عرض مشاركة واحدة
قديم 30-10-20, 10:56 PM   #3206

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 5

(5)


بعد ساعتين

وقف مفرح في الحديقة الصغيرة التابعة للبناية ذات الطابقين التي يمتلك هو الشقة العلوية منها بينما عمار يمتلك الشقة السفلية .. وقف مع عمار بعد أن سبقهما عائلتاهما إلى الداخل وانضم لهما أكرم بعد قليل الذي تقع فيلته على بعد شارعين فأوصل عائلته وأسرع بالانضمام إليهما.

وقف ثلاثتهم مرتبكون مشوشون غير قادرين على استيعاب ما سمعوه .. لا يصدقونه لكنهم في نفس الوقت لا يقدرون على نسيانه .. وكأن ونس قد تخلصت من الحمل الجاثم على صدرها فألقته فوق صدر الثلاثة رجال ..ولدهشتهم.. كان حملا ثقيلا جدا على النفس .

قال عمار بذهول" هل من الممكن أن تنسج كل هذا من خيالها؟"

رد مفرح مقارعا "ولكن لا تنسى أنها كانت مراهقة في الخامسة عشر وأنها طوال عمرها لها شخصيتها المختلفة "

قال عمار مفكرا " أتعرفان ما الذي يجعلني أشعر بأن هناك خطب ما؟"

ناظراه باهتمام فاردف" عم عبد المقصود بعد الحادث بشهر تقريبا طلب الرحيل فجأة رغم أنه يخدمنا منذ سنوات طويلة .. واختفى هو وعائلته بعدها بدون مقدمات .. وقيل بأنه قد جاء إلى العاصمة هنا واستقر بها .. وعلى مدى الثماني سنوات الماضية نما إلى علمي معلومة لا أعرف مدى صحتها بأنه أصبح يتاجر بالفاكهة ومرتاحا ماديا"

قارعه أكرم بهدوئه المعهود قائلا "وهل هناك مشكلة في ذلك ؟.. "

رد عليه عمار موضحا " هناك يا أكرم مشكلة طبعا ..فثماني سنوات قليلة لأن يكون في الحالة المادية التي وصلتني عنه"

قال أكرم بغير تصديق "نحن لانعرف تفاصيل عنه لنحكم عليه"

غمغم مفرح شاردا هو الأخر" ما كان يثير استغرابي دوما أن مليكة قد زارت نجمة في يوم الحادث ..وكانت الصغيرة تعد معنا الأيام المتبقية للذهاب معنا .. فكيف تشتاق لها فجأة كما تصورنا أو فسرنا الأمر يومها بأنها حاولت النزول عبر الشجرة .. من أين جاء هذا التصور في ذهن الصغيرة ؟.. كما أن مليكة لفتت انتباهي لأمر أخر في جلسة العلاج النفسي التي حضرتها معها .. أن الصغيرة كانت تعلم جيدا أن البوابة عليها حارس ولن يسمح لها بالخروج إن أرادت"

نكش عمار شعره بعصبية وقد بدأت شكوكه تزيد ليقول مفرح "المهم ماذا سنفعل هل سنهمل القصة أم..؟"

قاطعه عمار بتصميم" لااا ..القصة أثارت بداخلي تساؤلات كثيرة ورتبت بعض قطع البازل التي كانت ناقصة في حادثة موت الصغيرة في رأسي ..ولن أهدا إلا بعد أن أتأكد من أنها مجرد تخريف"

قال أكرم بهدوء " الحقيقة أنا أيضا أشعر بأن حياتي لن تعود كما كانت قبل معرفة هذه القصة إلا بعد أن أتأكد تماما من أنها غير حقيقية (ونظر لمفرح يسأله) كيف نستطيع أن نحصل على الرسم الذي رسمته ونس لمن تعتقد بأنه الجاني؟"

أجابه مفرح " شامل أخبرني بأنه سيتحدث مع حماه ليخبره بما قالته ونس .. وسيحدد لنا يوم أذهب للعم عيد لأحصل على الرسمة .. ربما أفادت بشيء"

سأل عمار أخاه " هل سنخبر بشر وعلي؟"

غمغم أكرم بقلق " أخشى من علي .. سينفعل ويتهور فليسترها الله ( ونظر لمفرح يقول ) وأنت يا مفرح لا تخبر مليكة"

قال الأخير بسرعة " بالطبع لا ..وهل أنا مجنون لأخبرها بأمر كهذا!"

××××

خرجت ونس من الحمام ترتدي منامة رقيقة بألوان مبهجة من بلوزة تنزل باتساع كبير حتى منتصف الفخذ وتحتها بنطال قصير ..بطنها بارز أمامها بشكل يدغدغ رجولة شامل كلما رآها ..فاتسعت ابتسامته لتبادله هي الابتسام وتتوجه نحو المرآة لتمشط شعرها المموج .

ها هي قد استعادت حيويتها .. دبت فيها الطاقة بعد فترة ليست بالقليلة كانت فيها منطفئة مكتئبة وكانوا يظنون بأن السبب هو الحمل وهرموناته ومخاوفها من مسئولية الإنجاب ..لكن ها هي عادت لحيويتها ولألوانها المبهجة وكأنها قد تخلصت من حجر ثقيل كان جاثما على صدرها يمنعها من التنفس ..

ناداها لتقترب فانتهت من تمشيط شعرها وتركته مسدلا على ظهرها ثم وضعت من ذلك العطر كما توصيها مليكة دوما بأن تهتم بنظافتها الشخصية وأن تتعطر ..

رائحة العطر تسللت إلى داخل روحها وأنعشتها وملأت الفراغ الذي أحدثه رحيل الحجر الثقيل عنها .. فاستدارت إليه بوجنتين مشتعلتين تقترب بخطوات تشبه القفز لا تتماشى مع شكل بطنها ثم سألته "متى يأتي الثفيّ أنا متحمثة جدا"

( متى يأتي السفر أنا متحمسة جدا )

اتسعت ابتسامته وروحه قد رُدت إليه بعودتها لنشاطها وصخبها .. إنها صاخبة الحضور .. صخبا محببا يذهب الوحشة في قلبه .. فربت لها على فخذه لتقترب ..فاقتربت بوجنتين مشتعلتين ليشدها لتجلس على حجره ثم تطلع فيها بقلب مرتجف متأثر وروح تهفو لروحها الحرة ..ثم أمال جذعها للخلف ومال يلتهم شفتيها فلفت ونس ذراعيها حول عنقه مستجيبة لقبلته ..

إنه يدغدغ مشاعرها بما يفعل دوما .. يشعرها بأنها مميزة ..مكتملة ..ليس هناك ما ينقصها ..

تدرك بأنها مختلفة منذ صغرها .. وبأنها ليست كالبنات العاديات ..ليس فقط بسبب ضعف سمعها ولكنها بكليتها مختلفة .. أحيانا كانت تتهم نفسها بأنها هبلاء ناقصة العقل .. لكنها كانت تعود وترفض هذه الفكرة بشدة .. فهي تفهم كل شيء ..لكن سلوكها وردود أفعالها هي المختلفة وهذا أمر ليس بيدها .. صحيح منذ أن تزوجت شامل وهي تحاول ألا تظهر بمظهر (غريبة الأطوار) لكنها تفشل في تحقيق ذلك ..أو ربما الأمر ليس كذلك بدليل تحفظها إلى حد كبير في المعهد .. وفي الأماكن العامة .. أما شخصيتها الحقيقية فالمناخ العام في فيلا آل غنيم يعطيها المساحة لأن تكون على سجيتها .. بعيدا عن الاستهزاء والتنمر .. بتقبلهم لشخصيتها.. حتى شامل لم يشعرها أبدا بأنها غريبة الأطوار .. دوما هو الداعم المشجع .. هو الملجأ والسند .. وما فعله اليوم يجعلها تعشقه ملايين المرات أكثر .. وما يثيره فيها حاليا بيده التي تسللت تحت المنامة وبحضنه وبرائحته المميزة لها وبشفتيه المداعبتين لتفاصيلها .. كل هذا يدخلها في سحر عالم جميل .. فتتركه يقود أنوثتها بكل أمان ..

أجل إنها الكلمة السحرية التي ساعدتها على أن تكون زوجة عادية مثل الأخريات تُقبل على العلاقة الخاصة بدون نفور .. وأن تتقبل منه مالم تعتقد يوما أن تتقبله من رجل.. كل هذا بسبب الثقة والأمان.. والكثير من عشق متجدد ليس له أول من آخر .. عشق تحمله فقط لجني المصباح شامل.

أطلق شامل سراح شفتيها وسألها بلهجة شقية "هل سنبوح بالمزيد من الأسرار الليلة؟!"

××××

استقبلته مليكة بقلق حينما دلف لغرفة النوم فبذل مفرح مجهودا كبيرا للتصرف دون أن يشعرها بشيء ..وكم كان ما يجول في عقله مزعجا ومؤلما وهو يتصوره حقيقة.

سألته بلهجة قلقة" أين كنت كل هذا الوقت؟..وفيما كنت تتحدث مع أكرم وعمار؟!!"

غمغم مراوغا وهو يتجاوزها ويخلع سترته الشتوية" لا شيء ..كنت أتناقش مع عمار في بعض الأمور التي تخص العمل"

عقدت حاجبيها وسألته بارتباك" هل علم أحد؟"

خلع قميصه ثم استدار إليها يسألها" علم بماذا؟"

بلعت ريقها وقالت بلهجة باكية" بأني أنا من كنت أحرق الحقول"

اتسعت عيناه وأسرع نحوها قائلا بلهجة لينة "يا مليكة هذا الأمر انتهى ونسيه الناس منذ أن توقفت الحرائق ..كما أنني لا أحب تعبير (أُحرق الحقول) لأنك لم تكوني تحدثي سوى ضررا بسيطا يتم احتوائه بسرعة بستر من الله"

قالت مدافعة عن نفسها وهي تعيد خصل من شعرها المسدل على كتفيها إلى خلف أذنها " لكنهم لا يزالون يعتقدون بأن من أحرق الحقول هو من أحرق بيت الجد صالح"

مط شفتيه وعاد لاستكمال خلع ملابسه وهو يقول" هذا ما أترقب لمعرفته ..لكن الرجال الملثمين الذين فعلوها اختفوا تماما منذ تلك الحادثة (ثم أضاف بضيق ) اغلقي هذه السيرة يا مليكة"

لم تشعر بالراحة .. إن به شيئا مختلفا هذا المساء ..حتى أنه لم يعلق على قميص نومها .. وهو الذي أصبح شقيا ووقحا في الفترة الأخيرة ..

اقتربت منه وحضنته من الخلف ..فأعادت له بعضا من اتزانه النفسي الذي اختل بما سمعه الليلة .. وأحس بشفتيها تقبلان ظهره العاري ..فأسكنت شفتاها ألم الذكرى وأججت فيه نارا تتجدد بقربها ..ليمسك مفرح بيدها ويستدير إليها مدققا فيما ترتديه من قميص يجمع بين الرقة والإغراء .. الأناقة والأنوثة الطاغية .. ثم عادت تلك القصة المزعجة تحتل أفكاره من جديد وأشفق عليها من هذا الخبر إن كانت القصة حقيقية ..فسحبها بعاطفة قوية يحضنها قائلا بتأثر " أنا أحبك يا مليكة ..أحبك حبا مجنونا كالذي يتحدثون عنه في كتب العشق .. أحبك في كل مراحل حياتك ..وأنت مراهقة وأنت عروس وأنت أُم .. وأنت امرأة ناضحة .. أحبك كامرأة خلقت لتملك قلبي في يديها .. أحبك ويا ليتني أقدر على أن أحمل عنك كل الحزن ..وكل الهم ..حتى تكوني سعيدة .. أحبك لدرجة أنا عاجز عن وصفها .. فمهما قلت أجد الكلمات باهتة باردة ركيكة أمام ما أشعر به نحوك "

كانت ترتجف أو ربما هو من كان يرتجف .. فكلاهما انصهر في الأخر .. القلب يقبِل القلب .. والروح تعانق الروح ..أما الجسد .. فمشتاق وكأنه لا يعرف الشبع .

ابعدت وجهها تتطلع في واحتيه الخضراوين وقالت بينما هو غارق في عطرها المذيب لأعصابه" وجودك في حياتي هو أعظم نعمة مَنّها الله عليّ .. وأسأل الله ألا يحرمني منك أبدا ويقدرني على إسعادك"

أخرسها مفرح بقبلة ثم اندمجت بعدها تفاصيلهما وكأنهما قد أصبحا كائنا واحدا غير قابل للفصل .

××××

بعد يومين

يا شمس قلبي وضله

يا حكاية العمر كله

يا شمس قلبي وضله

يا فرحة عمري كله

في الوقت الذي كان شامل يساعد ونس في ربط الحزام في مقعد الطائرة استعدادا للهبوط في مطار روما وعيناها المتحمستان تشعرانه بالراحة بأن استقلالها للطائرة لأول مرة قد مر بسلام .. كانت بسمة تتطلع في كامل الذي يدندن مع الأغنية بينما سيارته الضخمة تخترق طرقات القرية غير الممهدة .. فابتسمت تقول وهي تعدل من الوشاح الذي وضعته على رأسها "تبدو سعيدا لوصولك للقرية هذه المرة"

تنهد ثم قال وهو يتطلع في المرآة الجانبية "متحمس جدا لافتتاح البيت والمبيت فيه"

شاكسته تقول" لكني سأبيت في بيت والدي ..في غرفتي وأنت عليك أن تعود أخر اليوم لأني أشفق على عمي غنيم من أن يسافر أحد أبنائه لإيطاليا والأخر للبلدة ويقرر المبيت فيها عدة أيام ويتركه وحده بالمطعم"

امتعض وجهه ورد موضحا " أولا باشمهندسة باسمة أبي قادر على إدارة المطعم وحده وديمتري يساعده .. ثانيا أنت من أصريت على أن يتم افتتاح المشروع الآن وليس بعد أن يعود شامل ومدللته من السفر"

قالت مبررة " لأن شامل وونس ليس لهما علاقة بالمشروع حتى أؤجله خاصة وأني تأخرت في افتتاحه ..كما أنني أستطيع أن أبيت في بيت أبي هذه الأيام التي سأمكث فيها لأباشر الأيام الأولى من المشروع"

قال بلهجة قاطعة " لن تبقي وحدك في هذه البلدة يا باسمة وهذا الأمر منتهي"

زفرت بضيق فرفع حاجبيه وسألها " ألا تريدينني بجوارك؟"

أسرعت بالرد " بالطبع أريدك.. كيف تقول هذا! .. أنا فقط أشعر بأني أعطلك"

اتسعت ابتسامته وهو يركز في الطريق أمامه وأجاب غامزا " لا تعطلينني في شيء ..بل أنا المتشوق للمبيت في البيت الجديد و تجربته أنا وأنت"

توردت ثم تمتمت وهي تشيح بوجهها لتنظر من نافذتها " وقح.. لا تفكر سوى في الوقاحة"

رد معترفا بابتسامة شقية " وأية وقاحة .. إن هذا البيت ارتبط بمشاعري وصراعاتي مع ذاتي من أجلك ومشاعر أخرى كانت ملحة بشدة ..خاصة حينما علمت بأنك صاحبة البيت .. كم مرة تمنيت أن أقبِّلك فيه .. كم مرة تمنيت أن يهدم ذلك السور الذي أقيم بين البيت والمشروع حتى تغلق علينا بوابة واحدة أنا وأنت .. كم مرة ضبطت نفسي وانفعالاتي وردود أفعالي وأنا أعلم بأنك على بعد أمتار حتى لا أسيء لك .. أريد أن أعيش فيه معك كزوج وزوجة ولا أعرف لماذا يسيطر عليّ تنفيذ هذا الأمر بشدة ..وإن شاء الله إن لم يكن قد حدث الحمل حتى الآن فسيحدث في هذا البيت ..أنا أتفاءل به"

شعرت بغصة في قلبها لكنها استغفرت ربها في سرها تطلب من نفسها الرضا فنعم الله عليها كثيرة بينما أحس كامل بمعاناتها وهذا ما يجعله يبتلع إحباطه في كل مرة يتأكدان فيها من عدم حدوث الحمل رغم أنهما سليمان طبيا وليس لديهما ما يعوق حدوثه .. فيحاول ألا يظهر اهتمامه بالموضوع رغم شوقه الشديد ..لذا رفع صوته يغني مع الأغنية وهو يحرك نظراته بينها وبين الطريق أمامه موجها لها كلمات الأغنية:

طالت عليا الليالي

في وحدتي وابتهالي

اناجي صورة فخيالي

لحد ما شفتك انتي

وقلت انتي الي كنتي

منورالي .. منورالي الليالي

ثم مال عليها فجأة يقول مناغشا" ما رأيك في أن تعطيني قبلة في وسط الطريق "

دفعته ضاحكة حتى اعتدل وعاد ينظر أمامه وهي تقول "كامل تعقل نحن في القرية سيرانا الناس أو سنقع في الترعة بجوارك "

قال ضاحكا وهو يشير للطريق الخالي أمامه "لم نصل لبيوت القرية بعد "

في نفس الوقت كانت سيارة بدير تتحرك نحو الاتجاه المعاكس على الجانب الأخر من الترعة وقد تعرف على السيارة الضخمة لكامل بسهولة وحين مر بجوارها شاهد الاثنان يتضاحكان وكامل يميل عليها ففارت دماؤه وحرقت الغيرة والحقد قلبه ليتمتم وهو يضرب على المقود بغيظ" لا .. لن أتحمل ترددهما سويا على القرية من جديد .. لن أتحمل هذا أبدا .."

بعد قليل وصلت لكامل رسالة على الواتساب فأسرع بالنظر في هاتفه ثم ابتسم وهو يقول" وصلا لإيطاليا .. البيك أرسل لي صورة من المطار .. (ونظر لبسمة قائلا بغيظ ) لابد أن نخطط أنا وأنت للسفر خارج البلاد مثلهما .. ( وأضاف بلهجة صبيانية ) أشعر بالغيرة والحقد عليهما "

ضحكت بسمة وهي تضرب كفا بكف في الوقت الذي ركن كامل سيارته عند بيت الوديدي .. فترجلت بسمة تعدل وشاحها وانتبهت لعيون الجارات اللاتي تتأملنها بفستانها القصير فوقه سترة شتوية وتحته بنطال من الجينز .. لكنها لم تعد تهتم بأحد .. فراقبت كامل وهو يخرج من السيارة ببنطاله الجينز وحذائه الرياضي الأبيض وتلك السترة الشتوية السوداء التي تزيد من وسامته ولاحظت عبوس وجهه فركزت في اتجاه نظراته وهو يتطلع بانزعاج واضح نحو حارة داخلية تطل من آخرها وزة .

أمسكت بسمة بكمه تقول ضاحكة " أقسم بالله بت أشعر بأن الوز في بلدتنا بات يتحضر للقائك يا كامل .. فمن غير المنطقي أن نرى كل مرة وزة في طريقك كلما حضرنا.. وكأنك تستقطب الوز "

تحرك نحو السيارة ليخرج منها أكياس الهدايا وهو يقول بعبوس "لماذا لا تذبحون كل الوز؟ .. أو تتركونني لأكسر أعناقهم جميعا"

دارت ضحكتها بيدها بعد أن قالت مستمتعة بإغاظته "حبيبي يا كيمو .. يبدو أن الوز في بلدنا يعشقك"

ناظرها من أمام باب السيارة المفتوح بامتعاض بينما خرجت فاطمة مهرولة عندما أحست بوصولهما فحضنت بسمة بقوة ثم رحبت بكامل بسعادة كبيرة" أنرتنا يا حبيبي"

غمغم بلهجة لينة رغم جدية ملامحه "البلدة منيرة بأهلها يا حاجة فاطمة "

قالت بسعادة "المحشي والبط وكل ما تشتهيه صنعته لك بيدي"

قال كامل وهو يحمل الأكياس " سلمت يداك (ثم أضاف بلهجة حانقة أضحكت بسمة ) نسيت أن أخبرك بأني أريد أن آكل (ممبار) وابنتك أخبرتني بأنها لا تتقن صنعه"

بسعادة شديدة وكأنه يقلدها وساما بطلباته " أحلى ممبار صنعته لك .. وسأطهي لك كل ما تشتهيه .. ألست باقيا معنا لعدة أيام؟"

غمغم كامل "إن شاء الله (ثم قال لبسمة ) تعلمي صنع الممبار يا ست هانم"

مصمصت بسمة شفتيها متهكمة بينما قالت فاطمة" لماذا تقفان على البوابة؟"

قال كامل وهو يعطي الأكياس لبسمة" لايزال هناك أكياسا بالسيارة ..أين وليد؟"

ردت فاطمة " وليد بالمزرعة سأتصل به ليأتي "

ونادت إحدى السيدات لتأخذ من بسمة الأكياس.. فأعطى كامل لبسمة باقي الأكياس وقال" أدخلي وسأنتظر وليد"

شاكسته بالقول الهامس" لا أريد أن أتركك مع الوزة حتى لا تخاف يا كيمو "

ابتسم لها ابتسامة صفراء وقال بلهجة مستخفة "مستوى الاستظراف لديك أصبح خطيرا على حياتك فاحترسي (ثم قرب رأسه منها هامسا بلهجة جادة ) لا تنسي أن تؤكدي لأمك على الموضوع القديم لربما لا تزال غير متأكدة "

عبست بعدم فهم فهمس" عشرة أضعاف"

زفرت بيأس فلملم ضحكة متسلية على شفتيه وهو يدير وجهه لصوت سيارة توقفت على بعد ليجد الدكتور مهاب يترجل منها بعد أن صف سيارته بالقرب من بوابة مزرعة الوديدي للمواشي المجاورة لبيت الوديدي ..

أظلم وجه كامل وقال لبسمة بلهجة آمرة "ادخلي"

تلكأت قليلا لتطمئن من أن كامل لن يقوم بأي تصرف متهور بينما توجه الأخير ليغلق باب سيارته مختلسا النظرات نحو مهاب الذي تقدم نحوه بخطوات هادئة يقول "السلام عليكم"

لم يرد كامل وتعمد التجاهل ليقول مهاب "كنت أود أن أعتذر عن سوء الفهم الذي حدث آخر مرة"

رفع كامل نظراته المتعالية لمهاب الذي تحركت عيناه بنظرة خاطفة دون إرادة منه لبسمة الواقفة على البوابة.. فلا يزال قلبه متعلقا بها .. هذه النظرة جعلت كامل يلتفت خلفه فتفاجأ بأن بسمة لا تزال واقفة فاشتعلت الغيرة في صدره وحدجها بنظرة نارية جعلتها تدخل بسرعة لكنها وقفت خلف البوابة تتمنى ألا يحتد الأمر بينهما.

استدار كامل نحو مهاب واقترب منه متحفزا يقول من بين أسنانه" ألم أحذرك من التواجد في أي مكان تتواجد فيه زوجتي!"

ازداد شعور مهاب بالإهانة وجرح الكرامة وهو الذي لا يزال يشعر بالحرج من رد فعل كامل السابق الذي جرح كبرياؤه واشعره بالخزي من نفسه وبالحرج أمام أهل القرية بأنه يتواصل مع سيدة متزوجة ..فتنازل وضغط على نفسه ليقدم اعتذارا لكامل أمام عمال المزرعة الواقفين أمام البوابة لحظتها لعله يمحو صورته المغلوطة التي أخذت عنه .. لكن تصرف الأخير بهذه الفظاظة زاد من شعوره بالإهانة فقال بغضب وكبرياء مزيف " أنا تنازلت رغم أنك تعديت عليّ المرة الماضية لكني قررت أن أعتذر عن تصرفي الغير مقصود به أي إهانة للباشمهندسة بسمة"

أمسك كامل بتلابيبه حين سمعه ينطق باسمها وقال بغضب" قلت لك لا شأن لك بها ولا أريد منك اعتذارا .."

الخوف أضيف لمشاعر مهاب بالإهانة والحقد على كامل الذي فضلته بسمة عليه .. وندم على مبادرته واعترف بحماقة الفكرة التي خطرت له حينما لمح سيارة كامل عند دخوله للشارع فقال وهو يحاول أن يتخلص من يد كامل شاعرا بالرعب من هيئته العدائية" كان هذا تحضرا مني أن أحاول توضيح سوء الفهم الذي حدث لكن للأسف ليس كل الناس تعرف التحضر"

كان كامل يخبر شياطينه تلك اللحظة بأن تتعقل لكن ذلك البارد المرتعب كالفأر أمامه ومع هذا يتواقح بالكلمات والنظرات لا يساعده على ذلك ..فسحبه إليه حتى كاد أن يرفعه من ملابسه وقال له بخفوت خطر من بين أسنانه " صدقني سأجعلك تندم كثيرا إن لم تلتزم بما قلته لك .. عيناك لا ترفعهما على زوجتي .. وإن وجدتها في طريق تتخذ طريقا آخر وإلا..."

خرج وليد مسرعا من بوابة المزرعة بعد أن أبلغه العمال بما يحدث بينما وقفت بعض الجارات الفضوليات وبسمة تجز على أسنانها بالداخل.

هتف وليد وهو يخلص الطبيب من يد كامل "ماذا حدث؟ .. أخبرني ماذا حدث يا كامل"

ترك الأخير ملابس الطبيب الذي كان يبذل قصارى جهده حتى لا يظهر عليه الرعب ليحافظ على بعض من كرامته وقال له محذرا أمام الجميع " ضع في رأسك ما قلته جيدا وإلا..."

سأله وليد عابسا" أخبرني يا كامل ماذا فعل مجددا"

رد الأخير وهو يعود لسيارته" هو يعلم جيدا ماذا فعل"

استدار وليد للأخر الذي قال موضحا وهو ينظر للمتفرجين حوله" كنت أعتذر له عن سوء الفهم السابق لكنه لا يتفاهم إلا بقبضته"

ناظره كامل بنظرة نارية فأسرع وليد بسحب الطبيب بعيدا حتى لا يتطور الأمر.. بينما دخل كامل من البوابة ليجد بسمة تناظره بغيظ ..فحدجها بنظرة نارية قائلا بتحذير "اتقي شري هذه اللحظة فشياطيني تستفزني لقتله"

تركته ودخلت غاضبة بينما خرجت إليه فاطمة لتطلب منه أن يدخل وسرعان ما انضم له وليد ليقوده للداخل وكامل لا يزال يغلي من الغضب .

××××


يتبع










Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس