عرض مشاركة واحدة
قديم 19-11-20, 10:02 PM   #322

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

كانت السيدة رحيمة قد اعتكفت بغرفتها بعد رحيل عزة ومن خلفها زاد وصبر، لم يخرجها من عزلتها سوى نبرة صوت معتصم الذي دعاها بها لتصعد إلى زوجته، اضطربت خطاها في صعودها والممر الموحش قبض قلبها، وصلت إلى باب الجناح وأدارت المقبض ببطء، شعرت بهول ما هي مقبلة عليه فالأم دومًا تشعر دون مبررات، غير أن الحال يدعو للتوجس، بحثت عيناها عن معتصم في مقدمة الجناح وحين لم تجده تقدمت بحذر، هواجس لعينة اقتاتت على مشاعر أمومتها، سمعت نحيب بيسان فتسارعت خطاها تزامنًا مع سيل الدقات الذي انهمر بدوره، ابتهلت لئلا يكون قد صابها مكروه وحين وصلتها أظلمت رؤية رحيمة، ومضات النور لاحقت الظلام أمام عينيها ومرت دقيقة كاملة من الصدمة عجزت فيها عن الإتيان بأي رد فعل،احتاجتها كي تستعب ما تراه، وكأن تفاصيل واقعة احتراق عزة تتكرر بمفردات جديدة، ركضت صوب بيسان المتكومة تحت شرشف أبيض تكتم نشيجها، اقتربت منها تمد يديها المرتجفتين تزيح الغطاء عن رأسها، اعتدلت بيسان تجلس، وتحتضن نفسها، لاحظت السيدة رحيمة أن الدثار يخفي عُري الفتاة، كانت خصلاتها الشقراء ملتصقة بجبهتها وجوانب وجهها حتى رقبتها، غارقة في العرق وكأن شمسًا حارقة قد سطعت فوق رأسها، وعيناها آاه منهما وما تصرخان به من بين احمرارهما والعبرات، خافت رحيمة أن تمد أناملها إليها فتتأكد من حقيقة ما تراه، تطلعت إليها بيسان فتمزق نياط قلبها واشتعد شعورها بالألم حين سمعتها تهمس بقهر لم تفلح في السيطرة عليه:
ـ ابنك طلقني يا رحيمة..
من بين الصواعق التي سقطت على رأس رحيمة كانت تلك الأشد وطأة، والهيئة لا تحتاج تأويلًا ما تراه عيناها تفعيل كامل للزواج وبضع قطرات عذرية تلطخ بقعة من الفراش، بداخلها صراخ وبكاء عويل و...صمت
صمتت رحيمة و ابتعدت باستسلام تجلس على الأرض، أسندت كفيها إلى فخذيها وشخص بصرها أمامها، كان قلبها يعتل رويدًا، تغمض عينيها بقوة وتفتحهما على خيالات سوداء وبيضاء، الأرض تميد بها وتأبى أن تصدق، الكون انكمش حولها وكل شيء قد تم اختزاله فصار العمر لحظة والحياة نبضة وكل الوجع قد تلخص في غصة، رباه قد ربيت رجلًا، ملِكًا أخلاقه النُبل لا ينتهج الخسة، دمدمت ذاهلة:
ـ ابني أنا فعل ذلك، معتصم!
عمَّ صمت طويل جدًا، أفرغت بيسان كل ما جادت به مآقيها والسيدة رحيمة أعطت الصدمة حقها وزادت بعد حين التفتت صوب بيسان المنكمشة على نفسها، ناظرتها بشرود حتى تبللت أهدابها وأُغشيت رؤيتها، نهضت متكئة على كفيها، قاومت الترنح والتقطت أنفاسها، لن تنهار أكثر وبيسان بحاجتها، جلست على طرف الفراش مواجهة لها، ومدت كفها ربت على رأسها، قابلتها الأخرى بنظراتها المذبوحة، تورم أجفانها تضاعف وازدادت وهنًا، همست رحيمة بضعف:
ـ انهضي كي أساعدك يا بيسان..
أشاحت بيسان بوجهها بعيدًا قبل أن تسند جانب وجهها لركبتيها المضمومتين لصدرها بفعل وثاق ذراعيها حولهما، كانت في عالم آخر تُولي السيدة رحيم مؤخرة رأسها، تحجب نفسها عنها وتعيش دمارها بمفردها، مدت رحيمة رأسها تربت على كتفها تحثها على الامتثال لطلبها:
ـ هيا يا ابنتي أرجوكِ..
تناءت بيسان بنفسها بعيدًا رافضة أن تتحرك قيد أنملة فتقدمت منها رحيمة تمسد خصلاتها بحنو وتغمغم:
ـ اطعيني الآن فقط وبعد ذلك افعلي ما يحلو لكِ..
أطاعتها بالفعل وزحفت إلى حافة الفراش وهبطت، لم تحملها أقدامها فجلست مرغمة، دفنت وجهها بين راحتي يديها ومرغته ببطء، كل خلية بجسدها تصرخ ألمًا وحزنًا، تمالكت نفسها ونهضت مجددًا تحاول دعم نفسها، سارت برفقتها إلى الحمام ورفضت نزع شرشفها، جلست على حافة المغطس وساعدتها رحيمة في غسل خصلاتها، انساب الماء الدافئ وبلل ما تلفه حول جسدها، استحت منها فغمغمت برجاء:
ـ كفى عمتي سأساعد نفسي بنفسي..
أومأت الأخرى متفهمة وغادرت تحضر لها ملابسًا، تركتها خلفها وتذكرت ما حدث في اليوم السابق وبعد رحيل عزة، غفت بيسان في غرفة جدها وفي المساء استيقظت وأتت إلى غرفتها، وقتها فتحت لها الباب واستقبلتها بهدوء، كانت منهكة فجلست بجانبها بصمت، أجفلتها بيسان حين مالت تستند برأسها إلى فخذها كصغيرة تائهة تتلمس أمان أمها، مدت رحيمة كفها تمسد عضدها بأمومة، فتسربل إليها صوت بيسان الحزين:
ـ أنا أحبه عمتي..
تنهدت رحيمة وفضلت أن تترك لها مساحتها الكافية لتفرغ ما بخاطرها، وبالفعل تحدثت بلا توقف:
ـ معتصم لم يكن يستحق ما فعلته به..
ـ لقد ظلمته..
تنهدت بغصة:
ـ ولم يكن نذلًا مثل مصعب..
اعتدلت تجلس متربعة تميل برأسها تسندها إلى كتف السيدة رحيمة:
ـ سأتحدث معه حين يعود وأحاول أن أوضح له أنني قد تغيرت..
رفعت رأسها تبادلها النظر وتعدها:
ـ سأجعله يثق بحبي له..
ابتسمت بحزن وحنين:
ـ أنا أحتاج إليه وأشعر أنه بحاجتي أيضًا..
شجعتها رحيمة ورحبت بذلك:
ـ أتمنى لكما السعادة حبيبتي، تحدثي معه وأنا سأساعدك..
عادت رحيمة من غمرة ذكرياتها إلى موضعها البائس بين ركام العلاقة التي حاولت بيسان إصلاحها، أحضرت لها الثياب بآلية وجلست على مقعد بغرفة الملابس تمسد جبهتها وتزفر بتعب، بعد حين انضمت إليها بيسان التي ارتدت مئزر الحمام، كانت بطيئة تغمرها كآبة عظيمة، نهضت رحيمة التي تلكأت عيناها عليها صعودًا وهبوطًا بعجز، غادرت بصمت تترك لها بعض الخصوصية، انتهت بيسان من ارتداء ملابسها وخرجت إليها بخصلات ندية معقوصة بإهمال، ازدردت لعابها عبر حلقها المتألم:
ـ سأذهب إلى غرفتي يا عمتي..
تهدجت أنفاس رحيمة وآلمها رأسها، لم يكن بوسعها شيء سوى إيماءة بسيطة وجاورتها في الخطوات تغادران الجناح، في الطابق الأسفل توجهت بيسان إلى غرفتها:
ـ سأحاول النوم..
وتعلم رحيمة أنها تريد الإختلاء بنفسها حتى تبكي بلا نهاية، كفكفت رحيمة عبراتها وهمست:
ـ اذهبي يابيسان وحاولي النوم فعلا..
..
واصلت هبوطها بعدما شيعت رحيل بيسان، تشبثت بحاجز الدرج، الأرض لم تثبت تحت أقدامها وكانت تقبض بكفها قدر استطاعتها كيلا تسقط أرضًا، قالت لها بيسان في اليوم السابق أنه ليس بنذلٍ مثل مصعب وتشعر بالخزي الآن لأنه فعل نفس ما أتى على فعله مصعب، بل إن مصعب لم يُطلق زوجته رُغم خسته معها، هطلت سيول من عبراتها فأغرقت وجنتيها، رفعت رأسها للسقف بغصة تناجيه بحرقة
( لماذا فعلت بنفسك وبها ذلك يا معتصم)
وصلت نهاية الدرج بأعجوبة فشعرت بكف مدين تحتوي كفها ويده الأخرى تتمسك بعضدها ويسألها بقلق:
ـ ما بكِ عمتي، هل أنتِ مريضة؟
كانت بعالم آخر مُجبرة على الشرود فيه وأخرجها منه وجوده أمامها وسؤاله الذي ظل مُعلقًا دون إجابة، كان على باب الصالة الفسيحة وهالته هيئتها فركض إليها لينتشلها مما سقطت به، رفعت كفها تزيح العبرات عن وجنتيها ليزداد قلقًا كلما أمعن في وجهها النظر، سألها بحيرة كبيرة:
ـ هل حدث مكروه لزاد..
هزة نفي طفيفة ندت عنها جعلته يستفسر:
ـ زوجة مصعب؟..
ازدرد لعابه بعدما نفت ثانية وسألها ببطء:
ـ صبر!
نظرت أمامها وتنهدت باختناق:
ـ خذني إلى جدك..
دعم كتفيها بذراعه ومضى بها إلى غرفة جده التي، اضطربت دواخله مما يجهله لكنه آثر أن يريحها في هاته اللحظة، طرق باب السيد سليمان الذي فتحه لهما وانتقلت إلى ملامحه عدوى القلق والاضطراب الذي صاب مدين، تفحص هيئة رحيمة المزرية، مد يده إلى عضدها يسأل مدين باهتمام:
ـ ماذا حدث لعمتك؟
حرك مدين كتفيه علامة الجهل فعاد السيد سليمان إلى رحيمة نفسها يسألها بقلة صبر:
ـ ما الأمر؟
شهقت بحرقة فشدد مدين على كتفها يمنحها مزيدًا من الدعم، ألقت ما بجعبها بقهر واتهام:
ـ لقد تسببنا لهما في الألم..
شهقت مجددًا وذرفت مزيد من الدموع:
ـ كسرها مثلما كُسر كبرياؤه..
ما تفوهت به نذير شؤم جعل حلق السيد سليمان يجف، كَسارى الكبرياء كُثر عنده، تُرى من منهم باستطاعته الإطاحة بثبات رحيمة هكذا، ملامح العجوز الخشنة شابها الوهن ومهابته الأثيرة انتابها العطب، غمغمت المنهارة أمامه بما خلخل أوتاده الراسخة في الأرض فهدمت عرشه:
ـ معتصم طلقها بعد تفعيل زواجهما بلحظة..
اشتد نشجيعها مع تفنيد النتيجة:
ـ حفيدتك ستعاني باقى عمرها مرارة تلك اللحظة وابني سيعاني جلد ذاته إلى الأبد..
صدمة مدين التي ارتسمت على وجهه بارتفاع حاجبين وانشداه أعين لم تضاهي الانهيار الكامل الذي حدث لجده، جده الذي استوطن الألم صدره وعجز عن التقاط شهيقه، ترنح العجوز واشتد الألم حتى طال ذراعه، قلبه لم يتحمل، كارثة خلف أخرى وتجلد حتى جاءه ما قصم ظهره، والجبال التي تصدعت من قبل آن لها أن تعتل، شحب وجهه ولم يدرِ بيدي حفيده التي تمسكت به ولا ابنة أخية التي صرخت وشجت سكون القصر، الأساطير تسقط
الجبال تسقط
كل مهابة من الممكن لها أن تُطرح أرضًا
وعليه
فقد سقط الحاكم
أخذ مدين بعض الوقت حتى تمالك نفسه وسيطر على ذعره باحثًا عن وسيلة للتصرف، لن يسامحه أحد ولن يسامح نفسه إن تأخر في مهمته تلك، ترك جده الساقط أرضًا بين يدي رحيمة ووثب للخلف صوب خزانة أدوية الطوارئ، وأحضر xxxx يستخدم في حالات الجلطة، أول خادمة قابلته صرخ فيها بقوة:
ـ اطلبي الإسعاف فورًا..
كان القصر قد انقلب رأسًا على عقب، حالة من الهياج الانفعالي سيطرت على الجميع، رحيمة لا تتوقف عن الصراخ والجميع يتواثب صوب مصدر الصوت، عاد مدين وأمر الكل بالابتعاد، صاح فيهم فامتثلوا لأمرة، مد يده إلى رحيمة ينظر إلى عينيها مباشرة وحدثها من بين لهاثه:
ـ اهدأي عمتي، بإذن الله سيكون بخير، فقط توقفي الآن..
لهجته الآمرة وربتته على وجنتها جعلتها لا إراديًا تكتم انفعالها وتتوقف عن الصراخ مكتفية ببكاء حار، تركها والتفت إلى جده، سحق أقراص الxxxx وأجبره على ابتلاعها، كان أبوه قد حضر وعمه أحمد وصابتهم حمى الذعر والقلق على صحة السيد سليمان، تعاونوا وحملوه معه يدًا بيد إلى السيارة، جنح بها مدين مغادرًا المنزل وتوجه صوب المشفى، قابلته سيارة الإسعاف في منتصف الطريق وتولوا مهمتهم، استقبلهم فريق طبي كامل وشرع في إسعافه، انتظر الجميع في استراحة منفصلة، توافد أفراد العائلة إلى المشفى وبيسان أتت بدورها برفقة السيدة رحيمة والسيدة لبيبة، كانت مُحطمة مثل الجميع بل وأكثر، انزوت وحدها في ركن منعزل، كان معتصم قد وصله الخبر فسارع باللحاق بهم، وقف أمام باب الاستراحة لحظة واحدة فوقعت عيناه عليها، جالسة وحيدة تحتضن نفسها وتطرق برأسها أرضًا، تمنى أن يفعل كل شيء، يخترق كل المحاذير ويخفيها بداخل قلبه، يحميها من نفسه ومن آثار ما تسبب فيه كله، تبًا فقد قتل الأمل النابت بروحها وتسبب لجده في تلك الوعكة، هيئة أمه المسكينة مزقت قلبه، خلّف دمارًا كارثيًا لن يُمحى أبدًا، رماها بنظرة أخيرة وانصرف إلى طبيب يخبره تطورات حالة جده..
..
يتبع...


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس