عرض مشاركة واحدة
قديم 26-09-20, 06:46 PM   #458

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

يجلس بغرفة المعيشة يحتسي القهوة التي أعدها له سليم فحماته مختفية من بعد الغذاء وحبيبة ضائقة دون أن يفهم السبب وهاك هي مقبلة عليه تمتص الليمون كعادتها مؤخرا ، رمقها بعتاب وهي تلوك النصف ليمونه بفمها لتبعد نظرها عنه دون اهتمام فيبتسم سليم ويهمس بخفوت : ما بالها بيبة ؟!
أخفض عمر عينيه ليهمس من بين أسنانه : تتوحم على الليمون ورغم أن شهور وحامها انتهت إلا أنها مستمرة في أكل الليمون بطريقة غريبة وكأنها تقصد اغاظتي.
رفع سليم حاجباه ليسأله : لماذا تتعمد اغاظتك ؟!
أطبق عمر فكيه ونطق بضجر : أنا لا أحب الليمون ولا أطيق رائحته والبيت وهي وكل ما يحيطها أصبح فجأة برائحة الليمون .
كتم سليم ضحكته بصعوبة وهو ينظر لوجع عمر المكفهر بضيق فيجيبه برزانة : تعلم أنه رغم عنها .
تنفس عمر بقوة وهمس بعفوية وهو يعود بجسده للخلف يتكأ على الأريكة : أعلم ولكن نولا وسوزي أخبراني أن الوحام ينتهى بعد الشهر الثالث ونحن الآن بأول الخامس والعادة تصاحبها وأنا لا أفهم هذه العادة الغريبة .
ربت سليم على ركبته القريبة بدعم ليهتف به وعيناه تتعلق بجسد شقيقته الصغير الذي أصبح ممتلئ قليلا وبطنها المنتفخ والظاهر من فستانها الصيفي الخفيف : سلمها الله وبإذن الله تقم لنا بألف سلامة ويرزقك الله بمولود جميل يقر عينك به
تمتم عمر وعيناه تغيم بعاطفة قوية حينما تعلقتا بحبيبة التي عادت إلى جلستهما : اللهم أمين يارب ، أتبع وهو يلتفت لسليم - العقبى لك بإذن الله .
هتف سليم بمرح وهو يستقبل أنجي التي دلفت للغرفة للتو فيشير إليها لتجلس بجواره فاستجابت على الفور بحركة خفيفة سريعة وهي بجوار حبيبة التي تتحرك ببطء عن المعتاد لتعبس حبيبة بضيق وهي تنظر نحوها وصوت شقيقها يغرد بسعادة : بإذن الله ، وخاصة بعدما انتهت الثلاث أشهر فأنا وأنجي كنا قررنا أن نؤجل الإنجاب قليلا ولكن أنا الآن لا أرى سببًا للتأجيل .
جلست حبيبة بعيدا عن عمر في تصرف دائم منها تتبعه في بيت أسرتها حتى لا تثير حفيظة أبيها لتسأل بعبوس : تأجيل الإنجاب لم تخبرنا من قبل يا سليم .
التفت إليها عمر يرمقها بتحذير فأشاحت بعينيها تنظر باهتمام إلى شقيقها الذي هتف بلا مبالاة : لم تأتي فرصة فقط ليس أكثر .
مطت حبيبة شفتيها دون رضا لتبتسم أنجي بخفة وهي تقترب بجسدها من الطاولة الخشبية الموضوعة بمنتصف الغرفة فتلتقط طبق خزفي تضع به عنقود من العنب وتلتقط تفاحة حمراء لتبدأ يتناول العنب برقة قبل أن تجيب بهدوء : أحببنا أن نستمتع بحياتنا أكثر في أول الزواج بدلًا من تعب الحمل والوحام وكل الأشياء المقززة التي تعيق الأزواج عن الاستمتاع بحياتهم.
شحب وجه حبيبة تدريجيا لتتسع عينا عمر بصدمة بينما جمدت ملامح سليم الذي التفت إليها ببطء ليبتسم من بين أسنانه وهو يتحدث بجدية : أعتقد أنه انتهى وقت الاستمتاع يا حبيبتي، وعلينا الآن نستعد لفقرة لوقت التقزز بحياتنا.
ابتسمت أنجي باضطراب لتهمهم بضحكة خافتة : كما تريد يا حبيبي ، أنت بالآخر من ستعاني معي .
انتفضت حبيبة واقفة لتهمس بجدية والغضب يعلو ملامحها : بعد إذنكم ،
رمقها عمر ليسأل باهتمام : إلى أين ؟!
تمتمت حبيبة من بين أسنانها : سأذهب لغرفتي فهناك رائحة عطرية أنثوية من النوع المسكر تثير غثياني والليمون لم يعد بفائدته المرجوة ، أكملت وهي تنظر لها من بين رموشها - أخاف أن استفرغ أمامكم وأثير قرفكم ..
تصلبت ملامح أنجي لترمق حبيبة بضيق واضح فترفع حبيبة رأسها بتحدي واضح قبل أن تتحدث بهدوء : أعتقد أن عليك تغيير عطرك يا أنجي حين تجمعنا فأنا بحالتي الخاصة ومعاناتي لا نتحمله .
التفت إليها سليم معاتبا لترفع حاجبها بغضب يعلم أنه نادرا الظهور بينما هتف عمر بهدوء : حبيبة .
فتجيب ببساطة : ماذا ؟! أنا أشركها في معاناتي البسيطة التي وفرتها على نفسها حينما أجلت الإنجاب ، أكملت بهدوء - نصيحة مني يا شقيق إذ لم تكونا مؤهلان للمعاناة لا تأتيا بها .
ألقتها لتخطو إلى الخارج بخطوات بطيئة إلى حد ما ولكنها غاضبة بينما نظر عمر بأثرها في صدمة تبخرت حينما استمع إلى نحيب صامت فالتفت سريعا نحو أنجي التي بدأت في بكاء انهمر من عينيها فتهتز حدقتي سليم الذي أولاها اهتمامه كاملا وهي تهمهم بصوت منخفض : أنها تكرهني يا سليم أريد الرحيل من فضلك
اضطربت ملامح عمر وهو لا يعلم ما الذي عليه فعله وخاصة حينما ضمها سليم إلى صدره وبدأ بمراضاتها ناسيًا كل شيء سوى بكائها فنهض عمر واقفا ليغادر الغرفة خلف زوجته دون أن يتحدث فيغلق الباب خلفه يمنحهما خصوصية يحتاجانها على ما يبدو وهو يتبع زوجته إلى غرفتها والذي دلفها على الفور ليتنفس بعمق عندما وجدها تقطع الغرفة في خطوات غاضبة ، وهي تزفر بغضب تضع كفها في خصرها من الخلف وتنفخ بقوة فيغلق الباب خلفه هامسا بجدية : حبيبة .
صاحت بضيق وكأنه جذب فتيل اشتعالها : لا تلومني يا عمر هي من بدأت .
أغمض عينيه وزفر بقوة ليهمهم : وأنت كأنك كنت منتظرة أن تضايقك لتنفجري بها .
هدرت بجنون : أنها تتعمد مضايقتي يا عمر وتتعمد التحدث عن أمر الحمل بقرف وتقزز ، ألم تلاحظ ذلك ؟!
أتبعت بغضب وصوتها يعلو رغمًا عنها : أتعلم أن ماما طلبت منها أكثر من ثلاث مرات أن تكف عن وضع هذا العطر لأنه يثير غثياني ورغم ذلك اليوم بعد الغذاء تعمدت أن تقف بصالة البيت وترشه ، لقد كدت أن استفرغ الغذاء كاملا لولا أن ماما منحتني الليمون والذي أعلم جيدا أنه يضايقك ولكني لم أكن سأغامر بان استفرغ غذائي الذي للتو أنهيته وأنت تعلم أني لا آكل كثيرًا.
عبس بضيق ليهمس : حسنا اهدأي لأجلي .
طفرت عيناها بالدموع لتهمس ببكاء بدأ ينساب من جانبي عينيها : وبالأخير تتحدث عني أني مقززة ، أنها هي المقززة .
لانت ملامحه بحنان يفيض لأجلها ليتحرك نحوها يجذبها من ساعديها إليه ليضمها إلى صدره هامسا بخفوت : بل مائة مقززة ولا تغضبي أنت يا بطتي يا حياتي و سكرتي التي تحلي أيامي فلا تشغلي رأسك بها ..
تمسكت باحتضانه لها في قوة تدفن وجهها في عرض صدره وتبكي بخفوت ليهمس مراضيًا : توقفي يا حبيبتي لا تبكي أرجوك ، نهنهت فأكمل بمشاكسة - حبيبة لن استطع تقبيلك أرجوك توقفي عن البكاء
عبست ودموعها تتراجع لتبتعد عنه قليلا تنظر إليه بضيق فهمس بسرعة ضاحكا : لا أقصد فقط تعلمين الليمون فأنا لست على وفاق معه.
احتقن وجهها بحمرة قانية والدموع تتجمع بعينيها لتهمس بصوت مختنق : أريد أن أعود للبيت .
ضمها إلى صدره ثانية ليربت على صدرها : تعلمين أننا لن نستطيع فاليوم ليلة الحناء الخاصة بابنة عمتك لا أعتقد أنك ستتركين يمنى أو تغضبين عمتك أو أبيك لأجل شجار تافه مع زوجة شقيقك ، ثم إذا غادرت الآن سيكون انسحاب يا بيبة ، أنه بيت والدك وهذا الجالس بالخارج أخيك لن تقاطيعهما لأجل خلاف بينك وبينها .
شمخت بأنفها : سليم لم يدافع عني يا عمر .
رمقها بعتاب : بل فعل ورغم أنه فعل أنت أخذت حقك أيضًا ولم تهتمي بمشاعره أو موقفه
تمتمت بضجر : لأنها تتعمد استفزازي .
همس بجدية : سليم لا يعلم يا حبيبة ، لمعت عيناها بغضب فأكمل - وإياك وأن تخبريه ، كل ما عليك أن تتوقفي عن الاحتكاك بها ، وأن لا تتجاوزي معها أمام سليم ، سليم يقدرك يا حبيبة ولا يقوى على الاستغناء عنك فلا تدفعيه أنت بعيدا أو تسمحي لها بأن تبعدك عنه
أشاحت بوجهها بعيدًا وهمت بالحديث لتصمت على أثر دقات الباب التي تصاعدت بمرح تشي بوجود شقيقها أمام باب غرفتها فتبتسم رغمًا عنها ليشير إليها عمر برأسه بمعنى أرأيت قبل أن يتحرك ليفتح الباب فيطل سليم بمرح هاتفًا : هل أمسكت بك يا ابن الخواجة ؟
ضحك عمر وهم بإجابته لينطق سليم سريعا وهو يتحرك نحو حبيبة : أنت تبكين يا حبيبة ، أنا آسف يا حبيبتي ، لا تبكين أرجوك فها قد أتيت لاعتذر منك .
***
تقف خارج الغرفة لا تعلم لماذا اتبعته وهي تدرك في قرار نفسها أنه سيذهب لمراضاة شقيقته بعدما هدأها وقبل رأسها وسيطر على دموعها التي كانت حقيقية وليس لأنها غاضبة لأجل حديث حبيبة الفارغ بل لأنها تبغض نقص شعورها بكل ما تحدثت عنه حبيبه ، حبيبة التي تجلس بحضن شقيقها فيدللها وكأنها طفلته ويشاكسها وهو يتحدث معها عن طفلها فتجد نفسها تنظر لبطن الآخرى المنتفخ وتتمنى أن تحصل على انتفاخ مثله .. انتفاخ لن تحظى به أبدًا !!
انتفضت من نظراتها على حبيبة التي على ما يبدو شعرت بها فرفعت نظرها نحوها فتتواجها ليشحب وجه حبيبة على الفور وتفرد كفاها برد فعل غريزي على بطنها وكأنها تحميه من نظراتها !!
أسبلت جفناها لترفعهما من جديد بنظرة مغايرة وترسم ابتسامة زائفة فوق شفتاها وهي تقترب من الباب تدقه برقة مفتعلة وهي تهتف بمرح : هل أستطيع الدخول ؟! أتيت لأنهي الخلاف يا حبيبة فأنا مقدرة ظروفك الآن وأعلم أن وضعك العاطفي غير مستقر فأتيت لنتصافى.
اكفهر وجه حبيبة وهي تشعر بإهانتها المقصودة لها ليرمقها عمر بنظراته يحذرها ألا تندفع بغضب فتبتسم حبيبة رغما عنها وتهمس بخفوت : لا عليك يا أنجي ، أنا لست غاضبة ، أكملت بهمهمة جادة – يكفيني أن سليم أتى بنفسه ليراضيني .
رمقتها أنجي من بين رموشها لتهمس بخفوت وهي تبتسم برقة زائفة : بالطبع ، سعيدة أنك لست غاضبة ، حسنا سأذهب أنا لارتاح قليلا قبيل أن نذهب لليلة الحناء .
القت حديثها وهي تتجه للباب ثانية فعم الصمت عليهم جميعا لتتوقف هي متبعة – لن تأتي يا سليم .
تشنج جسد حبيبة بداخل صدره انبأه أن الأمر أكبر مما يظن ، فربت على ظهر شقيقته بحنان أراح قلب حبيبة فابتسمت وهي تتمسك به أكثر فيهتف بعفوية : سأتي ولكني سأجلس مع بيبا قليلا .
ابتسمت أنجي وغادرت وهي تصر على أسنانها بقوة تشعر بالنفور يزداد داخل أوردتها وخاصة حينما التقطت احتضانه الحاني لشقيقته التي تمسكت به وكأنه أخر ما تبقى لها في عالمها فتشعر بالنقص يحتل روحها أكثر فأكثر فتقرر أنها لن تكن أبدا خاسرة !!
***
يجلس على طاولة بجانب مقهي فخم معتاد على الجلوس به مع أبيه الذي أصر على مقابلته خارجا بعيدا عن اجواء البيت متعللا بأنهما لم يتحدثان منذ عودته نهائيا من الخارج ، تنهد بقوة وهو يقر بأنه فرح أخيرًا لعودته إلى وطنه بعد سنوات من الدراسة خارجا ولكنه بفضل الله انهاها ، بل إنه أنهى كل شيء يخصه بالخارج ، وخاصة بعد هذه المقابلة التي اعادته لقواعده سالمًا دون خسائر كانت ستكون جسيمة لولا اتزانه المشهود له منذ صغره . رف بعينيه وهو يتذكر ذاك اليوم الذي كان بعمله فعبس بتعجب وهو يستمع إلى اسمه ينادى بجهاز الاستدعاء بعدما أنهى وقت مناوبته ليذهب إلى استقبال الطابق يسأل عن سبب استدعاءه فتجيبه المساعدة بأن هناك سيدة تريد رؤيته ، التفت نحو من أشارت بتعجب لتنفرج ملامحه بذهول وهو ينظر إلى من وقفت أمامه بطولها الفارع وخصلاتها الحمراء وابتسامتها اللبقة تقترب منه برقي وتهتف له بتحية رسمية أثارت ريبته ليرحب بها برزانه وعيناه تومض بتساؤل عن سبب قدومها إليه فأجابته برقة : هلا سمحت لي أن أدعوك على قدح من القهوة ؟
ضيق عيناه قليلا ليهتف بلباقة : أنه شرف لي يا سيدتي ، ولكن سأدعوك أنا من فضلك .
اتسعت ابتسامتها لتهمهم بفخر : أنت تشبه أبيك بالفعل
اهتزت حدقتيه بتوتر قبل أن يهتف وهو يشير إليها أن تسير معه : من الواضح أن حضرتك تعرفين بابا جيدا .
أسبلت فحينها لتجيب بخفوت : بل أكثر من جيدا
كسى الذهول وجهه ليقودها إلى طاولة بعيدة نسبيا في مقهى المشفى الذي يعمل به قبل أن يذهب ليأتي بقدحين من القهوة يمنحها أحدهم : تفضلي يا دكتور .
هتفت بعربية شعر بأنها مقصودة في حديثها حتى لا يعلم المتواجدين حولهما فحوى الحديث : سلمت يداك .

جلس أمامها مواجها إليها لترتشف القهوة ببطء قبل أن تسأله بهدوء : كيف حالك مع كارما ؟ شحبت ملامحه تدريجيا ليعود بجسده للخلف مؤثرًا الصمت فاتبعت هي بهدوء متعمد - ابنتي تخبرني بكل شيء يا محمد .
شعر بحلقه يختنق ليجيب سريعا : وما هو كل شيء ، ما بيني وبين كارما بضع أحاديث يدركها زياد جيدا ، أحاديث عادية وطبيعية بين أي صديقين وأنا لم ولن أتجاوز قط بالحديث مع كارما .
هتفت بسرعة : بالطبع يا بني أنت موثوق بك وأخلاقك لا غبار عليها وأنت نعم الصديق لابنتي والأخ أيضاً ، ولكني فقط فكرت أن .. صمتت قليلا فضيق عينيه بترقب لتكمل - فكرت أن أخبرك بعض الأشياء قبل أن تتطور هذه الصداقة لشيء أكبر لا نستطيع احتواءه وخاصة مع ميلك الذي شعرته نحوها وميل ابنتي لك .
سحبت نفسا عميقا واتبعت : أنا بالأول والأخير أم أدرك جيدا ابنتي ومشاعرها وحينما تميل لشخص ما أستطيع الشعور بها وكارما تميل إليك يا دكتور محمد .
حينها رف بعينيه كثيرا ليشد جسده ويهتف باتزان : على ما اعتقد أن حضرتك لا ترضين عن ذاك الميل ولا الصداقة .
ابتسمت برقة وهتفت : أنت فخر لأي عائلة .. سواء صداقتك لولدها او مصاهرتك لهم ولكن .. صمتت فانتظر بصبر إلى أن أكملت - لا أعتقد أن عائلتك ستوافق على أن تقترب .. تتعلق أو تتزوج من ابنة طليقة أبوك .
حينها صدم .. ذهل .. وتيبس عقله وهي تشرح له الصلة الغريبة التي كانت تجمعها بابيه وتلك الفترة التي لا يعلم عنها شيئا من علاقة والديه ولا يحق له أن يعلمها ، لا ينكر أنه كان منجذبًا للفتاة وبشدة ولكنه انجذاب ، حلله عقله على أنه انجذاب إلى كل ما هو جديد في عالمه المختلف عما المعتاد ، فحينما كان يشعر بأنه يتخطى شعور الإعجاب أو الانجذاب كان عقله يعيده للمنطقة الآمنة ثانية وهو يذكره أن من مثل كارما لا تناسبه ، ليس بأسلوب حياتها فقط ، بل في كل شيء إن اختلاف الثقافات بينهما جليًا واضحًا ، ليأتي تصريح والدتها بأن حتى لو قبلت عائلته هي لن تقبل أن تؤذي زوجها وحبيبها هكذا بذكرى من ماضي انتهى بالنسبة لها فيعيده وجوده أمامه من جديد ليحترم رغبتها ويبتعد نهائيًا وخاصة بعد تلك الليلة التي شاهد كارما وهي ترقص مباشرة في إحدى العروض التي تعمل بها بعدما دعته إليها
كان يعلم أنها راقصة شهيرة بإحدى فرق الرقص الأمريكية التي يسمع عنهم من حوله ويتحدث الناس عنهم بالفعل بل يتحدثون عن شهرتها هي خاصة يتحدثون عن الفتاة العربية الأمريكية المميزة لأن روحها تسبقها رغم جمالها الأوروبي ، كان يستمع وهو يتوقع انها بالرينا .. راقصة بالية كما خيل إليه عقله ، لتجدد صدمته وهو يكتشف أنها ترقص بشكل ما ينتمي لرقص شرقي وغربي مجتمعان ، نوع جديد لا يفهمه من الرقص ليتبقى أمام عقله أخيرًا أنها راقصة ليست بالرينا بل راقصة تعبيريه ، يومها لم يتحمل أن ينتهي العرض فذهب إليها بفترة الاستراحة واعتذر منها لينصرف وهو يحمد الله أنه سيعود قريبا ويغلق هذه الصفحة نهائيا ، صفحة تواجده في هذه الأرض الغريبة .. إعجابه بفتاة لا تشبهه .. وتوصله لماضي لا يخصه ، فيومض أمامه إلحاح والدته الفترة الماضية بأكملها أن يرتبط بفتاة تشبهم .. تنتمي اليهم .. وتحبه كما لن تفعل إحداهن ، فيبتسم وهو يعلم انتقاء والدته بل تلميحاتها المتكررة مفضوحة إليه ليتخذ قراره بهدوء وتروي وبعد تفكير طويل ليحسم قراره أخيرًا ويجري اتصاله بوالدته قبيل عودته ليخبرها أنه يريد الارتباط بأمينة !!
ورغم احتفاء والدته بل أنها كادت أن تزغرد له في الهاتف وهي تخبره بأنها سترتب كل شيء مع خاله إلا أن اتصال أبوه به في نفس اليوم ولكن بوقت يعد متأخرا وهو الذي لم يفعلها من قبل ليبلغه بكلمات مقتضبة أن يدع أمر الخطبة هذا إلى أن يعدسالمًا وحينها سيتحدثان سويا انبأه برفض والده للزيجة وعليه هو يستنتج جيدا حديث والده اليوم ، فمحمود المنصوري غير راضيا عن ارتباطه بابنة خاله ، لا يعلم سبب رفض أبوه لهذا الارتباط ولكن موقن هو من أسباب أبيه ويثق برأيه بل وسيخضع لرغبته مهما كانت ، فهو ليس بالولد الذي يرفض رغبة أبوه أو يعيق تنفيذ حلم والدته ، ولكن اليوم وهو جالس ينتظر وصول والده يفكر رغما عنه في كيف سيخضع لهما سويا في حين أنهما الاثنان غير متفقان هذه المرة .
***
يجلس بحديقة المنزل قبيل بداية حفل الحناء الذي قرر ألا يحضره وتحجج بعمل خاص في المشفى ينتظره فرمقته أمه بعدم رضا وتطلعت إليه يمنى بمشاعر مضطربة غير مفهومة فابتسم يطمانها قبل أن يحتضنها بخفة ويقبل رأسها متحاشيا الحديث مع أبيه أو أسعد والأهم منهما جنى التي تستطيع بشكل ما إجباره على الثرثرة التي لا يريدها ، الآن خاصة لا يريدها ، فاختلى بنفسه هنا يريد تصفية ذهنه والجلوس صامتا إلا أن رنين هاتفه المتواصل الذي أفسد عليه لحظة الاستجمام الذي أرادها بعيدا عن الجميع بعدما أعدت له جنى قهوته فأدار الهضبة يستمع إلى إحدى أغانيه القديمة ذات المقام الشرقي فيدوي صوت عمرو دياب بجوار أذنيه وهو يشدو
جرح الهوى لو من الحبايب .. ملوش دوا ولا قلب دايب
أنسى اللي كان .. انا قدرت أنسى
كل اللي بينا .. هنعيشه ذكرى
روح .. روح ابعد عني
روح .. روح يا اللي تاعبني
ده انا قلبي سامحك .. وجرحي سامحك
الله يسامحك.
روح – عمرو دياب
فيأبى هاتفه أن ينتزعه من مزاجه الذي بدأ يروق وهو ينغمس مع الاغنية التي أدارها متعمدا فيمط شفتيه بضيق ثم يجيب بهدوء وصوت رخيم : مرحبا .
أتاه صوتها الناعم تسأل برقة متعمدة : لازلت غاضبا ؟
عبس قليلا ليسأل : متى كنت غاضبا ؟ أنا لا أذكر أني كنت غاضبا .
خيم الصمت عليها قليلا فهتفت بتعجب : حقا ؟! آثر الصمت فأكملت - توقعت أنك غضبت لاتصال زميلي بي وأنا معك .
عبس قليلا ليهمس سائلًا : لماذا أليس هذا زميل عملك ؟
ردت سريعا : نعم بالتأكيد .
رفع حاجبه ليسأل بوضوح : وكان يهاتفك في العاشرة مساء لأجل أمر هام بالعمل كما أخبرتني
تمتمت سريعا : بالطبع .
أجاب بلا مبالاة : إذًا لماذا سأغضب ؟
تمتمت بخفوت : ظننتك غضبت لأجل التوقيت فقط.
زفر بقوة : لا لم أفعل لأني ببساطة أثق بك ، صمت لوهلة ليسأل بهدوء - أم علي أن لا أفعل ؟!
امتقع وجهها لتهدر باختناق : ما الذي تقوله يا عادل ؟!
أجاب بلامبالاة : أنا فقط أسأل .
زفرت بقوة لتؤثر الصمت قليلا قبل أن تسأله : الليلة الحناء ، أليس كذلك ؟
أغمض عيناه وعبوسه يزداد : نعم .
تمتمت : مبارك عليكم .
تمتم من بين أسنانه : بارك الله فيك العقبى لك .
عبست بعدم فهم : العقبى لي ؟!! آثر الصمت لتهتف بنزق - إذًا متى سأراك ؟ أعلم أنك ستسافر قريبا ثانية أريد أن أراك قبيل سفرك .
تنهد بقوة ليهتف : انتهي فقط من زفاف موني وارتب مواعيدي وأخبرك .
تمتمت بضيق : حسنا إلى اللقاء .
أنهى الاتصال ليلقي هاتفه أرضا بنزق وهو يشعر بالضيق يتملكه وخاصة مع تبديل الأغنية التلقائي فانتهت الأغنية التي كان يريد الاستماع إليها ويبرد فنجان قهوته الذي لم يشربه ليتمتم بمسبات كثيرة متتالية خافتة أوقفه عنها ضحكة أنثوية قصيرة فلتت من صاحبتها التي تقف متخفية بجدار البيت ومن الواضح أنها كانت تراقبه.
اسبل جفنيه وابتسامته تحتل ملامحه ليهمهم بخفوت : هل ستأتين يا أرنبة أم أضع لك الجزر لعله يغريك فيجبرك على القدوم ؟
أظهرت نفسها بشموخ فتجيبه بخفة : توقفت عن تناوله يا أبية ، ولم أكن متخفية عنك ، فقط لم أشأ أن اتطفل عليك وازعجك وأنت تتحدث بالهاتف .
تنهد بقوة : وجودك لا يزعجني البتة يا ملك .
ابتسمت برقة لتشير برأسها إلى موضع الجهاز الصغير الذي يصدح منه صوت عمرو دياب الذي يشدو بصوت فرح
عيونك الغالين .. بينوروا الدنيا
والضحكة ع الخدين .. تتحبي وفي ثانية
ملامحك جميلة .. وكلك جميلة
جميلة جميلة .. يا بخت اللي ابقي معاه
جميلة جميلة .. جميلة ما شاء الله.
جميلة – عمرو دياب
فسألته برقة : هل كنت تغازل خطيبتك بالأغاني يا أبيه ؟! كما يفعل حبيبة زمان ؟
ارتفعا حاجبيه ليسأل بجديه وهو يرفع رأسه ينظر اليها : وكيف عرفت أنتِ عن حبيّبة زمان ؟
التفتت من حولها قبل أن تحمل مقعد قطني صغير فتلقيه بجواره ولكن بعيدا عنه قليلا ثم تجلس وتهمس وكأنها تدلي له بسر خاص : ديدو كان ولازال يدير الأغاني لجاسي ، تطلع إليها باهتمام وهي التي اسبلت جفنيها تثرثر بعفوية وكأنها شردت في ذكرى محببة لها - دوما ينتقي الأغاني التي تفرحها .. يشاكسها بها وبعض الأحيان يصالحها أيضًا.
ابتسم بخفة : تحبين أخوالك كثيرا يا ملك أليس كذلك ؟
ضحكت بخفة : وأعمامي أيضا ولكن أخوالي لهم مكانة خاصة .
تمتم سائلًا باهتمام : من أكثرهم قربًا لك .
أجابت دون تفكير : ويلي .
ردد بدهشة : سيادة الوزير ، ظننتك ستختارين ديدو .
أشارت براسها نافية وهتفت موضحة : لا أنكر انهما ذو مكانه متقاربة للغاية ولكن كلا منهما لديه أسلوبه الخاص ومكانته المميزة ، تمتمت متبعة - وأنسى أمر سيادة الوزير هذا نهائيًا ، فسيادته معنا شيء آخر ، ولكن هذا لا يمنع أني أعشق خالو وليد فهو المرح المشاكس العابث الذي أستطيع أن أرمي كل متاعبي بحضنه ، بينما خالو وائل هذا من أركض إليه وأنا أعلم أنه سيربت على مخاوفي دون أن أنطق بها ويشد من ازري دون أن اطلب منه .
رمقها قليلا ليسأل بجدية وترقب : ووالدك ؟
ضحكت برقة : لوكا هذا قلبي .. روحي .. صديقي وحبيبي ، معه أنا آمنة وبحضنه أنا سعيدة وهانئة .
التمعت عيناه لتهتف به : لم تسألني عن خالو أحمد ؟!
ضحك بخفة : لأني أعلم علاقتك بدكتور أحمد جيدا ، فهو يعدك ابنته كجنى.
ضحكت برقة : الأمر لا يتوقف على هذا فقط خالو أحمد السور الذي اختفي خلفه من الطوفان المتمثل في ماما الجميلة ، التمعت عيناه بترقب وهو يراقبها فأتبعت وعيناها تنطفأ تدريجيا - فهو الوحيد الذي يستطيع التحكم بها وحسر سيطرتها التي تفرضها على الجميع ، خالو أحمد الوحيد الذي يقوى على الوقوف في وجه ماما ، فبابا يراضيها دائما والاخوين ويلي يدللاها وكأنها ابنتهما إلا هو ، هو من يستطيع أن يقسو عليها ويقومها أيضا.
رمقها في صمت لتسأله بعد وهلة : وأنتَ ؟
ضحك بخفة : أنا لا أملك الكثير ، عائلتي صغيرة ، نعم عمو وليد يعد عم لي والخواجة أيضا في مقام عمي ، ولكن رسميا أنا امتلك خال واحد ، وأنا أعشقه رغم أنه مربك قليلا وبالطبع ايني حبيبتي وروح قلبي لا أعدها خالتي بل هي صديقتي المقربة ، تنهد بقوة ليكمل - أما لو تسألي عن ماما فهي لديها صمام أمان واحد فقط وهو " الأمير ".
ومضت عيناها بزرقة غنية ليكمل : بابا يقوم بكل الأدوار الحقيقة ، يدلل ويراضي ويقَوم ويصد ويفعل الكثير ، ولكن ماما ذات قلب طيب تحبنا كثيرا وحينما تقسو علينا يكون لأجلنا .
تأففت بضجر وهتفت : أرجوك يا عادل لا تردد هذا الحديث غير المفهوم – بالنسبة لي - عن كون الأم تقسو لأجل مصلحة ابنائها ، فما الفائدة التي ستعود على الأبناء من القسوة ، وألا تستطيع الأم أن توجهم دون قسوة .. دون غضب .. دون صراخ وعويل.
اسبل جفنيه ليسألها بجدية : أخبريني يا ملك لو أمامك طفل صغير يلعب ، وأتى بمسمار حديدي وسيضعه بمفتاح الكهرباء ماذا ستفعلين به ؟
تمتمت سريعا : سأمنعه بالطبع ،
رفع عيناه ليسألها بجدية . وإذا كرر الأمر ؟
تمتمت : سأكرر منعه .
ابتسامة ماكرة رسمت على ملامحه ليسالها : وإذا غافلك وأتى من خلفك ليعيد الكرة وفوجئت به يكاد أن يضع المسمار بالكهرباء
أجابت دون تفكير : سأضربه على كفه لأمنعه .
هتف بجدية : بل لتنقذيه من موت محقق يا ملك ، هذه هي قسوة الأمهات على أطفالهن ، تقسو عليك لتمنع عنك خطر أكبر وجميعهن تحركهن لهفتهن وخوفهن على أبنائهن ، تطلعت إليه بصدمة فأكمل بجدية - قبل أن تغضبي من والدتك فكري قليلا فيما تفعلينه يجعلها تهلع عليك .
رفت بعينيها قليلا لتسأله بنبرة محشرجة وهي تمنع عقلها عن التفكير : هل انطي ليلى تهلع عليكم هكذا ؟
ضحك بخفة : انطك ليلى لا تفعل شيئا سوى الهلع علينا .
تعالت ضحكتها مرغمة ليشاركها الضحك قبل أن يصدح صوت جنى المتعجب والتي دلفت للتو إلى الحديقة وكأنها تبحث عنه : أنت هنا يا ملك؟!
ابتسمت ملك بينما نقلت جنى عيناها بينهما باستفهام لتجيب ملك بخفة بعدما قفزت واقفة : كنت أتحدث مع الدكتور بعدما خرجت إلى الحديقة مختنقة من رائحة الحناء .
اسبل عادل عيناه متحاشيا النظر إلى جنى ذات الملامح المندهشة والتي صمتت بتعجب ليأتي صوت عاصم الذي صدح من خلفهم بعدما دلف إلى الحديقة من بابها الخارجي هاتفًا بمرح : كيف حالكم يا آل الخيّال ؟
هتفت ملك بخفة وهي تقفز إليه بطفولية : عاصم .
ضحك عاصم بخفة ليستقبل احتفائها به بقبلة رأس أخوية قبل أن يهتف بها بعدما صافح عادل ورحبت به جنى وهي تهتف بأنها ستدعو أسعد إليه : أنا غاضب منك يا ملك ، كيف تغادرين دون أن تخبريني ؟!
تمتمت سريعا : ظننتك تعلم أني سأغادر قبيل اختباري الأخير ، تكلمت بصوت خافت وهي تغمز له بعينها - ثم فكرت أن أترك لك الساحة يا باشمهندس .
طرق عاصم رأسها من الخلف : توقفي عن الوقاحة بالحديث يا فتاة وإياك أن تكوني بالقصر مرة أخرى وتغادري دون أن تخبريني .
أومأت برأسها موافقة : أمرك يا كبير ، أتبعت سائلة - أين نوران ؟!
أشار اليها برأسه : بالداخل فهي دلفت إلى البيت من بابه الأمامي وأنا أتيت من هنا بعدما وجدت عادل في الحديقة .
هتفت وهي تتحرك بسرعة : سأذهب إليهن ، أشارت بكفها مودعة وهي تهتف بخفة - سلام يا أبيه .
ابتسم عادل مؤثرًا الصمت بينما عبس عاصم مرددًا بتعجب : أبيه ؟!!
تقابلت مع أسعد الذي أومأ إليها برأسه محييا ليقبل عليهما يصافح عاصم ويرحب به ليسأله بجدية بعدما نظر لأخيه الذي تركهما ليذهب ويأتي بالمشروبات وعاصم يهتف به ألا يفعل فهو سيغادر سريعا ليذهب مع عمار الذي يريده في أمر ما يخص تجهيزات البيت : هل أتت ملك معك يا عاصم ؟
هز عاصم رأسه نافيا : لا لقد أتيت وجدتها بالحديقة مع جنى وعادل ، عبس أسعد وفكه ينتفض بضيق فيسأل عاصم باهتمام - هل هناك شيئا ما لا أعرفه يا اسعد ؟!
هز أسعد رأسه نافيا : لا أبدًا فقط لأني رأيتها بالحديقة فاختلط علي الأمر ، أومأ عاصم بتفهم بينما أسعد يطبق فكيه مغمغما بخفوت شديد - يا الله يا عادل.
***
عبس بتعجب وهو يخطو نحو اتجاه غرفة النوم الرئيسية في منزل أخيه ، بعدما أنهى إليه بعض الاشياء التي كانت تنقصه وطلبها منه عمار أن يفعلها له ، عمار الذي اختفى فجأة دون سابق إنذار فأخذ يبحث عنه في البيت الذي انتهوا من إعداده اخيرًا ليستقبل عروس أخيه بعد غد ، ناداه بهدوء وطرق الباب المفتوح قبل أن يدلف إلى الغرفة فيرفع حاجبيه بتعجب وهو ينظر إلى عمار الذي ينتهى من تركيب شيء ما يشبه الأرجوحة !!
اعتلت الصدمة وجهه والتي سرعان ما اندثرت ليحتل الإدراك ملامحه وهو ينظر للفراش المتخفي بأرجوحة أو أرجوحة بشكل فراش فيتطلع إليها وعقله يبحث عن مقصد وجود هذا الشيء في جانب غرفة نوم أخيه الرئيسية ، فهمس بتساؤل : ماذا تفعل يا عمار ؟!
انتبه عمار لأخيه فهدر بضيق : بل ماذا تفعل أنت هنا داخل غرفة نومي أنا وزوجتي ؟! ألم أتركك بغرفة التلفاز تضبط صوت المسرح المنزلي الذي لم أستطيع ضبطه .
ارتفعا حاجبي عاصم بدهشة لينظر من حوله هامسا بتفكه ساخر : أين زوجتك هذه ؟! على حسب علمي أن الشقة فارغة ما عدانا ، ثم أنا انتهيت من ضبط المسرح المنزلي وانتهيت ايضا من ضبط الكهرباء فهي كانت ليست منضبطة كما يجب .
هتف عمار وهو ينظر لما انتهى من تركيبه : حسنا شكرا لك ، هلا انتظرتني خارجا ؟
كتم عاصم ضحكته وهو يرمق الأرجوحة بطرف عينه من خلف ظهر أخيه ليبتسم بمكر ويهمس : هل تدرك إذ علم آل الخيال بأمر الأرجوحة ماذا سيفعلون بك ؟ه
جمدت ملامح عمار الذي استدار إليه لينطق بجبروت : وما شأن آل الخيال بأرجوحتي الموضوع بغرفة نومي ؟! ما الذي سيأتي بهم أصلا ً إلى هنا ؟!
ضحك عاصم بخفة : لنفرض أن حماك وولديه لن يدلفا لغرفة النوم وهذا مؤكد بالطبع ، فعمو أمير وأسعد لن يفعلاها ، لا أثق بعادل ولكن حسنا لن يأتي أحدهم إلى هنا ، أخبرني بالله عليك بماذا ستخبر ماما وخالتك عن الأرجوحة ووجودها في غرفة نومك ؟!
عبس عمار لينطق بجدية : هذا الأمر ليس شأن أحدًا سواي أنا وزوجتي وهيا من فضلك أخرج من هنا ولا تدلف ثانية إلى غرفة نومي .
ضحك عاصم بخفة ليتحرك بالفعل إلى الخارج فيتبعه عمار ليهمهم عاصم بخفة : أعجبت بالفكرة يا شقيق ، أتبع بتلميح صريح - مبارك عليك ارجوحتك .
زمجر عمار باسمه في ضيق فآثر عاصم الصمت قبل أن يتوقف على نداء أخيه الخافت إليه يستوقفه قبل أن يغادرا ليستدير إليه بتساؤل فتتسع ابتسامته وعمار يهمس بطريقة أعادته لصغرهما حينما كان يريد مؤازرته في أي من مصائبه التي يفعلها أو التي يخطط إليها : هلا ساعدتني في شيء يا عاصم ؟
كتم عاصم ضحكته ليجيب بمرح : أخبرني إلام تخطط يا طبيب المجانين وتريد أن تورطني معك فيه ؟
ضحك عمار بخفة ليهمس : أريد أن ائتمنك على سر خاص بي ، انتبه عاصم وجسده يتصلب باستنفار نحو أخيه الذي تابع بهدوء - أنا لن أسافر ليلة الزفاف كما أخبرتهم !!
لمع التساؤل بعيني عاصم ولكنه آثر الصمت فأكمل عمار بجدية : بل إن سفري بعد أسبوعين كاملين سأقضيهم هنا في البيت.
نظر عاصم إليه بتعجب ليسأله بعدم فهم : إذًا لماذا تخفي الأمر عن الجميع ؟!
بلل عمار شفتيه ليجيب باقتناع : لا أريد لأحد أن يقتحم أول حياتي مع موني يا عاصم ، وهذا أمر سهل للغاية وخاصة مع قرب المنزل من منزلي عائلتينا والذي أتى ضد رغبتي في الأساس ولكن أبوك أجبرني على الرضوخ لرغبة ماما ودموع خالتي ليلى فاضطررت أن اسكن في بيت مجاور حتى لا نبتعد عنهما وخاصة مع سكن سيادتك في القصر بعيدًا .
غمغم عاصم بدفاع منطقي : ماما لا تقوى على فراقك ثانية يا عمار وخالتي ليلى من حقها أن تكون ابنتها الوحيدة بجوارها ، عبس عمار بضيق فأكمل عاصم بعدم اقتناع - ثم قرب البيت ليس سببًا كافيا لإخفائك عنهم تواجدك .
أجاب عمار بمنطقية : بل سبب أكثر من كافي يا عاصم فإذا علمت أمك وخالتك بتواجدنا ستقومان بزيارتنا يوم بعد يوم وهذا أمر لا أحبذه في أول زواجي بموني .
ضيق عاصم عينيه مستنكرا ليزفر عمار بحنق : لا ليس لهذا الأمر .
رمقه عاصم بطرف عينه ليغمغم بنبرة مميزة : عمار .
ابتسم عمار واسبل جفنيه : ليس هو الأمر الوحيد ، لا أنكر أنه أحد الأمور ولكن ليس هو السبب الرئيسي ، لوى عاصم شفتيه بعدم اقتناع فاكمل عمار شارحا - أريد أن اختلى بيمنى يا عاصم دون غارات خارجية تشتت قواعد التعامل التي أقرها بيننا .. أريدها أن تشعر أنها أصبحت تنتمي لي دونا عن الآخرين .. دون وجود أباها.. أمها .. اخواها ، أريدها أن تدرك أنها أصبحت لي وأنا أصبحت لها ، أريدها أن تستوعب جيدا أنها أصبحت خاصتي .. زوجتي .. ملكي وأنه لن يحول بيننا أحدًا حتى عائلتها ، لأني سأصبح أنا عائلتها الوحيدة .
ابتسم عاصم بتفهم ليهمس بجدية : حسنا ولكن اعتني بها .
تمتم عمار وهو يزفر براحة لحصوله على دعم شقيقه : لا تقلق سأسكنها عيناي.
ابتسم عاصم لينظر إليه مليا قبل أن يزمجر في وجهه بخفوت : هيا أكمل وآت بم عندك ، فليس من المنطقي أن تخبرني بكل هذا دون سبب يا أخي .
قهقه عمار ضاحكا فاتبع عاصم بغلظة : انجز يا عمار لا نريد أن نتأخر عن السهرة المميزة التي أعدها ابن عمك ، فابن عمك لن يستريح إلا حينما يهدم الكون فوق رؤوسنا .
جلجلت ضحكات عمار ليهمهم بخفوت بعدما سيطر عليها بصعوبة : حسنا سأخبرك ، تنفس بعمق ليهمس ببطء وهو يراقب عاصم بتروي - أريدك أن تساعدني وتمدني بالطعام يوميا، ارتفعا حاجبي عاصم بدهشة فأكمل عمار - فسفرنا يعني أن خالتي وماما لن تهتما بهذا الأمر وبالطبع لن ادفع يمنى للطهو في أول الزواج لذا أريدك أنت أن تهتم به .
لوى عاصم شفتيه ليغمغم بضجر : على آخر الزمن سأعمل متعهد حفلات لأجل سيادتك ، ضحك عمار ليتبع عاصم بحنق - ألا تستطيع أن تطلب الطعام كما المتعارف عليه يا سي عمار ؟
هز عمار رأسه نافيا : لا فمن المحتمل أن ينتبه أحدهم لعامل التوصيل أما أنت ستتخذ حذرك وتأتي بطريقة لن يلحظها الآخرون .
نظر إليه عاصم بصدمة ليهمهم : هل جننت يا عمار ؟! تريدني أن أتسلل لآتي لك بالطعام ،
ضحك عمار بخفة ليهتف بمرح : أنت أهل لها يا كبير ،
ضرب عاصم كفيه ببعضهما ليغمغم بنزق : أين هذا الكبير أنا لا أراه وخاصة وسيادتك تطلب مني أن أهرب إليك الطعام لمدة أسبوعين على التوالي لأنك تخفي عن عائلتك عدم سفرك بعد زواجك ، قهقه عمار من جديد فاتبع عاصم بهذر مصدوم - أنت ليس طبيعيا علاقتك بالمرضى أثرت على مخك .
تمتم عمار بطريقة طفولية يعلم جيدا أثرها على أخيه : ستتخلى عني يا عاصم .
تمتم عاصم بنزق : ربنا يرحم عاصم منك ومن أفعالك وجنونك ، تهدلا كتفي عمار بخذلان ليتنفس عاصم بعمق قبل أن يهتف بنفاذ صبر - بالطبع لن افعل ، بل سأرضخ لما تريد كالعادة .
ابتسم عمار ليهتف بجدية : وأنا سأراسلك بأنواع الطعام يوم بعد يوم .
دفعه عاصم بغلظة ليقهقه عمار ضاحكا قبل أن يحتضنه بالإجبار مستغلا طول قامته عن عاصم الذي ضحك أخيرًا ليحتضن أخيه بدوره : مبارك زواجك يا طبيب المجانين ، اعتني بنفسك وبها يا عمار .
ابتسم عمار وهمس بأمل : لا تقلق يا شقيق.
***
مستلقي على فراشه بعدما عادا من ليلة الحناء الخاصة بشقيقته ورغم أنه فر من حضورها بعد وقت قصير إلى بيت خاله بعدما اقترح سليم أن يتركون الفتيات على راحتهن فيجتمع الشباب بم فيهم العريس بحديقة بيت بلال ما عدا عادل الذي لم يحضر وكأنه يرفض المشاركة في أي فرحة تخص زواج شقيقتهما ، هز رأسه بيأس وهو يعاود النظر إلى أخر الأخبار في جهازه اللوحي وعيناه تتعلق بها رغما عنه فيراقبها من فوق حافته دون أن يشعرها أنه ينظر إليها ، يشعر بتوترها منذ أن عادا بعد قضائهما السهرة في بيت عائلته ، رغم أنها لم تخبره ولكن حركة جسدها المشدود .. ذهابها وإيابها في الغرفة .. ترتيبها لكل الأشياء التي تقع عيناها عليها يخبره بأنها ليست بخير ، هناك أمر ما يشغل تفكيرها ، تريد أن تخبره به ولكنها مترددة. ابتسم بخفة ووضع الجهاز جانبا حينما دلفت إلى غرفة ملابسهما فيسبل جفنيه وهو يفكر فيم ستفعله هذه المرة ، فهي تبتكر لأجله .. تهتم بإرضائه .. وحينما تريد أن تطلب منه شيء تعمد إلى أكثر الطرق ابهارًا متحدية خجلها الذي لازال يقيدها قليلا بعيدا عنه ، كتم تنفسه وهو يراها تخرج بعد قليل ترتدي غلالة حريرية نبيذية اللون لم يراها من قبل قصيرة للغاية وتحدد مفاتنها بطريقة ستفقده صوابه ، مكشوفة فيستطيع رؤية نقش الحناء الذي يزين اعلى صدرها ، تحكم في ابتسامته وعيناه تلمع انبهارًا وعقله ينبهه أنها لجأت اليوم إلى طريقة قصيرة مثالية ومضمونة في نتائجها حتى تحصل على موافقته علام تريد بعقل غائب بها ، وهو يرحب أن يغيب بها ولكنه أرزن من الموافقة على شيء لا يمتلك تفاصيله .
تطلع إليها بابتسامة متزنة لتدلف الى الفراش بجواره تتلكأ في الاقتراب منه ووجهها يتورد بخجل يحضر معها بقوة حينما تقدم على الاقتراب منه ، تنهد بقوة لينهي ترددها حينما جذبها إليه فيضمها إلى صدره ويهمس بخفوت بعد أن قبل رأسها : ماذا تريدين يا جنتي ؟
ارتجفا جفناها لتهمهم وهي تفرد كفها على عضلة صدره البارزة : كيف تعلم أني أريد أن أخبرك بشيء ؟!
ضحك بخفة ليهمهم : بحكم الخبرة والعشرة ، هيا تحدثي ولا تخجلي ، شعر بتوترها فابتسم بمكر ليهمهم بجانب أذنها متبعا - هل هناك شيء مثير تريدين تجربته الليلة وخجلة أن تخبريني به ؟
شهقت بخجل لتناظره بعتب وتهمهم اسمه برفض فيتبع : لتعلمين فقط أنه من حقك المطالبة بكل ما تريدين وأنا سأنفذ على الفور دون مناقشة .
احتقن وجهها بقوة لتهمهم : توقف يا أسعد وانتظر لأخبرك بما أريد فلا تتبخر الكلمات من رأسي بسبب فحوى كلماتك
لامس وجنتها بشفتيه ليهمس : يسعدني أن كلماتي لها تأثير عليك .
ابتسمت بخجل لتهمس ببوح : بل لها عظيم الأثر وأنتَ تعلم ، شدد من ضمته لها فاتبعت بخفوت - أسعد أنا أريد أن أنجب طفلا .
تصلب جسده لينظر إليها بطرف عينه ويهمس بهدوء : أنا الآخر أريد أن أنجب منك طفلة تشبهك ، تكون بيضاء جميلة مثلك وقصيرة أيضا .
ضحكت برقة لتلامس وجنته بكفها : إذًا متفقين .
__ لا ، ألقاها قاطعة ليهمس بمهادنة - لابد أن اطمئن عليك يا جنى ، لابد أن تنهي رسالة الدكتوراه خاصتك ، لابد أن تتخلصي من الهلع الذي ينتابك ، ظلل الحزن عيناها فنظر إلى عمقهما مصرحا - لم أنسى المرة الماضية حينما شككت أنك حامل ، والفزع الذي تملكك لقد سقطت مغشي عليك .
ازدردت لعابها ببطء لتغمغم بخفوت : لابد أن أتخلص من خوفي يا أسعد ، لابد أن افرح قلبك كما ينبغي علي أن أفعل ، فأنت لا تتوانى بتاتاً عن إسعادي .
تنهد بقوة ليضمها إلى صدره يبث لها الامان : سعادتي معك ، أرجوك لا تحرميني منها لأجل حديث عابر ألقته ماما اليوم ، فهي كأي أم تريد الفرح بأحفادها ، ولكن أنت أكثر من يهمني في الدنيا يا جنى وأنت تدركين هذا جيدا .
اتسعت عيناها بحبور لتقبل طرف ثغره : أرجوك يا أسعد ؟
تنفس بعمق وهز رأسه نافيا : لا يا جنى ليس قبل أن تصرح إلينا الطبيبة أم لعلك نسيت ، رمقها وأتبع بعتب - توقعت أن لا يؤثر بك حديث ماما لهذه الدرجة .
لوت شفتيها بدلال غير متعمد لتهمس : صراحة لم يؤثر بي بتلك القوة التي تدفعني لأن اطلب منك الإنجاب ، ولكن ما شجعني حقا هو نتيجة الكشف الذي خضعت إليه وأنت غائب المرة الماضية .
تصلبت ملامحه لتتابع بسرعة : أرجوك لا تغضب مني ، لم أخفي الأمر عنك ولكني كنت أريد الاطمئنان فقط ، تابعت وهي تجلس أمامه ترغمه على النظر إليها بعدما احتضنت وجهه بكفيها - الطبيبة النسائية أخبرتني أني بخير ولا مانع ابدًا عندي من إنجاب طفل وأن صحتي جيدة جدا لأجل هذا الأمر ، والجلسة القادمة سأحصل على موافقة معالجتي النفسية فأنا أشعر باني أصبحت بخير والحمد لله .
أشاح بعينيه بعيدا وملامحه تتصلب برفض فأكملت بتوسل طفولي تعلم أنه يؤثر به : أرجوك يا أسعد ، أنا أريد هذا الطفل لأجل أن اهزم ما تبقى من الخوف بداخلي ، لأجل أن أُسعد قلب والدتك لأجل أن اهبك هدية أعلم جيدا أنها ستسعدك . اقتربت منه لتجلس فوق ساقيه تواجهه وتتابع بحنو - لأجلي أنا ، لأجل أن أحصل على طفل منك يحمل دمك .. شكلك .. جيناتك .. يحبني مثلك .
زفر بحرقة ليحاوط خصرها بذراعيه يجذبها إليه فتلتصق بصدره ليهمهم أمام وجهها : لن يحبك أحدًا مثلي .
استجابت لقبلته الشغوف لتهمهم حينما أهداها أنفاسها من جديد : إذًا أنت موافق .
__ لا ، تراجعت بصدمة فأتبع متنهدا بقوة - ومناقشة الدكتوراه ؟
تمتمت برقة لتغمغم ببساطة : أنها الشهر القادم لا أعتقد اني سأحمل أول ما نقرر أننا سنفعل .
رفع حاجبه باستنكار ليهتف بافتعال : هل تشككين بقدراتي يا هانم .
ضحكت برقة لتسأله بشقاوة : اممم وماذا ستفعل حتى أن شككت في قدراتك ؟
اتسعت عيناه بدهشة والمرح يتراقص على شفتيه ليهمس : هذا الحديث يطير فيه الرقاب .
ضحكت بصخب وهو ينقلب بها فتصبح أسفله لتهمهم برقة : الرقاب فقط ؟!
ليقهقه ضاحكا ويهمهم وهو يدفن أنفه برقبتها : والملابس أيضاً .
تأوهت باسمه في رقة لتتبع وهي تتعلق بكتفيه حينما تلاعب بحمالتي القميص وهو يهمس متسائلا : هل هناك نقوش حناء مختفية على اكتشافها ؟!
رفت بعينيها لتهمس برقة : لا أعلم اعتقد عليك البحث بنفسك .
تأوه بعبث ليشاكسها بطرف أنفه وهو يهمهم بعدما طبق فبلة عميقة بتجويف عنقها : سأفعل يا جنتي .
***
تجلس بالحديقة تطلع إلى ما حولها بعينين حزينتين .. تراقب بقايا الاحتفال .. الزينة المعلقة .. والأوراق الملونة اللامعة المنثورة بين العشب الاخضر .. تتذكر الليلة المميزة وتنظر إلى كفيها المزينة برسومات راقية من الحناء ، كاحلها الأيمن المنقوش بفرع شجر زين استدارته كما طلب بشكل خلخال يقابل خلخالها الذهبي الذي لا تخلعه عن كاحلها الأيسر ، فتتذكر همسته إليها بأنها ستفعل لتلبس الخلخال الذي ابتاعه لها وحلم كثيرا بأنه يزين ساقها به ، فتبتسم مرغمة وهي تتذكر صوته الأجش وهو يتحدث عن رنينه الصاخب بساقها والذي سيخبره بكل تحركاتها ، حينها هتفت بضجر تؤمره بالصمت وهي تهتف به أنها ليست سجينته ، فيهمهم يغيظها بأنها ستكون مليكته السجينة كقصص الأميرات التي كانت تحبها في صغرها .
تنهدت بقوة وهي تعيد النظر فيما حولها فتراقب مكان ارجوحتها الخاصة التي انتقلت إلى حديقة منزلها أو ما سيصبح منزلها بعد ليلتين ، ليلتين تفصلها عن زفافها الذي سيغير من حياتها كليا ، فستترك بيت عائلتها لتذهب وتشارك أخر غريب عنها حياتها .
عبست وقلبها ينهرها عن نعته بالغريب فهو عمار حبيب عمرها بأكمله .. حلمها منذ الصغر وابن خالتها المتربي معها كأخويها ، ولكنه يتبقى غريبا ، غريبا ستسمح له بالكثير لا تريد أن تفكر به الآن حتى لا تنفر أكثر من فكرة الزفاف وتوابعه .
اكفهر وجهها وخيالها يعمل سريعا فتهز رأسها بعنف ورفض خيم على عقلها فتنتبه من موجة افكارها العاتية إلى صوت ليلى الذي صدح بحنو وهي تقترب منها ببطء : ما زلت مستيقظة يا موني ؟!
رفت بعينيها لتهمس بصوت أبح : لم أقوى على النوم يا ماما .
ابتسمت ليلى لتقترب منها تجلس بجوارها على الأريكة الخرزان لتربت على كفها الملقى بإهمال فوق رجلها : ما الذي يشغل عقلك يا ابنتي ؟!
تنهدت يمنى بقوة ودمعت عيونها بعفوية فابتسمت ليلى بحنان لتجذبها بلطف فتنحني يمنى تستجيب لاحتضان ليلى التي ضمتها إلى صدرها فتربت على رأسها بأمومة ، تمسد خصلاتها بحنو وتهمس بآيات الله الحفيظ فوق رأسها وهي ترقيها كعادتها منذ الصغر لتنساب دموعها رغما عنها وهي تتمسك باحتضان ليلى لها وتدفن رأسها في صدرها الحاني فتضمها ليلى أكثر اليها لتهمس بصوت باكي : لا أريد الذهاب يا ماما ، لا أريد أن أترككم ، لا أريد أن أتزوج .
ابتسمت ليلى من بين دموعها لتربت على رأسها بلطف قبل أن تدفعها ثانية لتجلس باعتدال وتنظر إليها بجدية : حقا لا تريدين ؟! فإذا استمع إليك عادل أو أمير أو حتى أسعد سيلغون الزفاف دون الرجوع لعمار ، أتبعت ليلى بمكر مشاكس – تريدينهم أن يلغوا الزفاف يا ابنتي ؟!
عضت يمنى شفتها السفلية لتهمس دون ترتيب : لا أقصد .. ولكن .. لتبوح بسرعة خوفًا أن تتراجع عن حديثها – أنا خائفة .
تطلعت إليها ليلى بصدمة تحولت إلى إدراك سريع لتهمس بصوت أبح ووجنتاها تتوردان بعفوية : حقا يا يمنى ؟ أنت خائفة حقا ؟
أومأت برأسها وهي تتحاشى النظر إلى والدتها فتجيب بسرعة : أنا خائفة وأشعر بخجل فظيع وابن أختك لا يساعد ، كتمت ليلى ضحكتها بأعجوبة فأكملت يمنى بنزق وغضبها يكسو ملامحها – أنه وقح وقليل الأدب ويتحدث عن أشياء غريبة لا أريد أن اتخيلها .
لم تستطع ليلى منع ضحكتها التي انطلقت رغما عنها فسرت بصوت عال وخاصة مع سكون الليل لتكتم ضحكتها بكفها وهي تهمهم من بينها بخفوت : أتمنى أن لا يستمع إليها أمير فيأتي ليحاسبني على ضحكتي التي صدحت مدوية هكذا .
تأففت يمنى بضجر : يا ماما أنا أتحدث معك بشيء وأنت تفكرين ببابا وماذا سيفعله لأنك ضحكت.
هزت ليلى رأسها بتفهم لتهمهم بطيبة : معك حق ، لنترك أمير جانبا الآن ، فأنا لا أريده أن يحضر هذا الحديث الذي .. صمتت لتتنفس بعمق قبل أن تتبع وهي تحتضن كف يمنى القريب بين كفيها لتهمس إليها – أنت خائفة من عمار أم مما يريد أن يفعله عمار ؟
عبست يمنى بتفكير لتسألها : هل هناك فارق ؟!
ضحكت ليلى لتجيبها باتزان : بالطبع ، فما يفعله عمار يفعله جميع الرجال .
امتقع وجه يمنى لتغمغم بخفوت : ماما من فضلك .
ضغطت ليلى على كفها بجدية : اسمعي يا ابنتي ، ما يتحدث به عمار معك والذي بالمناسبة زوجك ليس بشخص غريب حقه أن يتحدث ويتحدث وخاصة إذا شعر بك متوترة هكذا ، فأنا أعتقد أنه آثر أن يبادر ويخبرك عما سيحدث بشكل غير مباشر حتى يمهد إليك الأمر ، والذي أعتقد أنه أخبرك عن جزء مما سيحدث ، وعليك أن لا تكوني متوترة ولا خائفة والأهم أن لا تكوني نافرة ، فهذه سنة الله في الأرض ، الذي خلق آدم لأجلها أن يتزاوج ويتكاثر ويعمر الأرض ، وتحدث بين الأزواج جميعا ، لذا سألتك أنت خائفة مما يحدث بين الجميع ، أم أنك خائفة من عمار ؟
أعادت يمنى خصلاتها للخلف قبل أن ترفعهم بشكل عشوائي في طوق مطاطي عقصت به شعرها لتهمس بعد تفكير عميق اعتلى جبينها : الاثنين .
ابتسمت ليلى لتهمس بخفوت : إذًا الأمر في عمار يا موني ، ألا زلت لا تثقين به ؟
هزت رأسها نافية سريعا : لا يا ماما ، بل أنا .. تمتمت بعد قليل – أنا فقط متوترة وأشعر باضطراب جلي وأنا مقبلة على أمر لا أدرك أبعاده جيدا .
رمقتها ليلى بترقب لتسألها بجدية :هل تفضلين أن أخبرك بم سيحدث لتدركين أبعاد الأمر جيدا؟!
شحب وجه يمنى تدريجيا لتهز رأسها نافية : لا يا ماما شكرا ، لا أريد أن أعرف .
ضحكت ليلى بخفة لتهمس إليها : إذ كنت خائفة من عمار يا موني ، فلا تخافي يا ابنتي ، عمار سيهتم بك جيدا ، فقط أنت لا تدفعينه بعيدا عنك ، أتركي قلبك يحركك يا يمنى ، توقفي عن الخوف .. الذعر .. والتفكير في غياهب المستقبل الكثيرة ، استمتعي بم منحه الله لك يا ابنتي ، واشكريه على أفضاله الكثيرة عليك ، فبعد كثير من السنوات أدركت أننا من نؤذي أنفسنا حينما نفكر فيما فاتنا ولا نحصي النعم التي عوضنا الله بها ، ونصيحتي لا تجعلي الجانب السيء من محنتك يؤثر عليك ، فكري فقط في جانبها الجيد وهو أنك وعمار الآن تتزوجان كما حلمتما طوال عمركما .
ابتسمت يمنى بتوتر فجذبتها ليلى إلى حضنها ثانية لتهمس وهي تمسد رأسها ثانية : اسعدي يا ابنتي ، اسعدي واهنأي واعلمي أن ليس الجميع يحظون بم تحظين أنت به ، فليس الجميع يقترن بحب عمره ولا يستطيع أن يحقق حلم حياته في اختيار شريكه ، أتبعت وهي تمسد شعرها الطويل بترتيبات حانية – افرحي واحمدي الله كثيراً على نعمته وفضله الذي اسبغهما عليك وارضى قلبك بهما .
تمتمت يمنى : الحمد لله رب العالمين لتتبع وعيناها تنعسان – أشعر بالنعاس يا ماما .
دفعتها ليلى بلطف أن تنهض معها لتهمس إليها : تعالي سأنام بجوارك الليلة ، سأضمك إلى صدري كما كنت أفعل معك وأنت صغيرة ولننام بفراشك الضيق سويا .
ابتسمت يمنى وهزت رأسها بطفولية وهي تسير بجوار ليلى التي ضمتها من خصرها فاحتضنتها يمنى بجسدها الفارع وهي تبتسم رقة وتشعر بالسكينة تسيطر على حواسها وخاصة وهي تتخيل غفوتها التي ستنعم بها في حضن أمها الدافئ .
***
يقفان متجاوران ينظران إلى النتائج الاخيرة التي ينتظرونها فيعبس عبد الرحمن بضيق ليضحك عادل بخفة قبل أن يهتف به : اذهب وتحدث مع رقية قليلا يا باشمهندس بدلا من تأففك هكذا كل دقيقتين .
لوى عبد الرحمن شفتيه بضيق قبل أن يهتف بنزق بعدما نظر إلى ساعته : رقية نامت ، وحتى إن كانت مستيقظة لا تتحدث الآن أبدًا ،
تنهد عادل بقوة : هون عليك إذًا ، وادعو الله أن يوفقنا في مساعينا هذه المرة .
فرك عبد الرحمن وجهه بكفيه ليهمس بضيق : أنا فقط لا أستطيع أن أتوصل للسبب فيما يحدث ، هل هناك إحدى المعادلات خطأ أم تركيبة معينة هي الخاطئة ؟!
ضيق عادل عينيه ليهتف بجدية : لقد راجعت التركيبات كلها يا عبد الرحمن الليلة ولكن لا بأس سأنظر في أمرها صباحا .
التفت إليه عبد الرحمن بعبوس جاد ليساله : ألن تغادر للبيت في الصباح يا عادل ؟!
هز عادل رأسه نافيا : لا ، فليلة الحناء كانت اليوم وغدا يوم فاصل لراحة العروس قبل ليلة الزفاف ، لذا هم لا يحتاجونني .
رمقه عبد الرحمن مليا قبل أن يهتف به : شقيقتك تحتاجك بجوارها يا عادل ، فلا تتصرف هكذا، أبقى إلى جوارها هذه الأيام ولا تترك ضيقك يحركك .
زفر عادل بقوة ليسأل بعد قليل : أخبرني لماذا أنت ضائقا ؟
ران الصمت عليهما قليلا قبل أن يصرح عبد الرحمن بجدية : لا أريد تأجيل الزفاف ثانية ولا أستطيع الزواج وأنا على رأس هذا العمل ولا أعلم ما الذي علي فعله ؟!
زم عادل شفتيه ليهتف : اعتذر عن المشروع يا عبد الرحمن
استدار عبد الرحمن إليه باستنكار ليهدر بحنق : هل جننت يا عادل ؟! بالطبع لن أفعل ، لن أتخلى عنك ولا عن مشروع قومي كهذا لأجل أن أتزوج ، أتبع بخفة – بالطبع أنا أتوق لأتزوج ولكن ليس لهذه الدرجة .
قهقه عادل بانطلاق ليشاركه عبد الرحمن الضحك وعادل يهتف : اه يا ابن الخواجة .
ضحك عبد الرحمن بفخة ليهتف بجدية : لا حقا ودون مزاح لن اتخلى عنك وعن هذا المشروع وإذا كان على الزواج ، سأحاول أن اتممه في موعده ولكن بعد أن أخبر دكتور محمود ورقية عن الوضع الحالي .
ربت عادل على كتف عبد الرحمن بدعم : وفقك الله يا صديق .
تحرك لينظر إلى جهازه اللوحي قليلا ليضيق عيناه بتفكير قبل أن تتسع بذهول ليهتف بجدية : عبد الرحمن .
انتفض عبد الرحمن بتأهب ليهتف عادل متبعا وهو يداعب شاشة جهازه اللوحي بسرعة فائقة وعقله يعمل بسرعة جنونية ليهتف بعدم تصديق : وجدت الخطأ .
اقترب عبد الرحمن منه لينظر إلى ما يفعله لينظرا إلى بعضهما قبل أن يتحركا بسرعة يضعان المعطيات الجديدة ويمدان الجهاز بها لعلهما يصلان هذه المرة إلى النتيجة المنشودة .
***
يخطو بثبات بعدما سيطر على عرجه الخفيف الذي لا يظهر إلا حينما يخطو بسرعة يشد من طرفي سترته ويرفع رأسه بشموخ وهو ينظر الى نفسه بالمرآة ، تومض عيناه بزرقة قانية وهو يخطو الى الخارج بعد كثير كان يعيش متخفيا ولكن اليوم لقد عاد من جديد ،عاد واقفًا .. مهيبًا .. مخيفًا كعادته ، عاد لينتقم .. ليأخذ بثأره .. وليعيث في الأرض فسادًا كما يريد ، عاد ولم يستجب لأوامر قومه بالرجوع إلا حينما يحقق هدفه الذي أتى له في الأساس ، فليس هو من يترك عمله غير منتهيًا ، بل سينهيه على أكمل وجه وكما ينبغي.
لذا لقد دبر فريق عمل خاص به بعدما رفع الآخر دعمه عنه وأخبره أنه لن يأبه لأمره فمهمة تأمينه اتمها على أكمل وجه ، فلا يهتم بحماية هذا الحقير الخائن لقومه ، وتدبر هو أمره واليوم ينتقل لمكان جديد يدرك جيدا أنهم لن يبحثون عنه فيه ، فهم التقطوا الطعم الماضي وامنوا بموته ، لذا هذه المرة سيفاجئهم من حيث لا يحتسبوا .


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس