عرض مشاركة واحدة
قديم 16-09-20, 06:02 PM   #313

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 974
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

ارتجف كفاه ليقبضهما بثبات وهو ينظر إلى جنى التي دلفت غرفة العمليات فاقتربت من الطاولة بعدما استعدت كما هو واضح عليها لتقف بثبات و رأس مرفوعة أمام جسد أسعد قبل أن تتحرك بثبات نحو رأسه تهمس لممرضة بجوارها عن شيء فتلامس الأخرى هاتف جنى لتضعه بجانب رأسأسعد عبس بتعجب وخاصةً حينما انحنت جنى تهمس بشيء لم يتبينه ليزداد عبوسه بعدم فهم ألم بعقله
سحبت جنى نفسًاعميقًا وهي تنحني بجوار أذنه فتهمس بصوت أبح بعد أن سيطرت على رجفتها التي ألمت بها حينما رأتهأمامها هكذا لتحدثه بثبات وأمل دفعته إلى دماءها فتحول إلىيقين استقر بقلبها : ستنهض من أجلي .. من أجل عائلتك .. من أجل والديك .. شقيقتك .. وتؤامك ، لن تخذلني اليوم كما لم تخذلني يومًا من قبل ، وحينما ستنهض ستغفر لي أني خلعت خاتمك ، لتعلم أنه لم يكن بالأمر الهين -أبدًا - علي ، بل كان أهون علي أن انزع قلبي وارميه أرضاً عن خلعي لخاتمك ولكن حتى تنهض أنت سليم معافي أتنازلأنا عن أي شيء حتى أنت . صمتت قليلًا لتسحب نفسًاعميقًا قبل أن تتابع - ولكني أعلمأنك ستنهض .. ستستيقظ .. ستقوم معافي وتلبسني إياه ثانيةً ونتزوج لتحيا بجنتك كما أخبرتني دومًا .
صمت آخرألم بها فتسيطر فيه على اختلاج أنفاسها قبل أن تهمس بصوت أبح وتشعر بدموعها تلسع جفنيها قبل أن تبوح أخيرًا : أناأحبك يا أسعد واشتقت إليك فلا تتأخر علي وعد لي سريعًا
أشارت للممرضة فتلامس الهاتف وتبعده قبل أن تقف بثبات تشد جسدها بصلابة وتتنفس بعمق تنظر لطبيب التخدير القابع بجوار رأس أسعد فيشير إليها برأسه أنه مستعد لأي شيء قبل أنتهتف بجدية و انجليزية يستخدمونها عادة فيم بينهم وهي تمد كفها لمن يجاورها ليساعدها : مشرط .
ناولها من يجاورها ما أرادته لتسحب نفسًا اعمق قبل أن تزفره ببطء هامسة بخفوت : بسم الله. ألقتها لتأخذ وضعها الصحيح قبل أن تشق بطنه بثبات وعملية تمسكت بهما لتستطيع إنقاذه .
***
نهنهت في البكاء ليتنهد سليم الجالس مجاورًا لها بعد أن رفض عادل أن يدلفا خلفه نحو غرفة العمليات التي صحبوا أسعدإليها فيهمس بصوت مختنق مكبوت بانفعالاته التي يخفيها بداخله : هامسًا باسمها في صوت مختنق قبل أن يتبع : اهدئي يا موني ، اهدئي سيكون بخير بإذن الله ، فقط كوني قوية لأجل عمي أميرولأجل عمتي حينما تفيق فهي ستحتاج إليكبجوارها تدعمينها إلىأن نطمئن على أسعد .
أجهشت في بكاء لم تستطع السيطرة عليه ليهتف بجدية محاولًاأن يمنحها بعضًا من الصلابة : توقفي يا يمنى أرجوك لم اعهدك هكذا من قبل لطالما كنت متماسكة قوية سد منيع عند المحن ماذا حدث لك ؟!
رفت بعينيها كثيرًا والتفتت لتتحدث إليه لتلتقط عيناها وجوده لقد وصل للتو فهو كان يهرع نحوهم لا تعلم كيف عرف ولكنه هنا معها .. موجود بجوارها .. أتى لأجلها ، ولكن خطواته تباطأت وعيناه تسقط عليها وعلى جلوس سليم قريبًا منها ليتوقف عن الاقتراب ينظر إليهمامليًا فتنتفض واقفة وتهرع نحوه وكأنها وجدت طوق نجاتها من دوامة يأس كادت أن تبتلعها!!
زفرة راحة شقت صدره حينما أسرعت نحوه فيتحرك بدوره نحوها ليتلقف ساعديها بكفيه فتبوح له من بين دموعها : أسعد يا عمار ، أسعد .
أومأ لها بتفهم ليلف ذراعه بعفوية حول كتفيها يدفعها بلطف لتسير معه هامسًا : أعلم ، أهدأي يا حبيبتي ، سيكون بخير .
نهنهت في البكاء وهو يجلسها بجواره على إحدى الأرائك المعدنية المنتشرة من حولهم والمقابلة لجلوس سليم وكأنه يبعدها عن الأخير دون وعي حقيقي منه ، ليمسح بكفه دموعها المنهمرة على وجنتيها يرفع رأسها ليلملم خصلاتها المنثورة حول وجهها للخلف ليربت على وجنتيها أمرًا بلطف : توقفي يا مونتي توقفي عن البكاء يا حبيبتي ، اتبع وهو ينظر لعمق عينيها - أسعد سيكون بخير لا تقلقي .
انتفضت برجفة بكاء غمرتها فترق نظراته لها وخاصةً حينما همهمت : كلام الأطباء لا يطمئن إصابته بالغة لقد رأيته قبل أن يخفوه بداخل هذا الباب ، رعدة أخرى انتابتها لتهمس بطفولية والخوف يحتل نظراتها ويبح صوتها : كان مغطى بالضمادات لا يظهر منه شيء سوى كتفه الأيسر وأول رقبته فاقد الوعي وشاحب كالأموات .
انتفضت ثانيةً فجذبها مرغمًا لصدره متماسكًا لا يقوى على ذرف دموعه الآن هامسًا بلوع انتابه : توقفي يا يمنى أرجوك .
تمتمت ببكاء ودلال طفولي لم تتعمده : هل سيعود يا عمار ؟!
رفع رأسهعاليًا ليجبر نفسه على الصمود أمام موجة ضعفها الذي لم يتوقع أن تنتابها ليهمس بثبات افتعله : إن شاء الله سيعود معافى وبخير سيقر أعيننا بوجوده فقط اهدئي .
ربت على رأسها ودارت عيناه يبحث عن عادل لتقع نظراته بنظرات الآخر المسلطة عليه ينظر بعدم رضا لاحتضانه لرأسها المدفونة بصدره ليرفع أنفه بأنفة تعمدها قبل أن يربت على وجنتها بلطف ويهمس وهو يبعدها قليلًا عن صدره : هيا توقفي عن البكاء حتى لا يكون فأل سيء عليه كما تقول خالتي ليلى دومًا.
نهنهت وهي تحاول أن تتحكم في دموعها التي تنهمر بقوة على وجنتيها ليرفع رأسها وهو يتراجع للخلف حتى يستطيع أن يلتقط نظراتها المشوشة فيمسح دموعها بكفيه يبتسم مطمئنًا لها قبل أن يتابع : لا تخافِ يا حبيبتي سينهض أسعد معافى بإذن الله ، فقط ادعي له .
سحبت نفسًاعميقًا وأومأت برأسهاإيجابًا ليبتسم يحثها على التماسك وهو ينهض واقفًا حينما اقترب الآخر منه ينظر إليه بتحدي سري فيم بينهما ، فيزفر عمار أنفاسه بقوة يحاول أنينحي ضيقه منه جانبًا في هذا المصاب وكأن سليم شعر به فنحى هو الآخر الخلاف القائم بينهما من صغرهما فيمد يده له مصافحًا ، نظر عمار لوهلة لكف سليم الممدودة قبل أن يبتسم بلباقة ويصافحه بجدية سلام لم يأخذ الكثير من الوقت ولكنه أعلن عن هدنة رمت أسسها بينهما لينطق سليم أخيرًا وهو يقف مواجهًا له : كيف عرفت ؟!
عبس عمار متمسكًا بهدوئه ليجيب بجدية : من عمو أحمد ، عبس سليم بتساؤل وحنق ومض بعينيه فاتبع عمار شارحًا – حينما أخبرتني ماما بأمر خالتي ليلى ، هاتفت عادل لأسأله عن حالتها واطمئن عليها ولكني استنتجت أنالأمرأكبر من غيبوبة سكر ألمت بخالتي فصوت عادل لم يكن طبيعيًا .
ارتفعا حاجبي سليم بدهشة وسخرية نبضت بعينيه فيهمس هازئًا : علمت أنالأمر كبير من صوت عادل .
ابتسم عمار من بين أسنانه ليهمس ساخرًا : تخيل ؟!! اتبع ببرود وعنجهيته تحضر بقوة – ألاتعلم أنا طبيب نفسي بالأخير ؟!
أطبق سليم فكيه بعدم رضا ليزفر عمار بقوة قبل أن يستكمل حديثه منحيًا الضيق الذي سكن بروحه : حينها شعرت بالقلق فاتصلت بعمي أحمدوسألته مباشرة عن أسعد ، اتبع بعفوية لم يقصدها – لا اعلم لماذا شعرت بأنالأمر الجلل يخصه ولكن صوت عادل ذكرني بحلم يمنى الذي أخبرتني عنه فشعرت بأنالأمر يخصه .
همهم سليم بتساؤل تجلى بعينيه : حلم يمنى ؟!
رف عمار بعينيه ليهمس بجدية وهو يتجاهل تساؤل سليم : حينها أجابني عمو أحمد عن إصابة اسعد فأتيت على الفور وأنا اعلم أني سأقوى على الدخول إلى المشفى فأناأحد أطبائها .
أومأ سليم برأسه متفهمًا ليسأله بجدية : هل أخبرت أحد ؟!
هز عمار برأسهنافيًا : لا ، أنا اعلم الإجراءات الأمنية المتبعة في هذه الحالات .
أومأ سليم برأسه متفهمًا لينطق أخيرًا بصعوبة وكأنه يجبر نفسه على الحديث : جيد أنك أتيت من أجلها ، نظر عمار إليه بعدم فهم فاتبع سليم بجدية وهو يشير برأسه على يمنى التي توقفت عن البكاء وهدأت قليلًا – كانت شبه منهارة وأنا لم أقوى على احتواء انهيارها .
ليغمغم بصوت مختنق : فشلت في ما نجحت أنت فيه فشكرًا على مجيئك .
ومضت عينا عمار بثقة ليهمس ببوح شعر بانه حان وقته : بل شكرًا لك أنت ، رف سليم بعينيه لينظر إليه بدهشة متسائلًا فاتبع عمار مرغمًا – كنت متواجدًا بجوارها طوال غيبتي ، دورك كاخ وصديق ساعدها كثيرًا على تجاوز محنة سفري .
اطبق سليم فكيه بقوة لينطق بتهديد صريح : فقط لا تعيدها ثانيةً ، حينها لا يعلم أيا منا ماذا سيحدث ؟!!
ابتسم عمار لينطق بوعد : لن أفعل صدقني .
أومأ سليم برأسه متفهمًا وهم بالعودة ليجلس ثانية مكانه ليلتقط عمار عودة أمير من الداخل يتحرك بخطوات بطيئة كتفيه متهدلان وظهره محني كما لم يراه من قبل ، ارتعد قلبه بخوف ليسرع نحوه حينما شعر به يترنح فيسانده هو وسليم الذي على ما يبدو التقط ترنح زوج عمته ليضع عمار كفه على رقبته قبل أن يصيح بسليم : استدعي فريق التمريض يا سليم فنبضات عمو أمير ليست طبيعية .
اتسعت عينا سليم بفزع قبل أن يركض مبتعدًا طالبًا المساعدة انتفضت يمنى تهرع نحو أبيهاالذي أسنده عمار وهي ترتجف من الخوف فيصيح بها : اسنديه معي لنجلسه
دفعا سويًا جسد أمير الثقيل ليجلساه على أول أريكة قابلتهما فيدفع عمار بظهره للوراء ليفتح أزرار قميصه الأولية ويسأله بهدوء رغم ارتجاف نبراته : بماذا تشعر يا عماه ؟!
همست يمنى بجزع : بابا .
دارت مقلتي أمير دون رد قبل أن يغمض عينيه ، أنفاسأمير الثقيلة أنبأته بأمر جلل يحدث له فهتف وهو يحاول أن يدلك له صدره : تحدث معي يا عماه لا تتركنا الآن
أشار ليمنى برأسه فتحركت لتتمسك بكف أبيها البعيد عنه هاتفه بلوعة ودموعها تنهمر من جديد : بابا أرجوك انهض لأجلي .. بابا لا تتركني .. بابا .
لينتفض واقفًا حينما هرع ممرضان من خلفهما طبيب يركض بجوار سليم الذي توقف بملامح شاحبة وعيناه تجحظان برعب فيبتعد للحائط المقابل وهو ينظر لأمير المغشي عليه قبل أنيحملاه المسعفان ليهرولا به لإحدى غرف الطوارئ فيركضون ثلاثتهم معهم لتوقفهم إحداهن هاتفه بصلابة : انتظروا هنا .
توقفوا مرغمين لتهتف بصوت مبحوح من البكاء : عمار بابا ماذا سيفعلون به ؟!
انهمرت دموعه رغم عنه وهو يقابل عيناها الجازعتان .. أنفاسها الخائفة .. وقلبها الراجف بوجل ليؤثر الصمت فهو لم يجد ما يقوله لتهمس باسمه في صوت باكي ليجذبها نحوه يحتضنها بكامل قوته وإرادته ووعيه ليبكيا سويًا على من اختفى من أمام أعينهما في لحظه .
لينتفض سليم مهرولًابعيدًا عنهما .. يندفع للخارج يركض بكل طاقته دون أن ينظر أمامه فهو لا يستطيع الرؤية .. لا يقوى على الإبصار .. أنفاسه تتلاحق ويشعر بقلبه يئن وكأنه سيلاقي حتفه يركض ويركض ودموعه التي تنهمر بغزارة تغرق وجهه .. رقبته .. تبلل صدره فلا يهتم فكل ما كان يكبته بداخله منذ أن رأى جسد أسعد المثقل بجراح والمغرق بدمائه انفجر وثار وهاج وماج ليفور ويغرق كل ما حوله .
توقف أمام سيارته ليجهش في بكاء عنيف وهو يسند براحتيه فوق مقدمتها يحاول أن يتماسك ولكن رؤية أمير المغشي عليه تزلزل كيانه فيبكي بنواح على الكبير الذي سقط .. السند الذي وقع .. عامود العائلة وربها الذي مرض ليضرب بقبضتيه فوق سطح سيارته ويصرخ بعنف يتأوه بهدير عالي إلىأن سقط أرضًا ينهنه في بكاء لم ينتهي ولكنه توقف حينما شعر بكفين قويين يمسكان كتفيه ليدفعاه ويساعداه على النهوض فيلتفت لينظر من خلف غيمة دموعه الكثيفة عن هوية الممسك به لتقع عيناه الجازعة في عيني أبيه المرتعبة قبل أن يأتيه صوت أبيه الأبح يهتف به : انهض يا سليم ، انهض يا بني وأخبرني ماذا حدث لتبكي هكذا ؟!
***
يجلس أمام أبيه على احدى الطاولات الموجودة في مقصف كبير يقع بجانب استقبال الطوارئ في المشفى بعد أن سحبه أبيهإليه فأجلسه به وأتى له بقهوة بعد أن اطمئنا على حالة أمير الذي أصيب بأزمة قلبيه اسعفها الطبيب فلم تؤثر- قويًا- بزوج عمته ، لهث بقوة وهو يتحاشى النظر إلىأبيه الذي اصر أن يأتيا إلى هنا حتى يهدأ بعد أن كان شبه منهار بسبب كثرة الضغط الذي تعرض إليه من أول الليلة .
مط بلال شفتيه بتفكير ، ينظر إلى ابنه الذي يتحاشى النظر إليه منذ أن جلسا سويًا ، ليبتسم ساخرًا وعقله يذكره بأن ابنه يتحاشاه فعليًا منذ أن بلغ صباه دون سبب مفهوم له ، فشعر - حينها - بأن ابنه الوحيد يبتعد عنه .. يتركه في منتصف طريق لا يعلم آخره ، وازداد شعوره بابتعاد يزداد حينما قرر سليم بعد أن تخرج من الجامعة أن يسلك طريقًا آخر غير الطريق الذي أراده إليه منذ أن بُشر بخبر مجيئه !!
سحب نفسًاعميقًا يهدأ الغضب الرابض داخل روحه وهو يتذكر أنه عاد أخيرًا لطريقه .. لمسلكه .. لخلافة أراد أن يتوجه ملكًا عليها ورغم رفض ابنه بأول الأمر إلاأنهالآن بدأ يستجيب .. يخضع .. يمتثل ، حتى إن لم يعرب عن خضوعه ولم يصرح به ولكن هو يشعر به يشعر بلينه .. باستجابته وسيكون غبيًا واحمقًا إذا أضاع فرصة كهذه من بين يديه فها هو القدر أهداه فرصة جديدة لأن يقترب من ولده ويقربه منه كما اخبره أمير من قبل .
شعر بألم يكتنف روحه وهو يفكر في أمير الذي وقف من خلف زجاج الغرفة ينظر إليه في فراش المرض ، يتذكر وجه الشاحب المختفي من خلف قناع التنفس والوهن الذي أصابه وقلبه الذي لم يحتمل مصابه في ولده ، ليشعر بالاختناق يتحكم في حلقه وغصة قوية تلح عليه وهو يفكر في حال أسعد غير المعلوم إليهم للآن ليرفع نظره ثانية لابنه فيشعر بأنه يريد أن يضمه في صدره ويصلي شكر لله أنه بخير موجود أمام عينيه ليهمهم دون وعي بدعاء خرج مشبع بعمق روحه لأسعد أن ينهض سالمًا معافي ويطمئن قلوبهم عليه .
__ آمين .
نطقها سليم بجدية فارتعش ثغر بلال ليكمل بهدوء : وحفظك الله لي وبارك لي فيك ،رف سليم بعينيه دون فهم ليكمل بلال يحثه بجدية – امن على الدعاء يا ولد .
همهم سليم مؤمنًا على دعاء أبيه وهو ينظر إليه بعدم فهم فيبتسم بلال ويخفض بصره عنه ليهمس بجدية : أتعلم يا سليم لم أخبرك من قبل عن مدى فرحتي حينما علمت بخبر حمل والدتك لك ، ولم أخبرك عن مدى فرحتي حينما رزقني الله بك .. ولن تذكر فرحتي يوم عيد مولدك الأولفحينها كنت صغيرًا فلا اعتقد أنك ستتذكر هذا الحدث ، ولكن اعتقد أنك تتذكر يوم أن أنهيت دراستك الأساسية وحصلت على مركز الثالث على مدرستك كم كنت فخورًا بك وسعيدا في وقتها ؟! بل إني أعددت لك حفلاًكبيرًا أقمته لأجلك ودعوت إليه الناس كلها احتفالًا بك ، هل تذكر هذا الحفل يا سليم !!
رمقه سليم مليًا قبل أن ينطق بهدوء : نعم أتذكر وهل هذا الحفل ينسى يا بابا ؟!! ابتسم سليم بألم وهمس ساخرًا – وأتذكرأيضًا المشاجرة القوية التي نشأت بينك وبين ماما ليلتها بعد انتهاء الحفل .
طل الذهول من عيني بلال ليقترب سليم من الطاولة يضع ساعديه فوقها متعامدان ليهمس بصوت أبح ساخر : هل تتذكر أنت المشاجرة يا بابا ؟! اهتزت حدقتي بلال برهبة فاتبع سليم باستهزاء – إن كنت لا تذكر يا بابا أذكرك أنا فمع الأسف أنا أتذكر جيدًا تلك المشاجرة ، أتذكرأنياستيقظت من نومي الذي كان يحمل حلمًا جميلاً لأفيق من غفوتي على كابوس رهيب لا استطيع أن أتخلص منه للآن .
اختنق حلق بلال اكثر ليهمس سليم متبعا : منذ صغري وأناأشعر بتوترك الرهيب حينما يقترب منا أحدًا غريبًا .. أشعر بنزقك وضيقك إذا تحدثت ماما مع احدهم حتى وإن كان حديثاً عاديًا ، لم افهم أمر الغيرة هذا جيدًا منذ كنت طفلًا ولكن كلما كنت أكبر كلما كنت اتقبله ، لم أتفهمه يومًا ولكني تعايشت معه وخاصةً حينما كانت ماما تبرر أمر مشاجرتكما الكثيرة بأنك تحبها كثيرًا تعشقها بجنون لذا لا تحبها أن تحتك بأي شخص غريب عنا ، إلىأنأتت تلك الليلة التي فهمت فيها بأنالأمر ليس غيرة يا بابا إنه شك .. وسواس قهري يسيطر على عقلك فتقهر على اثره أميالتي تحبك بل تعشقك فتحاول على حسب مقدرتها في بعض الأحيان احتواء ثورتك .. غضبك .. وطباعك النزقة دومًا ، إلىأن اكتفت وخاصةً مع اتهامك لها تلك الليلة ، رفع سليم عينيه لينظر لعمق عيني أبيه يتبع بتساؤل حاد – هل تذكر يا بابا تلك الليلة ؟! لأنإذ لم تتذكر أنا أتذكر جيدًافبعد هذه الليلة كل شيء تبدل معي وأمام عيني .
همهم بلال سائلًا بصوت أبح : ما الذي تبدل معك ؟!
ابتسم سليم ساخرًا : كل شيء ، نظرتي نحوك .. نحو أمي .. نحو الأُناس الذين يحاوطونا ، عقلي بدأ يحلل الأشياء ويدركها ويستنتج ويفهم ما كان غير قادر على فهمه من قبل ، اخفض سليم رأسه ينظر إلى كوب القهوة الموضوع أمامه فلم يمسه ليراقب الدخان المتصاعد منه قبل أنيهمس – ظللت أيام كثيرة ابتعد عن كليكما ، انظر إليكما واحلل تصرفاتكما .
اختنق حلقه ليتبع بهمس خافت محشرج : راقبت أمي وتصرفاتها .. سلوكها وعقلي يفكر وشيطاني يوسوس لي بأن من الممكن أن تكون أنها تخطأ بشيء ما لذا أنت تشك بها ، من الممكن أن هناك ما يريب في أفعالها لذا أنت تفعل ما تفعله معها لاكتشف بعد وقت قصير أنأمي هادئة .. رقيقة .. طبيعية فاستكنت لأمي بعد أيام كثيرة كنت عازفًا عنها لأشعر بالشفقة نحوها مع كل مرة تتصرف فيها بطبيعية فتقيم أنت من اللاشيء شجار رهيب ينتهي بها باكية ، ليدرك عقلي رغم صغر سني أن الأمر عندك لا يقع ضمن حيز الغيرة بل هو أكبر من ذلك .
زفر بقوة ليرفع عينيه إلى وجه أبيه المتجهم والمختنق ذهولًا ليكمل : لا انكر أنك تحبها لدرجة الهيام وتعشقها لدرجة الجنون ولكن اكتشفت أن هذا ليس أساس المشكلة ، ومع مرور السنوات نضجت وبدأت افكر بتروي وهدوء وحرص فمنحني عقلي سببًا حينما حلل تصرفك إحدى المرات التي قابلت أحدهم لا داع لذكر اسمه الآن ، فاهتززت أمام نظراتي وركضت عيناك تنظر بهلع مرضي نحو أمي التي كانت غير مهتمة بهذا الشخص الذي توقفت مضطرًاأن تصافحه وتتحدث معه مجبرًا .
انتفض بلال أمام عيني سليم الذي اتبع بمرارة : يومها استعاد عقلي تلك المشاجرة التي نشأت يوم الحفل وتذكرتها بأكملها لافهم كل كلمة تناثرت من فمك ليلتها بغضب أهوج فجرحت بها أميلأجل أن تهدأ مراجل غضبك الذي لم ولن يهدأ أبدًا يا بابا .
تمتم بلال باختناق : أنت لا تفهم ، لا تعلم وأنا لا استطيع أنأخبركبأي شيء لعلك تدرك أنالأمرأكبر مما تتحدث عنه الآن .
تنهد سليم بقوة ليهمهم بصدق : حقًا يا بابا أنا لا أريدأن افهم ولا أريدأن اعرف، فعقلي على مدار السنوات الماضية تعب من كثرة التفكير والتحليل والفهم .
تنفس بلال بعمق ليهمس : لا تكن ظالمًا يا سليم .
ارتفعا حاجبي سليم بدهشة ليهمهم هازئًا : لا أكن ظالمًا ، أنا لم أكن ولن أكنأبداً ظالمًا يا بابا، الظلم هو ما فعلته أنت بماما وبي وبحبيبة أيضًا .
عبس بلال بعدم رضا ليهتف بحنق : ما بالها حبيبة ؟! ماذا فعلت بها ؟!
اتسعت عينا سليم بصدمة ليهتف بحنق سائلًا : حقًا يا بابا تتساءل عم فعلته بحبيبة ؟! انظر إلى حبيبة جيدًا وحينها ستعرف ماذا فعلت بحبيبة ؟!
اهتزت حدقتي بلال وجهه يشحب بقوة ليهمهم سليم وهو يهدأ من غضبه : هذا الكلام ليس وقته ولا مكانه ، فما يحدث حولنا أهموأكبر من تلك الخلافات الصغيرة .
تنهد بلال بقوة ليهمس باختناق وهو يشعر بأن فرصته مع ابنه تتسرب من بين كفيه : فقط أردتأن أخبرك بأنك ولدي الوحيد والذي أريدهأفضل من العالم اجمع ، أنت مهم جدًا لي يا سليم
ضحك سليم ساخرًا ليهتف بعدم تصديق : حقًا يا بابا ؟! إذًا لماذا لم اشعر يومًا بمدى أهميتي التي تتحدث عنها الآن ، لماذا شعرت دومًا بأنك تستنكر تصرفاتي .. تقلل من شأني .. وتهملني لأني لم ارقى يومًا وأحقق لك هذا الحلم الذي حلمته من أجلي ورسمت وخططته لي ؟!
اتبع سليم بمرارة أغلقت حلقه : اخبرني يا بابا أين أهميتي التي تتحدث عنها حينما لم تشجعني حينما اتخذت قراري بطريق مخالف لك ، أين أهميتي حينما أخبرتني أني فاشل لا اسوى شيئًا لأني سلكت طريقي الخاص بي ، أين أهميتي وأنت تستنكر نجاحي وتقلل منه ، أين أهميتي يا بابا أم ظهرت الآن حينما قبلت بالوظيفة التي أردتها لي دومًا منذ الصغر فاكتشفت أن لك ولد ستفتخر به بعد أن كنت تستعر منه ومن كونه نجمًا ناجحًا في وسط أنت غير معترف به .
رجع سليم للخلف ليهمهم بألم اعتصر قلبه : للأسف يا بابا لم تنجح يومًا في أن تشعرني بمدى أهميتي لديك ، لذا لا تلومني لأني الآن لا اصدق أني ذي أهمية فلطالما شعرت بأني غير قيمة لديك .
ارتعد قلب بلال الذي خفق برفض ليهمهم بصوت أبح : بل أنت هام جدًا لدي يا سليم وكل ما كنت أفعله ما هو إلا حرص عليك وعلى مستقبلك يا بني ، حينما تؤسس أسرة وتأتي بالأطفال ستعلم عم أتحدث يا سليم ، فالمرء يا بني لا يحب أحدًاأكثر من نفسه سوى أولاده ، وأنت وشقيقتك تمثلان لي العالم وما فيه .
ابتسم سليم ساخرًا ليهمس : اصدق أن حبيبة تمثل إليك العالم وما فيه ولكن أنا ..
صمت وهز كتفيه دون حديث لينظر إليه بلال برجاء ويهمس بخفوت : حسنًا امنحني فرصة ثانية وأنا سأحاول بكل طاقتي أن أشعرك بمقدارك وقيمتك عندي يا سليم .
اشاح سليم برأسه لينهض واقفًا : الأمر ليس كذلك يا بابا ، ولتعلم أنك مهما فعلت ستظل أبيالذي لا أقوى على الاستغناء عنه ولا التنكر له حتى إن فعل هو .
نهض بلال يقف مواجهًا لولده يرفع رأسه ينظر إليه هامسًا بصدق : أنا لا أريد فقدانك يا سليم، فأنت ولدي الوحيد .
ارتعش قلب سليم تأثرًا وصوت أبيه يحشرج باختناق ليهمس على الفور : وسأظل ولدك الوحيد يا بابا سندك ومعك وإذ احتجتني ستجدني إلى جوارك .
جذبه بلال إليه ليجبره أن ينحني فيضمه إلى صدره يربت على ظهره بدعم : وأناالآخرإذاحتجتني ستجدني أؤازرك يا بني .
ارتعشت روح سليم بعوض لم يفكر فيه يومًا ليبتسم من بين دموعه التي ملأت جفنيه ليهمهم بخفوت وهو يكح مجليًا حلقه : شكرًا يا بابا .
ربت بلال على وجنته ليهمهم إليه بتساؤل : أنت تحب زوج عمتك كثيرًا .
ابتسم سليم وهو يشد جسده فينظر لأبيه من علو قبل أن يهمس : عمو أمير مكانته ليس زوج عمتي فقط يا بابا وأنت تعلم .
أومأ بلال برأسه : نعم معك حق ، انه كبير عائلتنا شفاه الله وعافاه وطمئنا عليه وعلى أسعد .
تمتم سليم برجاء : اللهم آمين .
سأله بلال : ما أخبار عمتك ؟! لقد أتيت لأجلها ولم أكنأدرى بأمر أسعد .
زفر سليم بقوة : إنها بخير نائمة فلم تعرف بأمر أسعدإيناس معها بالأعلى ، تعال لأدلك على غرفتها .
جاور ابنه بخطوات بطيئة قليلا وهو يدعو الله أن يفك كرب عائلة أخته ويطمئن قلبه عليهم جميعًا .
***
صباح اليوم التالي- السابعة صباحًا
تحرك عادل بنفاذ صبر بعد أنأصبح وحيدًا فأحمد الجمال ذهب ليتابع بقية وصول الحالات المصابة والتي أتت بالتوالي بعد مجيئ أسعد ، بل انهم استدعوه لإجراء جراحة لأحد الضباط لديه إصابة بالغة ومع حالة عادل المستعصية ذهب هو للقيام بالجراحة بدلًا منه ، زفر عادل بقوة ونظر إلى الساعة الرقمية التي تومض بعداد للدقائق والساعات بجانب غرفة العمليات و التي تشير أن الوقت قارب على إتمام خمس ساعات كاملة تبلي فيهم جنى بلاء حسن بل إنها أثبتت له كيف كانت محقة حينما عاندته هو وأبيهاوأصرت على إجراء الجراحة بنفسها وها هي تقترب كما يظن من إنهاء الأمر الذي سيكلل بنجاحها وستعيد أخيه له من جديد ، انتبه على صوت أحمد الذي عاد للتو فيربت على كتفه هامسًا : لقد قاربت على الانتهاء الحمد لله الذي مَن علينا بفضله .
همس عادل بأنفاس ذاهبة مرددًا : ألف حمد وشكر لله ، الحمد لله على نعمته وفضله .
ابتسم أحمد بأمل فبادله عادل الابتسامة براحة قبل أن يدوي صوت صافرة جهاز القلب وصوت الممرضة التي هتفت : معدل ضغطه ينخفض يا دكتورة ،
ليهتف الطبيب الآخر : إذا توقف قلبه سنفقده يا دكتورة .
اتسعت عينا عادل برعب قبل أن يركض من فوره ينزلق على السلالم نحو المدخل الآخر لغرفة العمليات يعقم نفسه سريعًا قبل أن يقتحم الغرفة فيسمع صرخة جنى التي أتت قوية وهي تهتف بحدة : clear
فيرفع الجميع كفوفهم عنه لتصقعه بشحنة كهربائية معتادة قبل أن تعود وتضغط بكلتا راحتيها فوق قلب أخيه بثبات وهي تهتف بجدية : انهض يا أسعد .. لن أفقدك هنا .. انهض .
تنظر إلى الجهاز الذي لا يعطي أي إشارة قبل أن تعاود شحن الصاعق الكهربائي وتصرخ ثانيةً: إخلاء .
فيبتعد الجميع لتصعقه من جديد ثم تعاود تدليك قلب أسعد وهي تهتف بثبات وكأنها تردد لنفسها قبل أي شخص آخر : لن أفقدك .. أسمعت .. لن أفقدك .
عاودت الأمر للمرة الثالثة وهو يقف من بعيد يراقب دون أن يجرؤ على الاقتراب يبتهل قلبه قبل لسانه بدعاء كثير لله أن ينقذ أخيه من موت محقق إذ لم يستجب هذه المرة للشحنة التي صعقته بها جنى قبل أن تهتف بصراخ صم أذنيه : انهض يا أسعد .
و كأن قلبه يأتمر بأمرها فقد عاد ثانيةً للخفقان بنبض بطيء ولكنه استجاب ، ارتجف جسده رغم عنه وسقطت دموعه المخزنة بعينيه فتنهمر مغرقة الكمامة التي يضعها أمام أنفاسه ثم وجنتيه حينما عاد جهاز القلب لمنحهم صوت النبضات من جديد فتلهث جنى وتتوقف عن الضغط فوق قلبه لثواني قبل أن تتماسك مرغمة تعاود إنهاء ما بدأته بثبات أثار شفقته نحوها ليهتف بصرامة بالطبيب المساعد : انهي التقطيب من فضلك .
رفعت عينيها إليه ليمأ إليها بعينيه أن تترك الآخر لينهي ما بدأته وأنجزته هي فترفع كفيها تترك كل شيء وتبتعد للخلف ولكنها أبت أن تغادر بل ظلت واقفة إلىأن انهى الطبيب الآخر كل شيء ليهتف بعدما انتهى : عملية ناجحة يا دكتورة مبارك إليك .
انهمرت دموعها فأغرقت كمامتها التي لاتزال محتفظة بها لتهرول للخارج فيتبعها عادل بعد أنأخبرهمبأن ينقلوه للعناية المشددة كما هي الإجراءات المتبعة .
دلف إلى غرفة التعقيم من خلفها ليجدها أرضًا بأحد أركانها تبكي بانهيار ألم بها ترفع كفيها -المختفيان خلف قفاز الجراحة الذي يحمل دماء أخيه – أمام وجهها وتنظر إليهما بهلع ، تنتحب بشهقات متتالية أوجعت قلبه ليقترب منها هاتفًا باسمها قبل أن يقبض على مرفقيها ينتزعها من مرقدها ويجبرها على الوقوف ليخلصها من قفازها يرميه بسلة المهملات قبل أن يدفعها بلطف نحو مرش المياه فيغسل لها كفيها هامسًا بخفوت بجوار أذنها : اهدئي يا جنى .. اهدئي أسعد بخير والحمد لله اهدئي أنت أنقذته فاهدئي.
نظرت إليه بعدم تصديق ليمأ لها برأسهإيجابًا هامسًا : أسعد بخير والحمد لله ، زفرت بقوة وهي تحاول أن تتمالك دموعها لتنهنه بطفولية أثارت بسمته فاتبع بتفكه تعمده - توقفي حتى لا أضمكإلى صدري بدلًا من أسعد فهو لو كان متواجدًا لفعلها.
ارتجف جسدها وابتعدت عنه بحرج ليضحك بخفة هاتفًا بها : لن افعلها لا تخافِ .
حينها نطقت مشاكسة وهي تغسل كفيها وتعقمهما ثانيةً : اعلم طبعًا أنك لن تجرؤ على فعلها وليس لأجلي بل لأجل أنك تخاف من أسعد.
ضحك بخفة ليجيب بهمس : ومن الذي لا يخاف أسعد .
ابتسمت بألم داهم قلبها قبل أن تنهمر دموعها من جديد فيزفر بقوة هاتفًا بجدية : توقفي يا جنى واحمدي الله أنه بخير وادعو له لينهض سالمًا ، نهنهت من جديد فاتبع بصلابة - لابد أنتتماسكي قبل أن نخرج للعائلة فجميعهم ينتظرونا لنبلغهم بحالة أسعد .
واصلت غسل كفيها قبل أن تهمس بخفوت وهي تغادر الغرفة بصلابة : سأمر عليه قبل أنأخرجإليهم.
أومأ برأسه متفهمًا قبل أن يتبعها فهو الآخر يريد الاطمئنان على أخيه ليقوى على أن يطمئن أسرته ويشعر بأن عالمه يعود إلى الاستقرار من جديد .
***
تقف لتنظر من خلف الزجاج إلى جسد أبيها الراقد بالداخل لا تتبين ملامحه بسبب قناع الاكسجين الموضوع له ، تراقب جهاز القلب الذي يومض بتتابع فيخبرها عن استقرار حالته ، جفت مآقي عيناها من كثرة البكاء .. وتوقفت أحاسيسها عن الشعور ، فحجم المصاب أكبر من قلب يخفق بألم أو روح تتنازع تحت وطأة الفقد ، فالصدمات التي ألمت بها على التوالي منذ الليلة الماضية أفقدتها رفاهية الشعور وخاصية الألم ، إنها تشعر بالجمود يحيطها ، تتذكر ملامح وجه أمها الشاحبة .. ندائها الخافت باسم أخيهاوكأنها كانت تريد أن تخبرها بحجم المصاب الذي يلم بهم ، ترتجف حدقتيها مرغمة وهي تستعيد مرأى جسد أسعد الملفوف بالضمادات فتتلاعب خيالتها بها وتحول الضمادات الكثيرة لكفن ابيض يحيطه فيعتصر قلبها بوخزة ألم قوية لم تبوح بها ليستقر بؤبؤ عينيها وهي تنظر لأبيها الذي لم يتحمل أن يفقد ولده البكري ، دموع كثيرة تجمعت بحلقها فشعرت بغصة قوية تخنقها وهي تردد على عقلها " نعم إننا نفقد البكري .. الكبير من بعدك يا أبي .. ظهرنا .. دعمنا .. وسندنا ، أخي الحنون والابن المراعي والفارس المثالي "
لسعت الدموع ماقي عينيها من جديد لتنفض رأسها ترفعها بشموخ رافضة البكاء لتشعر بإنهاك غريب يداعب أوردتها حينما احتضن كتفيها براحتيه ليضغط عليهما بلطف هامسا : تعالي واجلسي يا يمنى ، أنت واقفة هكذا منذ أكثر من ساعتين ، بل منذ أن أخرجتك الممرضة خارج الغرفة .
همهمت بصوت أبح منهك : لا أريد الجلوس ، أنا بخير .
سحب نفسًا عميقًا ليجاورها وقوفا : لا لست بخير ، أنا اشعر بك .
اهتزتا حدقتيها برجفة ألم لتهمس ببوح أرادته : هل تتذكر ذاك الحلم الذي أخبرتك عنه ؟!
تصلب جسده و آثر الصمت قليلًا قبل أن يجيب : لم تخبريني عن تفاصيله يا يمنى ،
أومأت برأسها موافقة : نعم لم أشأ أن اخبر الطبيب عن تفاصيل الحلم حتى لا ازج به في خصوصيات أسرتي ، لكن الآنأنا أتحدث معك أنت يا عمار .
التفت إليها نصف التفاته ليهمس باهتمام وترقب : وأنا كلي معك ولك يا مونتي .
عم الصمت عليهما قليلًا قبل أن تهمس بصوت أبح : إنه يتحقق كاملًا ولو أني أخاف أن أقصه فتغدو الأمور اسوء مما هي عليه لقصصته عليك ، اختنق صوتها ليتهدج بخفوت – فقط كلما تذكرت أسعد المغطى بالضمادات البيضاء أتذكرأنيرأيته بحلمي مكفنًا بالأبيض وشاحب كالأموات فيرتعد قلبي وتتمزق روحي حينما يخيل إليأني سأفقده .
ارتعدت أمام عينيه ليجذبها نحوه يضمها إلى صدره وقلبه يقفز بهلع ليهمهم بأنفاس متلاحقة : بعد الشر عنه ، بعد الشر عنه و عنك ، بإذن الله لن يحدث له شيئًا .
دفعته بعيدًا عنها بهدوء فمنحها مساحتها وهو يبتعد للخلف قليلًا لترفع عيناها إليه : أنت لا تكرهه أليس كذلك يا عمار ؟!
شحبت ملامحه ليهمس باستنكار: أكرهه ؟!! هل جننت يا يمني ؟! أناأكرهأسعد ، إنهأخيوصديقي .
اخفضت عيناها لتهمهم : فقط أتساءل لأجل الموقف القديم .
ابتسم ساخرًا : كان من الأحرى أن يكرهني هو ولكنه لم يفعل ، بالله عليك كيف اكرهه على خطأ أنا من ارتكبته في حقه .
سحبت نفسًاعميقًا لتهمهم : لم ترتكب الخطأ وحدك ، بل أنا شاركتك فيه .
اغمض عينيه ليزفر بقوة قبل أن يهمس بثبات : لا يهم الآن يا يمنى من ارتكب الخطأ ومن شارك فيه ، ما حدث قد حدث ونحن ببداية جديدة لا علاقة لها بالماضي ، بداية أعدك أنها ستكون جيدة ولن ارتكب ما أخطأت فيه ثانيةًأو حتى ما شاركت فيه خطئًا .
تنهدت بقوة ليهمس باسمها في خفوت فتلتفت تنظر إليه فيهمس متبعًا : سيكون كل شيء بخير، فقط أنت لا تبتأسي لأجل الجميع ، اتذكرين حين مررنا بحادث عاصم ، أنت من كنت تمدينني بالقوة والثبات ، اسمحي لي أن ادعمك في مصابك ولا تبعديني عنك .
تنهدت بقوة : أنا لا أقوى على ابعادك يا عمار ، بل أنا اتشبث بك حرفيًا اليوم ، وكأني غريق وأنت طوق نجاته .
ابتسم مرغمًاوالأمل ينبض بعينيه : إنه لأجمل اعتراف بالحب سمعته يومًا يا مونتي .
انشق ثغرها عن بسمة قصيرة الأمد لتهمهم بذكاء وكأن عقلها استعاد بعضًا من قوته فعاد للعمل ثانيةً : أنا بحالة عصبية خاصة يا دكتور ، لذا لا يؤخذ على أقوالي اليوم .
هز رأسه بيأس ليهمهم بلا مبالاة افتعلها : من الواضح أنني الآخر اتعلق بأي قشة تمدينها لي يا ابنة الخيال .
رجف جفنها وملامحها يكسوها الحزن ثانيةً فتضطرب ملامحه قبل أن يهمس بجدية : سيكون بخير لا تقلقي .
تمتمت بمناجاة : يا رب يا عمار ، لينهض معافي لنا بإذن الله .
هم بمواساتها قبل أن ينتفض باهتمام : هاك عادل وجنى قادمان .
تحركت باتجاه أخيها في خطوات سريعة ليخطو عادل نحوهما بخطوات متلاحقة تحدث عادل هاتفًا بجدية أمام زوجي العيون المترقبة : أسعد بخير والحمد لله ، جنى أجرت له الجراحة والحمد لله نجحت في مداواته ، فقط سيمكث في العناية المشددة و الأربعة وعشرون ساعة القادمة ستحدد حالته بالضبط ولكن مبدئيًا هو بخير .
زفرة ارتياح انطلقت من عمق روحه بينما تنفست يمنى بقوة لتنهمر دموعها في بكاء افاض من عينيها ثانيةً ليضمها عادل إلى صدره هامسًا : اهدئي يا موني سيكون بخير بإذن الله ،
تمتمت برقة : بإذن الله
اقترب عمار من جنى هاتفًا باهتمام : أنت بخير
أومأت جنى برأسها قبل أنيسأل عادل باهتمام وعيناه تدور في المكان من حولهم : أين بابا وسليم ؟!
ارتجفت يمنى بقوة أمام عينيه لتتبادل النظرات مع عمار الذي أجاب بثبات تمسك به : سليم ذهب مع بلال بك منذ قليل ، اعتقد أنهما في مكان قريب هنا .
ضيق عادل عينيه ليسأل بريبة سكنت صدره : أين بابا يا عمار ؟!
نطقت جنى بصوت مختنق : ماذا حدث يا عمار ؟!
تمتم عمار بجدية : فقط أهدئا وتعالا معي ، ارتجف عادل بفزع فاتبع عمار – عمي أصبح بخير والحمد لله فقط تماسكا .
ارتعدت جنى بخوف ألم بملامحها ليتمتم عادل باختناق : فقط خذني إليه .
***
اليوم التالي للحادث - الواحدة ظهرًا
يجلس بجوار أبيه بعد أن خلع معطفه الأبيض متخليًا عن دور الطبيب لأول مرة منذ أن بدأ مشواره المهني ، فالأحوال التي تمر بها عائلته الآن لا تحتاج للجراح أو الطبيب فيه بل تحتاج لعادل الابن .. عادل الأخ .. عادل تؤام الفارس وظله ، ازدرد لعابه وهو يراقب ملامح أبيه المتعبة فيحتضن كف أبيه القريب بين راحتيه لينحني مقبلًا ظهره هامسًا بصوت بُح من كثرة البكاء الذي انهمر من عينيه حينما رأى أبيه هكذا ، لقد تماسك كثيرًا وتحامل على نفسه ألا يبكي وشقيقته هنا ليمنح نفسه فرصة الانهيار حينما أمرها بالمغادرة مع عمار ، أوصاها أن تأخذ قسطًا من الراحة وتأتي بملابس للجميع ، وأكد على عمار الاعتناء بها وأن يبقيها قليلًا عند والدته حتى تهدأ روحها الملتاعة بسبب الصدمات الكثيرة التي ألمت بها .
ليبقى هو بجوار أبيهو خاصةً بعدما غادر خاله وسليم الذي هتف به أنهسيأتيثانيةً بعد أنيمهد لوالدته وحبيبة أمرأسعد فيؤكد هو على الجميع أن يخفوا الخبر عن والدته التي لم تعلم شيئًا إلىالآن ، بل إنها حينما استيقظت أخبرتها خالته بأن يمنى ذهبت لتأتي ببعض الأشياء من البيت وأنأمير غادر منذ قليل وأنه مشغول بعمله كما اتفق مع إيني وردد على مسامعها الحديث أكثر من مرة ، لقد تحاشى أن يدلف إلى والدته فلا تفطن لما يحدث خارج غرفتها ، ولا تلتقط جفينه المتورمين من البكاء ولا شحوب وجهه وقلق روحه وأنفاسه المتنازعة بين أبيه الراقدوأخيه الغائب عن الوعي رغم مؤشرات جسده الطبيعية .
انتبه من أفكاره على جفني أبيه اللذين يرفان ببطء ليشعر بفرحة قوية غمرته فيضغط جرس الاستدعاء قبل أن يضغط على كف أبيه بلطف وينحني يقبلها بلهفة هامسًا بصوت ابح : بابا ، هل أنت بخير ؟!
كح أمير بوهن ليفتح نصف عين ينظر إليه بتعب ليهمهم بخفوت من خلف القناع : أريد ماء .
تمتم عادل بجدية : حالًا يا بابا فقط الطبيب يراك أولًا .
رفع أمير كفه الآخر ليزيح قناع التنفس ليهمس عادل بجدية : لا يا بابا انتظر فقط حتى يطمئنني الطبيب .
عبس أمير بعدم رضا قبل أن يهمس بصوت متهدج : أخيك .
تنهد عادل بقوة ليجيبه : بخير ، العملية نجحت والحمد لله ، اغمض أمير عينيه لتلهث أنفاسهوكأنه يحمد الله ويشكره بقلبه قبل أن يتابع عادل موفرًا عليه السؤال حتى لا يرهقه في الحديث – وماما أيضًا بخير فاقت منذ الصباح ولكني تعمدت أن اخفي كل شيء عنها إلىأن اطمئن عليك وعلى أسعد .
أومأ أميربرأسهموافقًا وهو يضغط على كف عادل الممسك بكفه مستحسنًا لينهض عادل واقفًاوالطبيب يدلف إلى الغرفة يبتسم بلطف وينظر إليه بجدية ، فيمأ عادل برأسهموافقًا وهو يغادر لينتظر خارجًا كما هو متبع مع أهل المرضى .
***
يسير بجوار خاله الذي هدأت ملامحه المضطربة حينما اطمئن على أبيه بل إنه دلف إليه وتحدث معه بقليل الكلمات فتلين نظراته المتوترة ويشد جسده بصلابة وكأنه استمد ثباته من إفاقة والدهالمتجهم لأن الطبيب منعه من الحركة وعليه لن يستطيع أن يذهبإلى امه فيطمئن عليها ، لقد حاول أن يوضح لأبيه أن زيارته لها الآن غير نافعة فأمه لا تعلم بحالة أسعد ولا حالته الصحية ولكن أبيه رفض أن يستمع بل أمره بغلظة أن يأتي بكرسي مدولب ويدفعه لغرفة أمه ليطمئن عليها ويطمئنها عليه فهو موقن بالقلق الذي تعيش فيه ، ليستقر أخيرًابأنه سيخبرها عن وعكة أبيه الصحية حتى لا تتفاجأ حينما يدلف إليهاأبيه على الكرسي وبملابس المشفى !!
زفر بقوة وهو يشعر باضطراب جلي فهتف به خاله : دع أمك لي أنا سأتحدث معها ، اضطربت ملامحه أكثر لينظر إلى خاله بشك فأومأ إليه بلال بهدوء - فقط دعها لي أنا سأتصرف .
أومأ عادل بالإيجاب ليطرق بلال الباب قبل أن يدلف على استحياء إلى الغرفة الخارجية فتدعوه زوجته أن يأتي وتصافحه سارة اللتان أتتا منذ الصباح ليرافقن والدته المريضة ويحاولن الهائها عن السؤال عن أسعد ولكن صوت أمه الواهن والذي صدح برجاء أوهن عزيمته : أرجوك يا إيني هاتفيه ، أريدأن اطمئن عليه .
تنهدت إيناس برقة : إنه بخير يا ليلى ، ألمأخبرك بذلك ؟!
نهنهت أمه بصوت مزق أواصر قلبه : أنت تكذبين ، جميعكن تكذبن ، أسعد ليس بخير حتى أميرليس بخير ، رجف جفني إيناس فتابعت أمه – حسنًا اتصلي بعادل أخبريهأن يترك عمله ويأتي لي ، أناأمهأناأولىأن يتفرغ لي ولمرضي .
تمتمت إيناس بصوت أبح : حاضر يا ليلى سأهاتفه واطلب منه المجيء .
أشار إليه خاله أن يتوقف ليطرق الباب طرقة واحدة قبل أن يدلف إلى داخل الغرفة هاتفًا بهدوء كسى نبراته : مرحبا يا أختاه ، كيف حالك اليوم ؟!
اهتزت حدقتي ليلى أمامه لتتوقف عن البكاء لوهلة قبل أن تدرك وجود أخاها فتشنج في البكاء من جديد وهي تهتف بحرقة تمد له كفها : بلال ، تعال يا أخي ، تعال أنت من ستفعل لي ما أريده،
تحرك بلال نحوها بخطوات متلاحقة ليجلس مجاورًا لها وهو يضم كفها بين راحتيه لتهمس بصوت قطع نياط قلبه : أسعد يا بلال ، أرجوك اتصل به لأجلي ، طمئني عليه الآنأمامي ، فأنالا اشعر بالراحة ، قلبي يؤلمني عليه ، أرجوك طمئن قلب أختك .
أومأ برأسهإيجابًا وهو يغصب على نفسه الابتسام : فقط اهدئي وسأتصل به لأجلك .
اخرج هاتفه ليستجيب إليها يفتح مكبر الصوت ليصدح صوت السيدة تخبرهم أن الهاتف مغلق لتجهش ليلى في البكاء من جديد ليهتف بلال : أرجوك يا ليلى لماذا تبكين ؟! أسعد يتغيب كثيرًا وهاتفه يغلق أكثر ، اهدئي وسيكون بخير فقط اهدئي .
نهنهت ببكاء خافت قبل أن تهتف : حسنًا اتصل بأمير ، أريدأن أتحدث معه ، لا اصدق أنهتركني هكذا وأنا مريضة وذهب إلى عمله .
ربت على كفها : اهدئي يا ليلى وكوني منطقية كما عهدتك ، ألا تدركين متطلبات عمل أمير ؟! ألاتعلمين أن عمله يطلب وجوده في أي وقت و أنهم لا يقون على الاستغناء عنه ؟!
نظرت إليه من خلف دموعها لتهمس بخفوت : انظر إلي يا بلال وأخبرنيأنأسعد بخير وأنأمير في عمله كما تقولون جميعًا .
تنهد بقوة ليهمس دون أن ينظر إلى عينيها فعليًا : أسعد بخير وأمير بخير أيضًا .
دفعت كفيه بعيدًا عنها لتهتف بعتاب غلف صوتها : تخدعني ؟! أنا يا بلال تكذب علي وفي هذا السن ؟! لم تفعلها أبدًا ونحن صغار ، الآن تكذب وتظن أني سأصدقك ؟! سأصدق أن ابني لم يفتح هاتفه منذ البارحة وهو بخير ، سأصدق أن أمير تركني وحدي وأنا مريضة ، وسأصدق أنعادل لم يأتي إلي ليطمئن علي للآن !! اتبعت هامسة بوجع – سأصدق أنهم جميعًا تركوني وحيدة دونهم يا بلال ؟!
هتف بلال بمرح مفتعل ودموعه تتجمع بعينيه : هكذا إذًا يا ليلى أنت وحيدة ونحن ماذا نفعل هنا أعقاب شجر ، أليس بجوارك إيناس وسوزان وسارة وأنا ، أنا لا احتسب نسيت بلال يا ليلى أنا هنا أنا بجوارك ؟!
بكت بألم : لم أنساك قط ولكنك تكذب علي ، استحلفك بالله العلي العظيم أن تصدقني القول يا بلال ، أخبرنيأينأمير ؟! أخبرنيأينأسعد ؟! أخبرنيأين عادل ؟!
تماسك بصلابة ليهمهم باختناق : عديني أن تتماسكي وسأخبرك .
اتسعت عيناها بارتياع لتهمهم بيقين : كنت أعلم ، كنت أعلمبأن هناك شيء اخبرني يا بلال أرجوك ، بالله عليك يا أخي اخبرني .
ارتجف أمام عينيها قبل أن يهمهم : أسعد أصيب في هجوم حدث على الحدود .
انتفض جسدها أمام عينيه ليجذبها سريعًا إلى حضنه يقبل رأسها : اسم الله عليك يا أختاه ، اسم الله عليك .
تمتمت وجسدها يرتعش : أخبرني كيف حاله ؟!
سحب أنفاسه ليسيطر على دموعه : بخير إنه بخير الحمد لله ، تغضنت ملامحها بألم وهي تنظر لعمق عينيه تبحث عن كونه صادقًا أم لا فتابع بجدية - أقسم بالله العلي العظيم لا اكذب أسعد بخير لقد أجرواإليه عملية ونجحت الحمد لله إنه في غرفة الإفاقة .
توقفت دموعها عن الانهمار لتلهث أنفاسها بشكر وحمد كثير وقلبها ينتفض لتحاول أن تتحرك تنوي النهوض : حسنًا خذني إليه ، تمسك ببقائها فتهتف به – أمير هناك أليس كذلك ؟! لذا هو لا يجاورني .
اهتزت حدقتيه بتوتر ليهم بترديد أنأمير ذهب لعمله لتهتف به في حدة : إياكأن تكذب ، هل أمير بخير ؟!
ليجيب بهدوء : إنه بخير ، أصبح بخير ، سيأتيإليك بعد قليل .
انهمرت دموعها من جديد لتهمس : طمئني يا بلال أرجوك ، أناأموت من الخوف .
وكأنها جذبت فتيل دموعه التي انهمرت مرة واحدة ليجذبها من كفيها إلى صدره وهو يعتدل بحركة سريعة ليضمها إليه بقوة هاتفًا باعتداد رجولي : أبدًا لا تفعلي أبدًا يا ليلى ، أنا هنا .. أنا معك .. أنا بجوارك ، أفديك بنفسي وعمري ومالي أيضًا يا حبيبتي ،
يضمها أكثرإليه يقبل رأسها : إياك أن تشعرين بالخوف وأنا معك ، إياك أن تشعري بالوحدة وأنا معك ، أنا ظهرك وسندك وعضدك وقتما تحتاجين يا أختاه فقط تماسكي أرجوك يا ليلى تماسكي ، كلنا نحتاج إليك ، أسعد يحتاج إليكأمير يحتاج إليك عادل يحتاج إليك
اتبع وهو ينظر إليها بصدق : وأنا احتاج إليك دونك أناأشعر باليتم يا أختاه
ضمها إلى صدره ثانيةً : دونك أناشريدًا .. ضائعًا .. ووحيدًا ، انهضي لأجلي لأجل أخيك الصغير الذي يحتاجك.
انتفضت في صدره التي تمسكت به بقوة فيضمها إليهأكثر ينشج ببكاء وهو يهدهدها في حضنه لتربت على صدره بحنو : اهدأ يا حبيبي ، أنا معكم ، أنا بخير ، وأنا معكم سأظل بخير
ليندفع عادل مغادرًا الغرفة غير مدركًا لنادر وسليم اللذان حضرا للتو فيتبعه نادر على الفور بينما سليم وقف مبهورًا متسعا العينين فاغرًا فاه دون تصديق بأنأبيه ذو الغضب المرعب يجهش في البكاء لأجل خوف عمته ، بل إنه تماسك بقوة حتى لا يبكي حينما علم بأمر أمير ، لقد رأى حينها الدموع بعيني والده ولكن أبيه لم يذرف دمعه واحدة بل ظل صلدًا .. صلبًا .. جامدًا ، رغم رعبه .. خوفه .. قلقه على أمير وانحناءة ظهره التي أخبرت سليم بمكانة زوج عمته لدى أبيه بل إنه صدق بالفعل أنأبيه يكن لأمير مكانة الأخ وكبير العائلة كما اخبرهم من قبل، ليشعر بالدهشة تغمره وهو يفكر أن من يراه وهو يمشي ملكًا يشد جسده بصمود لا يصدق أبدًاأنه من الممكن أن يجهش في البكاء لأجل أخته الكبرى ويترجاها أن تتماسك لأجله !!
انتبه على حركة والدته التي اقتربت من أبيه تربت على كتفه برقة : توقف يا بلال فأنت تزيد الأمر عليها .
مسح وجهه بإحدى كفيه ليهتف سريعًا : لا والله لم اقصد أنا فقط أريدها أن تتماسك لأجلنا جميعًا ، ربت على ظهر ليلى ليهتف بأمل وهو ينظر لعمق عيني ليلى : ليلى قوية ستنهض لأجل أن تعتني بأسعد ، أليس كذلك يا ليلى ؟!
مسحت ليلى دموعها لتهمهم بثبات تمسكت بآخره : سأفعل بإذن الله فقط أريدأن أراه .
ابتسم بأمل : بإذن الله يا حبيبتي سترينه قريبًاجدًا.
تمتمت بخفوت وهي تتماسك فلا تبكي من جديد : ليفعل الله ما يريد .
***
عبس بتعجب وهو ينظر إليها تهرول اتجاههم ليقترب منها مسرعًا : أنت بخير ما الذي أتى بك؟! هل حور بخير ؟! ماذا حدث يا لميا ؟!
لهثت برقة لتهتف بجدية : أين جنى يا أحمد ؟! أين هي ؟!
عبس بتعجب سرعان ما تحول لإدراك ليقبض فكيه هاتفًا بعصبية : مازن أخبرك ؟!
هدرت بحدة :هل كنت تتخيل أني لن اعرف بينما أنا اهاتف جنى من البارحة وهاتفها مغلق وأنت لا تجيب هاتفك ، بالطبع أخبرني حينما استحلفته بالله أن يخبرني عم يحدث في المشفى وأجبرتهأن يأت بي أيضًا ، زمت شفتيها ودموعها تتجمع بعينيها لتتابع بصوت متهدج - كنت تريديني أن لا أعلم ، طلبت منه يخفي علي الأمر ، لماذا هل أنا غريبة عنكم لتفعل هذا ؟! أم ليس من حقي أن أتواجد بجانب ابنتي ..
صمتت لتبتلع غصتها قبل أن تصحح : ابنتك في مصابها ؟!
عبس بضيق ليهمهم بحنق : لم أقصد ما فهمته يا لميا ، كل ما قصدته
قاطعته وهي ترمقه بطرف عينها لتهمس بمرارة خنقت حلقها : قصدت أو لا يا أحمد ، لا يهم الآن، فقط اخبرني أين جنى لأكون معها ، بجوارها ، ابنتك تحتاجني وهذا من ضمن أسباب زواجك مني ، أو ليس كذلك ؟!
اغمض عينيه ليتنفس بعمق قبل أن يغمغم وهو يقبض على كفها بلطف : تعالي سأوصلك ، إنهابجوار أسعد.
سحبت كفها من يده لتهتف بجدية : لا أريدأن اعطلك عن مشاغلك يا دكتور ، أخبرني أين تقع الغرفة وأنا سأذهب بمفردي
اربد وجهه بغضب لينظر من حوله فيتأكد من كون المكان خاليًا ليقبض على كفها بعنف وقسمات وجهه متصلبة ليهمس من بين أسنانه : لا تنزعي يدك مني هكذا ثانيةًوإياكأن اقترب منك فتنأِ عني بهذه الطريقة وكأني مصاب بمرض معدي.
رفعت وجهها لتنظر إليه بصرامة وهي تنتزع منه كفها ثانيةً : ليس أنا من ابتعدت عنك أولًا يا أحمدأنت من فعلت أنت من نئيت عني دون أن تخبرني ما الذي أخطأت فيه لتعاقبني عليه بابتعادك عني وعليه أنا الأخرى لن اقترب منك إلا حينما أفهم ماذا حدث وما الذي اقترفته في حقك فتنحيت بعيدًا اعتزلتني وهجرتني ، انفرجت ملامحه بذهول وهم بالحديث مبررًا لتشير بكفها مقاطعه حديث لم يفصح عنه لتتابع بجدية - ليس وقته ولا أوانه يا دكتور اليوم أنا هنا لأجل جنى فهي تحتاجني أنا متأكدة ، فوجودي إلى جوارها جزء من واجبي كزوجة لك ، ارتضت بأسبابك التي أخبرتها بها ، لذا بعد إذنك ودعني اهتم بواجباتي كزوجتك .
ابتلع غصة قوية تحكمت بحلقه ليهمس باختناق : فقط سأدلك إلى الغرفة وبعدها افعلي ما تريدين .
أومأت برأسها موافقة ليشير إليهاأن تتقدمه فيدلها على مكان ابنته التي حينما التقطت وجودها أسرعت نحوها ارتمت بحضنها تبكي مصابها تبوح بآلامها وتشكو أوجاعها فتربت عليها لمياء بحنان وعاطفة أمومية خالصة وهي تهمس لها : اهدئي يا بنتي سيكون بخير وسينهض معافي بإذن الله.
***
اليوم التالي للحادث– السابعة مساءً
يقف أمام غرفة العناية المشددة ينظر لجسد أسعد المستلقي بفراش المرض متأثرًا بإصابته في الحادث الغاشم الذي تصدى له هو والبواسل من فرقته والذي اغلبهم راقدون في الأسرة بعضهم نقلوا لغرف عادية أو متواجدون بالعناية المشددة إلىأن يستفيقوا من اصابتهم ، ابتسم ساخرًا ليتمتم بالحمد أن حالة أسعد استقرت بعد أنأثار فزع الجميع عليه ، رغم أنه لم يفق للآن من غيبوبته ولكنه يحمد لله كثيرًا انهم أخيرًا اطمئنوا عليه ، غامت عيناه بعواطف كثيرة وملامحه تنغلق لينتبه على مجاورتها إليه وهمستها الخافتة باسمه ، التفت إليها ينظر إليها بعينين غامضتين تختفي زرقتهما خلف سحابة سوداء شديدة القتامة ، ابتسمت بتساؤل لمع بسواد عينيها فيشيح بوجهه بعيدًا لتهمهم وهي تقف بجانبه : لا زلت قلق على أسعد ، لقد اطمأننت عليه من أبي ومن عمي أحمد ، ومن جنى أيضًا ، والجميع اتفقوا أنه بخير وسينهض معافى بإذن الله.
تنهد بقوة : إن شاء الله .
ابتسمت برقة لتهمس مشاكسة إياه بتعمد : لم أتوقعأبدًاأنك رقيق القلب يا باشمهندس ، ألهذا القدر متأثر بإصابة أسعد وخائف عليه ؟!
انغلقت ملامحه فعبست بتفكير اعتلى ملامحهما حينما همس بصوت أبح : إنه محظوظ .
نظرت له بذهول لتهمهم بعدم فهم : محظوظ ، اتبعت باستنكار - لقد نجى من الموت بأعجوبة .
غمغم بصوت محشرج : لو مات لكان شهيدًا وحينما عاش سيتوج بطلًا .
اتسعت عيناها بصدمة لتسأله بتوتر : أنت تحسده على إصابته يا عبد الرحمن ؟!
عبس بعدم رضا ليجيبها بهدوء : لا طبعًا ، لا احسده أنا فقط افكر في كونه أصبح ما تمنيته يوم ولم أصل له ،
نظرت له بحيرة : عبد الرحمن أنا لا أفهمك .
تمتم بخفوت : لا تشغلي رأسك .
هم بالابتعاد لتقف أمامه تعترض طريقه لتهتف بإصرار : لا لن تغادر إلا حينما أفهم مقصدك ، التفتت تنظر إلىأسعد – ما الذي وصل له أسعد وكنت تتمناه ؟!
تمتم بسخرية وهو يشيح برأسه بعيدًا : أنأكون مصريًا .
ارتدت رأسهاإليه بمفاجأة لتسأله وملامحها تشحب بذهول : وأنت لست مصريًا ؟!
تشكلت ملامحه بسخرية آلمت قلبها ليهتف هازئًا : أنا خواجة يا روكا ، ألم تخبريني بذلك من قبل ؟!
شهقت بمفاجأة لتتلعثم : لازلت تتذكر ، نظر لها من بين رموشه فتابعت بتعثر – كنت صغيرة ولم أكنأعلم ملامحك الأجنبية ضللتني .
هتف ساخرًا : ملامحي الأجنبية دليل صريح على كوني ليس مصريًا خالصًا يا رقية .
زمت شفتيها بضيق لتهتف به بحدة : توقف عن قول أنك لست مصريًا ، أنت مصري أب عن جد ، بل إن طباعك .. أخلاقك .. غيرتك كل هذا يدل عن عمق مصريتك ، وكون أن جدتك انجليزية وهو شيء طبيعي يحدث للكثير ليس سببًا لتتفوه بأنك لست مصريًا ، ابتسم ساخرًا لتقف أمامهتشمخ برأسها وتشير بسبابتها – إنها ميزة يا بني آدم ، انظر حولك وأخبرني كم واحد حولك يمتلك شقرتك أو عيناك الزرقاوين أو برودة أعصابك .
ابتسم رغم عنه ليهتف بمشاكسة تملكته : لولا آخر جملة نطقت بها لظننت أنك تغازلينني .
جمدت ملامحها لتهمهم بعتاب : عبد الرحمن ، أنا لا امزح أنا أتحدث بجدية هنا .
رفع عينيه إليها يتأملها مليًا قبل أن ينطق : اخبريني يا رقية ، أليست ملامحي التي تتحدثين الآن عنها بطبيعية وتخبريني أن علي الفخر بها هي السبب الرئيسي في ابتعادك عني منذ صغرنا ؟!
رفت بعينيها لتهمس بخفوت : لن أنكرأنك محقًا ولكني كنت مخطئة ، كنت صغيرة ولا افقه الكثير ملامحك ضللتني فقط لا اكثر .
ابتسم ساخرًا : وحينما كبرت ظللت تتجنبينني لنفس الأسبابأليس كذلك ؟!
سحبت نفسًاعميقًا لتهمس ببوح : لا ليس لهذه الأسباب فقط ، رفع حاجبيه بتساؤل فاتبعت بجدية وهي تنظر إليه بشموخ – بل لأني كنت أحافظ على نفسي .. مشاعري .. قلبي .
ضيق عينيه بعدم فهم لتشيح بعينيها بعيدًا لوهلة قبل أن تتابع بشرح : حينما كبرت اختلافك هو ما جذبني إليك ، توردت لتتبع بصوت أبح – لتعلم أنك كنت تنير كالضوء حينما تدلف إلىأي مكان ، ضوء يجذبني كالفراشة فأطير مبتعدة عنه بكل طاقتي خوفًا أن يكون ضوئك نارًا تحرق أجنحتي فلا أقوى على الطيران من جديد .
أخفضت رأسها بحرج فلم تلمح عيناه اللتان أضاءتا بلون زرق يشابه لون السماء لتكمل : وخاصةًأنك لم تكن هذا الشاب المستقيم بل كنت تصادق الفتيات بأريحية فظننتك بالفعل أجنبيًا كما تشي ملامحك ، ازدردت لعابها ببطء لتهمس – كم كنت ابتعد محلقة أكثرفأكثر مع كل فتاة تصادقها و خاصةًأولئك الفتيات ذوات الملامح المصرية الجذابة بلون بشرتهم السمراء و أعينهمالغامقة فانظر لنفسي بالمرآة و أخبرهابأنه لا يراك ، بالتأكيد لن ينظر نحوك فأنت لا تحملين أيًا من المواصفات التي يتمناها .
أجابسريعًا بصوت أجش رخيم : بل أنت كل المواصفات التي تمنتها يومًا ، أنت فتاة أحلاميالمجسدة فقط كنت لا أجرؤأن اقترب منك حتى لا تتكبرين علي كما فعلت ونحن صغار .
شحبت ملامحها التي لانت باعتذار صادق ومض بعمق عينيها : حقًا يا عبد الرحمن ؟! هل أثرحديثي بك لهذه الدرجة ؟!
تنهد بقوة ليبتسم هازئًا : لا ليس لهذه الدرجة ولكنه نبهني لشيء كان غائبًا عني ولكني تأكدت منه أكثر حينما كبرت .
تمتمت سريعًا : ما هو ؟!
هز كتفيه بقلة حيلة : بأني لست مصريًا .
تبرمت بغضب : توقف يا عبد الرحمن أرجوك .
ضحك بخفة رغم مرارة الألم الذي ومض بعينيه فاعتمت زرقاويتيه من جديد : أناأتحدث بجدية ولا أشير لحديثك السابق بل أخبرك عم حدث معي .
ومضت عيناها بالاهتمام فاكمل : حينما كبرت كنت أريدأن انضم للكلية العسكرية كأسعد .
ألقاهاوأشار لأسعد برأسه فاستدارت تلقائيًا لتنظر إلى جسد أسعد المستلقي لا يدري ما يحدث من حوله ليتبع هو بصوت أبح محشرج بذكرى ذات وطأة ثقيلة على روحه – ولكني لم استطع
عبست بتعجب لتدير رأسهاإليه من جديد وهي تجاوره وقوفًا : لماذا ؟!
أشار بكفيه : لأجل ما ذكرته أنت من قبل ، فأنا جدتي انجليزية وهذا غير مطابقًا للشروط .
اتسعت عيناها بذهول فأكمل باختناق قبض على حلقه – على الطالب المنضم للكلية أن يكون أبواه وجداه مصريين ، وأناأملكأب نصفه غير مصري ويحمل الجنسية الانجليزية أيضًا .
لانت عيناها بحنو احتضن ملامحه الحزينة والغضب المر بصوته لتهمس بفطنة : لذا لجأت إلى العمل مع هذا الجهاز السيادي ؟!
همس ببوح : لم أخطط أبدًا للعمل معهم ولكن حينما بدأت في اختراع الأجهزة استدعوني وطلبوا مني المساعدة فلم أقوى على الرفض ، بعد أول عمل طُلب مني فأنجزته شعرت بفرحة غامرة طردت مرارة غربتي .. شعرت بترتيبه حانية رتبت على روحي الثائرة .. وشعرت بأن الهوية لا تحتاج لضوابط معينة تثبتها بل إن الوطن متغلغل بعروقنا فقط جميعنا ننتظر الفرصة التي تسنح لنا لنفديه بأرواحنا .
ابتسمت بفخر لمع بعينيها لتهمس : أرأيت ؟! أنت مصري رغم أنف ملامحك الأجنبية .
ضحك بخفة ليهمس بمكر : الآن لست ضائقًا من كوني مختلف كما شعرت دومًا ، فهذا الاختلاف من سرق نظر فراشتي التي وقعت أخيرًا في أسر الضوء الذي لن يتركها تحلق بعيدًا ثانيةً .
احتقن وجهها بقوة لتشيح بعينيها بعيدًا : عبد الرحمن .
ابتسم بمشاغبة : ليست هذه ناديني بالأخرى .
تمتمت ببسمة حيية : عبده .
اتسعت ابتسامته : عيون عبده .
أشاحت برأسهابعيدًا عنه ليهمس بجدية : لعلمك لم أكن أصادق الفتيات كما هيأ إليك .
عبست بتعجب لتستدير تنظر إليه باستفهام – كانت صداقات عادية لم امنح مشاعري لاحداهن قط ، كنت ابحث عنك في أوجه الجميع ولكني لم استطع أنأجد من تشابهك ولو من بعيد يا رقية ، أنت تحتلين وميض عيناي من صغري ولازلت .
كتمت أنفاسها لتهمهم بصوت أبح خفيض : عبد الرحمن .
لم يستمع إلى الرجاء في صوتها ليبوح ثانيةً : أناأحبك يا رقية ومن حديثك اليوم علمت أنكتحبينني أنتالأخرى .
رمشت بعينيها بخجل تضاعف في احمرار وجنتيها لتهمس بخفوت : نحن ببهو المشفى يا عبد الرحمن .
ابتسم وعيناه تلفاها بتوق : حسنًا سأزوركم الليلة لأستطيع التعبير بغرفة الصالون يا خطيبتي العزيزة ، ابتسمت بخجل وأومأت برأسهاإيجابًا ليتبع – وسأطلب من عمي أن يحدد عقد القران قريبًا بعد أن نطمئن على أسعد فماما لن تقبل بموعد قريب دون أن يفق أسعد وينهض سالمًا .
تمتمت أخيرًا بثبات : وأناالأخرى لن أقوىأن اعقد قراني وجنى لا تحضره .
اتسعت ابتسامته ليهمس بمشاكسة : أرىأنك وافقت يا رقية .
تخضبت ملامحها لتعبس بضيق : أتعلمأنا المخطئة التي وقفت لأخفف عنك مصابك في صديقك ؟!
استدارت على عقبيها لتغادر فيتحرك سريعًا ويقبض على مرفقها مانعًا إياها من الابتعاد هاتفا : انتظري يا رقية ، نظرت إليه بعتاب فتابع – لم اقصد أن احرجك فقط أنا سعيد لموافقتك .
ابتسمت برقة وأزاحت مرفقها من قبضته بخفة فاستجاب إليها بطواعية لتهمس بخفوت : سأنتظرك مساءً بعد أن تعود عائلتي من زيارة خالتي ليلى وسأعد إليك كعك القرفة والعسل فأناأخذت الوصفة من نولا .
اتسعت ابتسامته ليمأبرأسهموافقًا : سآتي في تمام التاسعة بإذن الله .
راقبها تغادر وهو يشعر بقلبه يقفز مهللًا فتتسع ابتسامته وروحه تسكن باطمئنان تراجع رويدًا حينما تحركت نظراته لتقع على أسعد الراقد من جديد ليتمتم بصدق مبتهلًا إلى الله أن يعود إليهم البطل سالمًا .
***
تنهد بقوة وهو يقترب منها : اهدئي يا حبيبة ، وتوقفي عن البكاء .
نهنهت رغم عنها لتهمس بصوت باكي : هل رأيته يا عمر ؟! هل هو بخير ؟!
تنهد بقوة ليمأ برأسهإيجابًا : نعم جاورت عبد الرحمن أنا وعاصم إلىأن مررنا من أمام العناية المشددة ، نحمد الله أنه يظهر من الداخل حينما ترفع ستائر العناية ، إنه بخير مؤشراته الحيوية طبيعية كما أخبركم الطبيب ، فقط هي السرية التي تحاوطه السبب وستزول حينما يفوق من أثرالعملية وينقل لغرفة عادية .
انهمرت دموعها من جديد لتهمهم : أريدأنأراه ، لا أشعر بالاطمئنان وأنا لا اعرف عنه شيئًا هكذا .
تنهد بقوة ليهمهم : حسنًا اهدئي وأنا سأتحدث مع عادل أو عبد الرحمن لترينه حتى لو من بعيد ، فقط اهدئي حتى لا تستمع إليك خالتي ليلى نحمد الله أنها توقفت عن البكاء ، اتبع بعد أن زفر بقوة – تأثير عمو أمير عليها أكثر من جيد .
نطقت حبيبة بعفوية : بل هو رائع كعادته ، عمو أمير رائع في كل شيء حتى وهو مريض رائع يضفي أمان حتى إن لم تطلبه .
رفع حاجبيه بدهشة ليهمس بمرح : لا والله ، عمو أمير رائع ، وتبكين أسعد ، وترتمين في حضن نادر لتبكي ، وتتعلقين في رقبة سليم ، وأنا ما شاء الله علي حائط بازلتي بجوارك لم تهمسين لي بأنك تحتاجين إلي حتى .
عبست لتتمتم بحرج : هل هذا وقت للغيرة يا عمر ؟!
ضحك عمر بخفة : وهل الغيرة لها وقت يا حبيبة عمر ؟!
تنهدت بقوة : حسنًا افعل ما تشاء ولكن بعد أن اطمأن على أسعد وعمتي ، فقط الآن لا أقوىعلى مجادلتك أبدًا .
ابتسم بحنو ليجذبها نحوه يضمها من كتفيها إليه يقبل أعلىرأسها : لا أريدك أن تجادلينني أنا امزح معك لعلك تبتسمين بهذه الغمازة التي أحبها كثيرًا .
ابتسمت بتشنج فيلوي شفتيه بضيق : لا لم أقصد هذا التشنج الذي أصاب ملامحك بل قصدت الابتسامة الواسعة التي تنير فمك وتظهر صفي أسنانك الوامضة كاللؤلؤ.
توردت واتسعت ابتسامتها رغمًا عنها ليهتف بمرح : اينعم ، هذه هي .
أشارتإليه بالصمت : اخفض صوتك حتى لا يكتشفون وجودنا بالشرفة .
اتسعت عيناه بذهول ليهمهم : يكتشفون وجودنا بالشرفة ، لماذا هل نسرق ؟! أنت زوجتي يا حبيبة ، كم مرة تريدين مني أنأرددها لتقتنعي بها ؟!
همهمت بحرج : فقط لا أريدأن اغضب بّابّا ، إذ وجدني معك بمفردنا .
تنهد بقوة ليهتف بجدية : نحن بشرفة غرفة عمتك يا حبيبة ، وخرجنا إلى هنا لأن الغرفة ممتلئة عن بكرة أبيها في الداخل ، لقد خرجت لتبكين وأنا اتبعتك لأخفف عنك ، لا أفهم ما الخطأ من وجهة نظرك لتتوقعي أن حماي العزيز سيغضب لأننا ارتكبناه .
تمتمت بعفوية : أننا بمفردنا .
ومضت عيناه ليتحرك نحوها فتتراجع للخلف ليهمس بمكر وشقاوة تلمع بعينيه وهي تتراجع أكثر كلما اقترب فينظر للحائط من خلفها إلىأن توقف على مقربة منها فاستندت للحائط غير مدركة : وماذا سيحدث إن كنا بمفردنا ؟! هل سأغرر بك في شرفة غرفة عمتك الراقدة متعبة في المشفى وفي ظل هذه الظروف التي تحيط بأسرتكم ؟
تمتمت بصوت أبح وهي تتحاشى النظر إليه : لا أعلم .
ثقلت أنفاسه وهو يدير عينيه عليها ليهمهم : لا أنكرأنيأشتاقإليك كثيرا ، وأنيأتوقلأنأقبلك كثيرًا ، وأنيأريدأن امحي حزن عينيك كثيرًا ولكني لست ارعن لأفعل كل ما يدور برأسيهنا في الشرفة ، اتبع بمرح افتعله – فنحن لنا سيارة نفعل بها ما نريد .
ضحكت رغم عنها لتدفعه برقة في صدره : فقط ابتعد للخلف قليلًا .
تحرك بعدم اتزان تعمده لتشهق مجفلة وهي تظن أن جسده سيرتطم بجسدها ليتوقف حينما فرد كفيه من حولها ليهمس بخفوت : لن ابتعد أنا حر أنت زوجتي وحقي أن التصق بك .
همهمت بخجل اعتراها : عمر من فضلك .
لمعت عيناه بوميض أزرق خاطف ليعتدل بوقفته يشد جسده بصلابة : حسنًا ولكن بشرط ، لا تبكي بحضن أحدهم ثانيةً ، ابتسمت وأخفضت عيناها بحياء ليكمل بمكر – كما شفتي أولىبابتسامتك التي تضنين علي بها ، فصدري أولى ببكائك يا حبيبة .
شهقت بعتاب لتهمهم بحرج وهي تتحرك عائدة للغرفة : أنا مخطئة لأني بقيت معك .
ابتسم بخفة وهو يتابع اختفائها في الداخل ، ليزفر بقوة وهو يشعر بألم قوي يتغلغل بأوردته وعقله يستعيد مظهر أسعد ليزفر ثانيةً يريد طرد الاختناق الذي داهمه فجأة لينتبه على دخول عاصم إلى الشرفة بوجه مكفهر وعبوس يعتلي ملامحه ، رفع عمر عينيه إليه متسائلًا فأخفض عاصم عينيه قبل أن يهمس باختناق : خالتي عاودت البكاء ثانيةً ، زم عمر شفتيه بتفكير فتابع عاصم بقنوط – لا أفهم لماذا لا يأخذونها لتراه ، حتى عمو أمير رفض ؟!!
هدر عمر بتعجب : هل جننت يا عاصم ؟! هل تتوقع ماذا سيحدث لها إذارأتأسعد في الحالة التي رأيناه عليها ؟! أشاح عاصم برأسهبعيدًا ليتابع عمر – خالتي ليلى منهارة حرفيًا وهي لم ترى أسعد بحالته فكيف إذارأته .
تمتم عاصم باختناق وهو يقف يستند على إطار الشرفة بكفيه : قلبي يجعني عليها يا عمر، بل عليهم جميعًا حتى عمو أمير يظهر بصلابة يفتعلها حتى يبث لها أمان هي تحتاجه .
جاوره عمر وقوفًا : وأناالآخر ولكن ما باليد حيلة ، الأمل الوحيد أن يفوق أسعد ويتم نقله لغرفة عاديه حينها سيأخذونها إليه كما أخبرنا عادل .
زفر عاصم بقوة : عادل ، هذا هو أكثرمن اخشى عليه فيهم ، أشعربأنه قفز عدة أعوام في غضون الليل .
ربت عمر على كتفه ليهتف : سيكون كل شيء بخير ، وبإذن الله سينهض أسعد سالمًا ومعافي
تمتم عاصم راجيًا : اللهم آمين يا رب .
***
قرب منتصف الليل
تهتز حدقتيه خلف جفنيه المغلقين وعقله يدعي ثبات خارجيًا بينما لا وعيه ينتفض مستعيد آخر ذكرياته وهو واعيًا ، يستعيد التفاصيل الكاملة منذ أنأدركبأن الموقع ما هو إلا عبارة عن كمين لتصفيتهم و أمر قائدي جناح فرقته بالتراجع في هدوء حتى لا يثيرا الرعب في نفوس البقية .. بؤبؤي عيناه يؤلمانه وهما يستعيدا الضوء الذي سطع فجأة وسلط عليهم لإرباكهم فأحال الليل إلى نهار مضيء بلون أحمر ناري .. أذنيه تطنان بصوت الطائرات الذي صدح يشق الصمت الذي يغلفهم قبل أنتبدأأصوات الرصاص الذي انهال على رؤوسهم كجمر مشتعل يصيب أجسادهم ، تفرقوا رغمًا عنهم ليستطيعوا الاحتماء من وابل الرصاص الذي ينزل رخًا فوق رؤوسهم ، ليبدؤوا في صد هذا العدوان غير المتوقع عليهم ، وينجح أكثرهم في الوصول إلىنقطه الالتقاط رغم إصابتهم ، ما عداه لقد راقبه بعينين صقريتين وهو يجاهد ليعود معهم وحينما سقط واقعًا .. مستسلمًا .. متأثرًا بجراحه ، ركض إليه عائدًا ليحمله فوق كتفيه فهو لن يتركه من خلفه ، انتفض جسده من جديد وألم إصابته يئن من جديد ، يشعر باختراق الرصاص لجسده فيئن قلبه منتفضا بألم سرى في أوردته فخدرها ، ولكنه صمم أن يستمر في طريقه وهو يحمل جسده المثقل بجراحه وجسد صديقه فوق كتفيه ، لينتفض جسده برصاصة غادرة أسقطته أرضًا فلم يقو على النهوض مجددًا .
...
صوت صافرة إنذار قوية صدحت من العناية المشددة لتهرع إلى الداخل ، تنظر بصدمة وهلع إلىجسده الذي ينتفض أمامها دون سبب مفهوم لها ، ليرتعد جسدها بصدمة وجهاز القلب يعطي إنذارًا من جديد بانخفاض ضغط دماءه ليهتف أحد الأطباء بحديث ما لم تدركه ، فوعيها توقف .. أذنيها اصمت .. و إدراكها اضمحل لتفيق على دفعة الممرضة لها تخرجها من الغرفة بينما يقوم الطبيب الآخر بإسعافه لتهدأ الصافرة بعد وقت لم تدرك ماهيته حينما خرج الطبيب لها يحني عنقه بأسى ليخبرها بخزي أن رغم إنقاذه لخطيبها من موت محقق إلاأنه لا يقوى على الجزم بأنه سينهض من الغيبوبة التي سقط بها !!

انتهى الفصل ال32
قراءة ممتعة


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس