عرض مشاركة واحدة
قديم 30-09-20, 11:27 PM   #629

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل التاسع عشر



عيناه زادت زرقتها قتامة و قد تلبست صورة جديدة غير ما عُرف عنها من قبل... لقد تخلى عن العينين الثلجيتين و هو يراقب بتدقيق صورة الأشعة التي يرفعها بيده امام وجهه... يضيق عينيه بتفحص لكل صغيرة و كبيرة فيها و ينتقل من تلك الى هذه... و ها هي أخر صورة أشعة تخص رأسها... زفر زفرة قد اثقلت بأنفاسها روحه حينما تأكد ان الجمجمة سليمة تماما... لا نزيف داخلي او ارتجاج فقط هذا الجرح المتروك خلف الرأس و خلع في الكتف الأيمن مع بعد الكدمات الغير مخيفة في الظهر... ترك صور الأشعة من بين يديه لتلتقفها الممرضة الواقفة معه في الغرفة... التفت مؤيد الى السرير خلفه يراقب جسدها الغافي اثر المخدر الذي حقنوها به لتتم خياطة الجرح... اقترب منها بخطوات بطيئة و عيناه تحدجان فيها بنظرة غير مفهومة... لامس بأصابعه نهاية السرير ثم توقف و كأنه لم يقوَ على التقدم أكثر من ذلك... نظراته تشملها كلها و كأنه يدرس شئيا ما بداخل عقله...هذه المرأة ضحت بحياتها لأجل ابنه... اسبل اهدابه للأسفل بعدما رمقها بنظرة اخيرة تعبر عن تخمة افكاره و انه لأول مرة لم يصل لقرار بعد في امر ما...التفت برأسه ينظر خلف كتفه الى الأريكة المقابلة للسرير حيث يائيل هناك...يبكي!
منذ التقطه من الشرفة و شاهد معه أريج المضرجة بدمائها و هو يبكي في صمت...فقط عيناه تفيضا بدموع صامتة دون ان تبرح جسد أريج المسجى على الفراش...ابتعد عن السرير يتوجه اليه ببطء... لا يصدق انه بعد ثلاث سنوات يرى ابنه برد فعل انساني يخرجه من قالب الصنم الذي اصابه...توقف عنده ليجلس على عاقبيه بعدما صرف الممرضة بحركة يده...يلامس ساقي ابنه بحنان و ينظر في وجهه البريء...رفع اصابعه يلتقط دموعه و يتجه بها امام عينيه هو و اللتين نضحتا حنانا خالصا مختلطا بأمل ليهمس بصوت متأثر...
(و اخيرا يائيل)
ابتسم بسمة صغيرة يتمسك بكتفي ابنه و يهمس بصوت ابوي يختلف كليا عن مؤيد الجراح الماهر بارد الروح...
(ابك يائيل و اسمع صوتك لوالدك)
عين الصغير لا تتأثر بحركة والده أمامه فقط باقية على جسد اريج دون ان تتغير...سحب مؤيد نفسا كبيرا يعود برأسه للخلف ينظر لجسدها كما يفعل ابنه و عيناه تعودان تدريجيا لجمودهما لتدل على انه قد وصل لبر كما يبدو...
صوت الطرقات على الباب جعله يستقيم و يعتدل في وقفته سامحا للطارق بالدخول...دلف الطبيب الذي قام بتقطيب رأس أريج يبتسم قائلا...
(أنت هنا دكتور مؤيد...ظننت ان الممرضة فقط هنا لذا اتيت اطمئن على حالة دكتورة أريج)
هز مؤيد رأسه يقول بهدوء...
(لقد فحصت الأشعة كلها قبل قليل الدكتورة بخير و حالتها مستقرة)
اومأ الطبيب بتفهم و كان على وشك الخروج لكنه التفت يقول بتساؤل...
(ألا يجب أن نهاتف اهلها ليعرفوا بالأمر)
جواب مؤيد كان سؤالا بدلا من اجابه...
(هل انهى الضابط تحقيقه؟!)
اسرع الطبيب يقول بتوضيح...
(نعم الأمر انتهى بعدما شاهد ما حدث في كاميرات المراقبة و الممرضة كما طلبت تم الاستغناء عنها)
هزة رأس بسيطة من مؤيد كانت الرد ثم اشاح بوجهه ناحية أريج ليصمت قليلا...تنحنح الطبيب يقول بحرج
(سأذهب أنا و...)
(سأهاتف أهلها بنفسي)
صوت مؤيد خرج واثقا كعادته جامدا كما اعتاد عليه الناس بحروف تعلن عن عجرفة لا يتنازل عنها أمامهم...
بعدما خرج الطبيب توجه مؤيد الى النافذة المتواجدة في الغرفة يتحسس جيب معطفه...بعد ما حدث اوصلت له الممرضة هاتف أريج و الذي وضعته قبل انقاذ ابنه فوق المكتب...ادخل يده يسحب الهاتف و يفتحه لكن كلمة المرور اوقفته و التي كانت بصمة اصبعها...تنهد بخفوت يذهب اليها يتمسك بكفها و يضغط بإصبعها على البصمة ...انار هاتفها في يده فعاد به ناحية النافذة مجددا يسحب الشاشة للأعلى كي يصل الى سجل الارقام و يهاتف اهلها...لكن ما صادفه هو صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي...هناك منشور قامت بنشره قبل ساعتين أي قبل الحادث بدقائق...استند بجانب جسده على اطار النافذة يقرأ بعينيه ما نشرته...
« و حينما تكون أكبر امنياتك هي أن تتلاشى من الوجود و يختفي أثرك، تُمحى و كأنك لم تكُ شيئا »
ضيق عينيه بعدم استيعاب لمعنى ما كتبته...و كأنها تمنت رحيلها قبل الحادث بدقائق...رفع بصره نحوها سريعا بسؤال يطل من حدقتيه بفضول لم يعد سمة من سماته "ماذا يحدث معها؟!"... تحرك اصبعه للأعلى يسحب الشاشة ليظهر له المزيد من المنشورات التي اتخذتها معبرا لها تعبر فيه عن صوت روحها فكلهم تحت خصوصية "فقط أنا"!!!...
«هناك في العمق سواد يؤلم بقوة»
«حينما يأتيك الخذلان من كل جانب و تضيق بك الأرض بما رحبت و تصارع فقط لتلتقط أنفاسك كي تعيش أعلم وقتها أنك كبرت و رأيت الدنيا على حقيقتها و تأكد من كونك وحيد... وحيد تماما»
«أنت مجبر أن تكون بخير ... ببساطة لا خيار آخر لديك...»
توقف عن القراءة عند منشور صغير للغاية... أمنية ثانية لها تتمنى بها ما يتمناه الكثير حولها في صمت...
«ليتني لم أكبر»
ضيق اجتاح صدره فجأة حتى شعر بأن التقاط انفاسه بات صعبا...ذكريات من الماضي تهاجم عقله مع جملتها هذه... لو تعرف أن هناك من يتمنى مثلها بألا يكبر بأن يظل حول من احبهم بصدق لنهاية العمر...زاغت عيناه بعدم تركيز فتحرك اصبعه مجددا فوق الشاشة ليستقر عند هذا المنشور الذي قامت بمشاركته و يحمل نفس اختيار الخصوصية...
«الأخ الكبير هو هذا الطفل الذي البسوه زي المحارب و زجوا به في طريق الحياة...و رغم خوفه و ارتعاده من المضي قدما إلا أنه تقدم ليمهد الطريق و يزيح العقبات يتحمل الاصابات و يتماسك بقوة تبثها به الدنيا...و حينما تثخنه بالجروح يصل لنهاية الطريق ثم يلتفت للخلف يراقب اخوته الصغار يلعبون و يمرحون فيهمس بصوته المتعب هيا تقدموا فالطريق بات ملائما لكم»
انتبه لكلمات المنشور فوضحت الصورة اليه...أريج ذات الواحة الخضراء ذاتية الاشتعال تعاني من تراكم اعباء اسرية فوق كتفيها...سحب نفسا كبيرا ليغلق التطبيق و يبحث عن سجل الارقام حتى وصل الى اسم "أبي" فقام بالاتصال به دون تردد...فبعد ما حدث اليوم لن يدع مجالا واحدا للتردد...
(مرحبا... نعم انه هاتفها بالفعل معك دكتور مؤيد مدير المشفى الخاص الذي تعمل به دكتورة أريج...أود أن أبلغكم أن ابنتكم اصيبت اثناء العمل و هي الآن في المشفى كمريضة)
بعد ساعة....
فتحت عينيها ببطء متعب حينما شعرت بتمسك احدهم بكفها...هناك ألم رهيب خلف رأسها و عظامها تشعر بها تئن...اصدرت همهمة متعبة فأسرع من يتمسك بكفها بتركه ليتوجه سريعا اليها و يقف قرب رأسها...صوت والدتها الباكي استطاعت ان تميزه بعد فترة فرفعت عينيها اليها تهمس بخفوت...
(أمي لا تبكي)
زاد بكاء والدتها فتكلمت بصوت متقطع...
(حبيبتي كيف تشعرين؟!... و الله لا أصدق ما قيل لنا فور وصولنا هنا...كدت اموت عليكِ حينما عرفت ما حدث)
ابتلعت أريج ريقها بصعوبة تهمس...
(أنا بخير أمي المسافة لم تكن مخيفة)
مالت أمها تلثم جبهتها بدموع لا تنضب بينما تقول...
(ليتني أنا و أنتِ لا حبيبتي ليتني أحمل عنكِ ما تشعرين به من ألم)
اغمضت أريج عيونها تكبح دموع تأثرها...تعرف أن والديها يحبانها لكنهما دوما يسيئان التصرف بجهل...و كم يؤلمها جهلهما هذا!!...حركت كف يدها تلتقط يد والدتها القريبة من رأسها تقبل ظاهرها فهمست أمها بحزن...
(حينما استيقظت في الصباح و لم أجدكِ انقبض قلبي...تأكدت أنك خرجتي حزينة بسبب الأمس و حينما هاتفوا والدك و عرفنا ما حصل شعرت ان انفاسي سُحبت من صدري)
فلتت دمعة أريج من عقالها فقضمت شفتيها بضعف تمنع نزول المزيد...همهمت بصوت متألم
(أمي!)
ندائها خرج مبهما رغم انه مكتظ بالمشاعر...فقط كأنها تتلمس هذا الحنان الذي يحتويها من أمها الآن...حنان مقدم دون شروط لا نجاح و تميز يجب ان تصل له...لا انهاء مهمة موكلة اليها...لا موافقة على قبول عريس...فقط حنان تمنحه الأم لأولادها دون شروط او مقابل...
انتبهت الى صوت والدها القلق فابتعدت عن امها تطمئنه ببسمة متعبة...جلس أكمل بثياب مدرسته جوارها على السرير يضم كفها بقوة كبيرة...تعرف انه متعلقا بها حتى اكثر من امهما...لا يملك القدرة على اتخاذ قراراته بمفرده...هي دليله الأول و الأخير في كل شيء...و رغم رفضها التام و الذي حاولت ان توصل مغزاه لأهلها أن أكمل لا بد ان تكون له شخصيته المستقلة و يصبح حر قراراته إلا انها حاليا لا ترفض هذا الشعور...الآن هي تراه ذاك الرضيع الذي حملته و هي ابنة الثالثة عشر بفرحة عارمة و لم تكن تعرف انها ستحمله للباقي من العمر...ابتسمت له بحنان تهمس بصوت حاولت ان يكون مرحا...
(لا تخف أنا بخير و أتذكر ميعاد امتحان الكيمياء و عند وعدي سأذاكر معك كي تحصل على درجات عالية)
ارتعشت شفتاه بضعف و لم يتمكن من السيطرة على نفسه أكثر...مال يدفن وجهه في تجويف عنقها يبكي بصوت مسموع و يتشبث بملابس المشفى التي ترتديها...ارتعش قلبها لأجله فعاندت الألم لترفع ذراعها تضمه بكل قوتها تهمس بصوت مختنق من الدموع...
(أكمل حبيبي ريجو بخير اقسم لك لا تبك)
لم يرفع رأسه بل تكلم لتشعر بحرارة الخوف النابعة من كلماته...
(ظننت أنني لن أراك ثانية أريج...تخيلت امورا سيئة جدا ارعبتني)
ابتلعت ريقها تغمض عينيها و كفها يلامس شعره بحنان جارف تزيل عنه الخوف كعادتها...
و عند الأريكة التي لم يتركها يائيل يقف مؤيد جواره يراقب ما يحدث من بدايته...عيناه تعلقتا بأريج طويلا...هذان الذراعان المحتويان أخاها الصغير...هذه العاطفة المشعة من جوانبها لعائلتها رغم ما فهمه عبر منشوراتها...تأثيرها العجيب على ابنه... هي الأنسب بالتأكيد!!...ركنت زرقة عينيه للراحة بعدما اتخذ قراره أخيرا...




...يتبع....












AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس