عرض مشاركة واحدة
قديم 26-09-20, 08:21 PM   #2

فاتن منصور

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 417764
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » فاتن منصور is on a distinguished road
افتراضي

#الفصل_الاول

الخاطرة اهداء من الجميلة هند Hend Fayed على لسان شخصية زينة الحاوي

(( أوَ تعجبين مِن قصتي، تظنين أنها مُقلِقة؟
حسنًا، يحق لكِ الخوف والاحتياط والحذر مني.. رغم أني لست الظلام.
أوَ تعلمين مَن أنا حقًا؟
أنا الناصحة الأمينة ومِن قبل كنت الرهان،
أنا بطلة الحكاية ومِن قبل فاتني الأوان،
أنا ذات يوم كنت مجرد ظل واليوم أنا البرهان.
وإن تسأليني النُصح يومًا فاسمعي..
لا تثقي أبدًا يا سيدتي في لطفِ امرئ أو رِفق الزمان،
فكلاهما يوم الحصادِ يتحولان إلى شيطان.
لا تقولي بأن كل جميل يُعبر عن الحبِ فما أدراكِ ألا يكون في خموده كالبركان،
ولا تظني الخير في أحدٍ حتى تأمني جانبه فما أدراكِ ألا تكون خلف واجهة الإنسان حيوان؟
وانسي أن الأمل قريب فهو في الحقيقة وعِر كما صعود الجبال والوصول بأمان إلى الشُّطآن.))

………….
نظرت وداد نحو زينة بصدمة وهي تسمع قولها … هل تظن انها ستخيفها بمثل هذا الحديث وهذا الغموض … قالت وداد بعملية مطلقة محاولة عدم التأثر بهذه السيدة او كلامها

_ املي علي شروطك اذن ياسيدة زينة

قامت زينة عن مقعدها تتحرك نحو نافذة صغيرة تطل على حديقة خلف المتجر عينيها مثبتتان على القضبان الحديدية التي تفصل النافذة عن الحديقة منعا لدخول متسلل ما تتحدث وكأن صوتها قادم من البعيد :
_ اول شروطي ان تجعلي القصة ممكنة الحدوث في كل بلد
قالت وداد :
_لم افهم
أكملت زينة :
_ انت لن تقولي انك قابلتني او سمعتي القصة مني او جلستي معي ...هي فقط قصة سمعتها مرة من زائرة غريبة، وودت ان تكون من ضمن قصص كتابك … حاولي انت تجعلي الغموض يلف قصتك حول من قامت برواية الحكاية

للحظة شعرت وداد بالخطر وهي تسمع هذيان هذه المرأة ولكن زينة عادت تنظر لها نظرات مطمئنة تخبرها
_ قصتي مختلفة ولكن يحفها الخطر ان كشفت ياسيدة وداد ورغم المخاطرة رغبت ان تضيفيها لقصصك .. وانا اطلب منك هذا الامر لحمايتك كما اخبرتك… اجعلي القصة عامة لاخاصة تمثل فتاة مثلي في كل بلد تعرض بلدها للتمزق .. فبطلة حكايتي عانت الكثير ولاتحتاج لاي معاناة اضافية وكذلك انت بغنى عن أي مشكلات قد تصيبك إن علموا أنك على صلة مع صاحبة الحكاية أو من يعرفها
_من اي بلد انت .. لكنتك تقول انك من هنا ولست غريبة عن هذه البلاد
لم تستطع وداد كبح لسانها عن السؤال فأجابت زينة بغموض اكبر
_انا من كل مكان … وكما اخبرتك بعض القصص لاتحتاج لمعرفة المكان ولابد انه سبق وطلب منك هذا الامر أعني كتمان لقاءك بصاحبة الحكاية أو من نقلتها لك .. يحق لبطلة الحكاية خاصتي ان تحظى بالامان الذي دفعت ثمنه الكثير ،بل دعيني أخبرك أن هذا شرطي الوحيد ، لأن خطورة الأمر ستتطالك انت قبل بطلة الحكاية
طرقات على الباب نبهت وداد لمرور الوقت فاقتربت منها زينة قائلة
_ ان وافقت على شرطي هذا فانا بانتظارك اليوم مساء .. في منزلي
….
في المساء كانت وداد جالسة في صالة صغيرة مرفقة بالمنزل الصغير الذي اتت اليه تنظر حولها بانبهار لقطع التحف الموضوعة بأناقة تماثل أناقة مكتب السيدة زينة
ان هذه السيدة لابد ودرست كل ماله علاقة بالتحف والديكور فلمساتها الرقيقة والواثقة تراها وداد في كل مكان منذ لحظة دخولها هذا المنزل ترافقها زينة نحو الصالة
استأذنت زينة منها لتعد القهوة لهما ثم عادت بعد دقائق
قالت وهي تضع صينية القهوة على الطاولة وعينيها تراقبان وداد :
_هل أعجبتك اللوحات؟
نظرت لها وداد بابتسامة قائلة
_ انها لوحات دمشقية كما حال التحف وهذه المقاعد .. هل انت من دمشق
نظرت لها زينة بابتسامة لكن عينيها لم تظهر اي مشاعر كما توقعت وداد ان ترى إن هذه السيدة تستطيع إخفاء مشاعرها تماماً بواجهة غريبة
أجابتها زينة بصوت خرج عادياً :
_ والدة زوجي من هناك وهي من أتت ببعض الأشياء بعد زفافها وأنا تكفلت بإحضار الباقي فزوجي مولع بكل مايخص والدته وبلدها أما أنا فكما اخبرتك انتمي لكل مكان
اخذت وداد فنجان القهوة وجلست على المقعد المصنوع من الخشب المزين بالصدف الابيض والمنجد بقماش المخمل الاحمر
لطالما شاهدت مثله في بعض البرامج التلفزيونية التي تتحدث عن روعة هذه الحرفة اليدوية او من خلال متابعتها للمسلسلات الشامية القديمة
كانت زينة تراقب نظرات وداد المعجبة وهل يستطيع احد الا يعجب بهذه الحرف ودقة يد صانعيها
تحفة تحكي إبداع الايادي التي أنجزتها
قالت وداد وهي تخرج من حقيبتها ورقة قدمتها للسيدة زينة قائلة
_ انه عقد يضمن عدم ذكر اي تفاصيل تخص هويتك وهو ما تم إبرامه بيني وبين الفتيات اللواتي استمعت لقصصهن
اخذت زينة الورقة تقرأها ثم خطت توقيعها عليها واعادتها لوداد قائلة
_ رغم أنني أخبرتك أنه لا ضرورة لذلك
هزت وداد رأسها بتفهم ثم اخرجت بضعة أوراق ومسجلا صغيرا وضعته على الطاولة
_ انا مستعدة لسماعك سيدة زينة
….

_ميرال هل بامكانك ان تستلمي مناوبتي غدا
فقد قررت حماتي المصون ان خطبة ابنتها آخر العنقود يجب أن تتم غدا وستقيم حفلا لها ولا استطيع التهرب من هذه المناسبة
ابتسمت ميرال لمنظر صديقتها سلمى وهي تنظر لها بعينين وديعتين جعلتا ميرال تهز رأسها بأجل فما كان من سلمى الا ان اقتربت تحتضنها هامسة
_ انت أروع صديقة على الاطلاق وسأرد الدين لك حين يعود زوجك من سفره
ابتسامة عاشقة طغت على نظرات ميرال وهي تتذكر زوجها الذي سافر منذ فترة لمتابعة بعض الأعمال في محافظة بعيدة
نداء الطوارئ جعلهما تتحفزان وهما تتوجهان لقسم العمليات حيث تمارس كل منهما عملها كطبيبة جراحة في المشفى الكبير داخل العاصمة
كانت ميرال تتحرك بعملية بحتة تستمع للممرضة التي تخبرها بمعلومات عن المريضة التي أصيبت لتوها بشظية صاروخية نتيجة وجودها في حديقة الجامعة حيث سقطت عدة قذائف هناك مما أدى لاصابة العديد من الطلبة الذين تزامن وجودهم هناك مع سقوط القذائف
رغم مرور حالات كثيرة عليها يوميا بسبب كثرة القذائف التي تتساقط ولكنها تشعر بالاسى لكل حالة تتولى اجراء العمليات لها
انتهت من غسل يديها بالمعقم الخاص ثم اتجهت نحو سرير العمليات حيث ترقد فتاة في ريعان شبابها ربما لم تتجاوز العشرين بعد هذا ماخمنته ميرال وهي تلقي نظرة سريعة لوجه الفتاة قبل أن تشرع بعملها بمهنية بحتة يداها خبيرتان بفتح الجسد مكان الاصابة البحث عن الشظية ثم إخراجها ورميها في وعاء مخصص لها
تستمع لطبيب التخدير وهو يعطيها المؤشرات الحيوية للمريضة وقربها طبيب مساعد استعد للبدء بخياطة الجرح بينما يدي الممرضة تعملان على مسح الجسد دوما بمادة معقمة باردة
انتهت العملية ومعها ثلاث عمليات قامت بهن تباعا دون دقيقة راحة
خرجت من غرفة العمليات منهكة تطمئن من حضر من أقرباء المرضى للاطمئنان عليهم
حمدت الله بسرها أنها لم تضطر لابلاغهم باخبار مفجعة كما حصل معها في اليوم السابق حين وصلت ضحيتين نتيجة تفجير بعبوة ناسفة ولكن للاسف وصلتا مفارقتين للحياة
ليس أصعب على الطبيب من نقل مثل هكذا خبر رغم تكراره تقريبا كل يوم الا ان ميرال تشعر بنفس الألم والحزن وهي تراقب انهيارات الاهل وصراخهم بسبب الفقد

دخلت الى غرفتها تبدل ملابسها تنوي المغادرة نحو المنزل علها تنال قسطا من الراحة قبل أن تعود لنفس الروتين غدا
رنين هاتفها جعلها تمسكه متلهفة وهي تناظر الاسم بلهفة اكبر فتحت الهاتف تستمع لصوته بعينين مغمضتين
صوته الذي جاءها عبر الآثير جعلها تستشعر وجوده قربها يديه تحيطان بخصرها بحميمية وشفتاه قرب اذنها تهمسان لها
_ اشتقت لك
تشربت الحروف بدقات قلب مفعمة بالحب ثم حاولت تصنع الحزم وهي تجيب دون ان تفتح عيناها
_من يشتاق لايغيب مدة اسبوعين دون أي اتصال
ضحكاته العابثة وصلتها وهو يقول
_ عندما أصل ساسمح لك بعقابي كما تريدين
همست بلهفة فتاة عاشقة وليس كامرأة متزوجة منذ اربعة عشر عاما
_هل انت قادم حقاً؟
عاد لضحكه قائلا
_ ساعات وأصل باذن الله
قطع الاتصال قبل ان تجيبه صرخت متلهفة
_لجين .. لجين هل تسمعني
صوت انقطاع الاتصال لم يقنعها ان الاتصال انتهى دموع غشت عينيها لاول مرة منذ رحل تستشعر خطرا قادما يحيط به هو
نظرت للهاتف تناظر الشاشة التي تحمل صورة وجهه همست بخفوت
_أرجو أن تصل بالسلامة .. سانتظرك بكل شوقي وحبي لك
وضعت الهاتف في حقيبتها تمسد على صدرها بكف يدها فذلك الشعور السيء لايفارقها
نفضت ذلك عن ذهنها تصبر نفسها بان سوء الأوضاع وكثرة ما ترى من حالات بشكل يومي في هذا المستشفى هو مايجعل هذا الاحساس يتولد لديها
اخذت اغراضها وخرجت من المستشفى قاصدة لمنزلها تحاول رسم الجدية على ملامحها فهي من تعودت ألا يراها احد ضعيفة
اي أحد عداه هو
تخطت البوابة تهاتف صديقتها سلافة والتي مازالت ضمن اجازة اخذتها لمدة يومين
ضحكة ندت عنها وهي تقول
_ باتت الاجازة لمدة يومين رفاهية لايحصل عليها احد في هذه الايام سلافة خانم
اجابتها سلافة بنعاس
_ لاتخبريني ان اجازتي انتهت بهذه السرعة
ضحكت ميرال وهي تضع حقيبتها واغراضها على المقعد المجاور لمقعد السائق ثم تستقل السيارة جالسة خلف المقود تدير سيارتها ومازالت سماعات الهاتف معلقة بأذنها
_مازال امامك حتى مساء الغد
تنهدت سلافة بتعب فهذا يعني أن إجازتها يوم ونصف فقط فقالت ميرال مكملة بابتسامة
_ غدا اريدك ان تتولي المناوبة مكان سلمى هل بإمكانك فعلها …
_ومابها سلمى الآن … لم أنا الوحيدة التي ابتليت بكما بعد تخرجنا
قالتها سلافة تدعي العذاب اجابتها ميرال وعيناها ترصدان سيارة غريبة تتبعها من اللحظة التي انطلقت بها خارج كراج المستشفى
_ بل انت محظوظة بوجودنا يا سلافة .. فكيف كنت ستقضين ايامك دوني انا وسلمى ها أخبريني
قالت سلافة بخيبة
_اجل محظوظة. .. ثم اخبريني مابها سلمى هذه المرة
اجابتها ميرال وعيناها تنتقلان مابين متابعتها للطريق أمامها وما بين تلك السيارة التي تتعقبها منذ خروجها من المستشفى
_حماتها المصون تريد إقامة خطوبة لابنتها اخر العنقود وتعرفين اذا لم تكن سلمى موجودة ستقيم الدنيا ولن تقعدها مهما حصل
أوقفت ميرال السيارة على جانب الطريق امام مطعم اعتادت أن تأخذ منه وجباتها المسائية فيبدو أن حديثها مع سلافة سيطول ثم إنها تريد التأكد من تلك السيارة
هتفت سلافة بنزق
_ هل حماتها مجنونة كيف تريد اقامة حفل خطوبة والوضع في البلد بهذا السوء ثم سلمى الن تكف عن سلبيتها تلك لا اصدق انها طبيبة جراحة ابدا
لا أفهم ما الذي ورطها بذلك الزواج
عينا ميرال وحواسها كانت على المرآة الامامية تراقب السيارة التي توقفت خلفها على بعد عدة امتار
هل هم يراقبونها أم أنه يهيأ لها حاولت أن تتحلى بالشجاعة وهي تلمح السيارة تغادر من امام سيارتها فتنهدت براحة تزيح ذلك الخوف عنها او تدعي زواله هل يمكن ألا تخاف وكل يوم تسمع عن عمليات اختطاف واغتيال
صوت سلافة الحانق وهي تخاطبها جعلها تعود لتركيزها بعض الشئ تقول بصوت خفيض
_ ان الناس تريد ان تفرح كذلك يا سلافة … فمهما كان الحزن كبيرا نحاول ان نبحث عن فرصة واحدة لنعيش لحظة سعادة مسروقة من الزمن ...فلا تلومي الناس لمحاولتهم التمسك بتلك السعادة
قالت سلافة بقلة حيلة
_ حسنا لا بأس وانت هل هناك مايشغلك كذلك
ضحكت وهي تقول بشاعرية
_ لجين قادم بعد ساعات
ضحكت سلافة تجيبها
_ وطبعا العاشقة ميرال لن تستطيع الا ان تكون بانتظاره
ضحكت بمرح وهي تستمع لكلام صديقتها ويدها تلتقط حقيبتها لتخرج قطع النقود بقصد النزول وإحضار الفطائر
_بالتأكيد لن استطيع الا ان اكون بانتظاره
تنهيدة حالمة وصلتها من سلافة وهي تقول بمزاح
_ متى يأتيني ذلك الفارس والذي سأتركك انت وسلمى تقيمان لأشهر في المستشفى بينما انا انعم بالسعادة معه
أجابتها ميرال
_وافقي على إقتراح سلمى وتزوجي شقيق زوجها
قالت سلافة بغضب
_ وأبتلي مثلما بليت هي
لم تنتبه ميرال لجملة سلافة وهي تراقب ذلك الشخص الذي خرج من المطعم نحو سيارة تعرفها جيدا يركب السيارة بجوار سائقها لتنطلق بهم مسرعة … انه شخص لن تخطأه أبدا … ولكن ماذا يفعل هنا وهو مسافر لعدة أيام كما اخبرها
توسعت عيناها بصدمة كلا لابد أن هذا وهم من صنع خيالها فهو لايمكن ان يكذب عليها قالت محاولة انهاء الاتصال بسرعة
_سلافة علي ان اغلق الان … لاتتخلي عن سلمى مهما حدث .. تذكري عهدنا اننا شقيقات لاخر العمر
سلافة على الطرف الآخر قفزت برعب من سريرها وبرأسها تدور آلاف السيناريوهات عن الخطر المحدق بميرال ومثيلاتها من الأطباء عمليات خطف واغتيال تطال كل يوم النخبة منهم وميرال الافضل في مجالها في المستشفى الذي تعمل به فهل هناك من يود اغتيالها
_ميرال .. ميرال هل انت بخير
اتاها صوت ميرال وقد استعادت بعض هدوءها
_ انا بخير ماذا بك
سقطت سلافة على السرير تلهث قائلة
_لقد اخفتني ظننتها وصيتك الاخيرة يافتاة
_ كل يوم نحن نكتب وصيتنا ياسلافة ام تراك نسيتي مايحدث خارجا كل ساعة .. ساغلق الان فانا وصلت للمنزل
كان هذا صوت ميرال التي أنهت الحديث بعدها متوجهة نحو منزلها وقد غادرت سعادتها بقدوم زوجها ليحل محله الخوف .. خوف كانت تشعر به منذ مدة لكنها كذبت نفسها مرات ومرات
………

انتهت من حمامها ونظرت للهاتف باستجداء للمرة المئة
لم يرن منذ وصولها رغم إرسالها للعديد من الرسائل
تنهدت بتعب تجلس بارتباك على الكرسي في الصالة تفكر وتفكر
نظراتها رانت الى مجموعة من الصور وضعتها بإتقان فوق رف المدفأة الرخامي
اول صورة لها ولزوجها لجين يوم زفافهما منذ سنوات
يضمها اليه بمشاكسة وهي تنظر للكاميرا بضحكة صافية افتقدتها منذ بدء الحرب
كم رسمت من الأحلام رفقة لجين
البعض تحقق والبعض اصبح طي النسيان من الصعب تحقيقه
الصورة التالية لها وله منذ عام بمناسبة عيد زواجهما لازالت نظراته تحمل ذات العشق لها
تلك اللمعة التي تخبرها أن الحب لا يخبو مع الأيام بل تزداد شعلته توهجا في قلوب المحبين
أما الصورة الثالثة لها ولصديقتيها سلافة وسلمى صورة تجمعهم في الجامعة واخرى التقطت منذ عامين بعد ولادة سلمى لابنتها لطالما كانت وصديقتيها الثلاثي المرح
صداقة ابتدأت في مقاعد الدراسة في الجامعة ولم تزدها الأيام إلا متانة وقوة
آخر صورة كانت لها مع شقيقها غياث تحتضنه بلهفة أم وسعادة اخت
نهضت من مقعدها نحو مكان الصور امسكت الصورة الاخيرة بيدها تمرر اصابعها على زجاجها تتلمس وجه شقيقها الضاحك
تستعيد ذكرياتها معه منذ ولادته وهي التي تكبره بتسع سنوات
كانت وحيدة والديها ليأتي هو بعد تسع سنوات انتظار
كانت مثل امه بل أكثر اقرب اليه من امهما ووالدهما
ولأن الله لم يرزقها باولاد بعد زواجها بقي هو بمكانة ابنها الذي لم تنجبه
وساهم لجين بتعزيز تلك المكانة حين اتخذه كولد له ايضا
اغدقت عليه الكثير من حبها وحنانها
نظرت لملامحه في الصورة تتذكر تاريخ التقاط الصورة بمناسبة تخرجه برتبة امتياز من الكلية التي يدرس بها ليبدأ بعدها مشواره لنيل شهادة الدكتوراه
سافر وبعد سفره بدأت تشعر بتغيره ..
عودته اثبتت لها تغيره فهو لم يعد الشاب الباحث خلف العلم والقيم بل بات كغيره لاهثا خلف جمع المال والمناصب
لكن مازالت حتى هذه اللحظة تنكر في قلبها انه تغير تحاول ألا تصدق ماتراه منه بل تكتفي بما يخبرها به قلبها كأم
تؤكد ان غياث مازال ذلك الفتى الضاحك للحياة والممتلك للكثير الكثير من الحب
اهتزاز الهاتف ابلغها بوصول رسالة أعادت الصورة بسرعة ولكنها سقطت أرضاً ليتحطم الإطار الزجاجي لشظايا كثيرة جعلها تشهق وهي تمد يدها بلهفة لتخرج الصورة قبل ان تتمزق فكان نصيب يدها جرح صغير
قطرات من الدم الأحمر تناثرت فوق صورتهما عيناها اهتزتا بغير استقرار وهي تراقب تلك البقعة التي خلفتها قطرة الدم
امسكت الصورة تضعها على طاولة قريبة بعد أن نفضت عنها قطع الزجاج
ثم اتجهت نحو المطبخ بخطوات ساهمة تحضر أدوات التنظيف لازالة بقايا الزجاج
عقلها يعمل بآلية يفكر و يدور بدوامات الفكر
أنهت إزالة الزجاج ثم عادت لمكانها تضع ضمادا لاصقا توقف نزيف الجرح بعد ان عقمته
اخذت الهاتف بيد مرتجفة تقرأ الرسالة التي أرسلت لها من رقم غريب
_ لا اعلم متى سأصل لأن الطرقات مقطوعة والوصول بات صعبا ..هاتفي نفذ شحنه
حاولت الاتصال بالرقم الذي وصلت منه الرسالة دون فائدة
تسرب القلق إليها وهي تتصور الكثير من الأشياء المرعبة التي يمكن أن تحصل
عادت تتاكد ان بريدها لا يحتوي إلا على هذه الرسالة إذا فغياث لم يجبها بعد
وضعت الهاتف جانبا وهي تفكر متى ستزول هذه الغمة ويعود كل شيء لسابق عهده
تعود هي ولجين لقضاء صباحهما معا مع فنجان قهوة صباحي يعبق برائحة الياسمين ثم يتوجهان لعملهما ويعودا مساء لقضاء امسياتهما معا
كيف لا يشعر الإنسان بقيمة تلك الأشياء البسيطة التي تجري في روتين يومه العادي الا حين يفتقدها
كيف تصبح هذه الأشياء من أكثر الأمور التي يتمنى عودتها حين يفقدها
صدقت امها يوما حين اخبرتها
عيشي كل لحظة سعادة .. عيشي كل التفاصيل الصغيرة فهذه التفاصيل يوما ستكون كل حياتك
وهاهي الآن تتمنى أن تعود تلك التفاصيل الصغيرة لحياتها
يغمرها حنين غريب وهي تتذكر سيرها العادي في شوارع مدينتها القديمة ويدها بيد لجين
رائحة الدرب الذي يسيران به
ممزوجة برائحة حبات الفول المسلوق الذي يبتاعه لها من البائع الجالس خلف عربته الصغيرة
برائحة متاجر الفطائر المحشوة والتي تعشقها
رائحة الحنين
حنين يؤلم قلبها بنغزه
ألا ليت زمانها توقف عند تلك الأيام
ولم تسر الحياة بها الى هذا الزمان

في اليوم التالي أنهت عملها هي وسلافة واتجهتا نحو مطعم قريب لتناول العشاء قبل العودة للعمل
فهذه الأيام بات تواجدهما بالمستشفى شبه دائم اتخذت كل منهما مقعدا ثم طلبتا وجبة لهما قالت سلافة ضاحكة وهي تمسك الهاتف بطفولية تلتقط صورة لها ولميرال
_سارسلها لسلمى … انها الان تدور بين ضيوف والدة زوجها
نهرتها ميرال بابتسامة قائلة
_ توقفي عن افعالك هذه لااصدق انك تتصرفين كطفلة
لم تهتم سلافة وهي تلتقط صورة اخرى لتضحك وهي تقرأ رد سلمى فاقتربت بمقعدها من ميرال تريها ما ارسلته سلمى مما جعل ميرال تنفجر بالضحك كذلك وهي تناظر صورة سلمى الباكية بتصنع وكلماتها التي ترافق الصورة
_( سأتركهم واهرب اليكما )
اتت الوجبة فتصنعت الاثنتان الهدوء والصمت ريثما يضع النادل الصحون
ما إن ذهب حتى هجمت سلافة على طبق المعكرونة المفضل لديها قائلة
_ ان المعكرونة الوحيدة التي تهدر هيبتي كطبيبة لا أستطيع مقاومتها ابداً
اشارت لها ميرال باجل وهي تتناول طعامها كذلك وعيناها تراقب الشوارع الهادئة في هذه اللحظات
هدوء لايدوم طويلا في هذه الايام لذلك يحاول الجميع الاستمتاع به قدر المستطاع
يعيشون يومهم بشكل طبيعي متناسين ما يحدث كل يوم يخرجون لمدارسهم وأعمالهم لزيارة أقاربهم
كل شيء يسير بشكل طبيعي تكاد في لحظات الهدوء هذه تقسم أن لا حربا تمر من هنا كل ساعة
_مابك منذ أتينا هنا وانت تسافرين بافكارك بعيداً
قالت سلافة وهي تنظر لها باستغراب فاجابتها ميرال وهي تحرك قطع المعكرونة امامها في الصحن بشرود :
_ لا أعلم يا سلافة .. أحس أنني بت متعبة جدا من كل مايجري .. أرغب بأن أستيقظ صباحا لاجد كل ماجرى مجرد كابوس عشته .. أستيقظ لاسمع صوت ضحكات الاطفال في الحديقة أمام منزلي .. استمع لأصوات الناس وهي تغادر لأعمالها صباحا ،استمتع بحديثي كل صباح مع لجين ، ولكني اشعر ان هذا الكابوس طال أمده طويلا
قالت سلافة بتفهم لما تمر به ميرال وهي التي لاتقل حالا عنها بكرهها لكل ماجرى ويجري
_ سينتهي ذلك قريبا بإذن الله .. فقط علينا ان نتحلى بالأمل والايمان بأن الخير قادم لامحالة
وأن النور سيشرق مهما طال أمد الظلام
هزت ميرال برأسها بتأكيد لما تقوله سلافة فأكملت سلافة كلامها
_ كل ما هنالك اننا حقا بحاجة لاجازة تبعدنا قليلا عن جو المستشفى ..عن كل ما نعايشه من مآسي هناك ..
قالت ميرال بحزن
_ أتمنى ذلك فعلا ولكن عمل لجين لايسمح له بأخذ إجازة طويلة
حاولت سلافة اخراج ميرال من ذلك الحزن الغريب عليها فقالت بشقاوة
_ اها اذن هذا هو الأمر
نظرت لها ميرال باستغراب فأكملت
_ قولي انك لاتريدين الا ان تكوني انت وزوجك حبيب قلبك اما انت ياسلافة المسكينة فلا عطلة ولا اجازة
ضحكت ميرال وهي تضربها بخفة على كف يدها قائلة
_ انت لاتُصدقين فعلا
تصنعت سلافة الحزن ووضعت يدها على خدها تندي حالها قائلة
_ تعيسة انت ياسلافة لايوجد من تتمنين عطلة معه
ابتسمت سلافة وهي ترى ميرال تضحك حتى دمعت عيناها فهذا ماتريده ان تشاهد ميرال دائما مبتسمة وسعيدة فسعادة صديقتيها تعني سعادتها هي
…..
لم يستطع لجين القدوم بعد وغياث لايرد على اتصالاتها والقلق يزداد بداخلها لقد تركت سلافة بالمستشفى وعادت لتنعم بقسط من الراحة في المنزل طالما لايوجد اي عمليات مستعجلة
البارحة لم تنم من كثرة التفكير ومحاولتها لربط الكثير من الأحداث التي جرت ببعضها
تدور أفكارها بدوامات شتى دون أن تجد سبيلا للراحة
صوت انفجار قريب جعلها تقفز خوفا من مكانها
اقتربت بحذر من النافذة المطلة على الشارع تزيح الستارة تحاول تخمين مكان الانفجار
لابد انه يبعد بعض الشئ عن منزلها هذا ماخمنته وهي لا تلاحظ أي حركة غير طبيعية في الشارع قرب منزلها
غريبة هذه الحياة فعلا موت هناك وحياة هنا
والحياة مستمرة لايوقفها شئ
عادت نحو مقعدها تمسك الهاتف ترسل رسالة جديدة على هاتفها ليأتيها الرد بعد لحظات
_سأكون بعد ساعة عندك
أطفأت شاشة الهاتف و اعادت الهاتف لمكانه
ثم عادت تراقب شاشة التلفاز وعيناها تقرأ الخبر العاجل الذي كتب بالخط الأحمر والذي يقوله مذيع النشرة تزامنا مع قراءتها
( تفجير ارهابي يطال مطعما في المنطقة …. من العاصمة ذهب ضحيته عشرون شخصا
التفجير تسبب بموت…. وهو شخصية غنية عن التعريف والاشاعات تقول أن المقصود كذلك هو رجل الاعمال غياث العالم الذي لحسن حظه تعرض لحادث سير بسيط قبل وصوله للمكان مما أنجاه من هذا التفجير )


فاتن منصور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس