عرض مشاركة واحدة
قديم 15-09-20, 05:52 PM   #301

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي


جلس بمكتب سليم الجديد حيث صحبه نادر ليبارك إليه بدأ عمله ، فلم يقابل أيا من المتواجدين والذين علم بوجودهم من نادر الذي أخذ يثرثر إليه بعفوية أتقنها عفوية لم تنطلي عليه وهو يعلم جيدا أن نادر دعاه لرأب الصدع الذي حدث بينه وبين حبيبة ، حبيبة التي لم تكلف نفسها عناء استقباله أو الترحيب به أو حتى التواجد لتمنحه الفرصة أن يبادر هو بمصالحتها ، عبس بتفكير وكبرياءه يحضر بقوة وهو يتساءل " لماذا عليه هو أن يقوم بمصالحتها ؟ لماذا عليه أن يبادر هو دائما ؟ لماذا عليه أن يلهث من خلفها ؟ أليس من المفترض أنهما اجتازا تلك الأمور وأصبحا الاثنين سويا متفاهمان .. متناغمان .. مكتملان ببعضهما معا ؟ "
انتبه من أفكاره على صوت سليم الجالس بجواره والذي استقبله بعبوس لم يغفل عنه عمر ولكنه آثر الصمت إلى أن أنصرف نادر وتركهما بمفردها وهو يعلم جيدا أن سليم سيتحدث معه عم حدث بينه وبين شقيقته ، ابتسم بسخرية حينما صدح صوت سليم سائلا بجدية وعبوسه يعتلي محياه : ماذا يحدث بينك و بين حبيبة يا عمر؟
زم عمر شفتيه قبل أن يجيب باقتضاب : ألم تسألها يا سليم؟
أجاب سليم بعنفوان : بلى سألتها و لكني أريد أن أستمع إليك، فأنا أريد أن أفهم ما الذي حدث لتغلق الهاتف بوجه شقيقتي؟
إربد وجه عمر بغضب نادرا ما يظهر عليه ليجيب بحدة : و هل اشتكت إليك حبيبة دون أن تخبرك عم فعلته معي ؟
تنفس سليم بعمق ليجيب بتروي وهو يلتقط غضب عمر: بل هي لم تشكو لي ، تابع باستفاضة حينما نظر إليه عمر باهتمام - لقد وجدتها مصدومة فسألتها عن السبب ، فأجابتني بعفوية عن كونك أغلقت الهاتف بوجهها.
قاطعه عمر بصوت جليدي غاضب : و لم تخبرك أنها تتجاهلني و لا تهتم برسائلي ، بل إنها تحججت بانشغالها معك حتى لا تنتقي أثاث بيتها ؟ أربد بحدة ومضت بعينيه - هل رأيت من قبل عروس لا تشارك في تأثيث بيتها .. مملكتها ؟
زفر سليم بقوة ليقترب من عمر هاتفا بدعم : اهدأ يا عمر.
أشاح عمر برأسه غاضبا فأتبع سليم : أنت تعلم كل شيء عن حبيبة يا عمر ، تتذكر حينما تحدثت معي بشأنها ، ماذا أخبرتك ؟
مط عمر شفتيه ليجيب باختناق : أتذكر كل شيء يا سليم ، و لكن كل ما أخبرتني عنه تجاوزته أنا مع حبيبة ، ما تفعله حبيبة - الآن - غير مفهوم لي، فأنا لا أدرك ما الذي يخيفها و كيف أُجابه هذا الخوف و أقضي عليه.
اهتزت حدقتيه بحيرة حقيقيه : أنا بالفعل لا أفهم ما الذي يخيفها لهذه الدرجة؟! ألم أستطع أن أكسب ثقتها ؟! أم لم أستطع أن أكسب احترام عقلها ؟ صمت و الحزن يحني عنقه ليتبع بصوت محشرج - أم لم أستطع الوصول لقلبها ؟
رفع عيناه لسليم وهمس بإقرار : أنا أحببت حبيبة يا سليم، منذ أن رأيتها معك في تلك المرة الأولى التي صحبتها للجامعة ، شغلت عيناي فجذبتني نحوها ، وجدتني أفكر بها و حاولت أن أتقرب منها في حدود صداقتي لك و معرفتنا طوال سنوات دراستها ، لطالما خطوات معها بحذر.. بتمهل.. بتروي ، وحينما أدركت بأنها استولت على قلبي أخبرتك بنيتي في الارتباط بها، فليس أنا الرجل الذي أخفي على صديقي مشاعري التي تتحرك نحو شقيقته ، أنا لست متلاعبا و لست خائنا ، لم أخبرك بأني أحبها وأن قلبي يقودني نحوها بقوة بل أخبرتك بإعجابي بها لأجل أن لا أثير حفيظتك ويشهد الله لقد احترمت بك أنك كنت متفهما.. واعيا.. مدركا و ساعدتني لأقترب منها ، بل أرشدتني لبداية الطريق لأكمله أنا بأسلوبي ، لقد فعلت كل شيء أقوى عليه معها حتى أصل إليها.. أمتلك قلبها.. أشغل عقلها و لكن حبيبة تضن علي بنذر يسير من مشاعرها ، حبيبة تتكتم مشاعرها نحوي بخوف.. بقلق .. بريبة لا أستطيع طردهم من عمق روحها مهما حاولت.
صمت ليتنفس بعمق قبل أن يتحدث بإقرار واقعي يكاد أن يؤمن به : لقد فكرت كثيرا في أمرنا سويا و توصلت أن سبب هذا الخوف .. القلق .. الريبة هو عدم حبها لي ، فلو تحركت مشاعرها نحوي.. لو أنشغل قلبها بي.. لو تلهفت روحها لوجودي لما تماوجت مشاعرها السلبية بهذه الطريقة داخلها .
أطبق فكيه بألم شعره سليم ، ليتابع بصوت مختنق : حبيبة لم تحبني يا سليم، أنا لم أستطع النفاذ لها.. لم أكن جيدا بطريقة كافية - من وجهة نظرها - لتمنحني قلبها.. روحها .. نفسها، لذا لا تريد إتمام الزواج ، بل تؤجل الزفاف و لا تهتم بعش الزوجية الذي من المفترض تتشاجر معي لتؤثثه على ذوقها.
تغضن جبين سليم بحزن و آثر الصمت معلنا عن حيرته هو الآخر، بل شاعرا بالشفقة و الحزن على حال صديقه ، لينتبها سويا على صوتها المتهدج ببكاء لم يكتمل و هي تصيح بغضب طفولي بعد أن اقتحمت عليهما الغرفة : كل هذا لأني أخبرتك أني لا أفقه في أمور الأثاث وأني لا أستطيع انتقاء ما يناسبنا .
ارتفع حاجبي سليم بدهشة ليعتدل عمر في جلسته يرفع رأسه بشموخ هاتفا بضيق : تنتقي أو لا هذا أمر يخصك ، حينما تشعرين بأنك تريدين إتمام زواجنا ، أخبريني.
رفعت حاجبها و دموعها تنحسر لتهتف بحدة وعناد طفولي وهي تضع كفيها في خصرها : يا سلام ، أومأ برأسه إيجابا فتابعت برفض: و من أخبرك أني سأشعر يوما بأني أريد إتمام الزواج، أنا لن أفعل هذا أبدا.
نهض واقفا ليتبعه سليم بدوره فيتحرك نحو باب الغرفة يخفي ابتسامته بشق الأنفس ليغمز لعمر بعينه وهو يغلق الباب من خلفه بعد أن غادر غرفة مكتبه ، أعاد عينيه لينظر إليها من علو ليجيبها يتشدق : لا تقولي – أبداً- أبداً يا آنسة حبيبة ، فكم سمعت منك هذه الأبداً ثم تتراجعين عنها.
اكفهر وجهها بغضب لتصيح فيه بغل ومكايدة طفولية : ما الذي أتى بك إذ كنت لا تهتم لأمر إتمام الزواج إذًا ؟
مط شفتيه ليهمس ببرود : لم آت لأجلك، أتيت لأجل نادر فهو دعاني لأتناول الفطور معه.
وضعت كفيها في خصرها ثانية لتصيح بحدة : لا والله ، أتيت لأجل نادر ، ومن المفترض أن أصدق هذا الحديث وأنت الذي تعلم بوجودي مع نادر و سليم فأنا أخبرتك.
رفع حاجبيه بدهشة افتعلها ليجيبها قاصدا إغضابها : إذًا وما الأمر إذ كنت هنا أو لا ؟! هل سأوقف حياتي على وجودك من عدمه يا حبيبة ؟ ارتدت رأسها للوراء ووجهها يشحب بقوة فيتابع بجدية ارتسمت بملامحه - لن أقاطع أصدقائي لأجلك ، و لن أتوقف عن التجمع معهم لأجلك ،
أكمل بصوت أبح : حتى لو لم نستمر سويا، سيظل سليم و نادر صديقاي ، سأقابلهم و أجتمع معهم و أحافظ على علاقتي بهما.
اختنق حلقها وارتجف جسدها لتعود بخطواتها للخلف متمتمه بآلية وتيه ألم بها: لو لم نستمر؟!
زم شفتيه ليشيح بوجهه بعيدا عنها فيجبر قلبه على الصمود فلا يلين ولا يرأف بها قبل أن ينطق بثبات : نعم يا حبيبة ، فتصرفاتك معي تخبرني بأنك لا تريدين الزواج مني .
ومضت عيناها بغضب لتهتف بحدة وهي تسيطر على تبعثرها : و هذا توصلت إليه الآن ، ابتسمت ساخرة و ملامحها تنغلق لتتابع باستهزاء - كنت تركض خلفي و أنا أخبرك برفضي للارتباط بك و الآن و أنا معك تشعر برفضي لك لأني لا أريد انتقاء الأثاث.
أجاب على الفور : لا تتفهين الأمر يا حبيبة فما أتحدث معك بشأنه الآن لا يخص الأثاث فقط ، بل يخص أشياء كثيرة أنا أتغاضى عنها ولا أهتم بها مكتفيا بوجودك إلى جواري ومعي ولكن الآن ..
صمت ليكمل بصوت مختنق متألم : أنا لم أستطع الولوج إليك ، في أول الأمر حينما كنت أركض من خلفك كنت أظن أنني أستطيع كنت أتحدى نفسي واثق بحدسي الذي يخبرني بأن رفضك ليس نابعا من داخلك وأن عمق مشاعرك يحمل – لي - شيئا آخر غير الرفض ، أكمل بحكمة ورزانة – فنحن في بعض الأحيان نتصرف ضد مشاعرنا فنتمسك بحلول عقلنا و نطرد قلوبنا من المعادلة ، أما الآن ما أشعره هو أني لم أستطع الوصول إلى قلبك و لن أستطع.
رمشت بعينيها لتهمس بخفوت وهي تتحاشى النظر إليه : أنت تعلم أن قلبينا ليسا ضمن المعادلة يا عمر ، إنه زواج تقليدي دون حب.. دون غيرة.. دون لهفة أو شوق.
اختنق حلقه بغضب تحكم فيه ليهتف بهدوء : لقد كذبت عليك و أنت تعلمين هذا جيدا وصدقت الكذبة وعشت بها حتى لا تواجهين نفسك بالحقيقية ، ولكن لا يهم حتى و إن كنت لا تعلمين.
صمت فهزت رأسها نافيه تترجاه بعينيها أن لا يكمل و لكنه تابع بعناد و هو ينظر لعمق عينيها: أنا أحبك يا حبيبة ، و لطالما أحببتك .. ارتبطت بك لأني أحبك و سأتزوج منك لأني أحبك، و لن أتوقف عن حبك يوما حتى إن لم تتزوجي مني ، سأظل أحبك.
ابتعدت عنه في رد فعل غريزي آلمه ، ليبتسم بألم أعتم حدقتيه ويهم بالاقتراب منها و لكنه أجبر نفسه على الصمود و هو يراقب رأسها الذي يترنح برفض لتصريحه الذي فاجأها ، تضم جسدها بذراعيها و كأنها تقية من هجوم اعترافه بمشاعره نحوها ، ليبعد نظره عنها ، ويكمل بهدوء: و ها قد أخبرتك بكل ما يعتمل بداخلي نحوك ، و عليك الآن أن تقرري ماذا تريدين ؟
صمت ليعيد بصره نحوها متابعا : هل سنستمر سويا أم ستنفصلين عني ؟ أنه قرارك وحدك يا حبيبة و عليك أنت الاختيار.
***
ترتب الورود في غرفة المكتب ، إنه مكتب جدها لأمها ، وكأنها كتب عليها الحياة في بيوت أجدادها فقد ربت في قصر عائلة والدها وانتقلت إلى فيلا أحمد الخشاب كعروس لزوجها ، فهو أصر أن يسكن ببيت جده رغم ابتعاده عن العاصمة الجديدة ومقر عمله وبيت عائلته إلا أنه تمسك بالسكنة هنا وهو يصرح بأنه يريد أن يكون قريب من قصر عائلتها في مهادنة قصيرة لجأ إليها أمام والدها واعتناء بها فلا تشعر بأنها ابتعدت عن والدتها ، فعرض – حينها - على والدتيهما شراء البيت ولكنهما رفضتا الاثنتين وتركا لهما البيت عن طيب خاطر ، ابتسمت بشجن تملكها وهي تتذكر أول أيامهما هنا والبيت فارغ سوى منهما ، كما صمم هو في أول زواجهما وهو يهمس بها أنه يريدها أن تعتاد عليه .. تلجأ إليه .. وتسكن حضنه دون سواه ، فرغم عشقها له من الصغر إلا إنها كانت متصلبة بعض الشيء أول حياتهما سويا ، تصلب اندثر مع مرور السنوات فأصبحا أكثر قربا .. أكثر تفهما .. أكثر عشقا .
تخضبت وجنتيها باحمرار طفيف وهي تتذكر شغفه الذي يزداد مع مرور السنوات وتطلبه الذي باتت تدركه فتحققه له مناهضة لخجلها الذي كان يعيق الكثير مما يريده منها ، فباتت تعلم متى يستعر شوقه فيريدها عشيقة ببيت الورود ومتى يلجأ إلى الحميمية ليقربها منه أكثر فيتخذا ملحق الحديقة كبيت لصديقين يتحدثا بعفوية .. يتضاحكا بصخب .. يتبدلا الحب بجنون
وبقية أيامهما العادية يعيشان في فيلا جدهما كزوجين ، يعاملها برقي وحنو وتقوم هي بمتطلبات زواجها كأي سيدة مجتمع مخملية ، تذكره بوالدته كما يخبرها دوما .
تنهدت وهي تلامس الورود الحمراء التي أرسلها لها صباحا مع بطاقة الكترونية خط عليها اعتذاره .. حبه .. اشتياقه ، انتفضت بخفة وهي تشعر بقبلته الدافئة التي حطت على جانب عنقها : لا أنكر أني قديم الطراز يا أميرتي فاؤمن بالورود ولغتها وأثق في رسائلها وقوة تأثيرها
لف ذراعيه حول جسدها ليضمها بقوة إليه وينثر قبلاته التائقة على جيدها فتهمهم وهي تتملص منه : توقف يا أحمد من فضلك .
ابتسم بخفة وهمس : أتيت لاعتذر منك وأصالحك أن لم تكن ورودي فعلت فها أنا أفعل .
رمقته بطرف عينها قليلا لتهمس إليه بمكر : هل توصلت لسبب غضبي ، أم أتيت لتصالحني مهما كان السبب ؟
سحب نفسا عميقا لينظر إلى عمق عينيها : هل يشكل الأمر فارقا لديك ؟
هزت كتفها الأيسر في حركة مغوية متعمدة : ربما .
ومضت عيناه ببريق شغوف قبل أن يهمس بصوت أبح : وأنا أرى أن لا هناك فارق يا أميرة ، الفارق في الأمر أني اعتذرت وأريد مصالحتك .
رفعت عيناها لأعلى بيأس تقصدت أن توصله له لتهمس ببطء : هذا من وجهة نظرك ، أتبعت وهي تنظر لعمق عينيه – ولكن من وجهة نظري عدم معرفتك بما أغضبني لا يحل المشكلة فمن الجائز أن تكرر خطأك ثانية وتغضبني ثانية دون معرفة بأن أفعالك هذه هي ما تثير ضيقي وغضبي .
ارتجف فكه بغضب نمى بداخله ليهمس من بين أسنانه : لست غرا صغيرا يا أميرة فإياك أن تعاملينني بهذا الأسلوب وكأنك تربينني كطفل صغير .
ارتفعا حاجبيها بدهشة لتهمس بسرعة : حاشا لله يا أحمد ، أنت رجل ذو تربية جيدة خالتي منال تُشكر عليها ، ثم أنت بنظري كبير المقام ، أتبعت بصوت أبح رقيق – فأنت زوجي .. حبيبي .. ووالد أطفالي في المستقبل بإذن الله .
ضيق عينيه بريبة يتفحصها عن كثب يريد أن ينفذ إلى داخلها لعله يستطيع أن يتوصل لما يدور بعقلها الذي أصبح موصدا أمامه فلا يقوى على قراءة أفكارها كما أعتاد منذ صغرها ليهمس بجدية : أنا أعلم سبب غضبك ولن أكرره ثانية ، أعدك أني لن أبتعد عنك ثانية وسأكون بجوارك متى كنت بحاجتي حتى إن كنت غاضبا منك .
رفت عيناها ووجنتيها تتورد بعفوية لتخفض وجهها بخجل ألم بها فيبتسم بشقاوة ومضت بعينيه ليقترب منها يحيطها بذراعيه يقربها منه ويهمس بخفوت : هل أصبت وتوصلت لسبب غضبك يا أميرتي ، أم كنت تلميذ كسول غبي في محراب عشقك فلم أتوصل لصحيح إجابتي ؟
ابتسمت برقة وهي تفرد كفيها على صدره : بل طالما كنت الأذكى .. الأفضل .. والأحب لقلبي .
تنهد بقوة وهو يضمها إلى صدره ينتشي في قربها .. يفقد نفسه في أحضانها .. يتيه في عالمها .. يغرق في بحرها ، وهو يدفعها نحو أريكة مكتبه ليغيبا سويا لبعض من الوقت أفاقت منه سريعا ودفعته مرغمة حينما عمل عقلها الذي انتفض من موجاته الهادرة التي اغرقتها معه لتدفعه بجدية : توقف يا أحمد ، توقف من فضلك .
دفن أنفه في تجويف رقبتها ليهمس بصوت محبط وهو يستلقي بجانبها : أعلم وسأتوقف يا أميرتي، أنها أيام الحرمان فلن أتمادى ،
تخضبتا وجنتاها بالأحمر القاني لتسأله بعبوس طفيف وهي تخفي ارتعاش كفيها وارتعاد خفي ألم بمفاصلها : كيف تعلم في كل مرة دون أن أخبرك ؟
رقص حاجبيه بشقاوة : أنا أجيد الحساب يا أميرتي ، نعم لست مهندسا كأبيك ولكني أمتلك فن الإدارة والتجارة
ضحكت برقة وهي تنهض واقفة تعدل من وضع ملابسها التي أثار فيها فوضاه لتجيب بهدوء : أنت دائما مراوغ يا بك فكلماتك دوما مبطنة بمعان كثيرة تثير فكري ولكني أخرج خالية الوفاض
ابتسم بمكر واسبل أهدابه : فقط اؤمريني وأنا أجيب بم يجول بعقلك ،
تأملته لبرهه لتسأل بهدوء : حقا يا أحمد إذا أخبرتك بم يؤرق عقلي ، ستجيبني وتنفذ لي مطلبي
__ هلا أمرتني يوما وأنا تأخرت في التنفيذ ؟
أجابها سريعا وهو يقفز واقفا يقترب منها بحمية نضحت بأوردته ، تبادلا النظرات قليلا قبل أن تتنهد وتبتعد عنه تقف أمام مرآة موضوعه قرب باب الغرفة ترتب هيئتها وخصلات شعرها التي شعثها ، تنظر إليه تراقبه عن كثب فيبادلها النظرات بتساؤل متعجب فتبتسم بتوتر قبل أن تهتف بصوت أخرجته طبيعيا كما استطاعت : أتعلم أن هنا تفكر في أن تنجب من جديد ، قبل أن تتم الأربعون ؟
أطبق فكيه وأخفض عينيه عنها قبل أن يهمس بحياديه وهو يقترب منها : حقا ؟
انتظرته إلى أن قابلها بعينيه ثانية لتمأ إليه بالإيجاب فيهمس بمرح : هذا رائع ، من الجيد أن تأتي هي وتيم بطفل يساعدهما حينما يكبران .
نظرت إليه عبر المرآة لتهمس بجدية : وأنت ، ألا تريد طفلا ؟
اتسعت ابتسامته : بالطبع أريد ، هل يوجد أحدا لا يريد أن يرى أطفاله ، أتبع بجدية وهو يقترب منها ينظر إليها عبر المرآة يهادنها بعينيه وصوته الحاني وهو يتابع – ولكننا تحدثنا بهذا الأمر من قبل وأخبرتك أن تأجيل الإنجاب لأجل صالحك يا أميرة .
همست بصلابة : نعم ، أعرف وأتذكر ولكن هذا كان بأول زواجنا حينما كنت بالعشرين من عمري ، ارتجفت وهي تتبع – حينها تفهمت وجهة نظرك لأنك تخاف من كوني صغيرة وأنا أيضا كنت خائفة من مسئولية طفل يأتي وأنا لا أفقه في أموره شيئا ولكن الآن أنا قاربت على إتمام الثلاثون يا أحمد ،
اقترب منها يضم كتفيها بكفيه يخضعها لاتصاله البصري ويسأل بصوت حزين : تريدين طفلا يا أميرتي ، تريدين أحدا يأتي ويستولى عليك .. يسرقك مني .. يشاركني فيك ، تدخلين طرفا ثالثا في المعادلة بيننا .
عبست بغضب بدا في تملكها : حقا يا أحمد ، هل ترفض الإنجاب – الآن - لأجل هذا السبب ؟
هز كتفيه بتعجب ليجيب بمراوغة تعرفها جيدا : وهل هناك سببا آخرا ؟
تمتمت بحدة وغضبها يومض بعينيها : هل أنت جاد ؟ نظر إليها بعدم فهم فاتبعت - أنا لا أفهم هل تحبني حقا أم ما تشعره نحوي امتلاكا متزمتا لا أدرك سببه ؟
نظر لها بحيرة افتعلها : لا أفهم سبب غضبك ، وبالطبع أنا أحبك والحب معظمه امتلاك يا أميرة، هل تقبلين أن تشاركك في أخرى غيرك ؟!
ومضت غيرة حارقة أشعلت حدقتيها لتصيح هذه المرة بحدة : هذا منطق أعوج يا أحمد ، ما تتحدث عنه شيء وما أطلبه أنا شيء آخر ؟
تمتم بجدية وهو يرفع رأسه بعنفوان : أخفضي صوتك ، لطالما نبهتك أني لا أحب الصوت العالي ، ثم لا تبدلي الأمر لمشاجرة لا سبب لها .
أطبقت فكيها بقوة ملامحها مكفهرة وعبوسها يزداد فغدت ملامحها أشبه بأبيها في غضبه ، لتتألق عينيه بتحدي وهو ينظر لها بترقب فتسيطر على أعصابها بقوة ، تجبر غضبها على الانسحاب من ملامحها .. ينحسر عبوسها .. ثم ينفرج ثغرها بابتسامة لبقة رُسمت على شفتيها قبل أن تهمس برقة كعادتها : بالطبع لا داع لشجار لا سبب له ، ضيق عينيه وترقبه يصل لذروته فتتبع بابتسامة مضيئة وهي تكمل – لماذا أتشاجر معك ؟! فأنت وعدت بأن تنفذ أمري وتستجيب لطلبي وها أنا أطلب يا أحمد ، أنا أريد طفلا .
***
يهتز برتابة على كرسيه الوثير الذي أتى به خصيصاً لأجل مرضاه ، بعد أن رفضت المشفى طلبه في شراء كرسي هزاز لأجل المرضى، و أخبروه أنه يكفي الأريكة المريحة المجهز بها العيادة النفسية!!
و لكنه لم يرتضى برفضهم ، فاشتراه من أمواله الخاصة و هو يقر إليهم أن بعض المرضى لا تفضل الأريكة ، بل تلجأ لهذا الكرسي ، فاهتزازه المتكرر يمنح عقلهم إلهاء ، فيبوحون بطريقة أفضل ، بل إن الاهتزاز المنتظم يساعد البشر الطبيعيين على ترتيب أفكارهم و تهدئة أعصابهم.
سحب نفس عميق و الموسيقى الهادئة تنساب من حوله ، موسيقى يفضلها تمنحه هدوء أعصاب يريده ، بل يحتاجه ، فاتصال زوج خالته في الصباح بعد أن غادر منزله ليخبره أنه ينتظره ليلا في منزله ليتفقا سويا في ترتيبات خطبته على يمنى و هو يشعر بالتشتت يحاوطه ، تشتت هرب منه حينما لم يذهب لوالدته صباحا كما أوصاه عاصم حتى لا يثير الأمر ثانية ، بل ترك أمه تهدأ و هو ينوي أن يصالحها حينما يعاود ليلا و لكن مكالمة أمير أربكت كل خططه ، مكالمة أمير التي شعر منها أنه يعتذر عم حصل البارحة من ابنته و يعاتبه برقي كعادته لأنه اندفع مغادرا و لم يمنحه فرصة أن يحل الأمر ، بل إن تقريع أمير له بأنه اندفع غاضبا دون أن ينتظر رده كان أقوى من تقريع أمه له البارحة ، فمنذ صغره و أي حديث يوجهه إليه أمير يترك أثرا بالغا في نفسه ، و رغم أن أمير راضاه و صالحه بل كاد أن يعتذر منه و لكنه قاطع الحديث و هو يقدم اعتذاره لأمير بأنه مدرك رد فعل يمنى فهو من تصرف برعونة ودفعها للرفض بتلك الطريقة السيئة فيشعر بأمير يبتسم بمكر وهو يبلغه بهدوء وصوت رخيم يشي بفخامة محدثه أنه سينتظره ليلا .
يشعر بالراحة لموافقة أمير ، موافقته التي سيخبر والديه بها و لكنه ليس سعيد فهو يعلم أنها مجبرة على تلك الموافقة التي لم تنبع من داخلها ، بل موقن أن زوج خالته أجبرها عليها.
أزيز بسيط أرتفع من جهاز موضوع على طرف مكتبه لينهض واقفا ينظر ما الأمر ، لتأتيه رسالة بوجود مريض جديد يحتاج للدخول إليه فيجلس باستقامة على كرسي مكتبه ليدعو من طرق الباب بعمليه ارتسمت فوق ملامحه و ظهرت في حركة جسده المشدود باستقامة ، يرسم ابتسامة عملية فوق شفتيه لتتشكل ملامحه بدهشة حينما طلت عليه ليرجف جفنه حينما استدارت تقف أمامه بشموخ هاتفة : مساء الخير يا دكتور كيف حالك ؟
رجف جفنه بتتابع ليقفز واقفا دون أن يملك زمام نفسه هاتفا باسمها في تعجب قبل أن يتبع : أنت بخير ؟
ابتسمت بتوتر لتهمس بخفوت : لا ، وإلا لما كنت أتيت ، عبس بعدم فهم لتتبع - ألست طبيب نفسي وأنا بعيادتك إذًا أنا لست بخير وأتيت لتعالجني ، ألا تريد معالجتي ؟
اغتص حلقه بخنقة كتمت مجرى تنفسه ليجيب بصوت مختنق : بلى أريد ، تفضلي .
راقبها تجلس على إحدى الكرسين الموضوعين أمام مكتبه فتمسك بمهنتيه ليسأل بصوت هادئ : مما تشتكين يا آنستي ؟
عبست بتعجب لتسأل بدهشة : هل كل فتاة تدعوها آنستي ؟!
ابتسم رغم عنه ليجيب بهدوء : أنت مختلفة عنهن ولكن معك حق سأتمسك بمهنيتي
رفعت ذقنها وهي تشيح بعينيها بعيدا لتهمس بخفوت حينما وقع بصرها على الأريكة : ألن تريدني أن استرخي في جلستي ؟!
ابتسم رغم عنه ليغمغم بمكر : هل تضعينني باختبار معين يا آنسة ؟
هزت رأسها نافية لتهمس بخفوت : بالعكس لقد أتيت لأني أريد الانتهاء من النزاع بيني وبين نفسي .
تطلعت إليه لتهمس بجدية : ولكن يجب أن تعدني أني ما سأخبرك به لن تستغله ضدي بل ستنساه حالما أخرج من هذه الغرفة
سحب نفسا عميقا ليهتف بجدية وعيناه تلمع بصدق : ليس لأجلك يا آنسة ولكن أنا ملتزم بقسم وسرية معلوماتك لن تخطو خارج هذه الغرفة وإذا أردت الاسترخاء فتفضلي .
هزت رأسها برفض ليسألها مجددا : مما تشكين يا آنسة ؟
زفرت أنفاسها قبل أن تهمس بخفوت مرتعش : أنا أحب شخصا وأكرهه في ذات الوقت
انتفض رغم عنه ليسألها بجدية : لماذا ؟
توترت وفركت كفيها ببعضهما قبل أن تنهض واقفة تتجه نحو الباب فيمنع نفسه بالقوة أن يتبعها أو يستبقيها قبل أن تقف أمام المكتب فلا تغادر لتعود ثانية وتلف حول نفسها في الغرفة ثم تجلس وهي تنهت بعنف على الأريكة الموضوعة بجانب الغرفة لتشبك كفيها ببعضهما وتنطوي على نفسها وهي تسند مرفقيها على أول ركبتيها تتأرجح بانفعال لتتوقف فجأة هامسة بصوت مكتوم : لم أحب أحدا غيره منذ بدأ إدراكي وأنا متعلقة به .. لم أرى في حياتي غيره رغم وجود العديد من حولي ، منذ صغري وأنا محاطة بالأولاد الذكور إخوتي .. أولاد أخوالي .. الكثير من الفتيان يلفون من حولي ولكن نظري لم يكن معلقا إلا به
تطلعت للأمام لتهمس بشرود وبسمة خفيفة تتشكل على ثغرها : هو الآخر كان متعلقا بي ، كان دوما يخبرني كم أنا جميلة ، ابتسمت بألم وعيناها تومض بحنين - كان يحب شعري المتشابك رغم سخرية الجميع منه ، كان دوما مفتونا به أو هكذا هيأ إلي فأنا كنت طفلة حينها ، ولكني لم أنس أبداً أنه غضب مني كثيرا حينما قصصته وخاصمني لمدة طويلة بعدها لم يكن يتحدث معي لأجل أني قصصت شعري فصرت شبيهه بأخوي كما دعوني الناس حين ذلك
اغتص حلقه بخنقة وألم يتجدد بعروقه ليسألها بصوت تحكم جيدا في نبضاته : ولماذا قصصته إذًا بم أنه كان يحبه ؟!
لوت شفتيها ساخرة لتهمس بذنب سكن حدقتيها : لأنه كان يتعب ذراعي أمي في تسريحه كل يوم، كان كثيفا .. متشابكا ..
صمتت ليكمل بعفوية : كغابة برية مترامية الأطراف .
رفعت عيناها إليه ليزم شفتيه بقوة قبل أن يكح بخفة : المعذرة أكملي ، ولكن دعيني أسالك أولا، هل والدتك تذمرت من تسريحك يوما ؟
تنهدت بقوة وهي تتراجع بجسدها للخلف فيشيح بعينيه بعيدا عنها حينما جلست شبه مستلقية فوق الأريكة أمامه : أبداً بل كانت تبذل به مجهودا كبيرا حتى تنفرد خصلاته ويكون سلسا ناعما مسرحا وجميلاً .
أتبعت دون أن يسأل وهي تغمض عينيها : ولكن أنا من شعرت بالذنب .. شعرت بالسأم .. شعرت بالحرج وخاصة أنها مهما فعلت به لا يكون أبداً جميلا كشعر ابنة خالي أو ابنة خالتي الصغيرة ، ابتسمت ساخرة وأتبعت - فالاثنتين منحهما الله شعرا أشقرًا بخصلات ناعمة تنساب حول وجهيهما الطفولي وكنت أنا على عكسهما تماما .
صمتت لتهمس بصوت مختنق : كنت أشبه الفتيان أكثر من الفتيات فلم أكن أبداً رقيقة .. ناعمة .. هشة ، على عكس كل الفتيات اللائي أقابلهن من حولي
قبضت كفيها بقوة فلم تغفل عيناه عنها لتنطق باختناق : بل كنت صلبة .. جامدة وبعض الأحيان عنيفة ، هم ضموني لفئة الفتيان فأصبحت كما أرادوا بل تفوقت على الفتيان أنفسهم ، لم أسمح لاحد أن يحرجني ثانية .. ولم أسمح لاحد أن يجرحني ، حاوطت نفسي بشرنقة جامدة وأخفيت تلك الفتاة الصغيرة الهشة بداخلي ، أظهرت وجه صبياني بحت وأبعدت الفتاة عن الصورة العامة لي
ضيق عينيه بتساؤل : وأين اختفى الفتى المتعلق بك ؟
ابتسمت ساخرة : لم يبق فتى صغير بل أصبح حينها صبى جميل تتهافت من حوله الفتيات الفاتنات اللائي أبعدوني عنه أكثر وأكثر .
رفعت عيناها تنظر نحوه بصلابة لتكمل بجدية : فهو كان ينتقيهن بمواصفات خاصة جدا ، مواصفات هي الأبعد عني .. عن شكلي .. عن هيئتي .. عن كل ما هو جميل في وكان يخبرني عنه يوما .
زمت شفتيها وعيناها تحتقن بحمرة ودموع عاصية تلمع بعينيها : ظننت حينها أنه كاذبا وخاصة حينما .. صمتت ودمعة متمردة تشق وجنتها في طريق ثابت غير متعرج لتنتهي عند طرف فمها قبل أن تهمس بخفوت شديد - ارتبط بابنة عمته الشقراء التي تماثله جمالا وبهاء .
رجف جفنه رغم عنه بتتابع ليطبق فكيه بقوة ملتزم صمتا فرضه على نفسه لينتبه عليها تنهض واقفة فيرفع رأسه لها متسائلا لتهمهم مجيبة : اكتفيت اليوم ، أريد الرحيل .
أومأ برأسه متفهما قبل ان ينهض واقفا يتجه لدولاب زجاجي بجانب الغرفة يلامسه فيفتح أوتوماتيكيا ليجذب رف زجاجي رفيع ينظر إليه قليلا قبل ان يجذب علبة صغيرة أنيقة يمدها إليها : تناولي نصف قرص قبل النوم ، أتبع بمهنية - من الواضح أنك لا تنامين جيدا وتعانين من أرق يضغط على أعصابك .
ابتسمت ساخرة وهي ترفع رأسها بشموخ : نعم بالفعل أنا أعاني أرقاً فأهلي يجبرونني على الزواج من شخص لا أريده .
ابتسم رغما عنه وعيناه تومض بتسلية ليجيبها بهدوء : يا الأسف كم أنت مسكينة يا آنسة ، كتمت بسمة كادت أن تشكل ثغرها ليتبع بجدية - سأنتظرك بعد ثلاثة أيام يا آنسة .
هزت رأسها رافضة لتتمتم : لن آتِ ثانية .
اندهاش طفيف داعب ملامحه قبل أن يجيبها بسلاسة : على راحتك يا آنسة ، العيادة ترحب بك وقتما تحبين .
رفعت عيناها إليه لتزم شفتيها بتفكير فتتعلق عيناه مرغمة بثغرها قبل أن يشيح بصلابة بعيدا عنها : أنرت العيادة يا آنستي .
تمتمت وهي تبتسم بدهاء فيتمالك نفسه ويتمسك بعمليته لتهمهم وهي تستعد للانصراف : أراك على خير يا دكتور .
راقبها وهي تغادر تغلق الباب خلفها ليزفر أنفاسه التي كان يكتمها بداخل صدره ليسقط جالسا على كرسيه ثانية وهو يفكر بصوت مسموع : إلام تخططين يا يمنى ؟ ما الذي تعدينه لي يا مهرة آل الخيال ؟
رفع ذراعيه للخلف فيحيط رأسه بكفيه المتشابكين لينظر إلى السقف مبتسما ببلاهة وهو يستعيد حديثها كاملا قبل أن يعبس بتفكير ليزعق بنفسه : انتبه يا غبي ولا تغتر فكر فيم ستفعله بك الفرس ، فكر حتى تقودها أنت لا تسحبك هي خلفها ككل مرة .
اعتدل بكرسيه ليأتي بجهاز يخص عمله ثم يضع سماعات صغيرة متصلة بطريقة لاسلكية بالجهاز ليستمع من جديد إلى حديثها ويستحضر كل ما درسه ليحلل كل حرف نطقت به ليكن مستعدا لجولتها القادمة .
***
تحرك بخطوات حازمة يعبر مدخل القصر يعبس باهتمام وهو يستمع لولده الذي يتحدث إليه بحماس واستفاضة عن المكالمة الهاتفية التي أتت له من سكرتارية الحزب تخبره أن رئيس الوحدة المسئولة عن قبول طلبات الانضمام من الشباب يخبره بأنه مقبول ويريد منه القدوم لإجراء مقابلة شخصية !!
ابتسم وائل وهو يتابع بتركيز الحديث المتناثر من فم أدهم حديث مليء بالمرح .. الصخب .. الحماس .. الاندفاع .. وبعضا من التهور والجرأة تغلغلت بنبرات طفله الذي أخذ ينسج الأحلام على مسامعه وهو ينتظر أن ينهي حديثه بصبر أبوي حان ليعبس بعدم رضا حينما هتف أدهم : أفكر أن أمر عليهم في الغد صباحا .
__ لا ، نطقها وائل بحزم وهو يتجه نحو غرفة المعيشة فلا يجدها هناك فيتابع حينما شعر بعناد ولده يتطاير من أنفاسه الغاضبة - لن تذهب إلا حينما تنهي اختباراتك ، وأنا في الغد سأجعل مدير مكتبي يهاتف الحزب ليحدد إلينا موعدا بعد انتهاء اختباراتك مع رئيس وحدة الشباب شخصيا
صاح أدهم بصيحة منتصرة سعيدة ليهتف بمرح : يعيش سيادة الوزير ، ليردد من خلفه علي الدين ومازن بعد أن زمجر لهما بان يفعلا - يا يا يعيش .
لتتعالى ضحكات الثلاث فيضحك وائل بدوره مرغما قبل أن يهتف بإحدى العاملات :أين فاطمة؟!
ابتسمت السيدة وهمست : بغرفتها يا سيدي ، تلكأت قليلا قبل أن تهمهم - هل تريد شيئا يا باشا؟
أشار لها بكفه أن تنصرف وهو يهز رأسه نافيا فيستمع إلى أدهم الذي تمتم بجدية : هل مامي بخير ؟ ليس من الطبيعي أن تكون بغرفتها في هذا الوقت .
نظر وائل لساعة معصمه وهو يتجه للمصعد ليجيبه بهدوء : بل طبيعي في ظل غيابك وغياب شقيقتك .
عبس أدهم بتعجب : نوران غائبة ؟! أين ؟!
سحب وائل نفسا عميقا : عاصم دعاها لتناول العشاء وأنا وافقت .
شعر بابتسامة ولده الذي همهم بعبث : أتركهما قليلا يا بابي ، أنهما يستحقان السعادة سويا .
اسبل وائل أهدابه ليتنهد بقوة قبل أن يتحدث بهدوء : أعلم ، صمت قليلا ليتابع - هل شعرت بالسعادة اليوم حينما هاتفوك من الحزب ؟
أجاب ادهم بعفوية : السعادة تعبير ضئيل أمام ما شعرت به يا بابي .
ومضت عينا وائل بحب ليهمس : أريد أن اشعر مثلما شعرت أنت حينما تأتيني بنتيجتك ، وحينها لن يقف أي أحد أمام تحقيق حلمك بل حينها سأجسد لك حلمك حقيقة واقعة لا تقبل النقاش
تضخم قلب أدهم بمشاعر كثيرة قوية ليتابع وائل : لذا كل ما هو مطلوب منك الاستذكار والاستذكار فقط فلتجعله شغلك الشاغل هذه الأيام وبعدها لن يفصلك عن حلمك شيئا .
هتف أدهم بصوت مختنق تأثرا : أعدك يا أبي بأني أمنحك سعادة مثل سعادتي اليوم بل أكثر بكثير مما شعرت اليوم .
ابتسم وائل بثقة : وأنا أثق بك .
تمتم أدهم بعاطفية : أنا أحبك يا بابي .
ضحك وائل ليجيبه بتلقائية وهو يتجه نحو مدخل جناحه : وبابي يحبك يا ولي عهده .
كح أدهم مجليا حلقه قبل أن يهمس بعبث تقصده : حسنا بم أنك أصبحت الان بباب جناحك الخاص أبلغ سلامي لمامي وتمنى لها ليلة سعيدة بدلا عني فأنا لن أهاتفها كما أفعل عادة حتى لا أشعلها عن وصول سيادتك ، ابتسم وائل متجاهلا كلمات ولده الذي أتبع بمشاكسة - أعتقد انك تريد استغلال عدم وجودنا .
اسبل وائل جفنيه وهو يرخي رباطة عنقه ليسأله بهدوء : متى ستأتي ؟!
ابتسم أدهم وهو يلتقط تجاهل أبيه : أعتقد في الغد فمازن سيذهب لعمو أحمد وأنا سأمر عليكم لأتناول الفطور معكم .
زفر وائل : حسنا سننتظرك ، ابتسم بشراسة وعيناه تلمع بمكر حينما تابع - وحينها سأرد على وقاحتك بطريقتي .
قهقه أدهم ضاحكا ليهتف باسترضاء : أنا أمزح معك يا سعادة الوزير .
لوى وائل شفتيه بعبث : سنرى في الغد .
تحكم أدهم في ضحكاته ليهمهم : أقسم بالله كنت أمزح .
__ تصبح على خير يا أدهم بك .
ألقاها بجدية ليغلق الهاتف في وجه أدهم الذي نظر إلى هاتفه بعد أن اغلق أبيه المكالمة في وجهه متمتما بمسكنة : ضاع شبابك يا دومي .
***
نظر من حوله بتعجب ليبدأ في البحث عنها وهو يشعر بالدهشة أنها مختفية في موعد وصوله اليومي لتبرق عيناه بلهفه وعقله يفكر هل تعد له مفاجأة واستغلت وجودهما بمفرديهما لتستقبله بطريقتها الخاصة كما كانت تفعل قديما ؟
انحسر الأمل في عينيه وأصاب بإحباط شديد حينما وجدها تجلس فوق الأريكة الموضوعة بجانب الغرفة وملامحها منغلقة بشده ، بل إن كتفيها انحنيتا بهمّ تملك منها فتحرك نحوها وهو ينظر لحالتها الغريبة كليا عما تركها عليه في الصباح ليهتف باسمها في تساؤل لم تجبه اقترب منها وهزها من كتفها بلطف وهو يهتف : فاطمة ما بالك ؟
رجفا جفنيها لترفع وجهها إليه بدهشة قبل ان تتمتم باسمه في خفوت لتسأل بصوت محشرج : متى أتيت ؟!
عبس بتعجب : وصلت للتو ، ما بالك ؟! هل هناك ما حدث ؟! هل أنت بخير ؟!
ابتسمت برجفة التقطها بسهولة لتهمس بصوت أبح : نعم أنا بخير والحمد لله .
رمقها بطرف عينه ليسألها : حقا ؟
أومأت برأسها إيجابا وهي تتحاشى النظر إلى عينيه ليردد اسمها بنبرة أمره تلعثمت على إثرها فتهتف بتردد وهي تحاول النظر إليه : فقط لا أعلم هل علي التحدث معك أم لا ؟!!
ازداد عبوسه اكثر ليسأل بتروي : فيم ؟!
رفعت نظرها إليه تضع عينيها بعينيه قبل أن تهتف بثبات : عدني أولا أن تهدأ وتستمع لي وأن تحكم عقلك ورزانتك وأن تتصرف بالطريقة المثلى التي يجب أن تتصرف بها كأب يحافظ على بيت ابنته لا أب يغار عليها دون الاهتمام بصالحها !!
نفرت عروق رقبته ليسأل بصوت أجش مرعب : ما بها أميرة ؟
ارتجفا جفنيها لتهمهم بتلكؤ : هاتفتها منذ قليل وأعتقد أنها كانت تبكي .
هدر بعنفوان وصوت غاضب خرج من عمق روحه : سأقتله إذا كان هو سبب بكائها
تحرك يبحث عن سترته التي خلعها منذ قليل عن كتفيه ليستل هاتفه فتتشبث هي بساعده وتتوسله فعليا : أرجوك يا وائل اهدأ واستمع لي ، لم يأبه لها وهو يضغط على شاشة هاتفه بعنف حاد فتابعت -أرجوك انتظر لأفهمك ما حدث .
صرخ بها في قوة : أنتظر ماذا علي أن أنتظر ؟! ابن شقيقتك يبكي ابنتي وعلي أن أنتظر !!
ومضت عيناها بشرر لتصيح في وجهه بدورها : حسنا هذا هو الأمر أنه أبن شقيقتي ، فلو كان عاصم من أبكى نوران لم تكن ستهتز وتنفعل هكذا .
رعد في وجهها بعنف وعيناه تومض بغضب أجفلها : بل كنت سأقطم رقبته وأبعث لأبيه ليدفنه حيا ، صاح متابعا وغضبه يصل لذروته - لا أحد يبكي ابنتاي وأنا حي أرزق .. لا أحد يحزنهما .. لا أحد يوجعهما ، إنهما ابنتاي من لا يقدر نعمة وجودهما في حياته لا يستحقهما .
أفلتت ساعده وهي تنظر إليه برهبه صدرها يعلو ويهبط وعيناها تغرورق بدموع كثيرة قبل أن تنفجر في البكاء بطريقة هيستيرية أجفلته لينحسر غضبه متبدلا إلى حنان وهو يوليها اهتمامه الكامل قبل أن يجذبها نحو صدره يضمها إليه هاتفا بحنو: لا تبكي يا فاطمة أنا آسف .. فقط لا تبكي ، قبل جبينها وهو يشدد من احتضانه لها - تعلمين أني لا أقوى على رؤية دموعك فبالله عليك توقفي عن البكاء .
نهنهت في صدره فجذبها معه ليجلسها إلى جواره فوق حافة الفراش يضمها من كتفيها إليه يحاول أن يسمح دموعها بكفيه قبل أن يقبل جبينها :اهدأ يا فاطمة ماذا حدث لكل هذا البكاء ، هل أفزعتك لهذه الدرجة ؟!
رفعت عيناها إليه قبل أن تهمهم باختناق : لم أفزع اعتدت على غضبك وثورتك المرعبة حينما تغضب وخاصة لابنتيك ، فقط شعرت بالشفقة على نفسي لأن ليس لي أحدا يغضب لأجلي .
زم شفتيه بضيق ليهتف بحنق : ليس لديك أحدا يغضب لأجلك ، وأنا ماذا طرطور ؟!
ضحكت رغما عنها لتهمهم بغنج فطري: حاشا لله هل قلت هذا ، بل سألت عمن سينتفض لأجلي هكذا حينما تغضبني .
رمقها من بين رموشه ليهمهم بتهكم : ومنذ متى تحتاجين لاحد حينما أغضبك يا فاطمة هانم ، طوال عمرك لا تحتاجين أحدا ، حتى تلك الأيام التي كنت تستظلين في كنف أبي -رحمه الله -الذي كان يحابي إليك ويهتم بك ويحيل حياتي جحيما لأجلك حينما يشعر فقط أني أغضبتك لم تشكي له مرة واحدة بل كنت تصيحين بتمرد عن كونك تستطيعين المجابهة بنفسك
همهمت بشجن مترحمه على أبيه فاقترب أكثر منها ليطرق رأسه برأسها : ثم متى أغضبتك يا قاسية القلب يا جبارة ، لا أذكر أني فعلتها من قبل ؟!
لوت شفتيها بتعبير مصري أصيل قبل أن تهمس بتقريع : بل فعلت الكثير ولكن عفا الله عم سلف
تغضن جبينه بانزعاج ليهمهم بحنق مكبوت : ألم ننتهي من هذه القصة والقصص الأخرى المجاورة ، أم سنظل نعيد فيها كحكاية أبو زيد الهلالي ؟!
ابتسمت برقه وهي تعلم مقصده لتشاكسه بتعمد : بل حكايات وائل الجمال التي لا تنتهي .
ابتسم رغم عنه وهو يلتقط شقاوتها التي بددت حزن عينيها : بل انتهت أقسم بمن زرع حبك داخل قلبي وطرد وحشته انتهت ، انتهت حينما احتلتني حورية جميلة سلبت لبي وقلبي وعقلي وكل حواسي .
ابتسمت برقة لتقترب منه تتعلق برقبته لتضم نفسها إليه : هذه الحورية كانت تائهة عن موطنها ووجدته هنا بين ذراعيك في رحاب حضنك الفسيح والذي لا يساع أحدا غيرها .
ضمها إليه بقوة ليقبل جبينها قبل أن يسألها بجدية بعدما ساد الصمت عليهما قليلا : ماذا فعل أحمد أفندي ليبكي ابنتي ؟
ازدردت لعابها ببطء قبل أن تهمس : هل تعلم أنهما كانا على خلاف حينما سافر بعد حادثة عاصم؟
أومأ برأسه إيجابا : بالطبع علمت حينما عاد ولم يأتي ليلتصق بها كعادته .
ابتسمت برقة وهي تلتقط غيرته التي ظهرت بنبراته لتهمس إليه : استنتجت أنا من بعض الحديث بيني وبين منال وحديثي مع أميرة أنها غضبت منه لأنه تركها وسافر في وقت كانت تحتاج إلى وجوده .
عبس وائل بتعجب : أنه يسافر دونها على الدوام ما الفارق هذه المرة ؟!
تبرمت فاطمة مدافعه : كيف ما الفارق يا وائل ، هذه المرة ليست ككل مرة فعاصم كان متعبا وكانت جميع الأمور مضطربة .
رفع وائل حاجبيه ليتمتم بنزق : ولكن العمل لا يعرف هذه الأشياء وخاصة ان عاصم كان بخير والحمد لله واطمئنانا عليه جميعا لماذا يؤجل سفرته إذًا ؟
عبست فاطمة بضيق لتهتف إليه بحنق : من الواضح أن زوج ابنتك يشبهك فأنا أعتقد أنه فكر في الأمر مثلك هكذا تماما .
هدر وائل بغضب : لأن هذا التفكير المنطقي العقلاني الطبيعي ، بماذا كانت ستستفيد لو جلس إلى جوارها ، بل بماذا كان سيستفيد عاصم لو جلس معه ؟ لم يكن يستفيد أحدا بوجوده فقط المجموعة كانت ستخسر الكثير لو لم يسافر أحمد لإنجاز عمله .
نظرت إليه فاطمة بغضب لتشيح بعينيها قليلا لتهدأ قبل أن تنطق بثبات : أنا أتفهم وجهة نظر ابنتي وأشعر بها فهي كانت تريد زوجها إلى جوارها يُهدأ من روعها وخوفها على ابن عمها الذي بمثابة أخيها .
رفع عينيه لأعلى ليهتف بصبر : كنا جميعا إلى جوارها يا فاطمة ، ارتدت رأسها إليه بغضب ليتابع - أنا أتفهم أحمد لأني أعلم طريقة تفكيره ولأني سأفعل مثله فمصلحة العمل والمسئولية لا مفاوضة بها .
همت بالشجار معه ليقاطعها بيده مكملا : ولكن كل هذا من المفترض أنه انتهى بينهما ، فأحمد أبلغني يوم عقد قران نوران أنه سيحل الأمر حينما حدثته في أمرهما حينها .
نظرت إليه بذهول لتسأله بتردد : تحدثت إليه في الحفل .
أومأ برأسه إيجابا لتمط شفتيها بتفكير قبل أن تهمس : إذًا ما الأمر ، إن أميرة منذ أن عادت معه ليست على طبيعتها ، أهاتفها صباحا لا تجيبني وحينما أتحدث إلى السيدة التي أرسلتها لها تخبرني أنها نائمة وحينما تستيقظ وتجيب على اتصالاتي صوتها اشعر به مكتوما .. مختنقا .. باكيا.
رفعت عيناها إليه حدقتيها تهتزان بحيرة وخوف : أشعر بالقلق عليها يا وائل ولا أفهم سبب لهذا القلق ولكني لا أستطيع الخلاص من هذه الوخزة التي تؤلم قلبي .
رمقها قليلا ليزفر ببطء قبل أن يضمها إلى صدره ثانية : حسنا اهدئي سأتحدث إلى أحمد وأفهم منه ما الأمر .
هتفت على الفور : لا ، لا تفعل يا وائل ، فأنا لا أريد أن يتطور الأمر بينك وبين أحمد وأنا لست متأكدة عم يحدث مع ابنتي ،
صمتت قليلا لتهمس بهدوء : أنا أفكر أن أدعوهما على الغذاء بالغد لأتأكد من حدسي بأميرة وأتحدث معها ، تنفس بعمق ليمأ برأسه إيجابا فتتابع بعفوية - لعلني أستطيع أن أتخلص من تلك الوخزة التي تخنقني .
رمقها بطرف عينه ليسألها بهدوء شديد : وهل سأنتظر إلى أن تأتي بابنتك في الغد لتتخلصي من هذه الوخزة التي تكئبك ؟!
رفعت عيناها إليه بعدم فهم ليجذبها من كفيها يجبرها على الوقوف قبل أن يجلسها فوق فخذيه ويعيد جسده ليضجع للخلف بها فتميل فوق جسده فتماثله بنومته لتضحك بخفة حينما أكمل بهدوء - حالا سأزيل عنك نغزتك .. ضيقك .. واختناقك ، فسيادة الوزير لا ينتظر للغد
أتبع بمشاغبة : بل يأتي بالغد لك يا حوريتي .
ضحكت برقه وهي تغرس نفسها بصدره قبل أن تهمهم : اشتقت إليك يا وائل .
شدد من ضمته لها قبل أن يبدأ بتقبيل عنقها بقبلات متتالية ملهوفة : حالا نبدد الشوق واللهفة ونجعلك متخمة بالسعادة والامتلاء .
صدحت ضحكتها عالية لتهتف به في نزق مفتعل : ألا تمل من هذا الاشتياق يا رجل ؟
ليجيب بعفوية وهو يتحرر من قميصه فيظهرا كتفيه من خلال حمالات قميصه القطني الواسعة : وهل هذا الشوق يُمل منه ؟
ضحكت برقة لتسيطر على كفيه هاتفة : انتظر لبعد العشاء ، فأنت لم تتناول طعامك بعد .
همس بمكر ذكرها بشبابه : عشاءي بين يدي .
تبرمت برفض : فقط انتظر أن اطمئن على أدهم وأهاتف نوران .
تمسك بها ليلوي شفتيه بحنق : نوران مع عاصم يتناولان عشاءهما بالخارج و ادهم يقرؤك السلام ويخبرك أنه سيمر علينا في الغد لتناول الفطور .
تحركت لتقف بسلاسة فلم يستطع أن يمنعها لتهتف بجدية : حقا لماذا لم يبلغني ؟
زفر بقوة وكتف ذراعيه بغضب : لأني وصلت فلم يشأ أن يشغلك عن وصولي .
تنهدت بقوة قبل أن تنظر إليه من جديد فيبتسم رغم عنه : آتِ بما عندك يا فاطمة فأنت لم تنتهي بعد لذا تلك الوخزة لن تذهب مهما فعلت بك .
عضت طرف شفتها لتقترب منه من جديد قبل أن تهمس بصوت أبح : عاصم تحدث معي البارحة وهو في طريقه للعودة إلى منزله ، نظر إليها باهتمام وأومأ لها أن تتبع فأطاعته وأكملت - حدثني بشأن جود وأخبرني أنه أتفق معك أن تنتقل لتعمل بمكان أخر بعيد عن القصر لتختفي من أمام ادهم .
اسبل جفنيه لتستطرد وهي تتذكر حديث عاصم الذي ردده البارحة على مسامعها : عاصم يقول إنه نسى أمرها بغمرة ما حدث منذ حادثة أشرف الذي نقله بالفعل للمصنع بناء على أوامرك ولكنه تذكرها حينما وجدها تبكي البارحة في الحديقة ؟
تنفست بعمق وأكملت : أنه قلق على أدهم ومنه وأنا أتفهم كل ما قاله لي ولكن أشعر بالشفقة على الفتاة يا وائل .
مط وائل شفتيه بتفكير فبل أن يشير إليها فتقترب منه ليفسح لها مكانا فتجاور استلقاءه ليسألها بهدوء : تشعرين بالشفقة نحوها ولا تشعرين بالخوف على ولدك ؟
هزت رأسها نافية : أدهم لن يفعلها .
لوى شفتيه ساخرا : لماذا أليس ابنك يعد رجلا الآن ؟! منذ أن كان طفلا وهو مولع بالجنس اللطيف أنه يصادق الفتيات منذ أن كان بروضة الأطفال ، الآن حينما أصبح بعرض وطول الباب سيتوقف عنهن ،
زمت شفتيها بضيق : أنت تجور عليه في حكمك يا وائل .
هز رأسه رافضا : على الإطلاق أنا أدرك جوانب شخصية أدهم جيدا أنه شاب جيد مليء بالمميزات أنه ذكي .. لبق .. وسياسي بفطرته ورجل أعمال بجيناته ولكن لديه صفة سيئة للغاية قد تودي به إلى التهلكة ، ضعفه أمام الجنس اللطيف .
لوت شفتيها بضيق لتهمهم بحنق : من شابه أباه فما ظلم ، اتبعت بعصبية - ألا تقولونها هكذا ؟
ضحك بخفة : بلى نقولها ولكن أنت تعلمين أنها لا تنطبق على أدهم فهو بهذا الأمر لا يشبهني وأنت تعلمين .
أعتلى البؤس ملامحها لتنظر إليه : إذًا ماذا أفعل ؟!
تنهد بقوة : أنا لا أفهم ما المشكلة ؟ عبس قليلا قبل أن يسألها بغضب مستنكرا- هل ابنك يصادق الخادمة ؟
ردت بسرعة : لا لم يفعل أقسم لك .
عبس بتساؤل : إذًا لماذا تشعرين بالشفقة على الفتاة ؟
تمتمت بخفوت :لأننا سنصرفها من عملها
عبس بتعجب : من قال هذا ، بل سننقلها لعمل أخر بعيدا عن أدهم .
تنفست بهدوء لتجيبه بتروي : أنها لن تقبل أنا أعرف فهي عزيزة النفس جدا .
ابتسم وتذكر محاورتها له ليغمغم : أعلم ولكن إننا لا نؤذيها بالعكس اسأليها عن مؤهلها الدراسي وسنوفر لها عمل بالمؤسسة .
فكرت قليلا لتهمس سائلة : وإذا رفضت .
أجاب على الفور : أطرديها ، بهتت ملامحها ليتابع بجدية آمرة - إذا فعلت يا فاطمة فهي تريد البقاء بجانب أدهم وحينها لا مفر من الخلاص منها .
اتسعت عيناها هلعا لتمأ برأسها : فهمت سأفعل فقط دع الأمر لي ولا تتدخل أنت وعاصم .
ابتسم وأومأ بالإيجاب ليهتف بضجر افتعله: اذا هل انتهيت فأقوم بعملي وأزيح نغزتك أم لا تحتاجين لخدماتي الليلة فأخلد إلى النوم .
ضحكت برقه لتقترب منه تزحف بركبتيها على الفراش لتشرف عليه تنظر له بوميض عينيها المغوي : وهل أقوى على رد خدمات سعادتك يا معالي الوزير ؟
ومضت عيناه بلهفه : ومعاليه دائما في الخدمة .
جلجلت ضحكتها من حوله قبل أن يجذبها من ساعديها إليه فيلتهم شفتيها بتوق وكفيه تلامسان ظهرها فتدفعها إليه أكثر لتتأوه برقه حينما دفن أنفه بعنقها وهمس بصوت أبح : اشتقت إليك يا حوريتي.
***
تعالت ضحكاتهم بقوة على مزحة ما أطلقها عز فشاركه زياد المرح لتنطلق الضحكات من أفواههم . مجتمعين على طاولة العشاء ببيته .. من حوله فيشعر بسعادته مضاعفة وهو يرى ابنه مستقر بجواره .. يقابل أخويه .. متأقلم بأريحية مع حبيبة عمره بأكمله ويشتغل صديقه برقي يعتبر من سمات شخصيته .
ابتسم ورمقها بطرف عينه في نظرة تدرك معناها جيدا فتبتسم إليه بدورها وتحدثه بعينيها أن يشيح بعيدا عنها ليكتم ضحكته التي كادت أن تنطلق قبل أن ينهض بجدية تمسك بها أمام أطفاله : ماذا تشربون يا شباب ؟
قفز عز الدين واقفا ليهتف بجدية : أنتظر يا بابا لن تقوم بخدمتنا ونحن جالسون ، سآتي أنا بكل شيء .
دفعه آدم للجلوس ثانية : بل اجلس وانتهى من طعامك أولا ، فأنا انتهيت بالفعل .
نهضت إيناس برقي : هلا جلستما سويا وتركتما لي هذه المهمة ؟
رفع عز الدين كفيه بمعنى لا شأن لي قبل ان تقترب من آدم هامسة : ماذا تريد أن تشرب يا دكتور ؟
حاوط خصرها رغم عنه بكفيه ليهمس : أي شيء ، ما ستأتين به سأشربه راضيا .
تعالت الصافرات من آسيا وأمير الذي هتف : أووه سنعزف إليكما الموسيقى ، لتتبع آسيا بشقاوة - ونأتي بعصير الليمون على رأي عادل .
اتسعت ابتسامة عز وهو ينظر لأبيه الذي شاكس أخته بملامح وجهه لتنطلق ضحكات آسيا وهي تبادل أبيها المشاكسة تحت نظرات زياد التي تتأملها دون أن يخفض بصره عنها بل عيناه تلألأت بشغف يتزايد كلما أقترب اكثر منها .
طرفت بعينيها نحوه لتتورد وجنتيها حينما التقطت نظراته إليها فتشيح بوجهها بعيدا وهي تتذكر معاتبته إليها اليوم .. كلماته الحازمة التي ألقاها على مسامعها معلنا استياءه عن حديثها العفوي مع ابن خالها ، ابتسمت وتوردت حينما استعادت كلماته التي أثارت خجلها وهو يصرح إليها بان ما يكنه إليها أكثر من إعجاب . رفعت عيناها إليه ثانية فتومض عيناه الخضراء العسلية ببريق ماكر وكأنه أدرك أفكارها لتخفض نظرها سريعا ووجهها يحتقن بقوة . ابتسم عز مسبلا عينيه قبل أن يلكز ركبة صديقه بركبته من تحت الطاولة فيجفل زياد ويبعد نظره عنها مجبرا قبل أن يلتقط نظرات أمير المثبتة عليه بتفكير وانزعاج أعتلى ملامحه ، كح بحرج ليعاود تناول الطعام وخاصة مع تحرك كلا من آدم وإيناس بعيدا عن الطاولة قبل أن تهتف إيناس من سيحتسي القهوة معي .
هتف عز الذي نهض واقفا يحمل طبقه ليضعه بحوض المغسلة : اتركيها يا ايني أنا سأعدها لكلينا
نظر له آدم بتعجب مرددا : لكلينا ؟!!
تحرك عز ليقترب من إيناس واضعا ذراعه فوق كتفيها بود سرى بينهما ليهز رأسه إيجابا : أينعم لي ولصديقتي .
ضحكت ايني مرغمه حينما زمجر آدم بغيرة مفتعلة : أرفع ذراعك عن زوجتي يا ولد
رفع عز حاجبيه متعجبا : ذاك أنت قلتها ، زوجتك اذا بالتبعية هي في مقام أمي ، أتبع بمشاكسة واستفزاز تعمده - أم صغيرة .. جميلة .. رائعة
تحرك آدم بغضب نحوه وهو يسبه بمسبات كثيرة متتالية منوعة من لغات عدة في ظل ضحكات عز الذي ركض هربا منه فتتمسك به إيناس حتى لا يتبعه وجسدها يهتز من قوة ضحكاتها لتهتف به : توقف يا آدم أنه يستفزك متعمدا .
عبس آدم بغضب ليزمجر بحنق : أرى أنك تضحكين ،
هزت كتفيها بدلال : ولماذا لا أضحك أنه محق أنا بمقام أمه .
نظر لها آدم بطرف عينه : لا والله .
ابتسمت وهي تخفض نظرها عنه تدير إليه ظهرها بدلال فيقترب منها مرغما يحيط مكان وقوفها بكفيه فيحتجزها بين جسده والطاولة الرخامية العريضة ، يدفن أنفه بخصلاتها لتهمس بحرج وهي تتململ بوقفتها : آدم الأولاد من حولنا .
همس وكأنه لم يستمع لها : طوال اليوم لم تغيبي عن ذهني لحظة واحدة ، أجلت عملياتي اليوم حتى لا اخطأ بسبب وجودك الصاخب داخل عقلي وروحي التي تئن مطالبة بوصالك ، أتبع وهو يطبع قبلة على أم رأسها - اشتقت إليك يا صغيرتي .
شعرت بجسدها يخونها ولهفتها إليه تتكاثف بداخل أوردتها فاستدارت تنظر إليه تفرد كفيها فوق صدره تدفعه بلطف بعيدا عنها قليلا هامسه : توقف أرجوك الأولاد إذا نهض أحدهم سيرانا .
أدار عينيه على شفتيها بتمهل ليهمس : إذًا وما الأمر أن يرانا أحدهم ، رفع عينيه إليها متبعا بهمس - لم نفعل شيئا بعد .
ابتسمت رغم عنها لتهمس بخفوت : آدم .
أجاب بصوت أجش : نعم .
رفعت عيناها تنظر لعمق عينيه : توقف .
همس بشقاوة : لم أفعل شيئا بعد
ابتسمت بمكر : أعلم ولكنك ستفعل .
هز رأسه بلا مبالاة : حسنا بم أنك ظننت بي السوء ، فأنا سأفعل .
سيطرت على ضحكتها حتى لا تنطلق من حنجرتها قوية لتضيء عيناها بمرح لم يره منذ زمن بعيد ليهمس بخفوت وهو يقترب منها ناويا تقبيلها : الآن سأفعل .
هم بامتلاك شفتيها ليرن جرس الباب مبددا لحظتهما الوشيكة وخاصة مع صوت أمير الذي صدح عاليا : سأفتح أنا .
ارتكبت وقفتها ليطمئنها بضمة حانية سريعة قبل أن يبتعد عنها قليلا فيجاورها وقوفا ليمر أمير من أمامهما متجها نحو باب الشقة المواجه للمطبخ والصالة الواسعة التي بها جلسة الطعام ليفتح الباب بسلاسة يعبس بتعجب وهو ينظر لتلك السيدة التي وقفت أمامه بتساؤل فأجابته قبل أن تنطق بلغة إنجليزية ذات لكنة غريبة على مسامعه : مرحبا يا صغير ،
رفع أمير حاجبيه بدهشة فاتبعت السيدة بابتسامة لم ترقه : هل عز الدين موجود ؟
أومأ برأسه إيجابا ليجيبها بإنجليزية سليمة : نعم من أخبره ؟
ابتسمت السيدة لتخطو إلى داخل المنزل قبل أن تتوقف بمنتصف الصالة تنظر لمن يقفان أمامها متجاوران ينظران لها بصدمة ألمت بهما فتجيب هي بعنفوان : أنا أمه .
***
يجلس فوق مقعد وثير يهتز برتابة بجانب غرفة معيشة منزله الأنيق ، يراقب أضواء المدينة العالمية المبهرة – التي انتقل إليها واستقر بها منذ عدة سنوات ماضية - أسفل البرج السكني الضخم الذي يسكنه ، فلازالت المدينة مضيئة رغم أن الوقت تعدى منتصف الليل و اضحوا بيوم جديد ففرغت الشوارع من الناس وغرقت المدينة في سبات عميق رغم أضوائها الساطعة ، زفر بقوة وهو يفكر بل إن رغم نهارها الصاخب بالعمل ورغم أنها تضم أنواع البشر كلها بجنسياتهم الكثيرة .. ديانتهم ومعتقداتهم المختلفة .. وأشكالهم المتباينة ألا أنها لا تماثل صخب بلده الحبيب والتي تظل مستيقظة ليل نهار ، فهي كامرأة مجنونة منكوشة الشعر تذيقك الجحيم نهارا من حرها الخانق واكتظاظها الدائم ليأتي الليل فتذوب بنعومة وتخرج لك بوجهها الآخر تذيقك من سحرها الخلاب بإغواء متمرس فتجبرك على الغرق .. الذوبان .. التعلق كطفل صغير يتشبث بطرف جلباب أمه .. امرأته .. فتاته .. عشيقته .
فهي تقوم بكل الأدوار دون كلل أو ممل بل بتنوع وتقلب هستيري يجذب الجميع لها دون استثناء حتى من لا ينتمون لها يغرقون في عشقها فهي متفردة ورغم أنه جاب معظم البلدان إلا أن شعوره بها لم يتكرر أبدا .
انتبه من أفكاره الصاخبة .. شوقه المهلك لوطنه .. ولهفته للعودة له ،عودة حرمها على نفسه إلا حينما يكون قادرا على الأخذ بثأره - على تحركات زوجته الرقيقة تحوم من حوله كعادتها حينما تشعر بابتعاده عنها ليرفع نظره إليها أخيرا يبتسم في وجهها بود ويشير إليها أن تقترب منه فتطيعه بنعومة لتقف أمامه فيجذبها نحوه يضمها إلى صدره يقبل جبينها ويهمس بصوته الرخيم : هل نام الطفلين ؟
أومأت برأسها إيجابا لتهمهم بخفوت : منذ أكثر من ثلاث ساعات ولكنك لم تنتبه لصخبهما الدائم وخاصة قبيل النوم .
ابتسم باعتذار حقيقي ومض بعينيه : أعتذر منك .
تمتمت مجيبة : لا عليك ، فقط أتمنى أن أعرف ما يشغل عقلك فيجعلك بعيدا عنا .
تنفس بعمق وهمس : لا شيء أنا هنا معك .
نظرت لعمق عينيه لتجيب بخفوت : أتمنى أن تكون محق.
عبس بتعجب ونظر إليها بتساؤل تجاهلته لتنهض واقفة من فوق ساقيه تهمس بخفوت : حسنا أتمنى لك ليلة سعيدة ، تصبح على خير ،
تمسك بكفها يوقفها عن الابتعاد ليجذبها نحوه يقبل ظاهر كفها فتضم رأسه لحضنها قبل أن تنحني مقبلة رأسه من فوق خصلات شعره الكثيفة لتهمس بخفوت : من الواضح أنك لن تنام الليلة كعادتك حينما تنشغل بأمر ما ، لذا سأخلد للنوم فالشقيين يستيقظان فجرا ولابد من تواجدي معهما
همس ببسمة ودودة : لا حرمنا الله منك يا حبيبتي .
ابتسمت برقة لتهتف : تستطيع أن تشغل عقلك في القراءة كما تحب ، ناولته جهاز لوحي كان موضوعا على طرف طاولة جانبية - به كل شيء كتب روايات ومجلات تخص أخبار الاقتصاد والفن والمجتمع بأعدادها الجديدة جدا .
اتبعت وهي تنظر له : إذا أردت أن تنضم لي و تقرأ بجواري في الفراش لا أمانع أبدا .
تنهد بقوة : بل سأستلقي هنا على الأريكة حتى لا أقلق منامك بكثرة حركتي .
أجابته وهي تبتعد فعليا : حسنا على راحتك ، هل تريد شيئا مني قبل أن أنام ؟
هز رأسه نافية : شكرا لك .
أومأت برأسها متفهمة لتخفض الإضاءة قليلا قبل أن تغادر بالفعل فيتابعها بعينيه ثم ينهض ليستلقي بالفعل على الأريكة وهو يقلب بمحتويات الجهاز اللوحي يبحث عن المجلات الاقتصادية التي ذكرتها لتومض بعينيه صورة تتصدر صفحة المجلة وخبر كتب بالعربية ليعيد الصورة ثانية يقرأ ذاك الخبر الذي يخص الآخر الذي تسبب في فصله من عمله .. ضياع مستقبله .. طرده من بلده .. وتشتيته دون مرفأ آمن بعيدا عنه ، لتتسع عيناه بصدمة وعقله يدرك محتوى الخبر الذي أتى متصدرا صفحة مجلة المجتمع المخملي عن عقد قرانه على الأخرى التي كانت سببا في كل شيء حدث له.
قفز جالسا وضغط على الخبر ليأتي بتفاصيله فيقرأها بتمعن وغضبه ينتشر بأوردته يسيطر على كل خلاياه وعيناه تظلم بوميض انتقام تأجج بعمق قلبه وخاصة حينما تأمل باهتمام تلك الصورة التي زينت الخبر .
صورة أخرى غير تلك التي وضعت على غلاف المجلة ، صورة تظهر مدى قربهما .. حبهما .. عشقهما ، ليرجف فكه بغضب أهوج سيطر على تعقله حينما تأمل نظرتها الغارقة في الآخر الذي مازال غارقا فيها ، فهو منذ الوهلة الأولى الذي تطلع إليه قديما أدرك أنه مدله بالصغيرة المدللة أعتمت عينيه وهو بعود ببصره نحوها ليشعر بقلبه يرجف ألما .. قهرا .. وبغضا فيزين إليه شيطانه الانتقام الذي سيكون وجبة باردة سيسعد كثيرا وهو يؤملها و يشفي غليله منهما معا !!
***
يطالع جهازه اللوحي على أحدث طراز .. طراز ليس متواجد بوفرة هنا في هذه الأرض .. تومض عيناه ببريق خطر وهو يطالع الصور الحديثة التي تم التقاطها صباح اليوم لهذا الشاب الذي يرتدي زي الصاعقة المصري .. هذا الشاب الذي وقف يودع عائلته على باب بيتهم قبل أن يضمه والده إلى صدره ثم يتركه ليغادر بكامل زيه وبسيارة تخص القوات العسكرية المصرية .. سيارة تشي بمكانته الغير تقليدية وبرتبته الاستثنائية على شاب في سنه
أعاد صورة التقطت للآخر تظهر جانب وجهه ورتبته التي تلمع فوق كتفيه ليحلل المعطيات التي أمامه ويصل لنتيجة واحدة لا يوجد غيرها .. هذا الشاب من تحدث عنه إليعازر المرة الماضية .. هذا الشاب الذي طارد فرقتهم – في الهجوم الأخير - وطردهم رغم كونه تصدى لهم وحده مع رفيقه الآخر .. هذا الشاب المسئول عن عدة عمليات ظفر فيها .. أوجعهم بها .. ورسم الهلع على جفون أبنائهم بسببها ، فأصبحوا يتحدثون عن ثعلب صحراء جديد لا يقون على التصدي له ولا الوقوف أمامه ، لقد نشر الرعب في نفوس جنودهم هو وفرقته التي تعد أعلى فرق الصاعقة اليوم ، فرقة مكونة من عشرون ضابط يعملون تحت امرته ، هوياتهم سرية فلم يتمكنوا من تصفيتهم خارج أرض المعركة كما حاولوا ولكن الآن وبعد اليوم سيقدرون على فعلها وإن لم تأتي العملية المحضر لها بعناية على أجلهم سيتبرصون بهم وينحرون أعناقهم بدم بارد في أسّرتِهم حتى تنتشر أخبارهم لبقية زملائهم فيبثون رعبا داخل النفوس .. وخوفا يمتلك القلوب .. ويدعمون فكرة أن لا أحد سيقف ضدهم آمن منهم !!
ابتسامة شديدة الخبث لمعت على ثغره ليتمتم بهدوء : أنا أحب فكرة نحرهم ولكن ما باليد حيلة سنجعلها أخر طريقة نلجأ إليها حتى لا نخترق الهدنة المزيفة بيننا وبينهم على الأقل
صمت قبل أن يتبع وهو يبتسم ساخرا : فالحرب ليست قائمة ولكنها مستمرة رغم أنها ليست معلنة ، والسلام القائم فيما بيننا وبينهم ما هو إلا واجهة حضارية نخفي من خلفها صراع لن ينتهي إلا بانتصارنا .
__ سنقضي عليهم إن عاجلا أو آجلا . ألقاها بإقرار والتفت لمن تجلس بجواره - ألا يقولونها هنا هكذا يا سيرين ؟
ابتسمت سيرين برقة : بلى يقولونها هكذا .
هز كتفيه إذًا لنكن مثلهم إلى أن نغادر ، هيا ارتدي حجابك واذهبي لملاقاة الأحمق الذي ينتظرني، أتبع وهو يرفع عيناه الزجاجية الخالية من أي مشاعر كعادته - سأترك إليك إنهاء حياته فأنا أعلم أنك تعشقين اللهو بفرائسك قبل القضاء عليها .
انحنت نحوه تقبل شفتيه باشتهاء تملكهما للحظات قبل أن تهمس له : شكرا على كرمك البالغ يا سيدي ، ولا تخف لن تسمع اسم باهر ثانية بعد اليوم .
راقبها تغادر بعد أن استعادت مظهرها القريب من أبناء هذا البلد ليعود ببصره نحو الجهاز اللوحي ثانية قبل أن يداعب هاتفه فيجري اتصال حان وقته .
أتاه صوت الآخر الخشن فابتسم ببرود هاتفا دون ترحيب : مرحبا يا صديق الصيد وقع بالمصيدة، استعدوا لحفل الشواء القريب جميعكم مدعوون لدي ببيتي الصحراوي ، ولا تخف فهذه المرة صيدنا ثمين سيسيل لعابكم فقط من رائحة شواءه أعلم ا أنك تحب اللحوم الناضجة .
انصت قليلا قبل أن يتابع ببسمة مقيتة ساخرة : فقط لا تفرط في تناول اللحوم ودع بعضا منها للآخرين فأنا أعتقد أن بقية العائلة ستحب تذوقها .
صمت عم عليه قبل أن يجيب بهدوء : حسنا أنا انتظر موعد وصولك ، إلى اللقاء .
أغلق الهاتف ليضعه جانبا قبل أن يعيد بعضا من الصور ليتوقف أمام صورة الآخر الأكثر شبها بأبيه هامسا بهدوء : أعتقد أنه حان دورك يا دكتور ، أقرها ببريق غامض وتشفي رسم على شفتيه ليتابع ببرود – سأتخلص منكم أولا حتى أتفرغ لما أتيت لأجله من الأساس .
تحرك واقفا ليقترب من أشياءه يبحث عن شيء محدد يعلم أين موضعه فيأتي بصورة باهته مؤطر بإطار خشبي قديم يتفحص وقفة أبويه ملتصقان ببعضهما ينظران لمن يلتقط صورتهما بابتسامة سعيدة مبهجة .
يتنفس بحشرجة داعبت قلبه قبل أن يهمس بوعيد وهو يلامس وجه أبيه : سأنتقم لك وسآخذ بثأر أمي ممن خطفتك وانتزعتك منا .. من عائلتك .. وطنك وأرضك ليقتلك حبيبها في الأخير مستوليا على كل شيء كان يخصك .
صمت ليتبع بصوت تهدج ألما : ما عداي يا بابا ، أنه لم ولن يستطع الوصول لي بل إن وجودي هنا اليوم لأجتث عنقه وأشعل النار في جذوره واحرق قلبه على كل ما أخذه ، سأنتقم وأخذ بثأرك يا بابا وهذا وعدي لك .
***
انتهى الفصل ال29
يليه الفصل ال30


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس