قوة ..لا حق له فيها ولا قدرة له على درء السوء عنها ..
أمضى أيامه جحيما ..نهارها تفكير مرهق للأعصاب وليلها سهاد ..
كل ما استطاع فعله لأجلها هو الدعاء لها بتفان منقطع النظير بدرء البلاء و انفراج الكرب مهما كانت ..وكم بدى لعينيه هذا ضئيلا قليلا في حقها ..

يضمحل الطيف في الأفق متلاحما مع سواد الليل فيهمس لها متردّدا يطرق بعينيه أرضا " سيارة الأجرة تنتظرنا على بعد عدّة أمتار من هنا ..هل نذهب من فضلكِ ؟"
يشعر بحركتها الملتفة ناحيته وقد تذكرت وجوده فتغمغم بموافقة فاترة قبل أن تتقدم نحوه فيحمل حقيبتها الجلدية و يتمهل في مشيته يواكب خطواتها ..

يتلمس طريقه في الظلام على ضوء القمر يسيران في صمت على الطريق الترابية المحاذية لبساتين الفواكه المؤدية إلى الطريق المعبدة حيث كانت سيارة الأجرة مركونة في الانتظار ..
وحين فتح لها الباب الخلفي لتصعد كانت تتمسك بطرف قميصه فجأة تطالبه بخفوت أجش تبحث عن الأمان قربه وقد انقبض قلبها من شعور غريب من الوحدة يلحّ عليها "هلا ركبت قربي أوس ؟ "
يا ويلها من كلمات قلبت كيانه رأسا على عقب ..يجيبها ممتنا للظلام الذي حجب ملامحه يسبغ تأثره بسواده الحالك "من الأفضل أن أجلس في الأمام لأفسح لكِ المجال لتنامي في الخلف فيما بعد ..أمامنا طريق طويلة"

كاد قلبه ينخلع من مكانه حين ازداد شدها لقميصه للحظات اضافية وكأنها تصارع الرفض لينتصر الاذعان ثم دون أن تقول شيئا كانت تفلته و تنصاع لطلبه بهدوء شديد ..

يلملم مشاعره المشتتة ليركب بعد أن تأكد من احكام غلق بابها ليتعالى نفير السيارة التي انطلقت تشق سواد الليل الموحش ...

................................



ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس