عرض مشاركة واحدة
قديم 13-09-20, 10:12 PM   #121

may lu

كاتبة بمنتدى من وحي الاعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية may lu

? العضوٌ??? » 107341
?  التسِجيلٌ » Jan 2010
? مشَارَ?اتْي » 2,587
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » may lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


أغلقت راقية مصحفها ووضعته مكانه قبل أن تتحرك إلى فراشها .. تمددت فوقه بشرود يعاودها فور أن تنتهي من قراءتها للقرآن .. صلاتها ومصحفها فقط ما صار سلوانها في السنوات الأخيرة لكنّ عقلها يعود منتبهاً بعد غفوة ليلومها .. يخبرها أنّ الله لا يرضى عن هذا الهروب الذي لا زالت غارقة فيه كل هذه السنين .. غامت عيناها بالدموع وهي تتحسس رقبتها .. لكنّها ما عادت تملك أي قوة للمزيد من الحرب والمقاومة .. خسرت كل شيء مع خسارتها لأولادها الثلاثة واحداً بعد الآخر .. حرمها حتى من وداعهم .. حرمها من رؤيتهم سعداء في حياتهم .. الغصة في قلبها وروحها شديدة والهوة عميقة للغاية .. ذلك الألم الذي ينهشها في صحوها وليلها .. ضميرها الذي يؤنبها لأنّها تركت أحفادها يحاربون بمفردهم واستكانت لمهربها، لكنّها تعبت حقاً .. انكسرت ولم يعد في داخلها نفس .. يؤلمها ما حولها إليه .. حتى كراهيتها له ما عادت تشعر بها .. ما عادت تشعر سوى ذلك الخواء والألم .. أشباح أبنائها .. صوتها الذي ضاع يوم انتُزِع منها آخر ما كان يربطها بالحياة .. آخر أبنائها الذين كانوا تعويضها الوحيد في حياتها معه لكنّه لم يسمح لهم بالحرية ولا الحياة .. مدت يداً مرتجفة تخرج ألبوماً للصور من درج الجارور، بينما تفكر في سالم وعودته التي أخرجتها قليلاً من سكونها .. سالم حفيدها الأول وأكثر من خافت على مصيره الذي يعده له جده .. عرفت منذ لحظة حمله بين يديه، ومنحه اسمه .. عرفت أنّه وضع عليه آماله وينوي جعله نسخةً منه، وحاربته هي في صمت وجاهدت لتزرع فيه مبادئ أخرى غير التي كان يلقنه إياها، كما فعلت مع أبنائها قبله .. بذلت ما لديها لتغرس بعض المقاومة فيهم، علّهم ينجحون فيما فشلت فيه .. النجاة من أسرهم والتحرر محلقين بعيداً عن هذا السجن .. هل كانت هي السبب في موتهم؟ .. هل كان محقاً حين اتهمها أنّ أفكارها الحمقاء التي ربتهم عليها هي ما دفعتهم للتمرد الذي انتهى بموتهم؟ ... هزت رأسها نفياً بينما تفتح الألبوم بارتجاف .. لا، لم يكن ذنبها .. سالت دموعها وعيناها تمر على صورهم .. ابتساماتهم وهم صغار .. تلك الابتسامات التي بهتت مع كل سنة تمر، يكبرون فيها ليعرفوا الواقع من حولهم ويفهموا أنّهم مختلفون .. مقيدون .. يحكمهم أبٌ مسيطر قاس لا يعرف كيف يمنحهم العاطفة.
لامست وجه ابنها الأكبر يحيى .. أول فرحتها ونسمة الرحمة التي امتدت من القدر لتمنحها بعض السعادة .. بقدر الكراهية التي حملتها لأبيه، بقدر ما أحبته هو وتمنت لو تبعده عن قسوة والده وتربيه على الحب والرحمة.
انتقلت عيناها بعد ثوان لابنها الثاني وتجدد الوجع على مصيره هو وأسرته .. عامر .. هل هي من أوصلته لنهايته أيضاً؟ .. لم يبق منه سوى ذكرى واحدة .. إيهاب .. حفيدها الذي كادت تخسره هو الآخر ومع ذلك ها هي الآن عاجزة عن مواجهته لأنّها كلما رأته تذكرت مصيبتها في ابنها .. تذكرت ذنبها وعجزها عن إنقاذه وأسرته.
ضمت الألبوم إلى صدرها ودموعها تسيل في صمت قبل أن تبعده بعد برهة لتنظر لحسرة قلبها وآخر عنقودها التي رحلت في زهرة شبابها .. حسناء .. ابنتها التي كسرتها بموتها، ولم تترك من خلفها ذكرى تصبرها على وداعها المبكر.
"آه يا راقية آه .. ليتكِ متِ قبل هذا وكنتِ نسياً منسياً"
همست داخلها وهي تبكي بحرارة .. ليتها ماتت قبلهم … بل ليتها ماتت قبل أن تُزف على ابن المنصوري الذي سرق حياتها وحريتها وآمالها
"خسرتِ يا راقية .. خسرتِ وانتصر عليكِ ابن المنصوري في النهاية .. انتصر وحطم غروركِ وكسر روحكِ"
واصلت داخلها بمرارة وعادت تنظر لصور أبنائها قبل أن يقاطع خلوتها طرقات هادئة على الباب .. سجنها الذي اختارته طوعاً قبل أن يكون أمراً من زوجها
"جدتي .. أنتِ مستيقظة؟"
سمعت صوت سالم وخفق قلبها براحة لم تزرها لسنين .. راحة لم تعرفها إلا حين عاد، وشعرت ببعض القوة تعاودها.
"جدتي سأدخل"
ردد مجدداً مدركاً عجزها عن إجابته فأسرعت تمسح دموعها وتضع الألبوم أسفل وسادتها .. انفتح الباب بعد لحظات وأطل سالم بابتسامته التي خففت آلامها قليلاً
"حمداً لله أنتِ مستيقظة"
ابتسمت عيناها وحدهما، فشفتاها تجمدتا منذ عقود وحرمت عليهما الابتسام .. اقترب سالم ليجلس جوارها ومال مقبلاً جبينها بحب، شاعراً بالراحة لأنّه بدأ يلمس منها تفاعلاً يتزايد كل يوم.
"كيف حالكِ اليوم؟"
تنهدت وهي تربت على خده بينما نظر هو بقلق إلى عينيها
"هل كنتِ تبكين جدتي؟"
قاومت حتى لا تغلبها الدموع ورمقته في صمت مؤلم .. زفر بحرارة واقترب يضمها إليه
"أنا آسف .. ليت بيدي أن أمسح السنين التي رحلتها وتركتكم بمفردكم .. ليتني لم أرحل جدتي .. كان يمكن أن يتغير الكثير"
رفعت يدها تربت على قلبه تخبره أنّه ليس ذنبه .. هو قدرهم جميعاً .. لا زالت تذكر تلك الليلة التي أتى ليودعها ويخبرها معتذراً أنّه سيغادر هذا السجن ولن يعود مطلقاً .. لم تستطع الرد عليه لكنّ قلبها باركه ودعا له .. كيف تلومه وهي من دفعت أولادها من قبله للهرب من جحيمهم لكنّهم جميعاً عادوا لها موتى .. خشيت لحظتها أن ينكسر سالم ويعود مرغماً كما فعل أبوه من قبل .. يحيى الذي تمرد ليعود بعدها راضخاً مكسوراً متوسلاً ليقضي ما تبقى من عمره حزيناً ذاوياً حتى لحق بأخويه.
"هل تذكرين رواء يا جدتي؟"
انتبهت على صوت سالم الذي أبعدها ليضع رأسه على صدرها وارتجف قلبها لأجله بينمل تضمه برفق .. بالطبع تذكرها فقد أراها صورتها قديماً وكان يقص عليها في عزلتها الانفرادية كل شيء عنها، رغم عدم تجاوبها معه لكنها كانت تسمعه وتشعر به .. سعادته كانت تخيفها وقلبها يعرف جيداً ما سيكون مصير تلك السعادة عندما يكتشفها جده
"لم أخبركِ أنني التقيتها مجدداً .. حين جئت لأودعكِ أخبرتكِ أنني انتزعتها من قلبي، أليس كذلك؟"
صمت لحظة قبل أن يكمل بتحشرج
"اكتشفت أنني كنت مخطئاً جدتي .. حين رأيتها عاد حبها ليحتل روحي في لحظة كأنّه لم يغادرني .. شعرت أنني لم أرحل ولم نفترق لحظة"
رفعت يدها المرتجفة ومسحت على شعره بينما يواصل
"لكنّها عادت في أسوأ وقت جدتي .. والأسوأ أنّها عادت كارهة .. عيناها صارتا باردتين قاسيتين .. لم أعد أر لمحة من رواء التي أحببتها .. لم أعد أر حبها في عينيها"
وزفر بحرقة ثم غمغم والدموع تحرق عينيه
"أنا عاجز .. لم أشعر بهذا العجز في حياتي سوى تلك الليلة التي زُفت فيها لغيري"
واصلت مسحها على شعره ودموعها تسيل بألم بينما قلبها يصب لعناته على من كان السبب
"ماذا أفعل؟ .. والدها يرفض لقائي وأعرف أنّه يحملني ذنب ما أصابها .. هي نفسها تكره رؤيتي .. جدي عرف بلقائنا وأعرف أنّه سيقلب الطاولة عليّ قريباً"
رفع رأسه بعد لحظات ناظراً لها بحزم استعاده سريعاً
"لكنني لن أسمح له بانتزاعها مني مرة أخرى .. سأفعل ما يلزم لاستعادتها"
رفعت كفيها تحتضن وجهه ونظرت في عمق عينيه قبل أن تومئ له بدعم صامت وعيناها تلمعان بالدموع، وقلبها يدعو له رغم خوفه مما تعرف أن زوجها قادر على فعله .. لم يشفق لحظة وهو ينتزع منه حبه كما فعل من قبل مع أبيه يحيى، حين أبعده عن الفتاة التي يحبها وزوجه لسمية محطماً ثلاثة قلوب بريئة بضربة واحدة.
سالم الكبير سيفعل ما يلزم حتى لا يرى قصة حب واحدة في هذا البيت الذي أحاطته لعنة المنصوري منذ دهرٍ طويل.
اللعنة التي تُحرِم الحب وتحكم بالموت على كل من سعى إليه.
******************
عقدت تارا رباط روبها المنزلي وهي تتطلع لوجهها الشاحب عبر المرآة .. نظرت للهالات التي تجمعت أسفل عينيها وشتمت نفسها .. ما الذي تفعله بنفسها؟ .. لقد نسفت بحماقة الجدار الهائل الذي بنته واحتمت خلفه لسنوات .. سقط قناعها ورجعت مرة أخرى للصفر بل ربما أبعد .. تنهدت وهي تتحرك لترمي جسدها على حافة الفراش تتطلع نحو غرفة أسامة بشرود .. آه لو تستطيع أن تذهب وتخبره بكل ما يؤرقها .. ليتهما على الأقل استطاعا إيجاد نقطة مشتركة ليصبحا صديقين بدلًا من حياتهما البائسة هذا .. دمعت عيناها وهي تفكر .. هي من أفسدت تلك الفرصة .. لو أنّها لم تضعف وتستسلم لوسوسات أمها وكلامها اللاذع .. إحساسها المرير أنّها فاشلة مهما فعلت والدليل أنّها لم تنجح في الحصول على حب زوجها .. مضت ست أشهر على زواجهما ولم يقربها .. هي نفسها بعد ليلة زفافهما وبعد أن تدوات كرامتها المجروحة وتركت عقلها يفكر لأول مرة بحكمة منذ هجرها إيهاب .. عرفت أنّ قلبها لم يتأثر برفض أسامة، بل ربما تصرفه أراحها كثيرًا، حتى عادت أمها لتضغط على عقدها بكل قسوة .. أسامة مد يده لها بالصداقة وكان يمكنهما أن يتقدما .. ربما وجدا فرصة ليحبا بعضهما وينسى كل منهما ماضيه، لكنّها أفسدت كل شيء بضعفها أمام أمها .. برغبتها المستميتة لتنال رضاها ولتثبت لنفسها أنّها ليست فاشلة كما تتهمها دوماً.
لا زالت تتذكر صباح زواجهما بعد ليلة قضتها ساهدة تبكي .. نهضت بحزم عازمة على التحدث معه وإخباره أنّها تريد الطلاق .. كانت حمقاء ساذجة .. لم تفكر وقتها فيما سيقوله الناس عنها لكنّها كانت مجروحة بشدة منه ومن نفسها وحماقتها … خرجت لتجده نائماً على الأريكة .. رمقته بحقد وهي تراه ينام في سلام لم تحصل عليه هي لدقيقة .. رمى الحقيقة التي حطمت صورتها أمام نفسها وحرمتها النوم ثم ذهب لينام بعمق .. اقتربت وهي تنوي إيقاظه بعنف لكنّها توقفت على بعد خطوة حين لمحت ملامحه المنقبضة بعذاب شديد وسمعت همساته المتألمة .. كان يحلم وكان يتألم .. مثلها
"أنا آسف"
لوهلة تشتت بين شعور بالشماتة والشفقة عليه .. عادت لغرفتها وقررت انتظار أن يأتي ليتحدث معها كما وعدها .. غيرت فستانها ومسحت زينتها الفاسدة وارتدت ثوباً محتشماً ووضعت قناعاً من القوة والبأس وانتظرت حتى طرق الباب يسألها إن كانت مستيقظة .. نهضت لتفتح ووجدته واقفاً بوجه أشاحه بخجل متحاشياً النظر إليها قبل أن يتمتم
"صباح الخير .. أنا أعتذر لكن .. أردت التحدث معكِ قبل أن ننزل لمقابلة العائلة"
أومأت وهي ترمقه بجمود قبل أن تتقدم لتغادر الغرفة وتغلق بابها في رسالة صامتة أنّها من اللحظة تضع حداً فاصلاً بينهما .. تحركت معه إلى الخارج، وجلست على المقعد المقابل للأريكة التي جلس هو عليها صامتاً مطرقاً فهمست بخشونة
"قل ما عندك"
رفع رأسه مجفلاً ونظر لها بندم وصمت كأنما يبحث عن كلمات
"أولاً .. أعتذر بشدة عن تصرفي أمس"
ابتسمت بسخرية
"أي تصرف؟ .. تقصد عندما رميت في وجهي بحقيقة حبك لامرأة أخرى متغافلاً عن شعوري كعروس سعيدة في ليلة عمرها؟"
أطرق مغطياً وجهه بكفه قبل أن يزفر بتعب
"آسف حقاً .. كان اختياري للتوقيت سيئاً لكن .. اعذريني .. أنا حقاً .."
صمت لحظة قبل أن ينظر إليها بعينين غارقتين بالندم
"صدقيني .. خرج الأمر عن يدي .. حاولت أكثر من مرة الاعتراف لكِ .. أقسم حاولت لكن لم يكن بيدي .. كنت مجبراً .. عندما أصبحنا بمفردنا أمس .. شعرت أنني سأنفجر إن لم أعترف .. شعرت بهذه الجدران تطبق عليّ ولم أعد أطيق نفسي"
قبضت كفيها في حجرها وهي تستمع له بجمود بينما يردف
"صدقيني تارا .. أنا أتعذب مثلكِ تماماً، ربما أكثر .. لأنني أنا النذل هنا .. أنا الجبان الذي لم يستطع مواجهة جده، لكن المواجهة كانت ستكلفني أغلى ما لدي .. كنت سأموت وقتها"
نقمتها عليه في تلك اللحظة جعلت شفقتها عليه تتضاءل لتهمس
"فقلت تضحي بي أنا وتقتلني"
"لا والله .. أقسم لكِ حاولت كثيرًا، لكن لم يكن لدي أي خيار .. تارا"
ناداها برفق قبل أن ينهض ويتجه نحوها .. تفاجأت به يجلس أمامها على إحدى ركبتيه ناظراً لها بتوسل
"هل في أي يومٍ من خطبتنا أعطيتكِ إشارة واحدة أنني معجبٌ أو راضٍ عن خطبتنا؟ .. هل حاولت الاقتراب منكِ وإزالة الحاجز بيننا؟"
نظرت له بحيرة بينما عقلها يجمع الخيوط معترفاً
"بالعكس .. كنت رسمياً وجافاً في معاملتي، لم أتصرف يوماً كخاطب يميل لمخطوبته .. لا أدري كيف لم تشكي ولم تشعري بوجود خطأ .. كيف استمريت مع رجل مثلي لا تشعرين حتى بإعجابه؟"
تخبطت أمامه بضياع .. لوهلة بدت لها فترة خطبتها مشوشة وبعيدة .. انتبهت على صوته يهمس بخفوت
"ليست المشكلة بكِ تارا .. أنتِ فتاة جميلة جداً ورائعة .. أي رجل سيكون محظوظاً أن تكوني زوجتكِ"
أحرقت الدموع عينيها وهي تنظر إليه بينما يتابع
"ربما لو لم يكن قلبي مشغولاً لما ترددت لحظة في التقدم لخطبتكِ وكنت سأعتبر نفسي محظوظاً إن قبلتِ"
أغمضت عينيها تمنع دموعها بصعوبة
"سأفعل كل ما يرضيكِ تارا .. فقط دعينا نتجاوز هذا معاً"
حاولت التفكير فيما كانت أمها ستفعل لو كانت في موقفها، ثم فكرت بهلع فيما ستقوله إن عرفت بما حدث .. بالتأكيد ستتهمها أنّها من فشلت في جذبه إليها .. لا .. لن تستمر في هذا فقط خوفًا من أمها .. رفعت رأسها تقاطعه حديثه بجمود
"طلقني أسامة .. أنا أريد الطلاق"
رفع رأسه مجفلاً قبل أن يهمس
"سأفعل كل ما تطلبينه تارا"
سقط قلبها مصدوماً .. هكذا ببساطة .. لن يحاول حتى مد يده ربما وجدا فرصة لـ .. لأي شيء؟ .. هل هي حمقاء لتغرق نفسها أكثر في هذا الوضع البائس؟
"لكن لا يمكنني الآن"
قطبت مع كلماته وهتفت بحنق
"لماذا؟"
"سننتظر بضع أشهر .. لا يمكننا الطلاق الآن تارا من أجلكِ"
"حقاً؟ .. لأجلي؟ .. شكراً لاهتمامك"
أخبرته ساخرة فتنهد بتعب قبل أن يمد كفه يمسك يدها برفق .. حاولت انتزاعها لكنّه منعها وهو يقول
"مهما كان ظنكِ بي تارا .. أنا أهتم فعلاً .. لا يمكنني أن أعرضكِ لأقاويل الناس .. يكفي أنانيتي معكِ وتوريطي لكِ .. لن أؤذيكِ أكثر"
ضغطت على فكها وتمتمت بألم
"لقد آذيتني وانتهى الأمر"
أطرق بندم واضح قبل أن ينظر لها وضغط يدها قائلاً برجاء
"سأفعل كل ما يلزم لأكفر عن ذنبي في حقكِ .. فقط .. تحملي هذا الوضع قليلاً وأعدكِ لن أزعجكِ أبدًا .. سأعوضكِ تارا، فقط احتملي معي"
سحبت يدها منه ونهضت مغمغمة بخفوت
"أنا متعبة وأحتاج للراحة"
اعترض طريقها قائلاً
"سأترككِ لترتاحي وفكري كما تريدين لكن .. أريدكِ أن تعرفي شيئاً واحداً"
نظرت له بتساؤل حزين فعاد يلتقط يدها مبتسماً بحزن مماثل
"ربما ليس لي الحق في طلب هذا لكن .. أتمنى حقاً أن تعتبريني صديقكِ خلال هذه الفترة التي سنقضيها معاً .. دعينا لا نقضيها في توتر وكراهية لبعضنا .. دعينا نفترق صديقين عزيزين"
نظرت في عمق عينيه ورأت صدق كلماته، فلم تجد بُداً من هز رأسها .. كانت متعبة لتفكر أكثر في الأمر .. بعدها تركته متحركة إلى الغرفة بشتات واستلقت على الفراش لتغرق في نومٍ عميق شاعرة ببعض الراحة رغم كل شيء.

رنين الهاتف أيقظ تارا من ذكرياتها فنهضت ببطء تلتقطه .. جلست على المقعد القريب من شرفتها المفتوحة بينما تنظر لرقم جيلان
"مرحباً جيلان"
أجابت المكالمة وابتسمت بشحوب عندما أتاها صوت جيلان بصخبها المعتاد
"مرحباً تارا .. هل أيقظتكِ"
"لا .. أنا مستيقظة لا تقلقي"
تنهدت جيلان قبل أن تقول بمرح
"لم أصدق حين وجدت رسالتكِ المسجلة واتصلت بكِ دون تفكير"
ابتسمت وهي تستمع لها في صمت
"اعتذر لكنني عدت لتوي من السفر .. لم أستطع تلقي اتصالاتكما أنتِ وإيهاب"
اهتز قلبها بعنف مع ذكره بينما تستعيد مواجهتهما الأخيرة وانهيارها الأحمق ورد فعله .. سمعت جيلان تواصل
"أبلغيه اعتذاري .. أهو بجواركِ؟"
لم تجد صوتها لترد بينما قالت جيلان بخبث بعد ثوان
"هل هو نائم؟ .. لا أصدق أنّه يترككِ تسهرين بمفردكِ .. هل الزواج يقضي على الرومانسية حقاً؟"
لم تستطع السكوت أكثر وأسرعت تقاطع ثرثرتها المعتادة مرددة
"هذا ما اتصلت بكِ من أجله جيلان"
ضحكت قائلة
"ماذا؟ .. اتصلتِ لتشتكي منه؟ .. أنتِ قلقة أنّه لم يعد يحبكِ كالسابق"
فتحت فمها لتعترض حين قالت جيلان ضاحكة
"لا تقلقي .. ما رأيته في عينيه يقول أنّ عشقه لكِ أصبح أكبر بكثير من السابق"
ارتعد قلبها بصدمة وارتجفت
"نظراته لكِ تفضحه تماماً يا تارا .. أنتِ محظوظة يا فتاة"
دمعت عيناها وشعرت باختناق شديد فأسرعت تقول
"جيلان .. اسمعيني لحظة أرجوكِ"
"نعم حبيبتي"
تنفست بعمق ثم قالت
"هل يمكن أن نلتقي غداً إن كنتِ متفرغة؟"
صمتت جيلان وقد التقطت نبرتها الغريبة ثم قالت
"طبعاً يا تارا .. ما الأمر؟ .. كل شيء بخير معكِ؟"
"نعم لا تقلقي .. أريدكِ في أمر مهم ولا يمكنني إخباركِ على الهاتف"
وصلها صوتها بعد ثوان
"حسناً .. كما تريدين .. أنا لدي موعد غداً في نادي (....) يمكننا اللقاء بعده"
أسرعت بالموافقة واستمعت لها تخبرها بموعد لقائهما قبل أن تودعها متمنية لها ليلة سعيدة .. أغلقت الهاتف وتمتمت بحزن وهي تنظر خارجاً نحو السماء
"ليلة سعيدة لكِ جيلان أما أنا .. فلا أظن"
أرجعت ظهرها مسترخية في كرسيها لتشرد تماماً في ذكرياتها غافلة عن ابنتها الواقفة عند الباب ترمقها بحزن.
******************
تراجعت لي لي مغلقة الباب بهدوء وأسرعت تغادر جناح والديها .. لقد طرقت باب الغرفة لكنّ أمها لم تسمعها .. ظنتها نائمة لكنّها كانت مستيقظة، ولم ترد عليها حين نادتها والطريقة التي كانت تنظر بها للسماء بحزن كما يفعل والدها كثيراً جعلتها تعرف أنّها حزينة .. تحركت مطرقة بعينين دامعتين عائدة لغرفتها قبل أن تتوقف .. لمعت عيناها وفرقعت إصبعيها هاتفة بحماس
"نعم .. ستفرح هكذا"
أسرعت تجري نحو السلالم في طريقها للمطبخ وتقافزت مرددة نغمات أغنية أطفال تحبها .. توقفت عندما لمحت خيالاً مألوفاً يتجه للجهة الأخرى من السراي
"عمو سالم!"
أسرعت خلفه هاتفة اسمه لكنّه لم يسمعها .. توقفت بتردد حين أدركت أنّه يذهب للمنطقة المحرمة كما أطلقت عليها بعد أن كادت تتسلل إلى هناك يوماً وعنفها جدها بقسوة .. أطرقت بحزن .. لقد بكت كثيراً يومها ولا تعرف لماذا منعها، لكنّها أصبحت تخاف الذهاب إلى هناك، وعقلها أبدع في ابتكار خيالات مخيفة بخصوصها .. لكن .. لماذا لا تلحق بعمها الآن؟ .. لن يحدث شيء ولن يعنفها .. إنّه يحبها كثيراً .. تحركت خطوة ثم توقفت مفكرة .. لا يمكنها .. أمها تحتاجها الآن .. أسرعت تكمل طريقها لأسفل ولمعت عيناها فجأة حين لمحت مديرة المنزل تمر خلال الردهة فهتفت وهي تقفز آخر درجة
"دادة إحسان"
التفتت لها المرأة بحيرة
"لي لي .. لماذا لا زلتِ مستيقظة؟"
أسرعت إليها وأمسكت كفها قائلة برجاء طفولي
"دادة إحسان .. ماما تشعر بالتعب ولا تستطيع النوم .. هل يمكنك صنع الهوت شوكليت الذي تحبه وترسليه لها؟"
ابتسمت بحنان وربتت على شعرها
"طبعاً حبيبتي .. اذهبي أنتِ وأنا سأحضره لها في الحال"
قفزت بمرح وابتسامة واسعة
"شكراً لكِ .. أنا أحبكِ كثيراً"
تابعتها إحسان بابتسامة حانية بينما أسرعت لي لي عائدة إلى الطابق العلوي .. عادت لترددها تنظر إلى الاتجاه الذي اختفى فيه سالم .. حسمت ترددها وأسرعت تلحق به .. توقفت بعد لحظات في الرواق الطويل شبه المعتم لا تعرف أين تتجه وانتابها الخوف
"عمو سالم .. عمو أين ذهبت؟"
همست بخوف وهي تتحرك ببطء وعيناها تبحثان عنه .. لمحت نورًا يتسلل من فتحة صغيرة لأحد الأبواب فأسرعت إليه وهي تهمس
"عمو سالم؟"
توقفت عند الغرفة وتراجع الخوف مفسحاً مجالاً لفضولها غير المحدود .. نظرت عبر الفرجة الصغيرة وهي تهمس لنفسها بلوم
"ماما ستغضب منكِ .. قالت عيب أن نفعل هذا"
كادت تتراجع لكنّ عينيها الصغيرتين لمحتا فجأة حركة بالداخل .. تراجعت خطوة قبل أن تلمح ذلك الجسد يتحرك بتوتر في الغرفة قبل أن يجلس على الفراش .. اقتربت بفضول أكبر وعيناها معلقتان بالفتاة التي جلست مطرقة تحيط ساقيها المضمومتين إليها بذراعيها وتبدأ في الاهتزاز للأمام والخلف .. لم تنتبه لخطواتها والتصاقها الشديد بالباب لتجد نفسها في لحظة تتعثر مندفعة للداخل .. اندفعت بضع خطوات قبل أن تتمالك نفسها قبل السقوط، بينما رفعت فلك رأسها مجفلة .. تراجعت بعينين متسعتين وخوف لحظي قبل أن تهدأ وتحدق بذهول في الجسد الصغير الذي اقتحم خلوتها .. رفعت لي لي رأسها متمتمة بوجه محمر وضحكة شقية
"أنا آسفة .. لم أقصد أن .."
توقفت عن الكلام وهي تحدق في وجهها بانبهار واقتربت دون خوف من فلك المتجمدة بصدمة
"واو .. أنتِ تشبهين تلك الفتاة في فيلم الكرتون"
رمشت فلك وهي لا زالت تحدق فيها بدهشة بينما قفزت لي لي إلى الفراش دون دعوة أو شعور بالحرج
"شعركِ أسود ناعم وقصير مثلها"
تراجعت فلك بحدة عندما رفعت يدها تنوي لمس شعرها فخفضتها بسرعة
"آسفة .. لكن شعركِ جميل جداً"
استكانت فلك تنظر لها ملياً ومدت يدها تلمس شعر لي لي الطويل الذي يشبه سنابل القمح فضحكت لي لي معتبرة أنّها إشارة لقبولها
"أنتِ جميلة جداً"
أخبرتها مبتسمة وهي تنظر لوجهها .. دمعت عينا فلك وهي تتأملها، بينما براءة لي لي تعيدها إلى فلك الصغيرة التي ضاعت وتحطمت .. يوماً ما كانت مثلها .. رغم أنّها كانت صغيرة لكنّها تتذكر يوم ألقتها أمها بقسوة في هذا البيت وتركتها للأبد .. سمعت لي لي تشهق فجأة قائلة بجزع
"هل سقطتِ وآذيتِ نفسكِ؟"
انتفض قلبها حين لمست فلك جرح خدها، وعادت تتراجع بشحوب وعيناها متسعتان عن آخرهما بألم ورفعت كفها تخفي جرحها .. تراجعت لي لي بارتباك وخوف قبل أن تتمالك نفسها وتقول
"أنا أيضاً سقطت وجرحت نفسي وظللت أبكي .. انظري أنا أيضاً لدي واحد"
قالتها وهي ترفع ساق بنطالها لتكشف عن الجرح الصغير في ساقها وعادت تخفضها متمتمة
"لكن ماما قالت أنّه سيختفي بعد فترة"
ونظرت لجرح فلك مواصلة باهتمام
"لا تخافي .. سيختفي جرحكِ أنتِ أيضاً"
ارتجفت شفتاها بألم .. من قال هذا؟ .. جرحها لن يشفى أبداً لا الذي شوه بشرتها ولا الذي انحفر في روحها .. لم تدر أنّ دموعها بدأت تسيل في صمت إلا حين هتفت لي لي
"لماذا تبكين؟"
حدقت فيه عاجزة عن التوقف وبدأت دموعها تسيل أكثر .. رؤيتها لها جعلتها تفتقد فلك الصغيرة .. تفتقد نفسها بشدة .. ازدادت حرقة بكائها فارتبكت لي لي ودمعت عيناها بالمثل وتحشرج صوتها
"لا تبكي .. أنا لم أقصد أن أحزنكِ .. أنا آسفة"
حاولت التوقف لتخبرها لكنّها شهقت ببكائها أكثر واهتز جسدها بالبكاء فلم تتمالك لي لي نفسها وانفجرت باكية هي الأخرى
"ماذا يحدث؟"
قاطعهما الصوت الملهوف ولم تتوقف إحداهما عن البكاء بينما اندفع سالم إلى الغرفة هاتفاً بجزع
"لي لي .. فلك .. لماذا تبكيان؟"
نهضت لي لي واندفعت إليه وهي تبكي بحرقة .. التقطها بين ذراعيه واحتضنها قائلاً
"لا تبكي حبيبتي .. ماذا حدث؟"
وانتبه أخيراً للوضع ونظر لفلك هاتفاً
"فلك .. ماذا تفعلين هنا؟ ولماذا تبكيان هكذا؟"
شهقت لي لي بالبكاء وهي تتعلق بعنقه
"أنا لم أفعل شيئاً .. هي بكت لوحدها .. لم أفعل شيئاً يا عمو .. والله"
ربت على ظهرها بحب
"أعرف حبيبتي .. اهدأي"
واقترب من فلك التي مزقت قلبه ببكائها الحارق
"لوكا .. ما الأمر حبيبتي؟ .. اهدأي لأعرف ماذا بكِ؟"
استمرت في البكاء فجلس على طرف الفراش حاملاً لي لي التي أبعدها قليلاً ومسح دموعها بحنان
"أخبريني أنتِ لي لي .. ماذا حدث؟"
أخبرته بشهقات متقطعة ما حدث منذ رأته يتجه إلى هنا وحتى بكت فلك فجأة واستمع لها بأسى قبل أن يحتضنها ومد يده يمسح على شعر فلك
"أنا هنا لوكا .. لا تبكي حبيبتي"
رفع وجهها إليه بالقوة يسألها بلوم
"لماذا عدتِ إلى هنا فلك؟ .. ألم أطلب منكِ البقاء في غرفتكِ؟"
هزت رأسها نفيًا بتوسل بينما صمتت لي لي تماماً تنظر لهما بفضول
"فلك .. لقد وعدتكِ .. لن يحدث لكِ شيء .. لن أسمح لجدي بإرسالكِ لأي مكان"
بدأ بكاؤها يهدأ ومسح هو دموعها قبل أن ينتبه لنظرات لي لي إليها فالتفت يخبرها بحنان
"هل تعرفين من هذه لي لي؟"
أسندت رأسها لصدره وتشبثت به في خجل طفولي وهي تهز رأسها نفيًا .. تنهد بحسرة .. لهذه الدرجة تشتت أسرته .. لهذه الدرجة حكم جده على ابنته بالعزلة عن الجميع .. قاوم مشاعره وقال مبتسماً
"هذه العمة فلك"
رددت الاسم بخفوت قبل أن تبتسم وتقول
"هل هي مثل نيرو؟ .. أختك أنت وبابا؟"
صمت مفكرًا ثم ابتسم
"مممم .. تقريبًا"
رمقته بحيرة بينما قال محدثاً فلك
"لوكا حبيبتي .. هذه الشقية الفضولية هي أميرتنا الصغيرة لي لي"
نظرت لها فلك ملياً
"إنّها ابنة أسامة"
ابتسمت فلك أخيراً لتتخلى لي لي عن خوفها وارتباكها وعاودتها شقاوتها فهمست
"هل هي لوكا أم فلك؟"
قرص وجنتها قائلاً
"فلك وأنا أدللها لوكا يا شقية"
لمعت عيناها بشقاوة
"أنا أيضاً سأناديها لوكا"
ضحك وهو يقرص وجنتها مجدداً
"لا فائدة فيكِ يا بنت أسامة"
تحركت من فوق ساقيه واقتربت من فلك بحذر والأخيرة ترمقها بدهشة لتتراجع شاهقة حين ارتمت لي لي متعلقة بعنقها
"آسفة لأنني جعلتكِ تبكين لوكا .. لا تغضبي مني"
تصلبت ذراعا فلك في الهواء بصدمة بينما تنظر لسالم بعجز وابتسم هو متابعًا ما تفعله لي لي .. ربما هذه الصغيرة ما تحتاجه فلك الآن .. لمحها تضم ذراعيها أخيرًا على جسد الصغيرة وتبادلها حضنها، تغمض عينيها وخيطان من الدموع انسابا على خديها فيما ابتسامة راحة زارت شفتيها أخيرًا ليتأكد من ظنه .. مد يديه يمسح على رأسيهما بحنان محدثاً نفسه .. خطوة خطوة ستغادر فلك شرنقتها وتعود لتتفاعل مع الجميع وعندها سيكون شفاؤها سهلاً ولن يمضي وقت طويل حتى تعود كما كانت.
******************




may lu غير متواجد حالياً  
التوقيع