عرض مشاركة واحدة
قديم 28-09-20, 10:02 PM   #4

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفَصْلُ الأَوَّلُ

تُفتـح أبواب الجحيـم حينمـــا تبدأ الحرب
ولكن لا يعلمون أن الجحيـم يتسـع للجميــع
وقف "سيـف النصـار" أمام اللوح الزجاجي العريض الذي يُغطي البناية، ينظر للخارج حيثُ يتميز بالونـه الغامق الذي يعكس الصورة فـ لا يرى من بالخارج الذي بالداخل، ومضى ينظر للبعيد، إنّـهُ بإستطاعتهُ أن يرى المدينة كلها من هذا العلو الشاهق، ألتوى فمهُ بشبه إبتسامة ماكرة على ما ينوي فعلهُ، تحرك نحو مكتبــه ثم جلس على مقعده الجلدي، أخرج من جيب بنطالهُ سجائره ليشعل إحداها بسُرعة، أستنشق دخانها بقوة قبل أن ينفثهُ ببُطئ، شبك أصابع يديـهِ وأستند بـ ذراعيـه على سطح المكتب مُفكرًا بعُمق في أمرًا ما.
******
في نفس الوقت في الخارج، جلست السكرتيرة بعد أن أعدت لنفسهـا مشروبٍ دافئ، تنهدت بعُمق ولكن قبل أن تبدأ بقراءة الأوراق..
-صباح الخير.
إنتبهت السكرتيرة للصوت، فـ رفعت وجههـا لتبتسم لهـا إبتسامة صغيرة وهي تُرد عليهـا بنبرة عملية:
-صباح النور يا فندم.
قالت بصوتٍ قوي:
-بعد إذنك أنا عايزة أقابل سيف باشا النصـار.
سألتهـا بجدية:
-في ميعاد سابق؟؟..
ردت عليهـا بصوتٍ حـاد:
-لأ، بس لازم أقابلـهُ.
حركت رأسهـا إيجابيًا مُتسائلة:
-طب نقولـهُ مين؟؟..
ردت عليهـا ببساطة:
-معلش هقول أنا مين لمـا أقابلهٌ بنفسي، هو فاضي دلوقتي؟؟..
رفعت السكرتيرة حاجبيهـا وهي تُجيب:
-أيوة فاضي بس لازم أعرف حضرتك مين؟؟..
ردت مُبتسمة ببرود:
-مش لازم، أنا هاروحلـهُ بنفسـي.
هبت السكرتيرة واقفة محاولة الإلحاق بهـا، ولكن الأخيرة لم تعبئ بهــا، عيناهـــا تنظر على هدف مُحدد، وقد ألتمعت بالخطر المُهدد رغم برود نظراتهـا، أقتحمت غُرفة مكتبــه بخُطى ثابتة، فـ رفع "سيف" رأســه نحوهــا وقد عقد ما بين حاجبيـهِ، بينمـا أظلمت عينــاه تلقائيًا من تلك الحركة الجريئة، دخلت السكرتيرة وهي تلهث قائلة بخوف:
-والله يا سيف بيه حاولت أمنعهـا بس معرفتش.
أشـار لهـا بالخروج، فـ أمتثلت لأمره، بينمـا عيناهــا ترمقانـه بنظرات قوية على الرغم من أنهـا قد ألتمعت بغضبٍ خفي، نهض "سيف" عن مقعدهُ وهو ينظر لها نظرات مُظلمة قليلاً، وسار نحوها بخُطوات ثابتة، أمّا هي فـ أخذت تنظر لهُ بتدقيق ورفعت رأسهـا بشموخ، لاحظت هيئتهُ الضخمة ولكن لم تهتز، وقف أمامها بشموخ ووضع كفي يدهُ بداخل جيب بنطالهُ وأمعن النظر فيها.
رفعت عينيها لـ عينيـه مُباشرةً، فـ شعرت أنها وقعت تحت وطأة عينيهِ الصارمتين، حتى أنها كانت تقف بطولها الذي بالكاد تجاوز المتر والنصف ببضعة سنتيمترات، ولكن نجح كعب حذائها المرتفع بإيصالها مستوى كتفيهِ، وقـد شدت خصـلات شعـرها البُنـي الكثيـف خلف عنقها بقوة وببعضُ من القسوة في حين ألتمع عنقها الأبيض بطولهُ لينتهي خلف قبة قميص البني، أخذ يتفحصها بدقة، ليعود برفع بصرهُ إلى وجهها ليراهُ متوجهًا بالحمرة من تفرسهُ البطيئ بها، ورأى عيونهــا الزرقـاء تلتمع بالحنق، فإبتسم لها ببرود ونظر إليها بـ نظرات توحي بالشر الدفين، ثم قال أخيرًا بصوتٍ لا يحمل أيّ نوع من الترحيب:
-مين حضرتك؟؟.. وإزاي تُدخلي بالطريقة دي؟؟..
ردت عليـه مُبتسمة ببرود:
-دخلت بالطريقة دي لأن السكرتيرة فضلت تسأل كتير، ولا كأني راحة أقابل وزير، بالنسبة أنا مين..
أتسعت إبتسامتهــا القوية وهي تُرد بثقة:
-أنا أبقى كارمـا عزيـز.
ضاقت حدقتـاه وأخد يرمقهــا بـ نظراتٍ قوية، لن ينكر جمالـهـــا الذي يسرق الأبصـار، فهي ذات وجنتين وردتين وعينين واسعتين زرقاوتين بأهدابٍ جذابةٍ وشعرٍ كستنائيًّ طويــل، ومع ذلك قال بصوتٍ بــارد وهو يحك رأسـه:
-أمم، بس أنا معرفكيش يا كارمـا.
أجابت بعدم لامبالاة:
-مش مُهم، المُهم إن أنا أعرفك كويس أوي، رغم إني واثقة أن أول ما أمشي من هنـا هتجيب كل المعلومـات عني.
سألهــا بتهكم:
-أومال إيه المُهم؟؟..
عدلت "كارمـا" ياقة قميصها، ثم نظرت لهُ بجدية وهي تقول سبب حضورها بلهجة حــادة:
-جاية أتناقش معاك بخصوص إللي إنت وأبوك بتعملوه هناك في القرية.
أخذ ينظر لها "سيف" نظرات مُتفحصة، تفحصها من قمة رأسها لأخمص قدميها، فهـي فتاة ذات جمالٍ فاتن، في حين أبعدت تلك الخصلة المُتمردة من على جبينها لتضعها خلف أذنها، وقد بدأت تشتعل غضبًا من نظراتـه.
حرك رأسـه إيجابيًا وهو يسألهـا:
-وهو إيـه إللي بنعمـله؟؟..
ردت عليـه وقد ألتمعت عيناهـا بشراسة:
-عايزين تاخدوا بيوت القرويين إللي في الناحية الشرقية برُخص التمن، عشان تبنوا مصنع كبير هناك، أقدر أفهم إيه ده؟؟..
إبتسم ببرود مُجيبًا:
-وإنتي مالك؟؟.. هُمـا ماتكلموش هتيجي إنتي تتكلمي؟؟..
ردت عليه "كارمـا" وقد تقوس فمهـا بإبتسامة واثقة:
-أنا بتكلم بنيابة عنهم، وأحب أقولك إن محدش منكم يقدر يقرب من بيت واحد في القرية.
قست عينـاه لحظات دون أن تتأثر ملامحـه قائلاً:
-إنتي واثقة من نفسك أوي يا.. يا كـارمـا.
قالت "كارمـا" بإبتسامتهـا البراقة:
-طبعًا، وبعدين إنت هتعرف كل الكلام ده لمـا تبدأ تدور على معلومـات ليا، أو على غلطة ليا يمكن تذلني بيهـا، بس ماتقلقش مش هتلاقي يا سيف باشا.
صمتت قليلاً قبل أن تُشير بإصبعهـا قائلة بتحذير:
-أنا بحذرك، لو فكرت تأذي أي حد هناك أو تخرج أي حد من بيتـه وأرضـه، هتشوف تصرف تاني، بس تصرف مش هيعجبك خالص، ومش بعيد تندم.
كلماتهـا أثارت حنقـه، فـ أظلمت عينيـهِ وظهر بريق مُخيف وهو يسألهـا بحدة:
-إنتي عارفة إنتي بتكلمي مين؟؟..
نظرت لـه شزرًا وهي تُجيبــه:
طبعًا عارفة، بس أنا مش فـارق معايا، إنت فاكر إني مُمكن أخاف منك!..
لمعت عينـاه بسُخرية مُتسائلاً:
-أومال بتخافي من إيـه؟؟..
قالت بقوة لا مثيل لهـــا:
-مش بخاف غير من إللي خلقني.
ابتسم "سيف" رغم عنـه وهو يراقب تألق عينيهـــا المشتعلتين، تلك العينين بلون الأزرق إلا أنهمـــا في قوة الصخر، إلا حين تكلم قــال بتحدي:
-بس إنتي هتخافي مني.
ضحكت بتهكم وهي ترد:
لو فكرت إني مُمكن أخـاف منك تبقى عبيط أوي.
جذبهـــــا من معصمهــــا بقسوة وهو يقول بنبرة شريرة:
-لسانك ده شكلـهُ هيتقطـع على إيدي.
ألتمعت عيناهـا بشراسة وهي تُردف بـ:
-أبعد إيدك عني وإلا أُقسم بالله لو ما سبتهـا لهتشوف مني رد فعل عُمرك ما شوفتـه.
صمت قليلاً يحدق فيهـا بإندهـاش مصدوم، لم يشعر بنفسـه وهو يترك معصمهـا بمنتهى الهدوء، تأملهـــا مَلِيًّا.. ليرى أنهــا تمتلك رزانة وثقة بالنفس أثارت إعجابــه خلال الدقيقتين اللتين وقفت بهمـا أمامــه، رمش بعينيـه قليلاً كي يمحو مال قد يظهر بهمـا غدرًا، في حين عادت تقف بثبات وهي ترمقــه بـ نظرة شامخــة قوية:
-كويس، ياريت تبلغ والدك بكُل كلمة قولتهـالك، وللمرة الأخيرة أنا بحذرك تقرب منهم أو من بيوتهم وأرضهم.
إبتسم "سيف" إبتسامةٍ متشكلةٍ مع قساوة وجهه وهو يقول بلهجة غريبة:
-هبلغـه طبعًا، والرد هيوصلك في أسرع وقت مُمكن.
كانت على وشك المُغادرة من المكان ولكن عقب نطقـه بالكلمة الأخيرة، ألتفتت إليـهِ تنفض شعرهـا بنعومـة وهي تبتسم برقة، بينمـا عيناهــا تلمعان بـ تحدي غريب:
-وأنا في إنتظار الرد يا.. يا سيف باشا.
رمقتــه بتحدي سافر قبل أن ترتدي نظارتهـا الشمسية وتتحرك نحو الباب بخُطى واثقة للغاية، ظل ينظر إليهــا بتعابير غير مقروءة حتى غادرت المكان، عاد إلى الجلوس أمام مكتبـه ثم تراجع أكثر رافعًا كلتـا كفيهِ أمام وجهه مشبكًا أصابعـه مُبتسمًا بدون تعبير معين، همس لنفســه بهدوء وقد بدت التسلية تظهر عليـــهِ قليلاً:
-واضح أن أنـا هستمتع أوي.
******
تنهدت "كارمــا" بـ عُمق بعد أن أستقلت سيارتهــا، حدقت على المقود بعينين جامدتين وهي تفكر ما سيحدث بعد تلك المُقابلة، زمت شفتيهــا بـ عناد وهي تهز رأسهــا نفيًا بقوة، ثم قالت بحدة:
-مش هيحصل، مش هخليهم يقربوا منهم.
همست لنفسهــا بثقة:
-وأنا أعدلكم، أمـا نشوف أخرتهـا إيـه.
******
تابــــع بإهتمام شديد خروجهـــا من الشركة بخطواتهـا الثابتة، سحب نفسًا عميقًا حينمـا رأهــا أستقلت سيارتهــا وغادرت، فـ أخرج هاتفــه من جيب بنطالــه وهو يضغط على رقم مـا، ووضعــه على أذنـه مُنتظرًا الرد بـ فارغ الصبر حتى أتـــاه فـ قال بإبتسامة واثقة:
-زي ما قولت يا باشـا، راحتلــه الشركة عشان تهدده.
صمت قليلاً وهو يسمـع رد الطرف الثاني، فقال بجدية:
-بس بصراحة يا باشـا البنت شكلهـا قوية جدًا، وهي فعلاً مش هتسكت.
تابــع مُضيفًا بحذر:
-وبعدين هي خلاص دخلت حرب من غير ما تفكر، يعني حياتهـا تقريبًا بقت في خطر.
رد عليـه الطرف الآخر بلهجة شـاردة:
-فعلاً، وأول حاجة هيعملوهـا أنهم هيفكروا يقتلوهــــا، لأنهـا وقعت في إيد عصابة وهي مش حاسـة.
******
في صباح يوم جديد، أسدلت الشمس ستائرها البرتقالية مُعلنة عن بداية يومٍ جديد وأحداث جديدة غير متوقعة.
كي تصل إلى الحقيقة
عليك أن تمر على الجحيـم
الحُب ده إيــه أنا معرفش
وبنهواه ليـه!!!..
موسيقى ناعمــة.. وأغنية تقطر كلماتهـــا عشقًـا ورومانسيـة.. وقفت "كــارمــــا" بـ شموخ داخل الشرفة تتأمل حركة النّـاس، سحبت نفسًا عميقًا وقد إلتفت أصابعهـا بـ درجة أكبر على قدح الشاي الذي تحتسي منـه، لم تنتبــه إلى صوت رنين هاتفهـــا إلا حينمـا شعرت بإهتزازه في جيب بنطالهــــا المنزلي، فـ أخرجتــه بهدوء وهي تُسلط نظراتهــا على اسم المُتصل، رفعت حاجبيهــا بإستغراب ومطت شفتيهـــا للأمام وهي تُجيب على الهاتف بصوت هادئ عكس ما بداخلهـــا:
-آلو.. أيوة رامي، غريبة يعني تكلمني بدري كده!!..
رد عليهــا "رامي" بصوتٍ أجشّ:
-أعمل إيه!!.. عايز أطمن.
سألتــه وهي تدعي عدم الفهم:
-مش فاهمـة.
هتف بصوتٍ غضب مكتوم:
-إنتي روحتي لإبن شريف إمبارح؟؟..
عبست قليلاً وهي تقول:
-ليـه بتسأل السؤال ده؟؟..
قــال "رامي" بصوتٍ غاضب:
-يعني روحتيلــه يا كـارما؟؟..
برقت عينــا "كارمـا" وهي تستقيم قليلاً لتقول بـ شكّ:
-هو في حاجة حصلت في القرية؟؟..
صمتت قليلاً مُنتظرة رده، وحينمـا نطق قال بغيظ:
-طبعًا حصلت مُصيبة كبيرة، وهو إن شريف خلى رجالتـــه ينبهوا كُل بيت من البيوت إللي عاوز يشتريهــا، بأن آخر مُهلة بعد يومين، ياإمـا هيشوفوا رد فعل عُمرهم ما شافوه.
لمعت عينيهــا ببريق الغضب، فـ أنتفضت هادرة بقوة:
-مش هيحصل، على جُثتي الكلام ده.
سألهـــا بتهكم واضح:
-يعني هتعملي إيـه يا كارمـا هانم، ما إنتي السبب.
أرتفع حاجباهـا وهي تهتف بغيظ:
-بقولك يا رامي، مش عشان إنت خطيبي تتكلم معايا بالأسلوب ده، أنا مش نقصاك.
قال بلهجة خشنة:
-أنا أتكلم زي ما أنا عاوز، وأسمعي لأن ده آخر كلام هقولــه، ملكيش دعوة بإللي بيحصل، شريف أو إبنــه يعملوا إللي هُمـا عايزينـه، طالمًا الموضوع مالوش علاقة بينـــا.
أخذت نفسًا قويًا وهي تقول:
-لأ إسمع إنت يا رامي، أنا مش هسيب أهل قرية إللي أتربيت معاهم عشان راجل ظالم زي ده، وهقف جانبهم.
هتف "رامي" برفق:
-كارمـا أنا خايف عليكي، الناس دي مش سهلـة.
تنهدت "كارمـا" قبل أن تقول بضجر:
-بس أنا هكمل إللي بدأتــه، أتمنى تُحط الكلام ده تحتيـه 100 خط، سـلام.
أغلقت الهاتف وهي تزفر بحرارة، أظلمت عيناهــا وهي تنظر للأمام بتصلب ثم قالت بهدوء يسبق العاصفة:
-ماشي، نبدأ الحرب بقـا.
******
إبتسم "يوسف النقيب" إبتسامة صغيرة حينمـا داعبت أنفه رائحة الياسمين الناعمة، فـ استنشقهـا بكل هدوء، تضع المُستندات بـ هدوء على المكتب وهي تطلب منـه بصوتهـا الرقيق أن يقوم بـ التوقيع حتى تستطيع أن تُرسل المُستندات للفرع الآخر للشركة والتي يُديرهـا مع صديقــــه الوحيد وشريكــه "سيف النصــار".
بدأ "يوسف" يتفحص مُستندًا مُستندًا بـ روّية، ويوقع أدنـاه.. ثم يناول لـ "سـارة"، هي جميلة الشكل.. جميلة القلب.. جميلة في أسلوبهــا.. في كُل شيء، ولكن قليلة الكلام.. هادئة.. غامضة!!..
يودّ أن يقتحم عالمهـا الغامض ويكون أحد أقطـاب حياتهـا الأساسية كما يودَّ أيضًا وبشدّة أن تكون أحد أقطاب حياتـه الأساسية، يُريدُ الإمساك بهذا النجم الغامض الذي يخفي أسرار لا يعلمهـا أحد، ولكن عاجزًا عن فعل ذلك.. ويؤلمــــه أن يومــه يمر دون أن يتحدث معهــا خارج إطار العمل.
رفع رأســـه يتأملهـــا مليًا، فـ هي آية من الجمال، تمتلك عيون واسعة قليلاً باللونُ العسلي، ساحرتان تمتدان لـ تضيعا عند الصدغين وسط رموش سوداء، يشعُّ منهما وهج العاطفة المشبوبة في تحفظ وكبرياء، تتميّز بالبشرة البيضاء والشعر المائل للونُ الأسودُ الذي يصل لمُنتصف خصّرها، ذات خصر مستدير نحيل، ويدين بضَّتين صغيرتين، وقدمين دقيقتين رقيقتين، وأنفها مستدَقٌّ صغير، وشفتاها مُمتلئتان، يمتزج جمال وجهها بجمال قامتها أمتزاج نغمين جميلين متسقين..
-تؤمرني بأي حاجة تانية يا فندم؟؟..
سألتـــه "سـارة" بجدية وهي تنظر لـه بهدوء، ساد الصمت قليلاً قبل أن يقول وهو يتلاعب بقلمـه الذهبي:
-أستاذة سـارة، مُمكن أعزمك على الغدا؟؟..
لـ ثوان طوال توقَّف الزمن تمامًا، بلعت ريقهــا بصعوبة وهي تسألــه بخفوت:
-ليــه؟؟..
صمت.. صمت ثم رد أخيرًا بصوتٍ مُتباطئ:
-عاوز أتكلم معاكي شوية، بعيد عن الشغل.
أخفضت عينيهــا وهي في حيرة من أمرهـا، والتوتر يخنقهـا ثم عادت لترفعهمـا إليه وهي تهمس بـ نبرة هادئة:
-معتقدش أن في حاجة بينـا غير شُغل يا مستر يوسف، فـ أنا بعتذر.
توقعت أنــه سيغضب.. سيطردهـــا من العمل أو أقل تقدير سيثور عليهـا، ولكن خالف توقاعتهـــا تمامًا حينما ظل مُبتسمًا لهـــا ويقول بـ مُنتهى الهدوء:
-تمام يا أستاذة سـارة، تقدري تروحي على مكتبك.
راقبهـــا وهي تهز رأسهــا إيجابيًا وتُسير مُبتعدة بـ مشيتهـا الهادئة، تبدلت إبتسامتـه الرقيقة إلى إبتسامة حزينة حينما أغلقت الباب، رفع "يوسف" كفيهِ مُستسلمًا وهو يقول:
-الموضوع صعب!!..
*******
تحدث بإنفعال بيّن والهاتف على أذنـه، بينمـا يدور في المكان ويده في خصره، وقف قليلاً هادرًا بغضب:
-بقولك هي مش هتسكت، هتقلبهـــا وهي مش هاممهـا أي حاجة.
صمت قليلاً قبل أن ترتفع نبرتـه أكثر هاتفًا:
-أنا شغـال معاكم بالعافية أساسًا وماسك نفسي من ناحية البنت دي وإلا كنت خنقتهـا من زمـان.
زفر أنفاسـه بغضب وهو ينتبـه إلى كلمات الطرف الآخر، هدأ قليلاً ثم قال بضيق:
-ماشي هعمل كده، أمـا نشوف أخرتهـا إيـه مع كارمــا هانم.
******
شعر بضياع تركيزه، أرجع ظهره للخلف مُستندًا.. مُغمضًا عينيــهِ، شعور غريب يعتريــه لا يُمكن أن وصفـه تمامًا يمنعـه عن التركيز حاليًا، توقف عن تصفُّح الأوراق التي أمامـه ونحَّتـْه جانبًا، وهو يُفكر في تلك الفتاة الغامضة..
فـ هو "سيف الدين شريف النصــار"، لُقب بـ فهد آل نصــار في عالم الأعمــال، اسم ترتجف لـه الأبدان، هيئـتــه تعلو كل من حولــه، وسلطتـه تُجبر الجميـــع على احترامـه، له هيبة لا يُمكن إغفالهــا، ثقـة غريبة تمتلكهــا تلك الفتـاة، لم يرى أي فتـاة تمتلكهــا من قبل.
سحب نفسًا عميقًا قبل أن يعلو رنين هاتفــه الصاخب، أمسكــه قبل أن يضعـه على أذنـه مُجيبًا بصوتٍ عميق:
-آلو.. كويس أوي أنك أتصلت.
صمت قليلاً قبل أن يقول بنبرة مُرتفعة شيئًا ما:
-كٌنت هكلمك بخصوص حكاية أنك عاوز تاخُد كام بيت إللي في الناحية الشرقية من القرية عشان تبني المصنـع، في بنت جتلي إمبارح وهددت بأنك لو فكرت تقرب من أي بيت أو أرض هناك، مش هتسكت حتى لو وصل الأمر أنهـا تتعامل معاك بالقانون.
-نـعــــــــم!!..
هدر "شريف" بصوتـه وهو يزرع بهو القصر جيئةً وإيابًا بقلق شديد، وتابع بصوتٍ صدح فـ الأرجاء:
-مين البت دي يا سيف؟؟.. لازم تعرف هي مين وتسكتهـــا، لازم أخُد البيوت بالأرض، عشان أعرف أبني المصنـع، موقع المكان مُناسب لبناء المصنع، فـ أتصرف.
قهقه بسخرية وهو يقول:
-أنا أصلاً مش فاهم إنت إزاي بتفكر كده؟؟.. بتفكر تاخُد بيوتهم وأرضهم إزاي عشان حتت مصنـــع؟؟.. طب ما تقولي وأنا هحاول أدور على حتت أرض مُناسبة بدل ما تاخُد منهم بالغصب!!!..
أعتراه التوتر الشديد بعد جملتـه الأخيرة.. فـ هتف بإرتباك واضح:
-مـ.. مش هينفع، أنا عاوز أفضل في القرية، والمصنع يتبني في القرية عشان أقدر أتابــع، و.. والمكان هناك مُناسب.
أستشعر توتر والده وإرتباكـه الشديد، فـ هتف بصوتٍ غامض:
-آه بس أنا مش عاجبني حكاية أنك تاخُد أرضهم بالغصب، ده أفترى وظُلم، وبصراحة كلام البنت دي صح جدًا.
صــاح "شريف" بأعلى صوتــه قائلاً:
-أسمع يا سيف، هي كلمة واحدة، أبعد البت دي عن الموضوع، أنا مش ناقص!!!..
صمتت "سيف" قليلاً قبل أن يقول بصوتٍ عميق:
-أنا هتصرف، بس لو أصرت، يبقى الموضوع برا عني، سـلام.
وسُرعان ما أغلق هاتفـــه وهو يزفر بضيق، أنتقل بخُطواتـه نحو اللوح الزجاجي القاتم الذي يُغطي واجهة الشركة، جذب طرف الخيط السميك فـ أرتفعت الستائر للأعلى وتسربت خيوط الشمس لداخل غُرفتـه، دفن كفيـهِ في جيوب بنطالــه ورغمًا عنــه علق التفكير في هذا الأمر بـ عقلــه.
******
بعد مرور ثلاث ساعــات، ترجل عن سيارتـــه مُبتسمًا بثقـة، وعدل نظارتـــه الداكنة فوق عينيـهِ، اختار بنايةً مُحددةً ذات عشرة طوابق، فـ دلف إليهـا بثقةٍ واعتدادٍ حتى أن حارس البناية الشاب لم يساوره الشك في أمره لتخمينـه أنه حتمًا ذو شأنٍ مرموقٍ؛ لذا لم يبادره بالسؤال عن وجهته بل أفسح له الطريق لكي يستقل المصعد قاصدًا طابق البناية الأوسط، ولم يكد المصعد يستقرّ هناك حتى غادره، فـ ضاقت حدقتـاه وأخذ يرمق بنظراتٍ حادةٍ ثاقبةٍ رقم المنزل الموجود على باب المنزل، عندهــا شدّ قامتـه بحزمٍ وعدُّلَ هندامـه جيدًا وهو يضغط زرّ الجرس، ولم تمضِ برهةٌ حتى فتحت لــه ليتسمر مكانــه وهو يحدق فيهـــا بإنبهــار، فـ كانت ترتدي روبًا منزليًا بلون الروز، ومُمكسة بين يديهـــا مشروبًا دافئًا، للحظة تـاه في بحور عينيهـــا فقط، وللحظة أُخرى أرتبكت هي من نظراتـــه، رفعت حاجبيهـا للأعلى وهي تنظر إليـهِ في عُمق عينيـه ببساطة ثم قالت بإتزان مُبتسم واثق:
-أهلاً يا مستر سيف، أتفضل.
رفع حاجبــه الأيسر للأعلى وهو يحدجهـا بريبة، في حين أفسحت لـه طريق الدخول، رفع نظارتـه الداكنة عن عينيـهِ وهو يلج للداخل بخُطوات واثقة، ما أن دخل "سيف" حتى شمل البهو كلـه بـ نظرة واحدة، مُتمعنًا في كُل تفصيلة بعينـه المُسجلة لكُل ما حولــــــــه بدقة لمْ تتعد للحظاتٍ من الزمن، تحرك نحو الأريكة ثم جلس عليهــا بهدوء بينمــا هي وقف أمامــه وهي تسألــه بإبتسامتهــا البراقة:
-تحب تشرب إيـه؟؟..
إبتسم "سيف" إبتسامةٍ مُتشكلةٍ مع قساوة وجهه وهو يقول بلهجة غريبة:
-سيبي حكاية الشُرب، لأن بعد إللي هقولــه هنجيب الشربــات.
ســاد صمتٌ رهيبٌ بينهمــا وهي ترفع حاجبيهــا لتهمس بصوتٍ لا يحمل أيّ نوع من الترحيب أو المودة:
-إنت عايز إيــه بالظبط؟؟.. مش الموضوع إنتهى خلاص!!..
ظل صامتًا قليلاً إلا أن قال أخيرًا بصوتٍ غير مقروء التعابير:
-عايزك.
فغرت شفتيهـــا قليلاً قبل أن تهمس وهي تحك جبهتهــا:
-أفندم!!!..
ثم لم تلبث أن ضحكت عاليًا بسُخرية، حينهــا نهض من مكانــه وهو يقول بإبتسامة قاسية:
-هو إيـــــه إللي يضحك؟؟..
قست عينيهــا وقالت ببرود جليدي علهــا تجمد قلبــه:
-إنت واعي إللي إنتَ بتقولــهُ؟!..
أقترب منهـا عدة خُطوات وهو يقول بثقة تُليق بـه:
-إسمعي، من غير كلام كتير، أنا عايز أتجوزك يا كارمـا.
أتسعت عيناهـــا فجأة بصدمة وهي تنظر لـه تتأكد من أنــه يتحدث بجدية، وحين رأت وجهه علمت أنــه جـاد كل الجدّ، فـ أتسعت عينيهــا وفغرت شفتيهــا وهي تقول بحدة:
-نـعــــــــــم!!!!.. إنتَ شكلك شـارب حاجــة؟!..
أظلمت عينــاه بطريقة مُخيفة، وهمس بصوتٍ فحيح كالافاعي:
-لسانـك ده طويـل، هتيجي مرة مش هقدر أستحملك وهتشوفي رد فعل وحش.
صمت قليلاً ثم تابـع مُشددًا على كل كلمة:
-أنا خايف عليكي مني، فأحسنلك تمسكي لسانك شوية بدل ما اقطعـه.
حينهـــــــا هدرت بقوة سمرتـــــه مكانــــــه:
-أولاً.. إنتَ متقدرش تعملي حاجة؛ لأني أقدر أدافـع عن نفسي كويس أوي، ثانيًا.. لو إنت آخر راجل في العالم مش هتجوزك بردو، ثالثًا.. خاف على نفسك من ردود أفعالي؛ لأنك إنتَ زودتهــا أوي.
أمسك ذراعهـــا ليجذبهــا إليـهِ بعُنف مرددًا:
-هتجوزك يا كــارمــا، وإنتي مش هتقولي لأ.
ألتمعت عينيهـا غضبًا مرددة:
-لأ يعني لأ، دي تاني مرة أشوفك فيهــــــا!!!!..
تلك المرة ألتمعت عينيهـا شرًا وهي تُضيف:
-ودي تاني مرة تمسك إيدي، سيبهــا أحسنلك، ولا إنت حابب تشوف رد من ردود أفعالي؟!..
أجاب بسُخرية:
-يمكن!!.. ومع ذلك مش هسيبهـا.
تمتمت بإبتسامة باردة:
-يبقى إنتَ إللي أختارت ياإبن النصــار.
وبدون مُقدمات كانت لكمتــه بعُنف في فكــه، ليترك ذراعهــا مُتراجعًا للخلف وقد أصابـه الذهول من ردة فعلهـــا، وضع كف يده مكان موضع الألم وقد أحتقنت عينــاه، وظهر بريق مُخيف بهمـا، لم تهتز أبدًا، بل إبتسمت بتشفي، في حين ظهرت علامات الغضب على وجهه وقـال بلهجة شريرة مُخيفة:
-أنا مش هأذيكي على الحركة إللي إنتي عملتيهـــا دي؛ لأن ضربة واحدة مني هتخليكي مش عارفة توقفي.
قالت "كـــارمـا" بقوة عظيمة:
-متقدرش، وإلا هكون قطعت إيدك.
تابعـت وهي ترفع رأسهــا بشموخ:
-مش كـارمــا عزيــز إللي تخاف من واحد زيك.
******

"أَنَتْهَـاءُ الفَصْلُ الأَوَّلُ"


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس