عرض مشاركة واحدة
قديم 18-10-20, 09:25 PM   #480

ملك علي
 
الصورة الرمزية ملك علي

? العضوٌ??? » 475418
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,362
?  نُقآطِيْ » ملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond repute
افتراضي





البارت الخامس و السبعون طفلك ؟





أثناء انغماس علي في أفكاره رن هاتفه و كان كريم

" مساء الخير "

" مساء الخير "

" ماذا هناك ؟ "



كريم لا يتصل في هذا الوقت الا لأمر هام جدا , و كما توقع انطلق صوته الأجش من الطرف الآخر

" أردت أن أعلمك أن التخطيطات , الخاصة بالقرية السياحية جاهزة ،

لكن السيد سالم اتصل و قال , بأن رجل الأعمال التركي ، أجل موعد قدومه إلى بعد العيد "

قال بنبرته الآلية




" ألم يذكر أسبابا ؟ "


سأل علي و هو يفرك جبينه , و قد بدا عليه الامتعاض ,
لأن الرجل لم يكلف نفسه , عناء الاتصال شخصيا كرجل أعمال محترم , و تبرير تأجيله كل هذا الوقت ,

بل و يكتفي بارسال الرسائل مع الوسيط سالم , و كأنه لا يضع له اعتبارا .



" لا سيدي , قال لأسباب خاصة لا يمكنه القدوم قبل العيد "

أجابه كريم للتوضيح




تنهد علي و قد بدأ بفقدان صبره بالفعل ، فالانشاءات قائمة بوتيرة سريعة ، و موعد تسليم المشروع اقترب ،

و على هذه الشركة أن تسرع , في عملية التشطيبات و التجهيزات ، حتى يتسنى له احترام آجال التسليم ،

لكن هذا الرجل بدأ يستفزه بعدم التزامه ، و تأجيل مواعيده مرة بعد أخرى .



" حسنا سننتظر الى العيد , لكن إذا ماطل مرة أخرى ، سأعلم المسؤولين و نلغي الشراكة ،
لا أريد التعامل مع شخص لا يحترم كلمته "




بعد لحظات من الصمت أجاب كريم

" لكن أنت تعلم كم هي معارفه متشعبة هناك ، و إلا ما كان حصل على هذا الامتياز لمشاركتنا المشروع ,

إذا احتجينا عليه قد نخسر فرصتنا , للقيام بمشاريع أخرى هناك ,

كانوا واضحين جدا حينما وقعنا العقد , أن من يطلب استبعاد الآخر ، هو من سيدفع ثمن الخسائر و الشرط الجزائي "





دلك علي رأسه بيده محاولا تخفيف الصداع , و قد راوده شعور بأنه وقع في فخ و تم التلاعب به

" أعلم ذلك كريم ، أصلا ما كان يجب أن أقبل استلام المشروع بشروط مماثلة ،

أنا اعتقدت أنه أكثر احترافا من هذا ، لكن يبدو أن بهجت هذا يتعمد إثارة غضبي "





لم يجادله كريم أكثر , هو فقط أراد مناقشة الوضع معه لتخفيف الضغط عليه ,

لطالما فعل ذلك في الأزمات التي مرت بها الأعمال , و علي يثق دائما في نظرته الى الأمور .




صمت علي قليلا ثم أضاف

" لا يهم سننتظر الموعد القادم ، لكن عليه أن يدعو الله ، ألا أمسك عليه زلة أخرى ,

ثم أنا لا يهمني فيما يفكرون فيه ، المهم ألا تتأثر سمعتي في السوق ,


أصلا لا أفهم لم اشترطوا دخوله معنا , فالبناء علينا نحن و نحتاج فقط الى التجهيزات ،

لأننا نريد تغيير النمط المستخدم في قرانا السياحية ، لجذب المزيد من السياح ، دون التأثير على الطبيعة المحيطة ،

لكنني لن أتحمل تماطله أكثر مما فعلت "



رد علي باستياء واضح ، و أجاب كريم من الجهة الأخرى

" فهمت , تصبح على خير "



أغلق كريم الخط و على ذكر اسم سالم ، تذكر ابنته المتطفلة أسيل ،

هو كان ينتظر أن تأتي لتزعجه مجددا لكنها خيبت ظنه , فهو لم يرها منذ ذلك اليوم في الورشة , و لم تقابله منذ يوم المطعم .



" يبدو أنها ليست مشاغبة بالقدر الذي ظننته "

تمتم كريم لنفسه و هو يقف وسط مطبخه , لكنه لم يشغل باله كثيرا ,

ألقى نظرة أخيرة على قطعة الكعك المحنطة في المجمد , و التي أصبحت مؤنسه في الآونة الأخيرة ,
أطفأ الأضواء بعدها و ذهب للنوم .





في اليوم الموالي , انشغل علي و كريم طوال النهار بالعمل و الاجتماعات ، و لم يتسنى لهما حتى تناول الطعام .


في الثالثة عصرا ، غادر كريم المكتب باتجاه البنك ، لتسليم بعض الأوراق المهمة , بخصوص تمويل تهيئة مول تجاري على أطراف المدينة ,



بمجرد أن أصبح في المرآب و دنا من سيارته ، حتى لمح وجها مألوفا يجلس القرفصاء إلى جانبها ,


" أذكر الشيطان "

همس في سره بتسلي , فالبارحة فقط هو كان يفكر فيها , و الآن هي أمامه مثل عفريت العلبة .




كانت أسيل تتكئ إلى جانب الحائط ، ترتدي سروالا زهريا متوسط الطول ، مع حذاء دون كعب و قميص أبيض اللون ،
و تعلق حقيبتها الزهرية الصغيرة كساعي البريد ,



كانت تجلس بملل تداعب خصلات شعرها الحريري ، الذي تسدله على كتفيها و هي تحدق في هاتفها .


تأملها كريم لدقائق بتفحص , قبل أن يقطع عليها انشغالها بصوته الخشن

" ماذا تفعلين هنا ؟ "



قفزت أسيل من مكانها واقفة ، اتسعت عيناها و قد أفزعها صوته في البداية ،

لكنها سرعان ما انفرجت أساريرها ، بعدما رأت صاحب الصوت ، تماما كمن ينتظر خبرا سعيدا .



وضعت أسيل الهاتف في حقيبتها ، و اتجهت ناحيته بعينين مبتسمتين و غمازتين مثيرتين ,
فيما بدت متحمسة جدا بلقائه .



كريم الآن مستغرب فعلا من هذه العلقة

" هل هي توزع هاته الابتسامات بمقابل أو ماذا ؟ "




" مرحبا كيف حالك ؟ "

كانت أسيل من بادر بالتحية قاطعة عليه تأمله , سألته بمرحها الذي اكتشفه في لقائهما السابق .



حسنا هو أدرك الآن فقط , أن هذا ثالث لقاء بينهما ،
دون حساب يوم الورشة , الذي راقبها فيه من بعيد دون دراية منها ,


و هو لا يعرف سبب استمرارها بالمجئ إلى هنا ، و كأن بينهما معرفة قديمة ,
يا الهي هي حتى لا تعرف من يكون .



لم يرد كريم بكلمة واحدة عليها ، و وقف يراقب الفتاة التي بدأت بتدليك رجليها ،
و تحريكهما بطريقة هزلية في كل الاتجاهات ،


لكن دون أن تتوقف عن الابتسام له ، حتى بعد أن تجاهلها و لم يرد على سؤالها ,
و هو يقف و يرمقها بنظرات مستغربة .




برؤية ملامحه المتسائلة عن سبب الزيارة الكريمة , بادرت أسيل للشرح بصوتها الرقيق ،
دون أن تتخلى عن ابتسامتها العذبة

" آسفة سيد كريم , أشعر بتنميل في ساقي "



استمر كريم في تجاهلها و كأنها غير موجودة ، و اتجه الى سيارته ليفتح الباب ، لكن قبل أن تصل يده إليه ,

تكلمت أسيل مجددا بتردد

" أنا كنت أجلس هنا أنتظرك "


قالت مجيبة عن سؤاله الأول بحرج , و قد خفتت نبرتها في آخر كلمة ,
و عضت على شفتها السفلى , و هي تحدق ناحيته بعيون متأملة .




تفاجأ كريم لسماع الأمر و رفع حاجبه ، فكيف أنها لا تعرفه و لكنها تنتظره ،

ثم تذكر أنها تعتقد أنه مجرد سائق , و لا تعرف أين يعمل و لا كيف تتصل به ،


لذلك فهي تبحث عن سيارته , في الموقف الخاص بالشركة ، و تبقى أمامها حتى تلتقي به ,
كطريقة ترصد جديدة ابتكرتها هذه العلقة ,



حسنا هذا مفهوم بالنسبة له , و لكن ما لا يفهمه هو

" لماذا ؟ "


فلا شيء في ملامحه أو تصرفاته معها ، يوحي لها بأنه مرحب بها هنا ، بالعكس هو يعاملها ببرود لا مثيل له ,

من المفروض أن تكون خائفة جدا الآن , من عدم مراعاته لخاطرها , و خشونته في التعامل معها ،
و أن تبتعد هاربة كلما رأت وجهه .



لكنه لا يفهم لم تستمر باقتفاء أثره مثل قط ضائع ؟


استدار كريم ناحيتها , و الاستغراب يعلو وجهه المتجمد ، و لم يبد عليه أنه يفهم شيئا مما يحصل هنا .



برؤية ملامحه المتجهمة و المنزعجة , و التي على وشك التحول الى غضب ,
ردة الفعل الوحيدة التي تخافها أسيل ممن تتعامل معهم , و التي لا تنتهي عادة الا بتعنيفها ,


بهتت الابتسامة من على وجهها , و احمرت وجنتاها بسبب الشعور بالاحراج ,
و قالت بصوت هامس و ملامح متوسلة

" أنا أنتظرك هنا منذ الساعة الحادية عشر "

داعية في سرها ألا يرفع يده عليها , لأن صفعة من هذا الهرقل قد تزهق روحها .



زادت دهشة كريم حدة , و رفع يده للتحديق في ساعته , و التي أشارت الى تجاوز الوقت الثالثة بقليل .



" هل هذا يعني أنها تجلس هنا تنتظره , منذ أكثر من أربع ساعات دون يأس ؟

هل هذه الفتاة مجنونة أو أنها مترصدة ؟

لا عجب أنها كانت تعاني من تشنجات في رجليها قبل قليل "


لكن ما لا يفهمه كريم دائما هو لماذا ؟

ما سبب انتظارها له باصرار لهذا الوقت الطويل ؟



لم يرد كريم أن يضيع وقتا أكثر لأنه مستعجل , و سأل مباشرة كعادته بلهجة مخيفة و هو يعبس

" ماذا تريدين ؟ "


و أراد أن يضيف اجابته الجاهزة مسبقا ألا و هي

" لا "


بما أنه يعرف أن هاته العلقة , لا تجلب معها الا المشاكل و الشغب , و هو متأكد أنها أتت , لتطلب أمرا مزعجا مثلها ,

لكنه شعر فجأة بالفضول , و يريد أن يسمع ما لديها على كل حال قبل أن يصدها .




بسماع سؤاله ابتسمت أسيل مجددا , و قد تجدد أملها و قالت بصوتها المرح

" أريدك أن ترافقني الى مكان ما "



تجهم وجه كريم أكثر من التعبير , و قد شعر كأنه حقيبة يد , ستأخذها للتباهي بها في مكان ما ,
أو ربما هي تعتقد أنه يقدم خدمة مرافقة مجانية .



برؤية نظرته الحادة ناحيتها , أدركت أسيل أنها أخطأت التعبير و تداركت سريعا

" أقصد أريدك أن تقلني الى مكان ما "




نظر اليها كريم بنظرة مستهجنة مجددا و نهرها , لا يريد ان يفقد أعصابه أمامها

" اسمعي أيتها الطفلة , أنا لست سائقك الخاص , ثم أنا غير متفرغ لدي أعمالي الخاصة "

ثم قصد باب سيارته و فتحه , منهيا الجدال قبل أن تبدأ بالثرثرة .



لم تحتج أسيل على وصفها بالطفلة كما حصل سابقا , بل استاءت لرفضه طلبها الهام , و بادرت بصوت مستعطف



" آسفة سيد كريم لم أقصد هذا , أريدك فقط أن تقلني الى مكان ما ,
و أنا سأعطيك كل ما تطلبه كأجرة ,

فقط رافقني لا أستطيع الذهاب هناك لوحدي , أرجوك "



نظر كريم الى هيئته و هو فعلا محتار

" أي شيء في مظهره يوحي بأنه فقير و مسكين يحتاج مالا "

لكن لم يكن هذا ما شغل باله , بل ما قالته لاحقا هو ما حرك فضوله

" أي مكان هذا الذي لا تستطيع الذهاب اليه لوحدها و تريد مرافقة ؟ "



فكر عقل كريم فورا في أماكن مشبوهة , كملهى ليلي أو حفلات ماجنة في شقق خاصة ,
أو ربما أحد الأحياء المعدمة حيث يبيعون المخذرات .


بتفكيره المتوجس زادت نظرة الاستهجان على ملامحه , حدق ناحيتها بحركة واحدة و سألها بصوت مهدد

" أين تريدين الذهاب و لا تستطيعين وحدك ؟ "



هو شبه متأكد أن هذه الفتاة متهورة , و هي أكيد تنوي على أمر مريب و تريد توريطه معها .



صمتت أسيل قليلا تراقب وجهه , و كأنها تحاور نفسها في اخباره من عدمه ,

خاصة أنه لم يعدها أن يرافقها بعد , لكنها أجابته أخيرا بصوت هادئ متردد

" المباني السكنية قيد الانشاء خارج المدينة "

قالت و هي تشير بأصبعها بحذر الى الخارج





عبس كريم بشدة فهذا أسوء مما توقع , المكان قيد التعمير لا وجود لسكان هناك ,

فقط عمال انشاء و مهندسين , معظمهم من جنسيات أجنبية , و كلهم تقريبا من الرجال .


" لم تريد هاته العلقة الذهاب الى هناك ؟ "

فكر كريم قليلا و هو يحدق اليها بتوجس , ثم خطا خطوتين متأنيتن ناحيتها و بادرها

" لكن المكان هناك شبه مهجور , لا وجود الا للعمال فيه ,

ثم سيستغرق الأمر أكثر من ساعة للوصول اليه "

لخص كريم الوضع كما يراه عقله الأمني .



هزت أسيل رأسها بالموافقة فورا

" لهذا بالضبط أريدك أن ترافقني "




رغم مجادلتها بخصوص المكان , الا أن كريم أجاب سريعا , قاطعا عليها الطريق للاستمرار في اقتراح الأمر

" آسف لا أستطيع , أطلبي من أحد سائقي والدك أن يقلك ,

أو خذي احدى السيارات منه , أنا لست متفرغا للعبك "



لكن أسيل كانت ترفض الانصياع , مصرة على الاستمرار في استعطافه ,
و قد طبع على ملامحها وجه حزين , دون أن تنتبه الى أمر معرفته بوالدها



" أرجوك سيد كريم لا أستطيع , لا يجب أن يعرف والدي عن ذهابي الى هناك ,
ان طلبت من أحد سائقيه أن يقلني سيخبره بالتأكيد ,


و لا أستطيع المجازفة و أخذ سيارة وحدي , أنا لدي شهادة لكنني لا أجيد القيادة ,
آخر مرة أدخلتها في حائط الجيران ,

و أقسم والدي ألا يسمح لي بلمس المقود مجددا , حتى أنه باع السيارة التي تلقيتها هدية في عيد ميلادي ,


اضافة الى أنني لا أستطيع أخذ سيارة أجرة , أخاف الذهاب الى ذلك المكان المقفر وحدي مع غرباء "


قالت بكل جدية و هي مشغولة , في تعداد الأسباب الهامة على أصابعها الرقيقة .





"...."

حسنا كريم الآن ليس مصدوما , لأنها قالت كل ذلك في نفس واحد ,

و لكنه مندهش من صبره في الاستماع لها , و هي على وشك أن تحكي له قصة حياتها بأكملها ,
و هما يقفان هنا وسط مرأب .




" ثم ما قصة غرباء هاته ؟ "

على حد علمه هو ليس ابن عمها , الذي تربى معها منذ الصغر ,

فهو أيضا غريب و بالكاد يعرفها , فقط لأنها تلاحقه في كل مكان مفسدة عليه حياته .





حدق كريم اليها قليلا و رفع حاجبه باستنكار , فبقدر ما هاته الفتاة ثرثارة , بقدر ما كلماته هو نادرة ,
خلطة غريبة جدا تكاد تفقده صبره .




أخذ الرجل المستفز لدرجة الحنق أنفاسا عميقة , وضع يديه على خصره بتأهب , و انطلق صوته الجليدي


" من ستلتقين هناك ؟ "

اختصر كريم الجدال و سأل , بعدما تآكله الفضول عمن ستقابله هناك , و لا تريد أن يعرف والدها بأمره



" أكيد هو حبيبها أو صديقها الحميم ,

هل قررت مثلا أن تفر معه , أو أنهما يخططان فقط للقاء حميمي بعيدا عن الأعين ؟ "


تساءل في سره و لزم مكانه منتظرا اجابة مفيدة , و كأنه بصدد استجواب متهم يقف أمامه .




فكرت أسيل قليلا بعد و أجابته , متجاهلة دائما نبرته المتهمة

" لا أستطيع اخبارك آسفة , لكنني أقسم أن الأمر مستعجل و هام ,

هي قضية حياة أو موت , و الا ما كنت طلبت مساعدتك ,

أرجوك , أرجوك , أرجوك "



كررتها ثلاث مرات , و كأن ذلك سيغير شيئا في الموضوع , فقد هز كريم رأسه مجددا بالرفض القاطع

" آسف قلت أنني لا أستطيع مساعدتك , لدي عمل هام و لن أذهب الى أي مكان ,

أنت لا تقولين شيئا يقنعني بالمرافقة , ثم لو ذهبنا الآن سنعود بعد حلول الظلام "




رغم تردده الا أن كريم لم يود الذهاب , و كأنه شاة تجر الى مكان مبهم ,

اذا أرادت منه هذه العلقة الخدمة , فيجب أن تكون صريحة معه , و تخبره كل التفاصيل التي يريدها ,
على الأقل يكون على بينة فيما سيتورط ان ساء الوضع .



بسماع اجابته الحاسمة , صمتت أسيل و قد شعرت بخيبة أمل ,
ظهرت بسرعة على ملامحها , و كأن وجهها مرآة تعكس كل ما يدور بداخلها


" حسنا لا بأس , شكرا لك على أي حال , سأتدبر أمري بنفسي "


انحنى فمها الى الأسفل بحزن , ثم طأطأت رأسها و همت بالمغادرة ,
و قد بدت على وشك البكاء .




" تبا "

تنهد كريم بعمق و راقبها تغادر مخيبة , و قد راوده شعور سيء فجأة ,
فهو رغم معرفته القليلة بهذه الفتاة , الا أنه يدرك أنها متهورة و لا تخشى شيئا ,


اذا قررت الذهاب الى هناك , فستذهب مهما كلفها الأمر ,
حينها سيكون في مأزق اذا حدث لها شيء , لأنه سيكون آخر من رآها .


كما أن باله كان مشغولا فعلا , من أن تتعرض للأذى و قلبه لا يطاوعه ,
خاصة أنه لا يعرف أية مصيبة تفكر في اقترافها .




تردد كريم قليلا و هو يراقبها , تبتعد بخطوات متثاقلة ثم خاطبها

" أنت انتظري "




توقفت أسيل و استدارت ناحيته , منتظرة ما الذي يريد قوله ,
دون أن تغادر الملامح المبتئسة وجهها



فكر كريم مليا و أضاف , و هو يعرف أنه سيندم لاحقا

" سأقلك لكن عليك أن تنتظري , حتى أوصل هذه الأوراق أولا "



انفرجت أساريرها فجأة للمرة الثانية اليوم , و ارتسمت ضحكة على فمها ,
أشرق معها وجهها الذي كان مكتئبا , و ظهرت غمازتيها الجميلتين مجددا ,


ركضت بعدها أسيل بخطوات سريعة ناحية كريم , الذي فاجأه الأمر و قد بدت , و كأنها على وشك احتضانه ,

تراجع خطوة الى الخلف الى أن ارتطم بسيارته , و قد سحب يده أمام صدره استعدادا لردعها ,


تيبس مكانه محدقا في وجهها بترقب , و منتظرا ما الذي تفكر في فعله ,
فلا شيء يربكه بقدر التواصل الجسدي مع الآخرين .



أما أسيل فقد توقفت أمامه مباشرة , ضمت يديها أمام وجهها بامتنان شديد ,
و حدثته بنبرة حالمة , و عيون تطلق قلوبا

" شكرا لك سيد كريم , أنت الأفضل على الاطلاق "


كان يبدو و كأنها على وشك تقبيله , و هي تقف على أطراف أصابعها , على بعد انشات من وجهه تحاول شكره .



احمرت وجنتا كريم فجأة , لسماع الاطراء غير المتوقع , و قد شعر بالخجل و الارتباك بسبب تصرفها ,
كما أن قلبه تسارعت دقاته بطريقة غريبة .



لم تنتبه أسيل الى ردة فعله اللطيفة , التي حاول اخفاءها بنهرها للابتعاد عن وجهه

" الام تحدقين ؟

هيا أسرعي و اركبي أو سأغير رأيي "



زجرها و هو لا يصدق أن هذه العلقة , تحطم كل الحواجز التي يضعها , عادة حوله من أجل الجميع
و تتعامل معه دون بروتوكولات ,


لم يسبق أن سمح لأحد أن يدنو منه أكثر من متر , لو كان شخصا آخر لكان فاقدا لوعيه بالفعل , فحساسيته الأمنية كارثية ,


لكنه لا يعرف كيف تثبط هذه العلقة جهاز انذاره , الذي روضه لسنوات ,
و لا يستفيق الا و هي تدخل حيزه الخاص , دون أية ممنوعات أو انذارات ,

تقول و تفعل ما تريده , و المشكلة أنه لا يحتج و يدعها تفعل ما يحلو لها .




هزت أسيل رأسها بالموافقة سريعا , و استدارت لركوب السيارة كما طلب منها .



لمس كريم وجهه و قد شعر أن حرارته قد ارتفعت

" هل أنا على وشك أن أمرض أو أنني مرضت فعلا ؟ "

تساءل بتوتر ثم أخذ نفسا عميقا , و دخل سيارته آخذا مكانه خلف المقود .





بركوب سيارته توقع كريم أن يجد أسيل , جالسة في الكرسي الذي بجانبه ,

لكنها فاجأته بأن فتحت الباب , انحنت على الكرسي و قامت بسحبه الى الخلف ,

ثم دخلت الى المكان المقابل للدواسات , عند موضع الأرجل و تكورت كقطة هناك .



صحيح أن سيارة كريم واسعة , بما أنها سيارة دفع رباعي , الا أن المكان ضيق لاستيعاب انسان ,
و بالكاد كان يسعها لولا حجمها الصغير ,


أغلقت أسيل بعدها الباب بكل هدوء , ثم رفعت نظرها لتلتقي عينيها , بعيني كريم المصدومة من حركتها .



" ماذا تفعلين عندك ؟ "

كان أول ما سأل كريم باندهاش ,

فيما يبدو أن لا شيء تفعله هاته الطفلة منطقي , و كأنها تتعمد ذلك لتشويش تركيزه و ارباكه .



لكن أسيل ابتسمت بهدوء و ردت عليه

" لا شيء لا تشغل بالك , قد أنت السيارة و حسب ,

و أنا سأبقى هنا الى أن نغادر وسط المدينة "



لكن كريم لم يحرك ساكنا , و نهرها بلهجة أكثر حدة

" لم تختبئين هناك ؟ أخرجي من عندك "



لوحت له أسيل بيدها محاولة طمأنته

" لا بأس أنا بخير , لا تشغل بالك سيد كريم لنغادر فقط "



و لكن كريم أصر على عدم الانطلاق , منتظرا منها التوقف عن شغبها غير المبرر

" قلت اخرجي من هناك ألا تسمعين ؟ أو سأغير رأيي "

هددها بجدية بالغة



عبست أسيل لما قاله , و علت حمرة خدودها بسبب الاحراج , و ترددت قليلا قبل أن ترد عليه


" حسنا لا أستطيع , اذا رآني أخي أركب معك السيارة سيقوم بضربك بشدة ,

و أنا لا أريد أن تتأذى بسببي , يكفي أنك تساعدني ,

أرجوك دعني هنا أنا مرتاحة "





صمت كريم قليلا و قد فاجأته كلماتها , و تحولت نظرته من استغراب الى غضب , لكن دون أن تلاحظ أسيل هذا التغير



" و أنت ألن يعاقبك ؟ "

سأل بصوت مستهجن خافت , و سرعان ما ردت أسيل بعفوية دون أدنى تفكير

" بلى لكن أنا متعودة على ذلك "


قالتها مع بعض المرارة , التي لم تنجح ابتسامتها الدائمة في اخفائها ,
و قد مر طيف ألم على بركتي الشوكولا خاصتها .



عقد كريم حاجبيه و قد ازداد استياؤه

" هاي أنت , هل تتعرضين للتعنيف باستمرار أو ماذا ؟ "



واضح مما قالته أنها متعودة , على التعرض للضرب و الاساءة , من عائلتها خاصة شقيقها هذا ,

لكن ما يفاجؤه أنها تحاول حمايته , و هي لا تستطيع حتى حماية نفسها .



بسماع سؤاله أدركت أسيل زلة لسانها , و سرعان ما اختفت ابتسامتها و تجمدت ملامحها ,


ابتلعت أسيل ريقها , و تفادت النظر في عيني كريم , اللتين تخترقانها لاستبيان الحقيقة و أجابت

" لا تبالي بما أقوله , هيا علينا أن نذهب ,

تأخر الوقت أرجوك "





كانت اجابتها المتهربة ردا بالايجاب على سؤاله , هو يعرف كم هي صريحة و مباشرة ,

و لو أنه أساء الفهم , لكانت صححت له مباشرة و أنبته , لكنها بتفاديها النظر في عينيه أكدت شكوكه .




شعر كريم بغضب يجتاحه , و ضغط بيديه على المقود بشدة بغية التنفيس عنه ,

صحيح أنه رجل ضخم قوي البنية , بامكانه القتال مع خمسة رجال و هزمهم دفعة واحدة ,


لكنه لم يظلم امرأة في حياته , و لم يتنمر يوما على من هم أضعف منه ,
حتى أن الأمر يثير سخطه و يوتر أعصابه .



نظر كريم الى وجه أسيل مجددا , و فكر لوهلة أن يخرجها من هناك بالقوة , و ليجرؤ شقيقها على فعل شيء معه ,

لكنه تراجع لأنها بدت خائفة فعلا , و لأنه يعرف جيدا أن أخاها سيجبن عن مواجهته , لأنه بامكانه صرعه بضربة واحدة ,

لكن في المقابل من سيتلقى العقاب , هو هذه الفتاة الساذجة , و هو لن يكون قادرا على حمايتها لذلك لن يورطها .





" تبا "

قال كريم بصوت هامس , و قد أدرك أنها قد تكون في ورطة فعلا ,
و هو وافق على مساعدتها دون ادراك الوضع .



" ما الذي دهاك ؟ لم يجبرك أحد على الانصياع "

نهر كريم نفسه ثم مد يده لفك حزام أمانه , نزع بعدها سترته و ألقاها على رأسها


" ضعي هذا عليك , سيبدو غريبا اذا رآك أحدهم تجلسين هناك , و كل هاته الكراسي فارغة "



" شكرا لك "

ابتسمت أسيل مجددا لتعاونه , عدلت السترة فوق جسمها المتكور , و لم يبق منها الا وجهها .


انطلق بعدها كريم بالسيارة , و الفضول يتآكله عما تتورط به هذه العلقة , و على وشك توريطه هو الآخر .





مر كريم في طريقه أولا على البنك , و سلم الأوراق المهمة على عجالة قبل موعد الاغلاق ,
ثم عاد ليرافق أسيل الى خارج المدينة ,


أثناء انشغاله بالقيادة , اشتمت أسيل السترة التي تلتف بها و سألته

" عطرك زكي جدا , من أية ماركة تشتريه ؟ "




"...."

صدم كريم لتصرفها و تعليقها

" يا الهي , ألا تدرك هاته الغبية أية حركة جريئة هذه ؟ "

سأل نفسه و لكنه لم يجبها , و اكتفى بنظرة زاجرة من عينيه ناحيتها .



لكنها لم تبال و قد تعودت على ردات فعله المتجاهلة اتجاهها , و التي لم تزعجها يوما ,
و لا تمنعها أبدا من الاسترسال في فضولها اتجاهه .



عادت بعدها و تدثرت بالسترة , لكنها لمست هاتفه داخل جيبها , فمدت يدها و أخرجته .


أثناء ذلك كان كريم قد عاد للقيادة بكل تركيز , غير مدرك لاستيلاء هذه المتطفلة على هاتفه الخاص ,

و فيما هو شارد مع ملامح جدية , استغلت هي الأمر و التقطت له صورة ,
مما أربكه و فاجأه و كاد يحيد عن الطريق .




" أنت ماذا تفعلين ؟ "

اكتفى بالسؤال بحدة قبل أن يدخل في حادثة سير , و أجابت أسيل و هي تحدق الى الهاتف بتمعن

" آخذ صورة لك , أتعلم أنت لا تبتسم أبدا , سيبدأ وجهك في الانكماش قريبا ,

تبدو كئيبا حينما تعبس , أنظر ألا تبدو الصورة بشعة ؟ "




"...."

صدم كريم لتعليقها غير المراع , فهو في الحقيقة رجل شرقي ,
حنطي البشرة بملامح دقيقة , و عينين سوداوين تغطيهما رموش كثيفة ,


حتى شفاهه تبدو و كأنها مرسومة بلون داكن , جسمه الرياضي و قامته الهائلة , يصنفانه ضمن الرجال الوسماء ,


و لطالما تلقى الاطراء على مظهره , لكنه هو من لا يبالي , و الآن تأتي هذه العلقة لتقول أنه بشع يا للهول .



" أعطني هاتفي "

نهرها كريم بشدة لاخافتها , مد يده اليمنى ناحيتها , و ثبت المقود باليسرى مستمرا بالقيادة .



لكن أسيل لم تبال بغضبه , و بدل تسليمه هاتفه كما طلب , قلبت الكاميرا ناحيتها و قالت له

" أنظر "



ثم أخذت صورة لنفسها و هي تبتسم , و تشير بأصابعها اشارة النصر ,

بعدها وجهت الشاشة ناحيته , و أرته الصورة التي التقطتها , ثم رفعت حواجبها بتحد


" أترى الفرق بين الصورتين ؟

أراهنك أنني سأعيش أطول منك "





"...."

صعق كريم مجددا , هذه الفتاة لا تعرف الممنوع من المسموح , تتصرف كقطار يدهس في اتجاه واحد دون تراجع ,


و الشيء الوحيد الذي هو متأكد منه , أنه فعلا لن يعيش طويلا ,
لأنه اذا استمر بالالتقاء بهذه المتطفلة , فسيموت بجلطة دماغية قريبا جدا .



ضغط كريم على المكابح بشدة , و أوقف السيارة جانبا , ثم انحنى عليها و اختطف الهاتف من يدها ,
و ألقاه بنرفزة على لوحة القيادة أمامه ,


مستغلا انشغالها بفرك جبهتها , التي ارتطمت بالكرسي أمامها بعد التوقف المفاجئ .



" أنت , ألا تعلمين أن التفتيش في أغراض الآخرين , دون اذن قلة أدب ؟ "



عبست أسيل بسبب الألم و تأنيبه لها

" لم أكن أفتش , أنا فقط أخذت صورة , و أنت موجود هنا كيف يكون ذلك دون اذن ؟

ثم ألا يجب أن تنبهني قبل أن تفرمل ؟

ماذا كان سيحصل لو أصبت بارتجاج في المخ ؟ "



" تستحقين "
قال بين أسنانه شامتا بها .



" حسنا ليس بامكانك التهرب مني , اذا شعرت بأية أعراض ستتحمل المسؤولية كاملة ,

و تضمنني لزوجي المستقبلي , فمن سيتزوج شابة بنصف دماغ ؟ "



" تقصدين دون دماغ , لأنك ستفقدين الربع الذي تمتلكينه الآن "

جادلها كريم بغيظ , و هو يدعو الله ألا يحصل معها مكروه , لأنه لا يعرف كيف سيتخلص منها حينذاك .



" أنت عديم الذوق "

احتجت أسيل على وصفه لها , و أشاحت بوجهها الى الطرف الآخر ,
لكنها ابتسمت مباشرة لأنها متأكدة الآن , أنه سيتوقف عن ازعاجها .



أخذ كريم نفسا عميقا محاولة تهدئة نفسه , و هو يلعن اللحظة التي وافق فيها على مرافقتها ,

و كأنها ألقت عليه سحرا لتقنعه , ثم عاد لتحذيرها بنبرة جدية جدا متجاهلا تعليقها

" اسمعي اما أن تبقي هادئة و تتوقفي عن ازعاجي ,
أو سأغير رأيي و سأنزلك هنا , و لن أبالي بما ستفعلينه "




جفلت أسيل لتهديده و اتسعت عيناها , وضعت يديها على فمها حتى لا تتكلم مجددا ,
و هزت رأسها لتؤكد له أنها لن تزعجه أبدا ,



بدا منظرها مضحكا جدا , و منح كريم شعورا بأنه أب , يحاول تأديب ابنته المشاغبة ,

كان على وشك الضحك و لكنه تراجع , لأنه لو فعل فستبدأ مناوشاتها مجددا , و هو لم يعد يتحمل .



بعد انصياعها قاد كريم السيارة مجددا , و بمجرد أن أصبحا خارج المدينة ,
جعل أسيل تخرج من مخبئها و تجلس مكانها ,


بقيت هادئة و لم تكن تتكلم كما وعدته , و لكن يديها لم تتوقف عن تلمس السيارة ,
و البحث في كل الزوايا و كأنها تستكشفها ,


كانت عيناها تعكسان انبهارها , بكل الأمور حتى البسيطة منها , كطفلة صغيرة كلما كف يدها عن مكان , بحثت عن آخر لتعبث به .



فجأة وصلت يدها الى المسجل , و شغلت الموسيقى بصوت عال , ثم صرخت في أذن كريم الذي أجفله صوتها


" يا الهي لا تخبرني أنك تحب فيروز , أنا أيضا أحبها كثيرا ,

أخيرا لدينا شيء مشترك بيننا أيها الرجل التمثال "

قالت بعينين حالمتين ,

و بدأت تردد أغنية " حبيتك تنسيت النوم " معه بصوت عال



تفاجأ كريم مرة أخرى , و قد تشوش ذهنه مجددا , عما ان كانت هاته الفتاة تدرك ما تفعله ,
أو أنها تقوم بهاته الأمور من منطلق سذاجة ؟

ستكون مصيبة أن تعاملت بهذا العبث مع كل من تراه ,


لكن ما هو متأكد منه , أنها تعاني من فرط حركة مرضي , يحتاج علاجا و أهلها يهملون الأمر ,
و عليه هو أن يدفع الثمن الآن من أعصابه .





شعر كريم بالحرج مجددا , و أسيل تردد على مسامعه كلمات الأغنية , التي يحبها و تهديها له بالحركات ,

لم يتعود أن يغني أحد له أو أمامه , و لكن هذه العلقة دائما الاستثناء ,


فما كان منه الا أن مد يده و أطفأ المسجل , تحت أنظار أسيل المستاءة ,
و قبل أن تقول كلمة تذمر واحدة , رفع أصبعه أمام فمه لاخراسها و نهرها ثانية



" قلت لا تلمسي شيئا , و الا أقسم بالله سأنزلك هنا "

انزعجت أسيل مما فعله كريم , لكنها لم تقل شيئا , و اكتفت بادارة وجهها ناحية النافذة ,

و بدأت في تأمل الخارج في هدوء تام , حتى لا ينفذ هذا الضخم ما هدد به .




ظهرت شبه ابتسامة على طرف فمه , و قد شعر بالرضا لأنها انصاعت أخيرا , فقد كادت تصيبه بالجنون ,

لهذا السبب بالذات هو لا يريد الزواج و الانجاب , لأنه سيضطر للتعامل مع تلك المخلوقات الصغيرة ,
التي لا تتوقف عن الحركة و الكلام , و الآن هو لا يعتقد أنه سيغير رأيه قريبا .

.
.
.

" أرني "

اعتدلت مريم مكانها , و مدت يدها لتعدل نظاراتها الجديدة , لمراقبة كراسة رنا و تصحيح واجبها المدرسي



كانت تقرأ بترو قبل أن تثني عليها

" صرت تجيدين الرياضيات أفضل من السابق "


هزت الطفلة رأسها بفخر , ثم أشارت لها أن ملك تشرح لها ,
بطريقة أبسط مما تفعله المعلمات , و هي لا تجد صعوبة كبيرة الآن .



برؤية اشارة ابنتها التي تخصصها لاسم ملك , و هو وجه امرأة جميلة مع قبلة في الأخير ,

توترت مريم مجددا , و عادت للتحديق في الكراسة أمامها , لكنها شردت سريعا فيما حصل



منذ ذلك اليوم الذي وضح فيه علي الأمور , هي لم تر ملك ثانية و لم تسمع صوتها ,


و عليها الاعتراف أن ظنها خاب , لأنها اعتقدت أن علي كذب عليها , بخصوص أن اخفاء الأمر عنها هو طلب من ملك ,

و أنه قال ذلك فقط لزيادة رصيدها لديها , بتصويرها امرأة مراعية و لطيفة ,
و لكن في الحقيقة كان هو من يمنعها , من اعلان زواجهما و الصعود الى هنا ,


لكنها اكتشفت أنه كان صادقا , لأنه من المفروض أنها بعد أن اكتشفت الأمر ,

فسيصبح اللعب مكشوفا , و ستبدأ ملك بالحضور الى هنا , على راحتها لاستفزازها و ازعاجها ,
و لكن لم يحدث ما توقعته , يعني ملك فعلا لا تريد احزانها .



في البداية استمرت مريم في الغضب و الخصام مع علي , الذي لم يكن يفوت يوما ,
الا و يأتي ليسلم عليها و يجلس معها , كما تعود حتى و هي لا ترد عليه ,


و في الأخير استسلمت لطيبة قلبها و قبلت صلحه , لكنها لم تأت على ذكر الموضوع مجددا , لا تريد لسيرة ملك أن تخلق هوة مع زوجها .



حاولت أيضا التمرد على البرنامج , و الترتيب الذي وضعته ملك , حتى لا تمنحها فرصة الاستمتاع , بالتمنن عليها أمام علي ,


فألغت التمارين و عادت للتذمر من الطعام و الدواء , حتى أنها عاودت أخذ حبوب النوم , و الاستلقاء لساعات طويلة ,



لكن كان هناك أمر وحيد , لم تستطع مريم التخلص منه , و هو الارتباط بابنتها التي صارت تلازمها و تؤنس وحدتها


هي حتى لم تستطع اعادة حصص التصفية , الى الفترة الصباحية نكاية في ملك ,

لأنها اكتشفت بكل بساطة , أنها ملتزمة بتناول لمجة بعد العصر مع رنا ,
و التي تتكون من قطع فريز و فواكه , مغموسة بالشوكولا الذائبة وجبتها المفضلة .



لذلك كانت الطفلة هي الاستثناء , من الرجوع الى الروتين القديم ,
فلم تستطع مريم التخلص من مراجعة دروسها معها , أو تحميمها أو التفرج على الأفلام و الأغاني سويا ,


لم يطاوعها قلبها أن تهملها مجددا , و هي التي أعادت الحياة الى روحها , و جعلتها ترى الدنيا بنظرة متفائلة مجددا .



لكن لم يكن هذا السبب الوحيد , فقد فكرت مريم أن ملك اذا رحلت قريبا كما يقول علي ,

فرنا ستصاب باكتئاب بسبب تعلقها بها , و لذلك قررت أن تكون سند ابنتها في هذه الأزمة ,
و لا تتخلى عنها كما حصل في أزمتها الأولى .



و رغم كل الحنق الذي عانت منه مريم خلال الأيام السابقة , الا أن عقلها كان يعود للتفكير ,
في تلك الظروف الخاصة التي تحدث عنها علي ,

و التي مهما فكرت في ماهيتها , لا تصل الى أية نتيجة مقنعة ,


هي تعرف أنه ليس رجلا يفرض عليه أحدهم شيئا , و حتى لو أجبر على هذه الزواج , فلا شيء يرغمه على الاستمرار فيه ,

كان طلقها في أول فرصة , زوجها مجنون و عنيد و تعرفه .



لكن احساسها يقول بأن الموضوع أكبر مما تعتقد , و ما أكد ذلك هو ما رأته في عيني علي ,
من شعور بالذنب يوم حدثها عن ملك , كما أن نبرة الندم في صوته لم تكن مجرد وهم ,



صحيح أن غضبها يومها شوش تفكيرها , لكن الآن بعد أن استعادت هدوءها ,
هي متأكدة أن أمرا مفجعا , يتوسط كل هذا الغموض في التصريح بالأسباب ,


و لأنها لا تحب رؤية علي يعاني بسببها , فقد قررت التغاضي عن تواجد ملك في بيتها ,
و التوقف عن الضغط عليه لاخراجها من هنا ,


ستكون عاقلة و تكسبه الى صفها , الى أن تظهر تطورات أخرى , تنفي أو تؤكد ما قاله لها يومها .



انتبهت مريم من شرودها على دخول الخادمة , تحمل صينية اللمجة ككل يوم ,

فتنحت قليلا حتى تسمح لرنا بالجلوس الى جانبها , و بدأت تستمتع بلحظاتهما الخاصة مع طفلتها ,
بعيدا عن الوسوسات التي صارت تنخر قلبها دون رحمة .


.
.
.


بعد نوبة الشغب التي أحدثتها أسيل , و التي أحبطها كريم بتهديداته المتكررة ,

ساد الهدوء في السيارة طوال الطريق , الى أن وصلا الى وجهتهما ,
بمجرد أن تخطوا مدخل موقع البناء , حتى شغل الرجل قرون استشعاره ,



لا يبدو بأن أسيل تعرف المكان , لم يسبق أن أتت الى هنا الأمر واضح ,

لأنها كانت تقرأ كل لافتة تقابلهم , و تجول بنظرها في كل مكان , و كأنها تبحث عن أمر ما أو شخص ما ,
لكنه لم يعرف بعد ما الذي تريده هنا .



بمجرد أن ركن كريم السيارة , حتى فتحت أسيل الباب بسرعة و نزلت ثم بادرته بجدية

" ابق هنا سأعود بعد نصف ساعة , لن أتأخر "


و أغلقت الباب مباشرة في وجهه , دون أن تعطيه أي تفسير , أو تسمح له بمناقشة الأمر معها .



"...."

عبس كريم بشدة , فهو لم يتعود أن يتلقى التعليمات من أحد ,

حتى علي الذي من المفروض أنه رئيسه في العمل , يطلب منه بكل احترام و لا يفرض عليه شيئا ,
و هذه العلقة تصدر الأوامر و تغادر مباشرة .



لكنه سرعان ما أفاق من استيائه و سأل نفسه

" نصف ساعة فقط ؟

ما الذي ستفعله في نصف ساعة ؟
لا تبدو كافية لفعل شيء "



طبعا منذ البداية هو كان يفكر بأمور خبيثة , كأن تلتقي حبيبها الذي لا توافق عليه عائلتها ,
و الله وحده أعلم فيما يريدان تمضية الوقت وحدهما ,


لسبب مجهول شعر كريم بالسخط , و بدأ يشعر بالندم على موافقته المجئ الى هنا ,
ما كان يجب أن يسمح لفضوله , أن يتمكن منه و يجره الى هنا .




راقب كريم أسيل بعينيه الحادتين , و هي تتقدم بخطوات صغيرة حذرة , على الطريق غير المعبدة , و المملوءة بكل أنواع الركام ,


كان المكان كله عبارة عن عمارات قيد الانشاء , لا شيء هنا سوى الاسمنت و الحديد , و الكثير من الماكينات و العربات .



اقتربت أسيل من أحد العمال و سألته , فأشار بيده الى احدى العمارات القريبة , و اتجهت بعدها الى هناك مباشرة .



حس كريم الأمني كان ينبؤه , أن هناك ما يقلق في الموضوع , المكان شبه مهجور و العمال بدؤوا فعلا بالمغادرة ,

اذا قام الشخص الذي أتت العلقة لرؤيته بايذائها , لن يستطيع أحد منعه ,

و بالتالي فقد قرر أنه لا يمكنه , تنفيذ أوامرها بانتظارها في السيارة , و هو لم ينو فعل ذلك منذ البداية .



بعدما ابتعدت أسيل قليلا , نزل كريم من السيارة , و تبعها بخطى متسارعة على مسافة آمنة ,
حيث كانت تمشي أمامه على مرمى بصره , دون أن يسمح لها برؤيته ,


كان العمال يحدقون في الفتاة التي تمر بينهم , باستغراب من وجودها هنا , لكن دون أن يتعرض لها أحدهم .



دخلت أسيل احدى العمارات غير المكتملة , و صعدت الى الطابق الثاني ,

حينما لحقها كريم كانت تقف و تتحدث مع رجل عشريني , أبيض البشرة بملامح متجهمة و أطول منها بقليل ,



كان الشاب يضع خوذة واقية على رأسه , و يرتدي قفازات مطاطية , لكن ملابسه كانت لائقة ,

لذلك استنتج كريم أنه ليس أحد الأيدي العاملة هنا , قد يكون مهندس أو رئيس ورشة .




كانت أسيل تقف أمامه و تكلمه بملامح جدية , و نبرة حادة لم يعهدها كريم قبلا

" هل يعني أنها تظهر مرحها ذاك أمامي أنا فقط ؟ "


حسنا ذلك فاجأه , لأنه افترض أنها تجمعها علاقة حميمة بهذا الشاب ,

و بالتالي فيجب أن تكون أكثر راحة معه , لكن المنظر أمامه غير مفهوم تماما .





" أين اختفيت طوال هذا الوقت ؟ "

سألت أسيل بصوتها العذب , و كان الشاب يحاول الهروب بعينيه , و عدم الرد عليها منشغلا بقفازاته


لكنها أصرت و سألت أمرا آخر

" أنت تقيم هنا لتتفادى رؤيتي , صح ؟ "



" أجل "

قال الشاب بملل و تأفف



كتفت أسيل يديها الى صدرها بتحد و خاطبته بحدة

" و الهاتف , لم لا ترد على مكالماتي ؟ "


" كنت مشغولا "

رد مقتضب دائما و كأنه مجبر على التحدث معها .



تنهدت أسيل بصوت مسموع , و هدأت نبرة كلامها ليعود صوتها الى رقته

" أرجوك حسام لا يمكنك فعل ذلك ,

لن تستطيع انكار علاقة دامت لسنتين , الكثيرون يعرفون بها أصلا ,

هروبك و اختفاؤك لن يحلا الموضوع "


بدت و كأنها تسترضيه من أجل أمر ما أو تستعطفه .



شعر كريم بالرضا و قد صدق حدسه

" هي هنا اذا لمقابلة حبيبها الذي فر منها , و يحاول التملص من علاقتهما "

حدث نفسه و استمر بالانصات دون التدخل



لكن انتابه حدس سيء جدا , بأنه سيضطر الى الاستماع , الى سمفونية بكاء العلقة مرة أخرى , خلال طريق العودة بعد أن يصدها هذا المتأنق


" يا الهي أفضلها مشاغبة , على أن تنوح و تسبب لي صداعا "

تذمر كريم في سره و حك لحيته بتوتر



بعد لحظات من الصمت رد الشاب أخيرا , فيما بدا أنه شعر بالانزعاج من كلامها

" اسمعيني أسيل , أنا لم أعد أحدا بشيء "



حدقت اليه أسيل باستنكار , و نهرته و قد ارتجف صوتها بغضب

" و طفلك ؟ " .









😘💞💞



........



ملك علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس