عرض مشاركة واحدة
قديم 18-09-20, 07:32 PM   #22

nada diab
 
الصورة الرمزية nada diab

? العضوٌ??? » 102646
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 313
?  نُقآطِيْ » nada diab is on a distinguished road
افتراضي

‎ ❤ الفصل التاسع
" كلما واجهنا مشكلة مهما كانت تافهة تركض لهناك تبكي أطلالك تحكي لها كالمجذوب عن فرط شوقك و كأنني هواء كأن وجودي بحياتك كان مجرد تجربة لطيفة ترفه عنك حتي تلحق بسارة ، و فور ما أن ينتهي الترفيه و يبدأ الخلاف مهما كان عادياً تافهاً يحدث مراراً بين أي زوجين تفتح صورها و رسائلكم كأنها الخلاص ! كانت بينكم معارك أصلاً لم يكن ما بينكم يوماً وردياً حالماً حتي تفر هارباً مني لها "
ليصرخ بدوره في ظاهرة نادرة الحدوث فطالما كان متفهماً محتوياً لكل من حوله خاصة هديل حمامته المشاكسة
" هل كذبت عليكِ يوماً لتصرخي بوجهي ، لقد تزوجتي مني و أنا حبيبها القديم و كنتِ شاهدة علي ما كان بيننا ، أنا أحبكِ يا هديل لكن جزء من قلبي رحل معها و لن يعود ، لا يُعقل أن تغاري من امرأة لم تعد علي قيد الحياة حتي "
لتصرخ في جنون
" امرأتك تلك التي تمنحها جزء من قلب يجب أن أمتلكه أنا كله كما أعطيتك أنا كل ما أملك ، لم تكن تحبك كانت معجبة بابن خالتها و تنوي الانفصال عنك لتبدأ معه من جديد عل ذلك الاعجاب يتطور ، كانت رسائلها عنك مليئة بالملل و الرغبة في الهرب ، هي كانت تبحث عن طريق لتركك و أنت هنا عالق مع بقايا قبرها و تعذبني به ، أنت تحرق كبريائي كلما ذكرتها و لا تشعر حتي بالندم و كأنه أمراً عادياً أن تخبرني كم اشتقت لها و تحكي معي ببساطة في حكايا الماضي ، في ذلك الماضي لم أكن زوجتك ، لقد صبرت سنوات لأنني لم أرد نبش سرها لم أرد أن أجرحك أو أشوهها لقد أحببتها كانت صديقتي لكنك زوجي و ما تفعله بي ليس طبيعياً ، لا يعقل أنك أحببتها لهذا الحد رغم كل ما كان يحدث بينكما ، لو كنت تعشقها مع كل ذلك الوجع الذي كنتم تتبادلونه فأنت لم تحبني قط ، فأقل مشكلة بيننا تهرع لماضيك معها ، معارككم كانت أهون عليك من مشكلة مفتاح سيارتك الضائع و ملابسك الغير منظمة لانشغالي، سأقضي الليلة بمنزل جدتي بهيرة "
لتخرج مسرعة و هي عاجزة عن رؤيته مصدوماً و متألماً هكذا فقد ندمت علي إنفجارها هذا ، قلبها لا يحتمل خيبته تلك أبداً لكن طفح الكيل لن تعيش مع شبح حب لم يكن حقيقياً من الأساس .
" زوجة إبن العم المفضل ، هل تبحثين عن ملجأ من زوجكِ بمنزل جدته فلا تقنعيني أنكِ ببيتنا ليلاً بإسدال الصلاة لأنكِ اشتقتي لطلتنا مثلاً ؟"
لتبتسم في سخرية من مزاح مليكة الغليظ
" حسناً رغم سخافتكِ لكن مزاحكِ أفضل كثيراً من حزنك فأقبل بكل رحابة صدر أن أكون ضحيتك "
لتبتسم مليكة و هي تسمح لها بالدخول حيث تجلس هي و جدتها
" أراكِ تحاولين جاهدة أن تكوني زوجة إبن العم المفضلة لكن ياسمين صديقتي لن أطيق الخيانة "
لتبكي في صمت لشعورها بأنها فعلياً قد خانت صديقتها المتوفاة و كشفت سراً بينهما ، و لكن مليكة لم تستوعب سر البكاء بالطبع فقد ظنت السبب خالد فحاولت الجدة أن تلطف الأجواء بذكريات الماضي التي تنحر قلب مليكتها بقسوة علي الرغم من حلاوتها
" لم تعرفيهم عندما كانوا صغاراً يا هديل ، ياسمين و أحمد و مليكة كانوا مقربين للغاية أقلهم جموحاً مليكة لكنها تعرضت للعقاب كثيراً بسببهما ، أتذكرين ذاك الشاب بالورود الحمراء ؟ فادي أعتقد "
لتضحك مليكة حتي دمعت عيناها
" يا الله لقد ركضت لجدتي كطفلة في الثامنة حتي كاد نفسي ينقطع علي السلم ، فقد أخبر ياسمين باعجابه بي و هي بمنتهي البساطة أعطته عنوان منزلنا و قالت له مليكة تحب الروايات الرومانسية فأحب هو أن يفتعل مشهداً من البداية كي يبهرني و من حيث لا يدري كلانا ظهر سليم و أنا ممسكة بباقة ورد ضخمة و أحاول صرف فادي بلطف و الله لم أكن أتقبله لكن المشهد كان ساخراً فألقيت الباقة في وجهه شاهقة رعباً و ركضت لحبيبتي جدتي العميلة المزدوجة فقد أنقذتني جزئياً و سمحت له بليلة كاملة من الاستجواب المضني المتكرر لنفس الأسئلة عله يجد تناقضاً أو ثغرة فينقض عليّ " من هذا ؟ و كيف عرف عنوانكِ ؟ و حدود علاقتكم و كيف لم تصرفيه فوراً ؟ " مع العديد من كلمات التوبيخ المحببة ، اتدرين حتي الان لا أعرف ما فعله بفادي فقد إختفي كلياً من حياتي كأنني لم أكن و ياسمين إستقبلت ما حدث ببرود و الله و كأن الأمر لا يمسها و لا أساسه هي "
لتعود من رحلة الماضي تلك بعينان حزينتان مشتاقتان رغم كل شيء ، اما جدتها فقد حاولت مراراً أن توقف كل ما حدث بينهما لكن بلا جدوي و لم ترضي يوماً عن زواجه بسمية و لم تستطع حبها أو تقبلها مما أثار الأخري لكن في حقد صامت لا تجرؤ علي التصريح ، ليرن الجرس مجدداً فتعدل مليكة من وضعية حجابها فقد قررت إهداء والدها حجاباً في قبره لطالما أحب رؤيتها به في الصلاة يومياً فقررت أن يصحبها دوماً لتفاجأ بسليم برفقة زوجته عائدين من زيارة أهلها
" هديل يمكنكِ مشاركتي الغرفة ، سأخلد للنوم و إلحقي بي ، ليلة سعيدة للجميع "
لترد سمية في حدة واضحة مرفقة إياها بابتسامة صفراء غير مبالية بحقدها الواضح كما لم تبالي مليكة دوماً باظهار امتعاضها و تجاهلها التام لها
" كالعادة إذا جاءت الملائكة رحلت الشياطين "
لم تهتز مليكة فرغم أن تلك المرأة زوجة الرجل الذي ملك قلبها لكنها لم تعبث يوماً بعرش غرورها فلو كانت أوراقها الثبوتية تحوي إسمه و سريرها يحتضن جسده كل ليلة لكن عيناه دوماً تقران أنها ستظل أبد الدهر مليكة قلبه الوحيدة ، فلا ينتابها سوي الاحتقار و الشفقة لخضراء العينين
" أعتقد أن الجملة معكوسة فلا تُذكر بتلك الطريقة أبداً لكن لا يَهم زوجكِ موجود و أعتقد أن لديه القدرة علي التعامل مع وقاحتكِ ضدي ببيتي "
" بيتك !"
لتعلن بهيرة جملتها في قوة كعادتها داعمة أحفادها
" بيتي هو لأحفادي جميعاً و إبنة حبيبي الغالي أولهم ، سليم أرجوك خذ زوجتك لمنزلها طالما أنها لا تستطيع السيطرة علي نفسها هكذا "
لتندفع سمية شبه صارخة فمنذ عادت مليكة و جرحها النازف يئن كما لو أن أحدهم يعبث فيه بسكين ساخن يكويه و يعود لفتحه من جديد ، حبه لمليكة لم يكن يوماً إهانة لأنوثتها و كبريائها فقط فقد كان كسراً حقيقياً لقلبها الذي ذاب عشقاً بزوجها ! لقد أحبت سليم بحق و رضت حتي بهمسه و هذيانه باسم المدللة ، لكن أن تعود و تري بعيناها ذلك الهيام متجسداً بعيناه فقد كان أكثر بكثير مما يمكنها التحمل
" كالعادة تهللين لمدللتكِ لما لم نسمع صوتكِ يوماً و هي تهينني مراراً بهذا البيت ، لم تقبلي ضدها مجرد مزحة لكن أنا تقفين كالمتفرجة و هي تبعثر كرامتي "
ليجذبها من ذراعيها صارخاً جراء وقاحتها المفاجئة تلك
" هل جننتي كيف تجرؤين علي التحدث مع جدتي بتلك الطريقة ، إعتذري فوراً "
" ماذا لو لم أفعل ؟"
" سأعيدكِ لأهلك حالاً ، لا أحد لا أحد أبداً يهين جدتي أو حتي يرفع صوته بحضرتها ، إعتذري أو تصرفي القادم لن يسركِ مطلقاً "
" هل ستضربني مجدداً ؟"
لتندهش مليكة فلم تتخيل لأي حال قد انحدرت حياته
" لما تبدين مندهشة مليكة ؟ لقد حملني أنا زوجته ثمن إبتعادكِ سابقاً ، ألا ترين أن لي كل الحق به ؟ من تحمله غيري ؟ من المفترض أن تشكريني فمدللة مثلكِ لم تكن لتتحمل منه ما أتحمله أنا أبداً "
" هي تهذي و الله لا أضربها "
لتضحك سمية ساخرة و الدموع تكاد تقفز من عينيها رغم محاولاتها التماسك و الألم الحارق بذراعيها جراء إمساكه بها كان ينفس عن غضبه بتشديد جذبه لها و هي موقنة أن أصابعه ستخلف علامات في الصبح كالعادة
" حسناً أنا لا أكذب فقط سليم لا يعتبر الكدمات علي ذراعي و لويه له و جذبه لشعري ضرباً ، لا يدرك فرط الإهانة التي أشعر بها و هو يلقي بغضبه منكِ علي جسدي أنا ، لكننا رائعين بباقي التفاصيل الزوجية ، تفهمين قصدي أليس كذلك ؟"
لتشهق مليكة و تنسحب لغرفتها و هي تردد
" خذ زوجتك و حلا مشاكلكم بعيداً عن هنا ، أنا مازلت في حالة حداد علي أبي حاولا أن تملكا شيئاً من الشعور و قليلاً من الأدب و احترما ذلك علي الأقل لا تدخلانني بينكما ، أنا من تركته سمية و لم يكن ما بيننا عميقاً كي يستحق منكِ كل هذا الاهتمام ، فكري في حياتكم معاً فأنا أيضاً لدي حياة لا تقلقي لم و لن أخطط لسرقة زوجكِ لم أعتد أخذ بقايا امرأة أخري مثلما فعلتي فالفتات يناسبكِ اكثر و كذلك تليقان ببعضكما ، فعلاً امرأة مثلي لم تكن لتقبل شيئاً من هذا العنف ، عمتم مساءٍ جميعاً و بالمناسبة المرة القادمة التي سيرتفع صوتكِ فيها علي جدتي ستكون العواقب وخيمة لن تتحمليها فكل العائلة تدور في فلك بهيرة لا أحد يجرؤ علي أن يقلل منها نأكله حياً فهمتي ؟"
كان مصدوماً من وصلة الإهانات المتبادلة بينهما و التي تشمله بالتلميح و التصريح كأنه حقيبة يتجادلان علي ملكيتها لكن تلك التي تحمل إسمه هي من حاولت أولاً خدش قطة تتحول بلحظة لنمر كمليكة فلم تنل شيئاً سوي الإهانة له و لها و شفقة و تقزز الجميع حتي هديل زوجة خالد كانت تنظر لها بشفقة لم يفهم تحديداً كنهها رغم إدراكه التام أنها لا تحب سمية أبداً لم يكونا منسجمتان يوماً لإختلافهما التام فلم تلبث أن لحقت بمليكة بعدها ليضغط هو علي ذراع زوجته من جديد صارخاً
" إعتذري لا تجعلي نفسكِ مطلقة هذه الليلة و دعيها تنقضي فلكي حساب عسير لا تزيديه "
لتجيبه من بين دموعها
" ماذا عن حسابك أنت ؟ سأشتكيك لله أنت تقهرني بحبك اللا منتهي هذا ، أنا جننت مما تفعله بي ، رؤيتها بقربك ترعبني أنا ممزقة ، أرجوكِ سامحيني فأنا أتألم و الله الوجع يكاد يهلكني "
كانت تهذي كمجنونة حتي بهيرة أشفقت عليها فلا أصعب من أن تسكني سرير رجل يهذي ليلاً بشوقه لأخري
" خذ زوجتك و حاولوا حل خلافاتكم تلك فهي لا تتحمل الضغط علي ما يبدو ، إتركي الماضي لحاله سمية فلا أحد هنا يركض ليخطف منكِ زوجك اطمئني يا إبنتي "
كانت تستمع لحوارهم بقلب يتمزق بين حبه الذي مازال حياً مهما حاولت و مهما أنكرت و مهما ابتعدت و بين شفقتها علي أخري تحيا بجدران بيته لكنها أبعد ما يكون عن السكن بين ضلوعه ، ليس لسمية ذنب في كل ما حدث فهي من أصرت علي فرض كل تلك الحواجز بينهما
فبعد تجاوز والدها الخطر و نجاح عمليته حاول سليم التحدث معها مجدداً
" ماذا تريد مني ؟ ما بيننا لم يكد يبدأ أصلاً حتي تهتم به بهذا القدر ، أنا حياتي كلها إنهارت فلا تضغط عليّ أكثر أرجوك ، عد للقاهرة و دعني لحياتي سأكمل دراستي هنا و فور مفتاحتها لأبي بالطلاق سأقنعه لنعيش معاً ، لا أطيق العودة حاول أن تتفهمني "
" من يتفهم من ؟ ما ذنبي أنا بما فعلته ؟ أنتِ تحبينني منذ سنوات و تعلمين جيداً أن ما بيننا لم يكن وليد الأيام السابقة ، سنتزوج يا مليكة و الوقت كفيل بكل شيء "
لتضحك ساخرة
" أنت لا تستطيع حتي الكذب متملقاً بأنك نسيت يا سليم ، لقد شككت في نسبي أمامك رجل مثلك لن ينسي أبداً ، ثم أنك تري أباك لا يخطيء من يضمن لي أنك بعد سنوات ستبحث عن شبابك الضائع في حضن شابة صغيرة و تجرعني مرارة الخيانة متبجحاً بأن الشرع في صفك "
ليتملكه الغضب من جديد
" مليكة إخرسي إياكِ و معاودة الحديث عن أبي بتلك الطريقة لم أعاقبكِ بعد علي ما قلته سابقاً فلا تستفزي صبري أكثر من ذلك لقد قدرت حالتكِ وقتها و تجاوزت عن الكثير فلا تطيلي الأمر "
لتضحك في ألم بات يلازمها
" ألم تكن الصفعة عقاباً كافياً ، هل ستحبسني شهراً ؟ بما ستبرر لأبي عقابك لي هذه المرة يا تري ؟ هل ستحكي له عن أباك و شادية ؟ أم عن أمي و مروان ؟"
ليرد باندفاع
" شادية زوجة أبي ، لكن ...."
لتتجمع الدموع غير آبهة بقرارها ألا تبكي و تظهر وجعها أمامه
" لكن أمي خائنة ، أرايت ؟ كيف سنحيا معاً مجدداً أصلاً فما بالك بالزواج ، ستشكك بي دوماً ستؤلمني يا سليم و أنا و الله لا أحتملها منك ، أريدك أن تظل جميلاً بذكرياتي لن أحتمل صفعة أخري صدقني سأكرهك ، دعنا نحتفظ بأيامنا حلوة إتركني و عد أرجوك ، لن نكون معاً أبداً ، سأري بكل تصرفاتك حتي العادية التي كنت أتقبلها بعدما عرفت السبب إهانة ، لن أكون الزوجة المحاصرة حتي لا تخون كأمها ، لن أقبل هذا منك أبداً و لن تضربني من جديد "
دموعها كانت تجلده لم تكن لديه القدرة علي تقبلها و لا علي إيقافها
" كانت الصفعة خطأ سمحت لكِ بردها يا مليكة لو لم أندم عليها في لحظتها لما تقبلت تطاولكِ هذا و تعلمين جيداً كم بذلت من جهد لأتقبل هذا "
لتجيب منتحبة بصدق تام
" أعلم جيداً كم يعني هذا لك لأنني أحفظك لسنوات و أنا أعلم أي رجل أنت و أخبرك أنك لن تتحمل و ستؤذيني و أنا أحب أن أتذكرك جميلاً لا تشوه نفسك في عيناي أرجوك ، لا تجعلني أضعف إحترم قراري و إرحل لا تفرض عليّ ما لا أريد ، ثم أنني مازلت صغيرة للغاية يمكن أن يكون ما في قلبي لك مجرد رواسب مراهقة وقعت في غرام إبن عمها مجسدة ما تقرأه بالروايات دون وعي أو مشاعر حقيقية عميقة ، دعنا للزمن أرجوك دعني هنا أحتاج وقتاً "
ليعود لبلده بعد يومين من حوارهم هذا مودعاً إياها في برود ، لتواجه أمها للمرة الأولي بعد ما حدث فقد انتقلت لغرفة بعيدة و صممت علي تلاشيها تماماً ، فما إن عادا من المشفي حتي وجدت أمها أمام باب غرفتها فسمحت لها بالدخول بملامح تنضج بالغضب و الخذلان حتي لاح فيهما شيء طفيف من الكراهية
" هل ستظلين هكذا ؟ لم تسمحي لي حتي بشرح شيء ، أنا أمكِ شئتي أم أبيتي و لي الحق في أن تسمعيني "
لتطالعها في دهشة
" أسمعكِ ! كيف تجرؤين علي المطالبة بأي حق ! بسببكِ كنت سأصبح إبنة حرام لولا لطف الله بي ، بسببكِ نكست رأسي الشامخة للمرة الأولي أمام سليم ، بسببكِ سأكذب علي أبي لآخر عمره ، بسببكِ خسرت عائلتي و خسرتكِ "
لتجيبها بهدوء علي الرغم من الألم النابض بصدرها جراء كل ذلك الوجع و الخزي الذي يغلف نبرات صغيرتها فعلي الرغم من كل ما حدث و سيحدث ستظل أم
" حبيبتي ليس الأمر كما فهمتي ، لقد أحببت مروان لسنوات و منع والدي زواجنا لأنه لم يكن جاهزاً وقتها و لأن عائلتينا تتبادلان العداء منذ عقود ، كان أبي قاسياً لدرجة لا تتخيليها و عنيداً للغاية لو لم أوافق علي الزواج من أبيكِ لكان حرمني من كل شيء و قيد كل الحرية التي كانت ممنوحة لي ، لقد حبسني بغرفتي حرفياً عندما ابلغته أولاً رفضي ، لقد فرض عليّ حتي أن أُشعر والدكِ بالحب و حجته أنه رجل صالح لا يُعوض لكن قلبي ظل مع مروان "
لتقاطعها في حماسة
" كان والدكِ محقاً فأبي رجل لا يُعوض لا تسمحي لنفسكِ يوماً بمقارنته بهاتك الأعراض ذاك ، لم يصن قدسية زواجكِ و شرع الله و الحلال و الحرام ، كيف تتوقعين أن تكون شخصيته ؟"
لتجيبها في دفاع أدمي قلب الصغيرة من فرط وقاحة أمها
" والدكِ رائع كوالد إنما كزوج كان محباً عطوفاً بالبداية و سرعان ما مل و أصبح عادياً لم يعشقني و لم يعتصرني بين يديه من فرط أشواقه يوماً لم يدغدغ أنوثتي و لولا حملي بكِ و رفض والدي إنفصالي لتركته منذ زمن "
لتقاطعها صارخة
" كفي لا أريد سماع المزيد لقد وصلنا للنقطة الأهم بحوارنا ، إنفصلي عن والدي لن أسمح لكِ بالعيش معه من جديد ، أنتِ لا تستحقينه لطالما عاملكِ باحترام و حتي غضبكِ احتواه و تقبل ابتعادكِ المتعمد عن عائلته و لم يجبركِ علي شيء أبداً ، تخلي عنا و عودي للرجل الذي هرعتِ له ما إن وجدته خالياً ، عودي له يا أمي ، سأقولها لكِ للمرة الأخيرة لأنني لا أريدكِ بحياتي مجدداً ، أنا لا أملك تسامح أبي و تعرفين جيداً تصميمي ، إبتعدي عن حياتنا لن أكررها "
لتبتسم أمها بألم ممزوج بتحدي و إستفزاز ، فقد عقدت العزم علي الطلاق منذ ظهر مروان فعلاً لكنها لم تتحمل أن تأمرها صغيرتها بهذا ، شعرت بإهانة تحاول مداراتها بالإستفزاز
" كل هذا الغضب لأجل سليم أليس كذلك ؟ لقد قرر ترككِ ؟ هل .."
لتقاطعها في غضب فقد تعمدت وخز جرحها الوليد ذاك في قسوة لا تليق أبداً بأم
" لم يتركني يا أمي لقد صمم علي أن نتزوج أنا من طلبت منه منحي بعض الوقت لكن بداخلي أنا موقنة أنني لن أتزوجه رغم أنني لم أكن يوماً متأكدة من مدي ولعي به كما هو حالي بتلك الدقيقة ، أنا أعشقه يا أمي أحب سليم بكل جوارحي ، أشعر أنني أحببته منذ كنت في الثامنة مثلاً ، كنت أشاهد أفلام الكارتون و أتخيله دائماً أميري الخاص منقذي و بطلي كما كان و سيكون دوماً لكنكِ جعلتني مختلفة عن عائلتي بأكملها و مع ذلك أحبوني و هو أحبني رغم تعمدكِ غرس عدم تقبله لي في أفكاري فقد أحبني و صمم علي أن يتزوجني حتي عندما علم أن أمي رمت بشرف عمه تحت أقدام أحدهم ، و رغم أنه رآكي تحتضنين ذلك الرجل بوقاحة منذ سنوات لم يبعد نفسه عني بل أحبني و بكل قوته حاول تقويمي خوفاً من أن أصبح مثلكِ و رغم إحساسي بالإهانة و الدونية لذلك لكنني لن أنسي له هذا أبد الدهر فيبدو أنه قد حماني من الكثير ، لكنني لن أتزوجه يوماً كما أردتِ تماماً يا أمي لكي تكسري قلبه لكن قلبي أنا الذي يتمزق ، لقد حرمتني من حب حياتي كما فعل أباكِ معكِ ، لن أستطيع تحمل نظرة شك واحدة من عيناه لن أتحمل أن أفسر غيرته خوفاً من خيانتي لن يتقبل كبريائي كل هذا و أنا أريد الإحتفاظ بسليم حلواً دوماً بداخلي ، لكنني لن أتحول لواحدة مثلك ، لن أتزوج قبل أن أنتهي منه بداخلي لو كان ذلك ممكناً ! لقد كسرتي قلبي مرتين يا أمي و لا أريد رؤيتكِ بحياتي مجدداً و صدقيني سأدعو لكِ كما لو كنتي ميتة عل ذلك يكون البر و الإحسان الوحيد الذي أستطيع منحه لكِ ، فأنا لن أراكِ مجدداً بحياتي ، لأن المرة القادمة سأخبر أبي كل شيء و سأجبره علي مقاضاتكِ مستخدمة ورقة إختبار الحمض النووي كدليل علي خيانتكِ ، سأدمركِ و لن أندم صدقيني "
لتصمت متأملة صغيرتها للحظات
" سأبتعد يا مليكة و لن تريني مجدداً بعد الطلاق ، لكن أرجوكِ صدقيني حين أقول أنني أحببتكِ بشدة و لم أتوقع أن يؤلمني قلبي هكذا لرؤيتكِ بكل هذا الوجع ، حاولي العودة لسليم يمكن أن يمحو ما جعلتكِ تشعرين به ، يمكنه لئم جراحكِ "
لتبكي غير قادرة علي كبح إنهيارها
" جعلتِ من ذلك مستحيلاً يا أمي ، اخرجي أرجوكِ ، لا أطيق "
لتتركها مودعة إياها راغبة في إحتضانها و لو ضمة أخيرة لكن ما أن تنبهت مليكة لإقترابها حتي فرت مذعورة كمن أصابها مس كهربائي لتكن تلك المرة الأخيرة التي تتحدثا فيها بصراحة فقد طالبت والدها بالطلاق فور خروجه من المشفي و رغم محاولته لاثنائها وجد تصميماً منها و من مليكة علي الطلاق و في قرارة نفسه شعر بشيء سيء غير طبيعي بالمرة لكنه أدرك أن الخوض بالأمر لن يريحه أبداً ليلفظها من حياته كما أرادت و يستسلم لرجاء و توسل إبنته الغريب علي أن يبقيا بتلك البلد و تستكمل دراستها هناك برفقته ليتسنى أيضاً له متابعة حالته دوماً لقد أكد له إلحاح الصغيرة أن هناك ما حدث و كسر قلبها خاصة بعدها التام عن سليم و إصرارها علي عدم الحديث معه و العودة حتي لمنزل العائلة لإنهاء أوراقها فقد عادت معه لأيام مكثت فيهما بفندق ما سراً و لم تقابل سوي غنوة التي لم تستطع حتي البوح لها بكل ما حدث لكنها بكت في حضنها كل شيء خساراتها و كبريائها الجريح و أمها !
" ليست نهاية الدنيا أن يتطلق والداكِ يا مليكة ، لا تبكي هكذا تمزقين قلبي و الله أرجوكِ إهدأي يا حلوتي ، لا شيء لا يمكن إصلاحه و قريباً ستعودين لسليم رغم أنني لم أفهم سبب ابتعادكم أساساً "
لتنهي بكائها مرتعدة حتي شعرت بأن لا قدرة لغددها الدمعية علي العمل أكثر من ذلك فتحكمت في الباقي من ألمها لتكبحه عن الظهور بهيئة عبرات مالحة
" لا تسأليني يا غنوة أرجوك لو كنت أستطيع البوح لفعلت أنا في أشد الحاجة للبوح و الله لكن ليس بيدي ، سليم لم يعد لي لقد حُكم علينا بالفشل و لا شيء يمكنه إعادتنا لنجرب من جديد ، أنا فقط متألمة و ذكرياتنا تجلدني لا أطيق البلد كلها حتي ذلك الفندق يا إلهي كل ما فيها يذكرني به لم يترك شبراً لم يصنع به لي حدثاً ، ساعديني أرجوكِ كوني بجانبي دوماً "
لتبتسم غنوة في حب خالص
" لا أملك أصلاً الابتعاد عنكِ فأنتِ صديقتي الوحيدة و لو كنت حظيت بأخت لا أعتقد أنها كانت ستدعمني و تحتويني و تكون معي بمثل كرمكِ و حبكِ لي ، أنتِ تعويضاً لطيفاً من الحياة علي الألم الذي عايشته من قبل "
لتبادلها مليكة الإبتسام ثم تنظر لها عابثة
" و كيف حال هدية القدر لكِ ؟ ضابطنا الوسيم ؟"
لتلكزها غنوة في غضب مازح
" هو ضابطي الوسيم وحدي ، حسناً سأخبركِ لكن لا تضحكي ساخرة كعادتكِ لقد تطور كثيراً فقد سألني البارحة ماذا أحب أن أشاهد قبل أن يختار الفيلم كعادته مجبراً إياي علي المشاهدة معه و تصوري تقبل أن الفيلم ليس كارتونياً و العمر المسموح له بمشاهدته تخطي الثالثة عشر لكنه لم يتوقف عن إغماض عيناي بمشاهد القبلات كما لو كنت في الخامسة ، لكنه تطور نشكر الله عليه "
لتضحك مجلجلة حتي دمعت عيناها مجدداً
" يا إلهي كم أحبكما تدفعانني للضحك في أحلك أيام حياتي ، أريدكِ أن تحتفظي بمفاتيح بيتي و اعتبريه دوماً منزلكِ يا غنوة أرجوكِ "
لتبتسم غنوة في امتنان و طمأنينة و هي تشعر أن هناك من تلجأ لحضنه بأيامها الحالكة غير عمر ، فقد كانت دوماً تفكر ماذا لو تزوج و نبذها من جديد ؟ ماذا لو غارت حبيبته و طالبت بابتعادها ؟ هل ستتحمل هي أصلاً أن تتواجد من حوله امرأة أخري ؟
عادت للمنزل متأخرة لتصميم مليكة علي بقائها معها لمنتصف الليل حتي يعود والدها و يوصلها و عندما أخبرتها برفض عمر صممت علي بقائها لتعود قبل إنتهاء مناوبته و لأن الحظ يركض وراء أصحابه قرر العودة لساعتين للمنزل و رغم محاولة الجدة التغطية علي غيابها لكنها ظهرت أمامه في مفارقة بائسة لا تحدث سوي للمحظوظين من أمثالها فدخلت مستسلمة لقدرها و هي مغتاظة من مليكة و تصميمها و رضوخها التام لها من فرط حبها
" قولي لي ماذا أفعل بكِ و سأفعله ، قولي لي ما العقاب الذي ترينه يناسب أفعالكِ ؟"
لترد في لا مبالاة ضاحكة رغم توجسها من الغضب بعيناه
" لا تعاقبني لم أفعل ما يستحق ، صديقتي ستسافر و سهرت معها قليلاً و أوصلني والدها مشكوراً ، أين المشكلة ؟"
ليزفر في غضب و هو مندهش من جرأتها حتي الجدة كانت فاغرة فاهها و ممتعضة من طريقتها الجديدة خاصة مع عمر فلا أحد يرد لحفيدها أمراً
" المشكلة أنني أخبرتكِ أن ذلك مرفوض و مع ذلك لم تمتثلي لأمري ، منذ متي تخالفين قواعدي ؟ لحظة من أين لكِ بهذا البنطال ؟ أنا لم أشتري هذا ! و من سمح لكِ بتزيين وجهكِ بهذه الطريقة ! "
لتجيب بنفس البرود و هي تتمني في داخلها أن تثبت و لا تنهار معتذرة كعادتها هرباً من غضبه فهي لا تخافه قدر ما هي لا تحب إغضابه فهو منحها الكثير و أقل ما تمنحه بالمقابل الطاعة ، لكن لا لا يحق له قهرها بامتنانه كما قالت مليكة لتثبت و لا تفعل شيئاً بعد ذلك غير مقتنعة به
" لم أقتنع برفضك فلم أنفذه ، و البنطال هدية هو و زينة وجهي من مليكة و أحضرت لي العديد من الهدايا ، مما يدفعني لطلب العمل من جديد خاصة و قد عرضت عليّ مجدداً فرصة بسلسلتهم "
ليزمجر في غضب هادر
" و الله يا غنوة و الله لو لم تعتدلي و تتخلين عن دور التمرد ذاك سأذيقكِ عقاب طفلة في العاشرة من جديد و تعلمين كم بإمكاني أن أكون قاسياً ، فقد احترمت أنكِ قد كبرتي علي صفعي لكف يداكِ عندما تخطئين ، لكن لا مانع لدي من تكرار ذلك دون مراعاة لسنكِ ، احترمي نفسكِ و عديني أن كل ذلك لن يتكرر من جديد و إعتذري و احتمي بغرفتكِ الأيام القادمة لأنني لا أضمن نفسي لو رأيتكِ "
لتكمل قناع الرزانة و الثبات ذاك و داخلها مرتجف من فرط غضبه يكاد يقفز أو يفرقع كالالعاب النارية ، كانت دهشته تماثل غضبه ، من تلك الواقفة أمامه ؟ من سرق بسكويتته و أعطاه تلك المتمردة العنيدة ؟
" هل تدرك أن ما تقوله يعد جريمة إساءة لطفل يا رجل القانون ؟ و تهددني بالعنف من جديد ؟ أنا لا أفهمك ، عموماً أنا أطالب بالعمل حتي أستطيع رد هداياها لي فلا أحب أن أكون مديونة لأحد من جديد ، يكفيني ديني لك"
لتتدخل الجدة غاضبة من تجرأها علي تحدي عمر و إغضابه هكذا
" هل جننتي يا غنوة ، كيف تتحدثي معه هكذا ؟ اعتذري فوراً ، هل هذا جزائه بعد كل ما فعله لأجلك ؟"
ليرتسم الألم علي محياها فطريقة جدته دوماً في تذكيرها ما فعلوه لأجلها تجرحها بعمق
" جدتي لا تتدخلي أرجوكِ ، لا أحب أن تتعامل معي بتلك الطريقة ، سنتفاهم وحدنا أفضل ، تعالي "
ليجذبها من يدها مشدداً علي معصمها و كأنه يريد أن يصرفها عن ألم روحها بألم جسدي أقل وطأة أقل بكثير
" ما بكِ ؟ كيف أصابكِ ذلك المس من الجنون ؟ كيف تعصينني بتلك الطريقة ؟"
لتجيب منتشلة ذهنها بعيداً عن كلمات جدته فهو رغم غضبه و تحكمه السافر بحياتها و صراخه أحياناً لم يذكر و لو لمرة ما فعله لأجلها
" لم أكن مقتنعة باوامرك كالعادة و قررت عدم الإمتثال و لو لمرة بحياتي ، كنت مستمتعة مع مليكة يا عمر أردت البقاء قليلاً فقط قبل سفرها و والدها رجل مهذب و أصر علي توصيلي ، أين المشكلة ؟"
" لكنني رفضت كنتي حاولي إقناعي لا التسلل عائدة كالهاربين "
لتزفر في ضحكة ساخرة خافتة و هي تحاول تخليص يدها منه
" عمر أنت تعرف أن محاولة تغيير رأيك و مزاجك لا يسمح أصعب من إزاحة جبل من موقعه لقد أمرتني و أغلقت الهاتف بوجهي "
ليصيح معترضاً
" لم أفعل ، قلت لكِ سلاماً ! "
لترد في ملل
" توقف عن نفي ذلك أنت دوماً تفعلها أصلاً خاصة لو كنت مشغولاً ، لم يحدث شيء لكل هذا عمر مجرد ساعتين تأخير لم أجرم و أنت تعلم أين كنت و مع من ، ما الضرر الآن ؟"
ليزفر في ضيق و هو يتأملها لقد أصبحت تناقشه بثبات لم يتخيله لم تعد الطفلة الناعمة المطيعة التي أحبها دوماً لكن لدهشته لقد أحب لمعة التمرد الهادئة في عيناها ، أحب دفاعها المنمق عن نفسها و أحب كحلها و طلاء أظافرها ذاك ، ماذا يحدث له تحديداً ؟ منذ أيام و تأمله لها إختلف لم تعد البسكويتة مالحة و محببة بل أصبحت شهية غارقة في نوع شوكولا فاخر تأسر النفس من فرط جاذبيتها فتظل تحلم بتذوقها مسحوراً بها من مجرد النظر ، ليلقي بأفكاره بعيداً فقد كان خائفاً للمرة الأولي بحياته يخاف من المواجهة مع ذاته
" لا ضرر سوي أنكِ حاولتِ خداعي و أعتقد أن ذلك وحده سيكلفكِ عقاباً باهظاً "
لتجيبه في ملل و رتابة
" لقد تألفت مع العقاب يا عمر ، لن أخرج من غرفتي فمليكة ستسافر أصلاً و لا أصدقاء لي غيرها كما أنني ممنوعة من زيارة أمي لحسن الحظ "
ليجيبها في استمتاع و تحدي
" لا يا متحذلقة سيكون عقابكِ هذه المرة مختلف ، ستتناولي العشاء معي كل ليلة هذا الأسبوع لأن كل مناوباتي مسائية ريثما أتوصل لعقاب يردعك و سيكون الطعام من إعدادك تماماً و سأكتشف لو ساعدتكِ أم محمود "
لتتذمر علي غير عادتها
" تريد مني إعداد طعام تنتقده أليس كذلك ؟ أقضي ساعات بالمطبخ و أترك دراستي و كتبي و أفلامي لأجل أن تنتقد حجم تقطيع الطماطم بالسلطة الخضراء و كأنها حساب مثلثات ! لن أفعل "
ليجيبها رافعاً حاجبه في تحدي
" حسناً لم يكن ذلك اقتراحاً ، أريد غداً مساءَ طاجن مسقعة باللحم المفروم و ورقة لحم "
لتندهش من تسليه بغضبها و إصراره علي توريطها في ولائم لا تفقهها بتاتاً
" هل جننت أنا أعد مكرونة بالصلصة في يومان ما بالك بكل ما تطلب ؟ كيف سأفعله ؟"
ليجذب خصلات شعرها في مداعبة مؤنبة
" يبدو أنني سأحتاج فعلاً لإعادة تربيتكِ ، منذ متي تخاطبينني هكذا ؟ أنا جننت ! "
لتخجل من حوارهم العجيب ذاك فلم يسبق لها أن تخطت كل تلك الحدود بينهما
" حسناً أسفة كانت مجرد زلة لسان ، أعتذر حقاً "
لتستدرك في تحدي هي الأخري
" لكنني لن أعتذر عن تأخري لعدم إقتناعي ، و عموماً كالعادة سألتزم بعقابك لن أتهرب لا تقلق "
لتقضي يومها كله بالمطبخ وسط رسائل مليكة الساخرة و محاولاتها المضنية للتعامل مع الموقف لتتغلب عليها شقاوة قد كبتها الامتنان بداخلها لتجهز المائدة ما إن دلف من الباب
" لقد جهزت طلبك ، هل يمكنني النوم الآن ؟ "
لينظر بارتياب لطاعتها تلك فلم يعتقد أنها ستعود لطبيعتها المحببة بتلك السهولة ، لم يبدو أنها ستستسلم بسرعة
" حسناً أخبرتكِ أننا سنتناول العشاء سوياً ، إجلسي "
قالها آمراً و هو يلاحظ الترقب في عيناها و ما إن بدأ بتفحص الطعام و تذوق ملعقة من تلك المسقعة التي تبدو للوهلة الأولي شهية حتي سعل بقوة فقد وضعت بها كمية ملح تكفي لصنع ولائم فرح بدوي مستمر لسبع ليالي ليتمالك نفسه و هو يطالعها بغضب انتقامي
" تناولي صنع يداكِ الرائع حبيبتي "
لتجيبه و هي تحاول جاهدة إخفاء شبح إبتسامة متسلية من علي شفتيها
" لكنني صنعته من أجلك ، تناولت عشائي باكراً ، شكراً لك "
" و الله لن أستطيع تناوله من دونك ، ستذوقين صنع يداكِ حالاً يا غنوة ، كلي "
لتراقبه محاولة تبين رد الفعل المناسب فهي ستنهار لو تناولت فعلاً ذلك الطعام و هي تدرك كم الملح الذي وضعته فيه ، التخيل وحده يثير غثيانها
" أسفة ، أرجوك لا تجبرني ، يا إلهي سأتقيا فالباذنجان أصلاً لم يستوي شبه نيء ، سأعوضك كيفما تريد لكن لن أتناوله "
ليضحك من فرط تقززها فهي لم تعتد علي طعام العساكر مثله
" حسناً كيف ستعوضيني ؟ حضري عشاء محترماً أولاً و لنتحدث بعدها عن التعويض ، سأساعدكِ "
لتقرر تحضير المكرونة التي تجيدها بينما انهمك هو في تحضير السلطة فجلست تراقبه بشغف فذلك الوسيم هو حب حياتها و يشاركها للمرة الأولي تحضير وجبة ما
" هل منظري و أنا أحضر السلطة يسعدكِ بهذا القدر ، تبدين كمن ربح جائزة اليانصيب ، هل تصوريني لإبتزازي لاحقاً ، بتِ غير هينة و لا يمكن توقعكِ "
لتجيبه مبتسمة
" أعتقد أنني أذكي من أن أبتز ضابط شرطة، و خاصة ضابط مثلك لا يترك لأحد ثغرة ليهاجمه منها "
ليضحك متأملاً جمالها كرجل للمرة الأولي بحياته ، فهي جميلة بحق ، عيناها تبدوان كمحيط ساحر مليء بالأسرار يجذبك عميقاً لتغرق مأسوراً بمدي روعتهما و حلاوة من تملكهما
" تبدين كمن يحاول الحصول علي ثغرة لي يا صغيرة ؟ "
" حسناً لست صغيرة ، لقد كبرت عمر العالم كله يدرك ذلك إلا أنت تظل تعاملني كطفلة العاشرة "
" ماذا أفعل و طفلة العاشرة تلك أسرتني منذ النظرة الأولي كانت حلوة و مهذبة و تقطر براءة ، لا أملك التخلي عنها "
لتقطب جبينها في دلال فطري
" ألا يمكنك التخلي عنها و حبي أنا قليلاً ، فتاة ستبلغ العشرين قريباً و ستصبح مهندسة بعد ثلاث سنوات ، هل يمكنك أن تحب نضجي ؟"
ليضحك من جديد محاولاً تجاهل الفتنة البادية علي محياها البريء ، كيف يمكن لذلك الوجه الملائكي أن يتحول بثانية واحدة لتمثيل حي لسحر الأنوثة الفطري
" نضجكِ ، لقد وضعتي كيلو من الملح بطعامي لتشاكسيني يا صغيرة ، أين هو النضج أنا لا أراه ؟"
لتجيبه متذمرة
" توقف عن معايرتي بحبي لأفلام الكارتون ، لقد زهدتها و هجرتها و الله حتي ترتاح ، أنا كبرت يا عمر كبرت "
ليبتسم مدركاً كم هي رائعة بكل أحوالها
" حسناً سأضع ذلك ببالي لكن حاولي التصرف وفقاً لهذا دوماً فالنضج مسؤلية يا بسكويتتي "
لينهيا تناول طعامهما ما بين مزاحه اللذيذ و تمردها اللطيف حديث العهد ذاك ، ليتركها أخيراً متمنياً لها أحلاماً سعيدة ، لقد كانت تلك الليلة معه من أسعد و أحلي أحلامها .
بدأ يميل للبسكويتة الجديدة مناغشاتها المحببة و نقاشاتها العميقة و توسع عيناها في دهشة و سيلان الكحل حولهما في لوحة فنية لا يضاهي جمالها شيء ، كانت الجدة فقط حانقة تشعر بأن هناك ما يدور في الخفاء و لا يريحها أبداً .
لتفتح الباب و هي تعدل حجابها لتفاجأ بصادق أمامها
" أهلاً ، تفضل "
" أهلاً غنوة ، أسف لسؤالي هل أذاكِ عمر تلك المرة ؟ عندما التقينا مصادفة "
لترد في حدة و قوة
" عمر لا يؤذيني أبداً بالعكس لا أحد يكرمني مثله "
" أنا أسف أعرف كم هو رائع معكِ و سأحترم قراره بتأجيل أي خطبة لكِ قبل تخرجكِ لكن سأظل بإنتظاركِ يوم أن تقرري وجودي سأكون بجانبكِ أردت فقط أن أخبركِ هذا ، نادي عمر من فضلك "
لتطرق باب عمر في ترقب و هو يسمح لها بالدخول
" عمر ، صادق بالخارج ينتظرك "
" لما فتحتي أنتِ الباب ؟ ألم تكن أم محمود برفقتك ؟"
لتجيبه في وداعة
" كانت مشغولة بتنظيف فوضي غرفة جلوسك ففتحت أنا ، عموماً لن أفعلها ثانية لو كان هذا يريحك"
ليجيب مبتسماً فهي أكثر من قادرة علي تغيير مزاجه من أقصي اليمين لأقصي اليسار ، كيف أجفل عن تأثيرها الهائل ذاك
" أجل يريحني ، هل تحدث لكِ بشيء؟ "
صمتت من جديد فهي لا تعرف الكذب لا تجيده و لا تحبه
" لا عمر أخبرني فقط أنه يحترم قرارك "
كان يعلم أنها قد قصت شيئاً من الحديث فالخجل و الذنب يبدوان علي محياها لكنه في قرارة نفسه يعلم أن صادق لن يتجاوز الحدود معها أبداً ، أيمكن أن يكون قد أخبرها أنه يحبها ؟ يا إلهي لما ينبض صدره بكل ذلك الإنفعال ؟ لما يبدو متحفزاً هكذا ! هل يعشقها هو ؟ هل امتلك مشاعراً كتلك التي يتبادلها رجل و امرأة تجاه الصغيرة ؟ أيعقل أن تكون تلك الغيرة الكامنة بجوفه لأنها حبيبته ! مولع بصغيرته ! الجملة وحدها تبدو مريبة ، لينفض أفكاره تلك مع صوتها العذب يخبره بتهذيب
" عمر هو ينتظرك في الخارج وحده ، هل أتركك لتجهز و أحضر له قهوة مثلاً ؟"
ليجيبها في حزم ساخر
" منذ متي الهمة و النشاط و كل هذا الزوق ، لا أريد رؤيتكِ هنا مجدداً عندما يزورني أياً من أصدقائي و لو حتي علي سبيل الصدفة و لا تساعدي أم محمود بشقتي ثانية و لا تعدي القهوة لأي مخلوق آخر غيري فلا ذنب لأحد كي يتذوق القهوة عديمة الطعم تلك "
لتشهق مدافعة عن نفسها
" قهوتي رائعة و معاييرها و تسويتها مثالية و لو كانت عديمة الطعم فالعيب علي المتذوق أو شاري البن "
ليضحك في خفة محذراً
" طال لسانكِ و أصبحتِ تجيدين الغمز و اللمز يا بسكويتة ، بدأت أقلق علي تربيتي ، لكن ما إن أنظر عميقاً لعيناكِ حتي أدرك أنها أسفرت عن روعة نادرة الوجود " ليقطع كلماته خجلاً من هذيانه السابق فقد أسرته عيناها و ملامحها الناعمة المتحفزة لأي بادرة حنان منه فباح بأكثر مما أراد
" انتظري هنا حتي نرحل "
علي الرغم من غيرته الشديدة علي نحو غريب من صادق لكن الأخير تمسك بصداقتهم و أزاح التوتر الناتج عن طلبه غنوة للزواج جانباً و مع ذلك أخبره بكل صدق الحوار الذي دار بينهما
" ألا تري في ذلك إنتهاكاً لحرمة بيتي "
ليجيب في إعتذار مهذب يلائمه تماماً
" لو رأيته هكذا فأنا أعتذر بشدة ، لكن أنا أحافظ عليها من النظرة و الله وحده يعلم و ما أن شعرت بشيء تجاهها حتي أخبرتك بشكل رسمي و احترمت رفضك و لم أتخطاك أردتها فقط أن تعلم بأنني أنتظرها متي ما قررت إعطائي فرصة لا أكثر ، أنا أحبها و أريدها نصفي الثاني يا عمر فلا شيء من ذلك يدينني يا صديقي فأنت تعلم أخلاقي جيداً و إلا لما سمحت لها سابقاً بالجلوس معنا أحياناً "
صمت لا يدري بما يجيب تحديداً لكنه حانق علي نفسه بأنه قد سمح لها بالتعرف علي أياً كان فمن يملك أن لا يقع صريع جمالها البريء ذاك و طبيعتها المحببة ، من يستطيع منع قلبه عن الركوع مبجلاً تلك الساحرة التي لو رآها الاغريق لأقاموا لها المعابد و هجروا أفروديت بلا عودة ، فهو نفسه لم يقاومها ، ليصفع ذهنه اعترافه الأخير ! هل أحب صغيرته ! يبدو الأمر مريباً ! أحب تلك المخادعة التي لم تخبره بما قاله صادق كاملاً سيعود لها ليلقنها درساً مريعاً و يشبع شوق روحه لرؤياها ، يشعر بوحشة و هو لم يتركها إلا منذ ساعة واحدة ، أتراه الاعتراف المتأخر بالحب قد رقق قلبه فوق العادة ، قضي ساعة مع صادق شارداً لا يفهم تحديداً ما يجري له ليعود مسرعاً لمنزله كمراهق ينتظر حبيبته أمام مدرستها طمعاً في نظرة ! نظرة فقط بعد أن كانت ماثلة أمام عيناه يتطلع فيها قدر ما شاء ، كان متعجباً من كونه يحمل مشاعر لها أو كونه لم يعترف لنفسه سوي الآن بأنه ما بداخله تجاهها يعد حباً ، يا الله كم كبرت لتصبح امرأة تدفع الرجال لحروب للفوز بنظرة من عيناها تلك العميقتان قدر المحيط الدافئتان كضمة أم في ليلة رعدية عاصفة .
" لم أحب أن أتعشي وحدي يبدو أنني إعتدت علي تناول طعامك الأخرق "
لتجيبه بشوق يكاد يندفع من روحها صارخاً بحاجتها إليه ، كانت تلمس التغيير في عيناه و معاملته و طريقته تلمس حتي إختلاف طريقة غيرته ، و تحاول جاهدة تهدئة قلبها المهوس بأي بادرة حب منه كي يعترف كي ينهار بين يديه مردداً أشعار و نثريات و قصائد من الغزل ، لتجيبه بغنج أصبحت تجيده علي استحياء و تتمتع بمدي تأثره به .
" لن أصنع لك سوي شطائر الجبن بالخيار و الطماطم و كوب شاي "
ليجيبها هازئاً
" أنا رجل وجبته الأساسية العشاء ، الجبن هذا لجدتك أنا سأطلب مشويات ، هل تشاركيني ؟ أو طاجن فتة بالكوارع و لا أروع "
لتشهق مصدومة
" لقد تخطينا الحادية عشر مساءٍ ، لا أريد أن أبدو كالبقرة بسنتي الدراسية القادمة ،لن تليق بي ملابسي الجديدة و لن أشارك في تلك الجريمة الشنيعة أبداً ، أحلام سعيدة "
و بعد ساعة كانت تشاركه الطعام تلتهم الكفتة في نهم
" هل تعلمين يمكن للرجل تخمين شخصية المرأة من طريقة أكلها ؟"
لتنظر له في وجل تبتلع ما في جوفها بترقب مبتسمة ببراءة
" و ماذا تري من طريقتي ؟"
ليجيب في دهاء و عيناه تلمعان إستفزازاً ساحراً
" حسناً يمكننا القول خرقاء بلهاء ..."
لتقاطعه في غضب متألمة من فرط ترقبها لشيء من دلاله الجديد ذاك
" كنت أعلم أنك ستسخر مني كعادتك ، ليتني ما سألت "
ليكمل متأملاً محياها في حب خالص ، نعم يحب تلك الصغيرة كما لم يفعل من قبل ، هو لم يحب هبة يوماً تزوجها في فورة اندفاع للاستقرار و سرعان ما تبين له خطأ اختياره و قرارا سوياً انهاء عقد قرانهم في هدوء ، للمرة الأولي يشعر بكل ذلك الانجذاب نحو امرأة كان منذ شهور لا يراها سوي صغيرة يجلب لها الشوكولا
" لقد تسرعتي لم أخبركِ بعد أن بلاهتها تنشر بهجة لا تستطيع ألف امرأة فعلها ، يصبح الطعام ألذ ألف مرة إن مرت يداها عليه مصادفة و يصبح أشهى و أشهى لو تم مضغه و أنت تتأمل عيناها "
لتنظر لها متوجسة رغم فيضان الفرحة الغامر لروحها
" عمر ما تقوله يبدو كغزل ! حسناً هو غزل مملح و عليه قليل من الفلفل الأسود لكنه جميل جميل و مريب ! هل أنت بخير ؟ "
" نعم بخير و أحبك ، يبدو الأمر عجيباً و غريباً و ليس طبيعياً الاعتراف به في منتصف الطعام لكنني أحبك أو يمكن حتي القول بأنني أحبتتك دوماً منذ أن شعرتكِ صبية للمرة الأولي و أنتِ متزينة بعقد قراني و أنتِ علي أعتاب السابعة عشر ، كنت أريد إخفائكِ يومها عن العيون كلها لذا كنت قاسياً علي غير عادتي و مزقتني تلك القسوة فلطالما لم أطق فيكي شيئاً فبسكويتتي لا تستحق سوي الرقة كل الرقة خلقت لأجلكِ بالأساس ، و توالت الأحداث ليغمرني طلب صادق رغم كونه رجل جيد بالزواج منكِ بغضب عارم لم أفهمه ، و ومضات تمردكِ الجديد تلك أشعرتني كمن يُسكب عليه دلو ثلجي في عتمة الليل ليصحو مفزوعاً مدركاً أن الصغيرة كبرت و أصبحت امرأة جميلة يسعون لخطفها بعيداً عن قلب لطالما سكنه حبها طفلة و صديقة و أختاً و أماً أحياناً و إبنة غالباً و حبيبة حبيبة دوماً يا غنوة ، غنوتي المفضلة ذات اللحن الأجمل علي الاطلاق "
لتهرب من حصار عيناه و عبرات رقيقة تهبط في سعادة علي وجنتيها المحمرتين خجلاً و تهرع لغرفتها مغلقة الباب و مطلقة العنان لمشاعرها تقفز فوق السرير في سعادة طفلة و ترقص في بلاهة كمراهقة عادت من موعدها الأول و حاولت الوصول لمليكة فلم ترد لترسل لها رسالة تخبرها بإختصار أنه أخيراً قالها .
مر شهر عادت فيه مليكة لبلد علاج والدها و لم يفهم حتي الأن سر إصرارها ذاك لكنه أحس بحاجتها الماسة للابتعاد خاصة عن سليم و لم يشأ أن يؤلمها باستجواب قد يعذبها أكثر فلم يعد لها غيره و لم يكن يوماً له غيرها فزبيدة قد حرقت بينهم كل الجسور منذ زمن و جاء طلب الطلاق كالقشة التي قصمت ظهر البعير لينفضها أخيراً بعيداً للأبد .
كانت الجدة تشعر بشيء ما يدور في الخفاء و تدرك جيداً ما تحويه نظرات عمر الجديدة لغنوة فقد حصل ما ظلت تخشاه عمراً ، منذ جاءت بالصغيرة لمنزلهم عطفاً علي حالتها قد قررت جعلها تساعد بالمنزل و تتكفل بطعامها و دراستها لكن عمر تعلق بها و قرر كفالتها وحده دون علم غنوة منذ اللحظات الأولي تقريباً شعر أنها مسئولة منه ، كانت بوادر رجولته تظهر دوماً معها هي فقد حماها و رباها و دللها و عاقبها و أحبها و جل ما كانت تخشاه يبدو أنه حدث لقد أحبها فعلاً بعد أن كان بالها ارتاح من ذلك الهاجس بزواجه لتعود و تجده قد تركها و غنوة كبرت و فلت الزمام من يديها ، لم تعد تعرف ما الحل ؟ لتناديها في عصبية أصبحت ترافقها معها بالفترة الأخيرة
" غنوة ألم تسمعي الباب ؟ هل سأفتح أنا في عمري هذا لأنكِ تتدللين ؟"
علي الرغم من ألم غنوة من تلك المعاملة و كل ذلك الجفاء لكن لا شيء أمامها سوي الطاعة فعلي الرغم من كل شيء هذه المرأة أنقذتها فعلاً
" أسفة جدتي سأفتح "
لتتفاجأ باخر شخص تريد رؤيته بالعالم كله
" هبة "
لتجيبه في مزاح قاسي و كأنها تدرك عمق الجرح الذي سيسببه ما ستقوله في النابض يسار صدرها
" كيف حالك يا صغيرة ؟ كبرتي بسرعة مع أنني قد جلبت لكِ أخاً يشارككِ اللعب ، ليصبح هو كعكته في حين تحتفظين بلقب البسكويتة ، أين زوجي السابق ليري إبنه للمرة الأولي ؟"
***********
ما إن عادا لشقتهما حتي حاول السيطرة علي غضبه بعد أن غمرته الشفقة عليها فهو في غمرة عشقه لمليكة نسي أن زوجته امرأة و من حقها أن لا يشاركها في قلبه أحد ، لكنها هي من تخلت بملء إرادتها عن ذلك الحق و قررت الزواج به رغم كل ذلك العشق الكامن بصدره لابنة عمه و كانت شاهدة عليه ، لا يملك أن يبعدها عن قلبه مهما حاول و الله وحده يعلم كم حاول فلم ينجح قط ، يحتاج أن ينتزعها أحدهم من داخله بمعجزة ما في زمن لم يعد للمعجزات به وجود
" تحكمي في غضبكِ و غيرتكِ تلك لأنني لن أصبر عليهما طويلاً ، مليكة ستظل هنا وفقاً لوصية عمي بين عائلتها تدير نصيبها من السلسلة و ستتعاملين مع تلك الحقيقة بثبات فهي أرقي كثيراً من أن تقرب رجل متزوج و أنا لن أتخلي عنكِ إلا لو دفعتني بنفسكِ لهذا ، و هذه المرة الأولي و الأخيرة التي ستتطاولين بها علي جدتي و إلا عقابي سيكون رادعاً و صادماً لدرجة لن تتخيليها ، كوني عاقلة و توقفي عن حماقاتكِ لمصلحتكِ وحدكِ سمية ، هل كلامي واضح ؟"
لتجيبه من بين شهقاتها و هي تحاول كبح كل ذلك الالم بداخلها حتي لا تنهار صارخة
" واضح "
لتصمت و هي تبتلع باقي دموعها في محاولة للثبات و ما إن هم بالرحيل حتي صرخت به
" أريدك ، أريد ليلة واحدة أنام فيها فعلياً متوسدة صدرك ، كن معي دون قيود ، أرجوك سليم أرجوك امنحني طفلك "
***********
كانت تستعد صباحاً للعودة للعمل في مقر الإدارة رفقة سليم و أحمد و خالد فقد توسع العمل و حصلت هي علي حصة والدها بالشراكة كاملة فكانت نسبتها الأكبر بين جميع الأحفاد و قد وصاها والدها علي أن تعود للوطن و تظل محتمية دوماً بحصن عائلتها في حال غيابه فأبت إلا أن تستجيب محاولة نبذ الماضي و دفنه لكن هل تستطيع ؟
" و ياسمين أيضاً تشاركنا الإفطار رفقة الساحرة الأكثر حلاوة و طعامة و شقاوة و جمالاً مليكتي الصغيرة المنافسة الوحيدة لمليكة الكبيرة في الدلال ، هل تهربون جميعاً من أزواجكم بشقة جدتي ! هل تقيمين هنا مأوي لدعم نون النسوة و تاء التأنيث يا بهيرة ضد أحفادك الذكور ، يا لكِ من جدة ! لا تصدقوها يا فتيات لطالما دعمتني في الخفاء و صمتت و هم يوبخوني علناً "
لتجيب ياسمين في رثاء للذات
" تبدين مشرقة يا مليكة فحياتكِ بلا رجل تبدو حالمة و تثير حقدي حقيقة "
لتضحك مليكة ملء شدقيها مغيظة ياسمين
" من يتكلم تلك التي كانت تبكي ليالي و أيام حتي تدفع الأحمق ليتزوجها لأنها لا تري نفسها تليق سوي ببيته و تحمل أطفاله ! ما بالكِ بمليكة و تألق مليكة ؟ أنتِ من إختار ؟ و من قال أن لا رجل بحياتي من الممكن أن يكون بحياتي رجلاً يدعم إشراقي و لا أخبركن خوفاً من الحسد كونكم هاجرات لأزواجكن بمنزل جدتي "
لتفتح لخالد الذي بدت عيناه و كأن النوم لم يزرها قط
" سأوصلكِ معي حتي نشتري لكِ سيارة فلن أعمل كسائق طويلاً "
لتجيبه في حنق متمرد
" هل ستفرغ غضبك بي ؟ ما شأني أنا ؟ لا تقلق هناك مائة رجل علي الأقل سيسعدهم أن ينالوا شرف توصيلي "
ليضحك مبدداً شيئاً من قتامة تعبيراته
" لقد عدتِ حقاً بعد سنوات و حجاب و نضج ، عدتِ المشاغبة المستفزة ابنة العم الأكثر ازعاجاً علي الاطلاق ، لسانكِ هذا ما الحل فيه ؟ "
لتبرم شفتيها في غضب
" تتكلم كسليم ، أين خالد الذي يهوي تدليلي أم أن هناك من دخلت بيننا و قلبتك ضدي ، و أنا من استضافتها بغرفتها و تحملت نحيبها طوال الليل "
لتشهق هديل في حنق
" يا الله كم أنتِ بخيلة ! هل ستذلينني علي مبيتي بغرفتك و تتهميني بأنني أقلبه ضدك ! أنتِ شعلة استفزاز و الله "
لينظر لها للمرة الأولي منذ الصباح لقد اشتاقها حقاً لم يعتد أن ينام دونها ليلاً يغفو دوماً و هي تقرأ له كانت تلك العادة غريبة عليه أول زواجهم لكنه أدمنها حقاً لقد وقع بغرام صوتها ليبعث به لدنيا النوم و الأحلام كل ليلة و هي تعبث بخصلات شعره ، قضي ليلته يتقلب و لا يغمض له جفن حتي أنه فكر في جذبها لبيتهم دون مراعاة لأي منطق حتي يتسني له الراحة ، يا الله كم يحبها لكن قلبه مخذول يشعر أنه أحمق و غبي بكي لسنوات أطلال حب لم يكن له وجود علي الاطلاق ، ما أدراه أن هديل نفسها لا تحبه مثلما كانت سارة تشعر بالملل من علاقتهما ، فهو بالمقارنة مع هديل شخص هاديء نوعاً ما روتيني لطيف و حلو المعشر فيما هي قارئة نهمة حقوقية مقتنصة فرص تجيد كل ما تفعله تقريباً و في الوقت نفسه متجددة تستطيع أن تجذبك تارة بعقلانيتها و تدهشك تارة أخري بجموحها و شجاعتها دفاعاً عن الآخرين ، ماذا لو ملت و تركته ؟ كيف سيعيش دونها ! كيف ؟
" بيتكِ أولي بكِ من شفقة تلك المدللة ، لو أردتِ سأرحل أنا لكن عودي فلا وجود للمنزل من دونك ، أنتِ منزلي أرجوكِ "
" هل تحاول مراضاة زوجتك من خلال إهانتي ، حقاً ! أنا متأكدة أن تلك الهديل قلبتك ضدي ، يا إلهي كم أنتِ متلونة "
لتنظر لها هديل في غضب من مزاحها المستفز دوماً
" كيف تملكون أنفسكم و لا تضربونها ؟ تقتلونها و تمثلون بجثتها ؟"
لتضحك مليكة مستفزة إياها أكثر
" أتري ؟ دموية و تحرضك عليّ علناً ! الحمد لله أنها لم تقتلني أثناء نومي كانت تحدق بي عندما صحوت بطريقة مخيفة ، اللهم إحفظنا "
ليضحك الجميع بينما تزفر هديل و هي تضيق عيناها مهددة مليكة في مزاح
و ما إن نزلا للسيارة
" حبيبتي هل أنتِ مستعدة للعودة ؟ فسمية أيضاً تعمل هناك ! هل ستتحملين ؟"
لتجيب في ثبات يناقض داخلها المنتحب
" سمية تسكن بيته و أنام كل ليلة مع تلك الحقيقة يا خالد فوجودها بالعمل لا يمثل لي أي أهمية ، كما أنني أحتاج لشغل وقتي كاملاً حتي أنسي أو أتناسي لا أعلم "
" حسناً يا حبيبتي "
" ما الأمر بينك و بين هديل ؟"
" لا أعرف لكنني موجوع أشعر بنفسي أحمقاً للغاية يا مليكة ، و امرأة مثل هديل لا يمكنها الحياة مع رجل أحمق و لا طاقة لي علي فقدها لن أطيق "
لتشهق في مرضاة لذلك الوسيم
" هي أكثر نساء الأرض حظاً لأن الوسيم الطيب هذا زوجها ، فلتحمد الله ليل نهار علي ذلك ، كفاك دلالاً فيها أرها العين الحمراء لتقدر قيمة ما لديها "
ليطالعها ضاحكاً
" ليست أمي حماتها و الله ، أنتِ الحماة الفاتنة و العقربة بالوقت نفسه "
" شكراً لك يا إبن الأصول ، هل يوجد مثل طيبتي في العالم ؟"
ليضحكا معاً كانت في حاجة للالهاء عن كل ذلك التوتر الذي يجتاح كيانها لعودتها لدراما العائلة و العمل و له سيعود موجوداً دوماً أمامها و يشغل حيزاً كبيراً من وقتها و يومها و تعاملاتها ، موجوداً و هو موشوم بعقد زواجه من امرأة أخري ...
كان يترقب حضورها ليضيء المكان من عتمته فأي مكان لا يلمسه دفء شمسها هو قبر معتم مقبض لروحه قاتلاً لفرحته ، لقد قرر البارحة نبذ الماضي و محاولة التعايش مع قراره بالزواج لكن تقربه لظهورها أكد له أن كل محاولاته محض إدعاء ليسخر منه قلبه هازئاً كالعادة من محاولته نسيانها .
كانت ترتدي حلة رسمية باللون الاسود و قميصاً حريرياً بلون القهوة يماثل لون عيناها تقريباً و حجاب رقيق يمزج بين اللونين في تناغم و حذاء بكعب عالٍ رفيع يزيد طلتها أنوثة و أناقة حتي لمحة الحزن البادية علي محياها زادتها جاذبية فعلي الرغم من جمال سمية لكن هناك شيء ما ينقص فيفقدها جاذبية مليكة أم أنه فقط قلبه هو من يراها كذلك !
لاحظ تأمل كل العيون المحيطة بهما و توافدهم لتحيتها و تعزيتها و تباسطها العفوي ذاك الذي يكرهه و الذي زاد بغضه له لأن الرسمية موجهة له وحده دوناً عن الجميع بينما هو الأحق بكل تلك الأريحية لا أحد غيره .
***********
" أنا من ضحي لأجلك بأسرته لم أر حتي ابنتي منذ سنوات لكي أتزوجك و ماذا جنيت في النهاية ؟ خيانتك !"
ليواجهها في فورة غضب لم تراها منه من قبل
" لم أخنكِ ليس حباً لكنني لا أجيد الخيانة فقد فعلتها مرة واحدة و أسفر عنها تلك الزيجة و لن أكررها لا تقلقي "
" أنت تتعمد إهانتي و التقليل من شأني منذ يومنا الأول ، لست وحدك من تعتقد أن تلك الزيجة كانت غلطة لكنك علي عكسي لم تخسر شيئاً أنا من فقدت علي و إبنتي "
ليرق قلبه قليلاً فلا ذنب لها في عدم تقبله لطباعها و عصبيته بعد ما فقد أسرته في ذلك الحادث فكلاهما أخطأ و يجنيان معاً ثمرة تلك الكبيرة .
" حسناً سأخرج لنهدأ قليلاً ، أسف لم أخنكِ صدقيني و أعتذر لكوني حاداً أيضاً "
و خرج ليتركها تصارع أشباحها الخاصة فومضات الماضي تكاد تهلكها هي أيضاً ليتهما بقيا مجرد ذكري في حياة بعضهما !
هرعت للهاتف في شوق و لهفة كانت تحيا عليهما هذه الأيام
" كيف هي ابنة عمتكِ يا قصي ؟ "
" بألف خير يا حبيبتي ، تبدو أجمل من صورها كثيراً "



التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 18-09-20 الساعة 10:30 PM
nada diab غير متواجد حالياً