عرض مشاركة واحدة
قديم 26-09-20, 06:24 PM   #455

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

بعد مضي ثلاثة أشهر
تحرك من جوارها بهدوء يخطو بحذر نحو غرفة أطفاله الواسعة والمجهزة للثلاث بتصميم رائع يقسم الغرفة إلى ثلاث أجزاء جزئين اليمين واليسار بلونهما الأزرق الفاتح والجزء الأوسط باللون الوردي المبهج وكأن الغرفة وتصميمها يعلن عن تميزها وتتوجها ملكة على قلوب الجميع ، تنفس بعمق وهو يقترب من فراشها بستائره الوردية وقلبه يتضخم بعشقه لها لا يصدق للآن أنه مر ثلاثة أشهر كامله على وصولهم .. وجودهم .. ودفئها الذي ملئ قلبه وحياته ، بل إن ذاك الخبر الذي أثلج صدره حينما وصله عن قضاء الحقير حتفه ضاعف من فرحته بهم ليعود إلى منزل جده ويعده لاستقبالهم هم وأميرته في تلك الفترة التي قضتها أميرة عند تامي بالفيلا القريبة من منزل عائلته مفضلين أن يمنحوا عاصم ونوران وقتهما بالقصر كما كان مقررًا .
تلفت من حوله يتأكد من نوم أميره ليعض شفته بخفة وهو يرفع الستارة الوردية ليهمهم بخفوت شديد حينما وجدها مستيقظة : حبيبة بابا ونبض قلبه المتجسد متى استيقظت ؟ أنا غاضب منك لأنك لم توقظيني معك وأنا من ظننتك نائمة ؟
ابتسامة طفلته أبهرته فتلمع عيناه بخفة وهو يمد كفيه ليحملها بلطف هامسا بعدما قبل وجنتها .. رقبتها .. وجبينها : ألم نتفق أن توقظيني حينما تستيقظين لأقضي معك الوقت قبل أن يستيقظا زوج المشاغبين .
ابتسامة ابنته تتسع وتبدأ في المناغاة بأصوات طفولية غير مفهومة ليشير إليها بصوت خفيض : اش .. اش أخفضى صوتك حتى لا يستيقظا وهيا بنا نبدل ملابسنا ونأكل ونلعب سويًا.
استدار ليغادر فيتوقف على أميرة الواقفة بباب الغرفة تهمس بلطف : أتت من أخذت مكاني يا أحمد بك .
ضحك بخفة ليجيبها وهو يقترب منها يقبل جبينها : أبدا ، ولكني لم أشأ أن اوقظك مبكرا فأنا أعلم معاناتك معهما طوال اليوم .
تنهدت بقوة وسألته بعتاب : وهل نظرت إلى الولدين لعلهما يكونا استيقظا ؟
احتقن وجهه حرجا ليهمهم بسرعة : نائمان فتارا دوما تستيقظ أبكر منهما ، رمقته بطرف عينها لائمة ليتبع وهو يغادر بعدما قبل وجنتها - استريحي قليلا إلى أن يستيقظا وأنا سأهتم بها
هزت رأسها بيأس لتخطو إلى داخل الغرفة تطمئن على ولديها النائمين بالفعل قبل أن تعود إلى فراشها فتبتسم مرغمه وهي تستمع إلى دندنته الرائقة لابنته ودلاله المتزايد لها فتكتم ضحكتها وهي تتذكر مشاكسات عاصم له وشجاره الدائم مع أدهم حتى لا يحملها والضيق الذي يتلبسه حينما يزورهم أبوها أو حماها فالاثنان يهتمان بالفتاة ويدللانها عن الولدين اللذين يغرقا في دلال الجدات لهما وكيف لا والاثنان آتيا خليطًا بين أحمد ووالدها فورثا بشرة أحمد الحنطية وعيناه العسلية لتتشكل ملامحهما تدريجيا ويصبحان أكثر شبهًا به ولكن مع علامة وائل الجمال المميزة كما يقول خالد دوما ألا وهي أنفه الشامخة وخصلات شعره السوداء الفاحمة الحريرية كخصلات أخيها المميزة
تنهدت بقوة وهي تعود بجسدها للخلف وتبتسم برقة وهي تحمد الله على نعمته التي أنعمها عليها بعدما كادت أن تيأس وهي في تلك الغرفة الباردة وعلى فراش المشفى القاسي متعبة .. منهكة .. ومتألمة من مخاضها الذي استمر ساعات طويلة أتوا أخيرا لتنسى كل تعبها ويتبخر المها في الهواء ويستقر قلبها برؤيتهم وهم يوضعون بحضنها ، ابتسمت برضا وحمدت الله والنعاس يداعب أجفانها فتستجيب رغمًا عنها ليتعالى صراخ قوي جهوري ايقظ عقلها على الفور فتغمض عينيها وهي تدرك بان من يصيح هذا وكان العالم ملك يمينه هو فارس طفلها الذي يتميز ببنية أكبر من تؤامه وابنتها ذو الصوت الأعلى والنزق المستمر والبكاء العالي.
فسليمان حينما يبكي لا يصرخ بقوة هكذا بل هو أقل أطفالها بكاء .. هو الاهدئ .. والأصغر فبنيته صغيرة نسبيا عن أخوته .. والأرق في كل شيء ليس متطلبا كفارس ولا مدللا كتارا .
انتهبت على صوت أحمد الضجر : ها قد استيقظ ولدك القبضاي كما يلقبه تيم ، لا أفهم هل يبكي لأجل ان يعلن عن استيقاظه أم يتشاجر معنا فجرا .
ضحكت رغمًا عنها لتهتف به وهي تنظر له يحمل ابنته : ليس ولدي بمفردي ، كما دللت ابنتك وبدلت لها ملابسها ومنحتها رضعتها ، اهتم بولدك مثلها .
عبس بضيق وهو يتحرك نحوها ليناولها تارا التي رفرفت بذراعيها وناغت والدتها بحبور : سأفعل ولكن إذا استغثت بك أنقذيني .
ضحكت برقة وهتفت به : لا تقلق ستجدني في ظهرك ولكن اهتم به سريعًا قبل أن يوقظ سولي
تمتم وهو يتجه بالفعل لغرفة الأطفال : سولي هذا ونعم الولد لا يبكي ولا يصرخ ولا يتدلل بل هو مسكين في نفسه هكذا ، سيكبر ويكون رزين كعبد الرحمن فهو يذكرني به في طفولته .
تمتمت بخفوت وهي تلاعب ابنتها بملامحها : بل أنا أشعر بأنه يشبه أونكل خالد وخاصة بتلك الابتسامة الماكرة ونظراته الغامضة .
قهقه ضاحكا ليهتف بمرح : سأخبر دادي أنك وصفتيه بكونه ماكر وغامض أيضاً .
هتفت سريعا : كنت أتحدث عن سيلمان ليس عن أونكل خالد ، طل عليها ثانية وهو يحمل ولده بيده يربت على ظهره كي يكف عن البكاء : يا أميرة .
ضحكت برقة ليعبس باختناق داهمه قبل أن يهتف بها : انهضي واهتمي بولدك هذا فأنا لا أقوى على تحمل رائحته وامنحيني ابنتي الرائعة .
عبست بضيق وهتفت : يا سلام ابنتك رائعة وولدي رائحته مقرفة ؟!! أومأ برأسه لتهتف به - هي الأخرى تكون رائحتها مقرفة .
عبس باستنكار وهو يحمل ابنته وابتسامته تتسع : بل رائحتها مسكية .. حبيبة أبوها.
داعب رقبة ابنته بطرف أنفه في سعادة وابتسامات تارا ومناغاتها ترتفع ليصدح صوت أميرة من الداخل حينما بدأ بكاء سليمان يصدح من حولها : أحمد اترك تارا في مقعدها واذهب لسولي فهو يبكي .
زم شفتيه وهو يشاكس تارا بملامحه : أخواك هذان مفسدان للبهجة يا حبيبتي ، أجلسها بمقعدها المرتفع ليدير إليها لعبتها المفضلة والمدلاة فوقها ليتبع هامسا - انتظريني و سآتي لك ثانية قبل أن أذهب للعمل يا قلب بابا.
صدح صوت أميرة ثانية : أحمد .
ليهتف بضجر : يا الله ، هاك أنا ذاهب .
***
تخطو بخطوات سريعة وهي تنظر كل ثانيتين نحو ساعة معصمها العادية .. تزدرد لعابها أن تتأخر عن موعد دوامها .. وتلهث بعنف وهي تتذكر مديرها العجوز والذي يتفنن في مضايقتها، رغم قلبه الطيب وملامحه الحانية وتقديره الأبوي للجميع إلا أنه غير متساهلًا ولا يغفر عدم الانضباط ولا التباطىء بالعمل ، وهي تمتلك سيرة حسنة محمودة بين زملائها ومنذ عملها في قسم الأرشيف المركزي للمؤسسة وتدرجها الوظيفي الذي ارتقته سريعًا لحسن تصرفها وذكاءها المشهود لها إلا أن مديرها المباشر لا يمنح لكل هذا تقديرا اية استثناءات إذا أخطأت أو تأخرت كاليوم .
دلفت المصعد بسرعة قبل أن يغلق على من فيه لتقف ملتصقة بالباب الأمامي وهي تتأكد من وضع قميصها الأبيض الرسمي وتنورتها الواسعة الطويلة بألوانها الصيفية الزاهية لتعدل من خصلاتها السوداء الفاحمة الطويلة التي تبعثرت من ركضها ثم تحمل حقيبتها الجلدية بوضع معتدل بلونها البني والتي تماثل حذاءها البناتي الأرضي الذي لا يمنحها طولا فوق طول جسدها الأهيف.
تنفست بعمق وهي تهدأ من خوفها وتنظر بترقب منتظرة رقم الطابق الذي تعمل به وهي تتماسك بثبات لتزفر بقوة وهي تندفع للخارج من جديد حينما وقف المصعد بالطابق المخصص لقسمها فتسرع بخطواتها دون ركض هذه المرة لتتوقف بصدمة تملكتها وهي تستمع إلى هذا الصوت الذي لا يمكن أن تغفله واقف بمنتصف الغرفة الكبيرة التي تضمها هي وزملائها في سابقة لم تحدث من قبل ويقف بجواره مديرها متعرق من خوفه وخاصة مع ملامح الآخر الغاضبة وضيقه الواضح في جسده المشدود .
اتسعت عيناها وهي تركض فوق تفاصيله التي تبدلت ..يرتجف فمها بابتسامة رُسِمت بحنين تدفق إلى أوردتها فاغتال تماسكها وعيناها تدمع وروحها ترجف وهي تشعر بالشوق يغمر حواسها فكادت أن تخطو نحوه .. تقترب منه .. وتنظر إلى ملامحه التي ازدادت نضجًا .. وسامة .. و رجولة عن قرب لينتفض قلبها وجلا وتنتفض روحها فزعا وهي تتذكر تحذيره لها فتتراجع خطواتها بتلقائية وتعود بجسدها للخلف وقلبها الذي كان يقفز طربًا لرؤيته توقف عن الخفق وهي تعي مقدار الخسارة التي ستمنى بها عائلتها إذا قابلته .. خسارتها لعملها .. لمصدر رزقها .. وكيانها الذي أصبح أهم عندها من قلبها فتعود من حيث أتت وخاصة حينما تحرك هو ومديرها بعده يثرثران بحديث كثير لم تقوى على فهم ماهيته لتختفي بالحائط القريب تمنعه عن رؤيتها ولكنها ظلت تراقبه بعينيها المتعلقتين به إلى أن اختفى من أمامها كحلم مر سريعًا في غفوة ألمت بعقلها والذي استيقظ حالًا على زعقة مديرها الذي كان يصيح بها سائلًا عن سبب وقوفها هكذا قبل أن يتبع أمرًا أن تتبعه حتى ينجزا العمل الذي طلبه المدير التسويقي الجديد للفرع المالي لمؤسسة الجمال.
***
عبس بضيق وهو ينظر إلى فنجان الشاي الموضوع أمامه بجانب الفطور الصحي المعد فوق الطاولة ليسأل بجدية وهو يشعر بها تتحرك من خلفه تضع بقية الاطباق على الطاولة : ما هذا يا لمياء ؟!
ابتسمت ورتبت على كتفه بود : شاي الكاموميل ، فأنت رفضت أن أعد إليك الشاي باللبن .
مط شفتيه بضيق ليهتف بهدوء : نعم رفضته وطلبت منك إعداد القهوة .
ابتسمت برقة ورمقته بنظرتها العملية الحازمة : تعلم أن القهوة ممنوعة يا أحمد ، بناء على أوامر الطبيب وليست أوامرى ، وعليه تناول فطورك واحتسي الشاي حتى تتناول ادويتك قبل أن تغادر ، أم لن تذهب للمشفى اليوم ؟
ازداد عبوسه فذكرها بولده حينما يغضب بشكل طفولي متمردا رافضا الطاعة فيأتي قوله مؤكدا حدسها حينما زمجر بعصبية : أوامر الطبيب وأنا ماذا أعمل ميكانيكي سيارات ؟!! أنا الآخر طبيب وأخبرتك أني أريد القهوة .
رمقته مليا لتهمس : بل أنت أفضل الأطباء كلهم ولكنك جراح مخ وأعصاب يا أحمد لا تفقه في أمور القلب أم أنك جراح مخ وقلب معًا .
ابتسامة مشاكسة زينت ملامحه وهو يجيبها : جراح مخ وقلب وجراح عام إذا أردت يا مس لوما .
ضحكت بخفة و وجنتاها تتوردان وقلبها يلهث شكرا لله أن الأزمة الصحية التي مر بها انتهت سالمة فهي لا تقوى على تصديق أنه عاد إليها ثانية بعدما كادت أن تفقده فحينما فقد وعيه في حضنها تلك الليلة صرخت إلى أن أيقظت مازن وأتت بطاقم الأطباء الذي هرع لنجدته وهم يهمهمون أن قلبه توقف ، وكأن ذكرى وفاة زوجته كانت أشد وطأة عليه من الحدث نفسه .. وكأن قلبه الذي ذهب معها المرة الماضية ابى أن يخفق ثانية بعدما تذكر فقدانها .. وكأن قلبه الذي انفطر على ولده حزنًا واختض لومًا وتباطء ألما قرر أن يتوقف معلنا انتهاء رحلته .
حينها فزعت وعقلها لا يدرك ماذا يحدث .. روحها تتألم وقلبها يخفق بجنون رافضا رحيله .. دموعها تنهمر وبكاءها يزداد وجسدها يختض حتى كادت أن تقع أرضًا ولكنه لم يتركها تفعل " ولدها " عوض الله لها رغم مرضه .. وهن جسده .. وروحه المهتاجة ألمًا حماها بكفيه اللذين قبضتا على ذراعيها ليجذبها إلى صدره وهو يهمس بأنفاس متلاحقة : اهدأي سيكون بخير ، سيعود لأجلي ، لن يحدث له شيئا.
رفت بعينيها كثيرا وهي تتذكر وقوفهما سويا من خلف الزجاج الذي التصقت به وكأنها تريد الدخول للبقاء بجواره وجسد مازن الواقف خلفها كداعم لوهنها يضمها باحتياج شعرته وهما يراقبان جسد أحمد الذي يهتز تحت صعقات كهربائية يتخذها الطبيب لإنقاذه ولإجبار قلبه على معاودة الخفقان.
صدمة .. اثنان .. ثلاثة ، جسده ينتفض أمامهما والطبيب يعاود تدليك قلبه ، دموعها تشوش رويتها وتشعر بخافق من يقف خلفها يتباطأ قلقا على أبيه ، أنفاسه مكتومة فلم تعد تشعر بها وكفاه يتراخيان وكأنه سيفقد الحياة إذا فقدها أبوه ليزفران بقوة حينما صدح الجهاز القلبي بصوت أعلن عن نبضات خافتة عادت لجسد أحمد الملقى أمامهم على الطاولة نبض خافت ولكنه موجود .. نبض عاد وجسد بُعِثت فيه الحياة من جديد وكأنها معجزة إلهية ليس لها تفسير كما أخبرها الطبيب فإلى الآن لا أحد يدرك لماذا توقف قلبه عن الخفقان ولا لماذا عاد ولكن ما يهم في الأخير أنه عاد ولكن كلاهما لم يعود ، فهي أصبحت متوترة دوما .. خائفة وقلقه عليه بطريقة نزقة .
ومازن ..مازن أيضا عاد كما لم يكن قبلًا فالولد المنطوي .. المهذب ..المرح أصبح اخر غير الذي كان موجود.
وعلى ذكره انتبهت إلى صوته الذي صدح من خلفها هازئا : هل أعاود أدراجي واترككما على راحتكما ، أم أستطيع تناول الفطور معكما ؟!
ابتسمت برقة ليهتف أحمد بجدية : بل تعالى فأنا أريد الحديث معك .
كحت بخفة وهمت بالنهوض ليتمسك أحمد ببقائها ويشير إليها بعينيه فتهمس بخفوت : حتى تتحدثا على راحتكما .
اسبل أحمد جفنيه رافضا ليضغط على رسغها ثانية فيجبرها على الجلوس ومازن يتطلع إليهما بنظرات مبهمة عاكسة لا تشي بم يعتمل بداخله ، ابتسم أحمد وهو ينظر الى ولده الذي رمقه باستفهام فيسأله بهدوء : هل حقا تطوعت للعمل في أشهر الصيف في تلك المنظمة التي تحمي الحيوانات من الانقراض ؟
اهتزت حدقتي لمياء بعدم فهم ليبتسم مازن ساخرا : هل هناك ما يعيب في العمل التطوعي يا بابا ؟
رد أحمد ببطء : لا بالطبع لا ولكن أنت تدرك أن هذا العمل سيلتهم اجازة الصيف كلها فتلك المنظمة تسافر خارجا لمناطق غير آمنة ويقضون أيامهم في الغابات .
هتف مازن بمرح مفتعل : نعم أنه تخييم من نوع أخر .
رمقه أحمد مليا لتنطق هي بصوت مبعثر : مهلا هل ما أفهمه صحيحا ؟ أتبعت و هي تنظر لمازن الذي أخفض بصره متحاشيًا نظراتها - أنت تريد السفر والابتعاد ، تريد أن تذهب لأماكن مجهولة لإنقاذ الحيوانات والاعتناء بهم ؟
أومأ برأسه إيجاباً وهو لا يضع عيناه بعينيها فأكملت بسؤال متلهف مبعثر : لماذا ؟
ابتسم مازن ساخرا لينهض يدير جهاز القهوة السريعة التي ترفض هي تحضيرها ليقف بجواره قبل أن يجيب : نعم أريد وسأفعل ولماذا لأني أحتاج أن أعرف أكثر ، فرصة السفر مع هذه المنظمة لا تتكرر كثيرا من الجيد أنهم قبلوا بي فهم لا يقبلون بأي شخص ، فقط تبقت المقابلة الشخصية ولكن موعدها اليوم سأذهب إليها قبيل الاحتفال بعمار وإذا قبلوا بي سأسافر في خلال أسبوعين .
اعتلت الصدمة ملامحها لتهدر بعدم فهم : تسافر إلى أين ؟!
مط شفتيه وهو يلتقط قدح كبير خاص به بدأ يستعمله مؤخرا ليصب القهوة فيه على مهل يتناولها دون سكر ثم يجيبها : أعتقد المحطة الأولى جنوب أفريقيا ومنها سننطلق إلى عمق الغابات ، ليست معي تفاصيل إلى الآن .
اتسعت عيناها بصدمة ليهتف أحمد : هكذا قررت السفر والذهاب وكل شيء دون أن تخبرنا .
ارتفع رأس مازن بشموخ صدح بنبراته : ولماذا أخبركم هل أنا صغير لأفعل ؟
هدر أحمد بحزم : أنت لم تتم السن القانوني يا مازن تعلم ..
قاطع أبيه بجدية : أنك تستطيع منعي ، حسنا إذا أردت فافعل يا بابا لن أستطيع أن أمنعك وخاصة إذا كنت ترى أني صغير لتلك الدرجة .
سحب أحمد نفسًا عميقًا ليهتف به : لا ، لا أرى أنك صغير ولا أريد أن أمنعك ولكن أريد سببا منطقيا لما تفعله وتريد أن تفعله.
رفع عيناه لينظر لأبيه مليا قبل أن ينطق بجدية : أريد أن أغادر يا بابا ، أريد أن أرى عالما آخرا وناس آخرون وأتعرف على الكثير لن أراه وأنا بجانبك ، لن أراه وأنا في حضن لميا التي تعتني بي كثيرا وكأني طفل صغير ، أريد أن أرى الأشياء من منظوري الخاص دون نصائح أدهم أو دعم علي ، أريد أن ابتعد وأبحث عن نفسي بعيدا عن أي عوامل تخص العائلة وما يخصها ، أريد أن أكون مازن فقط ليس مازن ابن أحمد الجمال اللطيم الذي يشفق عليه الجميع
شحب وجه أحمد تدريجيا ليصدح صوتها وهي تجد نفسها تنطق دون وعي : وأنا ؟! أنا لم تفكر بي ؟!! لم تفكر بما سيحدث لي وأنت لست هنا ؟! كيف سأنام وأنا قلقة وقلبي مفطور عليك ، لا أعلم إذ كنت جائع .. عطشان .. مريض .. أم من حولك خطر لا تستطيع صده ؟! أنا محتني من حساباتك يا مازن ؟!!
أخفض بصره ليتنهد بقوة هاتفًا بعد وهلة دون أن يرفع نظره لها : لا تقلقي يا لوما ، سأكون بخير ، فأنا لم أعد طفلا صغيرا ، أصبحت رجلا كبيرا أستطيع الاعتماد على نفسي ومواجهة الصعاب أيضاً ، فقط أنت لا تقلقي .
اهتزت حدقتيها بعدم تصديق ووجهها يشحب بخوف دموعها تجمعت بعينيها فيخفض رأسه متحاشيا النظر نحوها قبل أن يكمل بجدية وصلابة آلمت قلبها : حسنا بعد إذنكما لدي موعد علي اللحاق به .
ألقاها بسرعة وغادر المطبخ يخلفهما من وراءه دون أن ينظر نحوهما لتستدير نحو أحمد تنظر إليه باستفهام هامسة دون تصديق : سيتركنا حقا ؟!
ابتسم أحمد دون رد ليجيبها بعد وهلة بصوت مختنق : يريد الوصول لبر آمن يا لمياء ومن رأيي أن نتركه فرفضنا سيزيد من عناده وتصميمه .
تمتمت وهي تضع كفها فوق قلبها : أعلم ولكن لا أستطيع لا أستطيع التقبل بما يريده ، اختنق حلقها وأكملت بحزن ألم بها - ولا أستطيع أيضا أن امنعه ، فبالأخير أنا ..
صمتت وصوتها يختنق لتنهمر الدموع من عينيها وهي تقر أخيرًا : أنا لست بأمه وهو لا يدين لي بشيء وليس لي حق عليه .
ألقتها بألم اعتصر قلبه ولكنه صمت لا يعلم بما يجيبها لترتجف شفتاها بحزن فتكتم شهقة بكائها بصلابة وهي تنهض لتغادر المطبخ تتركه وحيدا عيناه شاردة ويفكر في أمر ولده الذي أصبح مستعصيًا عليه في الآونة الأخيرة ، يعلم جيدا ما يفعله ويدرك مقصده ، مُمزع هو بين قلبه الخائف على وحيده وعقله الداعم لتحرر الصغير وتركه يطير ليصبح قويا يفرد جناحاه ويحلق بعيدا ويعتني بنفسه بمفرده ، يفهم كل هذا ويستوعبه ولكنه لا يقوى على إقناع لمياء به ولا يقوى على منعه لأجلها ، تنهد بقوة وهو ينهض واقفًا يقرر الذهاب خلفها ليراضيها على حسب ما يستطيع ويخفف عنها شعورها .
***
انهى ارتداء ملابسه ليتفقد رسائله وبريده الإلكتروني وهو ينتظر خروجها من دورة المياه بعدما نهضت بعبوس يزين ملامحها لم يراه من أول زواجهما ، ولكنها اليوم مختلفة .. متوترة .. ضائقة دون أن يفهم سبب لضيقها ، وها هي مختفية منذ النصف ساعة داخل دورة المياه وهو يجلس ينتظرها حتى يستفهم عما يحدث معها ، عبس وهو ينظر إلى ساعته مرة أخرى قبل ان ينهض متجها لدورة المياه يطرق بابها برزانة كعادته ثم يهتف بقلق بدا ينتابه : نوران افتحي الباب بدأت أقلق عليك ، ثم منذ متى تغلقين باب دورة المياه عليك وأنت بالداخل ؟!
نظر إلى ساعة معصمه الفخمة ليعدل من سترته الرسمية قبل أن يدق الباب من جديد هاتفًا بعبث : نور ، أخرجي أو أخبريني ماذا تفعلين كل هذا الوقت بالداخل ؟! أتبع بعبث سيطر على ملامحه - هل تستحمين ؟ حسنًا افتحي أستطيع أن أتأخر قليلا حتى اشاركك حمامك .
ركن ظهره إلى باب دورة المياه ليهتف بصوت أعلى : هيا افتحي يا نور .. افتحي يا حبيبتي سأتأخر لأجلك كما طلبت مني حينما ايقظتك أن لا أذهب للعمل وأظل معك إلى أن أذهب مع عمار إلى منزله .
استمع إلى مزلاج الباب يفتح ليبتعد وهو يبتسم بتسلية فيبدأ بالتخلص من حذاءه ويتبعه بخلع سترته وساعته ليستدير هاتفًا بمرح : جيد أنك فتحت قبل أن ... صمت وهو يتطلع إليها بصدمة قبل أن يهتف بهلع - ما بالك ؟! لماذا تبكين ؟!
أدار عيناه عليها ينظر إلى قميص نومها الحريري ومئزرها عليه الذي لم تبدله ليعبس بتعجب ويسأل باهتمام وهو يقترب منها يجذبها من مرفقها بلطف وهو ينظر لآثار دموعها : لماذا تبكين ؟! أنت بخير ، هل حدث شيء ؟!!
غمغمت باختناق : بل لم يحدث شيء .
عبس بتعجب وهو ينظر إليها بريبة ليجذبها معه ويتجه نحو الكرسي الهزاز العصري الكبير الموضوع بجانب شرفتهما ، ليجلس ثم يحملها ويجلسها فوق ساقيه يضمها إلى صدره يقبل جبينها وهو يعيد خصلاتها للخلف فتجهش في بكاء عالي صدمه لينتفض قلقا هاتفًا : الآن ستخبرينني سبب بكاءك يا بنت الوزير ، فأنا لا أقوى على تحمل بكاءك بهذه الطريقة أبدًا.
تمسكت بصدره لتمرغ أنفها في حافة قميصه الخفيف قبل أن تهمس بنهنهة طفولية : النتيجة سلبية .
ضيق عينيه بعدم فهم ليردد باستفهام : النتيجة سلبية ، نتيجة ماذا ؟
نهنهت أكثر وهي تحاول أن تتوقف عن البكاء : my pregnancy test was negative .
ارتفعا حاجبيه بدهشة ليهمس بعدم فهم : هل كان هناك اختبار حمل من الأصل ؟
زمت شفتيها لتنطق بقهر : أنه الثالث على التوالي ، أتبعت سائلة وهي تبتعد عنه تجلس بظهر مستقيم - لماذا لا أحمل ونحن متزوجان منذ ثلاثة أشهر ؟
رمقها مليا ليهمهم بمزاح : لماذا اشعر بكونه اتهام مبطن يا ابنة عمي ، هل تتهمينني بالتقصير مثلا؟
توقفت عن البكاء لتنظر له بانزعاج وتهتف زاعقة : بالطبع لا يا عاصم أنا فقط حزينة لأني أريد أن أنجب طفلا .
نظر إليها ببراءة متسائلا بصوت أبح : طفلا واحدا فقط ؟
تنهدت بقوة لتثرثر بصوتها الذي يحمل بقية بكائها : بل الكثير والكثير من الأطفال ، يملئون القصر صخبا ونعيد لهم بناء البيت الخشبي القديم ، أتبعت وهي تلتفت إليه تواجه - هل تتذكره يا عاصم ؟ ذاك البيت الذي كنا نختبئ فيه من الجميع .
ضحك بخفة ليجذبها اليها يضمها إلى صدره : كنت أنت من تختبئين فيه وتتركي الجميع يبحث عنك .
همست بخفوت وهي تتطلع إليه : وكنت دوما تجدني وتصعد من خلفي لتحملني وتنزل بي .
همس مكملًا حديثها وهو يضمها اكثر اليه : إلا تلك المرة حينما كان عمرك عشر سنوات كنت غاضبة بسبب أدهم واختبئت هناك وحينما طلبت منك النزول عاندتني وأغضبتني فصعدت لك وحملتك جبرا فوق كتفي لأنزل بك وأنت تركلين وتصرخين ليختل توازنًا ونسقط سويا.
ظلل عيناها ندم صادق لتهمس بنبرة اعتذار : حينها كُسرت ذراعك وكانت فترة اختباراتك الدراسية المؤهلة للجامعة ، لقد بكيت حينها كما لم أفعل قط لأهدم البيت بعدها حتى لا أصعد إليه ثانية ولا اؤذيك معي ثانية .
اسبل جفنيه ليشحب وجهها تدريجيا وهمت بالحديث ليقاطعها صوته الأبح هامسا : أنها المرة الأولى التي أعلم بها أنك من هدمت البيت الخشبي .
ابتسمت رغمًا عنها لتهمهم : ليس بمفردي بالطبع ولكني حينما أخبرت عمو وليد أني أريد أن اهدمه استجاب لي وأرشدني وساعدني فهدمناه سويا .
ضحك بخفة : دوما أبي خلف كل شيء يخصك .
اتسعت ابتسامتها لتهمهم بعفوية : دوما كان ملاذي لأني أعلم أنه لن يرفض لي طلبا ، دموعي ترهق قلبه .
قهقه ضاحكا ليهتف : بابا أبو قلب رقيق اه لو استمعت إليك الياسمينة ستغضب منه لسنوات قادمة.
عبست بتذمر : انطي ياسمين تغار يا عاصم عليك وعلى عمي مني ، لا أفهم لماذا لا تغار من يمنى هكذا .
همهم من بين ضحكاته : يا نوران حقا لا تعلمين ؟ أشاحت بوجهها بعيدا فأكمل - ببساطة يمنى لا تتدلل إلا نادرا ، أما أنت تصيبينها بصداع مزمن بسبب دلالك غير النهائي وخاصة مع بابا.
هزت كتفيها بدلال لترفع رأسها بشموخ : عمي ولي الحق في أن اتدلل عليه كما أريد .
تعالت ضحكاته لتضحك معه مرغمه قبل أن يتنهد بقوة : حسنا ما رأيك أن ابني لك بيت خشبي جديد وأوصله بشرفة غرفتنا ، حتى تستطيعي اللجوء إليه متى ما أردت ولكن دون أن تختبئي مني .
همست بنعومة وهي تلامس ياقة قميصه : إذا اختبأت منك ابحث عني .
ضحك بخفة وهو ينظر إلى سبابتها التي تحركت لتلامس طرف فكه ليهمس بصوت أجش : بقى شيء أخير .
رفعت نظرها إليه ليتبع وهو ينهض واقفًا بعدما حملها بين ذراعيه : كرامتي تؤلمني بسبب اتهامك المبطن لي بالتقصير يا نور وعليه سأنفي عن نفسي الاتهام في الحال .
ضحكت بخفة لتهمس إليه وهي تحتضن عنقه بذراعيها : ولكن ألن تتأخر عن العمل ؟
همس إليها وهو يضعها على فراشهما: لن أذهب سأرسل لكنزي وأخبرها أني لن أذهب، فبالأخير أنه يوم عمار المميز لذا علي أن أبقى معه وبالفعل سأذهب إليه بعد الغذاء مباشرة .
تمتمت وهي تراقبه يخلع ملابسه : اصحبني معك لبيت الخيال إذًا .
استلقى بجوارها يقبلها بقبلات متتالية متلهفة : من عيناي يا نور عيناي .
ضحكت بخفة لتهمهم باسمه وهو ينضم إليها فتنصهر تحت لمساته .. قبلاته .. وهمساته التي غزت مسامعها فغرقت معه في لجة عشقه لها .
***
توقفت السيارة أمام موقع البناء الذي يجري العمل فيه على قدم وساق لتترجل من السيارة بعدما فتح لها باب سيارتها سعيد الذي أصبح سائقها ورجل حراستها الأمين عليها ، لتخطو بهدوء نحو موقع البناء بخطوات ثقيلة قليلة وهي تنظر إلى القصر الذي بُنيَ حديثا بعدما هدمت قصر العائلة القديم وقررت أن تنشأ قصر جديد يكون ملكا لها ولطفلها.
ابتسامتها التي تراقصت على شفتيها وهي تتذكر صدمته حينما أخبرته بالضمانات التي تحتاجها منه فلم يعترض على الأموال التي وضعها بحساب بنكي خاص بها على الفور ولا بقطعة الأرض التي اختارتها لتكون ملكها ولا على فكرة تأسيس شركة معمار تخصها وتعمل بها بل أنه سارع بتنفيذ كل شيء طلبته وهو يخبرها بكونها مطالب سهلة سيحققها لها ، إلى أن ذكرت القصر فرفض بأول الأمر ليحاول مهادنتها في المنتصف وعرض عليها مكان أخر يمنحه لها إلا انها أصرت وصممت ليرضخ في الأخير على أمل أن تعود معه فراوغته قليلا إلى أن بدأت في اجراءات هدم القصر فحط الخبر فوق رأسه كصدمة جباره زعزعت ثباته لتجده صبيح اليوم التالي بعد علمه بقرارها وبعدما فوجئ بوجود شركة البناء الحديثة التي رشحها لها هادي الغمرى والتي تعاقدت معها في صحن قصره صباحا لتهدم القصر فيجن وتثور ثورته وهو يقتحم عليها البيت الذي تمكث به ، جنون خبى تحت قدميها حينما واجهته واتهمته بخداعها فها هو لم يتغير ، بل أنه أتى ثائرا وسيلحق بها الأذى كما اعتادت منه عندما تفعل أي شيء يغضبه ، حينها حاول مراضاتها فتمنعت وتدللت ثم منحت واعطت لتجذب الحبل ثانية وهي تهمس إليه حينما أعلن اعتراضه على هدم قصر عائلته أنها ستبني قصر جديد يخصهم بمفردهم ، يكون عالم خاص بهم ، شعرت بحيرته فابتسمت وهمست بفحيح أنثوي : لا أقدر أن أعود إلى هناك يا زيد ، فأنا لا أستطيع النسيان ، لتدور من حوله وهي تلامس عرض كتفيه من الخلف قبل أن تهمس له - أريد أن أحيا معك بطبيعية أم أنك لا تريديني .
لن تنسى أبداً حركة تفاحة آدم خاصته وهو يسيطر على توقه الشديد لها ليجذبها إليه فيقبلها ويمتلك شفتيها وهم يهمهم : بل مت شوقًا لك .
تحملت قبلته بثبات وأجبرت نفسها على الابتسام حينما تركها لتهمس : حسنا وافق على الهدم ودع الشركة تقوم بعملها أنا اتفقت معهم على كل شيء فقط أريد منك مبلغ مالي لأعمال الهدم والبناء ، رمقها بعدم تصديق فاتبعت وهي تمط شفتيها بإغواء - اعتبرهم ارضاء لي واحتفالًا بعودتنا سويا.
أومأ برأسه موافقا ليسأل بخشونة : وأنت ستظلين هنا إلى أن يبنى القصر .
فضحكت بخفة لتجيبه بطبيعية : بل قررت السفر للساحل ، أريد أن استجم قليلا ، ثم رأيت إعلان لبيع شاليه هناك بمبلغ ضئيل فقررت أن أنظر في أمره
عبس بتعجب ليهتف على الفور : لدي شاليه هناك .
هزت كتفها : أنه يخصك يا زيد وأنا ..
أطبق فكيه ليتمتم بغضب بدأ يتسرب إليه : ماذا تريدين يا أسيل؟
بللت شفتيها لتهمس إليه : لا أريد أن أثقل عليك يا زيد .
حينها رمقها مليا قبل أن يهتف بتسلط : بل اثقلي كما تريدين فقط أريد أن أفهم ماذا تريدين بالضبط حتى تعودين إلي كزوجين ..
تمتمت بجدية : شاليه في الساحل يكون ملكي سأعود اليك فيه كزوجتك إلى أن يتم بناء القصر.
هدر بجدية : أوافق ، وسيارة خاصة أيضاً من عندي حتى تستطيعين الذهاب في أي مكان وأنت آمنة يا حبيبتي .
ابتسمت برقة وسعادتها تنضج بعينيها لتقترب منه تحتضنه وتقبل وجنته : حبيبي يا زيد .
أخرج إحدى بطاقات الائتمان بلونها المميز ليهتف : وهاك بطاقة مالية ، تسوقي كما تريدين فآخر هذا الأسبوع ستكونين معي .
رفعت رأسها بابتسامة لبقة : كما تريد يا حبيبي .
وبالفعل لقد عادت إليه وتحملته كزوج وكشريك حياة وهي تهمس لنفسها بأنها تفعل ذلك لأجل خلاصها منه ذات نهار تحلم بمشرقه كل يوم في منامها .
اقتربت من المهندس المسئول عن البناء لتتحدث معه في ثبات وابتسامة لبقة لتشكره على إنجازه للعمل في وقت قياسي قبل أن تسأله عن الديكورات الداخلية فيخبرها أن هناك شركة أخرى تخص أحد مهندسين المعمار سيهتمون بالديكور ، وأن لو انتظرت قليلا ستقابل مالك الشركة والمهندس المسئول عما تبقى من المنزل .
أومأت بتفهم وقررت أن تنتظر لتحاول أن تخطو إلى داخل البيت لتعبس بتعجب وهي تشعر بأمر ما يخص طفلها فرتبت على بطنها بخفة وهي تعبس بعدم فهم لتهتف سريعا وهي تشعر بحدسها يزداد فتتجه نحو السيارة من جديد : يا سعيد هيا بنا ، أريد الذهاب للمشفى حالًا .
***
يدور من حول نفسه ينظر للموقع المحدد أمامه على جهازه اللوحي ليرفع رأسه ثانية ينظر جيدا للغرفتين أمامه فيقف محتارًا بينهما أيًا من هما تكون المكتب الذي يقصده ليتقدم بأوراقه للالتحاق بالمنظمة التي يريد الانضمام إليها ، زم شفتيه بتفكير ليهم بالطرق على احدهما قبل أن ينتبه على صوت جاد من خلفه يهتف به في رزانة أنثوية : هل أستطيع خدمتك يا حضرة ؟
استدار على عقبيه لينظر للأسفل والدهشة تكسو ملامحه وهو يتطلع لهذه الفتاة السمراء أمامه بملامحها الجميلة الهادئة وخصلات شعرها الفحمي الغجري الذي يتكاثف حول وجهها المورد .. جسدها صغير القامة .. ضئيل قليلا ولكنها تعلن بانحناءتها الملفتة إلى انتمائها المصري العربي وبسمارها المتوهج إلى الأفرقة .
رفعت حاجبها بتعجب حينما أطال النظر لها ليكح بحرج قبل أن يهمس : المعذرة أتيت لإجراء مقابلة للالتحاق بالمنظمة.
ابتسمت بترحاب وسألته : مهتم أم أكاديمي ؟
ابتسم بخفة ليهتف بجدية وهو يمد كفه إليها مصافحا : مازن الجمال ، طبيب بيطري باعتبار ما سيكون .
أجابته و صافحته بعملية : تشرفت بمعرفتك ، نظر إليها متأملا بقية التعارف فضحكت برقة - ناجية زين العابدين .
ارتفاع طفيف في حاجبيه ليهمس بعفوية : عفوا .
ضحكت بخفة لتجيبه : نعم اسمي ناجية .
تمتم بابتسامة لطيفة : هل أخبرك أحدهم أنه اسم جميل ومعناه رائع ؟
ضحكت برقة : بل تنمروا علي كثيرا لأجله ، ولأجل اشياء كثيرة أيضاً ولكن لا أهتم ، اتسعت ابتسامته وهو يراقبها بعينيه فأكملت بجدية حينما اكتشفت أنها ثرثرت كثيرا - إجراء المقابلات ليس هنا ، أنه بالمبنى الأخر ،
عبس بتعجب فأكملت وهي تشير لأحد العاملين : من فضلك يا جمال ارشده لمكتب الدكتور راجي ستجده في استقبالك .
تمتم مازن بلباقة : أشكرك .
هزت كتفيها : لا شكرا على واجب ، سعدت بالتعرف عليك يا دكتور مازن .
اوما لها برأسه ليجيبها : أنا الأسعد يا ناجية هانم .
ابتسامة متعجبة ارتسمت على شفتيها وهي تراقب ابتعاده عنها لتهمهم بدهشة : هانم ، هذا اللفظ انتهى منذ زمن ، ضحكت بخفة لتكمل - من الواضح أنه هارب من الزمن الجميل بأناقته هذه وملامحه التي لا تليق بطبيب بيطري أو عضو فعال في المنظمة .
هزت كتفيها لتثرثر إلى نفسها وهي تتحرك في الاتجاه الأخر : ما لي به الآن راجي سيركله خارجا بمظهره هذا ، إنسان غريب أتى ينضم لمنظمة تعمل على حماية الحيوان في غابات أفريقيا وهو يرتدي ملابس ذات علامات تجارية عالمية .
***
تجلسان متجاورتان على أرائك بيضاء يتلقيان عناية كاملة في إحدى مراكز التجميل الفخمة يحتسيان العصير ويتحدثان وهما مستسلمتان لأيدي الفتيات الخبيرة من حولهما هتفت ملك : سعيدة أن موعد الزفاف أتى بعد أن أنهينا اختباراتنا لم أكن لاستمتع هكذا وأنا منشغلة بأمور الدراسة .
تمتمت آسيا التي تشعر بالارتخاء : نعم هذه السنة كانت عصيبة علينا جميعًا جيد أنها انتهت على خير .
ابتسمت ملك والتفت إليها سائلة بمكر : وما أخبارك يا عروس ؟! هل سنرى العريس في الزفاف بعد غد ؟!!
عبست آسيا باستنكار لتهتف بها : لست عروس لم أصبح بعد ، ونعم سترينه فقد وصل اليوم حتى يحضر الزفاف مع عائلته .
اعتدلت ملك تنظر إليها : كيف لست عروس ؟ ألم تتفقا بعدما اقتنعت ايني أخيرًا أن تتم خطبتكما هذه الصيفية على أن لا عرس سيتم إلا بعد تخرجك .
أومأت آسيا وهي تكمل : ولا عقد قران أيضاً ، ماما وافقت على خطبة مبدئية بعد إلحاح زياد .
عبست ملك مفكرة : إذًا لماذا تشعرين بأنك لست عروس ؟!
أجابت آسيا بعفوية : لأنها لازالت شيء مبدئي ليس أكثر من ذلك
مطت ملك شفتيها بتفكير لتسألها بوضوح : ألازلت لا تشعرين نحوه بأي مشاعر خاصة يا آسيا؟
تنفست آسيا بعمق لتجيبها بجدية : بل هناك شعور خاص به ، أنا سعيدة معه .. اهتمامه بي .. رعايته .. تفضيله لي وتخصيصه وقتًا لي بمفردي ، هو يشعر بي وبتبديل أحوالي وكل هذا جيد بل في الحقيقة رائع.
عبست لها ملك : إذًا ما المشكلة ؟
زمت آسيا شفتيها لتجيب بقنوط : كلما اهتم بي دللني أو اعتني بي أشعر بأني مقصرة في حقه يا ملك فأنا لا امنحه مثلما هو يعطيني ، بعض الأحيان اكره نفسي لأني لم أشعر بغضبه .. ألمه .. أو حزنه بينما هو يشعر بتبدلي حتى دون أن نتحدث .
تمتمت ملك بخفة : أنه يعشقك يا آسيا.
تنهدت آسيا بإحباط : أعلم وهذا يزيد المشكلة لا ينقصها ، يا ملك ،أنا ارتبط به لأنه مثاليا في كل شيء ، حتى في عشقي مثاليًا ، لذا تكمن المشكلة بي فأنا لست مثالية.
ابتسمت ملك لتدعمها بصدق : العشق لا يحتاج أن نكون مثاليين ، والحب لا يحتاج أن نكون كاملين ، المشاعر لا تقاس بالمسطرة ولا توزن بالكيلوجرام ولا تملك وحدة قياس من الأصل ، فهي جامحة .. قوية .. رائعة حينما تكون صادقة ، ومخيفة حينما تكون خادعة ، المشاعر نعمة .. والحب هبه .. والعشق فضيلة .. والهيام غاية لا يصل إليها الكثير ، لذا حينما تأتيك الفرصة لا تضيعينها في حسابات مشاعرك لن تأبه بها ، ولا تحبسين نفسك في قمقم من ذكريات ستفسد عليك حياتك انطلقي وعيشي يا اسيا واستمتعتي بحياتك مع من يعشقك فليس كل الناس ينعم الله عليهم بفضل أن يعشقهم أحدهم .
همهمت اسيا بانبهار : واو يا ملك ، هذا كان عميقا أكثر مما ينبغي ، ضحكت ملك بخفة فاتبعت آسيا بمشاغبة - من الواضح أن تأثير ابن خالتي العبقري عليك كبيرًا.
همهمت ملك بضجر : توقفي يا آسيا أنت تعلمين جيدا أنني وعادل مجرد أصدقاء ، بل بالحقيقية هو يتعامل معي مثلك ومثل يمنى ليس أكثر .
اتسعت ابتسامة اسيا لتهتف : بالطبع أعلم ولكن لأكون صريحة أنا أتمنى أن تتحول الصداقة بينكما لشيء أخر فأنتما متناغمان بشكل يثير غيرة المدعوة خطيبته.
التفتت ملك بذهول لتضحك بخفة غير مصدقة : حقا ؟! لارا تشعر بالغيرة مني
تمتمت آسيا بضيق : بغض النظر أني لا أقبلها وانها ليست خطيبته للان رسميا وأنها تشعر بالغيرة من الجميع حتى خالتي ليلى إلا أني شعرت بها غير مرحبة بأمر صداقتك منه.
نظرت إليها ملك باستهجان لتسأل بجدية : وما رأي عادل ؟!
اتسعت ابتسامة آسيا لتلمع عيناها بمكر أنثوي قبل أن تقترب من ملك بخفة وتهمس : أنا أشعر بأن عادل لا يأبه لأمرها على الإطلاق فهو يفعل ما يحلو له دون التفكير بها .
ابتسمت ملك وأخفضت نظرها لتؤثر الصمت والتفكير يكسو ملامحها لتنتبه على سؤال آسيا المهتم : بالمناسبة يا ملك هل دعا علي مي للزفاف ؟
لوت ملك شفتيها لتجيبها : أينعم فعل بدعوة مؤطرة تخصه رغم أني وأدهم أخبرناه أن لا يفعل فوالدها سيدعوه عمو أحمد للزفاف إلا أنه تعمد أن يدعوها ويضع ماما أمام الأمر الواقع كما يبدو .
شهقت آسيا بصدمة لتهتف سريعا : وماذا فعلت والدتك ؟!
زمت ملك شفتيها لتنطق بحنق : منذ أسبوع ونحن نحيا في الجحيم حرفيًا بسبب حرب ماما وعلي الباردة ، تنهدت بقوة لتثرثر - هو يتمرد بشكل واضح حتى بابا لا يستطع التفاهم معه وهي تتجاهله بشكل مريب مع توتر يسود الأجواء وأنا كنت هاربة في قصر الجمال بسبب اختباراتي ومرتاحة من صراعهما غير المُجدي ولكن حان وقت الرجوع للأسف .
لوت آسيا شفتيها بضيق لتهمهم بعد وهلة بمرح : وكيف أحوال the love birds in the palace؟!
توردت ملك رغمًا عنها لتهمهم بضحكة خافتة : رائعين أخر مرة أمسكت بهما في المطبخ الخارجي ، ولكني غضبت من نفسي لأني أحرجت عاصم أما نوران لا تهتم فهي تزعق بي وتخبرني أن اختفي ليكملا ما بدآه ،
تعالت ضحكاتهما سويا لتهتف آسيا برقة : أنت naughtyيا فتاة ؟!
أومأت برأسها وهتفت ببساطة : أنا أعرف .
ضحكت آسيا ليرن هاتفها فتنظر إليه قليلا قبل أن تهمس بابتسامة حاولت أن تكون مرحة : أنه زياد أعتقد أنه وصل ، أتبعت وهي تنهض لتبتعد عن ملك - سأجيبه بعد إذنك
أومأت ملك بتفهم قبل أن تستل هاتفها بدورها لتراسله بهدوء ومرح تحاول أن تضفيه عليه هذه الأيام فهو حزين لأجل زواج شقيقته رغم أنه لا يصرح بذلك فطبعت إليه : كيف حالك اليوم يا أبية ؟! أتمنى أن تكون بخير.
***
يدور من حول نفسه بجواره سليم المدعو للغذاء عند والده اليوم ويساعده في ترتيب الحديقة لحنة شقيقته ، بل ليس سليم بمفرده من يساعد ، فالجميع هنا لأجل زواج ابنة الأمير ، الجميع فرح وزغاريد كريمة لا تتوقف منذ الصبح ، منذ استيقاظ العروس التي ستترك البيت وترحل عنه ، الأميرة التي ستذهب لبيت جديد وتنشأ عائلة جديدة وتأسس عالم يخصها بمفردها بعيدا عنهم. اختنق حلقه بضيق ازداد وهو ينظر إلى الزينة من حوله هو من كان يظن أن غياب أسعد يؤثر به لم يكن يدرك أن غيابها هي سيؤلمه بهذه الطريقة ، وأن فراق شقيقته أصعب كثير من غياب تؤامه عنه .
تنفس بعمق ليرن هاتفه برساله قادمه فيخرجه من جيب بنطلونه ليبتسم بخفة وهو ينظر إلى رسالتها يتعجب من إدراكها لضيقه رغم أنه لم يصرح به ولكنها تعلم وتحاول أن تهون عليه وتشاكسه لتفرح قلبه الموجوع لزواج أخته.
أجابها بكلمات منمقة لبقة ليسألها بخفة : هل انتهيت من الدلال والاستجمام يا أرنبة ؟
ضحك بخفة وهو يقرا ردها الذي أتى سريعًا : بالطبع لا ، لازال اليوم في أوله يا أبية ولازلت احتسي العصير ، حينما انتهى سآتي على الفور
عبس بعدم فهم ليردد : تأتي على الفور ، إلى أين ؟!
أجابته بتعجب برسالة صوتيه تميل اليها حينما تريد الثرثرة : عندكم أنها ليلة الحناء وجميعنا سنحضر عندكم ، الخالة ليلى أصرت أن الحناء تخص العائلتين وعليه الخالة ياسمين لم تحضر ليلة حناء لعمار ولكن علمت أنكم تحضرون ليلة خاصة لعمار بك سيكون الشباب مجتمعين بها.
ضحك بخفة ليجيبها صوتيًا بدوره : حقا لا أعلم يا ملك فأنا لست مشاركًا في الأمور الخاصة بعمار ، فأنا أتحاشى مقابلته هذه الأيام حتى لا الكمه في وجهه .
كانت إجابتها انيمي ساقطًا أرضا من الضحك قبل أن ترسل إليه رسالة صوتيه قصيرة : أعتذر يا عادل سأذهب الآن ، أراك ليلا .
أرسل إليها ابهام كبير يشير لموافقته قبل أن يعاود العمل بالحديقة لينتبه على صوت سليم الذي سأله بجدية : هل هذا صوت ملك ؟
استدار إليه سريعا لينظر إليه مليا قبل أن يجيبه بجدية : عفوا يا سليم لم استمع إلى سؤالك
رمقه سليم مليا قبل أن ك يبتسم ابتسامة قصيرة مهمهما : لا شيء لا تشغل رأسك يا رفيق .
أومأ عادل براسه متفهما قبل أن يسأله : أخبرني عن أحوالك ، لم نلتقي منذ فترة .
تنهد سليم : أنا بخير ، الأعمال بخير والحياة جيدة ، وأنا مرتاح والحمد لله
تمتم عادل : الحمد لله ، سعيد لأجلك يا سليم ،
زفر سليم بقوة : وأنت ؟
ثرثر عادل بطبيعة : بخير والحمد لله ، فقط أحاول أن أقنع عمتك ان تتقبل لارا وأحاول أن انتهى من رسالتي وخاصة أن مشروعي القائم قارب على الانتهاء
زفر سليم بقوة ليهمهم : وفقك الله يا عادل ، ولكن الرفض يبدو كتقليد في العائلة ، فزوجة خالك وحبيبة لا تقبلان جيجي والأخيرة لا تقبل بعدم قبولهما لها وأنا أدور في حلقة مفرغة من محاولة إرضاء الجميع.
ضحك عادل بخفة ليهتف به : أترك الأمور بينهما ولا تتدخل نهائيا ، وانظر للأمور جيدا من الطرفين يا سليم ، إذ كانت خالتي سوزي ليست راضية عنها لأسباب كثيرة تخصها فحبيبة ليست الفتاة التي تسعى لإثارة ضيق أحدهم وأنت الأدري بشقيقتك.
عبس سليم مفكرا ليهمهم بتبرير شعر أنه أحمق حينما أدلى به : ولكنها حامل وأنت تدرك جنون الهرمونات و .. التفت عادل إليه يرمقه بعبوس طفيف فاكمل سليم - حقا أنا لا أرى سببا لما يجري بينها وبين حبيبة ولا أفهم سبب جنون الذي ينتابها حينما ترى جيجي فينقلب وجهها تلقائيا.
ارتفعا حاجبي عادل بتعجب ليهتف برزانة : من المؤكد أن هناك سببا يا سليم ، أسأل حبيبة .
لوى سليم شفتيه وهم بالحديث قبل أن يصدح صوت عمر بالتحية فيشيرا إليه بترحاب ليستقبلاه في حديث ودود أنهاه عمر حينما هتف بجدية : أتيت لأخبر سليم أن الغذاء معد ونحن ننتظره .
هتف سليم : لقد انتهيت بالفعل ، أتبع سليم بترحيب - شاركنا يا عادل .
ضحك عادل ليهتف بخفة : لا كنت سأتركك لأذهب لآتي بيمنى من مركز التجميل .
تمتم عمر : مبارك الزفاف والعقبى لك .
تمتم عادل وهو يشير اليهما بالوداع : شكرا لك يا عمر .
راقبهما ينصرفان ليتابعهما بعينيه وهو يفكر في الآخرى التي لا تتقبلها والدته ولا شقيقته بدورها ليتساءل هل سيأتي عليه اليوم يسوق إليها المبررات - كما فعل سليم الآن - أمام عائلته، عبس بنفور والفكرة تضايقه ليشعر بالضيق يضغط أكثر على مشاعره .. روحه .. وعقله الذي يرفض كل شيء يحدث من حوله .
***
وقفت تنظر إلى الطواجن الموضوعة فوق طاولة المطبخ تمط شفتيها بعدم رضا واضح قبل أن تهتف وهي تنظر بضيق للطعام الذي أعدته حماتها : أين الكفتة النباتية التي أرسلت وصفتها لسليم يا انطي ، ألم تعديها ؟ رفعت سوزان وجهها بدهشة لتتابع أنجي بابتسامة فاترة - لقد أخبرت سليم عنها وأرسلت له وصفتها كي يرسلها لك حتى تعدينها مع بقية الأصناف فأنا لن أستطيع أن أكل اي شيء من هذه الأشياء .
اكفهر وجه سوزان لتهمس من بين أسنانها : لماذا يا حبيبتي ؟
ابتسمت جيجي برقة لتهمس : لأني لن أكل اللحوم أو الدجاج أو حتى طواجن الخضار المطهوة بهذه الطريقة الثقيلة على معدتي .
رفعت سوزان حاجبيها لتهمس ساخرة : هل أصبحت نباتيه ؟
ألقت الوصف بلغة فرنسية أنيقة لتبتسم بلا مبالاة : بل إنه نظام غذائي لمدة معينة أتخلص فيه من التراكمات التي تحدث نتيجة أكل اللحوم ومشتقاتها.
هزت سوزان رأسها بتفهم لتجيبها بابتسامة لبقة : للأسف سليم لم يرسل لي الوصفة ولكن لدي خضراوات طازجة مزروعة بطريقة عضوية أيضاً ، تقدرين أن تعدي لك ما تشائين وتأكلينه بالهناء والشفاء
أطبقت أنجي شفتيها لتهمس وهي ترفع رأسها بعنفوان : أنا لا اطبخ ، التفت سوزان تنظر لها بطرف عينها بينما أكملت ببساطة - لا أستطيع إعداد الطعام .
ابتسمت سوزان واستدارت إليها تواجهها بقامتها القصيرة وجسدها الضئيل والذي لازال محتفظا برونقه كما هو لتجيبها ببساطة : أعلم أنك لا تستطيعن إعداد الطعام لذا أنا اطهو أسبوعيا وأدعو ولدي ليأكل كل ما تطيب له نفسه ويحبه كل ما تهفو إليه روحه والذي لا يجده ببيته.
تصلبت ملامح انجي والغضب يطل من عينيها لتجيب بابتسامة مصطنعة : من أخبرك أنه لا يجده ببيته ، لدينا طباخ يصنع لسليم كل ما يرغب فيه ونفسه تهفه إليه .
رفعت سوزان نظرها إليها وابتسامة أنثوية ماكرة تظلل عيناها لتهمس بلهجة رائقة : صدقيني يا ابنتي ، مهما أعد إليه الطباخ ومهما تناول الطعام في الخارج ومهما كان شهيا الرجل يريد من امرأته أن تعد له الطعام .. أن تقف بالمطبخ وترهق نفسها لأجل أن تطبخ له وجبه ساخنة مهما كانت بساطتها لتسعده بها وعندما يأكلها لا تستقر بمعدته بل بقلبه فيشعر بالتخمة والسكينة معًا ، لذا يظل الرجل يحب والدته على مر الزمان مهما كانت صفاتها لأنها من كانت تطعمه وتتخم معدته وقلبه معًا .
اختنق حلقها بكره وهي تشعر بالغضب يزداد بأوردتها فتسيطر عليه مرغمة وسوزان تكمل : ولذا أيضاً يظل الولد يحب أمه وطعامها وتظل أمه هي حبيبته الأولى مهما أحب زوجته ومهما أخلص لها لكنه لا يضعها أبدًا بمرتبة الأم . فالأم يا بنتي لها مكانة خاصة جدا في قلوب ابنائها، اتبعت وهي تلتفت إليها من فوق كتفها - حينما تجربين ستدركين ما أتحدث عنه .
انتفض جسد جيجي بانفعال واضح لتكمل سوزان بهدوء وهي تستدير إليها : واليوم بم أنك لا تستطيعين إعداد الطعام وأنا أنهيت الطعام بأكمله وموعد الغذاء حان لأن حبيبة ستصل الان ، لقد أعددت السلطة الخضراء أعتقد أنها تماثل نظامك الصحي.
رفت أنجي بعينيها وصوتها يختنق لتتهلل عينا سوزان بفرحة حقيقية غمرتها عندما التقطت وجود حبيبة الواقفة بالخارج بملامح مبهوتة من الصدمة وكأنها استمعت إلى الحوار بأكمله فتهتف سوزان بترحاب لم تشعرها به يوما : حبيبة أمها تعالي يا ابنتي اجلسي ما بالك شاحبة هكذا ؟!!
أجبرت حبيبة نفسها على الابتسام لتهمس باختناق : أشعر بأني متعبة قليلا ،
اجلستها سوزان باهتمام فتبرز بطنها المنتفخ أمامها وهي تومئ برأسها لأنجي في تحية مقتضبة لتجيب سوزان التي تسألها عن حالها باهتمام : أنا بخير ولكن أشعر بثقل في بطني وقدمي تؤلماني اليوم .
رمقتها أنجي مليا لتسألها برقة شعرت حبيبة بكونها متعمدة : أين عمر عنك ؟ لا أصدق أنه تركك بمفردك وأنت متعبة .
أطبقت حبيبة فكيها لتجيبها ببرود : بل ذهب ليأتي بسليم حينما رآه من حديقة عمتو ليلى وخاصة أن ماما راسلتني وأخبرتني أنكم تنتظرونني .
ابتسمت جيجي باستخفاف : اها هكذا ، فعمر لا يتركك أبدا ، خائف على ولي عهده دوما .
ألقتها وعيناها تنحدر رغمًا عنها لبطن حبيبة المنتفخ فتمتمت حبيبة بوجل وهي تفرد كفاها فوق بطنها بشعور غريزي : العقبي لك .
ابتسمت أنجي ابتسامة باهته قبل أن تهتف بمرح مفتعل : حسنا سأذهب للشباب لنتناقش بالأعمال ، إلى أن يوضع الغذاء .
اكفهر وجه حبيبة وغضبها يزأر فهمت بأن تجيبها لتصمت حينما ضغطت سوزان على مرفقها وتشير إليها بعينيها رافضة لتهمس إليها : اتركيها تذهب ولا تفتعلي معها مشاجرة اليوم ، فهذا ما تريده حتى تجبر سليم على الانصراف باكرا وتمنعه من حضور حنة يمنى .
تمتمت حبيبة بانفعال : سليم لن يفعل يا مّامّا اتركيني أخبره بكل ما تفعله هي وصدقيني سليم لن يخذلنا أبدا بل سيجبرها أن تلتزم بحدودها .
ابتسمت سوزان بقلة حيلة : لقد خذلنا حينما تزوجها يا حبيبة ، أخوك لن يهدم بيته لأجل اشياء فارغة ابني أنا أدرى به ، ولكنه سيلجئ للحل الأمثل ، أن لا يأتي بها.
تمتمت حبيبة برفض : يكون أفضل هي لا تحبذ زيارتنا ونحن لا نحبذ وجودها .
ابتسمت سوزان ورتبت على كتفها : الآن سيمر الأمر هكذا وسيأتي بمفرده ويمكث معنا كما يحلو له ولكن أخبريني عندما يرزقه الله بأطفال ماذا سيكون الحل ؟! اهتزت حدقتي حبيبة بحيرة فاتبعت سوزان بلهجة قاطعة - أنا لن أحرم نفسي من رؤية أحفادي يا حبيبة ، أولاد ابني الوحيد الذي لم يرزقني الله بغيره ، لذا سأتحمل والدتهم بكل عيوبها لأجل ابني وأبناءه من بعده
***


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس