عرض مشاركة واحدة
قديم 21-11-20, 12:45 PM   #17

فاطمة طلحة
 
الصورة الرمزية فاطمة طلحة

? العضوٌ??? » 476559
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 25
?  نُقآطِيْ » فاطمة طلحة is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السادس عشر
..............................
خطة نابليون
.................
هل ترغبين في سماع حكاية نتبادل فيها الأدوار و أكون أنا شهرزاد
- بشارب و لحية لا يليق بك (مينا) دور شهرزاد
و لا يليق بأنثى غيرها صاحبة الحكايات
كلنا نتخذ لقبها من الخارج و ربما بعضنا تَجتاحُه في المظهر و نتجاهل الجوهر
نتجاهل فطنتها , نتجاهل ذكائها
نردد أنها تماكرت لتحصد في عمرها ليلة واحدة أخرى
ونتغافل أنها ربما كانت تريد بالفعل حياة
نغوص بحكاياها في قاع المحيط مع عروس بحورها
ونجابه مع فارسها وحش الكهف
نعيش الخيال ونتخلى بإرادتنا الحرة عن الواقع
ننسى واجباتنا وأطفالنا، أزواجنا و أعمالنا نتطلع إليها تحيك الخطة و تقود المعركة من مقاعد المتفرجين بجزل يليق بضعفنا نحن
فأترك لي أنا سرد القصة و لا أعدك أني لن أسرق منك شهرزادك

..........
بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد
أن الأرض لوح شطرنج و أنتَ الملك لا خلاف
لك وزير و كتيبة من قادة المحاربين و جنود
أنت لست مبتدئ على تلك الرقعة
أنت عمرك واحد وأربعون عاماً
قضيت أغلبهم في ظلام الروح
و ظلام الروح خادع سيدي
يسحبك بعيداً عن حقيقة أن الروح ( روح الله ) و أنها قبس من نور
..........................


و الرقعة المربعة ماكرة بلونين توهمك أن لك مساحات محددة
تحصر خياراتك و لا يمكن تجاوزها تنسيك
أن أرض الله واسعة
وأن لك كل الخيارات
.....................

نبضة لحياة ونبضة لفقد
.................
قاربت الساعة الخامسة رغم الزحام الشديد في مدخل العاصمة
إلا أن شاحنته كانت تزاحم بلا هودة يطوف بعينيه على لافته لأي معمل تحاليل
يقومان فيه بالتأكد من الحمل
رغم العند و رغم الغضب
رغم الخذلان
و الإحباط .... إلا أن هناك تلك النبضة
رغم الخوف و القلق و الجنون إلا أن النبضة لا تتوقف عن الدق
رغم الحلم ,رغم الخيال، رغم المهزلة
إلا أن النبضة واقع لا يمكن الهروب منه


نبضة للحياة
...
و النتيجة كانت بورقة خطفها مينا بملامح جامدة من يد الفتاة
التي قامت بإجراء التحليل
عيناه تجري على سطور الورقة و هي بجواره تنهت من فرط التوتر
و فتاه المعمل تناظرهما بابتسامة
- مبروك
........................


حرك بيدق الملك على الرقعة خطوتين
و تلك خطوة استهلالية يقودها المبتدئ بقوة لا تتكرر فَعَلى الرقعة للبيدق خطوة واحدة في كل مرة
....................
و في منزل الحاج جلال بالعاصمة

- كيف لم تتوقف
أنت الكبير هنا أنت المتعلم هنا أنت القوي
فيرد بسطوة ملك وبضعف بيدق بائس

- أنا المـُدمر هنا ,أنا التالف هنا و أنتِ لم تقاوميني كان ضعفك و استسلامك مركز قوة لي
تركتني أُجردك و أجرد نفسي معك
من كل شيء كل شيء
أولهم العقل

و الرقعة المربعة خادعة بلونان حصرتك في لون واحد منهما أنستك أن أرض الله واسعة و أن لك كل الخيارات
....................


و الشقة الصغيرة بالطابق الأول غرفتان صغيرتان
اختارت لها واحدة أول شهر مر عليها لم تخرج منها إلا للمرحاض و أعراض الوحام كانت تتقاذفها من عرض لآخر أمام عينيه
و مر شهر آخر
و هو عاجز عن النفع أو تقديم المساعدة أو حتى الاقتراب
حصر عمله في المحافظات القريبة ليتسنى له الرجوع كل ليلة لمراعاة شئون البيت و مراعاة طعامها التي ما كانت تتناول منه إلا النذر القليل و كان ذلك أكثر ما يقلقه
.......................
حرك الفيل على يسار الملك ثلاث خطوات لأعلى
...................
في منتصف المعيشة و المكنسة بيدها تعطيه ظهرها، ما طالعته حينما دخل من الباب
ظلت علي حالها تنظف الأرضية
و بطنها الصغير يبارز العباءة البيتية التي ترتديها علي استحياء و لمزيد من السخرية عادت لحجابها
ظل يتطلع إليها ثم لاحظ أن أنفاسها متعثرة

- مريم أنت تلهثين
و نبضة لفقد

لم تخاطبه كعادتها ... لكنه لن يستسلم لها تلك المرة كعادته معها يكفي ما مر من شهور على هذا الحال
و الناقوس يقرع يعود به لماضي بعيد و بوابة فقدٍ لم تغلق أشرعتها منذ عشرون عاما و إلى الآن

- حسناً أعلم أنكِ غاضبة ... لكن هذا يكفي


و الفيل قطعة لا يستهان بها على اللوح
ذو قوة فائقة في قَطْع المسافات رمحاً و لو باعوجاج
تقدم منها بفحيحه المخيف
- أريد زوجتي

تناظره بدهشة متوترة و كأن ما مضى منذ شهرين مزح أطفال
تتراجع كعادتها عند الصدمة
تلملم كلماتها باجتهاد و ضيق صدرها يزداد
و لا حديث

عقلها معطل منذ تلك اللحظة التي فيها تهشم الحلم

ليتابع استرسال كلماته
ولازالت قطعة الحرب تتحرك مدركة أين الوجهة تماما ً

- أو تأكلين معي
ربما جلوسك معي ومشاركتي الطعام
يقيمني و لو بالفتات و يسد جوعي تجاهك


و على طاولة صغيرة يجمعهم طعام يجبرها جبراً على ابتلاعه

- يجب أن تزوري طبيبة نسائية نطمئن منها على وضعك أنتِ و الطفل و ذلك اللهاث يثير قلقي

تدور في دوائرها العدمية لا يستشف من ملامحها فيما تفكر و كيف تشعر
ساحقة المنطق أعتمت مثل قاع بئر

- السجادة
و تلك لم تأخذ منه جهداً للإدراك
إلا أنه لم يجاوبها

- هل كانت تخصك
- ماذا تعتقدين ؟
.... يراوغ ... يتابع تلون وجنتيها الباهتة بنيران غضب متأوه
- أجبني أنتَ

- أصدقائي الوحيدين كانوا مسلمين مريم
طلبت من أمي شراء واحدة حتى أعطيها لهم وقت ما يحتاجونها للصلاة

تستقيم تاركة إياه فيلاحقها مسترسلاً
- كنت أنوي اخبارك بالحقيقة و الاعتذار عن ما حدث بيننا
دقات قلبها تتسارع كأنها تصعد جبل وعِر
- أجل كأنك صدمتني في الطريق و أنت تسير
فتعتذر

- لو لم أجدك تصلين و تدعين الله ألا أتخلى عنك لكنت أخبرتك بالحقيقة
فتعالج كلماته المتساقطة بهذيان

- لو لم أجد السجادة لم أكن لأصلي و حاولت إغوائك

فيباغتها
- ربما لذلك حكمة، لعله القدر

و الفيل قطعة قوية لا يستهان بها في الساحة ترمح رمحاً و لو حتى باعوجاج الحقيقة

و المبتدئ يحرك قطعه بعشوائية تباركها العتمة
ويبيحها العدم
تتساقط مع عَبراتها
و اليأس يزداد مع نفاد وقود الحلم

-حسناً هل أستطيع أن أطلب
منك تغيير دينك
.............
بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد
أن هناك مُعضلة
...
ماذا إن وضعنا مقعد للراحة في طريق ضيق وسط عالم من المستسلمين
يتخبط فيه الآتي و الغادي بوقع مؤلم، مزعج دون أن يحركه أحد من مكانه لآخر أوسع
هل هذا يجعلهم متساوين في الحظ السيئ
أو أنهم فقط أغبياء
فيجاوبها
ذلك يجعلنا جميعاً متساوين في الغباء

- إذاً هي عقدة حلها ألا تحُل و تظل معقدة
إن حُلت
سنصاب جميعاً بلعنة الوضوح لن يغمض لنا جفن و لن ننعم أبداً بتلك الراحة
المزيفة
................
وعيادة الطبيبة شبه خاوية
امرأة خريفية الهيئة وعوينات أنيقة
و عيونهم مثبتة على الشاشة باندهاش أن ذلك القلب النابض
يخص ابنتهم الصغيرة
غلالة من الدموع قيدها فأحرقته
أما فيضان دموعها فتوقف مع حديث الطبيبة المقتضب
- الأم يجب أن تزور طبيب قلب
....................




حرك الوزير حركتين لأعلى
............................
أمام الطبيب
- للأسف أمامي حالة مرضية في مرحلة متقدمة من مرض ارتجاع صمام ثلاثي الشرفات
و مع عدم المتابعة و الإهمال يتحول في مرحلة ما لغير قابل للعلاج بالأدوية
و هو صعب الاكتشاف قبل سن البلوغ

أخبرتموني أنه طفلكم الاول
و على حسب تقرير الطبيبة أن الحمل حدث مع استخدام وسيلة كانت من المفترض أن تمنعه
لكنها إرادة الله
ليس أمامنا في تلك الحالة سوى التخلص من الجنين لأنه يهدد و بشدة حياة الأم
...................
هل سبق وأخبرتكم عن الفقد
....

الفقد.... ذلك الانطفاء الذي تشعر به في قلبك
الجزء المظلم الذي لن يطاله النور و لو أقامت البشرية الأفراح
شعور الغصة الذي يلازمك مدي الحياة
مهما تجرعت من أكواب السعادة

...............
كانت شاحنته متوقفة جوار الرصيف ومياه النيل راكدة بلا تيار
مذهول يناظرها باختلال
لا يستوعب عقلة مجريات الأمور
ذلك يفوق فجيعة ما كان في الفردوس بمراحل
و العلة في القلب، مأساة أبيه تتجدد
و مريم جواره تضحك
فاستدار لها عيونه تصرخ خوفاً و قرع الفقد يتوالى على أشرعة روحه
-ماذا يُضحكك
فترد و كلماتها تنتفض بجزل غير مفهوم
- لقد أنقَذْت حياتي دون أن تدري أطالت بعمري عام بعد عام بعد عام
في أحضان زوجها و هي سعيدة أنها منعت عني الذرية
لو أنها تركتني فقط لحالي
لـمُت من أول عام و ارتاحت هي
و مينا يكاد يُجن من حديثها المضُنى
إن استمر الحمل احتمالية فقدها كبيرة كما أكد الطبيب
مريم التي هجرته حتى بالكلام منذ أن علمت كذبته

معها
خسر الرفيقة والصديقة و الشريكة و سراب الزوجة
خسر الحلم الذي طالما راوده و حرّمه على نفسه في دوامة جلد ذاته و تحميلها
ما لا تطيق حتى أتى له الحلم راكضاً على قدميه
في عتمة الليل


أو يفقد الجنين
ابنته
التي لن تتكرر، تلك الأقحوانة التي ستضيئ حياته
تبعثه مجدداً من بين رماد الخطيئة لعالم من نور طالما عزله عن روحه و غَلّق أمامه كل الأبواب
..........................
خطة نابليون
من أشهر المُتسلسِلات مُتَتابِعة الحركات في لعبة الشطرنج
علي فرضية أن المنافس لا يفقه عنها شيء
فهي خطة جيدة و محكمة للإجهاز علي الخصم في أربع حركات متتابعة
على شرط عشوائية المنافس
أولا : حرك بيدقك الخاص من أمام الملك حركتين و بلا جَهد سيتبعك خصمك بذات الحركة و تلك حركة أولى و وحيدة تخص بداية اللعبة

ثانياً: حرك قطعة الفيل المعروف أن اتجاه حركتها دائماً ما يشابه الحرف إكس ثلاث خطوات لأعلى

ثالثاً : قطعة الوزير ـــ القطعة الأكثر قوة و الأكبر تأثيراً على الرقعة و المحارب الفيصل في النِزال يتحرك خطوتين بدقة محسوبة لأعلى بخط مستقيم
ومن ثم
لا زال خصمك مبتدئ على الرقعة
خاضع لضبابه الـمُشتت
يتأرجح بين عدمية وجوده أو أن الخالق أوجده لسبب
ربما تلك التي تنبض نبضات حثيثة الآن في رحمها تخبرها أنني هنا ماما

رابعاً: قُد وزيرك علي الرقعة ، اسحبه بجسارة شِدة المغامرة التي تخوضها بقوة مقاتل
أنتَ الملك ... ذلك الطريق كانت قرارك ... و العلة كانت مسارك و الخوض فيها اختيارك
و الملوك لا تنحني مينا، الملوك لا تنحني إلا لملك الملوك
يتوقف الوزير في مربعه الخاص أمام ملك المبتدئ فينهيه
و في الرقعة خاصتنا
المبتدئة لفظتها قبله
كش ملك

- أنا سأحتفظ بجنيني
لن أتخلي عن ابنتي





فاطمة طلحة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس