[Lamees othman]

هاتفت بارعة ،وثواني وأتاها الصوت صارخًا بسباب علمت ومنه ولم تعلم ،عاجلتها بلهجتها علّها تستعطفها رغم أن العطف محال الآن ..
-بارعة قلبي انتِ صباح الخير ..
دعكت جبينها بالسبابة والوسطى كعلامة حين تنوي كذبة ما ونطقت بسرعة:
- آسفة جدًا ما شفته للتلفون إلا هسّا ، ،كنت مشغولة بكتاب "قرطبة" سهرت عليه وما صارلي شوي وتاركه .
لكن بارعة خير من يعرفها ويعرف فشلها في الكذب لذا لم تستغرب الشهقة التي وصلتها منها -،بمثابة كذبتك مكشوفة –

-روبي ،بلاها حركات الكذب تبعك ،أنت كتير فاشلة عفكرة !عموما ما رنيت عشان سواد عيونك ،معي خبر لو تعرفيه رح تيجي زحف للدار يا روحي !

تفتحت عيناها بدهشة تبعًا لحاجبها الذي ارتفع بشكل تلقائي ..
-وشو هالإشي اللي رح يخليني أجي زحف عليكم ،أنا بالسيارة قاعدة أجي وبالعافية ومع ألف تنبيه..
التماع المكر يغلف الموجة الصوتية ،بشكل أصم أذنيها وجعلها تتوجس ترقبًا..
-أحزري مين كان عنا اليوم ؟؟
نظرت للساعة المعلقة لم تتجاوز الثامنة والنصف مين سيزور الدار شبه المهجورة صباحًا ؟؟
-مين ليكونه "ناهض عزيز " مثلًا ؟؟
هتفت بها باستخفاف تلوي شفتيها بنزق واضح ،وصوت حماسي يشبه مفرقعات العيد
-هو بذاته يا روبي ..
وروبي في هذه اللحظة ،قفزت من فورها بصدمة يتخللها الاستنكار
-بتمزحي ،مين !!!!!

-"ناهض عزيز" كان أول زبون نور الدار اليوم ..
قاطعتها صارخة..
- أحكيلي أنها مزحة بالله عليك ؟؟
-بشو أحلفلك إنو كان هون
قاطعتها بلهفة ،تنثر كلامها بسرعة متخبطة
كيف ،كيف ما بتحكيلي بوقتها ،بتمزحي أكيد !!
وضعت أناملها على فمها تقضم طرف إبهامها مستمرة بحديثها :
-أنت أكتر حدا بيعرف شو بحبه وبمكانته عندي
وتسهب بيأس ذاهل متلهف
-أحكيلي عنه كيف شكله ،كيف هيئته ؟؟

هل يبدو ساحرًا كما قلمه ، هل أفصح عن اسمه الحقيقي ؟؟
ألم تتعرفي عليه ،هل رأيناه مسبقا !!
وجهه مألوف أم ماذا ..
وزعيق مرتفع ،يوازي علوه هذيان الأخيرة ..
-أسكتي اسكتي ،ما شفناه أساسًا ،كان مع أباد والتقى فيه ومع هيك أنكر وجوده !
أخرستها المفاجأة فردّت ببهوت :
-بس هيك !!
-كان موجود قبل التمانية ،حط العمل ووقع العقد لندققه وننشره !
وعمومًا هاد يلي عرفته لهلأ ،،نص ساعة وألاقيك مزروعة عندي بالمكتب ،خلينا نحصّل شوفة عمله قبل يشوف النور..

وأغلقت الهاتف من فورها .

..
هل هذا يوم حظها ،تقسم بذلك ،أن تكون محظوظة بعناق الحروف التي نسجها ،بل وتكون بين يديها تنقحها بذاتها !
تتعرف عليه ،وتكون النسخة الأولى معها شيء لم تجمح به أحلامها الكثيرة !
توجهت لخزانتها ،ستدلل ذاتها اليوم سترتدي أجمل الثياب وأرقها ،ستلتقي -بملهمها - ،ستقابله ولو كان اللقاء متمثل بحروف مخطوطة على ورق ،طالما لم تعترف بشخصنة الكُتاب ،بل كانت على الدوام تلتقي بحروفهم وتجري معها النزالات !
حسنًا وربما أعاده الطريق ،وجاء مجددا للدار وتقابل عيناه ولو بنظرة خاطفة ..
تفصحت هيئتها التي بدلت كثيرًا لتستقر أخيرًا على سروال واسع لونه أسود ، ،وسترة رسمية تماثله اللون، وكسرت الأسودان بلطخة عسل لحقيبتها وحذائها والحجاب الذي ربطت بعقدة أنيقة ،ثم ربتت على طقمها بحسرة وقلبت عيناها بشغب لطيف ..
-وعد شرف ،ما رح ألمس الدهان ولا الفحم رح تضلك بلونك الطبيعي !
كررتها وهي تحرك يديها برجاء .

ناظرت نفسها بالمرآة لا بأس لو عانق الكحل الأسود البريق المتلألئ الذي يشع من عسليتها ،أتمت زينتها ،وخطت خارج المنزل .
وعلى عتبة بابها اتصلت بدار الرعاية اطمأنت على وضع والدتها ونهبت الطريق تعاجل موعدها.

..