حياة أم نزوة.. أ أعمالك نزوة , أ كتابتك ليست إلا هواية , أ قراءتك مجرد تغيير , ألستَ ثابتاً على رأيك , ألست مسقراً في رغباتك , فترغب هذا اليوم بشيء وترغب في يومٍ اخر في شيء اخر ؟
ألا تسير بخطىً ثابتة على طريق واحد ؟
سألته فأجاب بشفافية : صديقي هي نزوات لأجل الحياة , فإني لا أستطيع الحياة مع الملل والفراغ القاتل . هي عوامَّة ٌ لكي لا أغرق ومخدرٌ لكي لا أموت ضجراً !
صمتُّ قليلاً وأنا أشعر بالشفقة اتجاهه ثم قلت :الحياة تمضي شئنا أم أبينا سوآءا بالملل أم بالتسلية , لكن البعض منّا لا يستطيع التحمل ولا يجد شيئا يستحق البقاء فـينتحر .
قال: الألم الذي يسببه اللا شيء واللا أمل هو ألمٌ فظيع جداً لا أستطيع تحمله وأفضّل الموت عليه . لا حياة لمن ألّم به هذا الملل القاتل .
قلت :ولا حياة لمن عاش على النزوات , إذ أنه في النهاية سيسقط في اللا شيء , الفرق بينه وبين من استسلم لواقعه وثبت في مكانه وترك كل شيء أن الأول وقع تحت شباك المخدرات والمسكنات . كلاهما يسقط ولكن الأول يوهم نفسه أنه ليس كذلك . لن اعتبرك يا صديقي الطيب أنك أفضل حالاً منه سوى أنك تتمسك بالبقاء أكثر منه .
قال : أغفلت الأمل, أنا أأمل دائماً لحدوث شيء ينتشلني لكن ذلك الشخص قتل الأمل بيديه , فلم يتبقى لديه إلا الفرار إلى الموت . أخالفك أني سأسقط في اللا شيء ذلك ليس حتمياً . ذلك الذي امتاز به عن غيري ; الأمل .
قلت : أملك لن يذهب بك إلى أي مكان لأنك فاقد لشيء مهم وأساسي لاستمرار الحياة بمعناها الحقيقي .
سألني: وما هو ؟
أجبته : تمسكك بالدين وتقربك من الله . فكل من تمسك بغيره , فلن يكون أمله إلا زيفاً ووهماً وسيسقط في النهاية في اللا شيء .
قال : هناك أشخاص عظماء بنو حياتهم على أهدافهم الخاصة , وليس الله ولا الدين من ضمن أهدافهم ,لكنهم أقوياء يزخرون بالحياة , هالاتهم تحوط الأرض بكل ما فيها . فماذا تسميهم , أموات ؟!
قلت : لعلي أخيب ظنك هنا لأني.. نعم أعتبرهم أموات . لأن الحياة الحقيقية للشخص تنبع من داخله أولاً وأخيراً , أما تأثيرها على الاخرين هي أعراض تأتي بعدها , وقد لا تأتي . و ليس كل تأثير دليل على أن أصحابهم يمتلكون حياة حقيقية .فحتى إبليس والقتلة المجرمين لهم تأثير !
قال : وكيف تعرف أن المتدين حي وأنت لم تدخل داخله ؟!
قلت : الحياة أولاً يا صديقي شأن ذاتي , وليس بالضرورة أن نعرف أن فلان حي واخر ميت . أنت تقول عن نفسك أنك تحمل الأمل للحياة. شخص يراك ميت و اخر يراك تزخر بالحياة , لكن كلاهما لا يعرفان حقيقتك أكثر منك .فحتى العالِم الذي غيّر العالَم قد يكون ميت داخل نفسه بالرغم أنه حيٌ عند غيره . الحياة الحقيقية باعتقادي هي حياة القلب والضمير والوجدان . هي النور الذي يشتعل داخلك . فليس حي من كان داخله مليءٌ بالظلمة . و منبع النور باعتقادي هو الله أو الدين .
قال صديقي بنبرة وكأنه أمسك عليّ شيئاً قد غفلت عنه : وكيف تعرف أن منبعه هو الدين ؟
قلت: بالتجربة أولاً , ثم بملاحظة حالات وأخبار الناس .
صمت صديقي وراح يفكر ثم قال : ربما عليّ أن أعيد التفكير في كل شيء بدأً من حقيقتي ; حقيقة الإنسان .
قلت : أدعو الله لك التوفيق والسداد . .. ثم استأنفت :الاعتقاد يا صديقي هو الأساس في حياة الإنسان . فباعتقاده قد يكون حيّاً أو ميتاً .
قال: أشكرك على الكلام الجميل لكن يتحتم علي أولا أن أرجع لنفسي وأفكر ملياً وملياً . فلا نية حقيقية ولا قناعة حقيقية تنبع من الخارج فقط .
قلت له وهو يهم بالذهاب : ولا عمل بدون ارادة قوية . فكم من اعتقاد لم يغير شيئاً لأن صاحبه ضعيف الارادة .
افترقنا وأنا أشعر أني لم أتكلم بهذا الجد وهذه الحرقة من قبل . في الحقيقة هذا الموضوع يشغلني أنا نفسي كثيراً . ولا أهدأ أبداً واعتقد أني لن أهدأ ما دمت حياً !
|