عرض مشاركة واحدة
قديم 13-09-20, 05:19 PM   #2

انسان بسيط

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية انسان بسيط

? العضوٌ??? » 421915
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » انسان بسيط has a reputation beyond reputeانسان بسيط has a reputation beyond reputeانسان بسيط has a reputation beyond reputeانسان بسيط has a reputation beyond reputeانسان بسيط has a reputation beyond reputeانسان بسيط has a reputation beyond reputeانسان بسيط has a reputation beyond reputeانسان بسيط has a reputation beyond reputeانسان بسيط has a reputation beyond reputeانسان بسيط has a reputation beyond reputeانسان بسيط has a reputation beyond repute
افتراضي

تصرم شهرين وهم يعيشون وحشة على الجنة .. يشعرون بالحــرُ الشديد رغم برودة الطقس .. يمشون فوق رمال ناعمة كأنهم يخطون فوق جمر .. يأكلون ألذ الفواكه ويتجرعونها سُـــم .. يشاهدون الطيور قبيحة رغم جمالها .. ينظرون إلى الحيوانات الأليفة كأنها خنازير بشعة .. يعيشون عكس ما هم عليه , منعزلين عن الــعالم أجمع خلف البحار ولا أحد يدري خبر عنهم .. فسحر يتيمة الأبوين وسهيل لــم يرى والديه منذ دخل السجن آخر مرة .

لم يعودوا يتكلمون مع بعضهم .. لم يعودوا يجلسون قبالة بعضهم .. لم يعودوا يرون بعض .. باتوا كالغرباء , كل منهم منشغل بنفسه في أحدى بقع الجزيرة .. رغم أن الحب بداخل قلوبهم أتجاه بعض هـــو هو لم يتغير ولكنها الظروف ولعنة ما ظنوها جنة .

ذات يوم بينما كان سهيل يسير لوحده , رأى الصدمة أمام عينيه ماثلة .. رأى ما هز كيانه ووجدانه .. رأى ما لــم يتوقعه في عالمه .. إذ شاهد سحر تتكلم وتضحك وتتصرف وكأنها تُمسك بيد أحدهم .. وحالتهــا غريبة جدا على غير ما أعتادها , أقترب منها ليعرف ما الخبر ؟ يستمع ويتلصص ويختلس ! ألا أنه لــم يفهم شيئا مما يحدث أمامه , فباغتها وخرج فجأة قبالتها , وسألـــــها :
- ماذا تفعلين ؟

ألا أنـــها لم ترد , سألها ثانية :
- من تكلمين يا سحـــــــر ؟

أيضا لــم ترد , كانت ملامحها متغيرة على عكس تلك الفتاة التي أحبها .. مما أشعرهُ بالغضب من كل ذلك الموقف وأيضا لسكوتها , فصرخ عليها :
- سحــــر .! سألتك ماذا تفعلين ؟ ومن تكلمين ؟

ألا أنها لــم تلقي له بالً , ولكنها بعد برهة رفعت يدها وأشارت أمامها , وقالت باكية ترتجف وتبتسم في آن معا ومشاعرها مختلطة :
- أنـــها والدتي ..!
- أنظـــــر , أنــها والدتي !

علم سهيل بأن سحر بات عقلهـــا متعبً .. وذهنها مشتت .. وأحاسيسها مشردة .. لا تستطيع التفكير جيدا .. بدت تعيش خيالات في نفسها , ترى أمها التي رحلت عنها صغيرة وتركت بداخلها فراغا لم يستطع أحدا سده , أنتابته قشعريرة في كل جسده , فقال لــها مختنقا في عبرته :
- هيا يا سحر , دعينا نذهب ونجلس على الشاطئ .!

لــم تنظر إليه .. بل كانت تصوب عينها أتجاه والدتها , ثم صاحت :
- لا , لا , اريد الجلوس مع والدتي !

سهيل قال لــها مُنهك القوى :
- حسنا , لك ذلك ! ولكن دعينا الآن نذهب ونستريح على رمال الشاطئ !

وضع يديه على كتفيها يحاول أخذها معه في طريقه .. لكنها أبعدته وجلست على الأرض تصيح وتضرب بيديها على رجليها وتــــردد :
- لا , لا .. أريد والدتي ..!

كان سهيل يعيش الصدمة التي خرت من قواه .. ولكنه تحامل على نفسه وجلس بجانبها وأحتضنها .. وراح يسترجع :
- أنا لله وأنا إليه راجعون .!

.. قال لـــها بعد ذاك :
- حسنا , سنجلس هنا ريثما تأتـــــي والدتك ونغادر .!

أجابته سحر والدموع منها لــم تتوقف كأنها طفلة :
- نعــم , نعم , أريد والدتي !

... ظل معهـــا .. محتضنا أياهـــا بقوة لا يريد تركها .. إلى أن غطت في سباتهـــــــا .

تلك مشكلة أخرى يواجهها غير مشكلته الأساس وسجنهما على الجزيرة , إذ أن محبوبته وزوجته بدأت تفقد الكثير من توازنها وثباتها وعدم قدرتها على المحافظة على عقلها , كانت فاقدة الأحساس بالواقع طوال الوقت .. عدا في لحظات قليلة قصيرة تكون في وعيهـــــا .

بينما سهيل أبتلع الضيم بداخله وتحامل على نفسه ليرعاها ويواسيها ويقف بجانبها في ظروفها العصيبة , كان يبكي على حالتها لوحده .. يحاكي نفسه في كثيرا من الأوقات :
- كيف كانت ؟ وكيف أصبحت ؟
- يا إلـهــــي .!
- يا سبحان الله .!
- ماذا جرى لك وعليك يا سحــر .؟
- كنتِ بالأمس القريب عاقلة .. كاملة .. متزنة .. أجمل من نور القمر .. كنت الشمس التي تدور حولــها الكواكب , وكيف أنقلبت الآن على أعقابك .!
- ما أصعب ذلك , وما أقساه .!
- لقد رأيت الكثير من المجرمين .. لقد عشت عالــم الرذيلة كله .. شاهدت القسوة بشتى أشكالــها وألوانها ولــم اتأثر أو يشفق لي قلب .! ولكن هذا .. هذا أقسى أمــــرً وأصعبه .. أن تــرى حبيبتك تعانـــي .! أن ترى العزيز ومن هو قريب لقلبك ينتكـــس هكذا .. رؤيته يفقد السيطرة على نفسه .. رؤيته يسير في طريقه للجنون .. رؤيته بين هذا وذاك .. بين الأمس واليوم .. بين ثباته وشتاته .. بين سكينته وضياعه .!
- والأصعب من كل هذا , بأنك لا تستطيع فعل شيئا لمساعدته .. تراه يفلت من بين يديك وأنت تنظر إليه بلا حول ولا قوة .!
- لا إله ألا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين .
- ليتكِ تعودين كما كنتِ يا سحر .!
- ويحــي , كم هــو قاسً هذا المنظــــر !
- كم هو مؤلــم وموجع !
- كم هي حسرة باتت في قلبي عليك .
- تــــبا للظروف , وتبا لما فعلته بك ..!

الأيـــام تنقضي وتـمــر وسحر على هوسها وعدم ثباتها وبحثها المستمر عن والدتها لتتكلم معها وتنعم بشيئا من حنانها المفقود .. لتطمئن على من يملءُ وحدتها في هذه الجزيرة الملعونة . بينما أكتفى سهيل بمراقبتهــا من بعيد وتركها بحريتها تتصرف كما تشاء ويحلو لــــها , فقط كان كل ما يهمه ألا تؤذي نفسها , يشعر بداخله بزلزال يهــزه ويتلاعب به يمينا وشمالا .. يبكي على حالــها تارة .. وتارة أخرى يسرح بخياله بعيدا يتذكر محبوبته في ما مضى ويقارنــها بحالها الآن وكيف أصبحت .. تنتابه القشعريرة لحظتهـــا ويحتنق في عبراته ما بين تلك الحبيبة وتلك .

ذات ليلة بينما كان محتضنا أياها كعادته عندما تبكي وتبحث عن طيف أمهـــــا .. أبتعدت عنه وتوقفت أمامها دون أن تتكلــم وهو ينظر إلى ظهرها من الخلف .. وظلت على حالتهــا تلك لدقائق , مما اثار الريبة بداخله .. وقبل أن تذهب في حال سبيلها لتبحث عن أمها , قالت له وهي تطالع الأرض بصوت كله ضياع ونبرات شتات وكأنــها قد نسيته ونسيت حبـــها ومن كان يــوم كل عشقهـــا :
- أدرك جيدا ما تفعله لي , أعرف كيف كرست نفسك لأجلـــي , أنك تذكرني بشاب عرفته من قـــــبل .. شاب أحببته أسمه سهيل , ولا أدري في الحقيقة أين هو الآن .!

غادرت من محلها إلى طريقها تبحث في الجزيرة .. بينما سهيل بكــى بكاء لــم يبكيه أحدا قبله .. وضع رأسه بين ركبتيه .. ينظر أسفله خجــلً .. يصيح ويبكي بعدما سمع ما قطع نياط قلبه .. وأندى جبينه .. رفع رأسه بعد لحظات وصــرخ صرخة هزت البحر بمداهـــــــــــا .. صرخة أهتزت الأرض منهــا .. صرخة أخافت الطيور فوق أشجارها .. صرخة جعلت ظلام تلك الجزيــرة الخائبة يتفجـــر أنوارا بالدموع .

رغم الأيام التي مرت .. والمآسي التي حلت .. والمصائب التي توالت عليهم واحدة تلو أخرى ألا أن سهيل ظل بداخله بعض الأمل .. ظل في جعبته صبرا .. ظل هناك حلــم لم يتحول إلى كابوس , كان يشغل نفسه طوال الوقت محاولً أصلاح المركب .. قام بتفكيك المحرك قطعة قطعة .. يحاول جاهدا تثبيتها جيدا وتعديلها وتنظيفها وأصلاح الأضرار التي لحقت بـه .

وبعد تعب ومشقة وأصرار وطول انتظار ومحاولات عدة .. حلت المعجزة التي لم يتوقعهـــا أو يظنها قد تحدث لـــه .. إذ تمكــن أخيرا من تشغيل المركب , كان فرحا بشدة لم تسعفه الأرض على حملها .. كاد يطير مع الطيور المحلقة فوق رأسه , قد عزم على مغادرة الجزيرة في اليوم التالي .. مغادرة الجزيرة الملعونة التي يحيطها الشؤم من كل جوانبها .. الجزيرة التي سلبت عقل محبوبته .. الجزيرة التي خدعت معشوقته , الجزيرة التي سرقت منه زوجته , ذهب للنوم بعد ذلك المجهود الذي بذله حينما تأكد من نوم سحــر قبله .

وبعد أن أستفاق صباحا نشيط يشعر بالأمل الذي تحقق .. أخذ يستعد ويعد العدة جيدا لرحيله .. صعد المركب ونادى سحر وأمرها بالصعود معه ومرافقته للديار , ألا أنها ظلت متوقفة ولــم تركب , نظرت إليه للحظات ..طالعت بعدها الأرض لدقائق في صمت .. وسهيل يلح عليها بالصعود , بعد برهة من ذلك قالت له بصوت هادئ ونبرة وداع :
- أذهب أنت ..!

قال سهيل منصدما من جوابها :
- ماذا تعنين .. بأذهب أنت ؟
- هيا , هيا أركبي .. ألا تريدين رؤية والدتك في المنزل ؟

سحر بكت وأجابته :
- لا , لا أريد رؤية أحد .! مكاني هنا .. مكاني على هذه الجزيرة .. مكاني على هذه الأرض ولــن أغادرها ..!

ظل سهيل يلح عليها ويلح .. يصر عليها بالصعود , ألا أنها رفضت ذلك , فلم يعرف ماذا يفعل معها , وكيف يُقنعهـــا ؟

وبعدما أدرك بأنها لن ترافقه ولا تريد الرجوع , قـــرر مجبرا الرحيل وحيدا .. كان قرارً صعبا ألا أنه كالمــكره لا البطل حينها , حرك مركبه بالفعل وأبتعد عنها ينظر إليهـــا وهي الأخرى تنظر إليه وعينيهما تحكي اشياء واشياء .. لــم يجرؤ على التلويح لــها مودعا .. لــم يجرؤ على فعل ذلك .. وبعدما أبتعد مسافة عنها وهو مصوبا نظره نحوها وهي كذلك متوقفة تنظر إليه بكل براءة .. بدأت الدموع التي حاول أن يقاومها تُذرف من عينيه ولكنه لم يستطع , يهمس في نفسه :
- لا , لا .. لن أتركها .. لن أدعها لوحدها , أما والله قلبي لا يطاوعني على ذلك !

وبالفعل أستدار بالمركب ورجع إليهـــــا شوقً حتى وصل إلى شواطئ رمل الجزيرة , بينما سحر متوقفة تنظر إليه وكأنها تنتظره .. وحينما نزل من مركبه وأقترب منهــا , سألته :
- لـــما عدت ؟

أجابها سهيل بهدوء وأشتياق :
- لقد تذكرت شيئا ..!

سحر :
- وما ذاك ؟

سهيل :
- ليس هناك أحدا ينتظرنـــي .. فلمـــا ارجع !
- الفتاة التي أحبهـــا وتنتظرني حقا ولا أعرف طريقـــا لغيرها .. أنــها هنا .. هنــا تقف على هذه الأرض !


أقترب منهــا وأمسك بيدها وراح يسير معها في الجزيرة , قليلا ثم قال لـــــها :
- يبدو بأنك محقة فعلا , حينما قلتي "بأن قدرنـــا أن نعيش على هذه الجزيرة إلى الأبد".

رواية كتبتها قبل 5 سنوات


انسان بسيط غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس