عرض مشاركة واحدة
قديم 19-11-20, 09:21 AM   #12

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل العاشر..
مرٌّ حبكَ كطعم العلقمِ..
مؤلم جرحكَ كالملحِ على البلسمِ..
زمهريرَ برودكَ يشلُّ سَريان دمِي..
وها انا أعاني من جُرعةِ إغداقكَ لي بالسمِ..
ولكنك لا تُبالي بروحي المُحرَّمة للتيتمِ..
وها انت تحرقني باللهيب ولا تُداري السئامِ..
ومع ذلك تستمر يا نادر الإغتيامِ..

------------------------
تجاهلته طيلة رحلة عودتهم من العراق الى بلجيكا.. لم تعر وجوده اي اهتمام منذ مغادرتهما منزل جدها.. حتى انها لم تجلس بجانبه على متن الطائرة بل جلست بجانب شقيقها وعائلتها فيعتقدوا جميعهم انها تود مرافقة عائلتها والبقاء معهم بسبب مرضها ولأنها تود توديع اهلها بما انها ستنتقل الى منزل زوجها.. ولكن حينما قال والدها "هيّا الاء" دقت صفارة الإنذار في عقولهم لتهتف سميرة عاقدة الحاجبين:
- هل نسيت انها تزوجت والآن هي عروس وعليها الذهاب برفقة زوجها الى منزلهما؟

- لا ولكنها مريضة وستبقى لمدة يومين في منزلي وبعد ذلك ستعود الى منزلها.. حاليًا هي مريضة وبحاجة الى رعاية.
قال رحيم فتنظر سميرة الى بكرها بشك ليؤيد محمد كلام عمه:
- عمي محق.. لتبقى في منزله وستعود بعد بضعة ايام.

عادت برفقة عائلتها دون ان تنطق بحرفٍ واحدٍ.. مشاعرها تتخبط داخل صدرها.. تعرقل لها تفكيرها وتفتح لها ندوبها التي لا زالت لم تطيب بعد.. ها هي عروس بدلًا ان تعود متلهفة الى منزل زوجها تعود الى منزل والديها.. هل يُفترض ان تحزن ام تفرح لأنها تخلصت من الرجل الذي أذاها كثيرًا لدرجة انها أصبحت ترى الدنيا مظلمة بائسة.. لا شيء بها يغري للبقاء على هذه الأرض القاسية؟...

جلست على سريرها تتطلع اليه بحسرة.. لقد ودعته قبل ان تسافر الى العراق.. ودعت ايامها به وجلست تتطلع على كل زاوية في هذه الغرفة التي شكت لها الكثير من احزانها..
هي تتألم.. تود النحيب والصراخ.. ليس هذا ما تمنته لنفسها.. هي ايضًا أنثى يحق لها ان تفرح وتقفز من السعادة والرومانسية التي يغدقها بها زوجها.. يحق لها ان تكون كغيرها.. يحق لها ان تعيش اجمل ايامها كعروس ولكن محمد قضى عليها في اجمل ليلة في حياتها.. حطمها.. دمرها.. نفسيًا وجسديًا..

رفعت عينيها لتتطلع الى سقف الغرفة وهمست بسخرية مريرة:
- ها قد عدت اليك.. توقعت انني لن اعود ولكنني الان اعود.. يا للسخرية!
ثم تطلعت الى حقائب سفرها التي من المفترض ان تكون في منزلها الجديد الان وأطلقت تنهيدة متحشرجة من شدة الألم وأردفت:
- لعنك الله يا محمد.. انظر الى اين وصلنا بسببك.. من المفترض ان اكون عروسًا الآن واعيش شهر عسلي وفي النهاية ها انا اجلس في منزل والدي وكأنني سافرت سياحة وعدت ولكن الإختلاف انني عدت محطمة جسديًا ونفسيًا.. من سيبني ما حطمته انت؟ لقد كسرتني يا محمد!

مسحت سريعًا دمعة سالت على وجنتها لاسعة حارقة.. لا يجب ان تبكي.. ستنهار اكثر هكذا..
عائلتهما مستغربة وتتساءل عن سبب عودتها الى منزل والدها بدلًا من الذهاب الى منزل زوجها.. الجميع يود معرفة السبب.. ولكن والدها طرد شقيقيها الكبيرين ومنعهما من التدخل.. ووالدتها حاولت ان تعرف منها ما حدث الا انها رفضت اخبارها وقالت لها ان تسأل والدها.. وبالتأكيد غضبت لتغادر الغرفة لأن من الصعب ان تعرف ما حدث من والدها.. ولكن على ما يبدو ان والدتها لم تستسلم فبعد اقل من نصف ساعة كانت تدخل غرفتها وتقول بهدوء:
- يا ابنتي الحبيبة ممنوع ان تتركي منزل زوجك مهما حدث بينكما من مشاكل.. انا ووالدك ايضًا نتشاجر كثيرًا ولكن في حياتي كلها لم اترك منزلي.. وايضًا في ايام زواجكما الاولى! انتِ عروس! ماذا ستقول الناس عنك؟

هتفت الاء بعصبية:
- لا تهمني الناس.. ليتكلموا كما يريدون.. نحن في بلجيكا وليس في العراق.. لن يعلم احد ولا يوجد احد هنا يخصه هذا الأمر.. وعلى ما يبدو انك لم تفهمي جيدًا ما الذي حدث.. ولكن يجب ان تعرفي انني لن اعود الى ابن شقيقتك.. واذا لم يطلقني اليوم سيفعل غدًا لذلك لا تذكري اسمه امامي.. هل تفهمين؟

- هل تستوعبين الكلام الذي تقولينه انت ام لا؟ لم يمر على زفافك يومين وتقولين طلاق!!!
هدرت والدتها بحدة لتهتف الاء بإحتدام:
- هل انت تعلمين ماذا فعل ام انك تتحدثين عبثًا فقط لأجل شقيقتك؟

اغلقت الباب بعصبية ثم نزعت ثيابها وزمجرت كلبؤة مجروحة تم نهشها بضراوة ورغمًا عنها وهي تشير الى جسدها:
- انظري الى جسدي.. انظري ماذا فعل بي ابن شقيقتك الذي تريدين مني العودة اليه؟! لو رأيته يموت امامي لن أعود اليه.. كلام الناس لا يهمني.. سيتحدثون ليومين وبعد ذلك سيصمتون.
صاحت بحرقة ودموعها تنهمر على وجهها حتى انهارت تمامًا:
- افهمي انني لاريده.. انا اخاف منه! لن اعود اليه.. لن افعل! هل تعلمين بأجمل يوم لدى كل فتاة ماذا فعل! محمد صار كابوسي.. اخاف ان اغلق عيني فيعود ليقترب مني.. لم يتفهم كوني عذراء.. ابن شقيقتك دمرني.. قتلني.. دعيني الملم جزء بسيط من نفسي ولتفهمي ارجوكِ انني اكرهه.

أوجعها قلبها على حال ابنتها فضمتها جميلة سريعًا الى صدرها وغمغمت:
- دائمًا تحدث مشاكل وخاصةً بداية الزواج.. من المعروف ان السنة الاولى تكون مليئة بالمشاكل.. انا لا اعلم ماذا حدث تمامًا ولكن عماتك والناس واهل العراق ماذا سيقولون.. الكلام كله سيكون عليك انت لا عليه.. هو رجل ولن يتكلم عنه احد ولن يهمهم امره.

ابتعدت عنها آلاء وقالت بجمود:
- دعيني لوحدي.. اريد ان انام.. انتِ لا تشعرين بي فأخرجي من الغرفة.

- حسنًا كل ما تريدينه سيحدث ولكن اهدأي فقط.
همست جميلة محاولة تهدئتها فهتفت آلاء:
- انا هادئة.. فقط أخرجي.

غادرت والدتها الغرفة راضخة لتستلقي على سريرها وتشكو له زوبعة اوجاعها.. مقهورة حتى اليأس.. خائفة بجنون ان يجبروها على العودة اليه.. لا تريد العودة اليه.. لماذا لا يفهمون وجعها وخوفها.. اليس هي ابنتهم حتى يشعرون بمعاناتها؟ دموعها لم تتوقف وصدرها يحرقها من شدة الكرب..
"يا الله! كن معي"
تضرعت لله بيأس.. وشجن.. ستموت لو عادت اليه وحاول الإقتراب منها مرة اخرى بنفس الوحشية الماضية.. ترعبها تلك اللحظات التي تم حفرها بكل قسوة في عقلها.. ما فعله محمد بها سيبقى ندبة خالدة الى الأبد في قلبها وعقلها..

*****************
ها هو يرسل والدته لتقنعها بالعودة اليه.. يا للسخرية تارةً يخبرها ان تبقى عدة ايام في منزل عائلتها وتارةً اخرى يبعث والدته لتعيدها اليه.. خالتها سميرة حذقة ماكرة تجيد الإقناع.. مجرد ان تتحدث الى والدتها او والدها سيقتنعان بكلامها.. كلهم يريدون منها ان تعود اليه بحجة كلام الناس والعائلة.. خالتها حاولت ان تقنعها الا انها لم تستطيع ولكن كلامها بكونها قد تكون حاملًا بث الذعر اللئيم في قلبها.. وتحذيرها لها بأن صحة والدها قد تتدهور بسببها تؤلمها وتخيفها..

لا تعلم ماذا يجب ان تفعل.. جل ما يهمهم هو كلام الناس.. وماذا عنها هي؟ تحاول ان تتقصى عن قرار يفيد كل الأطراف بين زوبعة افكارها ولكن مهما بحثت وحاولت تجد نفسها مقتنعة تمامًا بالطلاق.. اجل تعلم ان الكبار خائفون عليها من كلام الناس التي لا ترحم حتى الطفل.. فهي ستنهار بلا شك فأقاويل الناس تفتت الصخر من شدة قساوتها.. ولكن اذا فعلت كما قالوا لها لن يتحدث احد عنها..

خالتها ووالدتها قالتا ان تبقى مع محمد لمدة شهر وبعد ذلك بإمكانها الطلاق ولن يشك احد بإمرهما.. وهذه الفكرة نوعًا ما تغلغلت الى عقلها وتقبلتها.. ولكن كيانها لا زال يجهر بالرفض.. ما يخيفها صدقًا هو صحة والدها المريض.. تخشى ان يتأذى بسببها.. احتارت.. هل تعود اليه كما يقولون ام لا؟

في المساء..
جلست بغرفتها وقلبها يخفق كالطبول بإنتظار ندائهم.. لقد اتى برفقة والديه كما وعدتها خالتها سميرة.. يتحدثون بينهم وهي تنتظر القرار كالمتهم الذي ينتظر حكم اعدامه او الافراج عنه..
ولم يتأخر انتظارها فبعد عدة دقائق نادت والدتها عليها حتى تعد لهم الشاي.. بصعوبة شديدة اعدت الشاي حتى انها قامت بإعادته اكثر من مرة بسبب وضعها البهارات او الملح بدلًا من السكر..

وضعت الصينية التي تحوي إبريق الشاي والأكواب على الطاولة بيدين مرتجفتين لم تتمكن من السيطرة عليهما امام عينيه المترسختين على أدق تفاصيلها.. سيعيدها اليه اليوم.. مهما رفضته الا انها يجب ان تعود اليه.. لمصلحتها قبل ان يكون لمصلحته.. لا... لماذا الكذب؟ هو يريدها ان تعود اليه بكل انانية.. بعدها يشقيه ويفقده صوابه..

والداه لم يتوقفا عن لومه وتأنيبه عن فعلته الشنيعة وموقفمها امام والديها.. ويعلم انهما محقان..
تحمل كل كلامهما في سبيل ان يساعداه في إعادتها الى أرضه في منزله.. لتكون في مملكته.. كل شيء يهون مقابل ان تكون امام عينيه.. يعلم انه من قال لها ان تبقى في منزل والديها ولكن حينما فعلًا ابتعدت عنه خاف.. هو محمد الذي لا يخاف شيئًا غير الله شعر بالخوف من بعدها! مجرد ان تخيل انه سيقضي الليل دونها انقبض فؤاده.. خشي ان تمتد الايام اكثر واكثر في منزل والدها ثم تصر على طلاقها منه.. هو فعل المستحيل لتكون له وفي النهاية بإثم واحد تتسرب من بين يديه كالتراب! ذلك لم يكن ابدًا ضمن تخطيطاته.. لم يكن هذا مبتغاه..

لم تتنازل حدقتاه وتبتعد عنها.. تسلطت عليها بتملك سافر وهي تجلس على احدى الأرائك بعيدًا عنه قدر الإمكان.. آه رغبتها بالإبتعاد عنه تقتله.. هو يتوق حتى يلمح طيفها.. وهي... قلبها ينكره.. يرفضه.. يكرهه.. اين هو من هذا العشق الذي يكنه لها.. هذه الشرنقة التي تحيط نفسها بها تخنقه.. هو يهفو اليها كالمغناطيس وهي تنفر منه بقسوة.. روحه تتوسلها ان ترفع عينيها الجميلتين لتنظر الى هالته المعذبة بفراقها حتى ولو لعدة ساعات.. ولكنها قاسية اكثر مما توقع وهي تغلغل نفسها في عالم لا يخصه..

يقرأ خوفها وإرتباكها بسهولة.. هي رسمة معقدة يُصعب تحديد الوانها.. ولكن لو إستخدم الفرشاة بمهارة وذكاء لا بد انه بنفسه سيحدد ماهية هذه الألوان ولا بد انه سيفعل وان طال الزمان.. لم يكن ابدًا في يوم من الأيام اليأس حليفه ولن يفعل ابدًا مع معشوقة القلب..
على الرغم من كونه تألم للألم الذي تصرخ به ملامحها بعد كلام والده الا انه يوافقه في كل حرفٍ قاله..

قال سليم برزانة:
- نحن نعلم يا ابنتي ان ابننا اخطأ وخطأه كبير جدًا ولكن دائما تحدث مشاكل ولا بد ان نتغاضى عنها لنستمر ففي النهاية لكل شيء حل.. على الرغم من كوننا وافقنا ان تعودي برفقة اهلك الا اننا لسنا مقتنعين.. لا يُعقل ان تعود العروس الى منزل والديها منذ اليوم الأول وتهجر منزلها! ماذا سنقول للناس التي ستأتي لتبارك لكما؟ انك في منزل اهلك! ماذا ستفعلين في منزل اهلك!
هذه المرة نحن سنكفل ابننا.. محمد لن يؤذيك بعد الآن ابدًا.. قولي يا ابنتي شروطك لنسمعك وتعودين اليه والذي تأمرين به سيحصل ولكن قبل ان ترهقي نفسك بقول الطلاق سأقول لك بكل صراحة ان الطلاق لن يتم.. مستحيل! لأنك اكثر من سيتأذى.

القت نظرة رجاء على والدها ووالدتها تحاول استخراج رفضًا بسيطًا ولكن لا.. خابت كل امالها وانفطرت روحها وهي ترى كل أمالها تنهار.. كان لديها املًا ان والديها لن يأبهوا بكلام الناس وسيكون اهم شيء بالنسبة لهما ابنتهما ولكن... مليون كلمة تعبر عن "ولكن".. تنطق بالشرخ الذي كسر لها ظهرها.. العصاة التي كانت تشد حيلها بها لتستمد قوتها منها سقطت ارضًا فلم يبق لها غير نفسها لتعتمد عليها..
اخذت نفسًا لم يتمكن من الوصول الى حنجرتها ليعلق في قصبتها الهوائية ويخنقها من شدة الألم.. هي وحيدة.. الجميع تخلى عنها ويريدونها ان تعود اليه بعد كل ما حدث.. ينتظرون جوابها جميعهم وهي الله وحده يعلم بالوجع الذي يسري في عظامها.. كسروها جميعهم..

- اريده ان يقسم بالله أمامكم انه لن يؤذيني ابدًا ولن يضربني ويتعهد بإحترامي.. واذا لم استطيع الإستمرار معه يطلقني دون اي مشاكل.
غمغمت دون ان تنظر اليه.. تكرهه يا الله.. كيف ستتحمل العودة اليه؟
سمعت جوابه وودت لو تنهض وتحطم المنزل على رؤوسهم كلهم..
تساءل محمد بإستنكار:
- متى رفعت يدي عليك وضربتك؟!
ثم استأنف:
- على اي حال اعدك امامهم جميعهم انني لن اضربك او ازعجك بأي شيء.. ولكن مسألة الطلاق وان لا نتفاهم انسيها نهائيًا واحذفيها من رأسك لأنني محال ان أطلقك.. وبإذن الله سنتفاهم.. هل لديك طلبات أخرى؟

هزت رأسها نفيًا ثم امتثلت لكلامهم ونهضت لتوضب حقيبتها حتى تعود اليه.. هكذا بكل سهولة؟!
ولجت الى غرفتها وكماشة قاسية تكتم لها انفاسها.. تود الإجهاش بالبكاء.. تود الصراخ والعويل.. مؤلم الشعور بالخذلان.. خذلها اقرب الناس اليها.. لماذا؟ لماذا يا الله؟
رغمًا عنها انهمرت دموعها وفظاعة وجعها من الجميع تطعن قلبها.. يا ليته لم يبعدها عن كريم.. يا ليته لم يحبها.. على الأقل حالها كان سيكون مختلفًا..

"منذ هذه الساعة وعد بيني وبين نفسي انني لن اجعل اي احد يتدخل بمشاكلي ولن ابالي بأحد غير نفسي.. انا وفقط"
قطعت هذا العهد على نفسها ثم جففت دموعها وخرجت دون ان تلقي السلام على والديها.. كلمة واحدة لم تقل وهي تغادر المنزل الذي قضت به سنوات طويلة من حياتها.. تجاهلت سلام والديها بكل قسوة لعلهما يشعران بمقدار قساوة تصرفاتهما بحقها..

همس محمد مخفيًا تأثره بالحزن الذي يسيل من ملامحها كمياة عذبة شفافة:
- اخبرتهم ان تبقي ليومين في منزل اهلك حتى ترتاحي ولكنهم اعترضوا وقالوا انك يجب ان تنامي اليوم في منزلك.

حدجته بنظرة ساخرة تقول انها لا تصدقه فصمت الى لحظة دخولهما المنزل.. سارت ورائه واحساس غريب يسيطر عليها وهي تدخل بيتها.. من المفترض ان تدخل بسعادة الى منزلها مثل بقية الفتيات ولكن بماذا هي تشبه بقية الفتيات؟ بخطوبتها ام زواجها ام حياتها ام اهلها الذين تخلوا عنها في اشد مصائبها.. بماذا؟
إبتسمت بتهكم على وضعها بعد ان خرج من المنزل متعمدًا حتى يمنحها بعض الخصوصية.. يفكر بها صدقًا كثيرًا.. يا للإستهزاء!
اوصدت باب غرفتها عليها بعد ان وضعت اله وسادة ودثارًا خارج الغرفة ثم رتبت اغراضها ونامت وكأنه ليس موجودًا..

*****************
عادت الى المنزل كارهة.. وكأنها تعود الى مقبرتها بقدميها.. تعمدت ان تعود متأخرة الى المنزل وتتجول براحتها بعد المدرسة دون اي اهمية لوجوده وبالفعل عادت الى المنزل في وقت متأخر بعض الشيء لأنه يعلم انها ذهبت الى المدرسة فقط لا غير..
تمنت ان لا يكون في المنزل فليست لديها اي رغبة لرؤية وجهه..
في الصباح اضطرت ان ترى وجهه بحجة انه يريد ثيابه لكي يذهب الى عمله ففتحت له باب الغرفة وعادت الى النوم وبعد ان غادر بعدة ساعات استيقظت وذهبت الى المدرسة بعد ذلك..

عقدت حاجبيها بضيق حينما وجدته في المنزل يجلس ويضع بعض الملفات امامه ويعمل.. لم تلقي تحية السلام وهي تسير تجاه الغرفة فيردعها صوته الهادئ:
- اين كنتِ؟
لم تعطيه اي جواب وتابعت سيرها ليهتف بحدة:
- آلاء.. سألتك سؤالًا فأجيبي عليه.

- في المدرسة.. اين قد اكون غير ذلك؟
اجابت بضيق ليقول:
- وبعد ذلك؟
- بعد ذلك ماذا؟

- مررت الى مدرستك في الساعة الرابعة عصرًا ولم اجدك.. اين ذهبتِ بعد المدرسة؟
تساءل بنفس الهدوء الخطير فقلبت عينيها بضجر وغمغمت:
- ذهبت برفقة صديقتي لتناول وجبة الغداء.

- وانا ماذا دوري هنا؟ طرطور ام ماذا؟ ام انك لا زلت لم تستوعبي بعد انك الآن متزوجة ولديك بيتًا مسؤولة عنه وان وضعك قد تغير.
هتف بصرامة ثم خفت حدة ملامحه وهو يرى الضيق يرتسم على ملامحها واستطرد:
- حسنًا.. الآن انا جائع يا زوجتي واريد ان اكل.. فماذا افعل؟

- لا اعلم.. بالنسبة الي انا اكلت وانت بإمكانك ان تطلب وتأكل.. ذلك يعود اليك.
القت كلماتها وسارت مبتعدة ليزمجر محمد بعصبية:
- ولماذا لم تطهي لي شيئًا؟

- اعتقد انني كنت في المدرسة والمنزل فارغ ولا يوجد به اي شيء.
دمدمت بتهكم فقال بغيظ:
- ولماذا لم تقولي لي؟

- لقد نسيت.
- اكتبي لي كل شيء تحتاجينه على ورقة واعطيها لي حتى احضر الاغراض غدًا.
هتفت بموافقتها على مضض ثم اغلقت الغرفة وتأكدت ان الباب موصد وجلست لتقضي ليلتها كليلة امس.. واستمر الحال بهما تراه في اليوم التالي وتعود بعد ان يعود من عمله الى المنزل لتجده غاضبًا وكأنه لا يعلم انها تعود مجبرة لأن ليس لديها مكانًا آخر تقطن به في الوقت الحالي حتى ينتهي هذا الشهر ومن ثم ستتطلق وترى ما هي حجة العائلة..
اغمضت عينيها تمد نفسها بالصبر وهو يوقفها مجددًا ليتساءل عن الطعام وترد عليه بنفس الجواب ليهتف بعصبية شديدة:
- هل انا متزوج لأطلب الطعام من الخارج.. اين الورقة التي طلبت منك ان تكتبي عليها نواقص المنزل؟ لا يعقل ان يبقى المنزل فارغ..

قالت بهدوء:
- ولكن انا لا اعرف.

حرّك يده على وجهه بعصبية شديدة وهدر:
- ما الذي لا تعرفينه بحق الله؟

تطلعت اليه ببراءة تواري مكرها واجابت:
- لا اعرف ما الذي يحتاجه البيت من اغراض.. هذه الأمور ليست من شأني!

قضم شفته السفلى بعنف شديد محاولًا ان يتمالك اعصابه حتى لا ينهض ويلقنها درسًا من دروسه.. تستفزه كثيرًا هذه القزمة وتنتقم منه ببرود شديد بينما هو يشتعل.. ويحترق... ببراءتها الكاذبة التي تأسره.. وهو بالكاد يتمالك نفسه كي لا ينهض ويغدقها بالقبلات لساعات طويلة ستنتهي بجرائم كثيرة.. هل هناك فتاة في السادسة والعشرين من عمرها ولا تعلم ما يحتاجه المنزل من اغراض! منذ يومين أتناول الطعام من الخارج وفي المنزل لا يوجد غير المياه في الثلاجة! هل هذا يُعقل؟!

- الصبر يا الله!
هتف بصوت عال ثم تابع محاولًا الهدوء قدر الإمكان:
- لماذا لم تقولي انك لا تعرفين؟ أيعقل انك لا تعلمي ماهي نواقص المنزل! اين الصعوبة بذلك بحق الله؟

- لا اعلم.. ربما انت تعلم اكثر مني بهذه الأشياء ... في منزل ابي لم اكن مسؤولة عن هذه الأمور.. كنت اساعد والدتي قليلًا في الطهي او اقوم بفعل الاشياء البسيطة ولكن ان ارى نواقص المنزل بالتأكيد لا! ماذا تظنني؟
تمتمت لتغيظه اكثر فأغمض عينيه ورغبة قوية تسيطر عليه ان يقوم بخنقها بيديه الإثنتين.. ومن بين اسنان تصطك ببعضها البعض من شدة الغيظ والغضب هدر:
- اغربي عن نظري حالًا!

كتمت إبتسامتها بصعوبة وهي تتوعده بالكثير.. لا زال لم يرى شيئًا بعد.. ستنتقم منه لا بد ريثما يتم الطلاق.. توقفت بجانب الغرفة ثم قالت:
- اطلب لي طعامًا انا ايضًا اذا اردت ان تطلب لك من الخارج لأنني لا زلت لم اكل بعد.

بعد ما يقارب الساعة جلست تأكل امامه دون ان تأبه بنظراته العصبية.. بدى لها واضحًا انه بصعوبة يحاول التحكم بنفسه ومع ذلك استمرت ببرودها.. ورغبت ان تفاقم من جنونه وهي تأمره بأخذ اغراضه من الغرفة قبل ان توصد الباب عليها لأنها ليست مضطرة ان تنهض مبكرًا بسببه..

*******************
لم يتغير بينهما الروتين على الرغم من مرور عدة ايام.. لا زالت تصر على العودة متأخرًا لتغضبه قدر الإمكان وتتعمد ان تهمل البيت اولًا لكي تثير جنونه.. وثانيًا كي يعلم انها لن تبقى دائمًا في منزله وستتخلص منه قريبًا لا سيما..
تتجاهل وجوده كثيرًا وكأنها تنفيه من حياتها.. وهو صدقًا تمالكه لعصبيته بدأت تنفلت من عقالها.. الى متى ستستمر بتجاهل وجوده في حياتها؟! ولكن اليوم لا بد انه سيجد حلًا.. لن يصمت طويلًا.. خاصةً ان بعد قليل سيأتون لزيارتهما اثنين من اصدقائه برفقة زوجاتهما..

جلس وسطهم والقيظ يتقد في عروقه بعد قولها انها لا تود الحمل الا بعد اربعة سنوات حينما تطرقت الى هذا الموضوع بحديثها مع المرأتين.. تقرر دون ان تسمع حتى رأيه او تفكر بوجوده بينهم.. كانت حربًا حقيقية تدور في ثناياه ما بين الصراخ عليها وهزها بعنف حتى تعود الى رشدها وتكف عما تفعله وما بين تركها تنتقم وتستمر بإنتقامها البارد بتجاهل وجوده واثارة غضبه.. لو ان الأمر فقط ينتهي بضربها له كان سيرتاح ولكن لا.. هو منذ بداية الطريق يكاد يستسلم.. التجاهل مؤلم.. والإنكار يفتت الصخر المًا..

حاول اتخاذ ما يحدث بروح رياضية وطمر كل انفعالاته الى ان يغادروا فقال بإبتسامة مرحة مزيفة حالما تساءلوا عن رأيه:
- لا انا سأمنحها سنتين فقط وبعد ذلك ستحمل بإذن الله.

لم تعلق على كلامه وصبّت تركيزها في ذراعه التي تضمها اليه.. قربه يوترها.. يثير تخفرها.. ببطء غير ملحوظ ابعدت يده عنها وتابعت بالأحاديث مع النساء قبل ان تشعر بالملل وتركز بالحديث مع الرجال.. لم تتوانى عن طرح رأيها بحديثهم عن قضية اللاجئين الذين يغيرون أقوالهم بالمقابلات والمشاكل التي تتسبب لهم خاصةً بوجود الأطفال..

- محمد زوجتك يجب ان تتعلم القانون.. دعها تعمل معنا فتفكيرها جميل وخطير ايضًا.
علّق احد اصدقائه فإبتسمت دون ان تنتبه الى الغضب الذي يستعر في اعماق زوجها:
- لا انا لا احب القانون.. هذا التخصص لمحمد وليس لي.

- دعوها بعيدة عن هذا المجال.. دون ان تتعلم محاماة لديها عقل جميل جدا ما شاء الله!
هتف بتهكم لتتعالى ضحكاتهم قبل ان يستأذنوا ويغادروا.. رافقهم محمد حتى الباب ثم عاد الى الصالة ليجدها تلملم الفوضى التي احدثوها وقال بحدة:
- ما الذي فعلتيه قبل قليل؟

- ماذا فعلت؟
تساءلت بحيرة وتعجب ليهدر بإكفهرار:
- كيف تتجرأين وتتحدثين معهم بهذه الراحة؟ انا سمحت لك بالجلوس مع صديقاي فقط لان زوجاتهما معهما وليس لأن يعجبني ان تجلس زوجتي مع اصدقائي وتتناقش وتتحدث بحرية كما تشاء.. هل رأيت احدهما تفوهت بحرف واحد غيرك انت؟ هل تدخلت احدهما؟

- حديثهما ممل.. ومواضيعهما فقط تدور حول الطبخ والتنظيف.. لا شيء آخر.
قالت بعدم إعجاب ليتذكر كلامها سريعًا عن الحمل فهتف بغيظ:
- وماذا عن كلامك حول الحمل بعد اربعة سنوات؟ من اين خرجتِ لي بهذا الموضوع؟

انكمشت حدقتاها بإستخفاف.. من يعتقد نفسه؟ أيظن انها ستستمر بعلاقتها معه بعد كل الذي فعله؟
- عذرًا! وكأنني اراك واثق من نفسك اكثر مما يجب.

- آلاء انا صامت حتى هذه اللحظة فقط لأنني اريدك ان تأخذي حقك ولكن للصبر حدود.
قال بجدية تامة فعقدت حاجبيها بإستنكار لتغييره الموضوع بكل سهولة.. لم تفضل الرد عليه فتركته وشأنه وتوجهت الى المطبخ لتقوم بترتيبه..
بعد ان انهت عملها دلفت الى الغرفة لتتسع عيناها بإجفال وهي تراه جالسًا على السرير يعمل..
هدرت الاء بخوف طمسته بنبرة المرتفعة:
- ماذا تفعل هنا؟ أخرج!

- لا.. لقد مللت من النوم في الصالة.. انا لم اتزوج كي اقضي الليالي نائمًا في الصالة!
قال ببرود فتمتمت بعصبية:
- نم في اامكان الذي يعجبك ولكن ليس في الغرفة.

- لا.. سأنام في الغرفة فقط.
قال وهو يرى الخوف في عينيها.. ولكن ما يحدث بينهما ليس منطقيًا.. اذا لم يضغط عليها اكثر وكما يجب لن تعود المياه الى مجاريها ابدًا..
- اذًا سأدع هذه الغرفة كلها لك وأنا سأنام في الصالة.

قال محمد بإصرار:
- وانتِ ايضًا لن تنامي في الصالة.. ستنامين هنا.. سكتُّ لك اكثر مما يجب على هذا الوضع واطمئني انا لن اقترب منك الا اذا انتِ طلبت ولكن...
استرسل بمكر مقصود ليحثها على البقاء قربه وزرع التحدي في روحها..
- ولكن اذا لم تكوني واثقة من نفسك لنبقى معًا في نفس المكان فذلك شيء آخر تمامًا.

وكما يبدو انه نجح في إثارة حنقها بكل سهولة لترضخ بروح عنيدة ومقاومة لكلامه وتسمح له بالبقاء في الغرفة..
حاول محمد استغلال وجودهما معًا فغمغم عسى ان تحن قليلًا وترأف بعذابه:
- الاء لقد مرّ ما يقارب الاسبوع وانت لا تمنحيني المجال للحديث اليك والجلوس معك.. امنحيني فرصة واحدة فقط لنتجاوز ما حدث.. الا أستحق فرصة يا الاء؟ دعيني أجرب وانت ايضًا جربي.. على الأقل دعيني انام في المكان التي تنامين به.

- تناول اغراضك وانزل لتنام على الأرض يا محمد.. فلدي دوام غدًا.
قالت بخشونة ونبرة امرة فبإنصياع نفذ طلبها وهو يتبرطم.. متى فقط سيشعر بقربها.. متى سينتهى هذا الجنون وتعود الى صدره لتتوسده بنعومتها ورقتها.. اشتاقها.. اشتاقها كثيرًا.. والشوق قاتل..
طيلة الليل وهو يتقلب يمينًا ويسارًا على رخام الأرض الباردة.. انفاسهما مشتركة على الأقل ولكن هذه الانفاس الناعمة تثير جنونه.. ولا تساعده البتة بالسيطرة على قلبه الذي يرغبها منذ سنوات طويلة ويتمنى وصلها..

شعرت آلاء به وبمكر نهضت عن الفراش لتنزع الروب التي كانت ترتديه وبخطوات بطيئة مثيرة سارت بالشورت القصير جدًا تجاه المطبخ بحجة انها جائعة!..
عيناه لم تتمهلا اطلاقًا بتأمل هذه الحورية الساحرة.. تتمشى بغنج امامه حافية القدمين.. والشورت القصير التي ترتديه يظهر له الكثير بسخاء مفرط.. هل تود إثارة جنونه اكثر مما هو مجنون ام ماذا تفعل هذه القزمة المغرية؟
صورتها أخذت تتكرر في عينيه لتؤرق له مضجعه وتزيد من عذابه..
بسرعةٍ تبعها ليضع الروب الذي نزعته على كتفيها ويهمس بخشونة محببة:
- الأرض باردة.. ضعي هذا الروب عليك حتى لا تمرضي!

----------------------
يتبع..
اعتذر جدًا عن التأخير..
سأعلن لكم عن موعد الفصل الحادي عشر بعد ان اعود باذن الله سالمة من السفر غدًا..

رأيكم بالفصل وتوقعاتكم؟

قراءة ممتعة..
مع حبي:
أسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس