? العضوٌ???
» 475418 | ? التسِجيلٌ
» Jul 2020 | ? مشَارَ?اتْي » 1,362 | ?
نُقآطِيْ
» | | البارت الواحد و الخمسون مريــــــــــــم 💞
بعد دقائق طويلة من الانتظار عادت فاطمة , جلست الى جانب ملك على السرير , ناولتها كأس ماء بارد و بادرتها
" سأخبرك كل ما تريدين معرفته , و لكن بشرط "
قالت بكل جدية , و ردت ملك بعينين متسائلتين
" ماذا ؟ "
" لا تخبري أحدا , و لا حرفا مما سأقوله خاصة علي ,
أنت لم تدخلي تلك الغرفة , و أنا لا علم لي بشيء اتفقنا ؟ "
هزت ملك رأسها موافقة سريعا , فكل ما يهم الآن أن تعرف الحقيقة .
صمتت فاطمة لبعض الوقت , و كأنها تحاول ترتيب أفكارها , و ملك تنتظر بتأمل ,
أحذت المرأة نفسا عميقا ثم قالت بعدها بهدوء
" السيدة مريم هي زوجة السيد "
بسماع ما قالته فاطمة بصوت واضح , و قفت ملك من مكانها , و دق قلبها دقة قوية , و كأنه توقف ثم عاد للعمل من جديد
" زوجته ؟ "
قالت باستغراب بصوت مصدوم
أشارت اليها فاطمة بيدها , للجلوس مجددا و استرسلت
" أجل , مريم زوجة علي و والدة رنا "
بلعت ملك ريقها و اعتدلت في جلستها مجددا , و سألت ما فكرت فيه مسبقا
" أليست والدة رنا متوفية أو مطلقة ؟ "
استغربت فاطمة تصريحها , و هزت رأسها بالنفي
" لا ابنتي من قال ذلك ؟
مريم رغم أنها مريضة , الا أنها والدتها من أخبرك بذلك ؟ "
اعتقدت فاطمة أن علي من اخترع الأمر , لاخفاء الحقيقة عن ملك , و زاد تأنيب ضميرها لأنها ستفشي سره ,
لكن ملك التي تمالكت نفسها , بعد المفاجأة المدوية هزت كتفيها و أجابتها
" لا أحد , أنا فقط افترضت ذلك لأنها لم تكن موجودة يوما , حتى الطفلة لم تذكر شيئا عنها سابقا ,
لذلك اعتقدت أنهما منفصلان , أو أنها توفيت في وقت ما ,
فليس هناك امرأة تفرط في طفلة مثل رنا بمحض ارادتها "
ارتاح بال فاطمة قليلا , فواضح أن علي لم يقل شيئا أمامها
" لا ابنتي , مريم لم تخرج من هذا البيت , منذ زواجها من علي ,
أما بالنسبة لرنا ربما افترضت أنك تعرفين بالأمر لذلك لم تخبرك "
هزت ملك رأسها بتفهم , ثم عادت للاستفسار عن الموضوع الأساسي
" و ما سبب حالتها تلك ؟ "
كان هذا أكثر ما يشغل بال ملك , منذ لمحتها قبل قليل , و لم تستوعب كيف أن امرأة في سنها تلك , تعاني من كل تلك التعقيدات الصحية ,
و كعادة سوء ظنها في علي , منذ التقته أول مرة فقد افترضت الأسوء , و حمله عقلها حينها كل المسؤولية فيما قرأته ,
فلا يمكنها الا تخيله متهما و جلادا دون رحمة , مما أرعبها بتلك الطريقة ,
لكنها الآن بعدما هدأت , تريد سماع الحقيقة من فم فاطمة , فهي الوحيدة التي لن تكذب عليها .
أخذت هذه الأخيرة نفسا عميقا , و بدأت بسرد تفاصيل , تشبع فضول ملك و تهدئ من روعها
" مريم هي ابنة عمة السيد , بالرغم من علامات الهرم الواضحة على ملامحها , الا أنها في الثامنة و العشرين من العمر فقط ,
هي و علي و شقيقته تربوا سويا , كانت تتبع علي كجرو صغير , منذ كانت في الثانية من عمرها "
صمتت فاطمة قليلا و ابتسمت , و كأنها تذكرت أمرا جميلا
" كانت طفلة باكية , حساسة جدا و لكن طيبة ,
آنذاك رغم أن علي لم يكن يحب الأطفال الآخرين , الا أنه كان يهتم بمريم كثيرا ,
يدافع عنها ينفذ طلباتها يلعب معها , يتشاطران الكثير من الأسرار , و قد كبرا سويا بشكل مقرب ,
في عمر الدراسة التحقت هي بالمدرسة الخاصة , التي كان يدرس بها و أصبحا لا يفترقان ,
كان يتحمل عنادها , تذمرها و شقاوتها بشكل غريب , أكثر حتى مما يفعل مع شقيقته "
توقفت فاطمة مجددا , تنهدت قليلا ثم أضافت بنبرة حزن
" حينما وصلت عمر الثانية عشر مرضت بشدة , قال الأطباء حيناه أنه مرض مناعي يصيب الكليتين ,
و أنه مرض غير خطير , و أن معظم الحالات تبرؤ بعد العلاج ,
و لكن مريم لسوء حظها , كانت من النسبة القليلة التي لا تستجيب ,
مكثت بعدها لأشهر في المستشفى , كانت تخرج لأيام معدودة ثم تعود مجددا ,
تلقت علاجا بالكورتيزون مطولا , اكتسبت بسببه الكثير من الوزن , و تغيرت ملامحها الجميلة ,
رغم ذلك لم يكن علي يفارقها , يزورها يوميا يتحدثان , يراجع معها الدروس , يأكلان يلعبان كأنهما لم يفارقا البيت يوما ,
كان وجوده معها السبب الوحيد في ارتفاع معنوياتها , و تحملها لكل ما تمر به رغم صغر سنها ,
لكن للأسف لم تعط العلاجات أية نتيجة , صحيح أن حالة الكليتين كانت مستقرة ,
لكن حسب الأطباء , لم يكن هناك مجال لايقاف العلاج , أي تذبذب كان سيؤدي الى تضرر نهائي للكليتين ,
و لذلك كان علي يحرص دائما , على تشجيعها لأخذ الدواء "
صمتت فاطمة قليلا , محدقة الى ملك التي تنظر اليها باهتمام و استمرت
" انتقلت مريم بعدها الى تناول أدوية مثبطة للمناعة , واحدا تلو الآخر لسنوات , و هذه الفترة قضتها في الخارج ,
في لندن حيث كان علي يزاول تعليمه الجامعي , و أصر على اصطحابها مع والدتها , من أجل العلاج هناك ,
حتى أنه تكفل بكل المصاريف , حرصا على حصولها على أفضل خدمة طبية ,
بعد أن أنهى ابني جامعته , عاد ليتسلم أعمال العائلة , التي تركها والده المرحوم , و التي كانت تحت اشراف والدته و عمه مؤقتا ,
و رغم انشغاله الشديد , الا أن اهتمامه بمريم لم يفتر , و كان هناك دائما وقت لها ,
طبعا خلال تلك الفترة كان الكل يترقب , أن يبدأ علي في التفكير بالارتباط , باحدى بنات العائلة أو حتى الشركاء ,
ممن تليق بمكانته , خاصة أنه أصبح شابا يغري العين و يجلب الانتباه ,
و لكنه فاجأ الجميع حينما خطب مريم , و التي كانت آنذاك في عمر السابعة عشر ,
للأسف أثارت الخطبة لغطا كبيرا , و أججت مشاعر الغيرة الحقد , و الفضول في قلوب الجميع ,
فلم يعتقد أحد أن مشاعر علي ناحية مريم , تتخطى عتبة الأخوة أو الشفقة ,
و لكنه أثبت خطأ اعتقادهم , و برهن بأنه يحبها و يقدرها , و لا يقو على كسر خاطرها .
لم يهتم علي يوما لما يقال أمامه أو خلف ظهره , حتى أنه لم يبد اهتماما , لما كان يقوله الأطباء عن صعوبة الانجاب في حالتها ,
و رغم تحفظ والدته الشديد , الا أنه بدأ فعلا التجهيز للزواج "
أخذت فاطمة فاصلا , و بادرتها ملك بفضول
" و مريم ماذا كانت ردة فعلها ؟ "
ابتسمت فاطمة مجددا و أجابتها
" مريم كانت سعيدة جدا لدرجة الجنون , لم يهمها فيم يفكر الآخرون ,
أهم شيء بالنسبة لها , كان أن تكون مع علي في مكان واحد , و بالفعل أقاما زفافا مميزا و ارتبطا رسميا ,
بعد الزواج بقيا مع السيدة صفية , لبعض الوقت في البيت الكبير , قبل أن يقوم علي بتجهيز هذا البيت ,
آنذاك الجميع كان يتساءل لم لا يبدو كبيرا كفاية , و بمساحة أوسع كباقي البيوت في الجوار ,
و لكن السر أن مريم طلبت أن لا يكون كذلك , و أن يقتصر على طابقين فقط ,
لأنها لا تريده أن يشبه المشفى , التي قضت فيها معظم سنوات حياتها , بطوابق كثيرة و أماكن موحشة , و الذي يشعرها بالوحدة ,
أرادته أن يحوي الكثير من الغرف المتقاربة , و أن يكون فخما بسيطا و دافئا .
جهز الاثنان هذا البيت بحب كبير , بكل تفاصيله حتى الحديقة و ورودها ,
و بعد انتقالهما الى هنا , اصطحباني معهما منذ الأيام الأولى "
ابتسمت فاطمة مجددا , و لمعت عيناها بسبب دمعة تحبسها
" كانا سعيدين جدا , مثل طفلين لا يعكر صفوهما شيء ,
رغم أن مريم كانت مستمرة في تلقي العلاجات , و هو غارق في تنمية أعماله , إلا أن ذلك لم يغير في الأمر شيئا .
بعد مضي سنتين , بدا واضحا أن مريم لا يمكنها الحمل , بسبب مرضها من جهة , و الأدوية الثقيلة التي تتناولها من جهة أخرى ,
أحد الأطباء قال أنه حتى و لو حصل حمل , فإن إمكانية الإجهاض أو تشوه الجنين , ستكون كبيرة بسبب الأدوية ,
و إن أي توقف عن تناولها لإنجاح الأمر قد يهدد حياتها ,
يعني وضع الزوجين , بين اختيارين أحلاهما أمر من الآخر .
بدأت بعدها البلبلة مجددا وسط العائلة , منتقدين علي و قبوله البقاء دون وريث و سند ,
و من سيدير كل الثروة بعده , فلم يكن شيء يعيبه حتى يقبل هذا الوضع ,
لكن كما قلت هو لم يتأثر يوما , لكنهم أثروا في السيدة صفية , التي بدأت مساعيها من أجل إقناعه , بالزواج من أخرى للانجاب .
فتحت والدته معه الموضوع أكثر من مرة , و كانت شديدة اللهجة في مرات كثيرة , مستغلة بره بها و خشيته من غضبها ,
لكن علي رفض الفكرة جملة و تفصيلا , و قال أنه لا يزال شابا , و ليس مستعجلا للحصول على أطفال ,
طبعا هو كان يقول ذلك , حتى لا تتأذى مشاعر مريم , و يبعد عنها الضغط قليلا , لكنه في الحقيقة كان يتوق لرؤية طفله بحرقة .
و لكن صفية لم تتراجع و استمرت في إصرارها , لدرجة أنها تجرأت و فتحت الموضوع مع مريم نفسها , بعدما يئست من استجابة علي العنيد ,
و أخبرتها صراحة أن تتوقف عن أنانيتها , و تقنع علي بالزواج من أخرى , حتى أنها طمأنتها أنها ستبقى زوجته , و كأنها تمن عليها بالأمر "
" يا إلهي "
نطقت ملك أخيرا بنبرة باكية , واضعة يدها على قلبها ,
هي عادة لا تجيد التعامل مع القصص الحساسة , و تغلبها دموعها دائما , و لكن ما تقوله فاطمة مؤلم فعلا
" و ماذا فعلت ؟ أقصد مريم ؟ "
هزت فاطمة رأسها بقلة حيلة و أجابت
" آلمها الأمر كثيرا المسكينة , و شعرت لأول مرة بأنها ليست كفاية للرجل الذي تحبه , لأنها تحرمه من أبسط حقوقه و هي رؤية أطفاله ,
و رغم أنني أردت أن أخبر علي بما فعلته والدته , و الذي كان قاسيا جدا بالمناسبة , حتى يضع لها حدا , الا أن مريم منعتني , لم ترد أن تتوتر العلاقة بينهما بسببها ,
و خلال أيام استجمعت شجاعتها , و فاتحت علي في الموضوع الشائك , و طلبت منه مباشرة أن يتزوج , مدعية أن الفكرة فكرتها و برضاها ,
لكنه ثارت ثائرته و غضب بشدة , و تناقشا بحدة لأول مرة في حياتهما , حتى أنه خاصمها الى أن أمرضها الأمر ,
و كاد يتسبب في دخولها الى المستشفى , و قد اعتقدت أنها خسرته من حياتها ,
هدد هو بعدها والدته , إن هي لم تتخل عن الأمر , فسوف يترك مريم , و لكنه لن يتزوج بعدها أبدا في حياته "
ابتسمت ملك و هي تتخيل المجنون غاضبا , و يقوم بتهديد كل من حوله , هي أكثر شخص رأى هذا الجانب المتسلط منه
" بعدها قاطع والدته لأشهر , قبل أن تأتي صفية بنفسها و يتصالحا ,
و طبعا هي تعلمت درسها , و لم تتدخل بينهما مجددا و لم تفتح الموضوع ,
لكن مريم لم تنس الأمر يوما , فقد كان ينغص عليها سعادتها , و استمتاعها بحب زوجها الذي صار في نظرها منقوصا .
و بعد تفكير مضني , حزمت أمرها لإنجاب طفل , و قررت أنها لا يمكنها أن تحرم علي , من هذه النعمة الى الأبد بسبب عجزها , حتى لو كلفها الأمر حياتها .
لذلك و دون أن تخبر أحدا , توقفت عن تناول الأدوية , و أوهمت الأطباء أنها بصدد تلقي العلاج دون أية مشاكل ,
حتى أنها صارت لا تذهب من أجل المراجعة , و تقول بأنها بخير و لا تعاني شيئا , لدرجة أن علي صدقها و لم يعد يضغط عليها .
و بالفعل سهل لها الله و حملت , و حينما صارت في شهرها الثاني , صارحت الجميع أنها لا تتناول أية أدوية , و الأهم أنها قررت ألا تأخذ شيئا حتى تلد ,
كان قرارها صادما لعلي , فلأول مرة تفعل شيئاً دون إعلامه , و لأول مرة تتمرد و تخالف رأيه , واضعة اياه أمام الأمر الواقع ,
بسماع الأمر حاول بعدها الجميع , العائلة الأصدقاء الأطباء و علي , اقناعها للعدول عن قرارها , و اجراء اجهاض طبي لانقاذ حياتها ,
لكنها تمسكت بجنينها بشدة , و أصرت على الاستمرار في الحمل مهما كلفها الأمر ,
كانت تقول لي أنها تعلم أن عمرها قصير , و أنها لم تر سعادة كفاية في عيني حبيبها ,
لذلك فان أفضل هدية قد تتركها لعلي , هو طفل يحمل اسميهما و يذكره بها .
رضخ الأطباء في الأخير لعزيمتها , و اقتصر الأمر على كمية دواء ضعيفة جدا , مع المراقبة و الدعاء "
هنا نزلت دمعة من عين ملك , دون وعي منها فاجأت فاطمة
" ما بك ؟ "
سألت فاطمة باهتمام
لكن ملك مسحتها سريعا لاخفاء حزنها , لم ترد أن تبدي أي تأثر مع هذه العائلة , لكن ما تقوله فاطمة كثير جدا
" لا شيء خالة , أكملي أنا أستمع "
ربتت المرأة على ظهرها بحنان , و قد فهمت تأثرها و أضافت
" في الشهر الرابع من الحمل , بدأت حالة كليتيها في التدهور ,
قال الأطباء أن الأمر إذا استمر , إلى آخر شهور الحمل , فإنها ستصل مرحلة الفشل الكلوي النهائي لا محالة ,
و إنه إذا حدثت مضاعفات أخرى , فعليهم انهاء الحمل فورا , و الا فقدوا الأم و الجنين ,
أصر علي مجددا على التخلص من الحمل , و لأول مرة أراه يائسا الى تلك الدرجة بسبب مشكلة ,
ابني المسكين لم يكن ينام لأيام بسبب همومه , محملا نفسه عبء كل ما يحصل ,
في المقابل كانت مريم شجاعة جدا , و استمرت في المقاومة بإصرار , لكنها أصيبت خلال تلك الفترة , بارتفاع شديد في ضغط الدم , و احتباس للسوائل في الجسم ,
كانت تعاني صعوبة حتى في النوم و التحدث , و كان علي لا يفارقها للحظة , و يحاول إقناعها من وقت لآخر بانهاء الحمل , حفاظا على حياتها دون جدوى ,
كان ابني يشعر بذنب كبير , و يلوم نفسه كل يوم , أنه لو كان قوياً كفاية , لما سمح لأحد بالتدخل بينهما ,
و لما اتخذت مريم قرارا انتحاريا كهذا دون استشارته ,
لكنها كانت عنيدة جدا , و استمرت إلى أن دخل الشهر السابع , بعدها لم يكن من الممكن المواصلة .
انهارت كليتاها كلية , و اضطروا إلى إجراء عملية تصفية دم , مع عملية قيصرية استعجالية لإنقاذ الجنين و الأم ,
و ولدت رنا التي جلبت السعادة مجددا إلى هذا البيت "
ابتسمت فاطمة بدفء , و هي تتذكر تلك الأيام الجميلة , و ابتسمت معها ملك تلقائيا
" و كيف أصبحت حياتها ؟ "
" سعيدة "
وصفتها فاطمة بكلمة واحدة , لخصت كل شيء ثم تنحنحت و استفاضت في الشرح
" رغم أن مريم كانت قد فقدت كليتيها بالفعل , و أصبحت تعاني من فشل كلوي مزمن ,
و مجبرة على الخضوع لغسيل كلى ثلاث مرات أسبوعيا , مع ترسانة من الأدوية المختلفة ,
إلا أنها كانت سعيدة جدا بطفلتها , لم تدع أحداً يهتم بها سواها , أكلها لباسها حمامها لعبها كل شيء , كانت مهووسة بها حد الجنون .
حاول علي حينذاك أن يخصص غرفة , من أجل جلب معدات التصفية هنا , حتى يوفر عليها عناء التنقل للمستشفى ,
لكنها رفضت بشدة و قالت , أنها لا تريد أن تعيش في مشفى إلى أن تموت , و لا تريد لرنا أن تكبر وسط روائح الأدوية و الدم "
صمتت قليلا ثم أضافت , و ملك مستمرة في الانصات باهتمام , و قد أنبأها قلبها أن الأسوء لم يقل بعد
" في الحقيقة علي لم يستسلم يوما , كان يلاحق كل التطورات , التي يصل اليها الطب بخصوص مرضها , و لا يتردد في عرضها على أي طبيب قد يفيد حالتها ,
حتى حينما قال الأطباء إن زراعة كلية , لا مكان لها في العلاج , بسبب أن المرض مناعي , و بالتالي فإن الجسم سيهاجم الكلية الجديدة و يتلفها ,
لكنه انتقل معها إلى بلجيكا , لإجراء العملية و تركا رنا معي .
لكن للأسف فشلت العملية فشلا ذريعا , و رفض الجسم العضو بعد أيام قليلة , حتى أنها بقيت لمدة في غرفة الانعاش ,
عاد بعدها الإثنان من أوروبا خائبين , و كانت رنا وحدها من انتشلهما من الاكتئاب و المعاناة .
بعدها أصبحت مريم تقسم وقتها , بين ابنتها بيتها و المشفى , لم تفقد يوما حيويتها , أو ابتسامتها و دفء قلبها ,
لكن ما حصل بعدها قلب كل الموازين , و أحال السعادة الى جحيم "
" ماذا حصل ؟ "
سألت ملك بفضول , تنهدت فاطمة للمرة العاشرة منذ جلست , نظرت إليها بعينين حزينتين و استرسلت
" كان عيد ميلاد رنا الرابع , أتذكر جيدا أنها أعدت كل شيء بيديها , و أتعبت نفسها كثيرا بالتفاصيل ,
كانت تجلس منفردة معها في غرفتها , لاستكمال تحضير الزينة , و رنا ترافقها ببهجة كبيرة ,
فجأة بدأت الطفلة بالصراخ بفزع , و حينما هرع الجميع إلى هناك , كانت مريم ملقاة على الأرض , تعاني نوبة صرع حادة ,
و كانت رنا مرتعبة تجلس في الركن , تبكي بطريقة هستيرية تخفي وجهها في يديها , و ترتجف بطريقة مؤلمة .
نقلت مريم إلى المشفى , و قال الأطباء أن النوبة كانت نتيجة , نزيف في الدماغ و تحت السحايا ,
بسبب ارتفاع شديد في ضغط الدم , و بسبب ذلك أصيبت بشلل نهائي في جانبها الأيسر ,
قالوا بأن ذلك منع أن يكون لديها مشكلة في النطق , و لكنها لم تكن تستطيع تحريك جانبها الأيسر كلية "
بلعت ملك ريقها , و كأنها أدركت إجابة السؤال الذي يراودها منذ وصولها
" و رنا ؟ "
هزت فاطمة رأسها مؤكدة شكوكها , و تسللت دمعة حارة من جانب عينها
" أجل فقدت رنا النطق بسبب الحادثة ,
في البداية لم نلاحظ الأمر , حيث طلب طبيبها النفسي عدم الضغط عليها , و تركها حتى تعود الى طبيعتها ,
و انشغلنا نحن بمريم التي بقيت في الانعاش لفترة ,
لكن بعدها اكتشفنا أنها لم تعد قادرة على الكلام تماما , كانت صدمة مضاعفة لقلب علي ,
و بدأت رحلته الشاقة مرة أخرى , مع علاج ابنته و زاد الحمل عليه "
بلعت فاطمة غصة في حلقها , فقد بدا واضحا أنها تحب مريم كثيرا , و تقدر علاقتها بعلي و تضحيتها من أجله
و قالت بلهجة مغتبطة لتداري حزنها الظاهر
" بالمناسبة كانت مريم من قامت بشراء كل تلك الكتب , لقراءتها في أوقات فراغها الكثيرة ,
كانت الوحيدة التي تجيد التحدث لرنا بالاشارة , حتى أنها لقنتها إياها ببراعة "
رغم محاولة المرأة تخفيف جرعة الحزن , الا أن ملك لم تدر بنفسها , إلا و دموعها تنزل من عينيها ,
و قد تخيلت كيف أن رنا الطفلة الرقيقة , تقف أمام والدتها التي تعاني نوبة , محاولة تخمين مدى رعبها و قلة حيلتها ,
أكيد الصدمة كانت شديدة عليها لدرجة افقادها النطق ,
فهي نفسها رغم أنها طبيبة , إلا أنها لا تزال تشعر بالتوتر , كلما صادفت حالة مماثلة , فما بالك بطفلة في الرابعة .
" يعني رنا تشعر بالذنب لذلك ترفض الحديث ؟ "
استنتجت ملك مباشرة و أكدت فاطمة ظنونها
" أجل أعتقد ذلك , أعتقد أنها تلوم نفسها كثيرا , ليس فقط لأنها بقيت واقفة هناك دون فعل شيء , و والدتها على وشك الموت ,
و لكن لأن بعض الثرثارين , قالوا أمامها أن والدتها , أجهدت نفسها للتحضير لعيد ميلادها , لذلك ارتفع ضغطها و انتكست ,
بعدها خفتت شقاوتها و أصبحت أكثر انطوائية , و من يومها و هي ترفض أن نحتفل بعيد ميلادها ,
و لا حتى أن تحضر أعياد ميلاد الآخرين .
المشكلة أن مريم هي الأخرى ، تشعر بالذنب اتجاه ابنتها ، لأنها لم تكن قوية كفاية لتمنع ما حصل , متسببة في اعاقة لطفلتها ,
و منذ ذلك الوقت فترت العلاقة بينهما ، و لم تعد دافئة كما كانت "
" يا إلهي "
قالت ملك باستياء و قطبت جبينها , فهي لم تعتقد أن سبب إصابة رنا , عميق إلى هذه الدرجة
" دخلت بعدها مريم في اكتئاب حاد , و رفضت مغادرة المنزل لاحقا بسبب شللها , لذلك قام علي بتجهيز تلك الغرفة , لأجل تصفية الدم هنا مع كامل معداتها ,
في البداية كانت تستخدمها فقط أثناء العلاج , و تعود لغرفتها لاحقا , لكنها انتقلت تدريجيا للإقامة هناك ,
علي لم يرقه أن تهجر مريم فراشها و تتركه , لكنه لم يضغط عليها , لأنه يعلم كم أن عجزها يؤلمها و يجرح قلبها ,
أما هي فقد كانت تحاول دفعه للتفكير في نفسه , و بدء حياة مع امرأة أخرى ,
بالنسبة لها كانت أنانية منها , أن تفرض نفسها عليه و هي مريضة , و هو رجل لديه احتياجاته ,
لذلك سلمت مسؤولية البيت لي , و انسحبت تدريجيا من حياة عائلتها , و كأنها تعاقب نفسها و تحضرهم لرحيلها "
" يعني هي كانت طوال الوقت ، تعيش في الطابق العلوي "
عبست ملك و سألت باستغراب
" أجل ابنتي , لكنها لم تحب يوما نظرة الشفقة في عيون الآخرين , خاصة أنها صارت تتنقل بكرسي متحرك , مع كل المشقة التي ترافقه ,
لذلك تبقى في غرفتها لا تغادرها إلا نادرا , رغم أن علي أنشأ ممرا خصيصا , خلف الدرج لتنزل دون مشاكل , لكنها لا تقبل مهما حاولنا "
الآن فقط فهمت ملك لم لم ترها قبل اليوم , و الأهم لم كانت ممنوعة من الصعود الى هناك ,
هو أكيد يخاف من أن تتعرض لزوجته المريضة أو تؤذيها .
" و المجنون ماذا فعل ؟ "
ابتسمت فاطمة و قد تعودت على طول لسان ملك
" لا شيء استقرت الأمور على ما هي عليه , في انتظار انفراج نفسي من جهة مريم ,
لكن بعد فترة عادت صفية لنفس الكلام , الذي يحثه على الزواج من أخرى , و كانت الحالة التي وصلت إليها مريم أفضل تبرير ,
ففي السابق كان من أجل الأحفاد , و هذه المرة من أجل حياته الخاصة , التي كان يراها الجميع مزرية مع امرأة حبيسة الفراش ,
في البداية قاوم و رفض , و لكنه انصاع بعد ذلك , و ارتبط بامرأة إسمها أميرة , كانت ابنة لصديق والده ,
درسا سويا في الجامعة , أو بالأحرى هي من لحق به إلى هناك "
قالت فاطمة و أدارت عينيها بتذمر , في إشارة منها إلى عدم تحمل هذه المرأة , و أكملت بانتقاد و قد مطت شفتيها
" هي توقفت عن مطاردة علي بعد زواجه , و لكنها ظهرت مرة أخرى لاحقا , كأفضل مرشحة للزواج
حينما بدأت صفية بالبحث عن عروس مناسبة ,
و في الأخير قبل علي و كان شرطه الوحيد , أن لا تصل الأخبار إلى مريم "
" ماذا خالة فاطمة , لا يبدو بأنك تحبينها ؟ "
سألت ملك باستغراب , و ردت المرأة بسرعة بصوت مستاء و قد تحفزت فجأة
" أكيد لا أحبها , فتلك المرأة كانت مثل الأفعى , لم يكفها أنها تزوجت من علي , و لكنها كانت تحاول مرارا , إيصال الأمر إلى مريم "
" لماذا ؟ ألم يكن من حقها إذاعة الزواج ؟ "
" بلى ابنتي , أصلا كان الزواج مذاعا , فقط مريم من لم يكن يعلم ,
و لكن لأنها خبيثة أرادت أن تعلمها , حتى تنتكس و ربما تموت لا سمح الله ,
لتصبح هي السيدة الوحيدة , و تنتقل للعيش هنا و التحكم في هذا البيت ,
بالله عليك كان لديها أكثر مما تحلم به , كان علي يغرقها في الحياة الرغيدة ,
ما الذي ستكسبه من احزان امرأة مريضة إلا هذا ؟ "
فهمت ملك قصدها و لم تعلق , و استرسلت فاطمة بحنق بالغ غريب عن شخصيتها
" حذرها علي عدة مرات , من مغبة الاستمرار فيما تفعله ,
لكن الأمر انتهى بالطلاق بعد بضعة أشهر , لأنه لا يحب أن يضعه أحد أمام الأمر الواقع ,
حصلت بعدها فوضى كبيرة , لأن والدها أنهى الشراكة مع علي , و سافرت هي إلى أوروبا و لم نرها لاحقا "
" ألم يتزوج بعدها ؟ " .
😢 أعتذر عن كمية المآسي في البارت , و لكن حالتي النفسية فجرت ينابيع النكد في رأسي ,
برافو نجمة القطب استطعت تخمين معظم الحقيقة , الظاهر أنك صرت تعرفين طريقتي في الكتابة
😘💞💞
....... |