? العضوٌ???
» 475418 | ? التسِجيلٌ
» Jul 2020 | ? مشَارَ?اتْي » 1,362 | ?
نُقآطِيْ
» | | البارت السابع و التسعون لهذا أحبها و أكرهك
في احدى العمارات في وسط المدينة , دخل علي مسرعا و اتجه الى الشقة رقم 25 , في الطابق الرابع شقة سارة ,
كان هو من ساعدها في الحصول عليها بايجار ملائم , رغم أن الحي يعتبر راقيا و الاقامة هنا تكلف ثروة ,
الا أنه وفره لها كجزء من الفوائد , التي عادت عليها بسبب اعتنائها بزوجته ,
بعدما أصرت على الحصول , على بعض الخصوصية أثناء عطلها , خاصة أنها تعيش بتحرر زائد بعض الشيء .
دق علي جرس الباب و وقف منتظرا , لكنه سرعان ما سمع صوتا من الداخل
" أدخل الباب مفتوح "
كان صوت سارة الذي يحفظه جيدا يدعوه الى الدخول .
تردد علي قليلا , و لكنه دخل بخطى متأنية متجها الى الصالون
" مرحبا ؟ "
قال بصوت متسائل و ممتعض , بعدما لاحظ أن لا أحد هناك لاستقباله ,
و استمر في التقدم بتوجس .
بعد دقيقة سمع صوتا من خلفه
" مرحبا "
كان صوت سارة مجددا , استدار علي فورا لرؤيتها لكن المشهد صدمه ,
و فتح فمه دون أن يقدر على قول كلمة .
هو كان قد اتصل قبل الحضور للتأكد من أنها هنا , لم يرد أن ينتظرها مطولا , حتى يصفي الحساب الذي بينهما ,
و يبدو أنها لم ترد أن تضيع فرصتها الثمينة , لتواجدها وحدها معه و حضرت نفسها جيدا .
كانت سارة تقف في مدخل الصالون , ترتدي قميص نوم قصير جدا , من الدانتيل و الحرير شفاف أسود اللون , كان كاشفا و مثيرا جدا ,
تسدل شعرها الذهبي على كتفيها , و تضع مكياجا فاضحا كأنها ذاهبة الى سهرة ,
كما أن رائحة عطرها تعبق في كل المكان .
صمت علي بسبب اندهاشه , فلم يتوقع أن تكون سارة بهذه الجرأة و قلة الحياء , حتى تجرب معه هذه اللعبة القذرة ,
لكنه سرعان ما تمالك نفسه , عبس و أشاح وجهه الى الجهة الأخرى , متفاديا النظر اليها ليحدثها بصوت مستاء جدا
" أحتاج أن أكلمك في موضوع "
دنت سارة منه بخطوات متأنية , كانت تتمايل بغنج مبالغ فيه , ردت عليه بصوت عذب و مغر ,
و هي تلف خصلة من شعرها بين أصابعها
" أنا أستمع تفضل "
و جلست على الأريكة مقابله , واضعة رجلا على رجل , لينحسر ثوبها أكثر مظهرا مفاتنها ,
هي لم تكلف نفسها , كل هذا العناء ليشيح بوجهه عنها ,
ستجعله يتوسل وصالها , و الا لن تكون سارة .
أمام اصرارها على البقاء بهيئتها تلك ، شعر علي بالانزعاج أكثر و احتج
" هل يمكن أن تستري نفسك أولا "
لكنه لم يتوقع أن تكون أكثر وقاحة و ترد عليه
" لماذا ؟ هل أبدو بشعة ؟
أو أنني لست مثيرة كفاية ؟
على حد علمي أنت تحب اللون الأسود ، أليس لونك المفضل ؟ "
" أصبحت أكرهه الآن "
تمتم علي بسخط , و قد بدأ يصاب بالتوتر لوقاحتها ,
راقبها بعينين ثائرتين اعتقدتهما شغفا , و هي تقوم مجددا و تخطو ناحيته ببطء ,
كانت تتمايل بكل دلال محاولة اغراءه , واثقة من نجاحها في مساعيها لايقاعه .
حينما صارت قريبة على بعد خطوتين , مدت يدها تريد لمس وجهه ، و هي ترمقه بنظرات هيام مقززة ,
لكن علي تراجع خطوتين الى الوراء , و رمقها بنظرة قاتلة جعلتها تتصلب مكانها .
الآن فقط فهم قصدها من كل هذا , و هو الذي اعتقد أنه فاجأها , بزيارة في وقت غير مناسب ,
لكنه صار متأكدا مما تنوي فعله ,
بالتفكير في الأمر تجهم وجهه بشدة و بادرها , لن يسمح لها باستغلاله و التحرش به
" ألهذا فعلت ما فعلته بملك ؟ "
صدمها السؤال و تجمدت حركتها فجأة , و قد ظهرت ملامح السخط على وجهها ، الذي أصبح شاحبا مع عينين تطلقان شررا ,
هي لا تحب سماع هذا الاسم , خاصة حينما يقوله علي بصوته ,
هو حينما اتصل قبل ساعة , و قال أنه يحتاجها لأمر طاريء , اعتقدت أنه اكتشف حقيقة ملك ،
و أن خطتها الجهنمية لتدميرها نجحت , و قرر أن يتخلى عن ملك و يكون معها ,
أو أنه ربما أدرك مشاعرها ناحيته , و قرر التجاوب معها أخيرا , و هو هنا لأنه اشتاق لها بسبب غيابها ,
لكنه خيب ظنها بشدة لدرجة الانهيار , و ها هو الآن يقف هناك , يكلمها عن تلك المرأة النكرة .
حاولت سارة السيطرة على غضبها , و سألت بنبرة مرتجفة , و هي تضم قبضتيها الى جانبها
" يعني أنت هنا من أجلها ؟ "
رد علي سريعا على افتراضها
" ما رأيك ؟ "
و قد بدأت ثائرته تثور هو الآخر , و قد تناسى تماما هيئتها المستفزة .
لكن سارة سرعان ما فقدت صبرها , و بدأت بالصراخ في وجهه , مظهرة نواياها الحقيقية السيئة ,
هي لطالما تصنعت البراءة و الهدوء أمامه , حتى يقع في شباكها و يحبها , لكنه ليس طفلا حتى تنطلي عليه تمثيلياتها .
" ملك ملك ملك ، دائما تلك الغبية المتصنعة ،
لا أدري فعلا ما الذي يعجبك فيها ؟
تلك الطفلة عديمة الأنوثة كذراع مكنسة ,
أنا فعلا أشعر بالفضول لمعرفة الأسباب ,
يا الهي هي حتى لا تحبك بل تكرهك و بشدة ,
لم أنت مهتم هكذا بأمرها اذا ها ؟
هي ليست أجمل و لا أكثر اثارة مني ,
لم اذا تركض خلفها بيأس كالمجنون و ترفضني ها ؟ "
استفرغت سارة بما يجيش في صدرها في وجهه , و قد بدا حقدها على ملك , واضحا في صوتها و عينيها ,
مما أجج مشاعر الغضب أكثر في صدر علي
" من تعتقد نفسها هذه , حتى تنتقد ملك بهذه الطريقة ؟ "
و كان رده سريعا و لكن حازما
" و أنا أشعر بالفضول عن سبب فعلتك ، التي كادت تودي بحياة زوجتي لا سمح الله ,
بعدها سأجيب على أسئلتك الغبية "
رد باشمئزاز واضح ضاغطا على لفظ زوجتي , الذي استفز سارة أكثر مما توقع ,
لكنه لم يكرر طلبه لها بتغطية نفسها ، فهو يشعر بالقرف فعلا منها , و لن يشكل الأمر فرقا معه .
اتسعت عينا سارة عن آخرها بما قاله , و قد راودها شك بخصوص اخفاق خطتها ,
هي كانت سعيدة لرؤية علي , معتقدة أن ما خططت له نجح ,
حتى و ان أتى ليلومها و يحاسبها , مجرد تحطيم علاقته بملك يرضيها ,
لكن بجملته الأخيرة التي قالها , هي صارت شبه متأكدة أن ملك بخير , و سرعان ما فتحت فمها لتسأل بصوت مرتجف
" ألم ت ... ت ؟ "
ضاقت أنفاسها فجأة و جف حلقها , و لم تستطع لفظ باقي كلماتها , و قد بدأت يداها بالارتجاف بشكل واضح .
ليوفر عليها علي عناء التخمين و يجيبها , بعدما ظهرت ابتسامة خبيثة على طرف فمه ,
مستعملا كل وسائل ضبط النفس , التي تعلمها في حياته كلها
" لا لم يحدث لها شيء , ليس و أنا على قيد الحياة و أتنفس "
كانت الجملة بمثابة القنبلة التي فجرها في وجهها , خاصة أنه قاله بنبرة متيم وله نكاية بها .
تدريجيا أصبحت سارة هائجة بسبب ما قاله ، كمن وضعوا ملحا على جرحه ,
و بدأت مجددا بالصراخ بطريقة هستيرية , بعدما أهانتها معاملة علي لها , و بعدما خيب ظنها بما قاله ,
و هي التي اعتقدت أنه سيفتح ذراعيه , و يجثو على ركبتيه أمامها , بمجرد أن تخرج عليه هكذا ,
لكن كل ما رأته في عينيه كان النفور و الاشمئزاز , اللذين هدما خططها و آلما روحها المريضة .
كزت سارة على أسنانها , و برزت عروق رقبتها , قبل أن تنفث سمومها في وجهه
" فعلا ؟ هل تريد معرفة السبب ؟
السبب أنني أردتك أن تتوقف عن التصرف بحماقة , و صبيانية و كأنك لم تر امرأة يوما ,
أردتك أن تراها على حقيقتها , بعد أن يسقط قناع العفة و الشرف الذي تضعه ،
و تتحرش بك بطريقة علنية , كالعاهرات اللواتي يشبهنها ,
أردت أن أعريها من ثوب الطهارة الذي ترتديه ، و تتوقف عن التمثيل أنها لم تكن مع أحدهم يوما ,
أردتك أن تراها بعينيك و هي تقفز الى أحضانك , و تتسلق سريرك كأي مومس ,
فقط لأنها أخذت بعض التحفيز "
التقطت سارة أنفاسها اللاهثة , و ظهرت ابتسامة خبيثة على جانب فمها , أثارت بها براكين سخط علي ,
الذي لزم مكانه بأعجوبة , لأنه يريد كل الكلام
لكن سارة لم تهتم بما يشعر , فقد قررت هدم المعبد على رأسيهما ,
لتسترسل بعد دقيقتين بنبرة متشفية
" أردت رؤية صدمتك و كرهك لها , في عينيك بعدما ترى انحطاطها ،
أنت الذي تتبعها كعاشق أبله , فيما هي تعاملك بكل سوء ,
أردتها أن تشعر بالذل و المهانة ، حينما تعرف بأنك كشفتها ، و لا يكون لها أية فرصة ثانية ،
تماما كما لم يكن لدي فرصة معك ،
رغم أنني أحبك قبل قدومها أصلا الى حياتك ، و أنت تعاملني بكل برود و نفور "
نفثت سارة بغل , كل ما يدور في صدرها ، و كشفت نفسها أمام علي , الذي لم يصدق أذنيه ، بسماع كل هذه القاذورات ,
هو لم يعتقد أنها ستكون سهلة الاستفزاز هكذا ، لدرجة أن تعترف على نفسها , بأنها هي التي قامت بتخذير ملك ،
مستخدمة جرعة قليلة كافية , لاستثارتها دون تخذيرها كليا كما قال الطبيب .
ثم تجعل علي يصدق أنها تريده , و تجره لاقامة علاقة معها , معتقدا أنها رغبتها الكاملة ,
فهي تعرف أنه معجب بها منذ مدة ، عينيه حركاته كلامه ابتسامته التي لا تراها الا أمام ملك ,
كلها تقول أنه مغرم بها و يريدها ,
لذلك اعتقدت أنه سيقفز لاستغلالها , مع أول اشارة منها ، و لن يشك أبدا في أمر كونها تحت التخذير ،
و بالتالي ستضرب عصفورين بحجر واحد ,
من جهة سيكرهها علي , بعدما يكتشف أنها ليست بريئة كما تدعي ،
و قد كانت واثقة أن ملك , لم تكن لتبقى كذلك الى هذه السن ،
و من جهة أخرى ملك ستكره علي أكثر ، و تنبذه بعدما تكتشف أنه استغلها في لحظات ضعفها ، و هي مغيبة عن الوعي و قد تتهمه بالاغتصاب ،
بعدها هي لن تغفر له , حتى لو جثا على ركبتيه أمامها , و طلب الصفح باكيا .
أو ربما يحصل ما هو أفضل ، فقد كانت هناك الكثير من السيناريوهات , التي تخيلتها لانجاح خطتها ,
كأن تقصد ملك رجلاً آخر , كأحد الحراس مثلا لتتحرش به و تثير فضيحة ،
بعدها علي بنفسه من سيلقيها خارج البيت ،
هو لن يقبل بامرأة منحرفة على ذمته ، و لن يصدق أحد قصة تخذيرها أبدا .
كانت هذه أفضل طريقة لتحطيم , العلاقة الهشة بينهما دون رجعة ، بدت الخطة محكمة جدا ،
و مهما كانت نتائجها كانت ستكون في صالحها ،
لكن ما لم تتوقعه سارة , هو أن تكون مشاعر علي اتجاه ملك ، أقوى بكثير من أية غريزة تقوده ,
هي لم تتوقع حتى أن ينتبه الى وجود خطب بها , بدل الاستسلام لطلباتها مباشرة دون تدقيق .
لذلك هي لم تحسن تقدير حجم , ما يشعر به هذا الرجل ناحية غريمتها ,
و لا حتى مدى حفظه لها و لتصرفاتها ,
كانت سارة تعتقد أنها مجرد نزوة ، تزول بمجرد أن يحصل عليها ,
أو رغبة تتبخر مع أول ليلة بينهما .
سارة لم تدرك بأن خوفه عليها و تقديره لها , أكبر بكثير من أية نزوات و غرائز ,
لم تدرك أن علي كان الموت , أهون عليه من تنفيذ ما أرادته .
في هذه الأثناء , كان علي يحاول السيطرة على غضبه , و هو يستمع الى سارة تعترف بكل وقاحة أمامه ,
بفعلتها الشنيعة التي كادت تفقد ملك حياتها ,
لكنه اكتفى أخيرا , و قد شعر بالغثيان لما قالته , مد يده و سحب غطاء الطاولة التي وسط الصالون ,
موقعا المزهرية التي عليها أرضا , مما أحدث ضجة صاخبة ،
و تقدم بخطوات سريعة , ناحية الحية التي تقف قربه ,
بمجرد أن صار أمامها مباشرة , لفها كلها بالغطاء و دفعها بقوة الى الحائط خلفها ,
واضعا يدا على رقبتها ، و أخرى ثبت بها معصمها , لا يريدها أن تلمسه فهي تشعره بالقرف .
هذا الأمر أفزع سارة , و نظرت إليه بعينين مرتعبتين , لكنها لم تثر شفقته قيد أنملة ,
و لم تثنه عما يريد قوله و فعله
تمالك علي نفسه و أخذ نفسا عميقا , و حاول ترتيب أفكاره التي شوشتها ,
ثم قال بصوت صارم و مخيف
" أولا احمدي الله أنك امرأة , و أنا لا أضرب نساءا ,
ثانيا إياك أن أسمعك تهينين ملك بلسانك القذر هذا , و لا حتى تذكريها بكلمة سيئة ,
لأنني حينها لن أتردد في خنقك , و القاء جثتك الى الكلاب لتنهشها , ربما تطفئ لهيب جسدك العفن هذا ,
ثالثا أمامك ثلاثة أيام , تجمعين أغراضك و تغادرين البلاد , كلها دون رجعة و بكل هدوء ,
و تنسين دون مراجعة , أمر ممارسة التمريض نهائيا , لأنني سأحرص على سحب شهادتك , و تشويه سمعتك في كل مكان ,
و أنت تعرفين ما يعنيه وعد من علي الشراد ,
و اياك اياك أن تفكري بقول كلمة واحدة , عما تعرفينه عن حياتي الخاصة , أو تتجولين مثرثرة هنا و هناك ,
و الا أقسم لن يكفيني إلا القاؤك في السجن , مكانك الطبيعي لتتعفني فيه ,
و أعدك ألا تري نور الشمس مجددا في حياتك "
اتسعت عينا سارة أكثر بسبب الخوف , بعدما رأت نظرة الاحتقار و السخط في عيني علي ,
و قد أقسم ألا يسمح لها باستغلال أحدهم مستقبلا , فقد يكون عاجزا أو طفلا ,
و هذه المرأة لا يبدو عليها أنها تمتلك أية أخلاق , لن يسمح بتكرار الاساءة من طرفها مع أحدهم يوما .
زمجر علي في وجهها و ما لبث أن أطلقها , و تراجع الى الخلف سريعا , قبل أن يفقد أعصابه و يخنقها حقيقة ,
استدار بعدها ليغادر , و لكن بعد بضعة خطوات توقف مجددا , و حدق الى المرأة التي لا تزال متجمدة مكانها و ملتصقة الى الجدار ,
ملتفة في غطاء الطاولة بملامح مصدومة .
نظر اليها علي باشمئزاز من رأسها الى قدميها , ثم أضاف بقسوة قاصدا تحطيم آمالها الزائفة
" لهذا السبب بالذات أنا أحبها و أكرهك ,
أنت لا تساوين حتى شعرة واحدة من شعر رأسها "
قال يقصد تصرفاتها المشينة و المنحرفة ، و عرضها لنفسها كسلعة رخيصة ,
و قد صدمها اعترافه صراحة بما يشعر ناحيتها .
في السابق لطالما سمع علي عن جموحها , و علاقاتها المتعددة مع الرجال ,
لكنه لم يتدخل يوما و لم يعلق ,
بما أنها كانت تقوم بعملها كممرضة بجدية , و كانت تبعد حياتها الخاصة عن حياته ,
لم يكن يعترض أو ينتقد ,
لكن الآن و قد وصل عفنها , الى وسط بيته و عائلته , فقد أصبح لزاما عليه التصرف بحزم دون شفقة .
أثناء نزوله اكتشف علي , أنه اعترف بمشاعره لأول مرة علنا , و رغم اعتراضه على كون سارة من نال هذا الشرف ,
الا أنه شعر بأن ملك نالت بعض العدالة , بعدما منحها هذه الصفة , و قد كانت أقسى طريقة لاقصاء سارة من حياته .
بعد مغادرة علي شقتها , انهارت سارة على الأرض باكية , ارتفع صوتها تدريجيا حتى وصل نحيبها الى مسامعه ,
و قد أدركت الآن فقط , أنها غامرت بكل شيء , دون الحصول على ما كانت تتمناه .
علي الذي خرج راكضا من العمارة , بالكاد تمالك نفسه و استعاد أنفاسه ,
حمل هاتفه و اتصل على كريم , الذي كان منشغلا في الشركة منتظرا التطورات
" كريم ضع حراسة على بيت سارة , و لا تسمح لها بأن تغيب عن مراقبتك لثانية ,
و ابدأ اجراءات سحب شهادتها ,
أنقل كل المواد مع التقارير الى المحامي , و أعلمه أن يجهز قضية تدينها و ينتظر مؤشرا مني ,
و أرسل أحدهم لاسترجاع أغراضها من البيت فورا "
كان علي جادا في تهديده لها بالقائها في السجن , و الأدلة التي لديه متينة كفاية , لتحصل على مؤبد للاتجار بالمخدرات ,
و لكنه لم يكن يريد أن يزج باسمه , في قضية قذرة مثل هذه ,
و الأهم لم يكن يريد أن تتداول أخبار , عن حالة مريم المرضية , و عن وضع ملك داخل بيته
خاصة أنه يعرف أن سارة بأفكار منحطة , و هي لن تبقي فمها مغلقا , ان هو أعلن عليها الحرب ,
لذلك اختار أن يجردها من عملها , و الذي يضمن لها العيش في مستوى , لم تكن تحلم به يوما ,
هو يعرف أن حرمانها من الثروة و الفخامة , سيكون أسوء من العيش في سجن .
اتصل بعدها علي بفاطمة ليعطيها التعليمات
" اجمعي أغراض سارة التي في غرفتها , سيأتي أحدهم لاحقا لأخذها "
" حاضر بني "
لم تناقش فاطمة الأمر , هي لم تحبها منذ البداية , لم تستسغ يوما تصرفاتها و هيأتها ,
و لا محاولاتها المستميتة و المفضوحة لاغواء سيد البيت ,
و كانت شبه متأكدة , أن لها يدا فيما حصل لملك , و هذا وحده كفيل بأن تحقد عليها و تكرهها .
بعد ذلك اتصل علي بعلياء
" بامكانك أخذ ملك و العودة الى المنزل اليوم , المكان أصبح آمنا "
" بهذه السرعة , هل اكتشفت من فعلها ؟ "
سألت علياء بدهشة
و أجابها علي بنبرة متعبة
" أجل نتحدث بعد عودتكما "
" حسنا علي سنعود مساءا "
سمعت ملك ما قالته علياء على الهاتف و بادرتها بالسؤال
" هل وجد من فعلها ؟ "
" أعتقد ذلك لكن لم يخبرني شيئا , قال أننا سنتكلم في المساء ,
لا تقلقي أكملي أكلك و سنغادر بعدها "
و أشارت الى صحنها
صمتت ملك و استمرت بالأكل و هي شاردة الذهن , فقد كانت تشعر بالفضول لمعرفة الحقيقة .
عاد علي الى مكتبه مباشرة , و هو غير مصدق لما آلت اليه الأمور ,
هو لا يفهم كيف سمح لامرأة مثل سارة , أن تبقى بقرب مريم و رنا طوال الفترة الماضية ؟
كيف وضع ثقته في أفعى مثلها , لتبقى تحت سقف بيته لسنتين , و هو الذي تحركه وساوسه في كل علاقاته ؟
فكر لو أنه استجاب لها و لو قليلا , ربما ما ترددت في ايذاء مريم , لقتلها و ازاحتها عن طريقها ,
لذلك كان الغضب من نفسه , و الشعور بالذنب يتآكله بشدة .
بعد دخوله بقليل دخل عليه كريم , و الذي بدا على وجهه عدم الارتياح ,
كان يشعر بالضيق على غير عادته ,
بعد أن طمأن علي أن تعليماته قيد التنفيذ , أراد الانصراف مجددا لكن علي استوقفه
" ما بالك ؟ "
هو أكثر من يعرفه , و يستطيع اكتشاف مزاجه , حتى لو حاول اخفاءه
" لم يبدو على وجهك الاستياء ؟ "
أضاف مؤكدا على وجود خطب ما .
هز كريم رأسه محاولا نفي الأمر , علي يعاني بما فيه الكفاية هذه الأيام ,
لا يريد أن يزيد همه بمشاكله
" لا شيء فقط أمور تشغل بالي , لا تهتم "
لكن علي كان مصرا على معرفة ما يحصل
" هل تخص أسيل ؟ "
لا شيء يزعج كريم مؤخرا , إلا أمور لها علاقة بأسيل ، تلك الفتاة تأخذ عقله ,
و علي لا يلومه فنفس الأمر يحصل معه بسبب ملك .
أومأ كريم برأسه مؤكدا شكوكه , البارحة بعدما التقى أسيل , و غادرا المطعم اتصل شقيقها ،
و قد كان ثائرا لأنها لم تخبره الى أين تذهب ، بعد أن قصد الجامعة بحثا عنها و لم يجدها ,
و هي رفضت أن يقلها , و لم ترد على هاتفها بعد ذلك , مما وتر أعصابه و أثار مخاوفه ,
فقد صارت هذه العقوبات المتكررة , بالاحتجاز تثير انزعاجه و تقلقه بشدة .
" متى ستفاتح والدها في الموضوع ؟ "
سأل علي باهتمام عن أمر زواجه , و نظر اليه كريم و كأن السؤال فاجأه
" ماذا ؟ ألا تريد التقدم لخطبتها ,
أو أن مشاعركما غير متبادلة ؟ "
رد كريم أخيرا بنبرة محبطة
" ليس كذلك لكن مفاتحة والدها في الموضوع , تحتاج الى وقت و تفكير "
عبس علي و كأنه لم يستوعب ما قاله صديقه
" لا أفهم كيف يحتاج الى تفكير , أنتما متفقان أليس كذلك ؟
أو أنك لا تفكر بجدية في الارتباط بها ؟ "
قال علي باستياء و كريم يلتزم الصمت دائما , لا يجد ما يقوله ردا عليه ,
و استمر هو في الاستجواب
" ما بالك كريم ؟
أنت تعرف أن أكثر رجل أحتقره , هو من يعلق امرأة به , ثم يتركها و يكسر قلبها ,
لكنني أعرف أنك لست كذلك , فما الموضوع اذا ؟ "
أمام اصرار علي تريث كريم قليلا ثم رد بثلاث كلمات
" والدها لن يوافق "
و سارع علي لمعارضته
" لم افترضت ذلك ؟
ما الذي يعيبك حتى يرفضك والدها ؟ "
بعد تفكير معمق رد كريم بصراحة
" أولا أنا أكبر منها بكثير , فرق اثني عشر سنة ,
ثانيا أنا لا أملك الكثير , و أنت أكثر شخص تعرف أن والدها , يرغب بتزويجها لرجل ثري ,
هي لديها مستوى جامعي , و أنا بالكاد أنهيت الثانوية , اضافة الى أنني دون عائلة "
اختصر كريم كل مشاكله في جملتين كعادته .
تمعن علي فيما قاله صديقه , و قد أدرك صعوبة الموقف , فكريم يبدو معقولا في تفكيره ليبادره
" ما الذي تخطط لفعله اذا ؟
هل ستدعها تتزوج رجلا آخر ؟ "
كشر كريم و تجهمت ملامحه ثم هز رأسه
" لا , سأقتله و أخطفها "
علي "...."
" أي رجل أنت تعتقد أن تنفيذ هجوم مسلح , أسهل من خطبة فتاة ؟ "
قال علي بصدمة لزجره عن تفكيره العنيف .
لكنه يعرف أن كريم يائس جدا , و إلا ما كان قال ما قاله , لذلك حاول التخفيف عنه
" أولا فارق السن ليس مشكلة , هناك الكثير من الزيجات , التي تجاوز فيها الفرق عشر سنوات ,
و كانت ناجحة جدا و لا داعي لذكر أمثلة , جورج كلوني ليس أفضل منك "
رفع كريم حاجبيه استنكارا لمزاح صديقه , في هذه اللحظات الجادة , لكنه لم يقاطعه ليضيف
" أما بالنسبة للمستوى الدراسي , فأنت مثقف و على اطلاع كبير , على أمور كثيرة خاصة الاقتصادية ,
ثم أن المستوى الثقافي لا يحتاج الى شهادات ,
سالم نفسه لا يحمل أية شهادات , و رغم ذلك هو رجل أعمال , حسنا رجل أعمال فاشل لكنه يحاول النجاح ,
قصدي ما دمتما أنت و أسيل متفاهمان , لا أرى أية مشكلة فمسألة التعليم نسبية "
تنهد علي و أكمل
" نعود الى قصة الثراء , صحيح أن والدها طماع , لكنك لست فقيرا و منصبك هنا كبير جدا ,
ثم أسيل فتاة بسيطة , و ليست متطلبة مما عرفته عنها ,
لذلك ستكون سهلة المعشر ,
أما بالنسبة للعائلة فأنا عائلتك , أنت صديقي المقرب و مثل أخي , و الجميع يعرف أنني أدعمك اجتماعيا ,
و سالم لن يجد أفضل من والدتي , لخطبة ابنته و تجهيز عرسها ,
أو أن لديك رأيا آخر ؟ "
ابتسم كريم و هز رأسه نافيا , و قد فهم ما يصبو اليه علي , و هو متأكد أنه يقصد كل كلمة قالها .
أضاف بعدها علي بنبرة متعاطفة
" و أهم من كل هذا , لا أعتقد أن أبا خالد قاس , لدرجة أن يكسر قلب ابنته و يحرمها منك "
بقي كريم صامتا لا يجد ما يقوله سوى كلمة
" شكرا "
فكيف يرفض عرض علي المغري للمساعدة , عرض طمأن قلبه قليلا , ليكمل علي ما كان بصدد قوله
" جهز نفسك بعد عودتي من ايطاليا سنذهب لطلب يدها "
تفاجأ كريم لتسرعه و حاول اقناعه بالتريث
" لكن أليس الوقت مبكرا ؟ "
و نهره علي بحدته المعهودة
" لا ليس مبكرا أنت تعرفها منذ مدة ,
ثم أنا تزوجت ملك بعدما التقيتها بثلاثة أيام "
كريم "....."
من لا يعرف القصة يصدق ما يقوله علي , و يعتقد أنهما حظيا بقصة حب ملتهبة , تشبه ما حصل بين قيس و ليلى ,
فعلاقته مع ملك لا شيء يشبهها في العالم كله , لا ينقصهما الا الدبابات و الرشاشات في صراعهما ,
الرجل تقريبا خطفها من حياتها و احتجزها في منزله .
لكن كريم لم يعلق , لأنه يعلم مقدار مشاعر علي , ناحية ملك حاليا و هو يحترم ذلك .
انصرف بعدها كريم , و قام علي باستدعاء السكرتيرة
" اتصلي بأبي خالد , أخبريه بأنني أريد ملاقاته , على الغداء غدا اذا كان متفرغا ,
احجزي لنا في المطعم المعتاد "
" حاضر "
صمت علي قليلا ثم أضاف
" لا داعي لاعلام كريم عن هذا اللقاء , هو أمر سري "
" حاضر "
دون نقاش غادرت المرأة لتنفيذ ما طلبه , و بقي علي يفكر فيما يجب أن يفعله مع الرجل ,
صحيح أنه طمأن كريم بخصوص الأمر , و لكنه يعلم جيدا أنه محق بخصوص ,
معارضة والد أسيل للزواج , بسبب وضعه المادي و الذي لا يشبع طمعه ,
الثروة هي الأمر الوحيد من كل ما قاله كريم , قد يعيق زواجه فعلا من أسيل ,
فسالم لا يبالي بأي مواصفات أخرى حتى الصحية منها ,
لكنه لن يقف متفرجا و يدعه وحده , سيجد طريقة لاقناع الرجل , باستخدام مغريات أخرى ,
دون احراج كريم أو الحط من قيمته .
.
.
.
فتح الرجل باب البيت بهدوء تام , و تسحب ناحية المطبخ كلص محترف ,
تقتاده حواسه التي تقول , بأن حبيبة قلبه هناك , و ما لبث أن سمع دندناتها العذبة ,
اتكأ على اطار الباب يراقبها , ترتدي أحد أثوابها المنزلية , التي تصل الى ركبتيها ,
و تلف شعرها في منديل حريري , ينتهي بعقدة تشبه أذني الأرنب فوق رأسها ,
تتمايل يمينا و شمالا مع أنغام الأغنية , منشغلة بشكل ساحر في اعداد دجاجة مشوية ,
كم يذكره شكلها هذا بأيام شبابهما , كانت عنيدة و مجنونة و سليطة اللسان ,
لكنها كانت طيبة و ساذجة و سهلة البكاء ,
و كان هو يلف خلفها كالمجنون , يهش الشباب اللذين يحومون حولها , متصيدين فرصة انتزاعها منه ,
و اللذين تجذبهم بعينيها الخضراوين الساحرتين و ابتسامتها اللطيفة ,
ابتسم عز الدين بتذكر الماضي الجميل , فتلك كانت ذكريات لا تنسى , عاش عليها لسنوات حرمان طويلة ,
قبل أن يرأف به القدر , و يعيدها الى حياته مجددا ,
سمعت عدراء صوتا هامسا من خلفها , و بمجرد أن استدارت فاجأها وجوده هناك ,
وضعت يدها المطلية بالزبدة على صدرها , و شهقت عاليا قبل أن تنهره
" يا الهي عز الدين , لم لا تصدر صوتا كدت تقتلني ؟ "
ضحك هو بنبرة خافتة قبل أن يدنو منها , يأخذ فوطة مبلولة و يحاول تنظيف بقعة الزبدة ,
مثيرا انزعاجها أكثر فقد أفسد أناقتها , لكنه حاول تفادي انتقامها بابتسامته التي تعشقها
" طرقت الباب بالفعل , أنت من لا يشعر بما حوله حينما تبدئين بالطبخ "
رمقته عدراء بنظرة مستاءة , قبل أن تأخذ الفوطة من يده و تسأله
" متى أتيت ؟ "
تظاهر عز الدين بالتفكير , قبل أن يجيبها بمشاكسة و هو يقرص وجنتها
" حسنا أعتقد حينما وصلت الى نغمة
" حابسني برات النوم "
التي كنت تغنينها لي "
و ابتسم لها بعدما دندن أغنيتها المفضلة لفيروز , فقد كانت في وقت ما , و لا زالت أغنية حبهما
" لم أعرف أنك محتاجة لأقراص النوم حنونتي "
تذمرت عدراء و قلبت عينيها , لتبعد يده و توقف شغبه
" سابقا كنت تحتضنني لأنام , الآن تنام وحدك و تتركني ,
لا أسمع الا صوت شخيرك العالي ,
فكيف لا أعاني من الأرق ؟ "
ضحك عز الدين بصوت مرتفع , قبل أن يضمها ليقبل رأسها و يطيب خاطرها
" لهذا أنت غاضبة ؟ حسنا لن أعيدها ,
لكنني لا أشخر أنا أعترض و بشدة "
ضحكت عدراء و ضربته بخفة على صدره , قبل أن يسألها مجددا باشتهاء في صوته
" هيا أخبريني ماذا تعدين لنا أيتها البطة ؟ "
كان هذا لقبها الذي يحب استفزازها به , و مع الوقت صارت تحبه من فمه .
انتبهت عدراء الآن فقط أنه يتجسس على صينيتها , فتحت ذراعيها أمامه بتحفز , محاولة اخفاء ما يحويه الفرن ,
دون جدوى فقد كان يتفوق عليها بطوله , و سارعت لزجره بسخط واضح
" لم عدت الآن , ألم تقل أن لديك برنامجا كثيفا اليوم ؟ "
" ماذا عدراء هل ستطردينني من بيتي ؟ "
قال عز الدين بنبرة مفجوعة قبل أن يضيف
" أجريت جراحتين و أجلت اثنتين الى الغد , أصبحت عجوزا على العمل الشاق ,
هل لديك اعتراض ؟ "
لانت ملامح المرأة أمامه , هي ترتعد حينما يذكر أمامها أنه عجوز ,
و كل ما تخافه أن تفقده من حياتها , هي لا تستطيع الاستمرار في الحياة دون وجوده .
" لا تقل ذلك لست عجوزا , ثم أنا لم أقصد ذلك ,
أردت فقط أن أكون على راحتي قبل وصولك , حتى أحضر ما أريده "
نفت عدراء تهمة الطرد عنها , لكن عز الدين لا يفوت الفرصة لاثارة حنقها
" ماذا ؟ هل تعدين مفاجأة ما ؟ "
سأل بجدية كبيرة محاولا التخمين , و هو يحرك حاجبيه ناحيتها .
فجأة عبست المرأة أمامه , و اغرورقت عيناها بالدموع ,
قبل أن تجيبه بنبرة باكية , و هي تضع يدها على قلبها
" يا الهي عز الدين , لم أتوقع أن يأتي علي يوم , لا تتذكر فيه عيد زواجنا "
" فعلا ؟ هل هو الليلة ,
ألم يكن بعد أسبوع من الآن ؟ "
استمر الرجل في تمثيل التجاهل , حتى بدأت عدراء بالبكاء فعلا ,
حينها توقف عما يفعله , و احتضنها ليهمس في أذنها
" أيتها الباكية هل صدقت الأمر ؟ "
كفكفت عدراء دموعها , لتحدق ناحيته بنظرات مبهمة , و سارع عز الدين لتوضيح الصورة
" عدت باكرا حتى أخبرك , أن تجهزي نفسك لأني حجزت لنا , في مطعم جميل للاحتفال الليلة ,
لكن بما أن هناك أرنبا مسكينا , يشوى في الفرن منذ الصباح , فلم يطاوعني قلبي تركه و الذهاب ,
و علي الآن أن أتصل بهم و ألغي الحجز "
أشرق وجه عدراء بما سمعته , ضربته على صدره بقبضتها مجددا , قبل أن تنهره بصوت جاد
" ليس أرنبا انه ديك "
" فعلا ؟ لم يبدو نحيفا جدا اذا , أنت متأكدة أنه ليس مصابا بالسل مثلا ؟
أنا لا أريد أن أموت قريبا "
بسماع انتقاد زوجها استدارت عدراء , و حدقت بجدية ناحية ديكها المشوي , الذي تعذبه منذ ساعتين ,
رمشت مرتين قبل أن تدرك أنه يسخر منها , حينما سمعت صوت ضحكته و هو يغادر المطبخ
" سآخذ دشا و أعود لتحضير السلطة , لا تلمسيها أو أكلتك بدلا عنها "
احتقنت وجنتاها بسبب تلميحاته السمجة , و سرعان ما استعادت بسمتها اللطيفة ,
لتعود لتحضير عشائهما الاحتفالي .
اتجه عز الدين ناحية غرفته , و قبل أن يدخلها ألقى نظرة , على غرفة ابنته التي تقابلها ,
مقاوما حنينا معذبا و اشتياقا مضنيا لها ,
هو يتذكر أنها رفضت غرفة أكبر , في آخر الرواق حينما انتقلوا الى هنا , قالت أنها تريد أن تكون قريبة منهما ,
و كانت تقتحم عليهما الغرفة , كلما سمعت أحدهما يسعل أو يعاني من ألم ما .
دخل عز الدين بخطى متأنية وقف أمام مكتبها , و مرر يده برفق على الكتاب , الذي يقبع هنا منذ تركته يومها
" ماما أرجوك لا تلمسيه , أنا أراجع منه أمراض الأعصاب للامتحان ,
لقد طويت آخر صفحة قرأتها , لا تضيعيها أرجوك "
كان هذا آخر ما قالته , و هي تجر حقيبتها للمغادرة , دون أن يدركا أنها ستكون , آخر مرة يريا فيها ابنتهما .
" هل هناك لبس ما ؟ "
سأل عز الدين نفسه بهم كبير , قبل أن يستعيد كل تلك الذكريات التي علقت في رأسه , عن ابنته و المدعو زوجها ,
عن رفضها العودة معه , و عن خيبة أمله في كل ما تعب لأجله ,
ليصل الى نفس النتيجة الحتمية
" لم يجبرها شيء للبقاء هناك "
هو بعدما عاد من تلك الرحلة المشؤومة , و دخل المشفى بأزمة قلبية , كان يترقب رؤيتها في أية لحظة ,
بكل شوق و تأمل أن تعود من هناك , تلقي نفسها في حضنه و تطلب السماح ,
لكن آماله خابت و قد انتظر لأشهر دون نتيجة , فالابنة التي كانت تبكي لأنه يعاني زكاما ,
أصبح قلبها قاسيا كالحجر , و لم تكلف نفسها حتى عناء السؤال عن صحته ,
اكتشف بأسوء طريقة أن فتاته الصغيرة , التي كان يغير حفاظها و يهدهدها لتنام ,
كبرت و صارت امرأة لتستبدله مع والدتها , برجل غريب لا أحد سمع عنه شيئا .
أغمض الرجل عينيه و أخذ نفسا عميقا , و قد خالجه طوفان من المشاعر المتضاربة ,
شعر معه أن قلبه ارتجف كمدا ,
كان يشعر بالشوق لرؤية ملك رغم كل ما حصل , يريد ضمها الى صدره و تقبيلها ,
يريد الجلوس لساعات طويلة , يستمع الى حكاياتها المثيرة عن رحلاتها ,
حكاياتها الكثيرة التي نسيت خلالها , اخباره عن أنها مغرمة بأحدهم ,
لدرجة الزواج منه خلسة , و حمل طفله دون علمهما ,
كان عز الدين يشعر بالحقد , على ذلك الرجل الذي اختطف أمل حياته , و يرغب في كل مرة يتذكر فيها , عينيه السوداوين الحادتين كثقبين أسودين , بالسفر حالا و خنقه بيديه ,
يشعر بالأسى و الشفقة على عدراء , التي تحاول ألا تبكي أمامه , كلما ذكر احدهم اسم ملك ,
و يشعر بالغضب من نفسه , لأنه لم يكن أبا كفاية , حتى يحصل على ثقة ابنته الوحيدة ,
لتبوح له بأسرارها قبل أن يفوت الأوان .
" هل ستعود يوما ما ؟
هل ستكون مع ذلك الرجل أو ستعود وحدها ؟
هل ستجلب أحفادهما و من سيشبهون ؟
و الأهم هل يمكنه مسامحتها ان عادت بعد كل ما حصل ؟ "
تنهد الرجل بحسرة بسبب الأسئلة , التي لا يملك اجابات لها , و جال بنظره في الأرجاء ,
حيث الكثير من الكتب و الدمى هنا و هناك ,
و الكثير من الصور التي تذكره , بابنة افتخر بها يوما , و قد لا يتسنى له رؤيتها قبل موته ,
دون أن يجد تفسيرا منطقيا لكل ما حدث ,
هو يعلم أن عدراء تأتي هنا ليلا خلسة , حينما لا تستطيع النوم , تتسلل من جانبه معتقدة أنه يغط في نوم عميق ,
لا تعرف أن أرقه أسوء من أرقها , و كوابيسه بشأن ملك لا نهاية لها ,
لن ينسى أبدا حينما وجدها يوم عيد ميلاد ملك , تجلس الى جانب السرير ,
تحتضن احدى دماها و تبكي بحرقة ,
لن ينسى كيف تدمع عيناها بحرقة , حينما ترى مئزرها أو ختمها ,
أو حينما ترفع رأسها لتراقب , شهادتها المعلقة في الصالون , و التي رفضت ازاحتها مهما أصر ,
و كيف تسهو كلما وقعت عيناها على احدى صورها , و كأنها تجوب الماضي بأسى كبير .
كانوا في أعياد ميلادها يحضرون كل شيء سويا , و يكون الحضور كبيرا من أفراد العائلة , الأصدقاء و حتى الجيران ,
و الآن لا أحد يسأل عنهم , الا اذا راوده الفضول لمعرفة تفاصيل ما حدث ,
أو لسماع آخر الأخبار التي لا يملكانها من الأساس ,
لقد انسحبا من الحياة الاجتماعية , التي كانا يحظيان بها , هروبا من التعليقات المستفزة و المنافقة
و النظرات التي تتراوح بين الشفقة و الشماتة ,
لكنه لم يهتم لكل هذا يوما , فكل ما يثير آلامه رؤية عدراء حزينة , و تحاول التمثيل أنها بخير أمامه .
شرد الرجل مطولا داخل الغرفة , حتى أخرجه صوت زوجته من بحر همومه
" عز الدين لا تتأخر سيبرد الديك "
" أنا قادم "
رد عليها و غادر سريعا , مغلقا باب الذكريات خلفه .
.
.
.
في المساء قامت ملك مع علياء , بجمع أغراضهما و العودة الى البيت , و قد أرسل ابراهيم ليقلهما ,
كان علي يجلس في مكتبه ينهي بعض الأوراق , و الخادمات ينقلن أغراض سارة , بعد جمعها في صناديق تحت اشراف فاطمة ,
في انتظار العربة التي قال كريم أنها ستصل في الثامنة .
بمجرد وصول المرأتين لفت نظرهما , منظر الصناديق المكدسة في المدخل ,
نظرتا الى بعض باستغراب و نزلتا من السيارة ,
سارعت علياء لسؤال فاطمة , التي استقبلتهما عند الباب بوجه بشوش
" لمن هذه الأغراض ؟ "
نظرت فاطمة ناحية ملك بنظرة شفقة و أجابت
" أغراض سارة , السيد طلب أن نجمعها لأنها ستغادر المنزل "
كانت نبرتها مستاءة بطريقة واضحة , لكنها كعادتها لم تعلق أكثر .
فهمت ملك مباشرة ما يحصل , أصلا توقعت أن يكون الفاعل أحد سكان المنزل ,
لكنها لم ترد أن يخيب ظنها في أي واحد منهم , و بدا الاستياء على وجهها هي الأخرى قبل أن تسألها
" أين علي أريد أن أكلمه ؟ "
أشارت فاطمة الى المكتب , و شعرت علياء بانزعاج ملك ، لذلك أرادت أن تفسح المجال لهما
للبقاء سويا أكيد علي مشتاق لها كثيرا
" سأكلم أمي و الأولاد و ألحق بك "
بادرتها ثم انصرفت متجهة الى غرفتها
اتجهت ملك الى المكتب , منذ ذلك الصباح لم تر علي , و لم تسمع صوته الا لمرة واحدة ,
و بطريقة ما تشعر بأنها تشتاق له ,
لكنها لن تجرؤ على الاعتراف بالأمر أمامه , فيما يبدو أنها بدأت تتعود على وجوده ,
لكنها لن تتحمل سخريته , اذا سمع ذلك من فمها .
بوصولها أمام الباب شعرت ملك فجأة بالتوتر , و كأنها ستقابل هذا الرجل لأول مرة في حياتها ,
لكنها اجترت حرجها سريعا , فهي تريد أن تفهم ما يجري ,
دقت ملك الباب بيد مرتجفة , دخلت بهدوء و وقفت عند المدخل
" مساء الخير "
رفع علي رأسه من بين أوراقه ، و نظر ناحيتها مع ابتسامة صغيرة على فمه
" مساء الخير "
ثم أشار لها لتتقدم و تجلس أمامه , أراد أن يتجه هو نحوها و يأخذها في حضنه , و قد اشتاق لها كثيرا ,
لكنه حافظ على آخر ذرة سيطرة على النفس يمتلكها , و ظل مكانه متفاديا التسبب في فضيحة ,
و منتظرا أن تجلس مقابله , ليحظى ببعض عبير الياسمين .
تقدمت ملك ناحية الكرسي , جلست و هي تلاعب أصابعها و قد تجدد احراجها ,
بعدما تذكرت ما قالته علياء , عما حصل تلك الليلة من جموح من طرفها ,
و دون ارادة منها خانتها عيناها , و تسللتا لتراقبا اللاصق الطبي , الذي لا يزال علي يبقيه على رقبته مكان عضتها ,
و التي لا يبدو أنها ستزول دون أثر دائم .
شعرت ملك باحتقان وجنتيها , و ارتفاع درجة حرارتها و قد زاد ارتجاف قلبها
" يا الهي "
كان كل ما تمتمته لنفسها ,
فقد اعتقدت لوقت طويل , أن علياء كانت تشاكسها بما روته , لكن واضح أن ما فعلته كان أكثر جرأة مما قالته .
صحيح هي لا تتذكر التفاصيل , و لكنها تسترجع بعض الومضات من حين الى آخر , لا تعرف ان كانت حقيقية أو لا ,
لكنها للأسف تحتوي كلها , على رائحة عطر هذا الرجل و وجهه قريبا منها .
انتبه علي الى مسار تحديقها , ليرفع يده دون وعي منه , و يمررها على المكان الذي صار كختم خاص به ,
لتلمع عيناه بوهج دافئ غريب , زادت دقات قلبها برؤيته , رغم الصمت الذي يلف المكان
" يا الهي ليتها كانت في وعيها تلك الليلة , لكان أسعد رجل الآن , هو يريد ملك المجنونة , التي تحبه و تغازله علنا مثل تلك الليلة ,
حتى و ان كان الوضع يعذبه , لكنه يريدها بذلك الشغف و الجموح دون تخدير ,
يريد أن يضمها و يقبلها كما طلبت , و أن يناديها بكل أسماء الدلال ,
التي يعرفها بين كل قبلة و أخرى , و التي يمنع نفسه عنها عنوة .
هو يعرف أن هدوءه النفسي لن يعود كما كان , بعدما ذاق اكسير العشق من لسانها ,
لكن عليه أن يكبح جماحه كلما اقترب منها الآن , لا يريدها أن تكرهه بعد أن استعادت وعيها ,
ربما هذا أكبر عقاب قد يناله لما فعله معها , أن تكون المرأة التي يحبها زوجته , و تحت سقف بيته و لا يستطيع حتى أخذها بين أحضانه ,
عذاب لن يشعر به إلا هو "
شرد علي في أفكاره , ناسيا نظراته الملتهبة التي تربك المرأة أمامه .
سارعت ملك و خفضت رأسها حرجا , أجلت صوتها قبل أن تقطع تأمله , و تعيده الى أرض الواقع التي صار يبغضها
" هل كانت سارة ؟ "
سألت بصوت شبه متأكد , و هز علي رأسه لتأكيد الأمر , قبل أن يطمئنها و قد استعاد تركيزه أخيرا
" لا تقلقي ستغادر , لن تشكل خطرا عليك أبدا "
" لماذا ؟ "
سألته ملك بفضول , هي تريد أن تسمع منه سبب ما تعرضت له .
فاجأ سؤالها علي و صمت لا يعرف بما يجيب , لكن ملك ليست ساذجة ,
صحيح أن تفكيرها بسيط , لكن مواقف سارة كانت واضحة طوال الوقت ,
كلامها حركاتها تلميحاتها اتجاه علي , كانت توحي أنها مهتمة به كثيرا و واقعة في هواه ,
و أن حلمها الوحيد أن تكون معه .
في المقابل هو كان باردا معها طوال الوقت , و لم يعاملها بأكثر من قيمتها , بطريقة رسمية و علنية دون شبهات ,
رغم أنها اعتقدت في البداية أنها عشيقته , لكنها بالنسبة له كانت مجرد ممرضة لزوجته لا أكثر ,
و هي تعترف بذلك .
هي شعرت بغيرة سارة منها لمرات عدة , و رأت حقدها في عينيها تجاهها ,
لكنها لم تعرها اهتماما ,
فبالنسبة لها لا شيء حقيقي , يحصل بينها و بين علي , حتى يجعلها تغار منها ,
فهي لا تعتبر نفسها زوجته من الأساس , و لم تكن تشكل لها حاجزا , للظفر بالرجل من وجهة نظرها ,
لذلك لم تتوجس منها شرا يوما , و لم تتوقع أن يصل بها الهوس الى تخديرها .
" ليس لسبب يخصك "
أجاب علي أخيرا على تساؤلها بغموض , بعدما أخذ وقته في وزن كلماته ,
هو لم يعترف بعد بمشاعره لملك , و بالتالي لن يجرؤ على التحدث , عن مشاعر سارة ناحيته الآن ,
لا يريد سوء فهم آخر , أو اتهاما آخر من طرفها أنه هو المسؤول , أو أنه علقها و غدر بها ,
فصورته مشوهة كفاية في عقل ملك .
حدق الاثنان لبعضهما بصمت لدقائق , قبل أن تضيف ملك و تصدمه
" لا تقسو عليها , هي فعلت ذلك لأنها تحبك ,
ابعادها عنك سيكون عقابا كافيا لها , لا داعي لايذائها أكثر "
هي تعرف كم أن انتقام , هذا الرجل مجنون و دون حدود , و هي أكثر من ذاقت ويلاته ,
صحيح أن سارة تستحق العقوبة , لكنها متأكدة أن علي سيحرص على تعذيبها قبل تركها .
لم يرد علي بكلمة على طلبها , و جلس مكانه يراقب ملك تغادر ، بشعور عارم بالاستياء و التأثر يعلو ملامحها ,
هي لم تفعل لسارة شيئا حتى تفكر في ايذائها , لطالما كانت حساسة لخداع الناس لها , لطالما افترضت حسن النية لدى الجميع ,
فطبيعي أن تكون خيبة الأمل موجعة , لكن ما أخذته من دروس في هذا البيت يكفي لفتح مدرسة .
قبل خروجها بخطوة واحدة , استدارت ملك ناحيته و خاطبته
" علي ؟ "
بسماع صوتها منحها الرجل كل حواسه للانصات , كيف لا و هي تقول اسمه بكل هذه العذوبة ,
لتضيف ملك مع ابتسامتها اللطيفة
" شكرا لك "
هز علي رأسه و قد رفرف قلبه كمراهق غر , مستعد للتنازل عن حياته مقابل هذه الابتسامة ,
و رد عليها
" على الرحب "
لتغادر ملك مباشرة الى غرفتها .
في المكتب بقي علي يجلس مكانه , يقطب جبينه و يحاول استيعاب , ما قالته ملك عدا شكرها له
كيف أنها لا تريده أن يقسو على من حاولت قتلها ؟
و كيف أنها لاحظت بسهولة مشاعر سارة اتجاهه ,
و لكنها لا تلتقط مشاعره اتجاهها أبدا
ألهذه الدرجة هناك سد بينهما لا يمكنه تخطيه ؟
ألهذه الدرجة لا أمل له , في أن تراه رجلا مناسبا و تفتح قلبها له ؟
شعر علي باستياء شديد هو الآخر , و قد أدرك أنه مازال خلف خط البداية ,
فيما يخص علاقته مع ملك , فهي لا تراه بكل بساطة ,
لدرجة ألا تمانع الوقوف و التفرج بلامبالاة , على امرأة أخرى تريده ,
و تخطط بكل مكر للايقاع به , حتى أنها تطلب الرأفة لها ,
نعم هو يريدها أن تغار مثلما يفعل هو , أن تصاب بالجنون لرؤية امرأة قربه ,
و أن تتصرف بتملك و تدافع عما يخصها , ذلك فقط يرضي قلبه و غروره .
ألقى علي رأسه الى الوراء بتعب كبير و أغمض عينيه , حتى قطعت عليه علياء تفكيره
" مرحبا أخي كيف حالك ؟ "
" بخير "
" اذا تلك الأفعى من فعلها ؟ عديمة الحياء و الضمير ,
لا تدعها تفلت من العقاب , تستحق الأسوء كادت تقتل الفتاة "
نظر اليها علي بحيرة و أجابها
" ملك كانت قبل قليل , تطلب مني أن لا أقسو عليها "
لترد علياء بنبرة زاجرة
" فعلا ؟ لا تستمع لملك اذا ,
أصلا رقة قلبها و طيبتها من أوصلاها الى هنا , رغم ذلك هي لا تتغير أبدا "
عبس علي من تعبير أخته المدين له
" أشعر بالسوء لسماعك تقولين ذلك , أبدو شخصا مخادعا و مستغلا "
تنهدت علياء و أجابت دون مجاملات
" ليس كذلك أخي , لكن بصراحة لو كانت ملك امرأة أخرى ,
هل كانت وقعت في فخك أو قبلت تهديدك ؟
يا الهي لو كانت واحدة ممن نعرفهن , لكانت استغلت مكانتها , و كانت سيدة البيت بالقوة الآن ,
أو ربما أثارت مائة فضيحة حولك , و جعلتك تلعن اليوم الذي رأيتها فيه ,
و ليس أن تدور حول الجميع هنا لتطيب جراحهم "
ابتسم علي على تعبيرها و هز رأسه , لتغمز له و تضيف بصوت هامس
" لكن أتعرف أنا أشفق عليك الآن كثيرا ,
اذا بقيت ملك معك ستفقد ثروتك خلال أسبوعين , لأنها ستتبرع بها كاملة ,
صدقني أنا أحذرك من الآن "
ضحك الاثنان بصوت مرتفع , و رد علي متحديا أخته
" أنا لا أمانع فقدانها فلتوافق هي فقط "
علياء لم يعد يدهشها مواقف شقيقها , أو افصاحه العلني عن مشاعره ,
هي فقط تتمنى أن تتطور العلاقة , و يجتمعا حقيقة في أقرب وقت , و الا فان علي سيفقد صوابه ,
لولا أنها تعلم أن عليها عدم التدخل , لأن الأمر قد يفسد مخططات علي ,
لكانت أخبرت ملك صراحة عن مشاعره , و أنهت العذاب الذي يعيش فيه .
" حسنا أخي , أنا علي العودة قريبا , سعد أصيب بنزلة برد منذ أيام ,
و يقول أنها لا تتحسن لأن لا أحد يرعاه , سآخذ الأولاد و أعود "
" أعلم لذلك سترافقينني غدا ليلا الى ايطاليا في طائرتي ,
بامكانك بعدها السفر الى ألمانيا , كريم رتب الأمر بالفعل "
وضعها علي أمام الأمر الواقع
" فعلا ؟ لم أعرف بأنك مسافر ,
أردت أن أحجز في أول رحلة مغادرة "
" لا داعي ستأتون معي "
" جيد اذا بامكاني اصطحاب والدتي , قالت أنها تشعر بالضجر , و لم تشبع من الأولاد بعد ,
اضافة الى أنني أريد أن أعرضها , على طبيب أعصاب متمكن هناك ,
الآلام التي تشعر بها في رجليها , لا تستجيب للعلاج بشكل جيد "
استغرب علي الخبر
" لم تقل بأنها تريد الذهاب "
" لم تقل و لكنني سأقنعها بذلك "
بعدها قصدت علياء غرفتها و جمعت أغراضها , بقيت مطولا لتوديع ملك , التي شعرت بالحزن لمغادرتها ,
فها هي ستفقد شخصا مميزا شعرت بالثقة نحوه , و ستعود وحيدة مجددا دون صديق ,
لكن علياء طمأنتها أنها ستحدثها دائما , ليقلها بعد ذلك السائق , الى بيت والدتها للمبيت هناك .
هذه الرحلة الى ايطاليا لم تكن مفاجئة , علي خطط لها منذ مدة ,
و لكنه سيذهب الآن فقط , بعد أن جمع ملفا يدين ذلك السافل بهجت ,
لن يهنأ له بال حتى يراه يتجول يحدث نفسه في الشوارع , و سيحرص على فعل ذلك بنفسه .
😘💞💞
....... |