عرض مشاركة واحدة
قديم 20-09-20, 10:52 PM   #341

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




كانت جوري جالسة في غرفتها حين دخلت أمها وقد غارت ملامحها المغبرّة أكثر وقالت مباشرة وقد تملّك الرعب حلقها المتورّم " أوس مصاب يا جوري ..عباس المجنون آذاه ..لماذا كذبتِ عليّ وقلتِ أنه أعادكِ بعد أن ترجيته ..لماذا لم تخبريني أن عباس قطع طريقكم ؟ "

يهتز المصحف بين يديها وقد تحققت أسوء هواجسها..استشعرت بقلبها بالأمس هالة الخطر التي كانت تحاوط أوسا من كل جانب رغم الصمود الجبار الذي أظهره ولهذا دفعت أمها على طريقتها لتذهب للاطمئنان عليه عوضا عنها فقد خافت أن يعرف عباس أنها ذهبت إليه فيؤذيه أكثر مما رجّحت أنه فعل ..

تهتز نظراتها فترى الحروف القرآنية متداخلة ببعض..لم تعد تسمع ما تقوله أمها وقد غطى هدير الدم في أذنيها على صوتها فتقطع هذيانها بسؤال مرتعش الحروف "هل ..هو بخير ؟"

تهمهم صفية بكآبة فاترة "لم تمنحني زاهرة فرصة لأطمئن عليه لكن وجوده في البيت بدل المستشفى يدل على استقرار حالته ..أصيب بكسر في ذراعه وجرح في خصره "

(اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ..اللهم لك الحمد حتى ترضى ) تطرق برأسها فيرتخي شعرها المنسدل على جانبيه تخفي عن أمها معالم وجهها ..تطبق جفنيها ترتعش ابتسامة ارتياح على شفتيها تشكر الله في سرّها على حفظ حبيبها من مصير أسوء ..

تغلق المصحف وتضعه في مكانه بجانب سريرها ثم تقف قبالتها تتألق عيناها بقسوة ساخرة اتخذتها كقناع تداري خلفه اختضاضها "إذا رأيتِ بأم عينيكِ كم أن استمالته سهلة يا أمي ..هل حاسبته على غدره بكِ ؟"

تدلّك صفية عينيها المتورمتين وقد غزى الاحمرار وجهها المحرج ثم تهمس لائمة بصوت متداعٍ"هل ستلومينني الآن لأني صدقت كذبتكِ..أنتِ تخيفينني بانقلابكِ هذا !"

فتضرب الأرض معترضة وتؤشر ناحية الباب تهدِر بانفعال "أردت أن أريكِ ما فعلته ولازلت تفعلينه بتصرفاتكِ الهوجاء ..تسمحين لذعركِ بالتحكم في تصرفاتكِ فتكون النتيجة كوارث بالجملة والأدهى و الأمر أنكِ لا تتعلمين من أغلاطكِ البتة بل تستمرين نحو هدفكِ المرسوم دون هوادة مهما كلفكِ الثمن"


يرن الهاتف ويكون المتصل ليث فتضرب صفية صدرها تشهق مرعوبة ""إنه أخوكِ ..لابد أنه في طريقه إلى هنا بعد أن عرف من غسان..ماذا سأقول له الآن ؟"

فترفع جوري ذقنها تقول بعزم وصلادة " ليصل إذا فأنا بانتظاره أما أنتِ يا أمي ستهدئين من الآن فصاعدا وتتنحين جانبا إن كنتِ لا تريدين أن يطال الخراب بيتكِ"

"لماذا أشعر أن ما تنتوينه لن يروقني ؟"

تبحلق في اضطراب أمها تشفق عليها لولهة تفكّر في التراجع عن الخطوة الجنونية التي ستخطوها إلا أنها تتجلّد متذكّرة كل ما عاهدت نفسها عليه فتزفر نفسا مرتجفا قبل أن تسألها بصوت حاد أجش "أمتأكدة أنكِ لا تريدين اخباري بأي شيء مهم ؟"

ما عادت صفية تسمع رنين الهاتف الذي توقف أخيرا بعد طول إصرار ..انخرس لسانها حين تبيّنت اليقين من بريق مقلتيها بينما تسمع نفس السؤال يتكرر مرة أخرى .. شهقة وجع بالكاد كانت مسموعة ندت عن شفتيها وقد قرأت معاناة سنين حياتها ملخصة في تلكما العينين المتوهجتين ..

فعلتها تماضر ولعبتها صائبة حين رأت عنفوان جوري الدفين وقدرتها الهائلة على التحمل ..كعادتها تعرف متى ومن وماذا تستغل ..

تتغافل عن انهيار أمها أمامها تدعي الهدوء بينما يتقطّع قلبها النازف ألما حارقا يكوي روحها .. ودّت لو تعانقها وتهدهدها هامسة في أذنها أن كل شيء سيكون بخير أنها ممتنة لكل ما فعلته لتحميهم لكنها أبت أن تظهر عواطفها في وقت حرج كهذا فتدفع نفسها دفعة أخيرة تجهر بما أرّقها منذ أن رأت الأمور على حقيقتها الكاملة دون نقصان " الناس يدهسون الضعفاء رغم أنهم على صواب و يخشون الأقوياء ولو كانوا على خطئ ..مازالت الفرصة بين أيدينا أمي يمكننا أن نتحرر من الذل الذي نعيشه على يديها ..ما من شيء يرغمكِ على السكوت هكذا فقد مات من كنتِ تسكتين لأجله حفاظا على علاقته بأمه..ما تفعلينه ظلم لنا جميعا ..ظلم لها أيضا حين تمنحينها الفرصة للتمادي في جبروتها بدل أن توقفيها عند حدّها وتجنبيها حصد المزيد من الآثام ..مهما كانت أهدافها فعلينا ان نعترف أننا استفدنا من صمتها فتربينا في دارها أطفالا عاديين لا ينقصنا شيء ..بالله عليكِ يا أمي أوقفي هذا الجنون ! "


تكمم فمها بيدها تكتم شهقات بكائها المر متراجعة إلى الخلف متعثرة الخطوات
"لااااا...لا أستطيع ..أخوكِ لن يتحمّل مثلكِ ..سأفقده ..لاااا"

تتقدّم منها بضع خطوات تقلص المسافة بينهما تسعى للولوج إلى قلبها تجاهد لاستمالتها فتترجاها بالقول الخفيض في محاولة اخرى لإقناعها "أعلم أمي وأوافقكِ الرأي لكني فكّرت كثيرا منذ ساعات ..بتّ شبه متأكدة أن عباس هذا على بيّنه بما تحسبينه سرّا لم يتعدّ أسوار هذه الدار وإلا ما كان أبدا ليتجرأ و يقف في وجهها ويطلبني منها رغم معرفته بأنها امرأة صلبة من المستحيل أن تسكت على اهانة كهذه .. لن يهنأ له بال حتى ينال ما يريد والله وحده يعلم كم قد يتمادى إن قاومنا ..إن كنا سنعاني في كلّ الأحوال فأنا أفضّل أن أعاني بشرف وعزة دون أن أركع لأحد..نضربه من حيث لا يدري ونفضح السر الذي يكبّلنا به وليجرؤ أحد على الاقتراب منا وأذيتنا ..نقف معا يدا بيد ونحتوي جنون ليث حين يعلم الحقيقة ..أعلم أننا سنمر بأيام سوداء عصيبة ..أعلم أننا سنبذل جهودا جبارة للجمه لكني مستعدة لأتحمل الأمرّين في سبيل الحصول على حريتي بدل عيشة الذل و الهوان التي أعيشها مكبلة بامتناني لمن يمنّ علي بستر خادع "

تقف صفية على شفا الجنون لا تكاد تصدّق ما تسمعه أذناها فتهرول ناحيتها تتمسك بذراعها كغريق يتشبث بقشة تنجيه من غرق محتم تنتحب بعنف تهذي وقد بلغ رعبها منتهاه "لاااا تفعلي يا ابنتي لم يحن الوقت بعد ..فكّري في أختيكِ على الأقل ..ستنتزع مني حفيدتيها ..أقبّل قدميكِ لا تفعلي"

كانت تعلم مسبقا الإجابة عارفة بفشل محاولتها لكنها أرادت ألا تترك شيئا للندم ..ألا تسمح لكلمة (لو) بزعزعة ثباتها .. كم تمنت أن تدعمها أمها فيواجهون معا كل القرية ..كل العالم ..تجاهر بأصل لا ذنب لها فيه ولا جريرة ..تجاهر بمعروف رجل ليس ككل الرجال أقل ما يستحقه أن يترحم كل الناس على روحه الطاهرة بعد أن يعرفوه على حقيقته النقية الكاملة ..

لا تخشى العار ولا الفضيحة ولا تخاف بطش مخلوق فلن يصيبها إلا ما كتب الله لها ..

تعجب لأمها التي لا تقدّر قوة احتمالها الجبارة فلو كانت مكانها لما استطاعت الصمود والمداراة طوال هذه السنين دون أن تفقد رشدها ..وكم كانتا مختلفتين في صمودهما ..فجوري تفضل المواجهة كارهة العيش مترقبة تتقافز على صفيح ساخن على عكس صفية ..
إلا أنها كانت واعية بضرورة عَذرها هذه المرة بعد أن حاكمتها لسنوات مؤمنة بضرورة تقبّل اختلاف عقليتيهما ..

ربما يكون ليث ذو اعتزاز كبير و كبرياء مفرطة حد الحساسية فيكون ترويضه أشبه بالقفز في جحيم مستعر لكنها تؤمن أن الطريق لا تُسَد ما دام الانسان متيقنا أن عند الله المخارج ..

ويبقى برّها بأمها وإطاعتها هو ما يسيّر قراراتها فتقصي هذا الحل مكرهة وتهمس بصلادة وعنفوان "أفهم من كلامكِ أنكِ تفضّلين الاستسلام ..لا داعي لأشرح لكِ كيف يكون الاستسلام لعباس ! "


تطلق سراح ذراعها وقد هدأت تماما فجأة تبحلق في وجهها متجهمة تبرق عيناها بعناد مجنون وإصرار مرهق ثم ما تلبث أن تخطو بهدوء ناحية الباب فتمسك بمقبضه وتقول متلعثمة بصوت مبحوح من فرط البكاء "لن تبرحِ مكانكِ حتى يأتي أخوكِ..سيفعل اللازم معكِ ويعيد عقلكِ إلى رأسكِ"

كانت صفية تريد الخلاص وفي نفس الوقت ترفض كلا الحلين معاندة رغم علمها أنها لا تملك حلا آخر وكأنها تنتظر معجزة ما ..

"آه يا أمي كم ستتخبطين بعد ..لماذا لا تستسلمين رغم ادراككِ أن الحبال انقطعت فلا حل ثالث الاثنين أبدا"


تطالع جوري الباب الموصد ببؤس قبل أن تهوي جالسة على سريرها تستند بمرفقيها على ركبتيها تمسك رأسها وقد عصف به صداع رهيب ...

........................................



ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس