عرض مشاركة واحدة
قديم 28-09-20, 08:33 PM   #9

فاتن منصور

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 417764
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » فاتن منصور is on a distinguished road
افتراضي

#الفصل_الرابع

بعد خروجها من منزل شقيقها اتجهت نحو المنزل بشرود
تقود سيارتها وعقلها مشغول بالتفكير بكل مايحدث حولها حتى اقتربت من مطعم للوجبات السريعة توقفت وقد شعرت بالجوع وهي التي لم تتناول طعاما طوال اليوم
ركنت سيارتها جانبا ونزلت منها بتمهل وبطرف عينها لمحت توقف سيارة خالد خلف سيارتها لكنه لم يهبط منها
راقبت جموع الناس أمام قسم الطلبات
رغم كل مايحدث فالحياة تكمل مسيرتها ولا شيء يتوقف ابدا
الناس مازالت تتابع حياتها بشكل طبيعي
رغم مايسكن العيون من قلق الا ان الحياة تدفعهم لان يحيوها بشكل طبيعي
اعطت صبي المطعم طلبها ليتم تجهيز ماتريد فتأخذه معها للمنزل، انشغلت بعض الوقت بمراقبة المنتظرين مثلها أمام شباك التسليم، ثم مالبثت أن اقتربت تسأل بخجل ان كانت تستطيع استعمال الحمام.
غابت بضع دقائق ثم خرجت نحو سيارتها بعد ان اخذت طلبها وسارت مجددا نحو المنزل
وسيارة خالد تتبعها من مسافة قريبة ، حتى هبطت من سيارتها ودخلت بوابة البناية السكنية التي تقطنها
حين وصلت وضعت الطعام بإعياء على الطاولة الرخامية في المطبخ ثم اتجهت نحو غرفتها علها تستطيع النوم ولو قليلا وقبل ان تخلع معطفها اطمأنت تتلمس ذلك الشئ الصغير الذي تخفيه بجيبة سرية داخل معطفها
اغمضت عينيها تستدعي راحة لكن للأسف فمن أين يمكن أن تأتي الراحة بعد كل ما تواجهه
لو كانت في المستشفى لكانت انشغلت عن كل هذا لكان الوقت يمر بوتيرة أسرع مما يفعل وهي تعيش محبوسة مابين هذه الجدران
دمعت تسللت من بين جفنيها وهي تعي خطورة ماهي مقدمة عليه ولكن لقد قررت وانتهى الأمر
…..
لأن وداد صحفية متمرسة تعلمت ان تنصت لآخر لحظة، تنظر بعيون مفكرة للسيدة زينة تحاول أن تستشف من خلال تعابير وجهها اي مشاعر
ولكن للأسف السيدة زينة مثل الكثيرات اللواتي قابلتهن في رحلتها حول قصص كتابها هذا
تعابير وجهها تخفي الكثير تجعلها غير قادرة على التنبؤ بما جرى
قالت وداد محاولة ضبط إنفعالاتها :
_اذا فقد قررت مساعدة شقيقها ورمي كل مبادئها تحت قدميها .
نظرت لها زينة تتنهد بتعب فمهما كان الأمر فإن سرد مثل هذه الأحداث يماثل صعوبتها قالت بصوت بعيد :
_ لقد قررت ما رأته هو الاصح في ذلك الوقت
قالت وداد بغضب لم تستطع اخفاءه:
_ هل حقا صدقت انها سوف تنقذه بوقوفها بجانبه؟
لااصدق ان طبيبة مثلها يمكن ان تصدق كاذبا مثله .
بغموض تحدثت زينة
_ ان كانت صدقت ام لا مايهم هو ماحدث بعدها
….
كانت قد عادت منذ اسبوع وعادت الأمور لطبيعتها مع صديقتيها
تشغل نفسها بالعمل والعمل
قالت سلافة وهي تراها عائدة نحو غرفتها بخطوات متعبة :
_ أين كنت لقد بحثت عنك كثيرا
قال ميرال بتعب وهي تدلف للغرفة ومن خلفها سلافة تغلق الباب بهدوء :
_ كنت في غرفة أحد مرضاي
نظرت لها سلافة وهي تراها تستلقي على سرير صغير وضع في غرفتها لتنال قسطا من الراحة في حال بقائها ليلا
( اي مريض هذا وانت تختفين فجأة ثم تعودين للظهور فجأة .. اقسم ان هناك مايشغلك ولا اعلم ما كنهه يا ميرال )فكرت سلافة
_ هل ستحدثين نفسك طويلا ؟
قالتها ميرال دون ان تفتح عيناها فأجابتها سلافة بهدوء:
_ كلا لقد انتهيت من الحديث مع نفسي .. نامي قليلا وانا سأجلس قربك أتابع بعض الأخبار على صفحات التواصل الاجتماعي
لم تجبها ميرال فظنت سلافة انها نامت لذلك جلست على مقعد قريب تتصفح هاتفها
بينما ميرال غرقت بافكارها
لم تلتقي بعد تلك المرة بشقيقها فقد اخبرها انه منشغل بعمل جديد
لتفاجأ به موضع حديث شاشات التلفزة كرجل أعمال ناجح كافح واجتهد رغم سنه الصغير ليصل الى ماوصل اليه
راقبت الشاشة التي تعرض مسيرة شقيقها الصغيرة والحافلة يخبرها انه مراقب لكن بنفس الوقت أعماله تبدو مزدهرة
إنه يغرقها بدوامات من التضليل
ما الخطر الذي يمكن أن يكون محدقا به وهو ناجح بهذا الشكل
لقد اخبرتها سلافة بفخر البارحة
_ عليكي ان تكوني فخورة بغياث فانا ارى انه نجح في وقت قصير بل ويعمل جاهدا لافتتاح مراكز لمساعدة المتضررين مما يجري وربما قريبا سيسلمونه منصباً مهماً .
لم تجبها حينها لانها لم تستطع الاجابة ببساطة كما حالها وهي تراقب المذيعة التي تفتخر كافتخار سلافة بشقيقها
ضحكت بسخرية مما تسمع ويحدث
(لو انكم تعلمون فقط ما الذي يوجد خلف هذه الابتسامة التي يظهرها لكم … لو أنكم فقط تعلمون ماهي خلفية تلك المشاريع التي يقوم بها .. فعلا انت عبقري أكثر مما تصورت ياغياث، اكثر بكثير ياأخي )
قطعت سيل أفكارها وهي تميل للجانب فيصبح ظهرها مواجهاً لسلافة الاي لم تتوقف عن مراقبتها بحزن لحالها الذي لاتفهمه
اما ميرال فعادت تحدث نفسها وعيناها مازالتا مغمضمتين ،عليها أن ترتب كل خطواتها القادمة فالقادم صعب وهي تحتاج لأن تخطط له جيدا
….
جلست هي وصديقاتها في اليوم التالي في منزل سلافة لقد اقترحت سلمى ان يجتمعن معا في يوم عطلتهن فوافقن
حضرت ميرال الفطائر المحشوة بالجبن واللحم وقطع البيتزا الصغيرة بينما انتهت سلمى من تحضير قالب حلوى شهي
وسلافة الفاشلة بالطبخ تسلمت مهمة غسيل الاطباق خلفهن والاهتمام بابنة سلمى الصغيرة
جلسن معا امام شاشة التلفاز يتابعن فلما أجنبيا رومانسيا كعادتهن
كن يناظرن الشاشة باعجاب للبطل الوسيم وهو يتحدث مع حبيبته
تنهدت ميرال وسلمى وهن يشاهدن قبلته الطويلة للبطلة
فضربتهما سلافة بالوسادة الصغيرة قائلة
_انكما متزوجتان فماذا ابقيتما لي انا العازبة ها اخبراني توقفا عن هذه النظرات يا الهي لا اصدق انكما شارفتما على الأربعين عاما و مازلتما مراهقتين تتفجر عينيكما قلوبا عند رؤيتكما لمشهد رومانسي
نظرت لها ميرال بغضب وهي تقول
_ مادخل السن بمشاعرنا ياسلافة انا مازلت صغيرة بمشاعري ياعزيزتي
وراقصت لها عينيها تغيظها فضربتها سلافة مجددا قائلة
_ صغيرة قال .. اذن هيا يا صغيرة هذه الافلام لاتناسبك بل تناسبني انا وانت سيدة سلمى توقفي عن التهام البطل بعينيك
تنهدت سلمى بحزن دون ان تزيح عينيها عن الشاشة قائلة
_ماذا لو كان زوجي يحبني بهذا الشكل الكبير اخبراني ..
ثم اكملت بغصة
_ ان كانت ميرال صغيرة بمشاعرها فانا عجوز دميمة بمشاعري التي ماتت بفضل رجل لايعرف عن الزواج سوى علاقة الفراش ومشاركة المال اما غير ذلك فلا يعلم شيئا
نظرتا لها بأسى وهن يعلمن طباع زوجها الغريبة رجل تزوجها لأنها طبيبة فقط اي بمنظوره مصدر دخل كبير له
لايهتم باي شيء سوى ماتجنيه من اموال
مسحت سلمى دمعة نزلت على خدها وهي تقول متصنعة الغضب
_ هل اعجبك مافعلته انسة سلافة ضيعتي علينا المشاهد الرومانسية .. تزوجي ودعينا نرتاح منك
قالت سلافة بضحك محاولة ان تبعد الحزن عن سلمى
_ ومن أين أحضر العريس .. هل أنزل الى الشارع وأنادي (أريد عريسا للبيع )
ضحكت ميرال بصخب ورافقتها سلمى الضحك وهي تقول
_ العريس لدي لكنك ترفضين
ضربت سلافة على صدرها قائلة بتمثيل
_ اتريدين ان تزوجيني لشقيق زوجك فتأتي حماتك الحيزبون وتتحكم بي لا والله لن اقبل
بيأس قالت سلمى
_ للمرة المليون أخبرك أن جلال مختلف عن زوجي إنه يذكرني بزوج ميرال دائما .. ربما وفاة زوجته وتربيته لطفلين صغيرين لوحده إلى ان كبرا وسلكا طريق الحياة بمفردهما جعلتاه مختلفا عن زوجي انا نفسي احيانا لااصدق انه شقيق زوجي الوحيد واكاد اجزم انهم وجدوا زوجي امام منزلهم ليلا
بدت سلافة كمن تفكر بكلام سلمى لذلك اكملت سلمى قائلة بألم
_ المشكلة ليست بوالدة زوجي ولا بعائلته ان عائلته كأي عائلة أخرى .. لكن المشكلة به هو بانانيته بعدم اهتمامه .. او اخبرك المشكلة بي انا بسلبيتي .. المشكلة انني انا من الغيت شخصيتي بحضوره
ثم استقامت واقفة مبتعدة عن مرمى نظراتهما المشفقة قائلة
_سأحضر قالب الحلوى لاتناوله
تركتهما واتجهت للمطبخ تحضر القالب لكنها ما إن دخلت وابتعدت عن مجال رؤيتهم ، حتى استندت على الرف الرخامي بكفيها تأخذ شهيقا طويلا لتمنع دموعها من الانهمار وهي تتذكر مشاجرتها مع زوجها البارحة، وهو يطلب منها ترك عملها الذي تقوم بمعظمه مجانا ،والتفرغ لعيادتها ولعمل جديد في مستشفى خاص تم افتتاحه قريبا من منزلها
انه يرى ان العمل الذي لايجلب مالاً لا فائدة منه .. لايهتم بما تخبره به عن قدسية عملها ، عن إنقاذها لأرواح الناس ، عن سعادتها حين تتلقى دعوة بالخير من ذويهم ، حين تشاهد نظرات الأمل والسعادة في مآقيهم .
كيف كانت غافلة عن طمعه بعملها عن حبه للمال عن استعداده لرمي كل المبادئ والقيم جانباً لأجل المال
ليته كان مثل لجين زوج ميرال
همست بالاستغفار تلوم نفسها لتسلل ذلك الشعور الخبيث إليها ،لايمكن أن تحسد صديقتها على زوجها والعلاقة المميزة التي تجمعهما منذ سنوات
_سلمى
كانت تلك ميرال من تقف ورائها تضع كفها على كتفها في دعم غير منطوق
فما كان من سلمى إلا أن رمت نفسها في أحضانها تبكي بألم
ربتت ميرال على ظهرها بحنو تهمس لها
_ استغفري الله يا سلمى واهدأي ياعزيزتي
انضمت سلافة اليهما تضمهما معا قائلة بأسف :
_ اعتذر لم أقصد أن أجعلك تحزني …إنني عازبة غبية ياسلمى فانظري ما أنت فاعلة بي … زوجيني لشقيق زوجك انتقاما من غبائي هذا ..
ضحكت سلمى وميرال وسلمى تقول من بين دموعها :
_سافعل وسأجعله يغلق فمك للابد
ابتعدت سلافة عنهما مدعية الحزن وهي تقترب من قالب الحلوى تحمله بين يديها قائلة :
_ تعال ياحبيبي ليس لي سواك الان … فانت من ستحرك مشاعري ولا احد غيرك
وتركتهما مغادرة نحو الصالة هامسة بصوت مسموع لهما لتغيظهما :
_ الفلم القادم سيكون فيلما عربياً بالأبيض والأسود إن رغبتما متابعته معي … تعال ياحبيبي تعال
اكملت حديثها مع قالب الحلوى وهي تغادر بينما انفجرت الاثنتان ضاحكتان من تصرفها واتجهتا للصالة خلفها
قالت ميرال وهي تحمل اشرطة الفيديو تختار فلما لمتابعته
_ في الصيف القادم سنحاول ان نسافر الى الساحل مارأيكن ، مضت سنتين منذ آخر مرة سافرنا بها معا للساحل اود ان استرجع تلك الذكريات معكن
غمزتها سلافة بمكر قائلة :
_ معنا ام مع لجين .. لاتدعيني اذكرك بما فعلته بنا في آخر رحلة لنا ، تركتنا انا وهذه المسكينة وذهبت بقية العطلة رفقة زوجك في رحلة خاصة فهيا اخرجي من هذه الابواب يا ميرال
هذه المرة كان دور ميرال لضربها بالوسادة وهي تقول حانقة :
_ لقد فاجأني يومها بأنه حصل علىإاجازة ، فهل كنت تريدين مني ان اخبره ،عفوا لجين انا مع صديقتيّ فلتمض اجازتك بمفردك .
قاطع ضحكهم صوت بكاء ابنة سلمى التي قامت من فورها لترى مابها
قالت ميرال ما إن غادرت سلمى
_ سلافة لم لاتفكرين جديا بعرض جلال … أعلم أنك لاتهتمين بكل تلك الاقاويل حول الزواج وضرورته للفتاة وانا اؤيدك بهذا الأمر ولكن كشقيقة لك اخبرك ان الحياة قصيرة جدا فلم لانعيشها بسعادة مع شخص نتبادل واياه الحب
تنهدت سلافة قائلة بهيام
_ اتظنين أنني لاأود أن يكون لي عائلة ولكن كنت ومازلت انتظر حبا يقتلع قلبي من مكانه فيجعلني اترك كل شئ خلفي واجري نحوه صارخة تعال الي تعال
بغضب قالت ميرال من بين أسنانها
_ انا اكلمك بجدية ياسلافة
نظرت لها سلافة بابتسامة قائلة
_ حسنا حسنا سأفكر بذلك المدعو جلال وعرضه اعدك بهذا ولكن ان لم يحرك قلبي فلا تلوميني على ماسأفعله به
وانفجرت ضاحكة لترافقها ميرال الضحك
…..
في الصباح وبعد ان ودعتهن وعادت لمنزلها تلقت
اتصالا من سلمى التي فارقتها منذ ساعتين فقط تخبرها بانها تود منها مرافقتها لارسال حوالة مالية لاهلها المقيمين في مدينة أخرى
جهزت نفسها ثم غادرت المنزل متجهة لمنزل سلمى امسكت هاتفها تطلبها وماهي الا دقائق حتى كانت سلمى تجلس قربها على المقعد
قالت ميرال بغضب وسيارتها عالقة في الزحام
_ الم يكن بامكانك الانتظار أياما اضافية .. انظري ان الوضع غير مطمئن ابدا للخروج نحو المنطقة التي يوجد بها مكتب التحويل
كانت سلمى تشعر بانقباضة غريبة في صدرها لكنها حاولت ابعاد هذه الاحساس وهي تقول
_ لايوجد فرق بين اليوم وغدا فكل يوم يكون أسوأ من اليوم الذي قبله يا ميرال .. ثم ان شقيقتي بحاجة ماسة للمال ولن استطيع ان اتأخر في ارسال المبلغ المالي لها
لم تجبها ميرال وهي تعلم ماتحمله سلمى بداخلها من مسؤولية تجاه شقيقاتها بعد وفاة والدتها
تحرك طابور السيارات فتحركت ميرال بسيارتها تحاول ان تصل باسرع مايمكن
توقفت السيارة أمام مركز التحويل فنزلت سلمى وبقيت ميرال تنتظرها في السيارة تقلب محطات الراديو لكن كل محطة كانت تسابق الاخرى في نقل مايحدث من كوارث
اطفأت الراديو بغضب وهي تشعر باختناق مفاجئ غريب هزت رأسها بعنف تبعد هذا الاحساس
امسكت هاتفها تحاول الاتصال بلجين لكن كالعادة لامجيب
لقد حدثها منذ يومين يخبرها بعودته قريبا وبعدها فقدت الاتصال معه مجددا
عادت سلمى فتحركتا مبتعدتين عائدتين للمنزل
كانت ميرال تقود بصمت فيما سلمى تتحدث مع شقيقتها تخبرها بارسالها للمال وتفاصيل اخرى حاولت ميرال عدم الانصات لها
حين انتهت قالت سلمى بأسى
_ لم ينظر الجميع للطبيب على أنه تاجر يملك تحت فراشه بنكا متنقلا أخبريني
فهمت ميرال ماترمي اليه فاجابتها
_ لان النسبة الأكبر من الأطباء اتخذت المهنة كتجارة وكمهنة مدرة للمال وليس مهنة إنسانية تسمو بصاحبها نحو الاعلى وانا وانت نشاهد امثالهم يوميا لذلك لا تستغربي الامر
اومأت سلمى برأسها ثم عادت تراقب الطريق
ثم مالبثت أن طلبت منها ان تتوقف امام متجر لملابس الاطفال في شارع يحتوي الكثير من المحال التجارية الضخمة
_ توقفي هنا أود شراء هدية لابنتي ..
قالت ميرال وهي تبحث بعينيها عن مكان تركن به سيارتها
_ انتظري حتى اجد مكانا لاركن السيارة ..
قالت سلمى بلهفة وهي تهبط من السيارة
_ كلا سوف أسبقك انظري ذلك المتجر (اشارت بيدها لمتجر معين لملابس الاطفال ) سأسبقك وانت اركني السيارة واتبعيني
غادرت سلمى وتحركت هي نحو منطقة وجدتها ملائمة لركن السيارة تبعد قليلا عن المتجر
ركنت السيارة وهبطت منها تنظر حولها لهذا الشارع واكتظاظه بالناس في هذا الوقت من الصباح
لقد اقترب موسم الأعياد والناس رغم كل مآسي الحرب تحاول ان تجد يوما للسعادة وللمحبة
ابتسمت تنظر بوجوه الاشخاص تراقب تعابيرهم الممزوجة بالالم والامل
دعوات تحملها القلوب بان تعود البلد آمنة كما كانت قبل هذا الطوفان الذي دمر كل شئ في طريقه من حجر وبشر
تنهدت بغصة غريبة ترفع أنظارها نحو المتجر الذي قصدته سلمى

لحظة واحدة

لحظة واحدة لكنها تفصل مابين الحياة والموت

لحظة واحدة تجعل الحياة تنتهي دون اي اشعار مسبق
لحظة واحدة كانت كافية ليحدث ماحدث

خطت خطوة واحدة فقط نحو المتجر الذي تركت فيه سلمى
لتشعر بتوقف الزمان
بانسحاب الهواء من رئتيها
لتتوقف كل الصور

لحظة واحدة وحدث ذلك الانفجار
صوت اصم اذنيها ورماها أرضا تصرخ باعلى صوتها تشعر بدوي غريب في أذنيها والم في كل أنحاء جسدها
أصوات الطنين اختلطت بأصوات الصرخات حولها
هل هذه هي النهاية اغمضت عينيها تحاول الاستسلام
ولكن صوت الصراخ والاقدام التي تجري بخوف جعلها تحاول ان تستوي بجلستها
استطاعت أن تعين نفسها على الجلوس ثم حاولت ان تقف لكن قدماها خانتاها وعينيها تنظر باتساع وذهول حولها
مهما كان ما شاهدته على شاشات التلفزة لما يحدث لحظات الانفجار ومايليها
مهما كان ماسمعته اثناء انقاذها لضحايا التفجيرات لا يماثل نقطة واحدة مما تعايشه في هذه اللحظات
الناس تجري بعشوائية حولها، النيران في كل مكان ودخان اسود عبق بالأجواء
واجهات المحلات قد تهشمت كليا واندلعت النيران في بعض المتاجر اناس يجرون من حولها يمنة ويسرى لكنها لاتسمع صراخهم
لاتعي مايفعله الاخرون من محاولات لانقاذ من يستطيعون انقاذهم
عيناها كانتا فقط تناظران الأشلاء التي تناثرت فوق اسفلت الطريق

بكل ماتملك من قهر

بكل ماتملك من ألم فتت قلبها ومزق روحها

صرخت باسمها
_سلمى اااااااااااااا
كررت النداء حتى بح صوتها و عيناها تذرفان الدموع بكثافة
همست بخفوت معذب
_سلمى
زحفت على ركبتيها تشعر بكل خطوة تخطوها ان الطريق نحو ذلك الجسد الذي عرفته تزيد من مسافة البعد
شفتاها ترتجفان غير قادرة على النطق قطع زجاج هشمت ركبتيها وكفي يدها لكنها لم تهتم
كل مايهم هو ذلك الجسد الراقد بلا حراك
اقتربت تمد يدها تتلمس صدر صديقتها عيناها تنظران بزيغ لذلك الوجه الذي سالت بعض الدماء منه
همست بصوت يكاد لايخرج من فمها الذي جف حتى كادت شفتاها تتشققان
_سلمى اجيبيني
لكن لامجيب كفاها كانتا تتحركان على الجسد المسجى تحاول إيجاد نبض واحد يشعرها بوجود الحياة وصوتها يحاول ايجاد طريق له فيخرج مختنقاً متألماً :
_سلمى حبيبتي أجيبي … سلمى هيا انهضي سنشتري حالا ملابس الصغيرة معا … سلمى سلافة لن تسامحني ان حصل لك مكروه … سلمى ارجوكي
يدين حاولتا إبعادها رفعت أنظارها نحو ذلك الشخص الذي لم يكن سوى مسعف من منظمة الهلال الأحمر الذين توافدوا للمكان بمجرد حصول الانفجار
_سيدتي ارجوكي علينا نقلها للمستشفى
أشارت بكفيها الداميين نحو صديقتها قائلة
_انظر انها لاتجيبني .. اخبرها ان تجيبني ارجوك … لم لم تنتظرني في المتجر... لم خرجت منه
ثم عادت تلامس وجهها بكفين مرتعشين
_سلمى اجيبي ..انهضي كفاكي مزاحا ، هل بت تتقمصين دور سلافة وتفزعين قلبي بمزاحك
امسكها المسعف يبعدها رغما عنها عن جسد سلمى لم تعلم لم استسلمت لأوامره وابتعدت عن صديقتها راقبتهم وهم يضعونها في سيارة الاسعاف فركضت نحوها تصعد السيارة معهم تلتزم بصمت مطبق امرها به المسعف
من خلف الزجاج الخلفي للسيارة نظرت للخارج تراقب تدافع الناس
البعض تلطخت ملابسهم بالدماء ولكن إصاباتهم الخفيفة مكنتهم من الابتعاد نحو تجمع المسعفين الذين يقدمون الاسعافات لهم
اما البعض الآخر فقد تم حملهم فوق نقالات ليتم اخذهم للمستشفيات
تكاد تجزم ان صراخهم يصم أذنيها
وهناك على الارض مازالت بعض الجثث التي غطيت بالاقمشة بانتظار نقلها هي كذلك
عادت تنظر نحو المسعف داخل السيارة تراقب تحركه حول جسد صديقتها
نظراتها فارغة تائهة
نسيت انها طبيبة .. انها تستطيع المساعدة
كل شئ حول مهنتها نسيته
بخوف رفعت أنظارها نحو ذلك الوجه الذي كان ضاحكاً قبل لحظات
تعلقت عيناها به وغصة قوية باتت تتضخم داخل صدرها تمنع عنها التنفس
تلك العيون المغمضة … ذلك الفم الصامت
هل هما حقا لسلمى
مابين وجهها
ويدي المسعف اللتان تحاولان انعاش عضلة القلب
زاغت نظراتها
تسارعت وتيرة تنفسها
ارادت ان تغمض عيناها عل تلك الهوة تسحبها
ولكن وجود مسعف آخر أنقذها
وهو يضع لها قناع الاكسجين يساعدها على التنفس
…...
بعد بعض الوقت كانت سلافة تعبر الممر نحو صديقتها ميرال
وجدتها منهارة ارضا تدفن وجهها بين ركبتيها ملابسها مغطاة بالاتربة والهباب
تباطأت خطواتها وهي تقترب منها
لقد هاتفها المسعف بعد ان نقلته ميرال رقم هاتفها دون وعي منها فأتت على وجه السرعة
_ميرال
رفعت ميرال أنظارها نحو سلافة كان وجهها مخيفا لاتستطيع تبيان ملامحه من الهباب الذي يغطيه وشعرها قد ظهر قسم منه من تحت غطاء رأسها بعشوائية زادت مظهرها رعبا
_سلمى لاتجيبني
قالتها ميرال بهمس قاتل لم تستطع سلافة معه الكلام أكملت ميرال وهي تنظر لكفي يدها الذين لم تغسلهما بعد من أثر الدماء
_ كنا سنشتري ملابس الصغيرة فسبقتني للمتجر … لقد اخبرتها ان تستيقظ ان تتوقف عن مزاحها .. هددتها انك لن تسامحيني إن حدث لها مكروه لكنها لم تجبني … لم تجبني يا سلافة
سقطت سلافة قربها على ركبتيها عيناها اغرورقت بالدموع
ارادت ان تضمها اليها لتخفف عنها صدمتها والتي لاتقل عن تلك التي تختنق بأنفاسها
لكن انظارها تعلقت بالممرضة الخارجة من غرفة جانبية ، وقفت مسرعة و تخطت ميرال متجهة إليها تسألها دون وعي
_ صديقتي هل هي بخير … سلمى اسمها سلمى
نظرت الممرضة لها ثم لميرال التي تراقبهما فأجابت الممرضة مشيرة لها
_ التي كانت السيدة برفقتها
اومأت سلافة بأجل فطغى الأسف على ملامح الممرضة وهي تقول
_ البقاء لله
….
((الخاطرة بقلم مبدعتنا الغالية هند
مضيتِ في طريقكِ وحدكِ دون الرجوع إليّ!
كيف بالله عليكِ هان وجعي عليكِ؟
سلكتِ درب النهاية وختمتِ قصيدتنا ببيت! بالله ما كنتُ كاتبته ولا في خيالي أبدًا اخترته إليكِ.
يا مَن سموكِ توأم الروح كيف استطعتِ المُضي قدمًا دوني،
كيف أتخذتِ مِن الفراق خلوة لكِ مسبقًا ولم تنتظري أن يأتِ دوري،
كيف انتهجتِ دربًا لستُ فيه وحكمتِ عليّ بالعيش في الظلام فخبت نوري.
كيف نسيتِ وعدنا؛ أوَ لم نتفق أن نمضي مًعا،
نبقى مًعا، ويشيب العمر ونحن في طور الصِّبا أيضًا معًا؟
ما ظل في مِن بعدِ هجركِ إلا ما رأته العين فحسبته مِن بعيدٍ هيكلًا.))
……….
_يا إلهي
هتفت بها وداد تضع يديها على فمها وكأن المشهد حدث أمامها عيناها امتلأت بالدموع تنظر نحو زينة التي كانت تبدو وكأنها تعيش اللحظة نفسها التي عاشتها ميرال
قالت زينة بشهيق حاد
_ لقد فارقت الحياة يومها وتركت خلفها أحبابا فقدوا مع رحيلها جزءا من حياتهم
انتبهت وداد ان شهيقها بدأ يعلوا وكأنها تنازع الحياة فانتفضت من مكانها تصرخ
_سيدة زينة .. سيدتي هل انت بخير .. تنفسي ببطئ ..
فتح الباب فجأة ودخل رجل لم تتعرفه وداد بداية
جرى بلهفة نحو زينة يمسك وجهها بين كفيه
_حبيبتي انتبهي إلى... تنفسي ببطء
انتحت وداد جانبا وهي تراقبه يحضر جهاز طبيا ا للارذاذ يضع لها قناع الاوكسجين يمسك القناع بيد بينما يده الثانية تحتضن يدها يهمس لها بصوت مسموع
_ ستكونين بخير .. تنفسي ببطء فقط… لأجلي ستكونين بخير …
عينا زينة رغم غرقهما بالدموع الا انهما كانتا معلقتين بعينيه وكأنهما حبل نجاتها الوحيد
لحظات وهدأ تنفسها ووداد لاتزال على وقفتها تراقب السيدة وزوجها
اقتربت تساعده حين لمحته يحاول ان يساعدها على الاستلقاء على الاريكة فرفعت قدمي السيدة بعد ان خلصتها من حذائها
ثم ناولته وسادة صغيرة فوضعها تحت رأس زينة ويديه تمسدان شعرها بحنان حتى استغرقت بالنوم
حينها ابتعد عنها واقفا وهو يخاطب وداد
_ الحمدلله . إنها بخير ، عذرا لجعلك تمرين بهكذا موقف
قالت وداد وعيناها معلقتين بوجه زينة الذي استعاد بعضا من هدوءه :
_ المهم انها بخير
ثم عادت تقول بأسف وهي تنظر إليه
_ لم أكن أعرف أن الامر سيأخذ هذا المنحى .. لقد كنا نتحدث عن
قاطعها قائلا
_ عن موت سلمى.. اخبرتها ان لاتتطرق معك لهذا الامر فانا اعلم مايصيبها حين تتحدث عن وفاة سلمى ..
ثم اكمل مبتسما
_لكنها عنيدة لا تنفذ الا مايحلو لها
قالت وداد بقلق حقيقي لم تستطع اخفاءه :
_هل ستكون بخير ؟
اجابها وعيناه تناظران زينة بعشق :
_ لا تقلقي سيدتي ستكون بخير واسف لوضعك بمثل هذا الموقف مرة أخرى.
أشارت وداد برأسها بنفي وهي تقول
_ بل أنا آسفة لما حدث لم اكن اعلم ان الحديث سيقودنا لمثل هذه الذكرى .. والآن اعذرني يجب ان اغادر وساتصل لاطمئن عليها
ثم أخذت حقيبتها خارجة من الصالة الجانبية نحو ردهة المنزل وزوج السيدة زينة يرافقها
تفاجأت بصوت صغير يتحدث
_ أبي … اين هي أمي
تحولت أنظار زينة لتلك الصغيرة التي خرجت من غرفة جانبية بيدها اقلام تلوين
اقترب منها الرجل قائلا وهو يحملها بين ذراعيه :
_ ماما متعبة ،وتحتاج لأن تنام قليلا وانت عودي لتكملي تلوين لوحتك الجميلة هيا .
انزلها ارضا لتتركه وتعود ادراجها راكضة مختفية عن انظار وداد التي تفاجآت بوجود هذه الصغيرة
بإحراج ابعدت نظراتها عن مكان اختفاء الصغيرة وهي تهمهم بتحية المساء وتسرع خطواتها بالمغادرة .


فاتن منصور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس