عرض مشاركة واحدة
قديم 27-09-20, 10:50 PM   #140

may lu

كاتبة بمنتدى من وحي الاعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية may lu

? العضوٌ??? » 107341
?  التسِجيلٌ » Jan 2010
? مشَارَ?اتْي » 2,587
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » may lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

التقطت سمية فنجان قهوتها بينما تتابع حفيدتها تلعب وسط الزهور وتنهدت بحرارة .. كم هي مشفقة عليها وتخشى المستقبل بشدة .. يومًا كان أولادها مثلها، يكبرون غافلين ولم تلبث الأحزان أن سرقتهم، وغرق كل واحدٌ منهم في تعاسته وألمه .. كل واحد انغلق أكثر على قلبه حتى عنها هي .. سالم الذي عاد بعد غياب عشر سنوات، ظل منطويًا على نفسه متباعدًا كأنّه لم يعد، حتى وقت خطبته لوتين كانت تشعر كأنّه لا زال مهاجرًا، ولولا عودة رواء إلى حياته ما كان فتح لها قلبه .. إيهاب هو الآخر لا يمكنها إجباره على اعتبارها أمه، خاصًة بعد الطريقة التي فقدها بها .. قلبه مغلقٌ منذ الحادث .. ويوسف غارق في عالمه الخاص كعادته .. ونيروز .. تنهدت وهي تفكر في صغيرتها .. كبرت قبل الأوان ورحيل سالم كسرها .. لا زالت تتذكر الليالي الطويلة التي بكتها معتصمة في غرفته تصر أنّه سيعود من أجلها ولن يتركها مثلما فعل أبوها، ومع مرور الوقت فقدت الأمل ولم تعد تتحدث عنه .. سنة بعد أخرى كانت تنطوي على نفسها عن الجميع حتى عن إيهاب .. عادت تتأمل لي لي بحنان حزين وعقلها يشرد إلى أبيها .. ربما أسامة أكثرهم انغلاقًا وتشعر أنّه يخفي في قلبه جرحًا كبيرًا .. قلبها يؤلمها بشدة من أجله .. تعرف أنّه تعيسٌ مع زوجته .. كلاهما تعيس .. منذ أول يوم في زواجهما، لا، بل منذ أجبره جده على خطبتها .. تحسست قلبها بألم .. ليتها لم تكن بهذا الضعف أمام عمها .. ليتها كانت تحمل ولو بعضًا من قوة حماتها، لكنّها نشأت في حماه منذ صغرها .. تربت على طاعته والخوف منه ومن قبله جدها .. وماذا فعلت حماتها بكل تمردها وقوتها وكبريائها؟ .. انكسرت وانعزلت عن الكل .. لا أحد يستطيع الوقوف في وجه كبير المنصوري .. من يتسلم الراية يملك قياد الجميع ويحكمهم بالخوف وكم تخشى على سالم من ذلك اليوم الذي سيجبره جده على حمل الراية بعده؟ .. لقد حمدت الله رغم ألمها الشديد يوم قرر الرحيل ... احتملت على أمل أن ينجو من هذا المصير، على رجاء ألا تراه يومًا بقسوة جده .. احتملت من أجل أن يرتاح قلبه الذي تحطم بخسارته لحبه، وعاد حماها ليؤجج مخاوفها حين نقل وجهة هدفه إلى أسامة المسكين.
توقفت أفكارها عندما غادرها أسامة متمثلًا أمامها وسمعت لي لي تهتف بسعادة
"بابا"
راقبتهما بحنان ولم تغفل مسحة الحزن المعتادة على وجهه وفي عمق عينيه
"زنبقتي الحلوة"
قال أسامة وهو يحتضنها مقبلًا
"آه .. اشتقت لكِ حلوتي"
لفت ذراعيها حول عنقه تقبل خده
"وأنا أيضًا بابا .. هل أحضرت لي هديتي؟"
ضحك وهو ينزلها أرضًا
"طبعًا أميرتي"
ومال يلتقط حقيبة ورقية كبيرة قدمها لها
"ها هي زنبقتي لكن كما اتفقنا .. لن تأكليها كلها"
لمعت عيناها وهي تفتح الحقيبة وأسرعت إلى جوار سمية تخرج محتوياتها بانبهار وتضعها على الطاولة
"انظري تيتا .. ماذا أحضر لي بابا؟"
ضحكت سمية وقالت محدثة أسامة
"ستصيب تارا بأزمة قلبية حين ترى كل هذه الحلويات"
ابتسم متأملًا صغيرته التي صفقت فجأة بسعادة ولمعت عيناها وهي تخرج كيسًا كبيرًا يحوي غيمة كبيرة وردية
"غزل بنات"
ابتسم بشحوب بينما تقافزت صارخة
"شكرًا بابا كم أحبك .. سأذهب لأغيظ نيرو"
ضحكت سمية وهي تتابعها تقفز مبتعدة ناسية خلفها باقي أكياس الشوكولا والسكاكر، بينما عينا أسامة لم تفارقا غيمة السكر الوردية بأسى انتبهت له سمية فصمتت قليلًا
"أسامة بني"
التفت لها منتبهًا
"نعم يا أمي"
تنهدت بخفوت ثم قالت
"ألا زلت غاضبًا من سالم؟ .. ألا تنوي الحديث معه؟"
غامت عيناه ولم يرد فعادت تقول
"إنّه أخوك الكبير بني"
ردد بمرارة
"وماذا يفترض بي أن أفعل حيال هذا أمي؟"
أخبرته بألم
"حتى الكبار يخطئون بني .. تحدث معه .. إنّه يحاول منذ فترة لكنّك لا تمنحه فرصة"
تنهد بقوة ثم همس مطأطئًا
"لا تقلقي بشأننا أمي .. كما قلتِ هو أخي الكبير .. الوقت سيحل كل شيء"
وقاطعها قبل أن تواصل
"سأذهب لأرتاح قليلًا أمي فأنا متعب"
مطت شفتيها بأسى قبل أن تومئ فابتسم لها بخفوت وتحرك متجهًا للداخل تتبعه عيناها بحزن وهي تهمس
"خفف الله عن قلبك يا بني"
اتجه هو مباشرة إلى جناحه بشرود وعيناه تستعيدان حزنهما الذي فاض بقلبه .. لم يستطع اليوم أيضًا رؤيتها ولا الاطمئنان عليها ولو من بعيد .. يؤلمه أن يراها أخواه بينما هو عاجزٌ عن الاقتراب منها، وبأي صفة سيقترب .. تنهد بحرارة وهو يدخل غرفته وارتمى على الأريكة
"حتى متى هذا العذاب يا ربي؟"
أغمض عينيه وقلبه يخبره لائمًا .. حتى لو استطاع رؤيتها ماذا كان سيخبرها؟ .. ما منعه عنها لسنوات وحتى حين عاد ورآها قبل أشهر، ما منعه من الحديث معها والاقتراب أكثر لا زال موجودًا .. ماذا يملك ليقدمه لها؟ .. هو الآن متزوجٌ حتى لو كان زواجًا مع وقف التنفيذ .. حتى لو كان حرًا، كيف يدخلها هذا الجحيم بنفسه؟ .. ألم يحتمل كل هذه السنوات لأجلها؟ .. كان راضيًا أن تكون بخير، رغم اشتياقه لرؤيتها حين رحلت أسرتها بعيدًا، وحين وجدها بعد ثلاث سنوات من رحيلهم لم يستطع .. لم يقاوم رغبته وانساق وراء شوقه إليها .. ظل يراقبها من بعيد مكتفيًا بها حبًا مستحيلًا وكان راضيًا .. لم يكن ينوي الاقتراب أكثر يكفيها ما عانته هي وأسرتها بسبب جده .. لن يكون أنانيًا ويدخلها تلك الدوامة التي نجوا منها .. لن يؤذيها .. هكذا أقنع نفسه وظل مكتفيًا برؤيتها في طريقها للجامعة .. تلك اللحظات المسروقة كانت جنته .. كان يشعر بروحه ترد إليه وكان عليه أن يعرف أنّ جنته لن تبقى حصينة من الشر للأبد .. كان عليه أن يتوقع أنّ جده سيعرف وسيتدخل .. لا بد أنّه خشى أن يفعل مثل سالم ويتحداه بالزواج منها وينتهي به الحال متمردًا عليه بعد أن رمى على كاهله كل شيء بعد رحيل سالم.
فتح عينيه ناظرًا حوله باختناق .. لم يكتف بوعده له أنّه لن يتزوجها لكنّه قرر فجأة تزويجه ربما ليطمئن أنّه لن يفكر فيها مطلقًا .. ربما ليجعله يفقد الأمل في دخولها حياته يومًا .. رفض وقاوم لكنّ جده لف الحبل حول عنقه حين مد يده إليها بالأذى .. حين تعرضت لذلك الحادث شعر كأنّه هو من أُصيب .. هو من كاد يموت .. بل إنه مات يومها وجده يبلغه الخبر قائلًا أنّها كانت قرصة أذن خفيفة ليصدقه .. وكان عليه أن يركع مستسلمًا ومنهزمًا .. حياتها كانت مقابل حريته .. وكان الخيار عندها سهلًا.
ضعط بين عينيه بألم .. لم يكن سهلًا .. لم يعرف أنّه سيتعذب هكذا .. جده كان محقًا في ظنونه .. ربما عرف أنّ حبه سيهزمه وسيأخذه إليها معترفًا ومطالبًا بحقه فيها .. هو الآن يعرف .. يشعر .. رغم أنّه مقيدٌ لكنّه يشعر أنّ قلبه سيحطم تلك القيود في أي لحظة مطالبًا بها .. حبيبته .. غيمته السكرية .. ابتسم وهو يغمض عينيه مجددًا ملتمسًا بعض الراحة في ذكرياته معها وترك عقله يسافر بعيدًا إلى اليوم الذي رآها فيه لأول مرة.
كان ذلك اليوم الذي جره فيه سالم جرًا وأصر على أن يصحبه ليرى حبيبته التي صدع رأسه بالحديث عنها .. يومها هتف بحنق بينما يتناول حقيبته الرياضية من المقعد الخلفي لسيارة أخيه
"لا أفهم ماذا سأفعل معك يا سالم"
لم يرد سالم وهو يسرع بخطواته داخلًا المركز التجاري الذي افتتِح قريبًا وتبعه هو متنهدًا بنزق
"لقد فقد عقله كُليًا"
وناداه بصوتٍ مرتفع بينما يراه يحرك بصره بين الناس باحثًا عن حبيبته
"أنت يا "بني آدم" .. لماذا جررتني معك إلى هنا؟ .. أخبرتك أنّ لدي تمرين مهم"
التفت له بنزق
"ألم تقل أنّك تريد رؤية الفتاة التي سرقت عقلي مني؟"
تأفف مرددًا
"كنت أستعجب فقط من حالك .. لم أعرف أنّك ستنفذ الأمر، ومؤكد كنت سأراها يومًا حين تتزوجها"
لوح بيده مغمغمًا بشرود
"أعرف هذا .. لم آت بك لهذا السبب .. أحتاج مساعدتك"
رمقه بحذر وقال متوجسًا
"فيما؟"
واصل البحث بعينيه وهما يسيران عبر المركز التجاري
"أريد تشتيتًا جيدًا لأصل إليها وأنفرد بها بعيدًا"
"نعم؟ .. ماذا يعني هذا؟ .. وما شأني أنا؟"
وضع كفه على كتفه بقوة فرمقها بحذر رافعًا أحد حاجبيه بينما سالم يقول
"أنت هو التشتيت"
"أنا؟"
لم يهتم بالتوضيح بينما يدير عينيه
"أين اختفين؟"
زفر بحنق وتراجع ليجلس على حاجز رخامي قريب ملقيًا حقيبته جانبًا
"حسنًا فلنجلس كالشحاذين حتى يرتاح سالم باشا"
تراجع مستندًا لكفيه يتابع تحركات سالم بملل
"العشق أفقده عقله تمامًا"
ولم يدر أنّه سيدفع ثمن كلماته بعد قليل .. ظل مكانه متململًا حتى عاد سالم ليجلس جواره مقطبًا
"ماذا؟ .. هل فقدت أثرها؟"
رمقه بحدة وهو ينظر للجهة الأخرى
"ستظهر حتمًا"
تنهد وهو يحرك عينيه بسأم في المكان الواسع يراقب بدوره الناس شاعرًا بتململ سالم جواره .. كاد يلتفت إليه ويقول شيئًا حين التقطت أذناه ضحكة رقيقة انقطعت فجأة والتفت هو بحثًا عنها لتقع عيناه على صاحبتها الواقفة قرب كشك صغير على مقربة، والتي قطعت ضحكتها بكفها في حرج .. اعتدل منتبهًا وقلبه اضطرب بطريقة عجيبة .. رآها تضع سبابتها على شفتيها بحركة محذرة للفتاة الصغيرة جوارها .. ابتلع لعابه بتوتر وعيناه تتعلقان بابتسامتها التي حاولت التحكم فيها بخجل واضح .. قلبه بدأ ينبض بصخب ازداد وهو يتطلع فيها مسحورًا بينما تتناول من البائع - بسعادة لمعت في ابتسامتها وعينيها - عصا تحمل غيمة كبيرة وردية من حلوى غزل البنات .. نسى كل شيء مما حوله ونسى سالم وغرق بكل كيانه في تأملها .. بشرتها السمراء وملامحها الرقيقة التي بدت أوضح وهي تتحرك نحوه .. توتر في جلسته وشعر بأنفاسه تتوقف
سمراء كليلِ السهرانِ
وكطلةِ بنتِ السلطانِ

من مكانٍ ما قربه أو ربما من داخله ترددت الكلمات .. لا .. كان يسمعها داخله بينما السمراء تقترب أكثر من مجلسه .. رجفة كهربية سرت بقلبه حين خانتها ضحكة أخرى
ضحكتها كالفرحِ المنصوب
شراعًا فوق الخلجانِ
كصباحٍ تمرحُ فيه الشمس
كرقصِ الريح بفستانِ
…..
بل كرقص قلبه الذي اهتز مع ضحكة شفتيها اللتين قضمتا برقة قطعة من الغيمة الوردية، والأغنية تواصل داخله مع كل خطوة لها يشعرها تسيرها على قلبه
…..
من فرحةِ أرضٍ أزلية
من رنةِ عودٍ شرقية
لفتتُها الخفة
خطوتُها الرقصة
……
خطواتها المقتربة المتراقصة فوق قلبه الذي نال الضربة القاضية حين التقت عيناها بعينيه للحظة واحدة، لتصعقه سحبها الرمادية التي تعصف بسعادتها، والتي أشاحتها سريعًا بخجل ووجد شفتاه تتمتان بانبهار
"سمراء"

كان يكمل كلمات الأغنية الدائرة داخله ولم يعرف لحظتها أنّه همس اسمها دون أن يدري

"ها هي .. وجدتها"
انتفض قلبه بجزع مع هتاف سالم والتفت ليجده ينظر إلى حيث تبتعد .. هتف بفزع لم يتحكم به
"من؟ .. تلك السمراء؟"
نهض سالم وسحبه من يده بسرعة
"لا .. هذه شقيقتها .. هيا بنا"
استكان قلبه بين ضلوعه وعاد ينظر خلفه وسالم يجره خلفه ليتواريا عن الأنظار ورآها تقترب مع شقيقتها الصغيرة من إحدى السيدات وفتاة جميلة بيضاء .. هل هذه رواء شقيقه؟ .. لا بد أنّها هي .. مال يهمس وعيناه لا تفارقان ساحرته السمراء
"ماذا ستفعل الآن؟"
همس سالم بالمثل
"سأنتظر لأجد فرصة وبعدها حاول أنت تشتيت انتباه والدتها وشقيقتيها حتى اختطفها"
التفت له مصدومًا
"تختطفها؟"
ضرب كتفه
"لن أختطفها طبعًا يا أحمق .. هل أنا مجنون؟"
رد ساخرًا
"يبدو لي أنّك أصبحت واحدًا"
أشار له دون أن يرد على سخريته
"هل تعرف ما عليك فعله؟"
ابتسم بحماس هذه المرة .. بالطبع يعرف والمهم أنّه سيقترب منها .. هذا يكفي ليشجع سالم على حماقته التي لم تعد حماقة في عينيه .. ليس بعد الآن.
تبع سالم وأعينهما على الأسرة الصغيرة التي تابعت تسوقها وسالم يبحث عن فرصة ليقتنص حبيبته .. أما هو فقد عاد ليضيع مرة أخرى مع سمرائه الساحرة .. مضت دقائق وهما يتابعان تصرفهما الأحمق حتى رأيا رواء تجلس قليلًا في انتظار البقية.. تعلقت عيناه بسمرائه وهي تتفحص واجهة تعرض بعض الأحذية بينما تتناول مع شقيقتها الصغرى غزل البنات وتواصلان حديثهما .. تمنى لو كان قريبًا ليسمع صوتها .. هل هو ساحرٌ مثلها يا تُرى؟ .. قاطع أفكاره صوت سالم الذي هتف فجأة عندما وجد أمها تشير إليها أن تنهض
"هيا بنا .. تعرف ما عليك فعله"
رفع له إبهامه مبتسمًا وأسرع يخرج نظارته الشمسية وارتداها، وحمل حقيبته .. تحرك مسرعًا في الوقت الذي اتجه سالم نحو حبيبته بخطى واسعة .. قاطع هو طريقهن لتشهق سمراء حين كاد يصطدم بها وتراجعت في اللحظة المناسبة وسمع الصغيرة تهتف
"انتبه يا هذا، ألا ترى؟ .. ما هذه الوقاحة على بكرة الصبح؟"
رائع .. سليطة لسان كشقيقته العفريتة .. أسرع يردد بارتباك مفتعل
"آسف حقًا آنستي .. أنا لا أرى بالفعل"
لمح من طرف عينه خلف النظارة شقيقه يختطف رواء ويبتعد بها، وكاد يتنهد لولا أنّه سمع سمراء تردد بلوم
"عيب يا طيف"
تراقص قلبه مع صوتها الذي داعبه بنبرته المميزة وتلك البحة الرقيقة فيه بينما تلتفت له قائلة باحترام
"أعتذر منك يا أستاذ .. لم ننتبه لك"
كانت غافلة عن نظراته لها من خلف النظارة بينما أخذ كل وقتها في استيعاب ملامحها وسحر عينيها .. ردد بابتسامة
"لا بأس آنستي .. الخطأ خطأي .. للأسف فقدت عصاي في مكانٍ ما هنا، وفقدت الاتجاه أيضًا"
مطت شفتيها بأسف ولامه قلبه على كذبته لكنّه سرعان ما برر لنفسه .. كله في سبيل اقترابه قليلًا منها .. وبالطبع من أجل شقيقه .. واصل كذبه على نفسه .. عليه أن يعطلهن لأطول وقت حتى ينتهي سالم
"هل تحتاج أي مساعدة يا بني؟"
سماع صوت أمها الحاني جعل ندمه يزداد لكنّه ردد مستغلًا الفرصة التي أتت حتى قدميه
"إن لم يكن هناك أي إزعاج سيدتي"
ونظر تجاه سمراء مكملًا
"هناك محل في هذا الطابق أو التالي .. لا أذكر .. إنّه خاص بالملابس والأدوات الرياضية"
تلفتت حولها تنظر لعناوين المحلات ثم قالت
"لا أذكر أنّه قابلني هنا .. ربما في الطابق العلوي"
أسرع يقول
"شكرًا لكِ آنستي .. سأرى إن كان بإمكاني رؤيـ .. أعني العثور عليه"
تحرك مبتعدًا بعد اعتذار خافت واتجه عامدًا تجاه السلالم المؤدية للأسفل .. سمعها تهتف خلفه محذرة
"توقف يا أستاذ .. هذه السلالم، سـ .."
انقطعت كلماتها بشهقة حين وضع قدمه على أول درجة مدعيًا التعثر بينما يتمسك بحاجز السُلم .. سمع خطوات سريعة خلفه وأتاه صوتها بعد ثوان
"أنت بخير؟"
اصطنع أنفاسًا متسارعة وأمسك بقلبه بينما أسرعت هي تجذبه من كُمه بعيدًا عن السُلم
"كنت ستسقط .. كيف تندفع هكذا دون أن ترى أمامك؟ .. أقصد لم يكن عليك .."
قاطع كلماتها المرتبكة بهدوء مخالف للطبول التي تقرع في صدره
"خشيت أن أسبب لكُن الإزعاج بوقوفي أكثر"
خفضت يدها بسرعة عن كمه وقالت
"ألا يوجد معك أحد؟"
خفض رأسه بأسف مصطنع
"ظننت أنني سأستطيع الاعتماد على نفسي .. لكن .. كما ترين"
رفع رأسه ليراها تنظر له بأسى وقطبت في تفكير قبل أن تردد
"لحظة"
اقتربت من أمها الواقفة بالقرب تهمس لها بشيء فأومأت أمها موافقة لتعود هي إليه بسرعة
"إن لم يكن لديك مانع .. سأوصلك للمحل"
رفع رأسه هاتفًا بلهفة لم يتحكم بها
"حقًا؟"
وأسرع يتحكم في تعابيره المتلهفة ليقول بصوت متوازن
"أشكركِ جدًا يا آنسة لكن .. حقًا لا أريد أن أتعبكِ"
"لا تعب إطلاقًا"
همست برقة وظل هو ينظر لها هائمًا .. رفعت حاجبيها بدهشة فانتبه لنفسه قائلًا وهو يمد يده
"إن لم يكن هناك أي مشكلة حقًا .. بالطبع سأكون ممتنًا لمساعدتكِ"
نظرت ليده بتردد قبل أن تحسم الأمر وبدل أن تمسك كفه، عادت تقبض على كُمه فكتم ابتسامة رغم أسف قلبه لأنّها حرمته من لمسة كفها .. رباه .. لقد فقد عقله مثل سالم بالضبط .. ومن نظرة واحدة .. هذا جنون .. لكنّه لا يمانع إطلاقًا .. جذبته نحو السلالم المتجهة لأعلى وقالت
"تفضل من هنا"
تحرك معها، ولم تحاول الحديث وواصل هو اختلاس النظر إليها .. كان يشعر بحرجها من مرافقتها له وهام قلبه لرؤيتها تكاد تذوب خجلًا بينما تشيح بعينيها لأعلى .. كان يبحث عن طريقة ليفتح معها حوارًا حين رن هاتفه كما اتفق مع سالم .. توقف شاتمًا حظه بينما يهمس بحنق .. لماذا يا سالم؟ .. لماذا لم تنتظر بضع دقائق أخرى؟
"ما الأمر؟"
ارتجف قلبه مع سؤالها القلق والتفت ليرد عندما لمح أحد الشباب ينزل مقتربًا منهما بينما يرن هاتفه مرة أخرى
"هاتفك يرن"
عض شفته مع كلماتها .. يعرف أنّه يرن .. حسنًا يا سالم .. طبعًا وجدت حبيبتك وانتهيت مما تريده .. تبًا
"هل أنت بخير؟"
قاوم ذوبان قلبه الأحمق مع نبرتها وأسرع يقول
"هناك شخص قادم نحونا، أليس كذلك؟"
التفتت للشاب وقالت
"نعم .. هل تعرفه؟"
أسرع يشير له قائلًا باعتذار بينما قلبه يركل حانقًا يرفض تركها
"أعتذر منك سيدي"
توقف الشاب ناظرًا لهما بتساؤل فقال
"عذراً منك لكن .. هل يمكن أن تساعدني لأصل للدور العلوي .. الآنسة ليست معي وقد عطلتها بما يكفي"
"بالتأكيد"
رد الشاب بينا احمر وجهها وهي تقول
"لم يحدث شيء يا أستاذ"
التفت لها مبتسمًا ينظر في عينيها الرماديتين مرة أخيرة
"والدتكِ تنتظركِ .. اذهبي إليها والأستاذ سيساعدني .. شكرًا لكِ كثيرًا آنستي"
خفق قلبه مع نظرتها وابتسامتها الرقيقة التي أذهبت أنفاسه أكثر
"لا شكر على واجب .. سلام"
راقبها قلبه بحسرة وهي تبتعد قبل أن ينتبه على الشاب يمد كفه له .. شتم نفسه بحنق وعاد لتمثيله وصعد السلالم مواصلًا شتم نفسه وسالم الذي توعده أن يركله فور رؤيته .. تراجع غضبه سامحًا لخيالها باحتلال عقله ليبتسم قلبه واعدًا إياه أنّها لن تكون المرة الأخيرة التي يراها فيها .. لن ينتظر حتى أن يأخذه سالم معه مرة قادمة ولا حتى أن يتقدم لخطبة شقيقتها .. هو سيراها وسيشق طريقه إليها بنفسه .. لقد وجد فتاة أحلامه ولن ينتظر أكثر حتى يحصل على قلبها وعليها.

ارتفع رنين الهاتف لينتزعه بعنف من ذكرياته السعيدة واختفت ابتسامته وهو يفتح عينيه متطلعًا للسقف وقد عاد للواقع القاسي .. تبًا .. ترك الهاتف حتى توقف وكاد يستسلم للنوم حين رن مجددًا فشتم وهو ينهض ليلتقطه بحنق
"مرحبًا"
أجاب بخشونة دون أن ينظر لاسم المتصل وقطب معتدلًا بانتباه
"آنسة كارمن؟ .. هل هذه أنتِ؟ .. ما الأمر؟ .. هل اتصلتِ لتسألي عن إيهاب؟ .. أعرف أنّكما على .."
قاطعته قائلة بنبرة لم ترحه
"لا .. إيهاب رحل قبل قليل مع اتارا"
قطب مرددًا بتوجس
"ماذا تعنين رحل مع تارا؟"
تنحنحت قائلة باعتذار
"قصدت أنّه كان معي .. السيدة تارا كانت مع صديقتها في نفس النادي وأتاها اتصال مهم و .."
هتف بنفاذ صبر وهو ينهض واقفًا
"وماذا؟ .. ماذا حدث؟"
"في الحقيقة .. اتصلوا بها من البيت وقالوا أنّ والدها مريض وانتقل للمشفى"
"ماذا؟"
هتف بتوتر وأسرع يلتقط سترته بينما تردد
"كانت حالتها سيئة حين غادرت وإيهاب لحق بها ليأخذها إلى هناك"
قاطعها وهو يندفع خارج الغرفة
"تمام .. شكرًا لكِ آنسة كارمن .. سأذهب إليها .. شكرًا مرة أخرى"
أغلق بسرعة دون أن يركز مع كلماتها الأخيرة وأسرع ينزل السلالم .. لم يسمع نداء أمه بينما ينطلق بسيارته بقلق ويده تضرب على شاشة هاتفه بسرعة .. استمع للرنين المقابل ليهتف
"أجب يا إيهاب .. أجب"
عاود الاتصال ليقابله الرنين دون رد فأسرع يتصل بتارا .. قطب عندما لم ترد هي الأخرى وأسرع بعدها يتصل برقم البيت مستعلمًا من إحدى العاملات عن المشفى .. ضغط أكثر على الوقود قاطعًا الطريق بسرعة خطيرة وخلال دقائق كان قد وصل إلى هناك واستعمل عن غرفة حماه .. رغم كل شيء بينهما كان يعرف مدى حساسية تارا تجاه والدها وتعلقها به رغم جفوته معها .. كان يشفق عليها ويتألم من أجلها .. يعرف كيف حالتها الآن .. قطع المسافة بسرعة نحو الغرفة وعقله يطمئنه أنّ إيهاب معها، ولا داعي لقلقه عليها .. لم يكد يدور في الممر حتى توقف مكانه مصدومًا وهو يرى إيهاب الواقف على مقربة يضم تارا إلى صدره .. انقبض قلبه بعنف وهو ينظر لوجه إيهاب المصدوم بعجز وملامحه وعينيه .. تسارعت نبضاته وتتنفس بصعوبة قبل أن يتمالك نفسه عندما التقت عيناه بعينيّ إيهاب الذي صُدم بدوره قبل أن يسمعه يهتف مستنجدًا به
"ساعدني يا أسامة .. لقد فقدت وعيها"
قاوم أفكاره واندفع نحوهما وإيهاب يواصل بصوت مرتجف
"دخلت لرؤية والدها ولا أعرف ماذا حدث بالداخل .. ما أن خرجت حتى فقدت وعيها هكذا"
قاوم حتى لا ينظر لوجه إيهاب الذي دفعها إليه .. هاله شحوب وجهها الغارق بالدموع وأسرع يحملها بين ذراعيه واندفع باحثًا عن غرفة
"نادي أي طبيب يا إيهاب"
هتف وهو يندفع بها إلى أول غرفة قابلته ووضعها على الفراش برفق وتراجع ينظر لوجهها .. توقع هذا
"اللعنة .. تبً لكما"
شتم والديها بقهر بينما يمسح على شعرها برفق .. تحركت شفتاها بهمس خافت فمال عليها
"تارا .. هل تسمعينني؟ .. تارا افتحي عينيكِ عزيزتي .. أنا هنا"
لم تستجب له وتحركت شفتاها مرة أخرى وسمع همستها الضعيفة الباكية
"دعوني أموت"
ارتجف قلبه وهو ينظر لها بألم وشفقة قبل أن يقبل جبينها بحنان وتراجع فور أن سمع خطوات .. التفت ليجد الطبيب يندفع للغرفة وقبل أن يتحدث إليه لمح إيهاب الواقف متجمدًا وعيناه على تارا تحملان عذابًا رهيبًا لم يغفل عن رؤيته هذه المرة .. انتبه إيهاب فأشاح بوجهه وأسرع يغادر .. كاد يلحق به عندما سمع الطبيب يتحدث إليه فتوقف ليجيبه، ولم يلبث أن التفت إلى الباب محدقًا في الفراغ الذي كان يحتله إيهاب وهمس وهو يكز على أسنانه
"لنرى حتى متى ستستمر في الكذب يا إيهاب"
وتراجع يستند للحائط بتهالك والطبيب يتابع فحصه لتارا الساكنة كالموتى تزيد من وجع قلبه وأغمض عينيه هامسًا بمرارة
"إيهاب .. أيها الأحمق الجبان"
*****************


may lu غير متواجد حالياً  
التوقيع