عرض مشاركة واحدة
قديم 20-09-20, 10:54 PM   #343

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



تجلس على كرسي خشبي بالقرب من سريره تحتضن بكفها الأيسر صحن حساء ..مازالت عيناها الكسيرتان لامعتان بدموع متحجرة لم تنضب بعد تاركة أخاديدا على وجنتيها رغم أن نشيجها العنيف قد هدأ ..كان قد أفاق منذ ما يزيد عن نصف ساعة فكانت تهجم عليه مباشرة تطوق عنقه بعنف تتشمّمه بجنون تهذر دون ترابط ..

لكن فرحتها تلك كانت نتاج اللحظة فحسب فما عرفته نكّد غبطتها وضيّق صدرها ..تتأمل وجهه المتعب الشاحب و شفتيه الناشفتين بنظرات كئيبة قاتمة بينما تحشر ملعقة الحساء في فمه بحدّة فلتت منها..

لكنه كان غافلا عن غرابتها شاردا مفكّرا بقلق ظاهر غلب ارهاقه فلم ينتبه أنها لم تحقق معه وتدقق كعادتها كما أنها لم تهلع حين أخبرها أن اللصوص قطعوا طريقه و نهبوا عشرات الكباش ..

"أين هاتفي ؟"
سألها بينما يمدّ يده السليمة بصعوبة متأوها ناحية جيب قميصه فتهتف عاقدة حاجبيها بجفاء "ما حاجتكَ به ؟" ثم تضيف بفظاظة حازمة "أنت ارتح أنا سأهتم بكل شيء سأكلم السيدة تماضر .. لم يعرفوا عن أبيك وعنك سوى الامانة والإخلاص لذا فهم مجبرون على تقبّل قضاء الله وقدره "

يعاجلها بالقول المضطرب حين لم يرقه اقتراحها"لا من الأفضل أن أكلم ليثا ..يجب ..أن يعلم أني بذلت كل ما في وسعي "

فتفقد أعصابها وتضع الصحن على الطاولة بقوة تناثرت لها بعض القطرات خارجه وتهتف زاجرة بشراسة "لن تتدخل فيما لا يعنيك .. لست سوى خادم لهم و ستظل هكذا مهما حدث اِعرف قدر نفسك تسلم من الخيبة! "

يفغر فاه قليلا مصدوما وقد رأى وضعها المريب أخيرا فيهمس حائرا"أماه كيف .. "

فتقاطعه ملوحة بالملعقة تصارحه بصوت خائب "كيف عرفتُ أنكَ كذبت علي ولازلت مصرا رغم أنك رأيت الموت بأم عينيك ! .. صفية كانت هنا منذ قليل "

يهتف بجزع بصوت مرتجف ككل شبر من جسمه يحاول الاعتدال في جلسته
"لماذا لم توقظيني ..هل جوري بخير ؟"

فتصرخ بخذلان وقد أظلمت مقلتاها شاعرة بالخيانة يتقطع قلبها عليه"كنت تهذي محموما حين أتت لتحاسبك على تقصيرك لا لتطمئن عليك كما تخال "

لكنه لا يسمعها أو ربما يسمعها ولا يكترث لكلامها يعافر للنهوض رغم الوهن الشديد الذي استولى على جسده يتلعثم قائلا بعصبية "وثقت بي ....أنا خذلتها ..عباس .. يجب أن..آآه"

يئن متوجعا حين احتك جرحه بطرف الطاولة حيث مال ناحيتها أكثر من اللازم أثناء حركاته الخرقاء المتعجلة فتعيده إلى مكانه تهتف بسواد تنبش الحسرة روحها على ابنها الساذج الأعمى "فلينحروا بعضهم ما شأنك بهم ..ما وثقت بك إلا لتستغلك فهكذا هم الأسياد يرفعونك إلى عنان السماء و يوهمونك بقيمتك لديهم ثم حين تقضى مآربهم وينتهي دورك يفلتونك لتهوي إلى القاع فتفتت كل عظامك"

كان غائب الروح حاضر الجسد زائغ النظرات ناشف الريق يوشك أن يجنّ بتخميناته يردّد بنبرة مرتجفة الحروف فضحت ما يقاسيه من اختضاض رهيب "ليث لن يدعه يظفر بها ...لن يسمح له ..أنا واثق "

لا يكفّ عن إدهاشها بتصرفاته العجيبة التي ما انفكّت تخيفها على صحته العقلية فلتطم صدرها بكفّها ترغي هائجة "هل وقعت على رأسك وفقدت صوابك ..ألم تلاحظ أنني لم ألمك بعد لأنك كذبت عليّ ..ألم تلاحظ أنك لم تكلّف نفسك عناء الشرح ..لم تعتذر لي أصلا وكأن ما فعلته أمر عادي ..أي وفاء هذا أنا أولى به منها !"

يفطن إلى أنه انجرف خلف مشاعره متناسيا أمه فيناديها لاعنا قلبه الأحمق فتصرخ كسيرة الروح خائبة الأمل "وأنا التي كنتُ أفتخر أمامها أنكَ تربية يدي !ستضحك عليّ ملأ فيها كلّما تتذكّر أني تشدّقت بحفظي لكل خلجاتك ..تتذكر أحيانا اللعبة الممتعة التي لعبتماها على رأسي تُسلّي بها نفسها "

يثقل شعور مقيت بالذنب قلبه فيهمس يسعى جاهدا لشرح موقفه "ترجتني أماه..لم أستطع أن أردها كما أنيّ لم أكن أعلم السبب وراء مطلبها لذا لم أتوقع أن يكون الأمر بهذه الخطورة"

لم يزدها كلامه إلا سعيرا فتهتف بقتامة " وكأنك حمار لا يدري أي أحمال تلك على ظهره! ..وأنت لديك احترامك و مبادئك ..تقول أنك لن تفعل حتى تشاورني ..تقول أنك لن تفعل حتى تعرف ما الذي يجري على الأقل ..تقول أنك لا تستطيع المخاطرة فلديك أم خلفك ليس لديها في الدنيا سواك...لماذا ترضى أن تنقاد لها كالأعمى ..لماذا ؟ "

فيكون ردّه هتافا أجشا محتقنا بمشاعره الهوجاء "اللعنة على انقيادي الذي لا فائدة منه..اللعنة على ضعفي ووهني..لأني أحبها أماه ..أحبّها"

تخرس وكأن الكلمات نفذت منها تناظره بصدمة ترمش باستمرار فتحمل الصحن من على الطاولة بيدين مرتعشتين تتأمل الحساء تعقد حاجبيها وتعانده قائلة تغص بكلماتها التي خرجت مخنوقة "أعلم معزّة صفية في قلبك ..لكن..لكن.. لكل شيء حدود لا يمكنك أن تساويها بأمك !"

تنتظر إجابة تريح قلبها الملتاع بعد أن حاولت عبثا اقناع نفسها أن ما رأته في قتامة عينيه المائلتين في حزن عميق لم يكن عشقا متجذّرا لا سبيل للشفاء منه ..

كان يفهم نظراتها المترجية تتوسله في صمت أن يطمئنها على قلبه ..حاول أن يفعل ما أجاده دوما ..أن يداري حبّه المستحيل عميقا في سراديب روحه لكنه فشل هذه المرة إذ كانت مشاعره أقوى منه ..ومنها ..

كان الصمت أقوى تعبير بينهما في هذه اللحظة ..أصعب لحظة في حياتها ربما منذ أن فقدت زوجها محمد ..وكم احتاجته ليدعم ابنه فلم تعثر على ما تواسيه به ..

تراجعت وقد تجمدت ابتسامة متشنجة على شفتيها وقد لمعت مقلتاها بدموع زجاجية ..

نكّس رأسه يئن عاجزا حين أضحى وحيدا في غرفته ليغمض عينيه مقهورا حالما سمع شهقات بكائها تبتعد ثم صوت تهشم صحن الحساء الخزفي ..


............................................


ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس