عرض مشاركة واحدة
قديم 14-10-20, 11:22 PM   #712

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الحادي و العشرون


الفصل الحادي و العشرون


واقفا ينتظر دوره في طابور الأطباء و الممرضين في كافتيريا المشفى ليحصل على وجبة الغداء...صف طويل للغاية سيدفعه لأن يجيب على هذا العدد المهول من الرسائل...أدخل كفه في جيب معطفه الطبي يلتقط هاتفه و يرفعه الى وجهه...اتسعت عيناه بصدمة زحزحت نظارته الطبية قليلا...مائة و أربعون رسالة جديدة في أقل من عشر دقائق...سحب بإصبعه شاشة الهاتف للأعلى ليدلف بقدمه الى اللا رجوع...دردشة جماعية سُميت "ذكرياتنا الحلوة" تضم عمالقة عائلته...منذ علّم والدته كيف تتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي و هي تبهره كل يوم او ربما كل ساعة...كهذه المجموعة التي جمعت بها افراد العائلة من كلا الطرفين...يسميه هو لقاء السحاب فخالاته و عماته لا يجتمعن سويا سوى و تحدث مصيبة فكيف لوالدته ان تضمهن كلهن في دردشة واحدة!!...عشرات الرسائل العجيبة تُرسل في لحظات معدودة تجعله يود لو يكسر هاتفه حقا...و ها هي العينة لقد أرسلت خالته صورة حصان بستة أرجل يتضح للأعمى أنها ليست صورة حقيقة لكن نسوة العائلة لا يفقهن هذا بل انهالت رسائلهن بالحوقلة و التسبيح و كأنها معجزة خارقة!!...برم شفتيه بضيق ليرسل رسالته السلسة..
«خالتي انها ليست حقيقية فلا تتأثرن بمثل هذه الصور»
فور ارساله لرسالته وصلت رسالة خالته و التي حقا لا يعرف كيف تمكنت من خرق قوانين الفيزياء و تخطي الوقت لترسلها...و كأنها فطنت ما سيرسله فجهزت ردها و الذي تمثل في...
«لا إله إلا الله لا يُعجِز الله شيء...أنتم هكذا يا شباب هذه الأيام لا تتأثرون قلوبكم قاسية و قد الهتها الدنيا و سلب عقولكم الانترنت»
رفع رأسه عن الهاتف ينظر أمامه فيجد ان الصف لا يزال طويلا...قضم شفته السفلى بضيق ليعود الى محادثة خالته متمسكا بالعقل...
«خالتي أنتِ تستخدمين الانترنت ليل نهار!!»
وصلته رسالة من عمته تنص على عدة صور من الورود الحمراء اللامعة المكتوب عليها بزخرفة تسبب حول للعين "صباح جميل يحمل معه كل خير"...رد ببلادة اصيب بها من نوعية رسائلهن على هذه الرسالة...
«نحن في منتصف اليوم عمتي...لقد أذن العصر قبل نصف ساعة!»
وصلته رسالة عمته السريعة....
«"زوما" حبيبي كيف حالك يا دكتور؟!...اشتقنا لك ألن تأتي لتزور عمتك قريبا»
تنهد بصوت مكتوم متيقنا بأنه لن يخرج من هذه الدردشة قبل ثلاث ساعات فلن تتركنه قريباته في حاله...مر بعض الوقت و قد انغمس في محادثتهن مجبرا حتى شعر بمن يربت على كتفه من الخلف و صوت يقول...
(الصف يتحرك فتقدم من فضلك و دعنا ننهي هذه الوقفة المتعبة)
اومأ موافقا دون ان يلتفت لصاحبة الصوت و قد ترك رسالة سريعة لهن بأنه عائد للعمل ثم قام بقفل اشعارات مجموعة الدردشة حتى يلتقط انفاسه منتظرا دوره ليتناول طعامه...
بالخلف...
بعدما نبهت ديما من يقف أمامها عل هذا الملل ينتهي لتحصل على طعامها و تعود الى عملها تنهي كومة التقارير التي بلاها بها مؤيد...رن هاتفها برقم خطيبة أخيها فتبسمت حامدة الله انها ستلتهي قليلا حتى يحين دورها في الصف...فتحته ببسمة عريضة ترحب بها قائلة...
(سلمى اشتقت اليك حبيبتي)
وصلتها التحية من الطرف الآخر و بعدها ارفقتها خطيبة اخيها بجمل الاتهام و ان ديما تتهرب كلما سنحت فرصة اللقاء...احتلها البؤس ملامح ديما تقول بحزن...
(و الله يا سلمى لو تعرفين كيف يعاملني المدير هنا لبكيتِ على حالي)
تنهدت بتعب فحقا مؤيد يستعبدها لكن ما يصبرها هو كون الجميع هنا تحت حصاره و ليس هي فقط...استمعت لخطيبة اخيها مجددا فضحكت بمرح تبدل معه كل البؤس لتقول...
(بأحسن حال و مزاولة المهنة لطيفة نوعا ما فأوقات تصادفني اشياء تغير مزاجي و تنسيني التعب...)
علت ضحكتها بعض الشيء فقالت...
(مثلا يوم أمس وصلني مريض يريد صرف الدواء الموصوف له من طبيب الاسنان حينما حطت عيناي على اسم الطبيب انفجرت من الضحك حتى ظن المريض انني معتوهة)
تكتم ضحكاتها و الموقف يُعاد في مخيلتها متزامنا مع تساؤل خطيبة اخيها ففسرت لها بصوت متهدج من الضحك...
(اسمه كان كاظم الساهر لم اتحمل تمالك نفسي و انا اتخيل ان يكون الدواء الموصوف عبارة عن "قولي احبك" ثلاث مرات بعد الأكل...و الادهى مخيلتي التي ربطت هيئته بهيئة محمد هنيدي في الفيلم و هو واقفا على خشبة المسرح يحرك ذراعه عاليا في كلا الجانبين مجلجلا "لا لا لا لاااا")
انحصرت انفاسه في صدره و وجهه يكاد ينفجر من الحرج...اسمه مشكلته الأزلية منذ وعى على الدنيا...والده كان من عشاق كاظم الساهر و كم كان سعيدا لأنه يحمل جزءا من اسمه...و حينما تزوج و رُزق بولد اطلق عليه كاظم ليصبح مزحة كل من ليس له مزحة...دفع نظارته بأصابعه للخلف يتنحنح بصوت متحشرج مستمع لصوت هذه الواقعة في الضحك خلفه...تقبضت كفاه يتحكم في نفسه و يخبرها بأنه مر عليه الكثير بسبب اسمه...سنوات يعاني في الدراسة و العمل لا بأس سيأخذها بسلاسة و ينتهي الأمر...
التفت للخلف ليرى ملامح هذه الصيدلانية التي قامت بالتهكم على اسمه للتو...ضيق عينيه خلف نظارته حينما وجد رجلا خلفه...تنحنح متسائلا
(أين ذهبت من كانت هنا؟!)
أشار له الطبيب الى ماكينة القهوة قائلا...
(اعتقد شعرت بالملل من الانتظار ففضلت شرب القهوة عن تناول الطعام...يبدو يجب علينا ان نفعل مثلها بدلا من هذا التعب)
تتبع اشارة الرجل حتى حطت عيناه على فتاة متوسطة الطول بشعر يميل للبني الفاتح ترتدي معطفها الابيض و تتحرك بسرعة لتحجز دورها عند ماكينة القهوة...لمح جانب وجهها و بسمتها المتروكة فوق شفتيها ليعود ببصره للطابور و قد بدا غير مهتما به ...خرج من الصف متوجها نحوها حتى وقف خلفها يحجز دوره في طابور القهوة التي لا يحبها البته... هزت رأسها يمينا و يسارا ثم رفعت يديها تجمع شعرها في كعكة عشوائية بسبب حرارة الجو... شرد قليلا في هذه الخصلات المتمردة حول عنقها و دون وعي ابتسم بسمة صغيرة... راقبها بعدما حملت كوب قهوتها و تحركت الى خارج الكافيتريا...اعتذر من المصطفين خلفه ليخرج خلفها و يتتبع مشيتها السريعة...توقفت قرب باب المصعد يراقب حركة يدها التي ترتفع الى فمها و ترتشف من قهوتها...اسرع الخطى نحوها حتى توقف جوارها قائلا...
(ساهر)
التفتت له بأعين متسائلة تهمهم بتعجب...
(عفوا؟!)
فكان رد فعله الوحيد هو جملة نطقها بينما يؤشر على جيب معطفه العلوي حيث اسمه...
(كاظم ساهر و ليس الساهر)
تضرجت وجنتاها أمامه في ثوان يراقب نظراتها المحرجة المتهربة منه...اصابعها تتقبض فوق كوب القهوة الورقي و شفتاها تهتزان في محاولة لإيجاد كلمات تعبر بها...ابتسم على هيئتها امامه فقرر ان يزيدها معها فهي أول متهكمة متلعثمة و محرجة تقابله في حياته...مال قليلا اليها يقول بصوت مشاغب...
(و لست شبه محمد هنيدي و لا اقول "لا لا لا لاااا")
سعلت ديما بحرج شديد و لا تعرف بماذا ترد عليه...كانت متهورة و سخرت من اسمه لكنها لم تكن تعرف بأن الحظ ليس جيدا معها و انه يقف يستمع...انها لعنة مؤيد بالتأكيد...اهتزت يدها بفعل سعالها فانفلت منها كوب القهوة دون قصد ليرتطم بالأرضية و يتطاير ما به ليلطخ معطف كاظم!!...
الزمها الموقف الصمت و تابعت انحناء رأسه يراقب ما خلفته من كارثة...ودت لو تهرب من أمامه متحاشية هذا الموقف المحرج...رفع لها عينين متسعتين بذهول من خلف نظارته...بحلقت عيناها خلفه مباشرة تقول بصوت مهزوز...
(د...دكتور مؤيد!)
الاسم وحده كفيل بان ينتصب اكبر الاطباء هنا...تلاشت صدمته ليلتفت بقلق للخلف حيث المدير صعب المراس...عيناه تعلقت للحظات بال...فراغ خلفه!!!
استوعب ما فعلته به فالتفت بحدة ليجد ان ما تبقى منها كان سرابا...لقد خدعته لتهرب بعد ما فعلته بمعطفه...ناظر معطفه بقلة حيلة و لا يعرف كيف له أن يكمل يومه هكذا في العمل لو رآه مؤيد حقا ستكون كارثة...زفر بحدة موبخ نفسه قبل أي شيء لإتباعه لها فالجميع يسخر من اسمه هل جاءت عليها هي و التهبت كرامته!!...تذكر نظراتها المحرجة أمامه فابتسم ببلاهة مرددا...
(أين تهربين فنحن في نفس المشفى يا غبية!)


**************
تمشي مشية مهرولة و تنظر خلفها خوفا من ان يمسك بها...لقد هدمت الدنيا تهكمت عليه ثم لطخت معطفه و ختمتها بهروب طفولي شنيع...مخطئة و تعترف لكن ماذا تفعل و اسمه مادة خام للتهكم... اصطدمت بشخص ما اثناء مشيتها المهرولة لتلتفت معتذرة بصدر يلهث...
(آسفة لم ألحظك )
وصلها صوت أريج المتعجب...
(ديما ما بك؟!)
اتسعت عيناها بغير تصديق و يبدو هذه الحركة ستلازمها طوال اليوم...تقدمت من أريج تلامس ذراعيها بفرحة قائلة..
(أريج حمدا لله على سلامتك...متى عدتي للمشفى و كيف اصبحت؟)
ابتسمت أريج تقول بشكر...
(الحمد لله بخير ديما...لقد عدت للتو لأنهي اجازتي المرضية و اواصل العمل من الغد ان شاء الله)
هزت ديما رأسها بتفهم تقول...
(هذا خبر جيد جدا حبيبتي ستسعد غسق بالتأكيد لمعرفته)
اتسعت بسمة أريج متسائلة...
(هل وبختك حينما عرفت بشأن حادثتي؟!)
ضحكت ديما بخفوت تقول...
(حبيبة قلبي غسق دوما توبخني الحمد لله...لكنها كانت مرتعدة عليك حقا)
اتشحت عينا أريج بالحنان تهمس...
(أعرف...غسق تجيد العطاء بسخاء لمن تحبه)
فلتت ضحكة شقية من ديما تقول...
( إذًا يا لحظه كرم!)
غامت عينا أريج بتفكير في علاقة كرم و غسق فكل ما يصدر منه تجاه صديقتها لا يحمل سوى معنى واحد...لكنه يجيد اخفاء هذا المعنى خلف شعورين رد الجميل أو العشق!!...همهمت بصدق مبتسم
(كلاهما محظوظان ببعضيهما)
ودعتها ديما بعدما شعرت بحركة قادمة و قد خافت بأن يكون قد وصل لها هذا الطبيب فهربت حرفيا من أمام أريج...بينما الأخيرة توجهت حيث مقصدها لتنهي مدة اجازتها...و بعد فترة وجيزة انهت بها ما تريد اجتمعن حولها زميلاتها ليطمئنن عليها و على حالتها...فتناست الوقت معهن تجيب على تساؤلاتهن الغير منتهية...
دقائق مضت بينهن حتى اصطفن جميعا بتأهب حينما وصلهن صوته المهيب بنبرة جامدة أكثر من ذي قبل...
(دكتورة أريج احتاجك)
و دون اضافة المزيد تقدم يخترق حلقتهن الدائرية حولها ليتمسك بيدها عنوة و يسحبها خلفه بشيء من الخشونة...همهمات الطبيبات وصلتها كاملة و حتى ان لم تصل فما يفعله معها ليس الا جنونا...حاولت التملص من يده و عرقلت حركتهما لكنه كان مستميتا بتمسكها و يتحرك بلا توقف حيث المصعد!!
(دكتور مؤيد ماذا تفعل بالضبط؟!...كيف تجرؤ على سحبي من بينهن هكذا؟!...ماذا سيقلن عني و بأي حق تفعلها أنت و تتمسك بيدي!!!)
تساؤلاتها العديدة المتلاحقة و الغاضبة لم تؤثر به ابدا...بل يزيد من سرعة مشيه و سحبها خلفه بوجه جامد الملامح...مسكته اوجعتها و لا تفهم حقا ما به و ما دفعه لهذا الجنون...توقف بها عند باب المصعد يضغط على زره منتظرا بينما هي تحرك يدها يمينا و يسارا حتى دفعها غضبها لضربه بقوة فوق ذراعه الممسك بها هاتفة بحدة آمرة...
(افلتني أنا لست عبدة عندك...ما هذا الجنون!!!)
التفت ينظر لها بجمود جعلها تتوقف عما تفعله...هل ما تلمحه في عينيه هو...خوف!!!
لولا قربهما هذا ما اعتقدت ابدا انه يخاف و من اي شيء يخاف هذا البارد كليا...ابتلعت ريقها و قد تعلقت عيناها بشفتيه اللتين انفرجتا لينطق بشيء ما لولا ظهور ديما المتوتر و التي وقفت بجسدها امامه تحول بينه و بين أريج تتساءل بجزع...
(ماذا هناك مؤيد؟!)
رمقها بقسوة جعلتها تشيح بنظرها عنه تعيد سؤالها بتصحيح...
(اقصد دكتور مؤيد...أنا سبب تواجد أريج هنا غصبا عنها و لن اسمح بأن تعاملها معاملة سيئة و إلا شكوتك لأبي)
راقبت أريج عينيه المختلط بهما اكثر من شعور جعلها تتيقن بان هناك مصاب عظيم اصابه...هل يتأثر الثلجي بشيء؟!...تكلم بنبرة عجرفة تنافي نظرته
(ابتعدي عن طريقي ديما)
وصل المصعد فشدد من تمسكه بأريج ليدلفا فيه...لكن ديما اسرعت تقف امام بابه قائلة بعناد تراه أريج بها لأول مرة...
(لن تخرج بها من هنا دون ان نفهم ماذا تريد منها...لقد كانت في اجازة يعني انها لم تخطيء في شيء ماذا...)
قطع صوتها المتوتر في مجابهته صوته القاطع بنبرة خفتت عجرفتها ليحتلها رنين خوف شابه نظرة عينه...
(يائيل مريض احتاجها معي...فقط ابتعدي)
يائيل خط مؤيد الأحمر دائما و ابدا و من يعبره يهلك لا محال...تهدلت اكتاف ديما لتتراخى و تبتعد عن باب المصعد...تناظر ابن عمها بقلق حقيقي على هذا الصغير البائس متسائلة بخوف...
(ما به؟!)
لم يجبها على سؤالها و انما دخل المصعد مع أريج التي صمتت تماما ترزح تحت شعور الخوف على هذا الصغير...شعرت بكفه الممسك بها يرتجف لوهلة ثم يعود للثبات ثانيةً...ضغط على زر المصعد لينغلق الباب تدريجيا في وجه ديما المتوترة بصدق على الصغير...
لحظات و وصل المصعد للطابق الأرضي حيث مرآب السيارات...الصمت كان ثالثهما فلا هو يفسر و لا هي تسأل فقط مكتفيان بما يراه كل منهما في عين الآخر...فمنذ هاتفته المربية قبل قليل تخبره عن حالة ابنه التي وجدته عليها صباحا بعدما ذهب هو للمشفى تسوء لا تتحسن و هو هكذا يتماسك بصلابة تطحنه من الداخل... وصل الى سيارته يفتح بابها قائلا بأمر...
(اصعدي)
توقفت للحظات أمام باب السيارة تنظر لها بصمت...لا تستطيع الركوب معه فهو غريب بعد كل شيء...كما انها لولا مراعاتها لما تراه من خوفه على ابنه لم تكن لتقف هكذا دون ان تفهم ما يريده منها...شعرت به يقترب منها فأسرعت تقول بهدوء دون ان تنظر اليه...
(ما به ابنك؟)
لم يصلها سوى انفاسا سريعة فرفعت عينيها اليه لتجده يناظر ساعته بقلق حقيقي...تداركت الموقف و عقلها يخبرها بأن الأمر جدي و الصغير كما عرفها من قبل تعلق بها هي ربما وجودها حوله الآن لصالحه...تحركت يدها لتغلف باب السيارة مجددا تقول...
(اعطني العنوان سآخذ سيارة أجرة و آتي اليه)
راقبت فكه الذي طحنه بصمت و يده التي عادت تفتح باب السيارة بحدة متوترة يقول بنبرة فضحت خوفه رغم الاهانة الواضحة بها...
(هذا ليس وقت المثاليات نعرف أنك فتاة محافظة لا داعي لنرى بأعيننا)
نظرت له بغضب و قد استندت بيدها فوق باب السيارة تقول بجدية تامة...
(هذه اول مرة سأتعدى حدودي مع شخص ما لكنك حقا رجل وقح)
هذا البرود المخيف في عينيه لم يثنيها عما تقول و قد وصل غضبها للذروة...
(لولا تعاطفي مع حالة ابنك صدقني لكان لي تصرف آخر لن يعجبك بالمرة)
دلفت السيارة بعدما افرغت غضبها كله عليه...من هو ليعاملها هكذا!!!...مال نحوها فجأة يتمسك بباب السيارة قائلا بنظرة عين باردة مهددة..
(و لولا ابني ايضا لم أكن لأمرر ما تفوهتِ به الآن)
صفق الباب في وجهها بقوة جعلتها ترمش مجفلة من رد فعله المخيف...تشابكت اصابعها معا بخوف ودت لو تهرب بسببه قبل أن يجلس فوق مقعده لكنه في لمح البصر جلس و شغل المحرك...
سرعته كانت جنونية ارعبتها و زادت يقينها ان حالة ابنه خطيرة...قلبها يؤلمها لأجل الصغير و تريد حقا ان تساعده لكن طريق مساعدته المفروض عليها صعب ان تتقبله...نظرت بطرف عينيها اليه يعتصر عجلة القيادة بوجه متغضن الملامح و عيناه تتفحصان الطريق بقلق كبير...ابعدت عينيها عنه تفكر جديا انه مستحيل ان تربط حياتها به مستحيل هذا رجل لا حياة معه حتى و ان كانت بدافع الانسانية و مساعدة ابنه...
بينما هو كان بعيدا كليا عنها يتردد صوت صارم بقسوة في ذاكرته يوجعه...
(اتركه مؤيد...تخلى عنه و كأنك لم تعرف بشأنه)
ضرب عجلة القيادة بحدة حينما استعاد عقله طلبات والده قبل ثلاث سنوات...لم يهتم بشهقة أريج الخائفة من مباغتتها بهذه الحركة...هو حقا الآن يستعيد ابشع الذكريات على الاطلاق...
(إنه ابني يا أبي...ابني)
و كأن هذه الجملة خرجت من قفص الذكرى لتحتل لسانه فرددها بصوت عالٍ بينما يضرب عجلة القيادة بحدة...
(إنه ابني... ابني)
توجست أريج مما تراه أمامها...تنفست بصورة سريعة بسبب خوفها من حالته و سرعته في القيادة...التفتت له بجانب وجهها تهمس بتضامن...
(سيكون بخير...)
زادت وتيرة انفاسه بصورة ملحوظة ليهز رأسه بحدة بعدها قائلا بيقين لا يقبل الشك...
(لن أسمح بغير هذا)
اومأت له بصمت الزمها إياه هذا الموقف الغريب الذي تعيشه مع مؤيد...زفرت نفسها ببطء تنظر امامها بتفكير يتطلب الاجابة دون مماطلة ما الذي عاشه هذا الرجل و ابنه كي يصبحا ما هما عليه و بالأخص هذا الصغير المسكين...
بعد وقت قليل...
أوقف السيارة أمام بيت كبير في حي راقي...نزع حزام الامان بسرعة ليخرج بعدها من السيارة...راقبته بأعين جاهلة لكنها نزعت حزامها لتهم بالخروج...توقف كف يدها عند عتلة الباب بعدما فتحه مؤيد يقول آمرا...
(اخرجي وصلنا)
امتصت اوامره الغير مقبولة بإسفنجة التفهم لما يمر به من قلق...خرجت من السيارة تراقب هذا المكان الذي لم تكن ترى مثله سوى في التلفاز...تحرك امامها يعبر بوابة البيت بعدما فتحها الحارس ليلتفت لها مؤشرا برأسه كي تتبعه...اتخذت خطواتها خلفه و عيناها تجولان على كل شيء حولها بترقب...وصلا للداخل دون حرف ثم صعد مؤيد الدرج بخطوات متلهفة فتتبعته بنفس الصمت المترقب...و حينما وصلت للأعلى لم تجده و كأنه تبخر جالت بعينيها في ممر غرف النوم حتى وصلها صوته المتسائل من غرفة قريبة...توجهت نحوها بخطى مترددة فهي لا تعرف من ستقابل بالداخل...لولا ابنه ما كانت خطت هنا ابدا في بيت رجل لا تعرفه حتى و ان كان طلبها للزواج...توقفت عند عتبة الغرفة تهمس بمواساة لنفسها...
(حسنا أريج انت هنا بصفة طبيبة تساعد حالة تحتاجها...لن نأخذ تواجدك هنا على محمل القيم و المبادئ أنت هنا فقط كطبيبة...)
قطعت همسها حينما خرج مؤيد فجأة يتسمك بكفها و يسحبها حرفيا للداخل...فبعد رؤية حالة ابنه قبل لحظات لا يشعر سوى انها سبب كل هذا... لو وافقت على طلب الزواج لمنحت هذا الصغير حياة سليمة... لم يجد من الصبر ما يسعفه هنا فخرج حاملا في عينيه قسوة و رعبا ليسحبها عنوة لترى فعلتها بنفسها....و ان كانت لم تفعل شيء!!!... انساقت خلفه بنظرة عين رافضة هذه الطريقة المهينة في التعامل فتحت فمها تنوي تقريعه لكنها تسمرت حينما لمحت جسد الصغير في سريره...
نائما بوجه ذابل و شفاه جافة موضوع فوق جبهته الصغيرة كمادة لاصقة...انفاسه تخرج من صدره الصغير بصعوبة واضحة...تطلعت الى هذه المرأة الواقفة جوار السرير و من تساؤلات مؤيد لها فهمت انها المربية...اطلق مؤيد سراح كفها لتتجه فورا الى السرير بعقل طبيبة تود اسعاف مريض امامها و قلب أم ولدت به... و كم وخزها قلبها و نضحت امومتها على حال يائيل...جلست قرب جسده الصغير تمد يدها و تلمس كفه لتشهق بفزع و تلتفت برأسها لمؤيد تقول بجدية مصعوقة...
(حرارته عالية جدا!!)
نظرت للمربية تسألها...
(متى قستها له؟!)
قضمت المربية شفتيها بوجل من مؤيد و تصرفاته الحادة خصوصا كل ما يخص ابنه لتهمس بتلعثم...
(قبل ربع ساعة كانت 39 و بعدها اخذ خافض للحرارة)
تجسست أريج عنق الصغير بكفها فهالها ما تشعره من حمى...اسرعت تطلب من المربية بلهفة خائفة...
(سأصف لك حقنة خافضة للحرارة هاتها في الحال)
اومأت المربية بسرعة تنظر بطرف عينيها لمؤيد الصامت تماما يتابع جسد ابنه الغافي...لم يكن حاله يثير عجب المربية فقط بل اثار كل جوارح أريج...كطبيبة تعرف جيدا معنى هذه النظرات في عينيه...هذه نظرات أب يموت رعبا على طفله لكنه يتجلد لأجل صغيره...صمته بالنسبة لها كان مسموعا و عيناه تنادي ابنه كي يفيق...لم ترَ فيه الجراح العظيم الذي يخوض اشرس العمليات و ينجح بها بمهارة... بل رأت رجل بسيط فقد كل مميزاته و خبرته و بقي له خوف الأب فقررت أن تتولى القيادة عنه في اسعاف الصغير... بعدما كتبت الدواء للمربية و خرجت الأخيرة تقدمت منه تهمس بصوت متأثر و كأنها تهادن خوفه رغم يقينها بأنه أمهر منها بمراحل و اذكى منها بكثير...
(انها حمى شديدة قليلا لكنها ستمضي ان شاء الله...لا تقلق)
ابتلع ريقه ببطء ثم نظر اليها ببقايا برود يتزعزع قسرا ليسيطر الخوف على عينيه...همس بصوت خافت بعض الشيء رغم جمود نبرته...
(هذه الحمى لا شيء بالنسبة له لقد مر ابني بالكثير)
يؤلمها قلبها بقوة هذه النبرة المتأرجحة بين الخوف و الغرور...هذه النظرة الذبيحة المناجية بألا يخسره...و هذا الجسد الصغير خلفهما يعاني في سكون كل شيء دفعها لأن تتأثر لأجلهما...غامت عيناها بدموع كثيفة لتهمس بصوت مختنق...
(لن أدعه يمر بالمزيد بعد)
جملتها كانت عفوية قصدت بها هذا الموقف الحالي...لكن أب كمؤيد مر مع صغيره بكثير من المواقف كان فيها ابنه محط تحقير و نبذ لم يتلاقها كجملة عابرة...بل كانت وعدا بأن تتيح لابنه حياة طبيعية لا معاناة بها...طالت نظرته لها يتابع دموعها الصامتة المتأثرة بحالة ابنه...عيناها هاتان الواحتان هل سيكون ليائيل مرتع فيهما...هل ستضمانه كأي أم تضم صغيرها...همس بصوت مبحوح غصبا يلزمها العهد
(سأذكرك بهذا الوعد مرارا)
توترت نظرتها له فابتعدت عنه تهمهم بكلمات غير مرتبة تعبر فيها عن حالة ابنه...بينما يزداد يقينه بأنها هي فقط من ستمنح صغيره الأمان...
بعد نصف ساعة....
تتمسك بكف يائيل بينما تجلس جواره على طرف سريره...حرارته انخفضت بعدما حقنته بالدواء و هذا اراح قلبها جدا...لحظات و شعرت بحركة رأسه فتقدمت بجسدها منه تراقبه بتفحص...فتح عينيه تدريجيا ليطل عليها وهج الأزرق اللامع المحاط بنظرة عدم التصديق...هل كان ينتظرها حقا؟!...لم تشعر بشيء سوى بجسده الصغير الدافئ يتعلق بعنقها بكل قوته يدفن وجهه في حجابها...اتسعت عيناها بذهول و عقلها يجيب على سؤالها...نعم يبدو كان ينتظر منذ مدة طويلة...تخللت دموعه الساخنة طيات حجابها تبلله فلم تقوَ سوى على رفع ذراعيها تضمه بكل ما اتت من قوة...شدد يائيل من تمسكه بها و رغم صمته التام لكن دموعه تحكي لأريج عن احتياجه...اغرورقت عيناها بتأثر لتهمس في اذنه بحنان جارف...
(اشتقت اليك حبيبي آسفة لأنني تأخرت كل هذا الوقت)
تراخت يداه من فوق عنقها ليبتعد عنها يناظر وجهها بوجه ملطخ بدموعه و اعين حمراء...يراقب كل شبر في ملامحها ثم تترحل عيناه الى ذراعها...امتدت كفه الصغيرة من رأسها فأسرعت هي بالاقتراب منه لتتجمد خلاياها حينما حطت يده خلف رأسها و كأنه يسألها عن جرحها...نظرت له بفيض من شفقة تود لو تعيده الى حضنها و لا تخرجه منه ابدا...التقطت كفه تلامسه بحنو و تبتسم قائلة...
(الجرح بخير لا تقلق..)
سالت دموعه مجددا و عيناه تصرخان بوجع يفتتها...ما به ما الذي رآه في حياته الصغيرة كي يتألم هكذا...حاوطت وجهه بكفيها تقول بتأكيد...
(أنا بخير فلا أريد أن أرى هذه الدموع مجددا...)
حملته بين ذراعيها لتقف و تنظر للمربية التي ترى ما تراه من تفاعل يائيل لأول مرة تقول...
(من فضلك حضري له حساء خضروات فعليه أن يأكل جيدا كي تنتهي الحمى)
همهمت المربية بقلة حيلة...
(لقد ارهقني برفضه للطعام)
نظرت له أريج ببسمة صغيرة تهمس...
(يائيل ولد جيد سيأكل من يدي أليس كذلك؟)
استكان الصغير في حضنها بصمت دفع المربية للإسراع حيث تحضير الحساء له...
أما هو فيقف صامتا عند باب الغرفة...ابنه يحتاج هذا الحنان و الاهتمام...يكفي حقا الى هنا ما مرا به معا...أريج هي طوق نجاته هي التي ستصلح كل ما فسد و لن يضيع فرصة كهذه لأجل ابنه...
بعدما اطعمته و غفى دثرته بمفرش السرير جيدا ثم مالت تقبل اعلى رأسه و التي انخفضت حرارتها كثيرا...ابتسمت بحنان متيقنة بأن هذا الصغير امتلك جزءا كبيرا منها...اتجهت الى باب الغرفة تغلقه خلفها بعدما تركها مؤيد و المربية بمفردها مع ابنه...خرجت تقطع الرواق و تنزل درجات السلم ناوية الرحيل...لقد هاتفت والدتها تخبرها بما حدث و ان الصغير يحتاجها و للعجب وافقت امها دون حرف واحد توبيخ كما ظنت...فلتت منها ضحكة ساخرة خافتة تخبر نفسها بأن والدتها اتخذت مؤيد خطيبا بالفعل و تتساهل فيما يحدث آملة أن يلين عقل ابنتها و توافق على الزواج...صوته اخترق تفكيرها حينما وصلت للأسفل متسائلا بترقب...
(هل نام؟!)
لملمت بقايا بسمتها الصغيرة تومئ له بهمس...
(نعم و قد انخفضت حرارته كثيرا و...)
(هل رأيتِ بعينيك كم تؤثرين به؟!!)
سؤاله المفاجئ قطع حديثها لتتنهد بتثاقل هامسة...
(يائيل يحتاج ان يهتم بأمره شخص يحبه و ليس أنا تحديدا)
احتدت نظرة عينه ليقول...
(ابني كان صنما اخرسا على مدار ثلاث سنوات...لا صوت لا شعور فقد كل يملكه بشر)
ابتلع ريقه فاكمل بصوت مبحوح...
(كان يجرح نفسه اثناء اللعب دون ان يبكي حتى...ابني سُلبت منه الحياة)
احتدت نظرته ثانيةً يقول بجدية...
(لكن أنتِ وحدك من أثر به لقد بكى لأجلك كسر قالب الصنم الذي كان به لأجلك هو لا يحتاج أي شخص آخر...ابني فقط يحتاجك أنتِ)
اسبلت اهدابها للأسفل بحزن دفين...ما الذي يجب عليها ان تفعله الآن؟!...الأمر جدي كليا انه زواج رفضته طويلا خوفا من مسؤولية جديدة تقع على عاتقها...انه رجل لا تعرفه يريد منها ربط حياتها به لتكون اما لأبنه...و هنا هو ليس اي رجل بل هو مديرها المتعجرف المغرور و الذي وصفته قبل ساعة بالوقح... كيف تتزوج به كيف؟!... الامر ليس لعبة بالمرة او مساعدة عليها ايجاد حل تبقى به جوار الصغير كي يتعافى دون ان تتزوج والده...رفعت عينيها اليه ليلمح تشتت افكارها و الذي تأكد منه بعدما قالت...
(صدقني اريد مساعدة ابنك و لكن ليس بزواجنا...يمكنني ان ازوره كل يوم و ابقى معه اطول فترة ممكنة او اصطحبه لبيتي يقضي معي اليوم كله...لا اعرف لكن هناك اكثر من طريقة غير الزواج)
سحب نفسا كبيرا ليدخل كفيه في جيب بنطال حلته الرسمية يقول...
(و هل سيكون الأمر عاديا لك و لأهلك أن تأتي كل يوم لبيت رجل غريب كي ترعي ابنه؟!!...هل ترينها سهلة بأن تبقي حوله طوال الوقت ماذا عن حياتك الخاصة و ماذا عن عملك في المشفى؟!!)
احتلت نظرة العجرفة عينيه ليكمل بجمود..
(صدقيني انا اكثر منك رفضا للزواج لكنها العلاقة الوحيدة التي سيتقبلها المجتمع لتساعديه)
احتقنت عيناها بشعور من الاهانة لتقول بصوت غاضب...
(ما دام نحن الاثنان نرفض هذا الزواج لماذا...)
قاطعها بنفس نبرة العجرفة...
(من دون لماذا...لقد اوضحت لك الصورة كاملة و اخبرتك ان هذا الزواج لمصلحة ابني)
تغيرت نظرة عينه لتلمح فيها شيئا من...الرجاء!!!...لولا نبرة العجرفة التي لم تتغير لظنت بأن هذا ليس مؤيد...
(لا تحرمينه من شعور الحنان الأمومي الذي حاوطته به)
ازدردت ريقها بتأثر لحالة الصغير فتساءلت بفضول من حقها...فلو وافقت مطلبه الغريب في الزواج فعليها ان تعرف ما تريد عن حياتهما السابقة...
(أين والدته؟!)
رد فعله كان مخيفا لدرجة كبيرة و قد أخرج كفيه من جيبي بنطاله بحدة...اتشحت عيناه بالغضب الشديد ليقول بنبرة تهديد صريحة و محذرة...
(لا شأن لك بها مطلقا...ستتزوجين بي أنا لذا ما يهمك هو أنا فقط)
اهتزت حدقتاها بتعجب لرد فعله و عجرفته تصفعها مجددا فقالت بتأكيد مهين...
(لكنك لا تهمني بالمرة دكتور مؤيد...كما فرضت علي خطبتنا المزعومة ألا يفترض بي معرفة اين زوجتك السابقة و ما سبب انفصالكما و تركها لابنها رغم حالته النفسية الصعبة!)
لا تعرف هل ما رأته حقيقيا فعلا و أن عيناه اكتسحهما الألم الشديد الذي تبدل في لحظة لنظرة حادة زامنت صوته الآمر...
(لا اسمح لك بالتمادي أكثر كما انني لا اسمح بعرض حياتي السابقة كمقتطفات تروي فضولك...اسمعي لقد اخترت اقصر الطرق بيننا و هو الصدق في رغبتي للزواج بك...أنت هنا لأجل هذا الطفل المريض بالأعلى أما حياتي فكما قلتي لا تهمك كصاحبها بالمرة)
تاهت كليا أمامه لا تعرف هل تصدق نظرة العين أم نبرة الصوت فكلاهما مختلف تماما الاختلاف...في عينيه رغم برودتهما شيء يتوجع تقسم انها ترى تقلبه و تسمع صراخه...بينما نبرة صوته تتغلف بوشاح الغرور و العجرفة المميز بهما...هذا الرجل مزيج غريب يدفعها للهرب لا التوغل اكثر و ربط مصيرها به...ابدا لا تستطيع قبول زواجه!!!


**************
فتحت باب الشقة بوجه شاحب مرهق من كثرة التفكير طيلة طريق العودة...استقبلتها أمها بمعالم وجه فضولية للغاية لتتشبث بذراعها و تسحبها معها للداخل متسائلة...
(اخبريني ماذا حدث مع خطيبك و كيف كان بيته هل هو كبير أم شقة صغيرة؟!)
اتسعت عينا أريج بذهول من رد فعل والدتها لتتوقف عن التحرك تقول بدهشة...
(أمي ما الذي تقولينه بالله عليك كنت هناك اساعد ابنه المريض ثم هذا الرجل ليس خطيبي فلا تربطيني به)
و على كلمة خطيب خرج والدها من غرفته ليتقدم منهما بوجه متحفز يقف قبالتهما متسائلا...
(عن أي خطيب تتحدثان؟!)
رمقت أريج امها بعتاب ليتلون وجهها بالحرج الشديد فتهمس...
(ليس خطيبا أبي بل هو الدكتور مؤيد ابنه كان مريضا و اضطررت للذهاب الى بيته كي اراه)
استهجان والدها كان واضحا في حروفه و ملامحه حينما نطق...
(ذهبتي الى بيته!!!...دلفتِ بيت رجل غريب بمفردك دون علم اهلك أريج!!...لم تفعلينها و أنت أصغر من هذا و الآن بعدما أصبحت في عمر الثلاثين ترتكبين مثل هذا الخطأ!!)
رفعت وجهها بصدمة الى والدها و رغم تأكدها بأنها اخطأت حينما وافقت على الذهاب مع مؤيد إلا انها وقفت تدافع عن نفسها التي تعرفها و تتيقن من حسن نيتها التي سعت لمساعدة يائيل...
(أبي لقد هاتفت أمي اخبرها بمكان تواجدي كما أن دكتور مؤيد لا يعيش بمفرده هناك كان يوجد حارس أمن و مربية تقارب عمري و ايضا ابنه...كنت هناك بصفة طبيبة أبي لا شيء آخر هل...هل لا تثق في خطواتي بعد كل هذا العمر؟!!)
ضيق والدها كان واضحا فأشاح بوجهه بعيدا عنها و كم اعتصر بُعده هذا قلبها...تدخلت والدتها مسرعة تقول بلهفة متضامنة...
(صلِّ على النبي يا أبا أريج تتكلم و لا كأنك تعرف معدن ابنتك و تربيتها...ابنتنا طبيبة و وارد ان يطلبها الغرباء للكشف في بيوتهم ثم لا تنسى أن مديرها قد طلب يدها منا بصورة شبه رسمية...لقد هاتفتني فور وصولها الى بيته و اعطيتها الإذن)
رمق سعيد زوجته بتأنيب ليقول ببعض الخشونة و الغيرة على ابنته...
(لكننا لم نوافق عليه بعد أي انه غريب كغيره...ثم أين ذهبت أنا لتأخذ الإذن منك و كيف تمنحيها القبول دون العودة الي هل متُ أنا أم بات وجودي مثل عدمه؟!!)
شهقتا معا بخوف عليه لتسرع أريج قائلة بأسف...
(أدامك الله لنا أبي...أعذرني لقد اخطأت اعترف لكن الموقف كان انسانيا و الولد الصغير يعاني من حالة نفسية معقدة و قد تأثر بي لذا كان تواجدي ضروريا)
لانت ملامحه قليلا لكنه قال بأمر أبوي...
(خطأ و وقعتي به و لن يتكرر لأن بيت هذا الرجل لن تخطوه مجددا حتى تتحدد علاقتكما...و الآن الى غرفتك)
نوبات الغضب النادرة من والدها عطوف الشخصية دوما تجعله غير قابل للنقاش...لكنها تقر و تعترف بأنها تستحق غضبه رغم كونها ساهمت بشكل ملحوظ في تقدم حالة يائيل...اومأت بصمت لتتحرك في اتجاه غرفتها ممتثلة لأمر والدها...
بينما اهتاجت نظرات أمها لتقترب من زوجها بعدما اصبحا بمفرديهما تقول بعتاب...
(ما بك سعيد بحق الله؟!...هل تشكك في ابنتنا و تصرفاتها هل هي صغيرة لتقف توبخها كتلميذ تأخر على موعد حصته؟!... انا وافقت لها على البقاء هناك آملة أن تقصر المسافات بينهما و تلين دماغها لتوافق على مطلبه و تتزوج)
اختنق صوتها لتكمل بدموع...
(أريد أن يفرح قلبي بها و اطمئن عليها مع رجل يصونها...نحن لن نعيش لها العمر كله)
تنهد سعيد بضيق ليقول...
(قسوتي في تعنيفها نابعة من كونها دوما أريج عماد بيتنا...رغم ان رزقني الله بالولد لكني دوما موقن ان سندي و ظهري هما أريج...اعتدت أن أراها مستقيمة تشد أزري غصبا عني غضبت لوقوعها في خطأ اعرف ان ابنتي تتنزه عن اقترافه!!)
ربتت زوجته فوق ذراعه تهمس...
(أريد أن أفرح بها فلا تغلقها في وجهي بالله عليك)
نظر لها بتوبيخ يقول...
(قلت لا ذهاب مجددا لبيته لأي سبب كان...ابنه مريض هو يموت ابنتي لن تذهب ابدا...لا تهدري كرامتها لأجل الزواج)
زفرت زوجته نفسها بيأس تقول...
(ألا تريد ان تفرح بها كما ان هذا الطبيب يبدو مقتدر و سيجعلها مرتاحة)
قاطعها بردٍ متمسك برأيه...
(من يريدها يسعى اليها لا العكس)
تركها تقف تراقب عودته الى الغرفة بغضب تعرف انه لن يتنازل عنه بسهولة...تشدقت بتعب من تيبس رأسه...
(و نقول لمن طلعت أريج عنيدة و ذات رأس يابس!!)
بالداخل....
بدلت ملابسها بمنامة قطنية و تحركت تغلق اخر زر بها متوقفة عند مرآتها...حتى اقتراحها الواهي بالبقاء قرب ابن مؤيد ذهب ادراج الريح برفض والدها بغض النظر عن صحة كلام مؤيد بأن لا أحد في المجتمع حولهما سيستسيغ رعايتها لابنه دون مسمى تندرج تحته...توبيخ والدها لها قبل قليل يجرحها كثيرا...زفرت ببطء مهموم تتقدم من المرآة و ذاكرتها تذكرها بالصغير الذي شهدت اليوم اهميتها في حياته...ببساطة انها طوق نجاته و لكن جهلها للكثير عن حياته السابقة يؤرقها...والده البغيض يحتجز ماضيه خلف قضبان روحه مما يزيد تساؤلاتها...رمقت وجهها في المرآة بتيه تفكر جديا فيما عليها فعله...هل تقبل بهذا الزواج لتسعد والدتها و تساعد طفلا وضعها الله في طريقه...دوما ترتعد من الزواج خوفا من حمل مسؤولية جديدة تعبت منها كليا...دوما طوال سنوات عمرها لم تجد الرجل الذي ستتنازل لأجله عن رفضها التام للزواج متقبلة مسؤوليات و شقاء لأنه معه و له...ضيقت عينيها فجأة تدقق النظر أعلى رأسها...اتسعت تدريجيا بينما كفها يتحرك حيث ثبتتا عيناها لامست خصلات شعرها تفسح مجالا بأصابعها لتلتقط هذه الشعرة البيضاء...حركتها بذهول أمام صورتها المنعكسة على المرآة و وخزة ألم مجهولة تخزها...اللون الأبيض هنا يخبرها بأن العمر يهرول لا يمضي...لقد كبرت للحد الذي لا رجوع منه...دمعت عيناها بينما تفلت الشعرة ببطء تدثرها بين شعراتها السوداء...نظرت لعينيها الخضراء مليا لتهمس لنفسها...
(و إن خبأتها طويلا فهي هنا أريج لن تختفي...العمر يدهسني تحت قدميه و أنا ساكنة بلا حراك...)
يبدو أن قناعاتنا تتغير دون ارادتنا فقط لتساير ركب الحياة السريع...و ربما المخيف...تظن أنك ابدا لن تتنازل حتى تأتي اتفه الاشياء لتجبرك على التنازل...و لتبقى شامخا سيد قرارك امام نفسك تتخذ ممن حولك حجة تتعلل بها...و ما أكثرها الحجج لديك أريج لتنقذي ما بقي من شبابك!!




...يتبع....











AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس