عرض مشاركة واحدة
قديم 05-10-20, 10:39 PM   #110

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس عشر
***
أنتَ فاعل حين تختار، والاختيار بعد حين لا يعود خيارًا، الراوي أعطاك فرصة واحدة، وأنتَ أحمق ياصديقي اخترت ما أراده بالضبط، والآن أصبحت تحت يديه مُجبرًا في خانة المفعول به..
***
وقف منصور أمام باب غرفتها مصعوقًا مما حدث، قد بالغ كثيرًا لكن رد فعلها كان أكثر مُبالغة، لن يدَّعي الفضيلة وينكر أنه انتوى امتلاكها دون تراجع، لكنها كادت أن تفارق الحياة للحظات وبعدها هبَّت روحها فجأة تناضل، لم يعد يشك بوجود سر خطير خلف نفورها ذاك، عادت هواجسه تتملك منه، حبها ل مصعب هو سبب كل ذلك، حكَّ جبهته بحدة وزمجر بغضب أعمى، ذهب صوب غرفته بذات الطابق فلن يعود لجناحهما دونها أبدًا، ظل ساعتين يجوب الغرفة بعجز كأسد مُكبل، لحظتها لم يستطع طرق بابها بعدما هربت منه وأغلقته في وجهه بتلك الطريقة ولم يعد يحتمل التفاف شكوكه حول عنقه أكثر من ذلك، فتح بابه واندفع يهبط الدرج متوجهًا صوب مجلس جده مباشرة، دلف بقلة تهذيب دون طرق الباب حتى، انتبه جده الذي اعتدل بجلسته يطالعه بدهشة، نهض حين التقطت عيناه تغض ملامح منصور، ابتهل في سره لئلا يكون قد انطلق لسان زاد بما يهدم ما دأبوا جميعًا على بنائه، وقف منصور أمامه يطالعه باتهام واضح وصاح دون مراعاة لأي اعتبارات:
ـ مما تشكو زوجتي.
التمعت عينا الجد بتوجس مما يراه بعينيه واحتار في تأويل بواطنه أ شك ما يراه أم يقين ف سأله دون تؤدة:
ـ ماذا تقصد؟!
ازداد انفعال منصور الذي تجسدت أمامه رحلة هروبها منه:
ـ زاد هربت إلى غرفتها ركضًا وكأنني مُفترس سينهشها.
ضاقت عينا الثعلب العجوز والتقط أنفاسه ببطء فحفيده مازال في طور الشك، حفيده الذي ضيق عينيه بالمثل مغمغمًا بسخط:
ـ تتجمد كلما مررت من جوارها، حياتي معها مزرية وليست طبيعية أبدًا.
صمت تبرق عيناه بوميض مخيف قبل أن يردف:
- خلف زاد كارثة كبيرة.
أصاب الحقيقة في مقتل لكن الجد حافظ على جموده فإن
أظهر له رفة جفن متوترة سيؤولها وتحدث حرب، منصور أكثرهم اندفاعًا ومعتصم متطرف في حمايته لأخته، وإن تقابلا على ساحة واحدة سيجهز أحدهما على الآخر مزهقًا روحه بلاشك وسيخسرهما معًا، اُعتصر قلبه بألم، يتحمل الموت على ذلك، دارت أفكاره في رأسه للحظة واحدة وبعدها امتلأت عيناه قسوة وتجبرًا وهتف بأعين متحجرة:
ـ كيف جرؤت على الشك فيها.
حين همَّ منصور بالتبرير
رفع السيد سليمان سبابته صوبه يحذره من ألا يتمادى :
ـ حفيدة زايد لا توضع في وضع كهذا.
هز منصور رأسه بعدم رضا ف جده أخذ الأمر على كبريائه وانحرف مسار ما كان يقصده، والجد ماكر لا ينتهج الدفاع ويهاجم مباشرة فهدده:
ـ الليلة يأتي المأذون ويخلصها بلا رجعة.
زمجر منصور برفض تام وكاد يرمي في وجهه قنبلته الموقوتة مُصرحًا بشكوكه في حبها ل مصعب لكن لسانه انعقد، لم يقوَ على قولها، عصاه قلبه حتى وانقبض فهتف:
ـ لن أتركها.
التقط أنفاسه التي لم تفلح في تخفيف احتراقه الداخلي، يصارع جاهلًا بهوية عدوه، والأسوأ أنه يحارب بلا ساحة نزال، يواجه سرابًا على أرضٍ من الوهم، لا أدلة إدانة دامغة لا خطة مُحكمة بل إنه أعزل بلا أسلحة، مُحارب فاشل بل هو الأسوأ على الإطلاق، ضاقت به السُبل ف هتف بلا حجة:
ـ زواجي بها ليس زواجًا بالأصل.
أغمض عينيه متذكرًا الحبوب المهدئة التي لجأ لها كي يستميلها حتى تعتاده، شعر بالخزي من نفسه فطأطأ برأسه تقدم السيد سليمان منه وغمغم من بين أسنانه بقسوة يستل خنجره يطعن شكوك منصور المهترئة ضاربًا القاضية:
ـ إياكَ وأن تنسى ما فعلته بها يوم زفافكما.
كره ما لجأ إليه في نفسه لكن أي ثغرة ضعف تجاه منصور الآن ستحطمه وزاد وسيكون الثمن دماء معتصم، غصة جديدة استحكمت قلبه، كل شيء يهون إلا ذاك، استمر في ذلك، لمح الوجع يتجلى بعيني حفيده فحزن حقًا ووجع ساعة أفضل من وجع دهر بأكمله، أكمل صياحه ينهي تلك المهزلة:
ـ صغيرتي تحتاج إلى معاملة خاصة، وأنتَ لا تصلح لها.
وبعد أن أتى منصور مهاجمًا وجد نفسه في خانة مُتهم وعليه الدفاع فتنهد قانطًا:
ـ لستُ همجيًا ولا أعاملها ب سوء ، بالعكس أترفق بها كما وعدتك.
أكمل جده هجومه عليه دون ذرة تعاطف واحدة فقد دفنها متجمعة:
ـ قلت بنفسك أنك ستعاقبها.
قاطعه منصور بحزم واهن:
ـ قلتُ أيضًا بالحُسنى.
أتعبه التبرير فأكد هاتفًا:
ـ ولم أُعاقبها يومًا.
حكَّ جبينه بقوة مؤلمة:
ـ حد أنني تناسيت وقوف مصعب يطلبها للزواج وهي على ذمتي.
وجد الجد أن الشكوك تأخذ مسارًا مقيتًا فهتف بصوت مهيب:
ـ هنا بيت القصيد إذًا.
برقت عيناه بتعبير من جوف الجحيم:
ـ إن نطقت كلمة زائدة لن تراها بعينيك ثانية.
تراجع منصور للخلف يناظره بوجل، لن يتحمل ذلك ولم يحب التفوه بما قال، تراكمت همومه فوق كتفيه فهدلهما، قدره في الحب أن يعانقه الألم، ارتجفت أنامل الجد حين رأى كسره ذاك فنطق بحزم لين:
ـ لم أنجب حفدة يحنون رؤوسهم.
رفع منصور رأسه ليرى الجد الحزن يظلل ملامحه فأردف بصوت خفيض :
ـ أعطتها وقتها يا منصور.
هز الحفيد رأسه يمينًا ويسارًا بيأس قبل أن يلوح له بلا معنى ويستدير راحلًا دون حروف فقد فقدت الحروف معانيها ..
...
راقب رحيل حفيده بذهن متقد، توقع حالة زاد الآن، لن تهرب إلا تحت ضغط رهيب، وصل إلى الباب الذي تخطاه منصور منذ قليل يتفقد الطريق، وحين اختفى عن أنظاره اندفع بهرولة عرقلتها سنون عمره الطويلة، توجه صوب المصعد فلن يتحمل صعود الدرج بحالته تلك، بعد لحظات كان يطرق بابها بأيدٍ مرتعشة، لم ترد فتعالى طرقه بحدة، كان مرتعبًا بأنفاس متقطعة، وجد خادمة تقطع الممر أمامه فصاح فيها آمرًا:
ـ ارسلي رحيمة إلى هنا.
أومأت له بتهذيب وسارعت في المغادرة، طرق الباب مجددًا وقلقه يقتات على ثباته، بالداخل كانت زاد قد غفت مكانها، جسدها الضئيل يحتضن الأرض بلا طاقة، حاربت فانتصرت واستسلمت لضياع وعيها بين أحضان الوسن، أيقظها طرق الباب ففرقت أجفانها المنتفخة بضعف، دارت بأحدقها تحاول استشفاف مكان رقدتها فتداخلت ألوان غرفتها البيضاء والوردية تسحب ذهنها للغياب مجددًا إلا إن الطرق اشتد ومزق غمامتها فالتقطت شهيقًا عميقًا قبل أن تستند على كفيها النحيلين وتنهض، آلمتها وجنتها التي احتضنت الأرض الباردة لأكثر من ساعتين، وحكتها تزامنًا مع غصة حارقة قبل أن تحاول ابتلاع لُعابًا لم تجده بحلقها الجاف، مدَّت أناملها تفتح الباب بحيوية ذابلة فوجدت جدها يناظرها هلِعًا، تلقفها بين ذراعيه ودفعها برفق يدلف بها ويغلق الباب خلفهما، استسلمت لأحضانه فوصل بها إلى الأريكة وجلس ضامًا إياها إليه، قلبه تهشم إلى شظايا حين رآها هكذا، رفعت وجهها إليه وقد عادت عبراتها تتجمع ثانية وهمست بصوت أبح:
ـ لقد هربت.
تقولها بفخر المنتصرين فيهتز كيانه وهو المهيب الذي لا يقهره شيء لكن عندها يضحى عاجزًا، طفلته عانت بما يكفي..
شدد على ضمها وقبل رأسها باعتذار صامت، يعتذر لها بدلًا عن عالم لا يشبهها، مثيلاتها حور عين يدنسهن الهبوط إلى تلك الأرض الظالم أهلها، همس لها يبارك انتصارها:
ـ حسنًا فعلتِ، أنا فخور بكِ يا صغيرتي.
أجهشت في بكائها، مُتعبة حد خفوت ضيها، راح يمسد خصلاتها المستريحة على كتفها ويبتهل كي تبرأ روحها، دلفت رحيمة بعدما فتحت الباب بغتة فهرعت إلى عمها وابنتها تتلقفها منه بذعر هاتفة:
ـ ماذا حدث لها؟
زفر باستسلام وأغمض عينيه يأسًا:
ـ هربت.
اختلجت عضلة من وجهها واهتز جسدها فيما عقدت حاجبيها سائلة:
ـ هربت كيف.
تعالى نشيج زاد فحرق قلب أمها، قلب أمها المحروق عليها بالفعل، ارتعشت أناملها تلامس بها كتفي ابنتها وصولًا إلى وجهها تمسح عبراتها الغزيرة، ضمتها مجددًا إلى صدرها تُغالب غصتها، طفلتها تموت كمدًا دون أن يدري بها أحد، نهض الجد مغادرًا تاركًا إياها معها تعتني بها، فمرآها بتلك الحالة يزيد من كهولته وعجزه، هدهدتها حتى أفرغت دموعها قاطبة، حُرقة بكائها نخرت قلب أمها الحزين من أجلها، همست لها في أذنها :
ـ اهدأي يا حبيبة أمك لن يؤذيك أحد.
همست زاد بضعف:
ـ منصور.
مسدت الأم خصلات ابنتها ولم تقاطعها فأردفت زاد ب قهر:
ـ منصور تعب من الانتظار.
وأشارت إلى صدرها الضائق:
ـ وأنا تعبت من خداعه.
تملك الرفض منها فقالت بعزم:
ـ لن أعود إليه.
ربتت رحيمة على ظهر زاد فيما اغرورقت عيناها بدموع حارقة:
ـ لا تعودي يا ابنتي.
صُدمت زاد التي توقعت رفضًا قاطعًا وسألتها بشعور مختلط، حزن وتيه وبداية لانفراجة نور:
ـ حقًا؟
أومأت رحيمة بابتسامة مريرة، ابنتها تحترق، كل حين تحترق، كفاها موتًا فليطيعوها مرة علَّ روحها تبرأ، ظلت تعانقها حتى هدأت تمامًا ومن ثم تركتها على الأريكة ونهضت تتلمس موضع الهاتف وهاتفت صبر التي ردت عليها سريعًا فطلبت منها أن تأتيها سريعًا، لم تتأخر عليهما صبر وأتت لينتابها التوجس من هيئة زاد المزرية، لكنها نحت توجسها حين فهمت أنهما تحتاجان إلى مساعدتها، تقدمت صوب زاد تتمسك بكفيها وتسألها برفق:
ـ هل تستطعين النهوض؟
كانت زاد راقدة على أريكتها بقوى خائرة، نظراتها تائهة، ربتت صبر على كتفها تحسها على أن تستقيم معها، فطاوعتها ولم يغادرها الوهن، أسندتها إلى حمامها، فأشارت لها زاد كي تنتظرها بالخارج، لتبتسم صبر التي انحنت قليلًا توازي قامة زاد القصيرة ومازحتها:
ـ سأغمض عيني لا تقلقي.
طريقة صبر في غلق عينيها بقوة جعلت ابتسامة مُرة طفيفة ترتسم على مُحيا زاد التي ردت بتهذيب:
ـ لا أريد أن أثقل عليكِ.
أومأت لها صبر التي استدارت قائلة:
ـ سأحضر لكِ ملابسًا ثقيلة بدلًا عن هذه.
توجهت صوب السيدة رحيمة الجالسة على مقعد وثير والحزن فارضًا سطوته عليها، جلست أرضًا أمامها تمسد ركبتيها بيدين حنونتين فنظرت رحيمة إليها بأعينها الباكيتين وهمست:
ـ لقد هربت من زوجها.
حانت من صبر إلتفاتة صوب باب الحمام وفغرت فاهها بصدمة، عادت إليها تهز رأسها بلا استيعاب فبررت رحيمة ما استشفته مما حدث:
ـ مؤكد تراكمت ضغوطها.
رفرفت أهداب صبر، التي دوما ما تستمع دون إبداء رأي، رحيمة مثل ابنها يرتاحان في الحديث مع صبر وهي خير من يستمع إليهما، واصلت تمسيد ركبتي رحيمة، والأخرى تنهدت بقلب ثقيلة همومه:
ـ لن أمانع انفصالها عنه إن أصرت.
زمت صبر شفتيها وتغضن جبينها بحزن ، زاد مسكينة ما كان لها زواج بحالتها تلك وهم استكبروا على الاعتراف بذلك..
تنهدت ونهضت تبتهل بصمت كي تمر تلك الكارثة على خير غير مُدركة أن مايحدث مع زاد سيفتح عليها أبواب الجحيم دفعة واحدة..
***
طاب له زاده فأكله كله، غاب الغيث فجفت أرضه ومن فرط جوعه جنَّ جنونه وسرقه شروده إلى أوج لحظات النهم حين سألته هل أنتَ راضٍ؟
وقتها سخر إن لم أكن كذلك فلماذا ألتهم!
جالس خلف مكتبه وعقله سابح في ماضيهما القصير معًا، لم يتحمل المكوث في القصر ووضعهما مضطرب هكذا ففضل التناسي قليلًا متذرعًا بالعمل، الذكريات تستفزه كي يثور من جديد، حياته دونها باهتة خانقة لا تُحتمل، ومعها استرق لحظات كان نهمًا فيها رغم خمولها القسري بسبب المهدئ، وقتها سألته بأعين تائهة عن رضاه عنها، فوصله شعورها بالنقص واستغرب ذلك، زاد تحيره، تريد رضاه أم البعد عنه، مواجهة جده وتهديده الصريح بفقدها أثار رعبه، هل يجوز للرجال أن ترتعب من فكرة الانفصال؟
عاد إلى حاضره يزفر بقوة ويستند إلى سطح مكتبه بساعديه مرتكزًا بجبهته عليهما، مر يومان على هروبها وسئم الحياة دونها، نهض يلتقط مفاتيحه معتزمًا مواجهتها عله يصل إلى حل في تلك الحيرة، وصل القصر وصف سيارته، لم يهتم بمن مروا به وقصد غرفتها مباشرة، طرق بابها وتذكر حين كانت أمها ستفتحه له دون طرق يوم عقد القران، لم يتغير مبدأه فلن يدلف إليها بشكل يشي بالإجبار مُطلقًا، فتحت بابها فشعّ من مُحياها هالة نور زلزلته، وجدها تتقهقر بانهزام للخلف يتغضن جبينها، دلف على إثر تراجعها وأغلق الباب مستندًا إليه، تهدلت أكتافها منكمشة بلا حيلة كفأر كُمش داخل مصيدة القط، تنهد مغمضًا عينيه وهمس:
- لماذا يازادي؟
احتضنت نفسها بذراعيها وتبعثرت مشاعرها، تشعر بنشوة الخلاص لأول مرة، عادت لسلامها بغرفتها دون خداعه وفي ذات الوقت يتألم قلبها لأجله، كل الطرق التي تسلكها تؤدي إلى ظُلمه، ردت همسته هاربة من عينيه:
- أرجوك تسامحني.
غصَّ قلبه فتوسلها برفق:
- عودي معي.
هزت رأسها ببطء فلن تعود لعذابها ثانية:
- لا أستطيع.
تهربها من مواجهة عينيه يغضبه، الشكوك لعينة لا تتركه مهما حاول التخلص منها، لم يعجبه رفضها ذاك ف ارتفع صوته بحدة :
- لم أطلب المستحيل.
رفعت رأسها بخزي تؤكد:
- أعرف.
صاح بها دون سيطرة:
- ما المشكلة إذًا؟
لم تطاوعها قدماها لتتقدم منه، حافظت على المسافة كي يتأكد من ضياع الأمل:
- المشكلة ليست بكَ يامنصور.
سألها بوجه متصلب وأعين متساءة:
- بمن المشكلة يا سيدة زاد.
اعترفت بوهن واستسلام:
- بي أنا، لم أعد أحتمل.
تقدم صوبها بحدة أرهبتها وجعلت جسدها بختض فتوقف على بعد خطوتين يهز رأسه بجهل، يكره جهله ذاك، كيف تكون زوجته ولا يستطيع النفاذ ببصيرته إلى دواخلها، نطق من بين أسنانه ساخطًا:
- لا تحتملين ماذا؟!
وجدت نفسها محاصرة بين خداعه أو إهانته ، احترق قلبها بغصة لعينة فاستدارت تبتعد عن مرماه هاتفة بجزع:
- اخرج من غرفتي أرجوك.
اتشح وجهه بالصدمة، زاد تطرده!
لماذا آلت أمورهما إلى ذاك الحد، إن دخل إلى غرقتها بغضب وبعض اللين فالآن هي استعادت مارد سخطه ، استدار يرحل وقبل أن يصفق الباب الذي فتحه صاح يتوعدها بحدة جعلتها تنتفض:
- سأُعيدك عنوة يا زاد..
...
غادرها فارتمت على أريكتها دون بكاء، دون ردة فعل ودون خلاص، ظنت أن ما عاشته من سلام مؤقت ليومين كاملين سيدوم، مر عليها ثلاث ساعات راقدة بلا حياة، مر عليها خلالهم كل صنوف جلد الذات، بعدهم نهضت إلى الحمام تخلع ملابسها وتغتسل، مهووسة بالوقوف تحت المرش فيغمرها ماؤه البارد حتى وإن كان الشتاء سادلًا أستاره، انتهت مرتعشة وارتدت ثيابها، وعلى سجادة صلاتها تولت الابتهالات، حاوطها النور من جديد، تسربلت إليها الراحة بعد أداء الصلاة، راحت تناجي ربها تطلب العون والخلاص، أسهبت في الدعاء حتى اطمأنت وراحت تُسبح بصوت خفيض تناغم مع صوت اصطكاك حبات المسبحة، دقَّ بابها فنهضت تفتحه، كان معتصم ووالدتها، دلف أخوها خلف أمه المهمومة وجذبها يضمها بين ذراعيه عنوة قبَّل رأسها وسألها بصوت مشحون:
- ألن تبكي؟
تنهدت مبتعدة قليلًا وجاوبته بتقرير:
- لا أريد.
قبل أن يتفوه بحرف رفعت سبابتها تحذره بحزم:
- إياكَ أن تنفعل وتسب منصور وأيضًا لن تجبرني على شيء لأنني لن أفعل إلا ما يناسبني.
زفر بقوة مطبقًا شفتيه، ما حكته له أمه عنها زاد أوجاعه واحدة، تجلى قهره من جديد ولئلا يضغط عليها أكثر تركها يومين كي تهدأ ويكون قد تمالك أعصابه كما نصحته أمه، ربت على رأسها وهز رأسه يوافقها:
- تلك المرة لن أجبرك على شيء.
ابتسامة مرتعشة زينت ثغرها وفاضتا عيناها بالوجع لكنها تمتلك نذرًا يسيرًا من قوة جعلتها تتحداه:
– عليكَ أن تعترف.. وتعتذر.
لم يكابر فهو خير من يدرك ما اقترفه في حقها، حاول بكل قوة ضمان سعادتها لكن ما طالها سوى الأذى، انحنى يواجه عينيها وأكد بصدق:
- أعترف بأنني اخطأت في حقك وأعتذر بشدة.
وجدها تريح رأسها إلى صدره فعانقها يمنحها أمان فقدته لكثير من الوقت، همَّ يسألها عمَّا تنتويه فلوحت له أمه بأن يصمت ففعل، كلاهما يعلم أن زاد في موضع مُرتبك وليست مؤهلة لاتخاذ قرارًا مصيريًا يخص حياتها، بالأمس ألحت أمها عليها كي تحكي سبب هروبها لكنها رفضت بشكل قاطع أن تتفوه بحرف مؤكدة بأن حياتها الخاصة مع زوجها ليست مشاعًا يمكن تداوله بين أفراد العائلة، الأمر الذي طمأنهم نوعًا ما وأظهر لهم أنها لم تقطع الخيوط كلها ففضلوا احترام رغبتها ومساندتها بكل ما آتاهم من قوة..
***


الفخ لايعترف..
على سبيل الملل هي بالمنزل، لا تفعل شيئًا بالمرة، رفقة الوديعة تدرس بملل، مصطفى توأمها فاشل بملل، سُهيل لطيف بملل، حد أنها كرهت ابتسامته المُحايدة التي يقابلها بها، فشل أن يكون شريرًا حتى ولو بنظرة، لماذا لا يكونون أشرارًا تمامًا ويموت ضميرها فتُشعل بهم المنزل!
وجود بعض السُذج يعرقل مسيرات الانتقام أحيانًا، تأففت بحنق فجلستها على الفراش لا تفعل شيئًا قد طالت، الروتين مزعج لأمثالها، حانت منها التفاتة صوب الهاتف المُلقى بإهمال فوق مقعد أمامها وأشاحت بوجهها عنه بحدة شرسة، لا تفكر به بالطبع، مجرد أحمق متطفل قد غزا عزلتها عنوة وكالت له ما استحقه من ازدراء، وجدت اتجاه يرضيها تصرف ذهنها عن طريقه، ف فكرت في مصيرها البشع إن كان تركها تسقط على القطع الحديدية الحادة، توقفت أنفاسها و اقشعر بدنها الذي انتفض حين تذكرت احتجازه لها بين أحضانة بتلك الطريقة المقززة، عقلها اتقد بفكرة متطرفة، ماذا لو كان متعمدًا!
مالت برأسها بأعين مُحتارة تحكُّ فروة رأسها بغباء وزمت شفتيها، كيف يتعمد التحرش بها في وضع كهذا!
لا لا بالتأكيد هي مخطئة لايوجد إنسان دنيء هكذا، يبدو حقيرًا فقط..
تساءلت بغباء أعظم وما الفارق بين الحقارة والدناءة؟!
ستُجن إن ظلت تفكر هكذا ولن تصل لحل، رفعت كفها تلوح في الهواء أمام وجهها بعدم اهتمام وأطبقت أجفانها عائدة إلى مللها الأثير، قد مرت أربع وعشرون ساعة على آخر لقاء بينهما ولم يتصل أو يظهر وهذا جيد، جيد جدًا فقد خف عن كاهلها عبء التخلص منه ككل مرة، زفرت بنزق ونهضت تتشاغل بغسل خصلاتها وتصفيفها..
على جانب آخر، جناح في طابق مرتفع ضمن فندق عريق في أحد أحياء العاصمة كان يرقد في فراشه، قضى الأربع والعشرين ساعة الماضية متنائيًا عنها بتعمد ينتهج تكنيكًا خبيثًا جدًا، القاعدة الأولى
اقترب حد الحصار
الثانية
كرر نفس الكلمة وسيأتي يوم ويصدقها الجميع وكلمة السر صداقة بريئة
الثالثة
احتفظ بانفعالك الناري لنفسك
الرابعة والأهم
شوش خصمك واجعله يسأل نفسه أ أنتَ بطل أم دنيء؟
والخامسة
ابتعد واتركه يتخبط..
ملاحظة
لا تقطع الخيط فطول فترة التخبط ليس في صالحك..
اتصل بها وكان يعلم أنها لن ترد، ستتعمد تجاهله مدة تكافئ ما ابتعده لا لشيء غير أنها استساغت دور المهمة، تعمد وضعها في خانة ذات الأهمية ويعلم أن ذلك سيروقها، غادرت حمامها تعتقل خصلاتها بمنشفة ثقيلة، سمعت أزيز هاتفها فتوجهت صوبه لتجد الرقم الخاص يحتل الشاشة، قلبت الهاتف على وجهه كيلا تراه يرن ولوت شفتيها بتعالٍ تاركة إياه يلح دون رد، لن تعطيه أهمية لا يستحقها..
في اليوم التالي استيقظت متأخرة وأنهت روتينها اليومي البسيط، لم تكن يومًا من المفرطين في الاهتمام بأنفسهم، غادرت واستقلت سيارتها تتوجه إلى المدرسة التي تعمل بها، كان الطريق نصف مزدحمًا وحنقها مُشتدًا بالكامل، تركيزها في الطريق تشتت حين شعرت بسيارتها تهتز فضربت المقود بحدة والتفتت للخلف تبحث عنه تزامنًا مع اصطكاك أسنانها، لمحت سيارته القابعة خلفها، فزفرت بعنف قبل أن تنظر أمامها وتواصل سيرها وبالفعل تركها تفر منه حين خفَّ الزحام، اتسعت ابتسامته وأعاد رأسه لظهر المقعد يرتخي في جلسته بخمول، وسار خلفها ببطء، صدَّقت أنها تخلصت منه لكنه وأد فرحتها حين نظرت في المرآة وصدمها وجوده خلفها بابتسامته المتراخية المستفزة تلك، تجاهلته وحاولت الاستمرار في الفرار فلكز السيارة دون تمهيد لتفقد توازنها قليلًا، زفرت بتتابع وفتحت باب السيارة تهبط بهدوء مفتعل، وصلته ووقفت جوار سيارته تواجهه بتحفز مُكتفة ذراعيها أمام صدرها تسأله بأعين متسعة:
ـ ماذا؟
تلكأ في مضغ علكته فأثار غضبها ليسمع زفرتها قبل أن يرد ببراءة زائفة :
ـ اشتقت إليكِ صديقتي.
مدت كفها تقبض على حافة باب السيارة وتميل إليه قليلًا فاتسعت ابتسامته وطاف بعينيه تعبير لم تفهمه ولم تهتم، هتفت بنزق:
ـ لم أقبل بالصداقة ووجودك حولي مزعج.
اعتدلت في وقفتها تستدير وتتركه خلفها مُغادرة ، ففتح بابه وهبط يلحق بها، وصل إليها سريعًا ومد يده يكمش الهواء من خلفها مبتسمًا قبل أن يلمسها، سبقها ووقف قبالتها فعرقل مسيرها، وبخها بجدية :
ـ كلمة شكرًا لن تنتقص من طول لسانك.
منحته النظرة المستخفة التي تشعل نيرانه من الداخل ذاتها، حمقاء لا تكبد نفسها عناء ابتكار جديد، وهو سيد الابتكار وسينتقم لكبريائه بأكثر الطرق حداثة، بل قديمة، قديمة قدم الحقارة التي تنعته بها على الدوام، مطَّت شفتيها قائلة بتباطؤ:
ـ إن كنت قد أنقذتني من أجل الشكر فلا تفعلها مجددًا.
كان جامدًا شرسًا مثلها فمال بغتة لتعود للخلف متسعة الأحداق غاضبة، كز على أسنانه قبل أن يتمالك نفسه ويعود يعتدل فتميل هي إليه بزاوية طفيفة بشعور منتصر، باغتها بابتسامة جعلتها تزوي ما بين حاجبيها، ف على الفخ أن يكون لطيفًا، تركها مندهشة وأشعل تبغه ينفثه جانبًا بعدما أشاح بوجهه، لن ينفثه في وجهها، ولن يحط من قدر نفرتاري، وجدت نفسها تنتظر شيئًا لا يهمها بالأصل فشرعت في الانسحاب، ليستوقفها قائلًا بثقة بالغة:
ـ ستحتاجينني قريبًا.
أدارت رأسها بحدة تناظره برفعة حاجبين، نظرتها تحط من قدره أكثر مما يجب، تقدم خطوة كاتمًا أنفاسه لئلًا يهشم رأسها وتصنَّع ابتسامة ماكرة:
ـ حين يتألم قلبك بشدة سأكون في الجوار.
قهقهت باستهزاء حتى مالت رأسها للخلف، سيطرت على نفسها وتخصرت بضحكة هازئة:
ـ آاااااااه أين كنتَ كل تلك السنوات كنتُ أحتاجك بشدة.
اختلجت في وجهه عضلة، استشف الحقيقة الكامنة خلف مزاحها المستخف به فنفض رأسه بحدة ؛ لن يتأثر بوجعها مما حدث، وجدها تزم شفتيها بمكر و وتردف بقلة تهذيب:
ـ هل لديك أصدقاء رجال وستزوجني أحدهم؟
تعانقت أسنانه دون صرير فتحجرت عيناه ناظرًا إليها للحظة واحدة أربكتها قبل أن يبتسم بحياد، مجرد طيف بسمة فكل حرف تتفوه به يزيد من عزمه أكثر، اتسعت بسمته أكثر كآلة مبرمجة على مشاعر محددة يتحكم فيها كيفما يشاء:
ـ اذهبي الآن لم يتبقَ الكثير على موعد عملك.
تعجّبت كيف يأتي خلفها متطفلًا وبعد ذلك ينهى الأمر سريعًا، رمته بنظرة سخيفة قبل أن ترحل تاركة إياه خلفها يشيعها بنظرة جحيمية متوعدة..
***

حق الحياة أصيل فلماذا يسلبوه منه، تركته وجفت ينابيع حياته فأضحت جرداء دونها، دلف إلى قاعة الطعام، مندفعًا كما اعتادوا منه، كان الجميع جالسًا بتوتر، الجلسة تضم خصوم في حرب ضروس لا عائلة بينهم دماء، الجد فرض على كل من بالمنزل مشاركته المائدة أو يرحلوا عنه بلا رجعة فأطاعوه بصمت، تجاهل منصور الجميع، جده الجالس بمهابة على رأس الطاولة، زوجته الشاحبة التي تأكل برتابة دون شهية حقيقية، تتبعته الأنظار حين وقف أمام معتصم الجالس في مكانه المعتاد ركز نظراته عليه فبادله الآخر النظرة باستهزاء، استشاط منصور غضبًا ودون مقدمات هدر بقوة:
ـ أريد زوجتي يامعتصم.
تعمد توجيه حديثه إليه ظنًا منه بأن أخاها هو من يقوي شوكتها ضده،
لاك معتصم طعامه ببرود قبل أن يحك ذقنه النابتة بعشوائية ويسخر:
ـ احملها إلى مخدعك مثل رجال الكهوف.
رفع المندفع حاجبه بتحدٍ وسأله:
ـ ألن تفعل شيئًا.
ابتسم له دون مرح:
ـ زوجتك لاتريدك.
التفت صوب زاد التي شحبت ملامحها حد البياض التام وزاغت عيناها حين هتف:
ـ ألن تعودي إليّ.
أشاحت بوجهها ولم يمهلها تبتلع لعابها إلا وأطلق قذيفة استهدف بها قلبها حين رفع عينيه إلى نقطة مرتفعة خلف معتصم وبكل اندفاع ممكن قالها:
ـ سأتزوج صبر.
كلمتان كانتا بمثابة بداية لاختلال توازن الكون فاختلَّ عن آخره، حالة من الهياج التام عمت الجلسة، صبر المصنوعة من الصخر تهشمت بل صارت غبارًا واهنًا تطاير دون تؤدة، همست ولم تستطع كبح عبرة أقسمت أن تخذلها وسقط فيما تقهقرت للخلف بملامح ذاهلة تهز رأسه كأنها تستحلفه ألا يفعل
ـ لا يامنصور.
في هذه الأثناء كان معتصم قد وصل إلى منصور واشتبك معه والآخر يرد الكيل بكل عزم، لم تسنح له فرصة التفكير فيما قال فقد تجمهر حولهما الجميع، حتى وجود جدهما لم يستطع فض ذلك الاشتباك العنيف، بكاء حار اختلط برعب شديد بين أميهما وبيسان حاولت تهدئة معتصم وحين مسته أناملها دفعها بغلظة فسقطت أرضًا دون أن يهتم بها أحد..
كان الجميع في وادٍ وزاد وحدها في واديها، لم تتحرك قيد أنملة ولم ترفع رأسها إليهم، رفعت ملعقة الحساء بأناملها المرتجفة إلى فمها، لم تستطع ابتلاعها فسعلت واحمر وجهها، انحدرت عبراتها رُغما عنها ونهضت تتحرك إليهم ببطء شديد، ووصلت إليهم تقبض على ساعد أخيها قائلة بصوت غير مسموع:
ـ اترك زوجي.
ساد الصمت بغتة، فقط أنفاس ثائرة وانشق لها طريق بينهما فقطعته ووقفت ترددها وقد علا صوتها تدريجيا:
ـ اترك زوجي يامعتصم.
تمتم معتصم بتحذير:
ـ زاد!
وزاد اكتفت، تشبعت من تحكم الجميع في حياتها وتدخلهم، تعبت حد امتلاء قلبها بما يكفي فصرخت في الجميع :
ـ لا أحد يتدخل فيما يخصني.
انهيارها وشيك وبدت على وشك لفظ آخر أنفاسها تقدم معتصم يحتوي كتفيها فنفضت نفسها وابتعدت للخلف تترنح، وصلتها أمها الباكية تحتضنها عنوة رغم ممانعتها نظرت صوب منصور الذي بُهت من رد فعلها، راقب نزف روحها التي نحرها توًا وفقد القدرة على احتواء ما بعثره، سمعها تقول بصوت أبح مستسلم :
ـ تزوجها يا منصور.
شهقات مصدومة وانشداه تام طال الجميع، وجد منصور المسافة بينهما تتباعد يُبنى بينهما جسور، وتشيد مدائن، هدم كل ذلك وسار فوقه حين انطلق صوبها، يجذبها من بين يدي أمها بقوة ويسحبها خلفه ويغادر القاعة، تبعته بتعثر، ف انطلقوا خلفهما والصيحات المستنكرة لم تخفت ليستدير لهم منصور و يصيح بقوة وقد تحرر الوحش من مكمنه، لن يرتضي أن تصبح حياته مكشوفة بعد اليوم:
ـ لا يتبعنا أحد، أنا وزوجتي تخطينا سن الوصاية.
وقف الكل مذهول مما حدث، تقدمت بيسان الباكية من معتصم تتلمس جانب شفته التي سالت منها قطرات دماء إثر لكمة منصور، حين لمسته دفعها بلا وعي للخلف فاصطدمت بالحائط خلفها وصرغت بألم لم يهتم بها قط، فتقدمت منها رحيمة المنتحبة تتفقدها فيما صاح فيهم معتصم بقوة:
– كل من تدلله أمه يدعس صبر تحت أقدامه.
التفت صوب عمته لبيبة المذهولة مثل الجميع وهتف يسألها:
– أليس كذلك ياعمتي؟
قالها وغادرهم ساخطًا وكانت صبر قد سبقته في المغادرة فبأي لم يتبقَ لها موضع قدم ها هنا..
..
عند منصور وزاد فقد وصلا إلى غرفتها، لن يجبرها على أن تخطو خطوة واحدة دون إرادة ،تركت يده وقبل ان يتحدث رفعت كفها بقهر أمامها:
ت- ليس بي طاقة الآن أرجوك لا أريد التحدث.
غالب كل شعور ممكن في تلك اللحظة فأومأ لها وشرع في تركها وشأنها حتى تهدأ قليلًا ويعود فللحديث بقية مهمة للغاية..
***

بين البداية والنهاية خيط مشدود دون احتمالات، البداية اختيار والنهاية إجبار..
..
لم يعد هناك بدٌ من حسم الأمر، لم يبقَ لوجودها معنى وسترحل في صباح الغد، أبلغت رحيمة بذلك وكانت الأخرى مستنزفة فاحتضنتها بلا اعتراض مشفقة عليها مما نالها منهم، عزمت على ألا تودع أحدًا ستبلغ معتصم هاتفيًا، وأيضًا ستهاتف زاد وتقسم لها أنها بريئة من ذلك الأمر، حزمت أمتعتها المهمة في حقيبتين فقط وتركت باقي أغراضها للخادمات، عنفتها أفكارها السلبية بقسوة أثرت على جسدها فازدادت حرارته نصف درجة، حد أنها كرهت ملابسها مُكتفية بإزار حريري كريمي وأحكمت غلقه فوق قميصها جيدًا بعد حمامها الفاتر، جففت خصلاتها وجلست أرضًا في مقابلة النافذة المغلقة بزجاج شفاف تناظر السماء من خلالها، تودع ذكرياتها الحية كلها ليس لديها ذكريات ميتة أصلًا، حاولت ألا تبكي، كرهت خنوعها لعبراتها هكذا، دمعة فأخرى ومسحتهم بحدة، نهضت تغسل وجهها بماء بارد فهدأت قليلًا، أحضرت هاتفها ورقدت على فراشها تشاهد أي شيء يُلهيها وكأنها ليلة عاديّة وستمر ببساطة ويأتي الغد وترحل تاركة خلفها القصر بمن فيه خلفها، لم تلحظ كم مر من الوقت وسمعت طرقتين حازميتن على بابها، أحيانًا تأتيها إحدى الخادمات ليلًا من أجل أمور تخص القصر ولم يجُل بخاطرها غير ذلك فنهضت تضع الهاتف على الفراش وتوجهت صوب الباب تفتحه بهدوء، على اعتبار أن أبواب الجحيم تُفتح بهدوء فقد فتحت باب حجيمها هكذا بيدها دون صرير، لم تتوقف الأرض عن الدوران ولم تهرب الطيور من أعشاشها، فانهيارات الداخل تحدث بصمت، تتفتت القلوب بلا صوت، ارتعاش بطيء جدا تملك قلبها وراح يتعاظم من ثانية لأخرى، انقبض كفها على حافة الباب وعيناها تصلبتا على نقطة رفعت لها رأسها بوجل، جفَّ حلقها بوجع فسيد اللعبة ومالك مقاليد قلبها قد حضر، كان أمامها واقفًا كفرعون أوتاده عصيّة يضع كفيه في جيبي سرواله ونظرته ثابتة عليها، خصلاته الطويلة بتموج ناعم نافرة حد احتلال أجزاء من جبهته، ملامحه كما هي ونظرته أكثر قسوة وجمودًا، سألها مشيرًا بعينيه البنيتين بقتامة إلى جسدها:
ـ هل تستقبلين الضيوف بملابس النوم عادةً؟!
ارتعاش قلبها اشتد وضخَّ دماءً ساخنة تدفقت إلى رأسها فآلمته، خرج صوتها خافتًا ببحة جديدة عليها:
ـ لا أستقبل ضيوفًا في غرفتي؟
أخرج أحد كفيه من جيبه ودفع الباب فاشتدت قبضتها عليه واهتزت خلجاتها بل اهتز كيانها كله مع همسته الخشنة:
ـ منذ متى!
لم يمهلها ردًا ودفع الباب بحدة أكبر فارتدت للخلف ودلف مغلقًا الباب يناظر تراجعها للخلف بنظرة ساخرة وغمغم:
ـ ها قد عدت.
أنفاسها خائنة
عبراتها
قلبها
جسدها
كلها
كلها خائنة
غادرها صوتها، وبحثت عنه فخرج ثقيلًا حزينًا مترجيًا:
ـ غادر أرجوك.
اقترب بتؤدة اشتد على إثرها عزف دقاتها، توقف أمامها مباشرة أنفاسها ثارت وأنفاسه مكتومة، همس حين انحنى يلفح وجهها بأنفاسه الحارقة:
ـ هل أذيتك إلى تلك الدرجة؟
قالها ورفع كفه اليمنى يلتقط بأمله خصلة من شعرها من جهة اليسار، اختض جسدها وعادت ابنة السابعة عشر التي مازالت تعيش بداخلها وتنتظر أن يحدث المُحال وتستيقظ من كابوسها الذي دام لثمانية سنوات ويعودان إلى زمن الحب الأول، نظرت إلى عينيه باتساع أحداق يكفيها هامسة بضعف:
ـ أحرقت قلبي .
تجمد كليًا فقد كان سلاحها موقفًا، وقتها
لم تمنحه غيومًا حالمة يعتليها ويُحلق كالسابق مالت بوجنتها إلى ظهر قبضته الممسكة بخصلتها النافرة، منحته غيومًا مطيرة حزينة تبكيه بحُرقة، قسوته مُقابل وهنها وتلك المرة كسر ماتبقى منها:
- أوشكت على تصديق تلك الدراما من فرط إتقانك صبر..
تتبعت عيناها تصلب خلجاته بحثًا عن أثر يخصها فوجدت سرابًا، انسابت عبراتها أكثر وكرهت نفسها كما لم تفعل من قبل حين سمعته يردف وكأن ماضيه معها كان نزوة بالفعل:
- لم أفعل سوى عناق وقُبلة على أية حال..

ابتعدت عنه لا إراديًّا تناظره بذهول، كيف له اختزل قصتهما هكذا؟
التفت صوب حقيبتيها عن يساره وسألها باستخفاف:
ـ هل مات قلبك وسترحلين؟!
وجدت نفسها تنفعل أكثر من استخفافه بمشاعرها وتهتف بحرقة:
ـ سأقتله بيديّ.
اندفع صوبها بغتة وكانت في لحظة مأسورة بين ذراعيه بفولاذية أشعرتها بخطر كالسقوط في بئر يسكنه عقرب، همس بفحيح يدفعها إلى عمق البئر أكثر:
ـ بل سأقتله أنا.
لم يمهل الوقت ليصنع صدمتها، انهال على شفتيها دون مقدمات، ضربتهما صاعقة سويًا فتمهل لحظة رفَّت فيها أجفانهما قبل أن يستأنف عدوانه الغاشم عليها، قسوته قتلت أنفاسها وقبل أن تحتضر بلحظة دفعته بكل ما أوتيت من قوة واندفعت صوب الباب فتحته وتهرول هاربة، لم تُفكر في وجهة سوى غرفة رحيمة، طرقت بابها بيأس ولم تتأخر الأخرى حتى فتحته فهالتها هيئة الفتاة المزرية، تلتقط أنفاسها بأعجوبة وعلى وجنتيها فيضان، قبلاته القاسية تركت أثارًا قرمزية على جيدها ورقبتها وأخرى دامية على شفتها السفلى، جسدها يختضن بقوة وعيناها تزيغان بعجز، ألجمت رحيمة الصدمة فناظرتها لثانيتين بلا استيعاب لاهث، تقدمت بعدهما تتمسك بعضدي صبر هاتفة بغضب عارم وصوت حاد:
ـ هل عاد سيد الرجال؟!
قبل أن تستجمع صبر شتاتها الذي بعثره، كان قد احتل مكانه بجانبها، وصافرة بداية المباراة أعلنت أن اللاعب الأساسي قد حضر وهبط إلى أرضه بسلام، مُجبرًا من دونه على الجلوس فوق مقاعد الاحتياط، أهدافه غاشمة لا تتردد أبدًا وبركلة واحدة يفتت الشباك، اعتقل خصرها بذراعه قابضًا على لحمها بقسوة مقربًا إياها منه بتملك سافر، ونظر إلى عينيها بتحدٍ فتوسلته بنظرة قبل أن تهمس بصوت أبح مقهور:
ـ مَـــــــــــــدْيَن!
قطع تواصل عينيهما هتاف عمته رحيمة المستنكر:
ـ اتركها في الحال.
التفت إليها يسألها بوقاحة قاسية:
ـ أتركها لتذهب وتجلس عند أقدام معتصم أم إلى فراش مصعب.
وازداد صوته قسوة مستمرًا في جلدها:
- أو تخرب زواج أخي!
ارتجفت صبر كمن ضربها زلزالًا فلكمته رحيمة في صدره بقوة عدة مرات حتى حررها وتلبسه ماردًا شرسًا توعد صبر ألا نجاة من براثنه، جذبت رحيمة ذراع المختضة أمامها إلى داخل غرفتها وقبل أن تصفق الباب بقوة قذفت في وجهه ما جمده تمامًا:
ـ لو كنتَ رجلًا بحق ما فعلت هذا ولا ذاك.
انتهى الفصل
قراءة ممتعة😉😂


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس