عرض مشاركة واحدة
قديم 02-10-20, 01:01 AM   #101

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الرابع عشر
***

لا تولد الغربة مع الوليد في مهده، هي أشباح آلام تحاوطه حين يشب وتتسربل إليه ببطء فتسكن قلبه..

***



كانت عزة قد ذهبت لزيارة دميانة هاربة من تندر زوجة عمها الدائم عليها، ف استقبلتها ببشاشتها المعتادة، تأتيها حين تحتاج أن يشعرها أحدٌ بحبه لها هكذا دون أسباب، صديقتاها تحبانها بشدة لكنهما في تلك الفترة غير متاحتين، إحداهن تزوجت حديثًا والثانية لديها عمل ودراسة ولا تجد وقت لبيتها ذاته، ملجأها الآمن هو صديقة والدتها المُخلصة، طرقت بابها وأخذت هدنة تخلع دروعها فيها، تقابل اللطف باللطف ولو لساعة واحدة، دلفت وسألتها دميانة:
ـ جائعة؟
لم تكن جائعة وكذبت:
ـ أتضور جوعًا.
ربتت على كتفها وأحضرت ما لديها، تناولته عزة بسعادة، لم يكن الأشهى مما تناولت لكن نكهة الحب فيه تُغنيها، كانت صديقة الأم شاردة بلمحة حزن عميقة لاحظتها عزة فسألتها باهتمام بعدما ابتلعت ما في فمها:
ـ ما الأمر خالتي، ما سبب حزن عينيكِ.
مسحت دميانة المقابلة لها جبهتها تزيح قطرات عرق تجمع رُغم برودة الطقس، زفرت بتثاقل، لا تستطيع الكذب أو إخفاء ما يجول بخاطرها:
ـ زارني نيكولا بالأمس.
اتسعت عينا عزة دهشة وسألتها ذاهلة:
ـ متى عاد من سفره؟.
أجابتها بخفوت:
ـ منذ أسبوع واحد.
فسألتها عزة بفضول:
ـ ما سبب زيارته خالتي.
شردت دميانة في زيارة الأمس حيث أتاها حبيب الماضي بطفله يطلب الزواج دون مقدمات، هكذا رماها في وجهها مُعللًا احتياجه لها، صعقها طلبه وروايته بأن والدة طفله توفيت قبل عامين وعاد به إلا الوطن مؤخرًا، حين لم ترد وظلت شاردة سارعت عزة بسؤالها النزق كي تستجلب انتباهها:
ـ ألم يسافر ويتزوج وينجب أيضًا؟
مسدت دميانة وجنتيها بتنهيدة مشفقة:
ـ توفيت زوجته في حادث مروع وتركت له طفله جون الذي أتم العاشرة منذ عدة أشهر.
استاءت عزة مما استشعرته، ذلك الرجل ليس سهلًل لقد ترك دميانة بعدما وعدها بالزواج وسافر تاركًا إياها غارقة في حزنها وتزوج من أخرى والآن يعود ببساطة!
عودته لا تحتاج إلى فطنة كيف تفهم سببها، وجدت نفسها تسأل بتحفز:
ـ بالطبع عاد يطلب الزواج ويستخدم الطفل كورقة ضغط.
لوحت بيدها بغضب بعد صمت قصير وعادت تغمغم بحنق:
ـ ذلك الرجل يعرف نقاط ضعفك خالتي وسيستخدمها بكل قوته.
رفرفت أهداب دميانة ومن ثم فركت وجهها بكفيها بتعب، فما حدث في المقابلة استنزفها، رقَّ قلبها بالفعل للطفل الوديع الذي فارق أمه ، بالإضافة إلى تفصيلة صغيرة جدًا لا تهم أحد غيرها، لقد كانت تحب أباه بشدة فيما مضى وعودة بعد اثنتا عشر عامًا من الفراق ليست بالأمر الهين، الحديث عن ذلك الأمر يرهقها فرفعت كفها تلوح ل عزة بأن تصمت:
ـ أتمي طعامك وسأصنع القهوة.
قالتها ونهضت فصمتت عزة مستجيبة لإشارتها الضمنية بألا تزيد عليها همومها..
احتست معها قهوتها وراحت تثرثر وتحكي لها عن أحوالها ومن ثم ودعتها راحلة، خرجت معها دميانة كي توصلها إلى سيارتها فوقعت الصدمة عليهما معًا، اندفعت عزة ركضًا صوب سيارتها المصفوفة على الجهة الأخرى من الرصيف لتجد كارثة متنقلة تنتظرها، كان المتطفل يجلس على مقدمة سيارتها ينفث تبغه ويبعث في هاتفه بهدوء مغيظ وكأنه في صالة منزله، صاحت فيه بقوة:
ـ كيف أتيت إلى هنا؟
اعتدل بجلسته المسترخية وتربع ناظرًا إليها من علو مبتسمًا باشتياق كما قال في آخر لقاء:
ـ تتبعتك بسيارتي.
قالها مُشيرًا إلى سيارته المصفوفة خلفها، أغضبها حصاره الخانق فضربت السيارة بقوة وأمرته بحدة:
ـ اهبط الآن وارحل دون رجعة.
كانت دميانة قد أتت ووجدتها تُشاجر شابًا يجلس فوق سيارته فرمقته بدهشة وسألتها حين توقفت بجانبها:
ـ من هذا الشاب؟
وصلتها إجابتين متناقضتين:
ـ صديقها.
ـ لا أعرفه.
نقلت بصرها بينهما بارتباك فهتفت عزة بسخط:
ـ متطفل أحمق يفرض نفسه.
لم يتوقع أن تهينه أمام الأخرى هكذا فتصلبت ملامحه بعد ارتخائها السابق،
ركزت دميانة عينيها عليه بعدم رضا فهبط يتقدم إليها ووقف قبالتها يقدم احترامه أولًا:
ـ كيف حالك خالتي دميانة.
شهقت عزة وضربت جبهتها بلا استيعاب فالتفتت دميانة إليها بشك لتزفر عزة بغضب شديد، قبضت كفها بسخط وقبل أن تتلفظ بشيء تدخل بلباقة:
ـ أنا صديق حذيفة زوج صديقتها، قابلتها في زفافه، وعرضت عليها الصداقة وهي وافقت.
قاطعته بحدة وغطرسة:
ـ لم أوافق.
ابتسمت دميانة وناظرتهما بتقييم لتميل إلى أذن عزة وتهمس:
ـ يبدو لطيفًا ووسيمًا.
ردت عزة بصوت عالٍ:
ـ يبدو حقيرًا.
تنحنحت الأخرى بحرج حين رأت الشاب ينظر إلى عزة بتعبير بارد، ابتسامته دبلوماسية لكن إهانة عزة له ليست بسيطة، تجاهلت عزة وجوده وتوجهت إلى باب سيارتها تفتحها وتودع دميانة تاركة إياه يقف برفقتها فسارع إلى سيارته ملوحًا للواقفة تراقب بفضول تلك الحرب المثيرة للاهتمام، ابتسم لها قبل أن ينطلق وهتف:
ـ اعتني بنفسك جيدًا وأنا سأعتني بها.
شيعتهما دميانة بقلق وعزمت على الاتصال ب عزة في المساء كي تطمئن عليها، فيما تبع مصعب سيارتها موازيًا سرعتها، الرجال أسرى الاختلاف وهي مختلفة، مختلفة حد إثارة اهتمام رجل مثله، ليس الاهتمام فقط، أثارت غضبه كذلك..
طريق دميانة المتطرف نوعًا ما وفر له حرية مناوشتها حد أنه لكز سيارتها بسيارته من الخلف وفي كل مرة كانت تتوقف وتسبه ومن ثم تعاود السير بسرعة فائقة ويتخطاها بسلاسة، يتلذذ بإشعال غضبها، تبدو مثيرة حين يحتقن وجهها وتنفرج شفتاها بلهاث يؤجج خياله الماجن تجاهها، لكز السيارة بقوة أكبر من المعتاد متعمدًا فانحرفت حد أنها أوشكت على الاصطدام بالرصيف فتوقفت بزمجرة مُحرك غاضبة مثلها تمامًا، فتحت الباب وهبطت بانفجار وشيك تصيح فيه بكل قوتها:
ـ لماذا تتعمد استفزازي أيها القذر.
تسارعت خطواتها صوبه بمحاذاة الرصيف فعلِق طارف ثوبها بقطعة حديدية بارزة إثر كسور بالغة نتج عنها تفتت القطع الأسمنتية وظهور دواعمه الحديدية، حاولت تحرير الثوب بغطرسة غاشمة وعجزت عن ذلك فصرخت بأنفاس متقطعة وقد نجح في إثارة غضبها حد أنها فقدت السيطرة تمامًا، تقدم ببساطة وبدلًا من أن يحرر الثوب مزق الجزء العالق منه، ولحظها الجيد كانت ترتدي سروالًا من الجينز وحذاءً شتوي فلم ينكشف منها شيء، تفرقت أجفانها حد ألم حدقتيها، كانت واقفة بذهول وهو ينحني يمزق جزء مما ترتديه، للحظة تشوش وعيها بلا تصديق وحين عاد الوعي وصدقت انهالت عليه لكمًا، واجهته بثورة ساخنة فرده كان جبلًا من جليد، حاوط خصرها وضمها إليه بقوة فارتطمت بصدره، ليتضاعف عزمها وتصيح باستماتة وتسبه، وهو كان في عالم آخر، ذراع تحاوط خصرها النحيل والأخرى تستقر خلف ظهرها مُكبلًا إياها وكلما قاومت قربها أكثر، عيناه تترصدان منها كل شظية نار، تداخل واقعه مع ماضٍ سحيق، أضحى عبقها الخاص تعويذة من السحر الأسود، أعادت روح نفرتاي لتدب في جسد تلك المجنونة، نشوة مضاعفة سرت في أوردته، أرادها بكل شغف، كانت فريدة ليس كمثل جموحها شيء، بداية الدهر ونهايته، وحين يشعر رجل عرف النساء بأكثر الطرق قربًا بأنه يحتضن حواء العذراء التي لم يمسسها آدم قبله فتلك كارثتها، اشتهى قربها كما لم يشتهِ امرأة من قبل، ويلها كما قالت جود فهو يحرز أهدافه بمكر ثعلب ونعومة جلد حيّة، واصلت حربها الضروس حتى حررت نفسها أو هكذا ظنت، حررها بقصد ألا تشك في تبريره، وقفت أمامه تطالعه بجنون محض، شراستها تمنحه النشوة التي ينشد، وقبل أن تُجهز مرافعتها وتفند الدلائل ضده أشار خلفها بحدة وصاح هو تلك المرة، وعليها أن تجلس في مقاعد المتفرجين وتتعلم:
ـ أنتِ عمياء جاهلة وغبية.
لم يلتقط نفسه وواصل بثبات الصخر:
ـ لو تركتك لحظة واحدة لكنتِ الآن مصابة ودماءك تغطي الرصيف، التفتت بحدة وأعين ثائرة فوجدت عدة قطع حديدية بارزة، كلها مدببة وحادة، شهقت برعب وتخيلت نفسها سقطت وتمزق جسدها ونزفت كما قال، التخيل مروع استدعى ضربات قلبها بقرع أهوج، لكم سيارتها بحدة وغضب هاتفًا:
ـ لم أطلب سوى صداقة فقط وأنتِ مُصرة على وضع العلاقة في منطقة خطرة.
تقدم منها ثلاث خطوات سريعة خاطفة فتقهرت للخلف على غير عادتها، نجح في زعزعتها بالكلية وأجبرها كي تنصت دون هجوم، مال قليلًا منتهجًا درب الوداعة فجعلها تصدقه لوهلة حين همس مثبتًا عينيه في سرمدية الليل داخل عينيها:
ـ لستُ عدوًا كما تعتقدين..
رمى جملته وابتعد متوجهًا صوب سيارته استقلها دون أن ينظر إليها ورحل بهدوء تام، تطلعت حولها وكان الطريق خاليًا غابت الشمس تاركة خلفها حُمرة الشفق تجثم فوق صدرها وتتسربل إلى قلبها رويدًا، اكتنفها شعور الغربة في هذا المكان الموحش، بل إنَّ


العالم كله موحش يشعرها بالغربة فيه، جلست على الرصيف قُرب الجزء المكسور تنظر أمامها بشرود، لقد اشتاقت إلى أمها بشدة، تعود إلى دميانة حين تهفو إلى أحضان الأم والأخرى تدرك ذلك ولا تبخل ببثها شعور الألفة علها تستأنس بامتلاك عائلة..
***


رافقت رحيمة عدة أيام حتى امتثلت للشفاء، ظلت صامتة تهتم بها دون أن تصارحها بما يجيش بصدرها، اشتاقت لنفسها بلا حرب أو انتقام، حين كانت مراهقة لاتعرف الحب ولم تقابله بعد، ليتها ما أتت وقابلته، ليتها ما تركته يسكنها ويخربها هكذا، أشرق الصُبح قبل أن تغادر فراشها وهذا أول يوم تفعلها، كانت قبلًا تصحو تزامنًا مع معتصم لكنها الآن تحتاج إلى عزلة قصيرة بعيدة عن الجميع، إلى خلوة مع نفسها، تعاقبها وتقسو عليها، قضت قرابة الساعتين دون حراك، ترتب أوراقها فتتبعثر ثانية دون أن تصل إلى نهاية ترضيها، نهضت تغتسل بحمام دافئ، وتجفف خصلاتها التي عقصتها في ذيل حصان ووقفت أمام مرآتها تتنهد وتنظر إلى نفسها بنظرة صلبة، لقد مر ثماني سنوات على أول شرارة أشعلها بقلبها وكانت في الثامنة عشر أنذاك بعد عام واحد من قبلتهما الأولى، ومن لحظتها أضحت أميرة انتقام وما حرق انتقامها أحدًا أكثر منها، أستندت بكفيها إلى طاولة الزينة، قد أكدت له بأنها سترحل حين يموت قلبها، وتعلم أنه لن يموت ما دام حبيبها يتنفس، قدرها أن تعيش مُعذبة بحبها له هكذا، تعبت بشدة وللحظة مختلفة استساغت الرحيل، يكفيها تجرعًا للعلقم وهو لا يكترث بها من الأصل لكنها لن تقرر الآن قبل أن تطمئن على رحيمة كليًا، اعتدلت تُهندم ثوبها المغربي الأزرق وغادرت غرفتها ذهابًا إلى غرفة رحيمة، طرقت الباب ففتحه لها السيد أحمد الذي كان مستعدًا للرحيل، لوح لها بهدوء وغادر، تلكأت قدماها قبل أن تدلف، ثقل لحظاتها هنا مازال يؤلم قلبها، ليس سهلًا أن تعايش فقدان الأم مرتين، رحيمة أمها بل لم تكن أمها الحقيقية بذلك القرب منها، من أول خطوة خطتها داخل قصر زايد وعيناها احتوتها بحنان ورعاية، قربتها منها ك ابنتها ولم تخذلها يومًا، حتى حين علمت بزواجها السري من مصعب، خاصمتها شهرين وحين توسلتها صبر أن تكف عن خصامها بكت، بكت بحرقة استغربتها منها صبر، لامتها بحزن، كيف لها أن تفعل ذلك بنفسها، يومها أدركت مقصد رحيمة وابتلعت المر بصمت، أحرقت بيدها آخر جسور العودة
زفرت بقلب مقهور، أي عودة، لم يكن هناك أملًا فيها من الأصل، وصلت إلى فراش رحيمة وتلاشت أشباح ذكرياتها من حول رأسها، ابتسمت لها الأخرى وأشارت إليها كي تتقدم أكثر:
ـ لم أتناول الفطور بعد من الجيد أنك استيقظتِ.
وجدت صبر نفسها تبتسم رُغمًا عنها، ثقل كبير أُزيح عن صدرها حين تعافت رحيمة واستعادت جزءً من حيوتها، دنت من فراشها وجلست على طارفه، رفعت أناملها تلقائيًا تعيد خصلاتها للخلف فاصطدمت بالعدم، لاحظت رحيمة ذلك وأشارت بعينيها إلى شعرها المعقوص قائلة بفطنة:
ـ مُعتاد على الحرية.
ازدردت صبر لُعابها ومن ثم تنهدت مغتصبة ابتسامة مزيفة:
ـ هكذا أفضل.
هبطت رحيمة من فراشها ودارت حوله كي تصل إليها فهبطت صبر بدورها، قابلتها في منتصف الطريق فمدت رحيمة يدها ونزعت الرابطة المطاطية بلطف، حاولت صبر الرفض والأخرى أكملت نثر خصلاتها حول وجهها بحزم، نظرت إليها بهدوء وأصرت:
ـ بل هكذا..
أطرقت صبر فانسدلت خصلاتها وغطت وجهها ومن ثم همست بصدق:
ـ كُنتِ مُحقة خالتي.
قطبت رحيمة وسألتها:
ـ ماذا تقصدين.
رفعت عينيها ترف أجفانها بوهن:
ـ كنت سأخون معتصم إن اقترنت به.
لان قلب رحيمة لها، أولم يلين كل مرة؟
تعرفها كخطوط يدها، تدعى القوة وهي أضعف من ابنتها زاد، تتعمد الأذى ولا تؤذي إلا نفسها، مدت يدها تربت على عضدها بحنو فأكملت صبر بذات الخفوت الذي تغلف بزفرة متعبة:
ـ قلبي يخونني معه..
جملتها صادقة فقلبها خائن بالفعل، تقبلت ذلك ولم تعد تريد نسختها الحاقدة بعد، فالصبر يتلاشى تحت وطأة الجمر، ماحدث لرحيمة كان بمثابة البركان الذي بعثرها مع انفجاره وفيض حممه، مضت برفقتها فترة الظهيرة تناولت معها الفطور وانضمت إليهما زاد ليحتسوا قهوة صبر الفريدة وبعدها عادت إلى غرفتها، غفت حتى حلَّ عليها المساء فنهضت تاركة فراشها تتلمس حذائها الناعم وراحت تبحث عن صلصالها ، عقلها قاسٍ لا يرحم، ظل يعيد كل حدث مر عليها، افترشت الأرض وشكلته ولم تخرب ما صنعته على غير عادتها، نهضت حين ملت، ارتدت ملابسًا مناسبة وغادرت غرفتها، كان الممر الفسيح فارغًا، لم تعاندها قدماها كما اعتقدت، بل وجدت نفسها أمام آخر غرفة في القصر من الممكن لها أن تقف أمامها، فجدرانها قد شهدت خزيها ذي قبل، أخيرًا صاب أناملها التردد حين رفعت يدها تمسك مقبضه، قتلت ترددها في مهده وفتحت الباب ودلفت تُغلقه خلفها
بعد سنوات عديدة من تجاهل وجودها عادت،
عادت إلى غرفته!..
استندت بظهرها إلى ذلك الباب تعاودها اللحظة قسرًا ف ذات يوم شعر بحركة قريبة في الممر وجذبها إلى تلك الغرفة وأسندها إليه بعدما أغلقه وعاود النهل من شفتيها، يومها ارتعدت أوصالها وتوسلته لساعتين كاملتين كي يتركها ترحل فظل يتلاعب بأعصابها ولم يحررها إلا حين بكت وهددته بأنها ستصرخ ولن يهمها إن اتهموها بإغوائه، لحظتها عانقها بتملك سافر وأزاح عبراتها بحدة هامسًا:
ـ لقد أغويتني بالفعل.
هزت رأسها نفيًا فما يتفوه به مُجحف، رأى الحزن يحتل عينيها فتغيمان برمادية قاتمة:
ـ لم تحتاجي أكثر من رفة جفن لإغوائي ياصبر.
تنهدت صبر فمازال عبق همسته قرب شفتيها يتسلل إلى روحها إلى الآن، نفضت رأسها من تلك الذكرى الدخيلة وتلكأت عيناها على أساس الغرفة، لقد تغير بها كل شيء ألوانها تراوحت بين الرمادي والأسود بدلًا عن تماوجات الأزرق بين فاتح وقاتم، تقدمت للأمام تاركة الأريكة العصرية خلفها وذهبت إلى موضع مخدعه عبر ممر داخلي، كانت تدور حول نفسها وشعور الغربة يتسلل إليها ببطء كيف ظنت يومًا أنها ستشعر بالألفة في عرينه!
الغربة خانقة تبتلعها، سرى عبر أوصالها خدر مقيت، وبدلًا عن الهرب دلفت إلى غرفة ملابسه، لوهله ظنته هنا، لا تعلم سبب هاجسها ذاك وياويلها إن كان بالفعل هاهنا وقد أتته بنفسها، كانت لتكون تلك اللحظة هي مقبرة كبريائها، دلفت بعناد وأضاءتها فزفرت براحة لخلو الغرفة منه، سترة جلدية سوداء جذبت أنظارها كانت مُلقاة على مقعد جانبي بلا اكتراث، اندفعت إليها بلهفة تلتقطها وتتنشقها على مهل، عطره تغير وصار أكثر رجولية وقوة..
لم تكن تدرك أنها تُغمض عينيها إلا حين فتحتهما على صورتها في المرآة تحتضن سترته بهيئة مثيرة للشفقة، ألقطتها أرضًا ودعستها وكأن شيئًا لم يكن، وكأنها لا تتمنى لحظة انسلاخ عن العالم كله، يموتان ويُبعثان في أي صورة مُغايرة لما هما عليه اليوم، ربما ذرتين ثرى تلتحمان ولا تفترقان أبدًا وحين يفقدان صفة أنهما بشريّان لن يكونا قادرين على جرح بعضهما بعضًا، لعنت خنوعها لطيفه هكذا، قد جاءت لترمي ذكرياتها معه بنظرة ازدراء قبل أن تطوي صفحته للأبد لا أن تحييها وتحترق بها هكذا، أغلقت الضوء عن الجناح تباعًا ورحلت، لم تتكلف عناء رفع يدها وإزاحة عبراتها، تركتها تروى صحراء روحها بملوحتها كيلا تزدهر لها بقلبها نبتة أبدًا..
دلفت إلى غرفتها بقلب رُغمًا عنه حزين مقهور وما بيدها في الألم حيلة، توجهت صوب طاولة زينتها وفتحت درج صغير بها، التقطت دفترها الأثير، قبضت عليه بيدها التي ما تحكمت في ارتجافها، عادت تنظر إلى محتويات الدرج فوجدت مرمدة خزفية وللسخرية كانت تخصه..
افترشت الأرض أمام النافذة المفتوحة وأمامها المرمدة، دفترها ذاك كان رفيق السنة التي تسببت فيما يحدث لها الآن؛ الذاكرة أحيانًا تكون خدّاعة لكن إن دونت كل كلمة يقولها لها لك من تعلق قلبك به وأتبعت كلامه بشعورك وقتها، حين الفراق سيضحى ما دونته هو وقود نيرانك، قرأت الجُمل بشرود رافقته الدموع
(أحضانك دافئة يا صبر لن أمل منها أبدًا)
رفعت عينيها إلى الهامش حيث دونت
(وددت وقتها ألا أتركك قط)
(تشبهين زهور الصبار جاذبيتك لا تُقاوم)
وعلى الهامش كان سؤال
( إلى متى سيظل منجذبًا)
وجدت نفسها تضحك بخبال وتمزق الصفحة وتضعها في المرمدة قبل أن تُشعلها وتراقب تراقص لهبها الذي انعكس على عينيها
ورقة تلو أخرى وبالنهاية أحرقت صورته التي احتفظت بها كل تلك السنوات، على أية حال قد تغيرت ملامحه، ازدادت خشونة ونظرة عينيه فقدت وداعتها وأضحت أكثر توحشًا لا يكبد نفسه عناء إخفاء كرهه لها، رفعت عينيها إلى فراغ الأفق الأسود أمامها، قدرها أن تحبه ويكرهها، قدرها تدفع ضريبة استسلامها له واستغلاله لها..
***
حمقى من يربطون البدايات الجديدة بالصباحات، البداية من الممكن لها أن تحدث عند توازي الشمس مع القمر في لحظة مربكة لا هي صباح ولا مساء، البعض مثلها ينام بأذيال النهايات دون خلاص، مؤجلين البداية لصباح الغد!
وصبر كبيرة الحمقاوات، وعدت نفسها أن تغفو لآخر ليلة وقلبها مازال مُحتلًا به برضا تام وفي الصباح ستقتل كل أثر له وتبدأ حياتها الجديدة دونه، تفرقت أجفانها فاحتل مجال رؤيتها بياض السقف الناصع، رفعت كفيها المستكينين جوارها بوهن تفرك عينيها صعودًا إلى جبهتها ورأسها حد أنها شعثت خصلاتها والمُحصلة ألا جديد!
مازال يستحوذ على قلبها وحناياه، نفضت غطاءها بحدة ونهضت تزفر بقوة وحنق، قضت نصف ساعة تدور بغرفتها بلا هدف متخصرة تزم شفتيها حتى جاءها طرق خافت على بابها ففتحته لتجد خادمة تناظرها بفضول، سألتها بنفاد صبر:
ـ ما الأمر؟
أجابتها الأخرى بتردد:
ـ السيد معتصم يطلبك.
حدجتها صبر بنزق وقد استغربت توترها:
ـ وماذا في ذلك سأهبط بعد قليل.
تقهقرت الخادمة للخلف تعض شفتيها قبل أن تشير بسبابتها لأعلى قائلة بخفوت:
ـ عليكِ الصعود هو بغرفته الآن.
ارتدت صبر للخلف بأعين متسعة وهزت رأسها ومن ثم أغلقت الباب بهدوء، اندفعت إلى هاتفها التقطته وطلبت رقم معتصم وحين فتح الخط لم تمهله ليرد وسألته باستنكار غاضب:
ـ غرفتك!
قابلها ب هدوء تام قبل أن يجيبها بلا مبالاة:
ـ أنا في مكاني الخاص.
زوت مابين حاجبيها وسألته دون مواربة:
ـ هل تتلاعب بهم؟
تجاهل الرد عليها ورفع قدميه يستند بهما إلى الطاولة أمامه:
ـ زاد قالت إن القهوة من بين يديك استنثائية.
ضحكت بخفوت قبل أن تناوشه:
ـ ما رأيك أن نحتسيها في شرفة جناحك بالأعلى الإطلالة هناك مُلهمة.
صمت قصير سبق جملته المثيرة للاهتمام:
ـ سيتحتم علينا عقد القران سريعًا إذًا.
ردت دون انتظار برفعة حاجب:
ـ لم أعد أريدك.
يعرف أهدافه جيدًا ويعرف متى يصيب وأصاب بسؤال هو الأهم على الإطلاق:
ـ ومتى أردتِني ياصبر.
تنهدت أكثر من مرة قبل تجيبه بسؤال:
ـ هل سأجرح شعورك إن أجبت.
ضحك بقوة وأجابها:
ـ أرجوك اكذبي هذه المرة فقط لأجلي.
تبسمت من قلبها، معتصم رجل بحق تتمناه كل امرأة وحظها السيء ورطها في الحب قبل أن تشتد أواصر صداقتهما، أجابته صادقة:
ـ أنت حلم لكل امرأة لديها قلب وعقل يا معتصم.
وتحتم عليها الكذب من أجل صديقها الوحيد تقريبًا:
ـ وأنا لدي عقل ورُغم أن قلبي أحمق لكنني أريد الزواج بك.
رد ضاحكًا بقوة غير قادرًا على السيطرة على ارتفاع صوته:
ـ أنتِ بارعة في الكذب وستكونين زوجتي المفضلة.
التقط أنفاسه وعيناه تحيدان إلى الباب المفتوح وقال بنظرة داكنة:
ـ اهبطي الآن ياصبر.
أغلق الخط ووضع الهاتف بجانبه عاقدًا ذراعيه أسفل رأسه المستكين إلى ظهر الأريكة، وخارج مكانه ذاك كانت بيسان محتقنة الوجه بقلب كاد أن يتحول إلى رماد بعدما أضرم فيه النيران دون مجهود يُذكر، لم تستطع الوقوف أكثر واندفعت مُهرولة تصعد الدرج ووصلت غرفتها تصفق الباب بقوة فكاد ينخلع، بعثت لها خادمة رسالة بما طلبه من صبر وتلك الخادمة قد جنّدتها مؤخرًا حين نصحتها أمها أن تتخذ أكثر من عين لها إن قررت أن يكون لها شأن في ذلك القصر، حين وصلها أن معتصم يطلب صبر إلى غرفته نهضت من فراشها كالمجنونة تبكي بلا سيطرة على ثورة أنفاسها، توقعت كل شيء إلا ذلك فارتدت ما طاله يدها وارتقت الدرج إلى جناحها مع معتصم فوجدته فارغًا لتبحث عنه في كل ركن وحين لم تجد شيء، هبطت إلى الأسفل حيث مكانه الخاص وصدمها كلامه الصريح عن زواجه من صبر، اشتعلت نيران غيرتها، ولم تنطفئ وكيف لها أن تفعل وعلاقتها معه بذلك السوء..
...
وصلت صبر إليه بعدما اغتسلت وصففت خصلاتها وارتدت ثيابها، وجدته مسترخيًا فتنحنحت قبل أن تتقدم وينتبه لها ابتسمت له وجلست قبالته تعقد ذراعيها أمام صدرها رفعت أحد حاجبيها مُركزة عينيها عليه، اعتدل وتقدم قليلًا يستند بساعديه إلى الطاولة، معتصم أكثر من يفهم صبر، يتفهم أيضًا انهياراتها الداخلية الصامتة، لن يجرحها مهما حدث فسلك درب الكذب مثلها:
ـ فكرت في طلب الزواج بك ياصبر.
بنظرة واحدة علمت بكذبه وستجاريه، التوى ثغرها بسخرية وسألته دون مواربة:
ـ وما الذي منعك؟
زفر بقوة منتهجًا سبيل الصدق:
ـ سنوذي بعضنا بعضًا.
طأطأت رأسها تخفي عينيها منه فأكمل:
ـ سنكون أتعس زوجين على الإطلاق.
رفعت رأسها تبتسم بمرارة:
ـ قدرنا أن نحب الأغبياء.
أومأ يؤكد على ما تقوله:
ـ أنتِ امرأة لا تُعوض ياصبر، وإن كنت تظنينه سيعيش سعيدًا ذات يوم فأنتِ مُخطئة، لقد خسر ويعلم مقدار خسارته جيدًا.
غافلتها عبرة وسقطت أتبعتها أخرى وهمست بتوسل:

ـ لا تتحدث عنه أرجوك.
أشاح معتصم بوجهه عنها فإن كان يُقدِر قديمًا ما يعتريها كل تلك السنوات فهو الآن ليس بأقل منها حالًا، وأصبح يُشفق عليها أكثر، تلك عاشقة لن تتكرر ورُغمًا عنه بات يحسد من تكن له كل ذلك الحب، لن ينكر أخطاءها ويتجاهلها لكنها أهدت قلبها بلا أي مُقابل، تمنى امرأة مثلها تحبه بلا شروط بلا حتى وعد، تنحنح بخفوت:
ـ كما تريدين.
أزاحت عبراتها الخائنة وحاولت التنفس ببطء:
ـ لا تعتمد على الوقت يا معتصم، نيرانك لن تخفت مع مروره.
توسعت عيناه وزفر يوبخها بلطف:
ـ شكرًا على الطاقة الإيجابية.
ضحكت بخفوت:
ـ آسفة لم أقصد..أقصد أن تبحث عن طريقة أخرى.
رفع حاجبه بسخرية:
ـ أتزوج من غيرها تنسيني إياها!
كتفت ذراعيها مجددًا وهزت رأسها:
ـ كلانا يعلم أنك لن تفعل ذلك، أنتَ رجل نبيل لن تقتل امرأة بأخرى.
واجهها مُعترفًا بجرأة :
ـ لكنني فعلت منذ قليل.
فهمت مقصده، واتسعت ابتسامتها:
ـ الشائعات لاتقتل ياسيدي.
تنهدت ونصحته بجدية:
ـ عليك الحذر معتصم، إن فقدت تركيزك لحظات ستسقط في الفخ.
التوى ثغرها تبتسم بقتامة:
ـ كيدهن عظيم أكثر مما تخيل..
***
يُحكى إنَّ..
بداية تقليدية تبيح بعدها سرد الفواجع لكن
هل سأل أحدهم نفسه لماذا استتر الراوي وفضل أن يكون مجهولًا هكذا؟!
الراوي خائف مثل بطله تمامًا
يُحكى إنَّ البطل كان خائفًا من فقدان حبيبته فقرر دفن رأسه وسط الرمال، لايود أن يسمع ما يباعد المسافات ويبني الجسور، البطل ليس غرًا يارفاق ويعرف نفسه جيدًا، إن سمع ما لايرضيه سيحرق الأخضر واليابس
دفن رأسه ونجح في طمس حواسه لكن الرمال خادعة انسابت من حوله دون إرادة، عاد من عمله يتحرك بديناميكية، الغرفة خالية فهي بالطبع بغرفة والدتها الآن، جائع وحين يجوع يفقد نصف تركيزه، حركات رتيبة وروتين متكرر، أزير خافت لهاتفها على الكومود لفت نظره حين عاد بعد حمام دافئ، للحظ السيء وصل إليها يفرك خصلاته بمنشفة صغيرة، كان سيتجاهل لكن للقدر علة في الالتفات، حانت منه التفاتة بسيطة إلى الشاشة قبل أن تنطفئ بلحظة، ومضة قصيرة قبل ظلام الشاشة كانت بمثابة انهيار نووي، يبدأ ولا ينتهي،
رقم خاص
والأرقام الخاصة أصحابها في العائلة معدودين
جميعهم بالقصر في ذات اللحظة وواحد فقط خارجه
ولماذا يتصل من بالقصر بها!
المعطيات كُثر والنتيجة واحدة
صاحب الرقم الخاص دون تفكير هو مصعب
الانفجارت النووية توالت والدمار قد حدث بالفعل، انفتح الباب وطلت، هشة ضئيلة تتلمس خطواتها باستحياء صوبه، رعب لا إرادي سكنها فبنظرة واحدة إليه أيقنت أنها تقف قبالة المارد حين يتحرر، سكن الهلع مقلتيها، أنىَّ له بالتحول هكذا إن لم ينكشف أمرها، ظنته قد كشف خديعتها بنفسه وسيقتل كل من تورط في الأمر بدم بارد، انكمشت ترتجف ف نظراته مخيفة وصدره يعلو ويهبط كما لو تحول قلبه خلف ضلوعه إلى مطرقة، تقدم منها يجذبها إليه بخشونة، وكالعادة تجمدت وهو يفضل أن يعاشر امرأة تحت تأثير مهدئ على أخرى متخشبة نفورها يعانده، استدار بحدة يفتح الكومود ويلتقط الxxxx الطبي، فزوت بين حاجبيها ريبة وجفَّ حلقها تمامًا، كيف يكون قد علم بما تخفيه ومازال يريدها هادئة لا تمانعه، ابتعدت ببطء فقطع المسافة في خطوتين وجذب كفها بغلظة يضع في راحتها حبة من الxxxx المهدئ للأعصاب، نظرة إلى يدها وإليه بعدها فقرع قلبها بصخب، اللحظة مظلمة ولم تعد تحتمل ولن تُسيَّر مجددًا، هزت رأسها رفضًا فتوحشت نظراته، تباعدت خطوة فقتلتها قدماه، زاد الهشة بداخلها مارد مثلهم، زاد ابنة زايد بالأصل، عنادها لا يقل عن عناد أهلها حتى وإن خنعت لهم دهرًا، أطاعتهم قبلًا تكفيرًا عن تمردها عليهم لكن اليوم قد فاض كيلها، لن تنسى لحظات قهرها وقيد الأطواق حول عنقها، إن عجرت عن البوح فلن تعجز عن الرفض، وجدت نفسها تواجه توحش نظراته بمثلها، قذفت الxxxx على طول ذراعها وهتفت بقوة:
ـ لن أتناوله.
النظرات تتعاند بصخب، رفض الحقيقة بالأمس القريب لأنه لم يكن ل يحتمل اعترافها بحب آخر، الأحجية ينقصها قطع عدة وآدم لن يكترث بتجميعها طالما النتيجة في كل الأحوال واحدة سيخرج من الجنة لامحالة وحري به أن يلتهم التفاحة بدلًا عن قضمة واحدة منها، زوجته من حقه وقد نفد صبره، سيدمغها به عنوة وما ترفَّع عنه بالأمس سيفعله اليوم دون رفة جفن، جذبها بقوة ولم يهتم لهلعها، القسوة أرهبتها فصاحت بهستيريا تدفعه للخلف:
ـ لا أريد.
جذبها ثانية ودفعها إلى الفراش بعنف فسقطت على ظهرها ووثب يحط بكفيه جوار رأسها، تباعدت أجفانها إلى حد مؤلم، شعرت وكأن أحجار مجرة كاملة تجثم فوق صدرها، أن تُلقى هكذا دون إرادة حفز زُرقة الموت كي تزحف إليها، رآها تحتضر حقيقةً لا مجازًا فهمس بلا استيعاب وعيناه تتسعان صدمة:
ـ زاد!
وزاد كانت تتشنج تغالب عجزها بقوى ضائعة..
هل تمنى أحدهم عودة الزمن للخلف؟
أن تواتيه فرصة لدحر أكبر فواجعه
أن يتمرد على هوة السواد قبل أن تبتلعه بلحظة، تمنت زاد ذات يوم، ألا تتكبل ذراعيها وساقيها، أن تكون حرة الأطراف تلكم وتركل تدافع عن نفسها وتتحرر..
واتتها قوة من العدم تركزت بداخلها فسكنها مارد، انتفضت تركله وتتمرد على شبح عتمتها، صُعق منصور مما تفعله، تحاربه ببسالة وكأنه جيش ويتأهب لاكتساحها، حاول تهدئتها ولم تكن تراه بالأصل، يمسك ساعديها فتصرخ ويتركها رفقة بها، يناديها فلا تستجيب له، ركلها يؤلمه وما بيده حيلة، حاول تكبيلها فاندلعت ثورتها أكثر وثورات التحرير حماسها لا يُضاهى، لم يجد بُدًا من تحريرها فانطلقت كطلقة هوجاء للخارج، نادها مرة تلو مرة وركض خلف ركضها بلا فهم، فتحت الباب وواصلت هروبها، وكان خلفها ينهت بجهل، لم يتصور في أحلامه أن تهرب منه زوجته بتلك الطريقة، وقعت أمامه على الأرض حين تعثرت في سجادة ونهضت، غالبت وهنها واستقامت تعاود ركضها، لم تتوقف لتبتلع لعابها حتى ففرصتها وحيدة، هي لحظة صحوة إما أن تستغلها وتهرب من مصير أسود أو يخفت عزمها وتقع في جُب عميق تبتلعها ظُلمته ما بقي لها من عمر..
هبطت الدرج وصوب غرفتها اندفعت، سيول العرق كست جسدها رُغم برودة الطقس القاسية، دارت بعينها حولها بجنون، غبار وهمي أغشى عينيها وأزكم أنفها ف سعلت بقوة قبل أن تواصل كفاحها في الهروب، هبط خلفها الطابق الثاني هرولة يتلفت حوله فوضعهما سويًا مثيرًا للشكوك خصوصًا أن قاطني القطر لاتفوتهم فائتة، لحسن حظه لم يقابله أحد من الخدم، وجدها تفتح باب غرفتها بعنف وأنامل مرتجفة وجسد ينتفض، هز رأسه بلا استيعاب ف دلفت وأغلقت الباب، بالداخل جلست على الأرض تستند بظهرها للباب تحاوط ساقيها بذراعيها وتضمهما إلى صدرها تدور عينيها حولها بخبال، ابتسمت فلأول مرة تشعر بالنصر، استطاعت الفرار وإنقاذ نفسها من براثن شبح الظلام..
***



انتهى الفصل قراءة ممتعة😍


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس